مناظرات عقائديّة بين الشيعة وأهل السنّة

السيد أمير محمد القزويني

مناظرات عقائديّة بين الشيعة وأهل السنّة

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٣

مؤمنون كاملوا الإيمان ، راسخو العقيدة ، وإلّا كان الإخبار بأنّهم سفن النجاة كذبا باطلا ، تسامى قول النبي (ص) عن الكذب ، والافتراء ، وهو سيد الأنبياء (ص). فيكون إدراكنا لبواطنهم (ع) وأنّها مثل ما أظهروه من الإيمان بالوحي الإلهي الذي لا يعتريه الشك ، إذ في الشك به كفر وضلال.

ثالثا : أترون أنّ طلحة والزبير داخلان في جماعة من مدحهم الله تعالى بقوله : (مُحَمَّدٌ ، رَسُولُ اللهِ ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) أم أنّهما غير داخلين؟.

فإن قلتم : إنّهما داخلان في منطوقها ، فيقال لكم : فلما ذا يا ترى لم يعصمهما المدح والثناء من الله تعالى فيما ادّعيتم ثبوتهما لهما من دفع علي (ع) عن حقّه ، ونكثهما بيعته (ع) ، وإنكارهما إمامته (ع) ، واستحلالهما حربه ، وسفك دمه ، ودماء آله ، والتدين بعداوته ، على أي نحو كان ، وأي وجه شئتم ، عمدا كان أو خطأ بشبهة كان أو عنادا ، عن اجتهاد كان أو عن تقليد؟.

وإن قلتم غير داخلين في الآية : فلم يصح لكم ما ادّعيتم وخرجتم بذلك عمّا يعتقده أهل السنّة في أصحاب النبي (ص) من عدالتهم أجمعين ، بغير دليل يقرّه العقل والدين ، كما تقدم البحث عنه في أحاديث النبي (ص) كأحاديث الحوض ، والبطانتين ، وحديث «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا شبرا» المتواتر نقلها في صحاح أئمة أهل السنّة ممّا لا يمكن لأحد أن يخدش في صحتها ، أو يناقش في شيء من دلالتها إن كان من العلماء.

ثم يقال لكم : ما الذي يا ترى أخرجهما عن الآية ، وأدخل الخلفاء أبا بكر ، وعمر ، وعثمان (رض) ، في منطوقها؟ فإن كل ما تقولونه فيهم (رض) من استحقاقهم الصفات المدلول عليها في الآية

٣٤١

فنحن نقول لكم إنّ طلحة ، والزبير ، أولى به منهم (رض) ، وذلك لما ظهر من مواقفهما في الجهاد الذي لم يكن للخلفاء أبي بكر ، وعمر ، وعثمان (رض) ، منه شيء كما تقدم تفصيله. وهذا ما لا سبيل لكم إلى إنكاره.

وإنّ قلتم : إنّ مدح القرآن لم يعصم طلحة ، والزبير ، من ارتكاب الخطأ ، وأنّ جحد ذلك جحد للضروري ، فيقال لكم : كذلك الحال في الخلفاء أبي بكر ، وعمر ، وعثمان (رض) ، فإنّ مدح القرآن على فرض دخولهم (رض) فيه لم يعصمهم من دفعهم (رض) عليّا (رض) عن حقّه ، وتقدّمهم (رض) عليه (ع) ، وكان هو أولى وأحقّ بالتقدم عليهم (رض) ، ولم يمنعهم من جحدهم إمامته (ع) وإنكارهم النصوص الواردة عن النبي (ص) فيه ، كما لم يعصم تعلّق المدح في الآية بطلحة والزبير ، عن نكثهما بيعته بعد الطاعة له (ع) ، فصدر من الخلفاء (رض) ما صدر منهما في حقّ علي (ع) لاندراج الجميع فيما ادّعيتم من مدح القرآن لهم (رض). وهذا ما لا تستطيعون دفعه عنهم (رض) لأنّ كل ما تقولونه فيهم (رض) نحن نقوله فيهما.

رابعا : إنّ صريح الآية يدلّ على مدح الموصوف بها بما كان عليه من الوصف في الحال. ولا دلالة فيها على دوام ما استحقّ من أجله من المدح والثناء في الاستقبال. كما لا دلالة فيها على عصمته من الخطأ مطلقا.

ألا ترون أنّ الله تعالى قد اشترط لهم في المغفرة والرضوان أن يكونوا مؤمنين في الخاتمة ، بما أوجب به من وصفهم ، ومدحهم من مستحقّيه ، في الحال دون الاستقبال ، فقال تعالى بعده ذلك : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ، فَآزَرَهُ ، فَاسْتَغْلَظَ ، فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ، يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ، لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ، وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

٣٤٢

الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) فخصّ تعالى طائفة منهم بالوعد دون العموم ، ورتّب الأجر في المغفرة لهم على عمل الصالحات ، لا على الإطلاق ، وإلا لزم نسبة التناقض في كلام الله تعالى ولكان التخصيص لهم بعد العموم لغوا باطلا ، واضح التضاد ، وكل ذلك معلوم الفساد.

٣٤٣
٣٤٤

آية (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)

قال : لا مجال للتمسّك بعموم الآية وترك الشرط في منطوقها بما أوضحتم لنا فيه الحال من جميع الجهات ، فلا مناص من الالتزام بما قدتم في الجواب ، ولكن خصومكم يقولون : إنّ الله تعالى مدح الخليفة أبا بكر (رض) في إسراعه إلى اعتناق الإسلام ، وتصديق سيد الأنام (ص) في دعوته ، وشهد الله تعالى له بالتقوى في قوله تعالى في سورة الزمر آية ٣٣ وما بعدها : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) فإذا ثبت نزول هذه الآية في الخليفة أبي بكر (رض) على ما ورد به الحديث بطل أن يجحد واجبا ، أو يرتكب خطأ ، وينكر فرضا ، ويظلم أحدا ، ويتغير عمّا هو عليه من أحواله (رض). وهذا كما تعلمون لا يجتمع مع ما تقولونه فيه ، وتنسبونه إليه ، من جواز إنكاره النصّ من النبي (ص) على علي (ع) بالخلافة بعده (ص).

قلت : أولا : إنّ كتاب الله تعالى كما ذكرنا لكم غير مرّة ، وأنتم تعلمون ، لا يصاب بالرأي ، والهوى ، وما تشتهي النفس ، وما تشاء. وقديما قال رسول الله (ص) كما قدمنا «من قال في القرآن بغير

٣٤٥

علم فليتبوأ مقعده من النار» والذي ذكرتم من نزوله في الخليفة أبي بكر خاصّة لم تعتمدوا فيه على شيء من الدليل ، وما ركنتم إليه من الحديث لم يصدر عن رسول الله (ص) على القطع واليقين ، ولقد سبرنا الأحاديث فلم نجد له عينا ، ولا أثرا ، عند العلماء والفحول من أئمة التفسير عند أهل السنّة ، ولا يجرؤ أحد من الأمّة أن ينسبه إلى النبي (ص) في حال ، أمّا غير النبي (ص) كمقاتل بن سليمان ، ومن كان مثله من المشبهة ، والمجبرة ، فإنّه لا يجوز لمن له عقل ، أو شيء من الدين ، أن يعتمد على خبرهم ، إذا كان الخبر مسندا فكيف إذا كان حديثهم موقوفا عليهم ، وعلى مثل عكرمة ، وغيره من الذين غيّروا كلام الله تعالى ، وبدّلوه ، وحملوا معانيه على غير ما أنزل الله تعالى على رسوله (ص) ، تبعا للأهواء ، والضلالات؟ فراجعوا إن شئتم (وفيات الأعيان) لابن خلكان في ترجمة مقاتل بن سليمان ، وكتاب (الميزان) للحافظ الذهبي ص ٣٠٨ من جزئه الثاني وص ١٩٧ من جزئه الثالث لتجدوا ابن خلكان يقول في ص ١١٣ من جزئه الثاني في باب الميم : «قال إبراهيم الحربي : قعد مقاتل ابن سليمان فقال : سلوني عمّا دون العرش! فقال له رجل أخبرني من حلق رأس آدم (ع) حين حجّ فبهت».

وقال الجوزجاني كما في ترجمة مقاتل من (ميزان الاعتدال) ص ١٩٦ من جزئه الثالث : «كان مقاتل كذّابا جسورا».

وقال ابن حزم في ص ٢٠٥ من كتابه (الفصل) من جزئه الرابع : «إنّ مقاتل بن سليمان كان من رجال المرجئة ، وغلاة المشبهة» ، وعده محمد عبد الكريم الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) من رجال المرجئة».

وقال الإمام أبو حنيفة كما في ترجمة مقاتل بن سليمان من (ميزان

٣٤٦

الاعتدال) : «أفرط جهم في نفي التشبيه حتى قال : إنّه ليس بشيء ، وأفرط مقاتل في معنى الإثبات حتى جعله مثل خلقه».

وقال أبو حاتم بن حبان البستي في ترجمة مقاتل بن سليمان كما في (وفيات الأعيان) : «كان مقاتل بن سليمان يأخذ من اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان مشبها يشبه الربّ بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث» وقد سجّل أئمة الجرح والتعديل من أهل السنّة فيه ، وفي عكرمة ، وأمثالهما ، كلاما طويلا أوضح من ذلك في جرحهم ، وأصرح منه في قدحهم ، وسقوطهم ، وضلالهم ، وتضليلهم ، يضيق المقام عن تعداده ، وفيما قدمنا كفاية في فساد الرجلين وسقوطهما عن الاعتبار ، لا سيما في مثل هذا الموضوع ، فإنّه لا يرجى منهما فيه إلّا ما يقتضيه بغضهما ، ويوجبه حقدهما على أهل البيت النبوي (ص).

ثانيا : إنّ أكثر أئمة أهل السنّة وعلماء الشيعة جميعا يروون عن علماء التفسير من الفريقين نزول هذه الآية في خصوص علي (ع) وإن كان حكمها يتناول حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب (رض) ونظائرهما من المؤمنين السابقين على ما حكاه الجلال السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) ص ٣٢٨ من جزئه الخامس ، والإمام الرازي في تفسيره الكبير ص ١٧٦ من جزئه السابع. والحجة في هذا لأنّه متفق عليه بين الفريقين ، وثابت من طريق الخصمين ، وما عداه لو ثبت فهو من طريق واحد ومقصور فيه على دعوى أحد الخصمين خاصة ، فلا حجة فيه لسقوطه بالاتّفاق على خلافه.

ثالثا : إنّ أئمة أهل السنّة أنفسهم مختلفون في تفسيرها. فمنهم من زعم أنّها عامّة في جميع المصدقين برسول الله (ص) ، ومنهم من قال إنّها نزلت في خصوص رسول الله (ص) وحده ، دون غيره من سائر

٣٤٧

الناس ، على ما سجّله السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) ص ٣٢٨ من جزئه الخامس ، والفخر الرازي في تفسيره ص ١٧٦ من جزئه السابع ، وهذا الاختلاف منهم في تفسيرها موجب لسقوط جميعها بالتضاد ، شأن الأحاديث المتعارضة ، لبطلان الترجيح بلا مرجح فيها عقلا وشرعا. فتبقى الأحاديث التي تضمنت نزولها في علي (ع) من طريق الفريقين سالمة عن المعارضة فتتعين فيه (ع) خاصة دون غيره من سائر الناس.

الآية مستقيمة التفسير في علي (ع)

قال : كيف يستقيم لكم تفسير الآية في علي (ع) وأنتم ترونها تدلّ بصراحة على أنّ الذي نزلت فيه كانت له آثام كفّرها الله تعالى عنه لأجل تصديقه بنبيّه (ص) لقوله تعالى : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) ، وعندكم أنّ عليّا (ع) لم يقترف إثما ، ولم يرتكب ذنبا ، لا صغيرة ولا كبيرة ، لا خطأ ولا عمدا ، لأنّكم تعتقدون عصمته من مطلق الذنوب.

قلت : أولا : إنّا نقول في عصمة علي (ع) ما نقوله في عصمة النبي (ص) ، وفي القرآن يقول الله تعالى في سورة الشرح آية ٢ وما بعدها ، مخاطبا نبيّه (ص) ، (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ).

وقال تعالى في سورة الفتح آية ٢ مخاطبا له (ص) أيضا (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ).

وقال تعالى في سورة التوبة آية ١١٧ : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ).

فظاهر هذه الآيات كما ترونه يدلّ على أنّه (ص) (وحاشاه) قد

٣٤٨

ارتكب الكبائر ، واقترف الآثام ، وقد ثبت بالضرورة من الدين والعقل ، إنّه (ص) لم يرتكب ما يوجب عتابه ، فضلا عمّا يوجب عقابه ، فيجب صرف هذه الظواهر وحملها على ما لا يتنافى مع القرائن الشرعية القطعية ، ودلائل العقول على عصمته من كل الذنوب.

ولهذه الآيات نظائر نزل بها القرآن فمن ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء آية ٧٢ : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى ، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ، وَأَضَلُّ سَبِيلاً).

وقوله تعالى في سورة الفتح آية ١٠ : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ).

وقوله تعالى في سورة هود (ع) آية ٣٧ : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا).

وقوله تعالى في سورة الطور آية ٤٨ : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا).

وقوله تعالى في سورة البقرة آية ١١٥ : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) إلى غيرها من الآيات التي لا يمكن أن يراد منها ظاهرها لوجود القرائن والأدلّة العقلية ، والشرعية القطعية ، الموجبة لحملها على ما لا ينافيها وإلّا لزمكم أن تقولوا بالتضاد الباطل وذلك لوجود العمى في بعض أصحاب النبي (ص) ، وفي غيرهم من المسلمين ، في هذه الدنيا ، فلو أخذتم بظاهرها لزم أن يكونوا في الآخرة أضلّ سبيلا وهو مناف للمعقول والمنقول ، ومناف لعقيدتكم في الصحابة أجمعين.

وهكذا لو أخذتم بظواهر تلك الآيات فإنّه يلزمكم أن تقولوا إنّ لله تعالى جوارح من يد ، وعين ، ووجه ، كما في المخلوقين وبطلانه واضح لا يختلف فيه اثنان من المسلمين.

فقولنا فيما تضمنته الآية في علي (ع) لا يختلف كليّة عن قولنا في عصمة النبي (ص) فيما تضمنته تلك الآيات فما تقولونه هنا نقوله بعينه هناك.

٣٤٩

ثانيا : إن التكفير في الآية يعود إلى المحسنين فيها بقرينة ضمير الجمع في قوله تعالى : (عَنْهُمْ) ، دون المصدق المومى إليه فيها ، لكي يلزم منه ما ذكرتم ، وحينئذ فلا يبقى مجال لاعتراضكم من جميع الوجوه.

ثالثا : إنّ ذكر التكفير في الآية جاء توكيدا لتظهيره من جميع الآثام ولا يمنع ذلك مجيئه بلفظ الإخبار مطلقا ، لأنّه معلق على وقوع الفعل لو وقع ، وإن كان المقطوع به أنّه غير واقع أبدا لثبوت عصمته بدليل العقل والنقل معا ، الأمر الذي لا يصحّ فيه القيد والشرط كما تعلمون.

٣٥٠

آية ولا يأتل أولو الفضل والسعة

قال : لقد أزلتم ما كان يدور في خلدي من أمر الآية ونزولها في الخليفة أبي بكر (رض) بما أقمتموه لنا من باهر الدليل ، وواضح البرهان ، ممّا لا محيص لنا إلّا النزول على حكمه ، والأخذ بمنطوقه ومفهومه ، غير أنّنا نرى ورود الأخبار بأنّ الخليفة أبا بكر (رض) كان يعول بمسطح فلما قذف عائشة أم المؤمنين (رض) ، في جملة من قذفها من أهل الإفك قطع عنه صلته ، وامتنع من معروفه وبرّه إليه ، وائتلى في ترك وصله ، (أي حلف أن لا يصله بشيء) فأنزل الله تعالى فيه (رض) في سورة النور آية ٢٢ : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى ، وَالْمَساكِينَ ، وَالْمُهاجِرِينَ ، فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلْيَعْفُوا ، وَلْيَصْفَحُوا ، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ؟ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وأنتم ترون أنّ الله تعالى قد أخبر بأنّ أبا بكر (رض) كان من أهل الدين ، والفضل ، والسعة ، واليسار ، وإنّه (رض) ممّن بشّره الله تعالى بالمغفرة ، والأجر العظيم ، ومن كان كذلك فلا يجوز نسبة ما ذكرتم إليه من الخطأ مطلقا.

٣٥١

قلت : أولا : إنّ الراوين نزول هذه الآية في الخليفة أبي بكر (رض) من أهل السنّة لم يسندوه إلى رسول الله (ص) ، وإنّما أخبروا به عن مقاتل بن سليمان ، ومن كان مثله ممّن فسّر القرآن برأيه وبغير علم ، ولا هدى ، ولا كتاب منير ، وهو ومن كان على شاكلته ، لم يكونوا من أولياء الله تعالى المعصومين ، ولا ممّن يجب على المكلفين أن يقتدوا بهم ، وينزلوا على قولهم في الدين ، ويطيعوهم في الشرع المبين ، ولا سيما أنّهم ممّن يجوز عليهم تعمّد الخطأ ، وارتكاب الضلال ، وإذا كان هذا حالهم ، مع قطع النظر عمّا ثبت في تراجمهم من كتب الدراية والرجال عند أئمة أهل السنّة كما تقدم تفصيله ، وثبوت انحرافهم عن الوصي وآل النبي (ص) ، وعداوتهم لهم (ع) في السرّ والعلانية ، لم يضرنا ما زعموه من التفسير ، كما لا ينفعكم تفسيرها بمن شاءوا وأرادوا تخرصا وجزافا ، فإنّه لا يوجب شيئا من العلم واليقين بما يزعمون كما تعلمون.

ثانيا : إنّ الأخبار الصحيحة ، والدلائل المتواترة عند أهل السنّة ، قد كشفت عن حال الخليفة أبي بكر (رض) ، وأثبتت أنّه كان فقيرا ، وضعيف المعاش ، ولا خلاف على الظاهر بين العلماء من الفريقين في أنّ أبا بكر (رض) كان في الجاهلية معلما للصبيان ، وفي الإسلام خياطا يخيط الثياب ، ويعتاش ببيعها على ما سجّله السيوطي في ص ٣٠ من تاريخه ، وكان أبوه صيادا ، فلما ذهب بصره ، وصار مسكينا قيضه عبد الله بن جذعان لنداء الأضياف إلى طعامه ، وجعل له في كل يوم على ذلك أجرا درهما ، ويقول ابن حجر الهيثمي في أوائل ص ١١ من الباب الأول في بيان كيفية خلافة الصديق (رض) من (صواعقه) : «إنّ أبا قحافة لما سمع بولاية ابنه قال لا واضع لما رفعت ، ولا رافع لما وضعت».

ومن كان هذا حاله في الفقر وحال أبيه في الحاجة ، فكيف يصحّ

٣٥٢

لكم أن تقولوا : إنّه (رض) كان من أهل اليسار والسعة في الدنيا ، وهذا كما ترون يمنع من دعوى نزول الآية فيه (رض)؟.

ثالثا : إنّ الظاهر من الآية إرادة الجماعة دون الواحد ، والخطاب فيها يدلّ بصراحة على ذلك كقوله تعالى : (أُولُوا ومِنْكُمْ. ويُؤْتُوا. وَلْيَعْفُوا. وَلْيَصْفَحُوا. وأَ لا تُحِبُّونَ. ولَكُمْ) فإنّ ذلك كلّه موضوع للجماعة دون المفرد فصرف الخطاب عن الحقيقة إلى المجاز ، لا يجوز إلّا بقرينة قطعية ، وليس لديكم في هذا المقام قرينة قطعية يمكنكم أن تركنوا إليها في حمل الآية على المجاز ، ومن ادّعى المجاز بدونها في منطوق الآية فقد ارتكب شططا من القول ، وباطلا من المنطق ، لذا كان تخصيصكم الخطاب فيها بخصوص الخليفة أبي بكر (رض) ، وحمل الجمع فيها على المفرد ، تخصيصا بلا مخصّص ، وترجيحا بلا مرجح ، وسلمنا لمعناها الحقيقي ، وتحميلها معنى لا صلة بينها وبينه ، وكل أولئك معلوم البطلان.

رابعا : إنّا نأتيكم من طريق لا يمكن المماراة فيها فنقول لكم :

أترون أنّ امتناع الخليفة أبي بكر (رض) عن وصل مسطح ، والإنفاق عليه ، كان محبوبا عند الله تعالى وطاعة له؟ أم كان منهيا عنه؟.

فإن قلتم بالأول وهو قولكم : فيقال لكم لما ذا يا ترى نهاه الله تعالى عنه ، وأمره بالانتقال إلى ضدّه ، والإنفاق عليه وبرّه؟ وكيف يعقل أن ينهى الله تعالى عمّا يحب ، ويبغض ما يرضيه تعالى؟.

وإن قلتم بالثاني : لزمكم أن تقولوا إنّ ذلك كان منهيّا عنه ، ومبغوضا لديه تعالى.

وهذا ما كشف عنه صريح القرآن ودلّ على عكس ما تدّعون ، ويعزّزه قوله تعالى في الآية : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) ، فإنّ

٣٥٣

كلمة (أَلا) أداة حضّ وتحريض ، ويؤتى بها للدلالة على لزوم مدخولها وحرمة تركه ، لذا ترون أنّ الله تعالى جعل المغفرة لهم بشرط أن ينفقوا عمّا نهوا عنه ، ومن حيث أنّ الآية لم تتضمن عدولهم عنه مع وضوح دلالتها على عكسه ، فقد أصبحت خالية من المدح والثناء.

خامسا : إنّ الآية لا تدلّ على أنّ الخليفة أبا بكر (رض) كان من أولي الفضل ، والسعة في المال ، وذلك فإنّ قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) من النهي المختص بذكر أهل الفضل والسعة في المال ، ويتناول بمعناه العام كل قادر عليه ، وإنّما خصّهم بالذكر في الآية ، فلأنّهم من أظهر أفراد من تعلق بهم ذلك الحكم ، وتوجّه من أجله إليهم الخطاب ، لا لأجل اختصاص الحكم بهم ، فليس هو من الإخبار في الحقيقة ، ولا في المجاز ، وهذا نظير قوله تعالى في سورة المنافقين آية ٩ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ ، وَلا أَوْلادُكُمْ ، عَنْ ذِكْرِ اللهِ).

وقوله تعالى في سورة آل عمران آية ١٠٢ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ).

وقوله تعالى في سورة النساء آية ٥٩ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، وغير ذلك ممّا كان مدخول الخطاب فيه خاصّا ، ومعناه عامّا ، فإنّ المقصود بالأمر والموجّه إليه الخطاب في تلك الآيات ، عموم المكلّفين أجمعين ، لا خصوص المؤمنين الذين توجّه إليهم الخطاب في منطوقها. والآية من هذا القبيل غير مختصّة بفرد دون آخر.

سادسا : لو سلمنا لكم جدلا ، وفرضنا أنّ للخليفة أبي بكر (رض) من الفضل والسعة في الدنيا ، أو نسب إليه البرّ ، وفرضنا نزول القرآن صريحا بالشهادة له (رض) به ، كل ذلك على سبيل

٣٥٤

التساهل معكم غير مرّة ، ومع ذلك فإنّه لا يوجب له العصمة ، من تعمّد الخطأ في الاستقبال ، ولا تدلّ على أنّ كل ما يفعله صواب في سائر الأحوال ، ولا يرفع عنه جواز الخطأ ، وتعمّد إنكار النصّ من النبي (ص) على علي (ع).

فإن ادّعيتم عصمته من الذنوب ، ومنعتم لأجل ذلك عليه (رض) الخطأ مطلقا ، فقد خالفتم بذلك ما أجمعت عليه الأمّة من الشيعة وأهل السنّة من نفي العصمة عنه (رض) ، وقلتم بما لم يقل فيه (رض) أحد من العالمين أجمعين ، وكابرتم في ذلك واقعه العملي قبل الإسلام وبعده ، ودفعتم ما تواتر من الأخبار في ضد ذلك كلّه ، إذ لو كان معصوما لمنعته عصمته (رض) من عبادة الأصنام ، والسجود لها ، قبل مجيء الإسلام ، لأنّ العصمة قوّة في عقل الإنسان تمنعه من ارتكاب القبيح مطلقا.

وإن قلتم إنّ ذلك الفضل والسعة ، لو أضيفت إليه لا يوجب له العصمة من تعمد الخطأ ، بل يجوز ذلك عليه (رض). لو استحقّ جميع هاتيك الصفات بعد تسليمنا لكم جدلا ما أوردتموه من تفسيرها فيه (رض) ، فما الذي يا ترى يمنع من تعمد خطئه فيما تقدم من إنكاره النصّ على عليّ (ع) بالخلافة بعد النبي (ص)؟ وما الذي يا ترى يحول بينه وبين منعه (رض) لما فرض عليه الإقرار به ومن وجوب الطاعة له (ع)؟ وما الذي يمنع من تبدّل حاله (رض) في الاستقبال بعد أن كانت العصمة منتفية عنه (رض) ، والإنسان مجهول الخاتمة كما تعلمون وهذا واضح لا غبار عليه؟.

٣٥٥
٣٥٦

آية (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى)

قال : لا حيلة من الالتزام بما ذكرتم من الحجج الواضحة ، والأدلّة الباهرة ، في انتفاء العصمة عن الخليفة أبي بكر (رض) ، وجواز تعمد الخطأ عليه (رض) ، ولكن أليس الله تعالى قد أنزل في خصوص أبي بكر (رض) كما هو الظاهر من الأحاديث عند أئمة أهل السنّة في التفسير قوله تعالى في سورة الليل آية ٦ وما بعدها : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى)؟ فإنّ هذه الفضيلة لم تكن لغيره (رض) من أصحاب رسول الله (ص) ، وهي مانعة عمّا نسبتموه إليه من جواز تعمد الخطأ عليه (رض) لأنّ الله تعالى حكم له بالتقوى والتصديق على الإطلاق.

قلت : أولا : إنّ دعوى نزول هذه الآية في الخليفة أبي بكر (رض) خاصّة دون غيره من الدعاوى المجرّدة التي لم تعتمدوا فيها على بيّنة من كتاب الله تعالى ، ولا على دلالة من سنّة رسوله (ص) ، وكلّ ما كان الأمر فيه على ما ذكرنا فلا تقوم به الحجّة ، ولا يقوى به الدليل.

ثانيا : إنّا لا نجد فرقا بين هذه الدعوى للخليفة أبي

٣٥٧

بكر (رض) ، وبين دعوى نزولها في المغيرة بن شعبة ، وعمرو بن العاص ، أو معاوية بن أبي سفيان ، أو أبي هريرة ، أو مالك بن نويرة ، وأضعاف أمثالهم من الصحابة ، لخلو الدعوتين من الحجة والبرهان ، مع أنّ الظاهر من الآية يقتضي العموم والشمول لكل من آمن ، واتّقى ، وأعطى ، وخلا من الكفر والطغيان ، وتخصيصكم بخصوص الخليفة أبي بكر (رض) تخصيص بلا مخصص ، وترجيحه على غيره ، ترجيح بلا مرجح ، وصرف لمعناه عن الحقيقة ، وحمل له على المجاز ، وكل أولئك لا يصار إليه بغير دليل ، ولا دليل عليه مطلقا.

ثالثا : إنّ الوارد في الحديث الصحيح عند أهل السنّة نزول الآية في أبي الدحداح ، وسمرة بن جندب ، وإنّ الأخير هو الذي بخل ، والأول هو الذي أعطى ، واتّقى ، فهذا الإمام السيوطي يحدّثنا في كتابه (لباب التقول) : (عن ابن أبي حاتم وغيره من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أنّ هذه الآية في أبي الدحداح) أمّا الحكم بن أبان فهو من رجال السنن ، وقد وثقه جماعة من ناقدي الحديث ، وعارفي رجال الإسناد ، من أئمة أهل السنّة كابن معين ، والنسائي ، والعجلي ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وحكى ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير ، وابن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وقال ابن خزيمة في صحيحه : «تكلم أهل المعرفة في أنّ حديثه حجّة» انتهى من ص ٤٢٣ من (تهذيب التهذيب) لابن حجر العسقلاني من جزئه الثاني.

وهذا كما ترون لا يدع مجالا لصحّة دعواكم نزولها في الخليفة أبي بكر (رض) وذلك لصحّة ما ورد في نزولها في أبي الدحداح عند أئمة أهل السنّة ، وضعف ما قيل من نزولها في أبي بكر (رض) عند أئمة الجرح والتعديل عندهم ، لذا فإنّه يجب إسقاط الضعيف ، وطرحه

٣٥٨

لأجل الصحيح عند العلماء. ولو سلمنا جدلا التكافؤ بينهما ، والتضاد تنازلا سقطا معا للتنافي ، وعدم وجود المرجح ، شأن الأحاديث المتعارضة في الوجود ، فيبقى العموم في الآية سالما عن المعارض.

رابعا : إنّ الراوين نزول الآية في أبي بكر (رض) من الضعفاء ، والمجهولين ، الساقطين عن درجة الاعتبار ، والحجّية ، على ما أخرجه ابن جرير في تفسيره فإنّه (رواه ابن إدريس ، عن عبد الرحمن بن محمد ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال : كان أبو بكر يعتق المستضعفين بمكة) الخبر.

فإنّ هارون بن إدريس ، ومحمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن ، لا يعرفان من هما ، ولا يوجد لهما ترجمة فيما بين يدي من كتب الرجال ، والدراية ، لأهل السنّة ، (كالتهذيب) و (تهذيب التهذيب) و (التقريب) و (الميزان) و (اللسان) للعسقلاني ، فالحديث موضوع لا أصل له.

خامسا : لو غضضنا النظر عن هذه الناحية في الخبر لكفى في سقوطه عن الحجّية كونه من المرسلات ، فإنّ عامر بن عبد الله من صغار التابعين ، وروى عن قتادة بطريقين نزول آية ؛ (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) إلى آخر الآية في أبي بكر (رض) فالخبر مرسل ينتهي إلى قتادة. وروى فيه بإسناده عن عبد الله بن الزبير نزولها في أبي بكر (رض)

وابن الزبير ولد بعد الهجرة النبوية (ص) إمّا في المدينة ، أو قبلها كما سجّل ذلك كل من جاء على ترجمته من حفّاظ أهل السنّة فالخبر موقوف عليه وفي طريقه مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، قال ابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب) ص ١٥٩ من جزئه العاشر

٣٥٩

عن أحمد ، وابن معين ، من أئمة الجرح والتعديل عند أهل السنّة : «إنّه ضعيف الحديث» وعن النسائي : «ليس بالقوي». وذكره ابن حبان في ضعفائه وقال : «انفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلما كثر ذلك فيه استحقّ مجانبة حديثه». وقال ابن سعد : «كان كثير الحديث يستضعف» وقال قطني مدني ليس بالقوي» انتهى ملخصا.

وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال) ص ١٧٢ من جزئه الثالث بعد أن نقل تضعيفه عن أحمد ، وابن معين ، وعن ابن أبي حاتم ما يحتج به (انتهى).

وأمّا ما نقله الإمام ابن تيمية في منهاجه من نزول الآية في أبي بكر (رض) ففي طريقه محمد بن أبي عمر العدني ، وهو ممّن لم نجد له ترجمة في كتب الرجال المعتمدة عند أهل السنّة لذا فلا قيمة لنقله في شيء.

سادسا : لو سلّمنا لكم ذلك كلّه جدلا ومع ذلك فإنّه من آحاد الخبر ، وموقوف على عروة ، فلا ينهض لتخصيص عمومات القرآن ، لذا فهو لا حجّة فيه من سائر الجهات مطلقا عندنا وعندكم.

سابعا : لو فرضنا لكم أنّه كان مرفوعا ، وموصولا وصحيحا ، وقطعنا النظر عمّا في سنده من المجهولين والضعفاء ، وكونه خبر آحاد لا يقطع به على الله تعالى بحجّة ، ومع ذلك فلا يصحّ لكم أن تحتجوا به في باب المناظرة مع الخصوم ، لتفرّدكم بنقله فيكون من باب الشهادة للنفس ، وهي غير مقبولة في عرف المناظرة ، وقواعد النقد كما مرّ بإجماع العقلاء جميعا.

ثامنا : لو كانت الآية نازلة في الخليفة أبي بكر (رض) لوجب ظهورها فيه على حدّ يدفع الشك ، ويحصل معه اليقين ، وذلك لتوفّر الدواعي إليه وكثرة الراغبين في نشره ، والأمن من الضرر والتنويه به

٣٦٠