عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

لأن يبقى ولا يتغير ، ومن المعلوم أن محمدا كان معروفا منذ الصغر بالصدق والأمانة والوفاء والتواضع ، وقد عرف عنه أنه بليغ في منطقه سديد في رأيه نشيط في دعوته.

١٧ ـ الدكتور ايليوس جرمانوس المجري ولد عام ١٨٨٦ م استاذ بجامعة بودابست مستشرق هنغاري قال :

إن تعاليم القرآن هي أوامر الله وهي مرشد أبدي للبشر ، إن القرآن كتاب ملؤه الصراحة والوضوح لمن صدقت رغبته في تفهمه وأن محمدا لأعظم مصلح ثوري عرفه التاريخ مؤيد بوحي من عند الله ونحن مأمورون أن نفهم تعاليمه ونطبقها على شئون حياتنا الدنيوية مع الإيمان بأن ما اوحي به إليه إنما هو أساس لا يهتز ولا يتعثر لكونه إلهيا.

ولقد أخطأ المسيحيون إذ لم يفهموا الإسلام على حقيقته وبالتالي يتشبعوا بروحه. إن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو إدراكه أن الكون تحكمه قوانين روحية وتسيره قوى غير محسوسة.

١٨ ـ الصوامع تبشر بمقدم آخر الأنبياء.

يعني الرسول الأعظم محمد بن عبد الله عليه‌السلام.

قال بطرس البستاني في دائرة المعارف عام ١٨٨٣ م :

خرج رسول الله في تجارة خديجة إلى الشام فوصل إلى صومعة بحيرا فتفرس فيه (نسطور سرجياس) الراهب وهو في صومعته والنبي مع غلامه مسيرة وأظلته غمامة فقال هذا نبي وهذا آخر الأنبياء ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في صحبة عمه أبي طالب في طريقهما الى الشام وهو في التاسعة من عمره إذ رآه بحيرا (جرجيس الراهب) وهو في صومعته تظله غمامة حيث ما جلس فعرفه بصفته ودلائله وما كان يجده في الكتب السماوية فنزل من صومعته حتى نظر إلى خاتم النبوة بين كتفي رسول الله ووضع يده على موضعه وآمن به وأعلم عمه أبا

١٨١

طالب بقصته وما يكون من أمره وأنه الموعود في لسان التوراة ثم حذّره عليه من أهل الكتاب اليهود خذلهم الله تعالى.

كما يظهر من التتبع لأحوالهم وملاحظة آثارهم والاطلاع على فضائلهم ومناقبهم والآيات الصادرة منهم والكرامات الظاهرة على أيديهم سبب متابعتهم إياه واقتدائهم بهدايته وهداه لأن بهم تقض حوائج العباد وببركتهم يدفع الله أنواع البلاء عن البلاد وبدعائهم تنزل الرحمة وبوجودهم تصرف النقمة إلى غير ذلك من بركات خيراتهم.

فكما أن القرآن معجزة نبينا باقية إلى يوم الدين يظهر منه صدقه وحقيته شيئا فشيئا ويوما فيوما لمن تأمله من اولي النهى فكذلك كل من عترته المعصومين له معجزة باقية النوع إلى يوم الدين دالة على حقيقته لمن عرفهم بالولاية والحجية من الشيعة اولي الألباب ولهذا قال الرسول الأكرم عليه‌السلام : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

الدليل الثاني على نبوة خاتم الأنبياء :

أنه ادعى النبوة وأظهر المعجز الخارق للعادة المطابق للدعوى وكل من كان كذلك فهو نبي لما تقدم أما المقدمة الاولى وهو أنه ادعى النبوة فمما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه إذ لا يشك أحد ولا يخالف في أن رجلا اسمه محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عليه‌السلام المعروف ظهر بمكة المتولد في عام الفيل ٢٥ اغسطس سنة ٥٧٠ ميلادية لأربعين سنة خلت من حكم كسرى انوشروان العادل خسرو بن قباذ بن فيروز وادعى النبوة ، وأما المقدمة الثانية وهي أنه أظهر المعجز الخارق للعادة لذلك فهو متواتر لا يشك فيه من سلك سبيل الإنصاف وتجنب طريق التعسف والاعتساف حتى أنه ضبط له عليه‌السلام ألف معجزة أو أربعة آلاف وأربعمائة معجزة سماوية وأرضية على قول ابن شهرآشوب في مناقبه ، بل كله من القرن إلى القدم معجزة.

١٨٢

ولقد كانت أقواله وأحواله كلها معجزات باهرات وآيات واضحات تدل على صدقه وحقيقة نبوته ورسالته وكفى بكتاب الله معجزا عظيما كما يشير بيانه بل معجزاته عليه‌السلام أقوى من معجزات الأنبياء السابقين ظهورا وأقرب صدورا وأوفر عددا وأصح سندا بل معلوم بالتواتر الذي يفيد العلم بالضرورة.

فمنها انشقاق القمر فقد روى الشيخ الطوسي (ره) في تفسير التبيان عن ابن عباس أنه اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا إن كنت صادقا فشق لنا القمر فلقتين ، فقال لهم : إن فعلت تؤمنون ، قالوا : نعم. وكانت ليلة بدر فسأل ربه أن يعطيه ما قالوا فانشق القمر فلقتين ورسول الله ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا.

وقال ابن مسعود : انشق القمر على عهد رسول الله شقتين فقال لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اشهدوا اشهدوا.

وروي أيضا عن ابن مسعود أنه قال : والذي نفسي بيده لقد رأيت الحراء بين فلقي القمر.

وعن جبير بن مطعم قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى صار فرقتين على هذا الجبل.

وحديث انشقاق القمر مروي عن جماعة كثيرة من الصحابة منهم عبد الله ابن مسعود وانس بن مالك وحذيفة بن اليمان وابن عمر وابن عباس وعليه جماعة المفسرين فلا يسمع ما نقل عن بعض العامة من عدم انشقاق القمر في الماضي بل في المستقبل يعني في القيامة.

إن قلت : انشقاق القمر لو كان لم يخف على أهل الأقطار ولدونوا ذلك في دفاترهم ، والحال أنهم لم يكتبوا ذلك في تواريخهم ، فيحمل قوله تعالى في سورة القمر وانشق القمر على أنه يقع ذلك فيما بعد ، قلت أولا : وقع الانشقاق ولكن الخفاء وعدم تدوين بعض أهل الأقطار يكون بلحاظ أن كروية الأرض مانعة

١٨٣

لرؤية بعض أهل الأقطار. وثانيا : يجوز أن يحجبه الله عنهم بغيم. وثالثا : أنه كان ليلا فيجوز أن يكون الناس نياما فلم يعلموا به لأنه لم يستمر الزمان الطويل بل رجع فالتأم في الحال ، فالمعجزة تمت بذلك ، وحمل الآية على الاستقبال مجاز لأن انشق يفيد الماضي كما في مجمع البيان.

ومنها نبوع الماء من بين أصابعه حتى اكتفى الخلق الكثير من الماء القليل بعد رجوعه من غزوة تبوك.

ومنها إشباع الخلق الكثير من الطعام القليل.

ومنها تسبيح الحصى في كفه.

ومنها كلام الذراع المسموم.

ومنها حنين الجذع حيث كان يخطب عند الجذع فاتخذ له منبرا فانتقل إليه فحنّ الجذع إليه حنين الناقة إلى ولدها فالتزمه فسكن.

ومنها كلام الحيوانات الصامتة كما شهد له بالرسالة ، فإن رهبان ابن أوس كان يرعى غنما له ، فجاء ذئب فأخذ شاة فسعى نحوه ، فقال له الذئب العجب من أخذي شاة هذا محمد يدعو إلى الحق فلا تجيبونه ، فجاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسلم ، وكان يدعى مكلّم الذئب.

ومنها استجابة دعائه «ص» كما دعا لعلي عليه‌السلام بأن يصرف الله تعالى عنه الحر والبرد ، فكان لباسه في الصيف والشتاء واحدا ، وكما دعا الشجرة فأجابته وجاءته تخد الأرض من غير جاذب ولا دافع ثم رجعت إلى مكانها.

ومنها الأخبار بالمغيبات في مواضع كثيرة كما أخبر بقتل الحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء وموضع القتل به فقتل في ذلك الموضع.

تواترت الأحاديث من طرق السنة والشيعة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر عن أشياء تحدث بعده فحدثت بكاملها على ما قال.

١٨٤

منها أخباره عن عائشة وكلاب الحوأب.

ومنها أن الفئة الباغية تقتل عمارا برئاسة معاوية.

ومنها أخباره بقتل الحسين عليه‌السلام وحجر بن عدي.

ومنها أخباره أن ابن عباس يفقد بصره في كبره ، وكذلك زيد بن ارقم.

ومنها قوله سيكون في هذه الامة الوليد بن يزيد ، وهو شر لا خير من فرعون لقومه ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بلغ بنو ابي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دغلا وعباد الله خولا ومال الله دولا.

ومنها أخباره بأن الأرض اكلت ما كان في الصحيفة التي كتبتها قريش ضد بني هاشم وعلقتها بالكعبة.

ومنها أن العرب ينتصرون على الفرس.

ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام متخضب هذه من هذه وأنه يدفن بضعة منه بطوس وهو مولانا الرضا ثامن الائمة عليه‌السلام.

ومنها أخباره بأن الأئمة بعده اثنى عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وبأن أمير المؤمنينعليه‌السلام يقاتل بعده الناكثين والقاسطين والمارقين.

وأخباره بجميع الفتن التي وقعت بعده ، وأن أبا ذر (ره) يموت وحيدا غريبا ، وبأن آخر رزق عمار من الدنيا صاع من لبن من الخصوصيات كإخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بملك بني أمية وملك بني العباس وكيفية شهادة كل واحد من أولاده الطاهرين وبقاء ملك النصارى.

وأخباره بشهادة جعفر الطيار وزيد وعبد الله بن رواحة حين استشهدوا في غزوة مؤتة وبقتل حبيب بن عدي في مكة ، وبالمال الذي أخفاه عمه العباس في مكة.

ومن جملة معاجزه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطاعة الشمس له في التوقف عن الغروب مرة ،

١٨٥

وفي الطلوع بعد الغروب اخرى ، واطاعة الشجرة له بالإتيان حتى انقلعت من مكانها وخدّت الأرض جارة عروقها مغبرة فوقفت بين يديه وسلمت عليه ، ثم رجعت بأمره إلى مكانها كما هو مذكور في نهج البلاغة ، وتسليم الأحجار عليه وتظليل الغمامة على رأسه دون القوم في طريق الشام ، وتظليل الملكين عليه حين رأته خديجة ونساؤها وعبدها مسيرة ، وتسبيح الحصى في كفه المبارك وظهور البركات والآيات في بني سعد بإرضاع حليمة السعدية إياه ، ونبات الشعر من رءوس الأقرعين من الصبيان بإمرار يده الشريفة عليها وانفجار البئر التي شكا أهلها ملوحتها بالماء الزلال ، وكانت غائرة ، واعطائه رجلا عرجونا في ليلة مظلمة فأضاء له واعطاء آخر قطعة من جريد النخل خضراء حين اشتكى انقطاع سيفه فصارت سيفا في يده ، وإلقاء بصاقه على كف ابن عفر المقطوعة فلصقت من ساعته ودعاؤه آية للدوسي ليدعو قومه إلى الإسلام ، فوقع بين عينيه مثل المصباح ، ثم حول ذلك إلى رأس سوطه لما خاف أن يظنوا به المثلة وعصمة الله ممن كان يؤذيه من المستهزئين وردّ كيدهم عليهم وحيلولة جبرائيل بينه وبين أبي جهل لعنه الله في صورة فحل أو أسد قدر الفحل من الإبل حين أراد إلقاء الصخرة عليه في سجوده.

الثالث من معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن الكريم

عقيدة الامامية فيه :

اتفق الإمامية الاثنى عشرية بكلمة واحدة على أنه لا زيادة في القرآن وجزموا بكلمة قاطعة أن بين الدفتين هو القرآن المنزل دون زيادة ونقصان واليوم أصبح هذا القول ضرورة من ضرورات الدين ، بل عقيدة لجميع المسلمين إذ لا قائل بالنقيصة لا من السنة ولا من الشيعة ، وذكر سيدنا واستاذنا في العلوم العقلية ، آية الله السيد ابو القاسم الخوئي النجفي في تفسيره واصوله ، وأما دعوى التحريف فإنا نمنع وقوعه أولا ، ولم يقل به إلا بعض العامة وتبعه نفر من الخاصة الذين لا تحصيل له ، فإن القرآن بلغ من الأهمية عند المسلمين في

١٨٦

زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى حفظه الصدور مضافا إلى الكتابة ، ولم يكن أمر خفيا عن الناس ليمكن تحريفه حتى عن الصدور الحافظة له كلا أو بعضا ، أم ما نقل من الأخبار الشاذة على تحريف القرآن ، فالمراد منها على فرض صحتها التحريف من حيث التقديم والتأخير أو التأويل والتدليل على عدم وقوع التحريف ولو حرفا واحدا ، قوله تعالى في سورة الحجرات : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) آية ٨. وقوله تعالى في سورة فصّلت آية ٤١ (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).

١٨٧

عقيدة الشيعة الامامية الاثنى عشرية

في القرآن

نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه تبيان كل شيء وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة ، وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف ، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون زيادة ونقصان ومن ادعى فيه غير ذلك ، فهو منحرف أو مغالط او مشتبه وكلهم على غير هدى ، فإنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومن دلائل إعجازه أنه كلما تقدم الزمن وتقدمت العلوم والفنون ، فهو باق على طراوته وعلى سمو مقاصده وأفكاره ، ولا يظهر فيه خطأ في نظرية علمية ثابتة ، ولا يتحمل نقض حقيقة فلسفية يقينية على العكس من كتب العلماء وأعاظم الفلاسفة مهما بلغوا في منزلتهم العلمية ومراتبهم الفكرية ، فإنه يبدو بعض منها على الأقل تافها او نائيا او مغلوطا كلما تقدمت الأبحاث العلمية وتقدمت العلوم النظرية المستحدثة حتى من مثل أعاظم فلاسفة اليونان كسقراط

١٨٨

وبقراط وأفلاطون وأرسطو الذين اعترف لهم جميع من جاء بعدهم بالابوة العلمية والتفوّق الفكري.

وإليه يشير قول الصادق عليه‌السلام فيما قال له الراوي ما بال القرآن لا يزال على النشر والدرس إلا (غضا أي جديدا). فقال الصادق عليه‌السلام : لأن الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة.

فقد قال ابن عباس الذي هو من تلامذة علي بن ابي طالب عليه‌السلام : (إن في القرآن معان يكشفها الزمن).

وكلما مرّت الأزمان والدهور يعلم عظمة القرآن ، وفي الأرض لا يوجد كلام الله الذي لا يكون محرفا غير القرآن الكريم وبقية الكتب السماوية محرفة.

من دلائل اعجاز القرآن الآيات الكونية :

لم يدوّن الله تعالى الآيات الكونية وغيرها التي تربو على (٧٥٠) آية من القرآن الكريم لتعليمنا علم طبقات الأرض او الفلك او غيرها من العلوم ذلك لأن ما اودع الله تعالى من قوانين وخواص في حقل طبقات الأرض او في حقل علم الفلك وغيرها من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها او عدّها ، (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) الكهف / ١٠٩.

من أي شيء خلق الانسان :

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) سورة الرحمن آية ١٤.

الصلصال هو الطين اليابس والطين هو التراب الممزوج مع الماء.

(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ، ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) روم آية ٢٠.

وهذه صريحة بأن خلقنا من التراب لا ريب فيها ، هذه بداية الإنسان ، ثم

١٨٩

يمر في مراحل حتى يكون نطفة ، (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً). الأمشاج أي المختلط فهذه النطفة تتولد من الدم الذي يتكوّن من المادة اللبنية الناتجة من الكيلوس ، ومادة الكيلوس عبارة نواتج هضم الغذاء الذي أصله من الحيوان والنبات والماء ، فأما الحيوانات فمعتمدة على الحيوانات الاخرى ، والنباتات والحيوانات الثانية جميعها معتمدة على النباتات ، والنباتات معتمدة على الماء والتربة ، والمواد الموجودة في الماء نفسها موجودة في التربة ، فالأصل يرجع إلى التربة.

العلم الحديث :

أما الأشياء العلمية التي اكتشفت حديثا بواسطة علم التشريح واختراع الآلات الدقيقة المساعدة للفحوص فنتج منها أخيرا أن المواد الموجودة في التربة نفسها موجودة في جسم الإنسان بعد التحيل الدقيق للمادتين ، وأنهما يتكونان من الكاربون الهيدروجين ـ الأوكسجين ـ الكبريت ـ الفسفور ـ النتروجين ـ الكالسيوم ـ البوتاسيوم ـ الصوديوم الخ. أن هذه العناصر نفسها موجودة في التراب وجسم الإنسان ، ولكن توجد نسبة بينهما كما توجد نسبة بين إنسان وآخر.

وهذه إحدى العلوم الساطعة من الآيات :

(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) النور / ٤٥.

أين محل النطفة من جسم الانسان :

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ، إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) الاعراف / ١٧٢.

إن هذه الآية الكريمة هي إحدى الآيات التي فيها العلوم الساطعة. يقول

١٩٠

تعالى على ما جاء في التفسير إن الله عند ما خلق آدم أخرج ذريته من اصلاب آبائهم إلى أرحام امهاتهم ، فعرّفهم بما خلق من آيات ربهم من القدرة فأشهدهم ، ألست أنا الذي خلقتكم؟ قالوا : بلى أنت الرب ونشهد بتوحيدك بعد أن جعل في عقولهم أدلة على وحدانيته. وبعد معرفتنا علم الأجنة يظهر لنا سر قوله تعالى من ظهورهم ، تقول المصادر الموثوقة بأن الجنين عند تكوينه في الرحم تنبت الخصيتان في ظهره عند أسفل الكليتين تماما وتبقيان كذلك في ظهره حتى أشهره الأخيرة في بطن أمه ، ثم تنحدران إلى الأسفل ، وعند الولادة تكونان في المركز المعتاد ، وفي بعض الأحوال يتأخر انحدارهما فيولد الجنين وخصيتاه في ظهره فيسمى عندئذ بذي الخصية غير النازلة.

وكذلك مركز المبيض في الانثى فإنه في الظهر تماما تحت الكلية ذكرا كان أم انثى ، ومعلوم أن الخصيتين والمبيض هما مستقر النطفة التي هي مبدأ خلقة الإنسان وهما في الظهر ، وهذا هو ما صرّح به القرآن قبل ١٤٠٠ سنة تقريبا.

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) سورة النحل / ٨٩.

من أين يخرج الانسان :

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) سورة الطارق / ٤ ـ ٧.

الصلب هو عظام فقرات الظهر السفلى ، أما الترائب جمع تريبة وهو عظام الصدر السفلى ، والآية الكريمة تقول : والله العالم أن حويمن الرجل وبويضة المرأة منشأهما ومخرجهما من بين الصلب والترائب. أما العلوم الساطعة في هذه الآيات اللامعة حسب ما اكتشفه علم التشريح ، فتقول إحدى المصادر الموثوقة بعد الشهر الأول وآخر الشهر الثاني من حياة الجنين المتكوّن في الرحم ينشأ جسم (وولف)

١٩١

وقناته على كل جانب من جوانب العمود الفقري ، ثم ينشأ من جزء منه الكلى ، وبعض المجاري البولية كما تنشأ من الجزء الآخر خصية الذكر ومبيض الانثى وأنهما مجاوران للكلية أي واقعان بين منتصف العمود الفقري تقريبا ومقابل أسفل الضلوع أي أنهما واقعان بين الصلب والترائب.

وكذلك تقول المصادر أن الخصية والمبيض يعتمدان على شريان يمدهما بالدم أصل هذا الشريان من الشريان اللاورطي في مكان يقابل مستوى الكلية الذي يقع بين الصلب والترائب ، فتقول إحدى المصادر أن مني الرجل يتكوّن من صلبه أي ظهره ، وأن بويضات المرأة تتكوّن من عظام صدرها أي ترائبها.

ونرى أن جميع المصادر تتفق مع هذا القول ، فانظر كيف كانت هذه العلوم الساطعة مخزونة في هذه الآية اللامعة مع العلم أنها نزلت في عصر جاهلي أربعة عشر قرن قبل هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين.

كيف يتكوّن الجنين :

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) سورة المؤمنون / ١١ ـ ١٤.

النطفة هي حويمن الرجل وبويضة المرأة ، حويمن الرجل عند التناسل يفرز الرجل ٢٦ مليون حويمن وهو حيوان مجهري صغير طوله ٥٥ ميكرو مليمتر ولا يرى بالعين ويتكوّن من ثلاثة أقسام : من رأس مفلطح بيضي الشكل وعنق قصير وذنب طويل ينتهي باستطالته.

البويضة ـ هي مجيرة صغيرة جدا بيضوية الشكل تحوي على قشرة فيها مادة البروتوبلازم وفي وسطه النواة ، وعند الجماع يدخل الحويمن إلى الرحم ويتحرك بكل سرعة يمنة ويسرة للحصول على البويضة ، والبويضة تكون

١٩٢

مراكدة في البوق ، (للبوق قناة على طرفي الرحم من الداخل مكسوة بغشاء مخلطي ولها ذبذبات حريرية تنتهي بشرفات كثيرة تجلس عليها البويضة المنحدرة من المبيض ثم تنزل إلى الرحم) ، وبعد التلقيح تنزل البويضة من البوق إلى الرحم ، وعن أحد المصادر يقول : وفي الرحم تنقسم البويضة إلى قسمين ثم أربع فثمان فست عشر ، وهكذا تكون شكلا مستطيلا مشابها لعلقة الناموس التي تعرف بالبوقات ، ويستمر الجنين علقة بشكله المستطيل مدة تقرب من أربعين يوما ، وبعد ذلك تسدد هذه النقطة التي زادت بانقسامها وتتكوّر بغير انتظام وتشابه ، عند ذلك قطع اللحم الممضوغة في تكويرها وليوفتها ، وتسمى بالمضغة ولا يزيد طولها عن ربع انج ، والآن أصبح خمسين مرة بقدر البويضة ، وتأخذ بعد ذلك المضغة بالانقسام ، فالجزء الخارجي من المضغة يكون الجلد والجهاز العصبي ، والجزء الأوسط يكون العظام والعضلات والأوعية ، والجزء الداخلي يكون الاحشاء.

كيفية الجنين في شهوره التسعة :

ففي الشهر الأول تكون البويضة بقدر حجم بيضة الحمامة تقريبا وتتغذى من الحويصلة السرية ، وفي الشهر الثاني تكون البويضة بقدر حجم بيضة الدجاجة ويظهر بعض نقاط عظيمة في الترقوة والفك السفلي ، وفي الشهر الثالث تصبح البويضة بقدر حجم البرتقالة ، وان أعضاء التناسل تبدأ بالظهور ولا يمكن تميزها ويبدأ ظهور بعض آثار الأظافر وظهور آثار بعض العظام ، وفي الشهر الرابع تنضج الأعضاء التناسلية ويبدأ ظهور الوبر على الجلد ، وفي الشهر الخامس يظهر الشعر في الرأس ، وفي الشهر السادس يبدأ بظهور الاهداب والحاجبين وظهور الصفراء في الامعاء ، وتبدأ المواد الشحمية بالظهور تحت الجلد ، وفي الشهر السابع يبدأ الوبر بالزوال ، وان الجنين يعتبر قابلا للحياة إذا ولد في نهاية هذا الشهر ، وفي الشهر الثامن ازدياد المواد الشحمية تحت الجلد وزوال الوبر ، وفي الشهر التاسع زوال اللون الأحمر اللامع للجلد ، وفي الشهر العاشر وهو نهاية الحمل يصبح طول

١٩٣

الجنين ٥٠ سم ووزنه ٣١٧٥ غرام ، والذكر اثقل من الانثى ، وأن الوبر قد يزول من جميع الجسم ما عدا الأكتاف. (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) سورة فصّلت / ٣.

ما حالة الانسان في الرحم :

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) سورة المؤمنون / ١٢ ، لقد شرحنا الفقرات الاولى من الآية الكريمة.

أما الآن فنريد أن نعرف ما هو القرار المكين ، جاء في التفسير إن في الرحم يوجد ماء يحافظ على الجنين ، ولكن اكثر من هذا لم يعرفوا مع العلم أنهم كانوا في عصر متأخر من الناحية العلمية ، فكيف يتمكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يفهمهم وأنهم على تلك الحال من قلة العلم ، فقد أعطاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرءوس المهمة فقط.

أما القرار المكين فيقول العلم الحديث ما هو نصه ، أن المضغة تتكون من قرص مضغي أسفله كهف يسمى الكيس الصفاري الذي ينفصل في الشهر الثاني للمضغة ، وأعلاه كهف آخر تنشأ منه قربة ممتلئة بالماء تسمى السلى تحيط بالمضغة إحاطة تامة إلى حيث يتصل بها الحبل السري الغليظ ، وهكذا تسبح المضغة في غلاف مائي يمنع عنها الصدمات ، وهو يحافظ على توازن الرحم ويشد أزر الجنين ويحميه من الميل والسقوط يطول معه إذا ارتفع عند تقدم الحمل ويقصر إلى طوله الطبقي تدريجيا بعد الولادة ، وعند نهاية الحمل تفرز غدد ، فمن الغدد ما هو يساعد على انقباضات الرحم وتقلصاته ، وغدد تساعد على عملية انزلاق الجنين ، وغدد تساعد الجنين على نزوله بصورة طبيعية ، فأي مكان آمن من هذا المكان (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

كيف موضع الجنين :

(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) سورة الزمر / ٦.

١٩٤

أما خلقا من بعد خلق فقد فسرت في تكوين الجنين ومراحله ، أما في ظلمات ثلاث فقد فسره ابن عباس ومجاهد والسدى وابن زيد فكلهم قالوا الظلمات الثلاث هي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة.

أما العلوم الساطعة في هذه الآيات اللامعة فظهرت في العصور المتأخرة جدا بعد الكشف الدقيق ، فتقول التقارير المتأخرة أن الجنين في بطن أمه محاط بثلاث أغشية حسماء لا ينفذ منها الماء ولا الضوء ولا الحرارة ، وهذه الأغشية تعرف بالمبناري والامينوين والخزربوين والغشاء الذي لا ينفذ منه الضوء والحرارة والماء يدعى باللغة العربية ظلمة.

كيف يخرج الانسان الى عالم الدنيا :

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، هذه الآية تدل على أن الله هو الذي يخرجنا من بطون امهاتنا ، وليس للإنسان دخل في هذا الموضوع ، وقد قررت التقارير الواردة أن العلم لم يتمكن من تعيين يوم الولادة بالضبط حيث أنه يخرج قبل اليوم المعتاد بعدة أيام أو يتأخر عن اليوم المعتاد.

وأن التقرير يقول مدة الحمل تتراوح بين ٢٧٢ ـ ٢٨٨ يوما ، وفي بعض الحالات وصلت إلى ٣٤٩ يوما ، وكذلك يقرر العلماء أن الولادة لا دخل لأي إنسان فيها ، وكم مليون مولود ولد بدون مساعدة أحد سوى الله حيث ينقبض الرحم على الجنين ليطرده إلى الخارج ، وأما العلوم الساطعة في هذه الآيات اللامعة فتقول إحدى المصادر أن الطفل عند ما يولد يسمع ولا يرى لعدة أيام ، ثم يبدأ في تميز الضوء والظلام ولا يرى إلا بعد خمسة عشر يوما ، وأما العقل الأفئدة جمع فؤاد وهنا جاء بمعنى العقل حيث له عدة معاني ، والحواس الاخرى فلا يستطيع استعمالها إلا بعد مدة طويلة ، فالآن ارجع إلى الآية الكريمة ، فانظر كيف أنها مرتبة حسب التكوين السمع والبصر والفؤاد ، إن الله يقول نحن نخبركم بهذه ولم

١٩٥

تعلموها من قبل ، فهل أنتم شاكرون لنعمتي (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) سورة آل عمران / ٥٤.

معجزة القرآن :

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ).

إن في عصرنا نرى أن التحريات تأخذ صورة بصمة الابهام من المجرمين الذين أجرموا حتى يعرفوا ، ومن عامة الناس المشبوهين لئلا يرتكبوا الجرائم ، ان أهمية الابهام لم تكن معروفة إلى العصور المتأخرة ، وأخيرا توصل العلم الحديث بأن لم يوجد في العالم رجلان صورتا ابهامهما متشابهتان ، وهذا أخيرا عرفه العلم وأجرى عليه هذه الخطة لطبع الأصابع ، ولعل قول الله بلى قادرين على أن نسوي بنانه ، يشير إلى هذا أي أن نسوي صورة الابهام والأصابع التي كان يملكها الشخص في حياته ، وهل ترى أين كانت هذه العلوم الساطعة.

ما هو النوم :

(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سورة الروم / ٢٣.

إنا نلاحظ المرأة تحتاج إلى النوم اكثر من الرجل ، والمشتغلون اكثر من القاعدين ، والشاب اكثر من الشيخ ، والطلاب اكثر من غيرهم ، ما هو السبب في ذلك.

تقول التقارير الواردة أن النوم يتناسب تناسبا طرديا مع العمل الذي يقوم به الشخص ، فإذا كان عمله مرهقا يحتاج إلى النوم اكثر من غيره وهكذا.

(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) سورة عم / ٨.

ومنشأ النوم أو سببه لم يعرف لحد الآن فتقول المصادر أن منشأه من الخلية

١٩٦

الدماغية حيث تكون بحاجة إلى الراحة ، وهذه الراحة لا تشبع إلا بالنوم.

وتقول المصادر الاخرى أن الجسم يقوم بأعمال في النهار وفي آخر النهار ينتج فضلات السموم الواردة من نتيجة الأعمال ، وأحسن وسيلة لطرد هذه السموم واسترجاع قوى الأجهزة العاملة هو النوم والمصادر الباقية تقول أن العلم لم يعرف هذا لحد الآن ، ولذا نرى أي كائن حي يحتاج إلى النوم قدر الأعمال التي يقوم بها ، فأثبت العلم أن جميع الحيوانات البرية والبحرية والطائرة تنام ، ولكن في بعض الحيوانات يصعب على الإنسان تميزها ، فمثلا الحمام ينام ، ولكن لما ذا لا يقع لأنه واقف على رجليه فقط على غصن بالرغم من أن جناح الحمام يجب أن يسترخي عند النوم كباقي جسمه ، فيقول العلم الحديث أن الأوتار التي تحدث البسط والقبض في مخالب الطائر تلتف حول مفصل الساق ، فحين ينام يشن ثقله هذا المفصل فتشد الأوتار مخالبه ، فيزيد تماسكا بالغصن ، أما باقي الحيوانات فتراها تمشي وهي نائمة ، وكثير من هذه الحيوانات تحلم كالإنسان وغير ذلك ، ومن العجب أن العلم يقرر أن النبات أيضا ينام ، واثبت هذا بعد التجارب المتكررة وهناك نباتات تنام بالليل ، وهناك نباتات تنام بالنهار وقت الظهر حيث ان في المناطق التي تنمو هذه النباتات أولاد الفلاحين يعرفون وقت الظهر من هذه النباتات أضبط مما يعرفونه من العوارض الاخرى ، واختصارا للموضوع أن كل جسم حي محكوم عليه أن ينام إلا الله عزوجل ، (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) سورة البقرة / ٢٥٩.

ما هو الحيوان :

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) سورة الانعام / ٣٨.

تقول الآية اللامعة ان ما من حيوان يمشي على وجه الأرض ولا طائر يطير في السماء إلا امم وشعوب ولها عادات وأنظمة وقوانين وغير ذلك مما عندكم أيها

١٩٧

البشر ما ذا أشرح من العلوم الساطعة في هذه الآية اللامعة لأنها مشتملة على جميع أصناف الحيوانات غير ذلك من الآيات الكونية يطول ذكرها في المقام.

شهادة الغربيين في القرآن :

قال الاستاذ سناليس : ان القرآن هو القانون العام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهو صالح لكل مكان وزمان ، فلو تمسك به المسلمون حقا وعملوا بموجب تعاليمه وأحكامه لأصبحوا سادة الامم كما كانوا ، أو بالأقل لصار حالهم حال الأقوام المتمدنة.

وقال المستر بورسودت سميث : من حسن الحظ الوحيد في التاريخ أن محمدا أتى بكتاب هو آية في البلاغة ودستور للشرائع وللصلاة والدين في آن واحد.

وقال الاستاذ المستشرق الفرنسي سنيط : ان القرآن العظيم فرض العدل في الدين والتمدن والسياسة بين طبقات المسلمين من غير تميز للأصل ولا للجنسية.

وقال طيلو رئيس الكنيسة الانكليزية : ينير لواء المدنية التي تعلم الإنسان ما لم يعلم ، والتي تقول بالاحتشام في الملبس ويأمر بالنظافة والاستقامة وعزة النفس القرآن.

وقال واشنطن : القرآن فيه قوانين زكية سنية.

وقال جبون : القرآن مسلم به من حدود الاتلانتيكي إلى نهر الكابح بأنه الدستور الأساسي ليس لاصول الدين فقط بل للأحكام الجنائية والمدنية والشرائع التي عليها مدار نظام حياة النوع الإنساني وتدبير شئونه.

وقال الدكتور غوستاف لوبون : ان التعاليم الأخلاقية التي جاء بها القرآن هي صفوة الآداب العالية وخلاصة المبادي الخلقية الكريمة ، فقد حض على الصدقة والإحسان والكرم والعفة والاعتدال ، ودعا إلى الاستمساك بالميثاق والوعد والوفاء بالذمة والعهد ، وأمر بحب الجار وصلة الرحم وإيتاء ذي القربى ورعي الأرامل والقيام على اليتامى ووصى في عدة مواضع من الآيات أن تقابل

١٩٨

السيئة بالحسنة تلك هي الآداب السامية التي دعا إليها القرآن وهي أسمى بكثير من آداب الإنجيل.

وقال ربنورت : يجب أن نعترف بأن العلوم الطبيعية والفلك والفلسفة والرياضيات التي انعشت اوربا في القرن العاشر مقتبسة من القرآن بل ان اوربا مدينة للإسلام.

وقال السر وليم مولر : القرآن كتاب طافح الحجج كثير البراهين المنزلة من جانب القدرة الإلهية لإقامة الدليل والبرهان على وجود الله ، وعلى أنه هو الحاكم القوي والسلطان الأكبر ولأعلامنا أحكامه الجليلة على الإنسان ، وبيان المكافأة على العمل الصالح والقصاص على الخبيث في العالم الآتي ، ووجوب إتباع الفضيلة واجتناب الرذيلة وطاعة الخلق وسعادتهم في عبادة الخالق والسجود له ، وهكذا من أمثال هذه النبذ الموضحة بعبارات الرقة والانسجام والفائضة بالبلاغة الحقة وكذلك أيضا النصوص المعقولة عن ذكر يوم القيامة ، فإنها مذكورة بكثير من العبارات المؤثرة على النفس.

وقال جونسون : ان القرآن لصوت بني سام (نسبة إلى سام بن نوح) نافذ إلى صميم الفؤاد يحمل معنى عاليا أبديا ستحمله جميع الأصوات في جميع الأمصار شاءت أم أبت ، وسيسمع صداه فوق القصور العالية والصحاري المقفرة والمدن والممالك والإمبراطوريات أضاء أولا نوره في القلوب المختارة لفتح العالم ، ثم جمع نفسه في قوة مجددة كل نور في آسيا واليونان ، فاخترق ظلمة اوربا النصرانية حين لم تكن النصرانية إلا مالكة الليل (آلهة قديمة للنور عند الايطاليين).

وقال سن فيبل المثبر : ان القرآن هو القانون المدني والقانون الديني للمسلمين ومتى تنصل أحدهم أضاع مكاسبه واعتبر كجاحد مارق.

وقال غوته الالماني : مهما اكثرنا من النظر في القرآن تشمئز منه أنفسنا لأول وهلة ، لكنه لا يلبث أن يستميلنا ويدهشنا ، وفي النهاية يخبرنا على تعظيم

١٩٩

اسلوبه في مطابقته لمعانيه وأغراضه ، قوي عظيم رائع شيئا فشيئا يجذبك إلى أن تتحقق علوه، وهكذا يشمئز هذا الكتاب أعظم التأثير في جميع الأمصار.

وقال ديتو نيورت : يجب أن نعترف أن علوم الطبيعة والفلك والفلسفة مقتبسة من القرآن.

وقال الاستاذ شرومف بيبرون : من المؤكد أن المسلم إذا حافظ على الشريعة القرآنية فيما يتعلق بالمشروبات الروحية يفوق في القوة البدنية.

وقال اوجين يونغ في كتابه : ان محدودية الآيات القرآنية ورقتها كان الأثر الأكبر في نشر الدعوة الإسلامية التي دعت بوضوح إلى مبادي معينة كإصلاح المساوئ القديمة مثل قتل الأطفال ووأد البنات وتحسين مركز النساء والرقيق وتعظيم فكرة الله وتقريبها إلى الفهم ، ومحق الوثنية والعقائد الخرافية والتعاون بين القبائل ونشر الإخاء والتعاون في سبيل المبدأ الواحد.

وقالت مجلة العلم الامريكية : إن أسباب انتشار العلوم الذي صحب الإسلام عند ظهوره توجد في القرآن نفسه ، ولا نجاة لبلاد الإسلام إلا بتعليم الأهالي كما هو مأمور بذلك في القرآن.

وقال الفيلسوف سيمر : من تأمل ما ورد في القرآن رأى أن محور الإسلام الوحدانية وقطبية المؤاخاة وتحسين شئون العالم بالتدرج بواسطة العلم ، فهذه حقيقة أسباب نصرة الإسلام.

قال لوماكس الاميركاني : أول قبس يشع نوره من القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ، ففي كلمة الرحمن يشعر المؤمن ان الله تعالى هو الإله الواحد الذي سبغ على عباده النعم في الحياة الدنيا والحياة الاخرى إلى أن قال فمن هنا نرى حقيقة لا يدانيها الشك ان هذا هو النور الأعظم وهو نور الإله ، إنما هو الشفقة والرحمة.

وقال الأب لامنس : في فاتحة أحد مؤلفاته ان القرآن لم يدخل العرب في

٢٠٠