عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

الله عزوجل (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) قال : الحنيفية من الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، ثم قال : فطرهم على المعرفة.

نرى أن من ٣٩٠ فيلسوفا ٩١% منهم مؤمنون و ٥% منهم لاأدريون يعني (لا يعلمون) و ٤% منهم ملاحدة.

ذلك لأن العلم وما أودع الله من دقيق الصنع وشتى المعادلات في تكوين هذا الكون يجر الانسان الباحث الى الاعتقاد بالله العلي القدير.

في وجود الانسان دلائل على وجود الله :

يقول پاستور : لا تنافي بين العلم والإيمان بالله وكلما زاد علم الانسان زاد إيمانه بالله.

ويقول الكيميائي الشهير الدكتور (وتز) وإذا أحسست في حين من الأحيان أن عقيدتي بالله تزعزعت وجهت وجهي الى أكاديمية العلوم (أي الجامعة) لتثبيتها ، التكامل ج ٤ ص ٧.

لطيفة علم التشريح :

يقول الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

إن الله جعل جسم الانسان كمدينة فابتدع لها أربع طبائع منفردات ثم ألف بين اثنين منها فكانت أربع أركان مزدوجات ثم كان منها أربعة أخلاط سببت تسعة جواهر وبتركيبها بعضها فوق بعض كان عشر طبقات اقيمت على ٣٤٨ عمودا ثم مد لها ٧٥٠ حبلا وجعل فيها ١١ خزانة مملوءة من الجواهر وجعل لها ٣٢٠ مسلكا وجعل أنهارها ٣٩٠ جدولا وفتح على سورها اثنى عشر روزنا مزدوجات مسالك لجريانها وجعل لها خمسة حراس وجعلها على عمودين.

٢١

فهذه ثلاثة عشر نوعا : الطبائع ـ الأركان ـ الأخلاط ـ الجواهر ـ الطبقات ـ الأعمدة ـ الحبال ـ الخزائن ـ المسالك ـ الأنهار ـ الأبواب ـ الحراس ـ العمودان.

١ ـ الطبائع أربعة : الحرارة ، البرودة ، الرطوبة ، اليبوسة.

٢ ـ الأركان على رأي القدماء أربعة : النار ، الهواء ، الماء ، الأرض ، والعلم الحديث جعل هذه الأربعة لحد الآن مركبات من عناصر تبلغ نحو ١٠٠ ولكن نتيجة العلم واحدة لأن المتقدمين والمتأخرين يرجعون الجميع الى أصل واحد وهو الهيولى وبعبارة اخرى شيء لا وزن له ولا لون بل يكاد يكون فرضيا.

٣ ـ الأخلاط هي الأربعة المتعادية وهي : الصفراء ، الدم ، البلغم ، السوداء ، وفلاسفة العصر زادوا غير ذلك.

٤ ـ الجواهر تسعة : عظم ، سنح ، عصب ، عرق ، دم ، لحم ، جلد ، ظفر ، شعر.

٥ ـ الطبقات عشر : رأس ، رقبة ، صدر ، بطن ، جوف ، حقو ، وركان ، فخذان ، ساقان ، قدمان.

٦ ـ الأعمدة : ٣٤٨ هي العظام.

٧ ـ الحبال : ٧٥٠ حبلا هي الرباطات الممتدة المشدودة على العظام وهي الأعصاب.

٨ ـ الخزائن احدى عشرة : هي الدماغ والنخاع والرئة والقلب والكبد والطحال والمرارة والمعدة والأمعاء والكليتان والانثيان.

٩ ـ والمسالك والشوارع والطرقات : هي العروق الضوارب ٣٦٠.

١٠ ـ وأنهارها هي الاوردة ٣٩٠.

٢٢

١١ ـ والأبواب الاثنا عشر : العينان ، الاذنان ، المنخران ، السبيلان ، الثديان ، الفم ، السرة.

١٢ ـ العمودان هما الرجلان.

هذا جمال القول في الجسم أما التفصيل فبعيد الغور.

نظام الأجنة في الأرحام :

قال الجوهري في تفسيره ج ١ ص ٤٦ إن الماء المهين في الرحم يمرّ في درجات مختلفات من النظام الحيواني فيكون : ١ ـ كالجراثيم النقاعية وهي الطبقات الدنيا من الحيوان فيما تقدم. ٢ ـ ثم يكون علقة ملتفة شبه أرباع الدائرة.

٣ ـ ثم يصير شبه الضفدع. ٤ ـ ثم يظهر العمود الفقري وله منقار طائر وجسم الحشرة وهو الممر ما بين عالم الطير ومرتبة الحيوانات الثديية. ٥ ـ يصير كذوات الأربع فيشبه القرد. ٦ ـ وتنمو الرأس وترسم الذراعان وله ذنب وتتهيأ مواضع الأعضاء للنمو وترتسم العينان والمنخران والفم ثم يقصر ذنبه ويظهر التأنيث فيه وهذا من الشهر الرابع ويظهر تصوير الجنين فيه.

وفي الشهر الخامس يفرق بين الذكر والانثى ، وفي السادس يكون طوله من ١١ عقدة الى ١٦ عقدة ، وفي السابع من ١٣ عقدة الى ١٦ عقدة ، وفي الثامن تفتح العينان ويكسى جلد الرأس بالشعر بالشعر ويكون طوله من ١٦ إلى ١٨ عقدة ، وفي الشهر التاسع من ١٨ الى ٣٠ عقدة ، فترى أن الجنين من أول أمره لا يعرف من أي طبقة هو ولقد رسموا جنين الدجاج والانسان والسلحفاة والكلب فلم يجدوا فيها فرقا ، هذه هي الآراء المعروفة اليوم في علم الأجنة.

نظام الجسم الانساني :

ويا ليت شعري أي هندسة وأي نظام وأي مقياس كان في الرحم حتى صنع هذه المقاييس ، يمر الجنين في أطوار الحيوانات النقاعية والهلامية والفقرية من

٢٣

الطير وذوات الثدي وآخرها القرد ثم ترسم أعضاؤه وحواسه مترتبة منظمة ، بحيث تكون قامته ثمانية أشبار بشبره هو ويكون من رأس ركبتيه الى أسفل قدميه شبران ومن ركبتيه الى حقويه شبران ومن رأس فؤاده الى مفرق رأسه شبران ومن حقويه الى رأس فؤاده شبران بنسب متساوية كما تساوت نسب الأصابع في اليدين وفي الرجلين في الانسان وفي الحيوان. وإذا فتح يديه ومدهما يمنة ويسرة كما يفتح الطائر جناحيه وجد ما بين أصابع يده اليمنى الى رأس أصابع يده اليسرى ثمانية أشبار النصف من ذلك عند ترقوته والربع عند مرفقيه. وإذا مدّ يديه الى فوق رأسه ووضع رأس البركار على سرته وفتح الى أصابع يديه ثم أدير الى رأس أصابع رجليه كان البعد بينهما مساويا عشرة أشبار وذلك طول قامته وربعها. وطول وجهه من رأس ذقنه الى منبت الشعر فوق جبينه شبر وثمن شبر. والبعد ما بين اذنيه بشبر وربع. وطول شق عينيه كل واحدة ثمن شبره. وطول أنفه ربع شبره. وطول إبهامه وطول خنصره متساويان ، هذا قلّ من كثر من المقاييس العجيبة التي في جسم الانسان ، هذا كله اذا كان معتدلا وقد يزيد وينقص جل الخالق.

تشريح الاذن :

ذكرت أن الجسم الانساني مركبا من أعضاء وحواس وعروق الخ.. وترى حاسة السمع وحدها لا تقل عن جسم الانسان بل عن العالم كله من عجائب تركيبها وكثرة تفاصيلها وبدائع دقتها وأنظمتها الدقيقة البديعة فتأمل عظمة الخالق جل جلاله.

تجد الآن أمام مدينتين وبحر المدينة الاولى خالية من السكان مقوسة البنيان دائرية السور ليس فيها إلا الهواء يغدو ويروح ثم ترد عليها الرسل أفواجا كل آن بأشكال مختلفة يريدون أن يتوصلوا الى الملك المعظم الذي هو جالس خلف ذلك النهر على عرشه العظيم ، وتلي هذه المدينة المدينة الثانية وفيها أماكن للبريد كل منها يوصل للآخر ما يرد له من الرسائل.

٢٤

ويلي هذه المدينة النهر وهو أهم من السابقتين فلو رأيته لأدهشك ما فيه من العجب فإنك تراه نهرا عظيما متلاطم الأمواج وهذا النهر ليس كالأنهار يجري على شبه استقامة بل هو ملتو ثلاث كما تلتوي الحيات من ناحية ومن الناحية الاخرى ملتف كما تلتف القوقعة وتجد من مائه كرات كثيرة من الحجارة وآلات برقية تلغرافية تبلغ ثلاثة آلاف نبتة من الجهة التي تشبه القوقعة وعلى شواطئ البحر تجد أسلاكا اخرى برقية (تلغرافية) ووراء هذا البحر الملك وعنده أصحاب البريد ينبشون جهة الأسلاك البرقية على الشاطئ وجهة الأسلاك التي في البحر وترى اولئك الرسل الذين يأتون المدينة الاولى يرسلون الأخبار الخارجية الى المحطة الاولى في المدينة الثانية ومنها الى الثانية ومن الثانية الى الثالثة ثم تنقل الأخبار الخارجية الى البحر خلفهما فتنقل في تلك الأسلاك التي هي ثلاثة آلاف بعد مرورها على تلك الكرات الحجرية النافعة لحفظها ويتلقفها رسل الملك المنبثون في تلك الجهات وبذاك يعرف أخبار الممالك الاخرى ، هذه هي أوصاف الاذن.

أما المدينة الاولى فهي التي يسمونها الاذن الظاهرة المؤلفة من الصوان الذي يجمع أمواج الصوت ومن الصماغ السمعي الظاهر وهو خرق الاذن الذي يؤدي تلك الأمواج الى الاذن المتوسطة وطوله نحو قيراط.

وأما الأفواج التي ترد عليها فهي الحروف الهجائية ومركباتها وأصوات الغناء والألحان وكل ما يسمع وهذه لا حصر لعدّها.

وأما المدينة الثانية فهي الاذن المتوسطة أو الطبلة وهي تجويف بين الاذن الظاهرة والباطنة وتنفصل عن الظاهرة بالغشاء الطبلي.

وأما الأماكن الثلاثة التي للبريد فهي ثلاث عظمات دقيقة يتصل بعضها ببعض تسمى احداها المطرقة والثانية بالسندان والثالثة بالركاب للمشابهات التي بينها وبين هذه الثلاثة.

٢٥

وأما البحر العظيم وراءها فهو المسمى بالاذن الداخلة أو التيه وهي عضو السمع الخاص وإنما سميت بالتيه لكثرة ما فيها من التجاويف والعجائب ، وفيها سائل فيه خيوط دقيقة شعرية وكتل متبلورة وفيه ثلاثة آلاف جسم صغير تسمى حصى (كورتي) فهذه هي آلات البرق المذكورة فيما تقدم ، فإذا قرع الاذن الظاهرة صوت اتجهت أمواجه الى الاذن المتوسطة بسبب حفظ الصوان للصوت فيقع على الغشاء الطبلي فتهتز العظمات الثلاث في الاذن المتوسطة وينتقل الى السائل ويصادف تلك الكرات الدقيقة التي سميناها حجارة فيما مضى ، وإذ ذاك يتلقف كل سلك من الأسلاك المسماة عصى (كورتي) التي تبلغ ثلاثة آلاف خبرا من الأخبار وصوتا من الأصوات بحيث يكون مناسبا له ، وكأن هذه الثلاثة آلاف مختلفات القوى كاختلاف الأصوات وكل صوت يتجه الى مقدم ، فإن المسموعات كثيرة جدا من حيوان وشجر وحجر توزع على تلك الثلاثة آلاف بحيث يمر كل صوت في السلك المناسب له الى السلك المناسب له ثم هذه تتصل بالشعرات التي في تلك القنوات التي عبّرنا عنها بأسلاك برقية أيضا وهناك يمتد العصب السمعي واصلا من المخ فيلتقط تلك الأخبار ويوصلها للمخ الذي عبرنا عنه بالملك في عرشه.

(فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ).

نتبين من نظم خارقة رائعة نشاهدها في المخلوقات لا سيما الانسان أن الحكمة متجلية في كل زاوية من زوايا الكون.

(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ).

قال علي عليه‌السلام :

أتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

٢٦

وأنت الكتاب المبين الذي

بأحرفه يظهر المضمر

قال الامام الصادق عليه‌السلام : أول العبر والأدلة على الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه فإنك اذا تأملت العالم بفكرك وميزته بعقلك وجدته كالبيت المبنى المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والجواهر مخزونة كالذخائر وكل شيء فيها لشأنه معدّ.

والانسان كالملك ذلك البيت والمحوّل إليه جميع ما فيه وضروب النبات مهيأة لمآربه وصنوف الحيوانات مصروفة في مصالحه ومنافعه.

وفي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملائمة ، وأن الخالق له واحد وهو الذي أوجده وألّفه ونظّمه.

قال ابن أبي الحديد في مقام التوحيد :

فيك يا اعجوبة الكون غدا الفكر كليلا

أنت حيّرت ذوي اللب وبلبلت العقولا

كلما قدّم فكري فيك شبرا فرّ ميلا

ناكصا يخبط في عمياء لا يهدي سبيلا

وفي الذرة آتوم دلائل على وجود الله تعالى :

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ).

ومما لا يمكن إبصاره الذرة فإنها من الصغر بحيث لا يمكن للانسان أن يبصرها حتى بأدق الآلات ، وقد أصبح اليوم التعرف إلى الذرة وما أودع الله فيها من تركيب وقوانين ومعادلات من أهم العلوم الحديثة وأدقها وإصبعها ، وأصبح علم الذرة علما هاما يتخصص فيه بعد دراسة الفيزياء العالية على ضوء الرياضيات العالية ، لذلك يجدر بنا أن نتكلم عن الذرة وهي من النوع غير المنظور ما خلق الله تعالى بشيء من التفصيل.

٢٧

كان يقول ديموقراطيس الفيلسوف اليوناني منذ زمن بعيد (قبل الميلاد بخمسة قرون) أنه لو قسمت قطعة من الحديد مثلا إلى جزءين ثم قسم أحد الجزءين إلى جزءين آخرين أيضا وكررت هذه العملية مرات متعددة جدا فإننا سنصل إلى مرحلة لا نتمكن فيها من تقسيم الجزء الأخير إلى جزءين آخرين مع الاحتفاظ بخواص الحديد ، أي أنه لو قسم الجزء الأخير أيضا لا نحصل على الحديد بل يكون شيئا غير الحديد فصار الجزء الأخير الذي لا يمكن تجزئته بجزء لا يتجزأ وهذا ما يسمى اليوم بالذرة آتوم Atme ومعناها في اليونانية غير المنظور.

وهكذا ذكرها فلاسفة الاسلام من الملا صدرا في الأسفار والميرداماد ملا هادي السبزواري وغير ذلك من الفلاسفة.

وان البحوث الأخيرة في علم الفيزياء أيّدت هذه النظرية أيضا وبرهنت على صحتها.

وذلك أن كل عنصر كالحديد أو الذهب يمكن تجزئته إلى أجزاء متعددة إلى مرحلة يقف امكان التجزئة فيها مع الاحتفاظ بخاصية ذلك العنصر حتى تبلغ إلى جزء لا يتجزأ أي جزء لا يمكن تقسيمه وتجزئته مع الاحتفاظ بخاصية ذلك العنصر أي لا يكون بعد ذلك جزء الحديد حديدا أو جزء الذهب ذهبا ، والذرة هي هذا الجزء الذي لا يتجزأ.

وإن العالم المادي مكون من عناصر مختلفة كالحديد والذهب والكاربون وغاز الهيدروجين أو الايدروجين وغاز الاوكسجين الخ. وأصبح عدد هذه العناصر التى اكتشفها العلم الحديث ١٠٠ عنصر لحد اليوم.

وقد أعلن من عام ١٨٩٧ السير تومسون وغيره أنهم تمكنوا من أن يفصلوا من جميع أنواع الذرات التي هي في حالة تعادل جسميات متساوية في الوزن وذات شحنات كهربائية سالبة متساوية أطلقوا عليها اسم الالكترونات بالنسبة لشحنتها السالبة وإن ذلك يدل أن الذرة المتعادلة لا بد أن تكون مكونة من جزءين

٢٨

أحدهما موجب التكهرب والآخر سالب التكهرب ومن شحنتين كل منهما مساوية ومضادة للاخرى.

فعلم بعد هذا الاكتشاف أن كل ما في الكون من مظاهر مادية وجميع ما هنالك من عناصر كالحديد والراديوم وجدت من شيء واحد هو الطاقة وأن هذه الطاقة هي القوة الكهربائية السالبة التي تتجلى في البروتونات وكهربائية متعادلة موجبة سالبة وتتجلى في النيوترونات وعلم أن العالم المادي هي قوة كهربائية موجبة وسالبة أو طاقات هائلة تكدست فكانت ذرات وأجساما فليس هناك مادة بالمعنى الذي يفهمه المادي وإنما هي قوى وطاقات خلقها الله بقدرته وإرادته ورتبها ترتيبا بديعا خاضعا لمشيئته تعالى.

وخلاصة ما قلنا ان الذرة مكونة من :

١ ـ بروتونات موجبة.

٢ ـ الكترونات سالبة شحنتها مساوية ومضادة لشحنة البروتونات.

ومن نيوترونات كل منها من اتخاذ بروتون موجب والكترون سالب.

فتكون الذرة في مجموعها مكونة من جزءين أحدهما موجب التكهرب (كهربائية موجبة) وشحنتاهما متساويان ومتضادتان.

وهذا مما يجعلنا أن نتصور العالم مكونا من جسميات مكهربة ، لذلك كان يقول آنشتين أن العالم (يعني ما سوى الله) مجموع قوى كهربائية ومغناطيسية ، فأين المادة التي يتشدق بها المادي.

وقد صور (رذر فورد) تكوين الذرة بصورة المجموعة الشمسية وقد أدخل عليها بعض التعديلات.

وهذا دليل على عدم تناهي ما أودع الله من خواص وقوانين في دقائق هذا الكون وأن الالكترونات وهي عديمة الوزن تقريبا تدور بسرعة هائلة حول

٢٩

مركز الذرة (البروتونات) وهي تقع عن المركز بفواصل معينة كما في النظام الشمسي وأن الأبعاد بين الالكترونات الدائرة ونواة الذرة هي تقريبا تساوي الأبعاد بين الشمس والكواكب السيارة حولها مع حفظ النسبة فإذن كل ذرة هي مجموعة شمسية.

وقد ذكر الفيلسوف فريد الدين العطار النيشابوري الخراساني أن ذرات العالم في عمل مستمر وأنه توجد في كل ذرة شمس ظاهرة وروح باطنة.

وقال هاتف الاصفهاني الذي توفي سنة ١١٩٨ ه‍ :

دل هر ذرة را كه بشكافى

آفتابيش در ميان بيني

كه يكى هست وهيچ نيست جز أو

وحده لا شريك إلا هو

أي اذا كشف عن باطن كل ذرة لألقيت شمسا في وسطها ، وان غير الله جل جلاله لا يوجد فيها.

فهو قد توصل الى كشف هذه الحقيقة بإلهام رباني ونور قذفه الله تعالى في قلبه فقد ورد في الحديث عن الصادق عليه‌السلام : العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء.

وكم قذف الله من أنوار في قلوب المخترعين والمكتشفين وكم هيأ لهم أسبابا تمكنوا بها من العثور على حقائق جديدة.

اعتراف الماديين بخالق الكون :

فحريّ بالمادي الذي يعترف بالذرة ويستخدمها في حقول شتى ويستدل بالآثار على وجودها ووجود الالكترونات فيها وهو لم ير شيئا منها حتى بالآلات أن يتبع نفس الطريقة في الاستدلال على وجود الله تبارك وتعالى وأن لا يقول لا سبيل الى الاعتقاد بغير المنظور.

مع العلم أن غير المنظور في هذا الكون المادي أشد تأثيرا وفعالية من

٣٠

المنظور كالكهرباء والمغناطيسية وأمواج (هرتز) الى ما هنالك فالعالم المادي كله قوى كهربائية ومغناطيسية وجاذبية وكل اولئك من النوع غير المنظور ، بل وفي وجود الماديين ملايين الدلائل على وجود الله يعترفون به من غير شعور.

وما أعظم قوله تعالى (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) وهكذا يقول جل من قائل (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) سورة يونس ١٠١.

وقد صرح كرستاولون في آرائه الفلسفية أن تحول المادة الى القوة مما أوجب افلاس الماديين.

فوجب اذن أن نعترف بأن قوة خفية مدبرة عظيمة تسيطر على المادة التي هي مخلوقة لها فتعطيها الحياة وتجعلها نباتا فحيوانا فإنسانا وهو الله تبارك وتعالى وأن جوهر الحياة ليس بمادي.

يتألف محرك الصاروخ من ٠٠٠ ، ٣٠٠ قطعة ، فاذا كان صنع احدى هذه القطع خالف الهندسة التي يجب أن تصنع لسحبها مخالفة بسيطة ولم تبذل الدقة المتناهية في انتاج كل قطعة أخفق الصاروخ عند إطلاقه وفشل.

فكيف بهذا العالم المؤلف مما لا يتناهى من قطع من عالم الجماد والنبات والحيوان والكواكب ثم ارتباط هذه العوالم بعضها ببعض عدا عوالم الأرواح والعقول.

كما أن للمفكر أن يفكر من الذي هندس القطع التي تتألف منها محرك الصاروخ أم وجدت من تلقاء نفسها أم وجدت بصنعة صانع إذن وجب بحصر عقلي أن يعترف العقل أن هناك خالقا قديرا وقد أعلى الوجود وأوجد الأشياء بقدرته ورتبها بحكمته.

(سبحان الله خالق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون).

٣١

وفي خلق الله تعالى جميع ما في الكون من حيوان ونبات وجماد والأنجم بصورة زوجية حكمة بالغة كي يؤمن هذا الانسان أن الوحدة خاصة بالله تعالى لا يشاركه فيها أحد وأن كل شيء من المخلوقات لا بد له من شريك وزوج ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ).

هل توصل الماديون إلى فلسفة اختلاف الألسنة والألوان بصورة صحيحة عميقة دون الاكتفاء بالظواهر وهل درى عوامل اختلاف الألسنة وكيف تكلم الانسان وكيف ارتبط اللسان بالفكر حتى أمسى معبرا عما يختلج في نفسه.

الاختلاف في اللسان :

ذكر الفيلسوف طنطاوي في تفسيره ج ١٥ ص ٥٦ أن الاختلاف في اللسان وهو قسمان : قسم لفظي وقسم خطي ، قالوا ان اللغات تفرعت من أصل واحد الى لغات مرتقية وغير مرتقية هي أولا الزنجية وهي في الأرخبيل الهندي وفي أواسط افريقيا ، ثانيا : الأمريكية التي يتكلم بها أهل أمريكا الأصليون ، ثالثا : اللغة المستعملة في البلاد الشرقية الشمالية الآسيوية في جزائر سفالين ونحوها رابعا : اللغة الصينية وهي أحادية لا فرق فيها بين الاسم والفعل والحرف ، أما المرتقية فهي إما غير متصرفة وإما متصرفة فغير المتصرفة هي اللغات الطورانية كالتركية والمغولية والقفازية والإغرانية.

واللغة المتصرفة تنقسم الى قسمين : الآرية والسامية ، فالآرية هي أولا : الجرمانية المان وفروعها : الاسيلاندي ، النرويجي ، السويدي ، الدانماركي ، الانجليزي ، الهولندي.

وثانيا : الصقلابية السربية ، البلغارية ، البوهيمية ، البولونية ، والدوسية. وثالثا : الهندية. ورابعا : الفارسية. وخامسا : الأرمنية. وسادسا : اليونانية. وسابعا : اللاتينية الكلية.

٣٢

فروع اللغة الفارسية ثلاثة :

لغة الماديين ولغة بن ساسان والفارسي الجديد. فروع اللغة اللاتينية هي : الفرنسية ، والإسبانية ، والبرتغالية ، ولغة رومانيا المعروفة الآن في البلقان وبهذا افرق الكلام على اللغات الآرية.

أما اللغة السامية فهي اللغة المصرية وقد قيل إنها أصل اللغات السامية وأقول قد قال كمال بك مؤلف قاموس اللغة المصرية القديمة ما نصه.

إن اللغة العربية بحالها اليوم ناقصة ولا يكملها إلا قدماء المصريين ، واللغة البابلية والآشورية ، والعربية ، والحبشية ، والحمرية ، والسريانية أو الآرامية ، والفينيقية ، ووصلت إختلاف اللغات إلى نحو خمسة آلاف لغة ففي أوروبا ٥٨٧ وفي آسيا ٩٣٧ وفي إفريقيا ٣٧٦ وفي أمريكا ١٦٢٤.

أليس من العجب أن الهواء الخارج من الرئتين الذي لم تكن وظيفته إلا إدخال الصالح للحياة وإخراج الضار لها قد نال وظيفة شريفة عالية غالية وهي الإفهام وحمل جميع العلوم وتنوع إلى نحو خمسة آلاف لغة وبعض اللغات قد تبلغ عشرات الالوف من الكلمات يا سبحان الله قد تنوعت اللغات كما تنوعت المادة لأن اللغات دالة والمادة مدلول عليها فتنوع الدال وتنوع المدلول ولو لا حركة هذه الكائنات لم يتنوع الدال ولم يتنوع المدلول.

الاختلاف في الألوان :

انظر إلى الألوان فهي مثل السواد والصفرة والبياض والنحاسية كأهل السودان ، والصين واوروبا ، وأمريكا الأصليين حمر الوجوه انظر كيف ترى أن النوع الأبيض من هذا الإنسان يتفقون جميعا في اللون ولكن يستحيل أن يكون بياض زيد كبياض عمرو وهذا هو العجب بل هذا هو الآية الإلهية يسع البياض مثلا مئات آلاف الآلاف من الناس ، ولكن لكل واحد من لونه هيئة تخالف لون الآخر هذا معنى قوله تعالى وإختلاف ألسنتكم وألوانكم.

٣٣

الانسان آلة ميكانيكية عجيبة :

إحصاء حركة أجزاء الجسم :

ليس في الأمر غلو ولا مبالغة فإن هذه البيانات التي نقدمها هنالك استدل لك على القوة العظيمة التي ينطوي عليا الجسم البشري فجسم الإنسان يحتوي على ٥٠٠ عضل وهذه العضلات تقوم بتسيير ١٥ كيلوغراما من الدم لتغذية هذه الآلة ومحركه الرئيسي القلب ، والقلب وقطره لا يزيد على ١٥ سنتيمترا ينبض في الدقيقة الواحدة ٧٠ مرة و ٤٢٠٠ مرة في الساعة و ٣٦٧٩٢٠٠٠ مرة في السنة وفي كل مرة من هذه المرات يقذف القلب في الشرايين الصغيرة ٤٤ غراما من الدم أي ما يبلغ في اليوم الواحد ٤٤٣٥ كيلوغراما ومجموع هذا الدم يمر ٣ مرات في الدقيقة وتحتوي الرئة في الحالة العادية على خمسة لترات من الماء ويتنفس الإنسان بها ١٢٠٠ مرة في الساعة ، وهي تنقي في أثناء هذه الفترة ٦٠٠٠ لتر من الهواء فتغذي بها السكرات الحمراء الموجودة في الدم وتمده بالفيتامين.

أنى للذكر أن يخلق لنفسه انثى :

انظروا كيف يتم الله تعالى الحجة على عباده ويأتي بدليل قاطع على وجوده بقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم ٢٠.

أنى للذكر أن يخلق لنفسه أنثى ومن أين جاءت هذه الحاجة وكيف فكر هذا الذكر أن يجعل الانثى بشكل يؤدي إلى استدامة النسل مع تعقد المراحل في تشكل الجنين هذا ما يقوله الفيلسوف مونتز : حقا إن إنكار الله تعالى ضرب من الجنون فهؤلاء المنكرون هم مجانين جنوا على أنفسهم وعلى من هم على شاكلتهم فذهبت عقولهم.

في عهد الرسالة صادف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طريقه رجلا خريط في عقله

٣٤

فقال له أحد أصحابه أنه مجنون فأجابه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مؤدّاه أنه مريض والمجنون من لا يفكر في آخرته.

إبطال أقوال الماديين :

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) : سورة الأنعام ٩٥.

فالله تبارك وتعالى بعظيم قدرته تلك القدرة التي ليس للبشر أن يصل إلى شيء من حقيقتها يفلق الحب والنوى فيكون نباتا وشجرة ذات جذور وساق وأغصان وأوراق وأزهار ولو كتب في هذا اليد التكاملي للنبات مئات الصفحات للزم أن تدون أيضا آلاف الصفحات أفيكون كل هذا من تلقاء نفسه هذا ما لا يقره حيوان فيكف بإنسان ولكن مع الأسف يغلق هذا الإنسان على نفسه الاعتراف بوجود الله بما كسبت يداه فهل علم العلم الحديث كيف يخرج الله الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وما حقيقة الحياة وكيف تتولد هذه الحياة ومن المعطى لها.

إن ما يقوله الماديون لا يستند على تفكر علمي مركز خال من الهذيان.

وهل رأيت سيارة توجد مرتبة أجزاؤها ترتيبا بعضها إثر بعض محكما بالصدفة أو صاروخا يحدث صدفة وأيهما أعقد المكروب مع ما فيه من حياة أم القمر الصناعي المسير بقوة الصاروخ أولا ثم حسب ما أودع الله في الكون من قوة جاذبية ثانيا وما قيمة القمر الصناعي تجاه قدرة الله تعالى.

على أن الإنسان لو لم يجهز بعقل فعال ولم يكن قد خلق الله قبلا ما يصنع منه الصاروخ من عناصر ومواد وقوى فهل كان من الممكن الوصول إلى القمر الصناعي ثم من هو الذي أوجد المادة الاولى وأوجد فيها تلك القابلية الهائلة حتى يتكوّن منها هذه القوى الهائلة المدبرة المرتبة.

ومن جهزها بعقل حتى تودع هذا اليد التكاملي في النبات والحيوان وتعطي

٣٥

الحياة للكائنات الحية وتجهز الإنسان بعقل مرتب منظم فإن فاقد الشيء لا يعطيه فلا بدّ من العاقل الأزلي العاقل الذي لا يدرك مدى عقله وحكمته هو الذي خلق العقل وهو الله سبحانه تعالى الله عما يشركون.

يقول (لاوازيه) : إن المادة لا تخلق من تلقاء نفسها أن لا بدّ من وجود خالق أزلي حكيم هو خالق الأشياء كافة أودع فيها نظما ودساتير عميقة وإن المخلوقات تتأثر بعوامل شتى وليس الله يتأثر بشيء وهو المؤثر وحده وهو خالق الزمان والمكان ولا يمكن أن يتصور وقت لم يكن الله فيه موجودا فهو أزلي أبدي سرمدي.

وقد أثبت العلم الحاضر أن جميع ما في الكون من مواد وعناصر تتلاشى فلا يبقى إلا وجه الله الكريم كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون. سورة القصص ٢١٨.

وذلك لأنهم رأوا أن الإلكترون الموجب يتصادم مع الإلكترون السالب في بعض الأحيان فينعدم كلا الإلكترونين ويفنيان وهذا ما يدعي أي انعدام المادة أو موت المادة إن الله تعالى يقول كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ٢٧ / ٥٥.

اجتماع الفلاسفة عند أنشتاين :

قد اختلف جماعة من اللاهوتيين والاخلاقيين والعقليين والماديين في ما هم عليه من عقائد ونزعات فأحبوا أن يتحاكموا إلى أنشتاين ليروا رأيه من الله جلّ جلاله ، فأجاز لهم أن يمكثوا عنده ١٥ دقيقة لكثرة أشغاله.

فعرضوا عليه سؤالهم قائلين ما رأيك في الله :

فأجاب قائلا لو وقفت أن اكتشف آلة تمكنني من التكلم مع الميكروبات فتكلمت مع ميكروب صغير واقف على رأس شعرة من شعرات رأس إنسان

٣٦

وسألته أين تجد نفسك لقال لي اني أرى نفسي على رأس شجرة شاهقة أصلها ثابت وفرعها في السماء عند ذلك أقول له أن هذه الشعرة التي أنت على رأسها هي شعرة من شعرات رأس إنسان وإن الرأس عضو من أعضاء هذا الإنسان ما ذا تنظرون هل لهذا الميكروب المتناهي في الصغر أن يتصور جسامة الإنسان وكبره كلا إنى بالنسبة إلى الله تعالى لأقل وأحط من ذلك الميكروب بمقدار لا يتناهى فأنى لي أن أحيط بالله الذي أحاط بكل شيء بقوى لا تتناهى وعظمة لا تحد.

فقام هؤلاء المتشاجرون من عند أنشتاين وعلموا أن الحق مع جماعة اللاهوتيين أنه تعالى يقول ألا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.

وكم قرآنا في تاريخ الاسلام :

ان أناسا أسلموا بمجرّد سماع آيات الله البيّنات القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقالوا ما هذا بكلام الآدميين وإنما هو كلام سماوي أنزله رب العالمين كل ذلك لصفاء في نفوسهم وفطرة لم تتلوث بالظلم والموبقات.

وهذا خير دليل على أن الإنسان لو خلى ونفسه ولم يتلوث نفسه بالجرائم والموبقات يعترف بخالقه وبكل ما أنزل الله بصورة فطرية ويرى ذلك من أوضح الواضحات ومن البديهيات ولا يشك في ذلك قيد شعرة على حد قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) عنكبوت ٦١.

وسئلت عجوز عن الدليل على وجود الصانع فقالت : (دولابي هذا إن حركته تحرك وإن لم احركه سكن) كل ذلك لأن فكرة الاعتراف بوجود الخالق مرتكزة في النفس الإنسانية في القديم أي إن الله أودع هذه الفكرة في النفس الإنسانية عند خلقه إياها فهي إن لم تتلوث تعترف لا محالة بخالقها بالفطرة.

ويقول جان لاك : إن العقل هو الذي يرشدنا إلى وجود الخالق ذلك لأن

٣٧

نوقن بوجودنا ونوقن بأن وجودنا حادث ولم نكن موجودين قديما ونرى أن العقل يحكم أن ليس للعدم أن يوجد شيئا ، إذن تجزم يقينا أن ذاتا أخرى قد أوجدتنا وكوّنتنا وهذه الذات وهي ذات الباري كانت موجودة بصورة دائمة أي أن الخالق أزلي سرمدي وبما أننا مخلوقون من قبل الغير فكل ما فينا من قابليات وإمكانيات فهي منه إذن وجب أن يكون الموجد في كمال القدرة وبما أن لنا عقلا ندرك به الأشياء فوجب أن يكون لموجدنا عقل أيضا ويأتي هذا الفيلسوف بدليل آخر ويقول بما أن جميع ما في هذا الكون حادث ولم تكن قبلا ، فلا بدّ من وجود أزلي أوجد هذه الأشياء ولم يوجده شيء آخر.

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ).

وقد علم أخيرا أن في الفضاء منظومات شمسية تعد بالملايين تشبه نظامنا الشمسي أي أن كلا منا له سيارات فتقت منه وتدور حوله وتوابع وأقمار فتقت من سيارات وتلف حولها وأنه بسبب إبعاد النجوم الساحقة وضآلة الضوء المنعكس من السيارات وضعف قوة المراقب الحالية لا يمكن إثبات وجود هذه الأنظمة (المنظومات الشمسية بالمشاهدة الفعلية).

فانظر كيف تتحقق الآية الكريمة المذكورة سابقا.

وقد نزلت في وقت لم تكن هناك مراقب (تلسكوبات).

ولم يكن يعلم أحد أن هذه السماء تتوسع يوما بعد يوم بنظام خاص أودعه الله فيها وطاقات هائلة جهزها الله بها فقد حدث انفجار في الشمس سنة ١٩٥٦ م قدرت الطاقة المتحررة فكانت تعادل طاقة ١٠٠ مليون قنبلة هيدروجينية.

مع العلم أن طاقة قنبلة هيدروجينية تعادل طاقة ألف قنبلة ذرية والقنبلة الذرية لا تبقي ولا تذر فسبحان الذي خلق هذه الطاقات الهائلة بإرادته وشكلها كما يشاء بحكمته وأودع فيها من النظم والقوانين والمعادلات كما أراد بتدبيره وهو

٣٨

القائل ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم سورة الكهف ٥٢

إن الإنسان ليندهش حين يرى أن عليا عليه‌السلام يجيب عند ما يسأل عن المسافة بين السماء والأرض بقوله عليه‌السلام دعاء مستجاب ذلك لأنه ليس هناك عدد يمكن أن يعبّر به عن هذه المسافة التي لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى إلا أن يقال دعاء مستجاب فإن الله تعالى لا يخلو منه مكان وهو القائل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (ق ١٢) ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ، سورة المجادلة ٧٠.

انظر كيف لا يعظم ولا يقدس خالقه الذي جهز مخه ٢٠٠٠٠٠٠٠ عصب لكل واحد منها وظيفته فلو حبس أحدها حدثت عوارض تختلف عما لو حبس غيره ولو حسبنا بحساب رياضي (حساب الاحتمالات) نرى أن ليس هناك أية صدفة تجعل عشرين مليون عصب تترتب بهذا الترتيب الدقيق حتى تتوارى عليها الإحساسات فتشعر الروح بواسطتها بما حدث فهي دون ما تشبيه كآلة الراديو فكما أن الراديو ليس هو الصوت والمتكلم هكذا هذه الأعصاب الكثيرة في المخ الإنسان ليست هي الروح والنفس وإنما واسطة لتحسس الروح أو النفس.

على أن للمتفكر أن يقول ومن أين جاءت هذه الأجزاء التي كل منها بدورها شكل من جزئيات أخرى بصورة دقيقة وهندسية (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) سورة الحج ٤٦.

قيل لعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام : ما الدليل على حدوث العالم قال أنت لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك لم تكوّن نفسك ولا كونك من هو مثلك.

خلاصة الكلام في المقام أن الاعتقاد بوجود الخالق أمر ارتكازي في الإنسان ولكن هذا الإنسان بارتكابه المعاصي وباتباعه أوامر الشيطان يحيد عن الفطرة فينكر خالقه ويتخذ لنفسه مما صنع بيده آلهة فيعبد الأوثان والحيوانات إلى ما

٣٩

هنالك لذا يسأل أتباع موسى نبيّهم موسى عليه‌السلام أن يجعل لهم إلها.

سئل أعرابي عن الدليل على وجود الصانع (الله) فقال البعرة تدل على البعير وآثار الأقدام تدل على المسير أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا يدلان على الصانع الخبير.

في البحار ج ٣ طبع جديد ص ٢٩ روي عن هشام بن الحكم أنه قال كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه‌السلام قال : ما الدليل على صانع العالم فقال ابو عبد الله عليه‌السلام :

وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعها صنعها ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبين علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم نشاهده ، قال وما هو قال هو شيء بخلاف الأشياء الخ.

سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن إثبات الصانع فقال البعرة تدل على البعير والروثة تدل على الحمير وآثار القدم تدل على المسير فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة كيف لا يدلان على اللطيف الخبير. وقال عليه‌السلام أيضا بصنع الله يستدل عليه وبالعقول تعتقد معرفته وبالتفكر تثبت حجته معروف بالدلالات مشهور بالبينات ، سئل امير المؤمنين عليه‌السلام ما الدليل على إثبات الصانع قال : ثلاثة أشياء تحديد الحال وضعف الأركان ونقض الهمة البحار طبع جديد ص ٥٥ ج ٣.

عن هشام بن الحكم قال دخل ابن أبي العوجاء على الصادق عليه‌السلام فقال له الصادق: يا ابن أبي العوجاء أمصنوع أنت أم غير مصنوع قال : لست بمصنوع ، فقال له الصادقعليه‌السلام : فلو كنت مصنوعا كيف كنت تكون فلم يجد ابن أبي العوجاء جوابا وقام وخرج.

أقول لما كان التصديق بوجود الصانع تعالى ضروريا نبه عليه‌السلام بأن العقل

٤٠