مناظرات عقائديّة بين الشيعة وأهل السنّة

السيد أمير محمد القزويني

مناظرات عقائديّة بين الشيعة وأهل السنّة

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٣

بالعادة المطردة في أمّة محمد (ص)» ، فيعطيكم صورة واضحة عن الاعتراف بولادته (ع) ، ولكنه يرى أنّ بقاءه هذه المدة يعرف كذبه بالعادة المطردة ، للحديث الذي أورده وللتعليل العليل الذي جاء به «من أنّ أعمار خير أمّة إنّما يكون من الستين إلى السبعين» فهو يريد أن ينفي بقاءه هذه المدة للصحيح المزعوم ، والعادة المخرومة.

وليت ابن تيمية علم أنّ الخوارق الجارية على أيدي الأنبياء (ع) كلّها من هذا القبيل أيضا ، وما المانع العقلي أن يكون بقاؤه معجزة من معجزات سيد الأنبياء (ص) كبقية معجزاته (ص) الخالدة؟ ثم إنّ العادة لا يحصل معها العلم بموته (ع) ، فإنّه إذا ما ثبت تولده ، وثبتت غيبته بالدلائل القطعية ، كما تقدم تحقيقه ، فليس بد من ظهوره بعد غيبته كما نطقت به الأحاديث المتواترة بين الفريقين ، ولأنّه لا يوجد ما يدلّ على موته بعد ثبوت ولادته (ع) ، فيلزم من ذلك أن نحكم بحياته وبقائه إلى حين ظهوره ، نزولا على حكم ذلك الاستصحاب الشرعي والعقلي معا ، أعني استصحاب حياته وبقائه لتواتر الأحاديث بولادته ، وبقائه حتى يخرج «فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» كما ذكرنا ، الأمر الذي يغنينا عن هذا الاستصحاب.

وأمّا ما ذكره من العادة ، فعلى فرض تسليم وجودها جدلا فلا تنهض دليلا على موته ، بل ولا يزول معها احتمال حياته وبقائه فضلا عن القطع به ، بل العلم بتولده ووجوده لا يزول إلّا بالعلم بموته فإنّ البرهان القطعي لا يزيله إلّا برهان قطعي مثله ، دون الظن ، والتخمين ، والاستبعاد ، والاستغراب ، والتعصب البغيض ، فإنّه لا حجّة في شيء منها إطلاقا. فالاحتجاج بالعادة على موته غير صحيح ، وعدم العلم ببقائه بعد تولده لا يكون علما بموته ولا دليلا على عدم وجوده ، ومن هذا الذي يا ترى أوحى إلى الإمام ابن تيمية بموته ، فحكم جازما بعدم وجوده؟ وكيف ساغ له الإخبار به وهو لا دليل له

٢٦١

عليه ، ولا يمكن الاعتماد فيه على هوى النفس الذي ينبغي لمثله أن يترفع عنه؟!.

القرآن والعلم والعقل لا تمنع بقاء الإنسان حيّا مئات السنين

وأمّا قوله «فإنّ أعمار خير أمّة من الستين إلى السبعين» فمردود وغير مقبول ، أمّا من حيث العقل : فليس عنده ما يحكم باستحالة بقاء الإنسان حيّا مئات السنين ، حتى يمتنع ، ولا يكون معقولا لحكمه ، جازما بأنّ الله تعالى على ذلك لقدير ، على أنّنا قد وجدنا الكثير من المسلمين في عصرنا بلغت أعمارهم أربعين ومائة وما فوقها.

ثم إنّ الإمام ابن تيمية لم يسلم من التناقض ، فإنّه قرر هنا أنّ أعمار خير أمة من الستين إلى السبعين ، وهناك ترونه يقول : «إذ لا يعرف أحد ولد في زمن الإسلام عاش مائة وعشرين سنة» فإنّ المفهوم من هذا القول بأنّه قد عاش كثيرون في زمن الإسلام خمس عشرة سنة ومائة ، أو عشر سنين ومائة ، أو مائة كاملة ، مع ذلك تراه يزعم أنّ أعمار خير أمّة من الستين إلى السبعين ، وهل هذا إلّا تناقض بين؟!!.

وأمّا من حيث العلم ، فحسبكم شهادة الأطباء الماهرين كما في مجلة (المقتطف) المصرية ص ٢٣٩ من الجزء الثالث سنة ٥٩ قالوا : «لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون إنّ كل الأنسجة الرئيسية في جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية له. وإنّه في الإمكان أن يبقى الإنسان حيّا ألوفا من السنين ، إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته ، وليس قولهم هذا مجرّد ظنّ وتخمين بل هو نتيجة لنظرية علمية مؤيدة بالاختبار» وقالوا أيضا في ص ٢٤٠ من المجلة نفسها : «وغاية ما ثبت الآن من التجارب المذكورة أنّ الإنسان لا يموت بسبب بلوغ

٢٦٢

عمره الثمانين والمائة من الستين ، بل لأنّ العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها ، ولارتباط بعضها ببعض تموت كلها فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض ، أو يمنع فعلها لم يبق مانع من استمرار الحياة مئات السنين».

وإن ابتغيتم المزيد من أدلّة جواز بقاء الإنسان ألوفا من السنين فعليكم بمراجعة علم الحيوان ـ البيولوجيات ـ لتعلموا ثمة أنّه لا مانع من ذلك عقلا ، ثم إنّ اختلاف الناس في القابليات ، والاستعدادات ، أمر لا سبيل إلى إنكاره ، فمن الجائز إذن أنّ الله تعالى قد أودع في جسم الإمام المنتظر (ع) من القابليات ، والاستعدادات ، والطاقات ، ما لا يؤثّر فيها تلك العوارض اللاحقة لجسمه الشريف (ع) ، كما لا مانع من أن يكون الله تعالى قد خلق في جسمه من المواد (البنسلينية ، أو الأورمايسينية ، أو السترتبو مايسينية ـ الخميرة المتموجة ـ أو الكلورومايسنية» ، أو غيرها من المواد التي توصّل العلم الحديث إلى اكتشافها في قتل الجراثيم ، أو منع تأثيرها وما لم يتوصّل إليه لحدّ اليوم وقد يتوصّل إليه يوما ـ ما ـ ما يمنع تأثيرها ، أو يقضي على كل (مكروب وجرثوم) يوجب تلف أعضائه ، فيبقى حيّا ما شاء الله تعالى له من الحياة ، كما يجوز أنّ الله تعالى منع وصول تلك الجراثيم إليه من طريق أخرى ، على ما رآه تعالى من الحكمة والصلاح في استمرار حياته وبقائه (ع) ، وليس هناك من يستطيع أن يمنع هذا ، أو يحكم باستحالته ، أو استبعاده واستغرابه ، إلّا الذي لربّه كنود ، أو لعقله مكابر ، أو للعلم معاند.

وأمّا من حيث القرآن فلأنّه ذكر حياة نوح النبي (ع) ألف سنة إلّا خمسين عاما وهي المدة التي مكث فيها في قومه ، يدعوهم فيها إلى عبادة الله تعالى ، وهذا إبليس عدو الله موجود إلى الوقت المعلوم ،

٢٦٣

وناهيك بالكتاب شاهدا عليه ، ولقد فات الإمام ابن تيمية أن يتمثّل بقول الشاعر المسلم العربي :

وقولك إنّ الاختفاء مخافة

من القتل شيء لا يجوزه الحجر

فقل لي لما ذا غاب في الغار أحمد

وصاحبه (الصديق) إذ حسن الحذر

ولم أمرت أم الكليم بقذفه

إلى نيل مصر حين ضاقت به مصر

وكم من رسول خاف أعداه فاختفى

وكم أنبياء من أعاديهم فروا

أيعجز ربّ الخلق عن نصر دينه

على غيرهم كلا فهذا هو الكفر

وهل شاركوه في الذي قلت إنّه

يؤول إلى جبن الإمام وينجرّ

فإن قلت هذا كان فيهم يأمر من

له الأمر في الأكوان ، والحمد ، والشكر

فقل فيه ما قد قلت فيهم فكلهم

على ما أراد الله أهواؤهم قصر

وإنّ تسرّب فيه تطول بقائه

أجابك إدريس وإلياس والخضر

وفي ابن أبي الدنيا جليّ دلالة

على أنّ طول العمر ليس له حصر

ومكث نبي الله نوح بقومه

كذا قوم أهل الكهف نصّ به الذّكر

٢٦٤

وقد وجدا الدجّال من عهد أحمد (١)

ولم ينصرم منه إلى الساعة العمر

وقد عاش أوج ألف عام وفوقها

ولو لا عصا موسى لأخّره الدهر

ومن بلغت أعمارهم فوق مائة

ومن بلغت ألفا فليس له حصر

__________________

(١) ويقول ابن حجر الهيتمي في ص ٢٧ من كتابه (الفتاوى الحديثة) عن النبي (ص) أنّه قال : «من كذّب بالدجّال ، فقد كفر ، ومن كذّب بالمهدي فقد كفر».

٢٦٥
٢٦٦

المعمرون من أهل السنّة

وأمّا قوله : «فلا يعرف أحد ولد في زمن الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة» فنقول فيه إنّ هذه الكلمة لا ينبغي صدورها من باحث ورع ، إذ لا يستطيع الإنسان الورع أن يحكم بشيء ما لم يطلع عليه ، وليس في إمكانه أن يعلم ما في باطن الغيب ليبدي رأيه فيه ، والجهل بالشيء ليس علما بعدمه ، وعدم العلم جهل ، ولا يحتجّ بالجهل إلّا جاهل مبطل ، فكيف يجوز للإمام ابن تيمية أن ينفي ذلك مع وجوده؟!!.

أجل! الله يعلم والراسخون في العلم يعلمون أنّه قد عاش رجال كثيرون من حفّاظ الحديث ، ونقاده ، من أهل السنّة إلى عشرين ومائة سنة وما فوقها وقد نصّ الحافظ الذهبي في (تذكرة الحفّاظ) كغيرة من حفّاظهم على جماعة كثيرة منهم ، وسأتلو عليكم أسماء بعضهم لتعلموا ثمة أنّ ما قاله الإمام ابن تيمية لا أصل له.

١ ـ أبو عمر الحافظ المعروف (غلام تغلب) عبد الواحد بن هاشم فقد ذكر الذهبي في (تذكرته) ص ٨٦ من جزئه الثالث أنّه ولد سنة (١٦١ ه‍) سنة إحدى وستين ومائة ومات سنة (٣٤٥ ه‍) خمس

٢٦٧

وأربعين وثلاثمائة فيكون عمره أربعا وثمانين ومائة سنة.

٢ ـ الحافظ المعروف خيثمة بن سليمان فإنّه قال في ص ٧١ من تذكرته من جزئه الثالث : إنّ أصح القولين في تولده سنة (٢٠٥ ه‍) خمس ومائتين. وقال إنّه مات باتّفاق سنة (٣٤٠ ه‍) أربعين وثلاثمائة فيكون عمره خمسا وثلاثين ومائة سنة.

٣ ـ الحافظ المعروف الرشاطي فقد قال في (تذكرة الحفاظ) ص ٩٩ من جزئه الرابع ؛ كان مولده سنة (٤٠٦ ه‍) ست وثلاثين وأربعمائة ، ومات سنة (٥٤٢ ه‍) اثنتين وأربعين وخمسمائة فيكون عمره ستا وثلاثين ومائة (١٣٦) سنة.

٤ ـ شيخ القرّاء عند أهل السنّة أبو العباس ، فقد ذكر في آخر ص ١٥١ وما بعدها من (تذكرته) من جزئه الثالث أنّه مات عن ستين ومائة (١٦٠) سنة.

٥ ـ الربيع بن خيثم فقد قال في ص ٥٤ من (تذكرته) من جزئه الأول أنّه مات من سبع وعشرين ومائة (١٢٧) سنة.

٦ ـ كريمة الزبيرية قال الذهبي في (تذكرته) ص ١٠٦ من جزئه الرابع ما نصّه : «وقد بقيت كريمة بعد ساعد بن سنان الحافظ مائة وعشرين (١٢٠) سنة».

٧ ـ سليم بن عامر الحمصي من الطبقة الثالثة قال ابن حجر العسقلاني في كتابه (التقريب) ص ٧٦ إنّه عاش ثلاثين ومائة (١٣٠) سنة.

٨ ـ الحافظ معروف بن سويد الأسدي عاش على ما في ص ٢١١ من التقريب عشرين ومائة (١٢٠) سنة.

٩ ـ عبد الرحمن بن مل قال الذهبي في تذكرته ص ٦١ من جزئه الأول

٢٦٨

إنه عاش ثلاثين ومائة (١٣٠) سنة.

١٠ ـ الحافظ معروف بن عبد الله الخياط أبو الخطاب الدمشقي فإنّه عاش على ما في ص ٢١١ من تقريب العسقلاني ما يزيد على ثلاثين ومائة (١٣٠).

١١ ـ زر بن حبيش فقد ذكر الذهبي في (تذكرته) ص ٥٤ من جزئه الأول أنّه عاش عشرين ومائة (١٢٠) سنة.

١٢ ـ الحافظ إسحاق المعروف بأبي عمرو الشيباني فإنّه على ما في ص ٢٦٢ من (التقريب) قد قارب المائة والعشرين (١٢٠) سنة.

١٣ ـ شريح بن هاني فقد عاش على ما في ص ٥٦ من (تذكرة الذهبي) من جزئه الأول عشرين ومائة (١٢٠) سنة.

١٤ ـ محمد بن حيان ففي ص ١٢٧ من (تذكرة الحفّاظ) من جزئه الثالث أنّه مات وهو في المائتين وأقلّ ما يصدق عليه هذا القول أنّ عمره كان يومئذ إحدى وتسعين ومائة (١٩١ ه‍) سنة.

وأمّا الذين عاشوا من حفّاظ أهل السنّة دون المائة والعشرين فكثيرون وإليكم أسماء بعضهم.

١٥ ـ عبد الله بن مرزوق فقد ذكر الذهبي في (تذكرته) ص ٤٢ من جزئه الرابع أنّه عمر ست عشرة ومائة (١١٦) سنة.

١٦ ـ الحافظ أحمد بن إسحاق فقد عاش اثني عشرة ومائة (١١٢) سنة على ما سجّله الذهبي في ص ١٩٤ من تذكرته من جزئه الثاني.

١٧ ـ معاوية بن موسى الجمحي ففي (تهذيب التهذيب) لابن حجر العسقلاني ص ٣٩ من جزئه السادس أنّ له مائة سنة وزيادة على

٢٦٩

عشر وبنى في جارية تزوّجها فافتضّها قال موسى بن هارون مات بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين (٢٤٣ ه‍).

١٨ ـ الحافظ السلفي فقد ذكر الذهبي في ص ٥٥ من تذكرته من جزئه الرابع أنّه عمّر ستا ومائة (١٠٦) سنة.

١٩ ـ عطيّة بن قيس الحمصي قال في (التهذيب) ص ٢٢٨ من جزئه السابع قال سعد بن عطيّة مات أبي سنة إحدى وعشرين ومائة وله مائة سنة وأربع سنين (١٠٤).

٢٠ ـ الحافظ إسماعيل القاضي قال الذهبي في آخر ص ١٨٠ وما بعدها من تذكرته من جزئه الثاني أنّه عاش ثلاثا ومائة (١٠٣) سنة.

٢١ ـ أحمد بن محمد الخليلي قال الذهبي في (تذكرة الحفّاظ) ص ٢٧ من جزئه الرابع أنّه عاش فوق المائة (١٠٠) سنة.

٢٢ ـ عصام بن بشير الكعبي الحارثي ففي (تهذيب التهذيب) لابن حجر العسقلاني ص ١٩٤ من جزئه السابع قال البخاري بلغ سنة عشرا ومائة (١١٠) سنة.

٢٣ ـ محمد بن يوسف قال الذهبي في ص ٥٤ من (تذكرته) من جزئه الثاني أنّه عمر مائة (١٠٠) سنة.

٢٤ ـ مسلمة بن الفضل قال العسقلاني في كتابه (التقريب) ص ٧٦ من جزئه الأول أنّه قد تجاوز المائة (١٠٠) سنة.

٢٥ ـ الحافظ عمير بن أحمد فقد قال الذهبي في (تذكرته) ص ١٤٣ من جزئه الرابع أنه عاش اثنتين ومائة (١٠٢) سنة.

٢٦ ـ عبد الرحمن بن عمير فقد قال الذهبي في (تذكرته) ص ١٢٨ من جزئه الأول أنّه عاش أكثر من مائة (١٠٠) سنة.

٢٧ ـ إسحاق بن شاهين بن الحارث قال ابن حجر العسقلاني في

٢٧٠

(التقريب) ص ١٠٤ قد جاوز المائة (١٠٠) سنة.

٢٨ ـ محمد بن سليمان قال العسقلاني في (التهذيب) ص ١٩٩ من جزئه التاسع أنّه كان له من العمر ثلاث عشرة ومائة (١١٣) سنة.

وغير هؤلاء كثيرون من أئمة الحديث عند أهل السنّة ما لو أردنا استقصاءهم لضاق به صدر الكتاب ، وقال في (الروضة الندية) ص ٢١٥ : «إنّا وجدنا من عاش إلى مائة وسبع وعشرين ، ومائة وأربعين ، ومائة وخمسين ، بل وإلى مائتي سنة).

٢٧١
٢٧٢

المعمرون من غير المسلمين

وأمّا المعمرون من غير المسلمين في هذه الأواخر ـ من النساء والرجال ـ فكثيرون وقد ذكرهم بأسمائهم وبيّن أعمارهم صاحب كتاب (عجائب الخلق) في ص ٩٤ من جزئه الأول وهم كما يأتي :

١ ـ هنري جنكنسن عمره (١٦٩) سنة.

٢ ـ كونتس دسمون عمرها (١٦٢) سنة.

٣ ـ توماس بار عمره (١٥٢) سنة.

٤ ـ بطرس غارون عمره (١٣١) سنة.

٥ ـ هناسكويمشتو عمرها (١٢٦) سنة.

٦ ـ منافيلبس عمره (١١٧) سنة.

٧ ـ إيزابيل واكد عمرها (١١٢) سنة.

٨ ـ توماس لافتر عمره (١١١) سنة.

٩ ـ بتريك جبسن عمره (١١١) سنة.

١٠ ـ حنا تابت عمره (١١٠) سنة ، ثم قال إنّ الأشخاص

٢٧٣

الواردة أسماؤهم فيما تقدم فإنّهم معروفون ، وأعمارهم مقيدة في الكنائس وفي العماد انتهى.

وإنّما تلونا عليكم هذا كلّه ليتجلى لكم بوضوح أنّ الإمام ابن تيمية لا يعلم شيئا ممّا علمنا به ، ولم يقف على ما وقفنا عليه ، فليس له ولا من حقّه أن ينفي ما يجهله ، ثم إنّا نقول له ومن سلك سبيله ، ونأتيهم بما لا يمكنهم الفرار منه ، ونقول لهم :

إمّا أن تقولوا إنّ أولئك الحفّاظ من أعلامكم من خير أمّة ، أو تقولوا ليسوا من خير أمّة ، فإنّ قالوا بالشقّ الأول ، وهو قولهم بطل قول الإمام ابن تيمية وحصره والتعليل الذي جاء به (من أنّ أعمار خير أمة إنّما يكون من الستين إلى السبعين).

وإن قالوا بالشقّ الثاني كما يقتضيه قول الإمام ابن تيمية ، لزمهم أن يقولوا بخروج أولئك الأئمة من حفّاظ أهل السنّة ، وأضعاف أمثالهم من حملة الحديث عندهم الذين أخذوا عنهم العلم والحديث ورجعوا إليهم في الأصول والفروع من خير أمة وهذا ما لا يجدون له جوابا أبدا.

الحديث الذي أورده ابن تيمية

وأمّا الصحيح المزعوم في قول الإمام ابن تيمية فغير صحيح ، وعلى فرض صحّته جدلا وهذا الفرض وإن كنّا لا نقول به لأنّه مخالف للعيان وينقضه الوجدان ، ولكن نقول به على سبيل التساهل مع الإمام ابن تيمية ومع هذا ينبغي لنا أن نضعه إلى جنب تلك الأحاديث المتواترة بين الطائفتين الناصّة على ثبوت تولّده وغيبته (ع) ، فإن كان المقام من باب تعارض الحديث ، وجب الجمع بينهما على ما تقتضيه صناعة الاجتهاد وقواعد الفقه من حمل الظاهر على الأظهر ، وتأويل

٢٧٤

الظاهر بالنصّ ، وحمل الضعيف من المتصادمين على ما لا ينافي القوي ، ولو لم يمكن الجمع بينهما ولا ترجيح أحدهما على الآخر بشيء من المرجحات الداخلية أو الخارجية ، توقفنا عن العمل بهما جميعا والتمسنا دليلا من الخارج ، فإن وجد حكمنا به ، وإلّا قلنا لا دليل معتبر فيه ، فهل يا ترى يكون المقام من هذا القبيل؟ كلا ثم كلا ليس المقام من باب التعارض كي يحتاج إلى الحمل ، والتأويل ، والجمع ، والترجيح ، والطرح ، أو التخيير ، وما كنت أحسب أنّ من له أدنى حظ في فهم الأدلّة ، وكيفية الاستدلال بها على ثبوت الأشياء ونفيها ، يخفى عليه البون الشاسع بين الموردين والموضوعين : مورد الصحيح المزعوم في قول الإمام ابن تيمية ، ومورد تلك الأحاديث الصحيحة المتواترة بين الفريقين المنوهة بحياة الإمام المنتظر (ع) وبقائه. فكأنّ الإمام ابن تيمية لا يفهم من مدلول الحديث أنّه لا يجوز بقاء من ولد في تلك الليلة خاصة التي في صبيحتها توفى رسول الله (ص) حيّا يزيد عمره على مائة سنة ، أو لا يدري أنّ نفي الأخصّ لا يدلّ على نفي الأعمّ عند العلماء ، وليس في حديثه ما يدلّ على أنّه لا يجوز بقاء من لم يولد في تلك الليلة حيّا زيادة عليها ، وهذا هو الذي فهمه الجمهور من أئمة أهل الفقه وحفّاظهم على ما حكاه عنهم النووي في منهاجه عند ذكره الحديث المذكور ، وهو الذي يفهمه كل إنسان من أهل اللسان ، وأين هذا ممّا زعمه الإمام ابن تيمية من التعميم؟ فإنّه لا يفهم منه ولا يفيده وإرادته منه سلب لمعناه المطابقي وتحميله معنى لا صلة بينه وبينه.

٢٧٥
٢٧٦

الخضر موجود

وأما قوله : «إنّ وجود الخضر باطل ، واحتجاج الشيعة به باطل على باطل».

فتقول فيه ما كنت أحسب أنّ هذه الكلمة تخرج من فم عالم غاص في غمرات المعقول ، وخاض لجج المنقول!! يا هذا! متى استدلّ الشيعة على حياة الإمام المنتظر (ع) بحياة الخضر (ع)؟ وأين استدلّوا؟ ومن هم المستدلّون به؟ ومن هم الناقلون له؟ وأي حاجة بهم إلى الاحتجاج بحياته (ع) على حياته (ع) سواء أكان صحيحا أم غير صحيح؟ ولعلّ الإمام ابن تيمية رأى أنّهم يذكرون الخضر وغيره من المعمّرين ، ويذكرون بقاءهم ، فتوهّم أنّهم يحتجون بحياتهم على حياة المنتظر (ع) دون أن يتفطن إلى أنّهم إنّما ذكروا هؤلاء لا لأجل الاحتجاج بهم عليه (ع) بل لإثبات جواز بقاء الإنسان حيّا مئات من السنين ، وأنّه في الإمكان أن يبقى إلى ما شاء الله تعالى كما أيّده العلم الحديث.

أجل! إنّما يحتجّون على حياة المنتظر (ع) وبقائه بالكتاب والسنّة المحمدية التي سجّلها فطاحل أئمة أهل السنّة ، وأكابر حفّاظهم في

٢٧٧

صحاحهم ومسانيدهم المعتبرة ، وبالأصول النظرية المعقولة ، والنتائج العلمية التي يصدقها العيان ، ويحكم بصحّتها الوجدان ، فدونكها أدلّة كافية وافية لإزاحة العلّة ودفع تلك المضلّة كما تقدم تفصيله.

وقول الإمام ابن تيمية أنّ وجود الخضر باطل غير صحيح ، فإنّ النووي الذي لا ينازع في طول باعه ، وسعة اطّلاعه واجتهاده في علم الحديث منهم ، منازع ، قد نقل في (تهذيبه) و (منهاجه) على ما حكاه عنه ابن حجر العسقلاني في كتابه (الإصابة) ص ١٢٧ من جزئه الثاني عن جمهور أهل السنّة أنّه حي موجود ، وحكى عن صاحب (علوم الحديث) في فتاويه أنّه حي عند جماهير أهل العلم والصالحين والعامّة ، وأنّ جماعة منهم كانوا يرونه ، ويجتمعون بحضرته (ع) ـ ثم قال ـ وإنّما شذّ بإنكاره بعض المحدّثين انتهى. وهكذا سجّله الإمام الدميري وغيره من أئمة أهل السنّة فراجعوا ثمة حتى تعلموا أنّ منكر وجوده شاذّ لا يعتدّ به كائنا من كان.

الخضر من خير أمّة

وأمّا قوله : «وعلى تقديره فليس هو من خير أمة».

فنقول فيه : إنّ من الغريب أن يقول الإمام ابن تيمية إنّ الخضر ليس من خير أمّة ويخالف بذلك الضروري من الدين الإسلامي ، وذلك لما ثبت بحكم البداهة عند كل مسلم أنّ رسول الله (ص) وخاتم الأنبياء (ص) قد بعثه الله تعالى نبيّا لكل من كان في عصره (ص) ومن سيكون ويوجد بعده على الإطلاق ، سواء في ذلك الجن والإنس حتى تقوم الساعة ، ومن المقطوع به أنّ الجنسين والثقلين من مبعثه (ص) إلى يوم القيامة ، هما من أمّته (ص) ومنهم الخضر (ع) فهو أيضا بحكم هذه الضرورة يكون من خير أمّة ومن ثم يكون مكلفا بتكاليف الإسلام

٢٧٨

لا بغيرها كغيره من سائر الناس ، فكيف يا ترى يزعم هذا الإمام بتقديره فهو «ليس من خير أمّة» وضرورة الدين حاكمة ببطلان هذه المزعمة؟!!.

٢٧٩
٢٨٠