فضائح الباطنية

أبو حامد الغزالي

فضائح الباطنية

المؤلف:

أبو حامد الغزالي


المحقق: محمد علي القطب
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٥

يجوز أن يكون جائز الوجود؟ قلنا : فى تلك المقدمات ، ما اشتمل على رفع هذا بالقوة ؛ فإن كل ما ثبت له الجواز فافتقاره إلى سبب ضرورى. فإن قدر السبب جائزا دخل فى الجملة التى سميناها كلا. ونحن نعلم بالضرورة أن كل الجائزات تفتقر إلى سبب ، فإن فرضت السبب جائزا فافرضه داخلا فى الجملة واطلب سببه ، إذ يستحيل أن يسند ذلك جائز آخر ، وهكذا إلى غير نهاية ، فإنه يكون عند ذلك جميع الأسباب والمسبّبات جملة جائزة ، ووصف الجواز يصدق على آحادها وعلى مجموعها ، فيفتقر المجموع إلى سبب خارج عن وصف الجواز المخرج ، وفيه ضرورة إثبات واجب الوجود ، ثم بعد ذلك نتكلم فى صفته ونبين أنه لا يجوز أن يكون واجب الوجود جسما ولا منطبعا فى جسم ولا متغيرا ولا متحيزا ـ إلى سائر ما يتبع ذلك ويثبت كل واحد منها بمقدمات لا شك فيها ، وتكون النتيجة بعد حصولها من المقدمات فى الظهور على ذوق المقدمات.

فإن قيل : العلوم الحسابية معترف بها لأنها ضرورية ، ولذلك لم يختلف فيها ؛ وأما النظريات العقلية فإن كانت مقدماتها كذلك فلم وقع الاختلاف فيها فوقوع الاختلاف فيها يقطع الأمان؟ ـ قلنا : هذا باطل من وجهين : (أحدهما) أن العلوم الحسابية اختلف فيها تفصيلا وجملة من وجهين : أحدهما أن الأوائل قد اختلفوا فى كثير من هيئات الفلك ومعرفة مقاديرها ، وهى مثبتة على مقدمات حسابية ، ولكن متى كثرت المقدمات وتسلسلت ضعف الذهن عن حفظها. فربما تزل واحدة عن الذهن فيغلط فى النتيجة ، وإمكان ذلك لا يشككنا فى الطريق ، نعم! الخلاف فيها أندر ، لأنها أظهر ، وفى العقليات أكثر ، لأنها أخفى وأستر. ومن النظريات ما ظهر فاتفقوا عليه ، وهو أن القديم لا يعدم ـ فهذه مسألة نظرية ولم يخالف فيها أحد البتة ، فلا فرق بين الحسابية والعقلية.

الثانى : أن من حصر مدارك العلوم فى الحواس وأنكر العلوم النظرية جملة ، الحسابية وغير الحسابية ، فخلاف هؤلاء : هل يشككنا فى علمنا بأن العلوم الحسابية صادقة حقيقة؟ فإن قلتم «نعم!» اتضح ميلكم عن الإنصاف وإن قلتم

٨١

«لا!» فلم وقع الخلاف فيه؟ فإن قلتم : خلافه لم يشككنا فى المقدمات فلم يشككنا فى النتيجة؟ فكذلك خلاف من خالفنا فى تفصيل ما عرفناه من الدلالة على ثبوت واجب الوجود لم يشككنا فى مقدمات الدليل فلم يشككنا فى النتيجة؟

والوجه الآخر من الجواب هو أن السوفسطائية (١) أنكروا الضروريات وخالفوا فيها وزعموا أنها خيالات لا أصل لها ، واستدلوا عليه بأن أظهرها المحسوسات ، ولا ثقة بقطع الإنسان بحسه ، ومهما شاهد إنسانا وكلمه فقوله أقطع بحضوره وكلامه ، فهو خطأ ، فلعله يراه فى المنام! فكم من منام يراه الإنسان ويقطع به ولا يتمارى مع نفسه فى تحقيقه ، ثم ينتبه على الفور فيبين أنه لا وجود له ، حتى يرى فى المنام يد نفسه مقطوعة ورأسه مفصولا ، ويقطع به ولا وجود لما يقطع به. ثم خلاف هؤلاء لا يشككنا فى الضروريات ، وكذلك النظريات فإنها بعد حصولها من المقدمات تبقى ضرورية لا يتمارى فيها كما فى الحسابيات.

وهذا كله كلام على من ينكر النظر جملة ، أما التعليمية فلا يقدرون على إطلاق القول بإبطال النظر جملة ، فإنهم يسوقون الأدلة والبراهين على إثبات التعليم ، ويرتّبون المقدمات كما حكيناه. فكيف ينكرون ذلك؟! فمن هنا قالوا : نظر العقل باطل ، فيقال : وبم عرفتم بطلانه وثبوت التعليم؟ أبنظر أم ضرورة؟ ولا بد أن يقال : بنظر : ومهما استدل بالخلاف فى النظريات على فساد النظريات فقابله بالخلاف من السوفسطائية فى الضروريات ، ولا فرق بين المقامين ، فإذا قالوا : وبم أمنت الخطأ؟ وكم من مرة اعتدت الشيء نظرا ثم بان خلافه؟! فيقال له : وبم عرفت حضورك بهذا البلد الّذي أنت فيه ، وكم من مرة اعتقدت نفسك ورأيتها ببلد آخر لم تكن فيه ، فبم تميز بين النوم واليقظة؟ وبم تأمن على نفسك فلعلك الآن فى هذا الكلام نائم؟! فإن زعم : أنى أدرك التفرقة ضرورة ؛ فيقال : وأنا أدركت التفرقة بين ما يجوز الغلط فيه من المقدمات ، وما لا يجوز أيضا ضرورة ولا فرق. وكذلك

__________________

(١) السوفسطائية أو السفسطائية قالوا بإنكار الحسيات والبديهيات.

٨٢

كم يغلط الإنسان فى الحساب ثم يتنبه! وإذا تنبه أدرك التفرقة ضرورة بين حالة الإصابة والخطأ.

فإن قال قائل من الباطنية : نحن ننكر النظر جملة ، وما ذكرتم ليس من النظريات فى شيء ، بل هى مقدمات ضرورية قطعية رتّبناها ، قلنا : فأنتم الآن لم تفهموا معنى النظر الّذي نقول به : فلسنا نقول إلا بمثل ما نظمتموه من المقدمات الضرورية الحقيقية كما سنبينها ، فكل قياس لم يكن بنظم مقدمات ضرورية ، أو بنظم مقدمات مستنتجة من ضرورية فلا حجة فيه ، فهذا هو القياس المعقول ، وإنما ينتظم أبدا من مقدمتين : إما مطلقة ، وإما تقسيمية ، وقد تسمى حملية وشرطية ، أما المطلقة فكقولنا : العالم حادث ، وكل حادث فله سبب. فهاتان مقدمتان : الأولى حسية ، والثانية ضرورية عقلية ، ونتيجته : أن لحوادث العالم إذا سببا. وأما التقسيمية فهو أنا نقول : إذا ثبت أن لحوادث العالم سببا فالسبب المفروض إما حادث وإما قديم. فإن بطل كونه حادثا ثبت كونه قديما ، ثم نبطل كونه حادثا بمثل هذه المقاييس فيثبت بالآخرة أن لوجود العالم سببا قديما ؛ فهذا هو النظر المقول به ، فإن كنتم متشككين فى صحته فبم تنكرون من يمتنع من قبول مقدماتكم التى نظمتموها ويقول : أنا متشكك فى صحتها؟ فإن نسبتموه إلى إنكار الضرورة نسبناكم إلى مثله فيما ادعينا معرفته بالنظر ؛ ولا فرق.

هذا هو المنهج الجملى فى الرد عليهم ، إذا أبطلوا نظر العقول ، وهو الجزم الواجب فى إفحامهم ، فلا ينبغى أن نخوض معهم فى التفصيل ، بل نقتصر على أن نقول لهم : كل ما ذا عرفتموه من مذهبكم : من صدق الإمام وعصمته وبطلان الرأى ووجوب التعليم ـ بما عرفتموه؟ ودعوى الضرورة غير ممكنة فيبقى النظر والسماع. وصدق السمع أيضا لا يعرف ضرورة فيبقى النظر وهذا لا مخرج عنه.

فإن قال قائل : لا يظن بعاقل يدعى مذهبا ليس ضروريا ثم ينكر النظر ، فلعلهم يعترفون بالنظر ، إلا أنهم يقولون : تعلم طريق النظر واجب ، فإن الإنسان لا يستقل

٨٣

بنفسه فى النظريات ، فإن أنكرتم ذلك فقد أنكرتم العقول بديهة ، إذ لم يترشح المدرسون والمعلمون إلا للتعليم ، فلم تصدوا مع الاستغناء عنهم؟ وإن اعترفتم بذلك فقد اعترفتم بوجوب المعلم ، وأن العقول ليس فى مجردها غنية فبقى أنكم جوزتم التعلم من كل أحد ، وهم أوجبوا التعلم من معصوم ، لأن مذاهب المعلمين مختلفة ومتعارضة ولا ترجيح للبعض على البعض.

قلنا : وهذا السؤال أيضا فاسد ، فإنّا لا ننكر الحاجة إلى التعلم ، بل العلوم منقسمة إلى ثلاثة أقسام : قسم لا يمكن تحصيله إلا بالسماع والتعلم كالإخبار عما مضى من الوقائع ومعجزات الأنبياء وما يقع فى القيامة وأحوال الجنة والنار. فهذا لا يعرف إلا بالسماع من النبي المعصوم ، أو بالخبر المتواتر عنه ، فإن سمع بقول الآحاد حصل به علم ظنى لا يقينى.

هذا قسم ، والقسم الآخر من العلوم النظرية العقلية فليس فى الفطرة ما يرشد إلى الأدلة فيه ، بل لا بدّ فيه من التعلم لا ليقلد المعلم فيه ، بل لينبهه المعلم على طريقه ، ثم يرجع العاقل فيه إلى نفسه فيدركه بنظره. وعند هذا فليكن المعلم من كان ولو أفسق الخلق وأكذبهم ، فإنّا لسنا نقلّده بل نتنبه بتنبيهه فلا نحتاج فيه إلى معصوم ، وهى كالعلوم الحسابية والهندسية لا تعلم بالفطرة وتحتاج إلى المعلم ، ونستغنى عن معلم معصوم بل يتعلم طريق البرهان ويساوى المتعلم المعلم بعد النظر فى العقليات عندنا فالحسابيات عندهم ، وكم من شخص يغلط فى الحسابيات ، ثم يتنبه بالآخرة بعد زمان ؛ وذلك لا يشكك فى الأدلة والبراهين الحسابية ولا يحتمل الافتقار فيها إلى معلم معصوم.

القسم الثالث : العلوم الشرعية الفقهية ، وهو معرفة الحلال والحرام والواجب والندب ، وأصل هذا العلم السماع من صاحب الشرع ، والسماع منه يورث العلم ، إلا أن هذا لا يمكن تحصيل العلم القطعى فيه على الإطلاق فى حق كل شخص وفى كل واقعة ، بل لا بدّ من الاكتفاء بالظن فيه ضرورة فى طريقين : أحدهما فى

٨٤

المستمعين ، فإن الخلق فى عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انقسموا إلى من شاهد فسمع وتحقق وعرف ، وإلى من غاب فسمع من المبلغين وآحاد الأمراء والولاة فاستفادوا ظنا من قولة الآحاد ، ولكن وجب عليهم العمل بالظن للضرورة. فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عجز عن إسماع كل واحد بنفسه من غير واسطة ، ولم يشترط أن تتواتر عنه كل كلمة فى كل واقعة لتعذّره ، والعلم يحصل بأحد هذين المسلكين ، وهو متعذر قطعا.

(والطرف الثانى) فى نفس الصورة الفقهية والحوادث الواقعة ، إذن ما من واقعة إلا وفيها تكليف ، والوقائع لا حصر لها ، بل هى فى الإمكان غير متناهية. والنصوص لا تفرض إلا محصورة متناهية ، ولا يحيط قط ما يتناهى بما لا يتناهى. وغاية صاحب الشرع مثلا أن ينصّ على حكم كل صورة اشتمل عليها تصنيف المصنفين فى الفقه إلى عصرنا هذا. ولو فعل ذلك واستوفاه كانت الوقائع الممكنة الخارجة عن التصانيف أكثر من المسطورات فيها ، بل لا نسبة لها إليها ؛ فإن المسطورات محصورة ، والممكنات لا حصر لها. فكيف يستوفى ما لا يتناهى بالنص! فبالضرورة لا بدّ من تحكيم الظن فى التعلق بصيغ العمومات ، وإن كان يحتمل أنها أطلقت لإرادة الخصوص ، إذ عليها أكثر العمومات. ولذلك لما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معاذا (١) إلى اليمن وقال له : بم تحكم؟ فقال : بكتاب الله. قال : فإن لم تجد؟ قال : فبسنة رسول الله. قال : فإن لم تجد؟ قال : أجتهد رأيى. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحمد لله الّذي وفّق رسول رسوله لما يرضاه رسوله ؛ فإنما رخص له فى اجتهاد الرأى لضرورة العجز عن استيعاب النصوص للوقائع.

هذا بيان هذا القسم ، ولا حاجة فيه إلى إمام معصوم ، بل لا يغنى الإمام المعصوم شيئا ، فإنه لا يزيد على صاحب الشرع ؛ وهو لم يغن فى كلا الطرفين ، فلا قدرة على استيعاب الصور بالنصوص ، ولا قدرة على مشافهة جميع الخلق ولا على تكليفهم اشتراط التواتر فى كل ما ينقل عنه عليه‌السلام. فليت شعرى!

__________________

(١) معاذ بن جبل ـ رضى الله عنه ـ عند ما أرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن.

٨٥

معلمهم المعصوم ما ذا يغنى فى هذين الطرفين؟! أيعرف كافة الخلق نصوص أقاويله ، وهم فى أقصى الشرق والغرب ، بقول آحاد هؤلاء الدعاة ولا عصمة لهم حتى يوثق بهم ، أو يشترط التواتر عنه فى كل كلمة وهو فى نفسه محتجب لا يلقاه إلا الآحاد والشواذ؟ ـ هذا لو سلّم أنه مطّلع على الحق بالوحى فى كل واقعة كما كان صاحب الشرع. فكيف ، والحال كما نعرفه ويعرفه خواص أشياعه المحدقين به فى بلده وولايته!

فقد انكشف بهذا الكلام أنهم يلبسون ويقولون : إن قلتم لا حاجة إلى التعليم فقد أنكرتم العادات ؛ وإن اعترفتم فقد وافقتمونا على إثبات التعليم. فيأخذون التعليم لفظا مجملا مسلما ثم يفصلونه بأن فيه اعترافا بوجوب التعلم من المعصوم ، فقد فهمت أى علم يستغنى فيه عن المعلم ، وأي علم يحتاج فيه إليه. وإذا احتيج فما الّذي يستفاد من المعلم طريقه ولا يقلد فى نفسه فيستغنى عن عصمته؟ وما الّذي يقلد فى نفسه فيحتاج فيه إلى عصمته؟ وأن ذلك المعصوم هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن ما يؤخذ منه كيف ينقسم إلى ما يعلم تحقيقا ، وإلى ما يظن ؛ وأن كافة الخلق كيف يضطرون إلى القناعة بالظن فى صدق مبلغ الخبر عن صاحب الشرع وفى إلحاق غير المنصوص إلى النصوص. وإذا أيقنت هذه القاعدة استوليت على كشف تلبيساتهم كلها ، فإن عادتهم أبدا إطلاق مقدمات مهملة بنوا عليها النتيجة الفاسدة ، كقولهم : إنكم إذا اعترفتم بالحاجة إلى التعليم فقد اعترفتم بمذهبنا ؛ فنقول اعترافنا بالتعلم فى النظريات كاعترافكم به فى الحسابيات.

هذا منهج الكلام الجملى عليهم.

المنهج الثانى فى الرد عليهم تفصيلا

وسبيلنا أن نتكلم على كل مقدمة من مقدماتهم الثمانى التى نظمناها فنقول : (المقدمة الأولى) وهى قولكم إن كل شيء يتكلم فيه بنفى وإثبات ففيه حق وباطل ، والحق واحد ، والباطل ما يقابله. فهذه مقدمة صادقة لا نعتقد نزاعا فيها ،

٨٦

ولكن لا يصح منكم استعمالها ، فإنا نقول : من الناس من أنكر حقائق الأشياء ، وزعم أنه لا حق ولا باطل ، وأن الأشياء تابعة للاعتقادات ، فما يعتقد فيه الوجود فهو موجود فى حق ذلك المعتقد ، وما يعتقد فيه العدم فهو معدوم فى حق المعتقد ، وهذه مقالة فرقة من فرق السوفسطائية ، وربما يقولون : الأشياء لا حقيقة لها ، فنقول : هل هذه المقدمة مقدمة يقطعون بها ، وأنتم ترونها فى المنام ولا حقيقة لها ، فبما ذا أمنتم الغلط فيها؟ وكم رأيتم أنفسكم فى المنام قاطعين بأمر لا حقيقة له! وما الّذي آمنكم من إصابة خصومكم وخطئكم؟ ولا نزال نورد عليهم ما يوردونه على أهل النظر للتشكيك فيه فلا يجدون فصلا ، فإن زعموا أنا نعرف ضرورة خطأ من يخالفنا من السوفسطائية ونعلم ضرورة صدق هذه المقدمة ، قيل لهم : فبم تنكرون على أهل النظر إذا ادعوا ذلك فى مذهبهم وفى تفريقهم بين ما غالطوا فيه وبين ما لم يغالطوا فيه ، وفرقهم بين أنفسهم ومخالفيهم؟ فإن زعموا أن ذلك يفتقر فيه إلى تأمل ، وما نحن فيه بديهى ـ فنقول : والحسابيات يحتاج فيها إلى أدق تأمل ، فإن غلط فى مسألة عرفتموها من الحساب رجل قصر نظره أو ضعف ذكاؤه ، فهل يشكككم ذلك فى أن العلوم الحسابية صادقة؟ فإن قلتم : لا! قيل : فهكذا حال النظار المحققين إذا خالفهم المخالفون ، وهذا ينبغى أن يكون عليهم فى كل مقام ، لأن تبجحهم الأكثر باختلاف النظار ، وأن ذلك ينبغى أن يسقط الأمان ، وخلافنا لهم لم يسقط أمانهم عن مقدماتهم التى نظموها ثم طمعوا مع ذلك أن يسقط أماننا عن النظريات بخلاف المخالف فيها ، وهذا من الطمع البارد والظن الركيك الّذي لا ينخدع بمثله عاقل.

أما «المقدمة الثانية» وهى قولهم : إذا ثبت فى كل واقعة حق وباطل فلا بد من معرفة الحق فيه.

فهذه مقدمة كاذبة ، إذ تسلموها جملة وفيها تفصيل. وهذه عادتهم فى التلبيس ، فلا يغفلن عنها المحصل ، فنقول : قول القائل : الحق لا بدّ من معرفته كقول

٨٧

القائل : المسألة لا بدّ من معرفتها ، أو المسائل لا بدّ من معرفتها. فيقال هذا خطأ ، بل المسألة اسم جنس يتناول ما لا بدّ من معرفته ، وما عن معرفته بد ، فلا بد من تفصيل. وكذلك الحق ، بنا غنية عن معرفته فى أكثر الأمور فإن جملة التواريخ والأخبار التى كانت وستكون إلى منقرض العالم أو هى كائنة واقعة اليوم فى العالم يتكلم فيها بنص وإثبات ، والحق واحد ، ولا حاجة بنا إلى معرفته ، وهذا كقول القائل : ملك الروم الآن قائم ، أم لا؟ والحق أحدهما لا محالة. وما تحت قدمى من الأرض بعد مجاوزة خمسة أذرع حجر أو تراب؟ وفيه دود ، أم لا؟ والحق أحدهما لا محالة. ومقدار كرة الشمس أو زحل ومسافتهما مائة فرسخ ، أم لا؟ والحق أحدهما. وهكذا مساحات الجبال والبلاد وعدد الحيوانات فى البر والبحر وعدد الرمل ، فهذه كلها فيها حق وباطل. ولا حاجة إلى معرفتها ، بل العلوم المشهورة من النحو والشعر والطب والفلسفة والكلام وغيرها فمنها حق وباطل ، ولا حاجة بنا إلى أكثر ما قيل فيها ، بل الّذي نسلم أنه لا بدّ من معرفته مسألتان : وجود الصانع تعالى ، وصدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا لا بدّ منه ثم إذا أثبت صدق الرسول فالباقى يتعلق به تقليدا أو علما بخبر المتواتر ، أو ظنا بخبر الواحد ، وذلك من العلوم كاف فى الدنيا والآخرة ، وما عداه مستغنى عنه.

أما وجود الصانع وصدق الرسول فطريق معرفته النظر فى الخلق حتى يستدل به على الخالق ، وفى المعجزة حتى يستدل بها على صدق الرسول ، وهذان لا حاجة فيهما إلى معلم معصوم ، فإن الناس فيه قسمان : قسم اعتقدوا ذلك تقليدا وسماعا من أبويهم ، وصمّموا عليه العقد قاطعين به وناطقين بقولهم : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غير بحث عن الطرق البرهانية وهؤلاء هم المسلمون حقا ، وذلك الاعتقاد يكفيهم ، وليس عليهم طلب طرق البراهين ، وعرفنا ذلك قطعا من صاحب الشرع ، فإنه كان يقصده أجلاف العرب وأغمار أهل السواد (١) ، وبالجملة طائفة لو

__________________

(١) أهل السواد : الفلاحون والمزارعون.

٨٨

قطعوا آرابا (١) لم يدركوا شيئا من البراهين العقلية ، بل لا يبين تمييزهم عن البهائم إلا بالنطق ، وكان يعرض عليهم كلمة الشهادتين ، ثم يحكم لهم بالإيمان ويقنع منهم به ، وأمرهم بالعبادات ، فعلم قطعا أن الاعتقاد المصمم كاف وإن لم يكن عن برهان ، بل كان عن تقليد ، وربما كان يتقدم إليه الأعرابى فيحلفه أنه رسول الله وأنه صادق فيما يقول ، فيحلف له ويصدقه ، فيحكم بإسلامه. فهؤلاء ، أعنى المقلدين ، يستغنون عن الإمام المعصوم.

(القسم الثانى) من اضطرب عليه تقليده إما بتفكر وإما بتشكيك غيره إياه أو بتأمله بأن الخطأ جائز على آرائه ، فهذا لا ينجيه إلا البرهان القاطع الدال على وجود الصانع ، وهو النظر فى الصنع ، وعلى صدق الرسول وهو النظر فى المعجزة ، وليت شعرى ما ذا يغنى عنهم إمامهم المعصوم! أيقول له : اعتقد أن للعالم صانعا وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم صادق تقليدا لى من غير دليل فإنى الإمام المعصوم ؛ أو يذكر له الدليل فينبهه على وجه دلالته؟ فإن كان سومه (٢) التقليد فمن أى وجه يصدقه ، بل من أين يعرف عصمته وهو ليس يعرف عصمة صاحبه الّذي يزعم أنه خليفته بعد درجات كبيرة؟! وإن ذكر الدليل افتقر المسترشد إلى أن ينظر فى الدليل ويتأمل فى ترتيبه ووجه دلالته ، أم لا. فإن لم يتأمل فكيف يدرك دون النظر والتأمل ، وهذه العلوم ليست ضرورية؟ وإن تأمل وأدرك نتاج المقدمات الضرورية المنتجة المطلوبة بتأمله وخرج به عن حد التقليد له فما الفرق بين أن يكون المنبه له على وجه الدلالة ونظم المقدمات هو هذا المشار إليه المعصوم ، أو داعية أو عالم آخر من علماء الزمان ، فإن كل واحد ليس يدعوه إلى تقليده ، وإنما يقوده إلى مقتضى الدليل ، ولا يدرك مقتضى الدليل إلا بالتأمل. فإذا تأمل وأدرك لم يكن مقلدا لمعلمه ، بل كان كمتعلم للأدلة الحسابية. ولا فرق فى ذلك بين أفسق الخلق وبين أورعهم ، كمعلم الحساب فلا يحتاج فيه إلى الورع فضلا عن العصمة لأنه

__________________

(١) آراب ؛ جمع مفرده إرب بكسر الهمزة ، ومعناه : العضو.

(٢) سومه : مذهبه وطريقته.

٨٩

ليس مقلدا ، وإنما الدليل هو المتبع ، فإذا لا يعدو الخلق هذين القسمين : فالأول مستغن عن المعصوم ، والثانى لا يغنى عنه المعصوم شيئا. فقد بطلت مقدمتان : إحداهما أن كل حق فلا بد من معرفته ، والأخرى أنه لا يعرف الحق إلا من معصوم.

فإن قيل : لا تكفى معرفة الله تعالى ورسوله ، بل لا بدّ من معرفة صفات الله ومعرفته الأحكام الشرعية ـ قلنا : أما صفات الله تعالى فقسمان : قسم لا يمكن معرفة صدق الرسول وبعثته إلا بعد معرفته ، ككونه عالما وقادرا على الإرسال ؛ فهذا يعرف عندنا بالأدلة العقلية كما ذكرناه ؛ والمعصوم لا يغنى ، لأن المعتقد له تقليدا أو سماعا من أبويه مستغن عن المعلم كما سبق ، والمتردد فيه ما ذا يغنى عنه المعصوم! أفيقول له : قلدنى فى أنه تعالى قادر عالم ، فيقول له : كيف أقلدك ولم تسمح نفسى بتقليد محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو صاحب المعجزة؟! وإن ذكر له وجه الدليل أعاد القول فيه إلى ما مضى فى أصل وجود الصانع وصدق الرسول من غير فرق.

وأما الأحكام الشرعية فلا بد لكل واحد من معرفة ما يحتاج إليه فى واجباته ، وهى قسمان :

(القسم الأول) ما يمكن معرفته قطعا وهو الّذي اشتمل عليه نص القرآن وتواتر عنه الخبر من صاحب الشرع : كعدد ركعات الصلوات الخمس ، ومقادير النصب فى الزكوات ، وقوانين العبادات وأركان الحج ، أو ما أجمعت عليه الأمة ، فهذا القسم لا حاجة فيه إلى إمام معصوم أصلا.

(القسم الثانى) ما لا يمكن معرفته قطعا ، بل يتطرق الظن إليه وهو إما نص يتطرق الظن إلى نقله من حيث ينقله الآحاد فيجب التصديق به ظنا ، كما كان يجب على الخلق فى زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سائر الأقطار ؛ وإما صورة لا نص فيها فيحتاج إلى تشبيهها بالنصوص عليه وتقريبها منه بالاجتهاد ؛ وهو الّذي قال معاذ فيه : «أجتهد رأيى» ؛ وكون هذا مظنونا ضرورىّ فى الطرفين جميعا إذ لا يمكن شرط التواتر فى الكل ، ولا يمكن استيعاب جميع الصور بالنص فلا يغنى المعصوم فى هذا شيئا ،

٩٠

فإنه لا يقدر على أن يجعل ما نقله الواحد متواترا ، بل ولو تيقنه لم يقدر على مشافهة كافة الخلق به ، ولا تكليفهم السماع عنه تواترا ، فيقلد أشياعه دعاة المعصوم وهم غير معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ والكذب ، فنحن نقلد علماء الشرع ، وهم دعاة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم المؤيد بالمعجزات الباهرة ، فأىّ حاجة إلى المعصوم فيه! وأما الصورة التى ليست منصوصة فيجتهد فيها الرأى ، إذ المعصوم لا يغنى عنها شيئا ، فإنه بين أن يعترف بأنه أيضا ظانّ والخطأ جائز فى كل ذى ظن ؛ ولا يختلف ذلك بالأشخاص. فما الّذي يميز ظنه من ظن غيره وهو مجوز للخطأ على نفسه؟! وإن ادعى المعرفة فيه : أيدعيها عن وحى ، أو عن سماع نص فيه ، أو عن دليل عقلى؟ فإن ادعى تواتر الوحى إليه فى كل واقعة ، فإذا هو مدّع للنبوة فيفتقر إلى معجزة ، كيف ولا يتصور تقدير المعجزة إذ بان لنا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاتم الأنبياء. فإن جوزنا الكذب على محمد فى قوله : «أنا خاتم الأنبياء» مع إقامة المعجزة ، فكيف نأمن كذب هذا المعصوم وإن أقام المعجزة؟! وإن ادعى معرفته عن نص بلغه فكيف لا يستحى من دعوى نص صاحب الشرع على وقائع لا يتصور حصرها وعدها ، بل لو عمر الإنسان عمر نوح ولم يشتغل إلا بعد الصور والنصوص عليها لم يستوعب عشر عشرها. ففى أى عمر استوعب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم جميع الصور بالنص! فإن ادعى المعرفة بدليل عقلى ، فما أجهله بالفقهيات والعقليات جميعا ، إذ الشرعيات أمور وضعية اصطلاحية تختلف بأوضاع الأنبياء والأعصار والأمم كما نرى الشرائع مختلفة ، فكيف تجوز فيها الأدلة العقلية القاطعة؟! وإن ادعاها عن دليل عقلى مفيد للنظر فالفقهاء كلهم لهم هذه الرتبة!

فاستبان أن ما ذكروه تلبيس بعيد عن التحقيق وأن العامى المنخدع به فى غاية الحمق لأنهم يلبسون على العوام بأن يتبعوا الظن ، وإن الظنّ لا يغنى عن الحق شيئا ، والفقهيات لا بدّ فيها من اتباع الظن فهو ضرورى ، كما فى التجارات والسياسات وفصل الخصومات للمصالح ، فإن كل الأمور المصلحية تبنى على الظن ، والمعصوم كيف يغنى عن هذا الظن ، وصاحب الشريعة لم يغن عنه ولم

٩١

يقدر عليه ، بل أذن فى الاجتهاد وفى الاعتماد على قول آحاد الرواة عنه ، وفى التمسك بعمومات الألفاظ ، وكل ذلك ظن عمل به فى عصره مع وجوده ، فكيف يستقبح ذلك بعد وفاته!

فإن قيل : فإذا اختلف المجتهدون لاختلاف مسالك الظنون فما ذا ترون؟ إن قلتم : «كل مجتهد مصيب» ـ تناقض كلامكم ، فإن خصومكم مهما أصابوا فى اعتقادهم يقولون إنكم أخطأتم ؛ أفلستم مصيبين إذا ، فكيف وفى الفرق من يستبيح سفك دمائكم؟ فإن كانوا مصيبين أيضا فنحن فى سفك دمائكم ونهب أموالكم مصيبون ؛ فلم تنكرون علينا؟ وإن قلتم : إن المصيب واحد ، فبم نميز المصيب من المخطئ؟ وكيف نتخلص من خطر الخطأ والظن؟ ـ قلنا : فيه رأيان.

فإن قلنا : كل مجتهد مصيب لم نتناقض ، إذ نريد به أنه مصيب حكم الله فى حق نفسه ومقلديه ، إذ حكم الله عليه أن يتبع غالب ظنه فى كل واقعة ، وقد اتبع ؛ وهذا حكم الله على خصمه ؛ وقولهم : إنه مصيب إذا فى سفك الدم ، فهو كلام جاهل بالفقهيات ، فإن ما افترق فيه الفرق مما يرى فيه سفك الدماء مسائل قطعية عقلية ، المصيب فيها واحد ؛ والمسائل الظنية الفقهية المختلف فيها بين الشافعى وأبى حنيفة ومالك لا تفضى إلى التقاتل وسفك الدماء ، بل كلّ فريق يعتقد احترام الفريق الآخر حتى يحكم بأنه لا ينقض حكمه إذا قضى به ، وأنه يجب على المخالف الاتباع. نعم! اختلفوا فى أنه : هل يطلق اسم الخطأ على الفرقة الأخرى فى غير إنكار واعتراض أم لا؟ وقولهم : إن خصمك يقول : أنت مخطئ ، فإن كان هو مصيبا فإذا أنت مخطئ ـ قلنا : إن قال خصمى : أنت مخطئ ، أي أظن خطأك فهو صادق ؛ وأنا أيضا صادق فى قولى : إنى مصيب ، ولا تناقض. وإن قال : أقطع بأنك مخطئ ، فليس مصيبا فى هذا القول ، بل بطلان قول من يقطع بالخطإ فى المجتهدات ليس مظنونا ، بل هو مقطوع به فى جملة المسائل القطعية الأصولية ، فالقول : «إن المصيب من المجتهدين كلاهما أو أحدهما» مسألة أصولية قطعية لا ظنية ، وقد التبست عليهم الأصوليات بالفقهيات الظنية ، ومهما كشف الغطاء لم

٩٢

يتناقض الكلام ، فإن قيل : فإذا رأيتم كل واحد مصيبا فليجز للمجتهد أن يأخذ بقول خصمه ويعمل به لأنه مصيب ، وليجز للمقلد أن يتبع من شاء من الأئمة المجتهدين. قلنا : أما اتباع المجتهد لغيره فخطأ ؛ فإن حكم الله عليه أن يتبع ظن نفسه ، وهذا مقطوع به ، فإذا اتبع ظن غيره فقد أخطأ فى مسألة قطعية أصولية ، وعرف ذلك بالإجماع القاطع ، وأما خبر المقلدين الأئمة فقد قال به القائلون ، ولكن المختار عندنا أنه يجب أن يقلد من يعتقد أنه أفضل القوم وأعرفهم. ومستند اعتقاده إما تقليد سماعى من الأبوين ، وإما بحث عامى عن أحواله ، وإما تسامع عن ألسنة الفقهاء ، وبالجملة يحصل له ظن غالب من هذه المستندات ، فعليه اتباع ظن نفسه ، كما على المجتهد اتباع ظن نفسه. وهذا ليس بكلي فى الشرع لأن الشرع يشتمل على مصلحة جزئية فى كل مسألة ، وعلى مصلحة كلية فى الجملة. أما الجزئية فما يعرف عنها دليل كل حكم وحكمته ، أما المصلحة الكلية فهى أن يكون كل مكلف تحت قانون معين من تكاليف الشرع فى جميع حركاته وأقواله واعتقاداته ، فلا يكون كالبهيمة المسيبة تعمل بهواها ، حتى يرتاض بلجام التقوى وتأديب الشرع وتقسيمه إلى ما يطلقه وإلى ما يحجر عليه فيه ، فيقدم حيث يطلق الشرع ويمتنع حيث يمنع ، ولا يتخذ إلهه هواه ويتبع فيه مناه. ومهما خبرنا المقلدين فى مذاهب الأئمة ليستمد منها أطيبها عنده اضطرب القائلون فى حقه فلا يبقى له مرجع إلا شهوته فى الاختيار ، وهو مناقض للغرض الكلى ؛ فرأينا أن نحصره فى قالب وأن نضبطه بضابط وهو رأى شخص واحد لهذا المعنى.

ولهذا اختلفت قوانين الأنبياء فى الأعصار بالإضافة إلى التفصيل ، ولم تختلف فى أصل التكليف ودعوة الخلق عن اتباع الهوى إلى طاعة قانون الشرع ، فهذا ما نراه مختارا فى حق آحاد المقلدين. هذا أحد الرأيين وهو أن كل مجتهد مصيب. ومن رأى أن المصيب واحد ، فلا تناقض أيضا فى كلامه. وقوله : بم يأمن من إمكان الخطأ؟ ـ قلنا : أو لا تعارضهم. فمن كان مسكنه بعيدا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان يعول على قول الواحد ، وكذا من مسكنه بعيد عن معصومكم بينه وبينه البحار

٩٣

الحاجزة والمهامة المهلكة ، بم يأمن الخطأ على المبلغ وهو غير المعصوم؟ فسيقولون : يحكم بالظن ، وليس عليه أكثر من ذلك. فهذا جوابنا.

فإن قلتم : إن له طريقا إلى الخلاص من الظن ، وهو أن يقصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن التوجه إليه من الممكنات ، فكذا يقصد للإمام المعصوم فى كل زمان ؛ قلنا : وهل يجب قصد ذلك مهما جوز الخطأ؟ فإن قلتم : لا ، فأى فائدة فى إمكانه وقد جاز له اقتحام متن الخطر فيما جوز فيه الخطأ؟ فإذا جاز ذلك فلا بأس بفوات الإمكان. كيف ولا يقدر كل زمن (١) مدبر لا مال له على أن يقطع ألف فرسخ ليسأل عن مسألة فقهية واقعة ، كيف ولو قطعها ، فكيف يزول ظنه بإمامكم المعصوم وإن شافهه به إذ لا معجزة له على صدقه ؛ فبأى وجه يثق بقوله ؛ وكيف يزول ظنه به؟ ثم يقول : لا خلاص له عن احتمال الخطأ ، ولكن لا ضرر عليه ، وغاية ما فى هذا الباب أن يكون فى درك الصواب مزية فضيلة ، والإنسان ـ فى جميع مصالحه الدنيوية : من التجارة والحرب مع العدو والزراعة ـ يقول على ظنون فلا يقدر على الخلاص من إمكان الخطأ فيه ، ولا ضرر عليه ، بل لو أخطأ صريحا فى مسألة شرعية فليس عليه ضرر ، بل الخطأ فى تفاصيل الفقهيات معفو عنه شرعا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد» (٢). فما هولوا من خطر الخطأ مستحقر فى نفسه عند المحصلين من أهل الدين ، وإنما يعظم به الأمر على العوام الغافلين عن أسرار الشرع ، فليس الخطأ فى الفقهيات من المهلكات فى الآخرة ، بل ليس ارتكاب كبيرة موجبا لتخليد العقاب ولا للزومه على وجه لا يقبل العفو ، أما المجتهدات فلا مأثم على من يخطئ فيها ، والحنفى يقول : يصلى المسافر ركعتين ؛ والشافعى يقول : يصلى أربعا ، وكيفما فعل فالتفاوت قريب ؛ ولو قدر فيه خطأ فهو معفو عنه. فإنما العبادات مجاهدات ورياضات تكسب النفوس صفاء وتبلغ فى الآخرة مقاما محمودا ، كما أن تكرار المنفعة لما يتعلمه يجعله فقيه النفس

__________________

(١) زمن ؛ الزمن (المبتلى) ـ (الطاعن فى السن).

(٢) متفق عليه.

٩٤

ويبلغه رتبة العلماء ، ومصلحته تختلف بكثرة التكرار وقلته ، ورفعه صوته فيه وخفضه. فإن أخطأ فى الاقتصار على التكرار لدرس واحد مرتين ، وكانت الثلاث أكثر تأثيرا فى نفسه فى علم الله تعالى ، أو أخطأ فى الثلاث وكان الاقتصار على الاثنين أكثر تأثيرا فى صيانته عن التبرم المبلد ، أو أخطأ فى خفض الصوت وكان الجهر أوفق لطبعه وللتأثير فى تنبيه نفسه ، أو كان الخفض ادعى له إلى التأمل فى كنه معناه ، لم يكن الخطأ فى شيء من ذلك فى ليلة أو ليال مؤيسا عن رتبة الإمامة ونيل فقه النفس ، وهو فى جميع ما يخمن ويرتب فى مقادير التكرار من حيث الكمية والكيفية والوقت مجتهد فيه وظان وسالك إلى طريق الفوز بمقصوده ما دام مواظبا على الأصل.

وإن كان قد تيقن له الخطأ أحيانا فى التفاصيل وإنما الخطر فى التغليظ والاعتراض والاغترار بالفطنة الفطرية ظنا بأن فيها غنية عن الاجتهاد ، كما ظن فريق من الباطنية أن نفوسهم زكيّة مرتاضة مستغنية عن الرياضات بالعبادات الشرعية فأهملوها وتعرضوا بسببها للعقاب الأليم فى دار الآخرة.

فليعتقد المسترشد أن إفضاء المجاهدات الشرعية إلى المقامات المحمودة السنية فى دار الآخرة كإفضاء الاجتهاد ـ فى ضبط العلوم والمواظبة عليها إلى مقام الأئمة وعند هذا نستحقر ما عظّم الباطنية الأمر فيه من خطر الخطأ على المجتهدين فى الجهر بالبسملة وتثنية الإقامة وأمثالها ، فالتفاوت فيه بعد المواظبة على الأصول المشهورة كالتفاوت فى الجهر بالتكرار أو الخفض به من غير فرق وكيف. وقد نبه الشرع على تمهيد عذر المخطئ فيه كما تواتر ذلك من صاحب الشرع. هذا تمام الكلام على المقدمة الثانية.

وأما (المقدمة الثالثة) وهى قولهم : إذا ثبت وجوب معرفة الحق فلا يخلو إما أن يعرفه الإنسان من نفسه ، أو من غيره. فهذه مقدمة صادقة لا نزاع فيها. نعم! المجادلة عليها بما يفحم الباطنية ويمنعهم من استعمالها كما ذكرنا فى المقدمة الأولى ، وهى جارية فى كل مقدمة صادقة.

٩٥

وأما (المقدمة الرابعة) وهى قولهم : إذا بطلت معالجته فى نفسه بطريق النظر ثبت وجوب التعلم من غيره ، فهذه صادقة على تقدير بطلان النظر وتسليم معرفة الحق ، ولكنّا لا نسلم بطلان النظر ، كما سبق وكما سنذكر فى إفساد شبههم المزخرفة لإبطال النظر ، ولا نسلم وجوب معرفة الحق ، لأن من جملته ما بنا مندوحة عنه ، والمحتاج إليه معرفة الصانع وصدق الرسول ، والناس قد اعتقدوها سماعا وتقليدا لأبويهم ، وفى ذلك ما يغنيهم فلا حاجة بهم إلى استيناف تعلّم من معلم معصوم ، فإن قنعوا بالتعليم من الأبوين فنحن نسلم حاجة الصبيان فى مبدأ النشوء إلى ذلك ولا ننكره. ولا مستروح لهم فى هذا التسليم.

ومن هذه المقدمة قولهم : إذا ثبتت الحاجة إلى المعلم فليكن المعلم معصوما ، وهذا متنازع فيه ، فإن المعلم إن كان يعلم ويذكر معه الدليل العقلى وينبه على وجه الدلالة ليتأمل المتعلم فيه بمبلغ عقله ويجوز له الثقة بمقتضى عقله بعد تنبيه المعلم ، فليكن المعلم ولو أفسق الخليقة فلم يحتاج إلى عصمته؟ وليس يتلقف المتعلم منه تقليد ما يتلقفه ، بل هو كالحساب لا بدّ من معرفة الحق فيه لمصالح المعاملات ، ولا يعرفه الإنسان من نفسه ويفتقر إلى معلم ولا يحتاج إلى عصمته لأنه ليس علما تقليديا ، بل هو برهانى ، وإن زعمتم أن المتعلم ليس يتعلم بالبرهان والدليل لأن ذلك يدركه بنظر عقله ، ولا ثقة بعقله مع ضعف عقول الخلق وتفاوتها فلذلك يحتاج إلى معصوم ؛ فهذا الآن حماقة ، لأنه إما يعرف عصمته ضرورة أو تقليدا ، ولا سبيل إلى دعوى شيء منه ، فلا بد أن يعرفه نظرا ، إذ لا شخص فى العالم يعرف عصمته ضرورة أو يوثق بقوله مهما قال أنا معصوم ، وإذا لم يعرف عصمته كيف يقلده! وإذا لم يثق بنظره كيف يعرف عصمته! فإن كان الأمر كما ذكرتموه فقد وقع الناس عن تعلم الحق وصار ذلك من المستحيلات فإذا قالوا : لا بدّ من تعلم الحق لا بطريق النظر ، كان كمن يقول : لا بدّ من الجمع بين البياض والسواد ، لأنه إن تعلم من غيره بتأمل دليل المسألة التى يتعلمها كان ناظرا مقتحما خطر الخطأ ، وإن قلده لكونه معصوما كان مدركا عصمته بالنظر فى دليل العصمة.

٩٦

وإن لم يعتقد العصمة ويعلم ممن كان فقد رجع الأمر بالآخرة إلى ما استبعدوه وهو التعلم ممن لم تعرف عصمته وفيهم كثرة وأقوالهم متعارضة كما ذكروه ، وهذا لا مخلص عنه أبد الدهر.

وأما (المقدمة الخامسة) وهى قولهم : إن العالم لا يخلو إما أن يشتمل على ذلك المعصوم المضطر إليه ، أو يخلو عنه ؛ ولا وجه لتقدير خلو العالم عنه فإن ذلك يؤدى إلى تغطية الحق وذلك ظلم لا يليق بالحكمة ، فهو أيضا مقدمة فاسدة ، لأنا إن سلمنا سائر المقدمات وسلمنا ضرورة الخلق إلى معلم معصوم فنقول : لا يستحيل خلو العالم عنه ، بل عندنا يجوز خلو العالم عن النبي أبدا ، بل يجوز لله أن يعذب جميع خلقه وأن يضطرهم إلى النار ، فإنه بجميع ذلك متصرف فى ملكه بحسب إرادته ، ولا معترض على المالك من حيث العقل فى تصرفاته ، وإنما الظلم وضع الشيء فى غير موضعه ، والتصرف فى غير ما يستحقه المتصرف ، وهذا لا يتصور من الله ، فلعل العالم خال عنه على معنى أن الله لم يخلقه.

فإن قيل : مهما قدر الله على إرشاد الخلق إلى سبيل النجاة ونيل السعادات ببعثة الرسل ونصب الأئمة ولم يفعل ذلك كان إضرارا بالخلق مع انتفاء المنفعة عن الله تعالى فى هذا الإضرار ، وهو فى غاية القبح المناقض لأوصاف الكمال من حكمته وعدله ، ولا يليق ذلك بالصفات الإلهية.

قلنا : هذا الكلام مختل وغطاء ينخدع به العامى ويستحقره الغواص فى العلوم ، وقد انخدع به طوائف من المعتزلة ، واستقصاء وجه الرد عليهم فى فن الكلام (١) ، وأنا الآن مقتصر على مثال واحد يبين قطعا أن الله تعالى ليس يلزمه فى نعوت كماله أن يرعى مصلحة خلقه ، وهو : أنا نفرض ثلاثة من الأطفال مات أحدهم طفلا ، وبلغ أحدهم مسلما ثم مات ، وبلغ الآخر وكفر ثم مات ؛ فيجازى الله كل أحد بما يستحقه ، فيكون مقيما للعدل فينزل الّذي بلغ وكفر فى دركات

__________________

(١) فن الكلام : علم الكلام.

٩٧

لظى (١) ، والّذي بلغ ، وأسلم فى درجات العلى ، والّذي مات طفلا من غير إسلام ومقاساة عبادة بعد البلوغ ، فى درجة دون درجة الّذي بلغ وأسلم ، فيقول الّذي مات طفلا : يا رب! لم أخرتنى عن أخى المسلم الّذي بلغ ومات ، ولا يليق بكرمك إلّا العدل ، وقد منعتنى من مزايا تلك الرتبة ، ولو أنعمت عليّ بها لانتفعت بها ولم تضرك ، فكيف يليق بالعدل ذلك؟ فيقول له بزعم من يدعى الحكمة : إنه بلغ وأسلم وتعب وقاسى شدائد العبادات ، فكيف يقتضي العدل التسوية بينك وبينه؟ فيقول الطفل : يا رب! أنت الّذي أحييته وأمتنى ؛ وكان ينبغى أن تمد حياتى وتبلغنى إلى رتبة الاستقلال وتوفقنى للإسلام كما وفقته ، فكان التأخير عنه فى الحياة هو الميل عن العدل. فيقول له بزعم من يدعى الحكمة : كانت مصلحتك فى إماتتك فى صباك ، فإنك لو بلغت لكفرت واستوجبت النار ، فعند ذلك ينادى الكافر الّذي مات بعد بلوغه من دركات لظى فيقول : يا رب! قد عرفت منى أنى إذا بلغت كفرت ، فهلا أمتنى فى صباى فإنى قانع بالدرجة النازلة التى أنزلت فيها الصبى المتشوق إلى درجات العلى ، وعند هذا لا يبقى لمن يدعى الحكمة فى التسوية إلا الانقطاع عن الجواب والاجتراء.

وبهذا التفاوت يستبين أن الأمر أجل مما يظنون ، فإن صفات الربوبية لا توزن بموازين الظنون ، وإن الله يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، وبهذا يستبين أنه لا يجب بعث نبى ولا نصب إمام. فقد بطل قولهم إنه لا بدّ أن يشتمل العالم عليه.

وأما (المقدمة السادسة) وهى قولهم : إذا ثبت أن المعصوم موجود فى العالم فلا يخلو إما أن يصرح بالدعوى ويدعى العصمة ، أو يخفيه ؛ وباطل إخفاؤه ، لأن ذلك واجب عليه ، والكتمان معصية تناقض العصمة ، فلا بد أن يصرح بها. فهذه مقدمة فاسدة ، لأنه لا يبعد ألا يصرح به لكونه محفوفا بالأعداء ، مستشعرا فى نفسه خائفا

__________________

(١) دركات لظى قعر جهنم وقاعها. الدركات : المنازل ، لظى : جهنم.

٩٨

على روحه فيخفى ذلك تقية (١) ، وذلك مما اتفقوا على جوازه ، وإليه ذهبت الإمامية بأجمعهم ، وزعموا أن الإمام حي قائم موجود ، والعصمة حاصلة له ، ولكنه يتربص تصرم دولة الباطل وانقراض شوكة الأعداء. وإنما هو الآن متحصن بجلباب الخفاء ، حارس نفسه عن الهلاك لصيانة السر عن الإفشاء إلى أن يحضر أوانه وينقرض إمام الباطل وزمانه. فما جواب هؤلاء الباطنية على مذهب الإمامية؟ وما الّذي يمنع احتمال ذلك فإنهم ساعدوهم على جميع مقدماتهم إلا على هذه المقدمة ، وذلك لما شاهدوا من اختلال حال من وسمه هؤلاء بالعصمة وتحققوا من الأسباب المناقضة للورع والصيانة ، فاستحيوا من دعوى العصمة لمن يشاهدون من أحواله نقيضها ، فزعموا أن المعصوم مختف ، وأنا ننتظر ظهوره فى أوانه ، وعند هذا نقول : بم عرفت الباطنية بطلان مذهب الإمامية فى هذه القضية؟ فإن عرفوها ضرورة فكيف قام الخلاف فى الضروريات ، وإن عرفوها نظرا فما الّذي أوجب صحة نظرهم دون نظر خصومهم وتزكية عقولهم دون عقولهم؟ أيعرف ذلك بطول اللحى أو ببياض الوجوه وهلم جرا إلى عين المسلك الّذي نهجوه؟ وهذا لا محيص عنه بحال من الأحوال.

وأما (المقدمة السابعة) وهى قولهم : إذا ثبت أن المعصوم لا بدّ أن يصرح. فإذا لم يكن فى العالم إلا مصرح واحد كان هو ذلك المعين لا خصم له ، ولا ثانى له فى الدعوى التى يعتسفها المدعى من وجهين للعصمة ولا مصرح بها فى أقطار العالم سوى شخص واحد؟ فلعل فى أقصى الصين أو فى أطراف المغرب من يدعى شيئا من ذلك : وانتفاء ذلك مما لا يعرف ضرورة ولا نظرا ، فإن قيل : يعرف ذلك ضرورة إذ لو كان لانتشر لأن مثل هذا تتوافر الدواعى على نقله ، قلنا : يحتمل أنه كان ولم ينتشر إلى بلادنا ، مع بعد المسافة ، لأن المدعى له ليس يتمكن من ذكره إلا

__________________

(١) التّقية : إضمار عداوة الحاكم الطاغية فى النفس اتقاء لشره وأذاه. مأخوذة من قول الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران : ٢٨].

٩٩

مع سوسه وصاحب سره ، وحوله جماعة من أعدائه ، فيفزع من إظهار السر وإفشائه ، ويرى المصلحة فى إخفائه ؛ أو هو مفش له ولكن المستمعين له ممنوعون عن الانتشار فى البلاد وإخبار العباد به لأنهم محاصرون من جهة الأعداء ، مضطرون إلى ملازمة الوطن خوفا من نكاية المستولين عليهم ، فما الّذي يبطل هذا الاحتمال ، وهو أمر ـ قدر قريبا أو بعيدا ـ فهو ممكن ليس من قبيل المحالات ، وأنتم تدعون القطع فيما توردون ؛ فكيف يصفو القطع مع هذا الاحتمال؟!

(الوجه الثانى) فى إفساد هذه المقدمة : هو أنكم ظننتم أنه لا يدعى العصمة فى العالم سوى شخص واحد ، وهو خطأ ؛ فإنا بالتواتر نتسامع بمدعيين أحدهما فى جيلان (١) فإنها لا تنفك قط عن رجل يلقب نفسه بناصر الحق ويدعى لنفسه العصمة ، وأنه نازل منزلة الرسول ، ويستعبد الحمقى من سكان ذلك القطر إلى حد يقطعهم جوانب الجنة مقدرا بالمساحة ، ويضايق فى بعضهم إلى حد لا يبيع ذراعا من الجنة لا بمائة دينار. وهم يحملون إليه ذخائر الأموال ، ويشترون منه مساكن فى الجنة ، فهذا أحد الدعاة ، فبم عرفتم أنه مبطل؟! وإذ قد تعدد المدعى ولا مرجح ، إذ لا معجزة ، فلا تظنوا أن الحماقة مقصورة عليكم ، وأن هذه الكلمة لا ينطق بها لسان غيركم ، بل التعجب من ظنكم أن هذه الحماقة مقصورة عليكم فى الحال أكثر من العجب فى أصل هذه الحماقة.

فأما المدعى الثانى فرجل فى جزائر البصرة يدعى الربوبية ، وقد شرع دينا ورتب قرآنا ونصب رجلا يقال : له : على بن كحلا (٢) ، وزعم أنه بمنزلة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه رسوله إلى الخلق. وقد أحدق به طائفة من الحمقى زهاء عشرة آلاف نفس ، ولعله يزيد عددهم على عددكم ، وهو يدعى لنفسه العصمة وما فوقها. فما جوابكم عن رجل من الشاباسية (٣) يسوق هذه المقدمات إلى هذه المقدمة ثم يقول : إذا لم يكن

__________________

(١) جيلان : اسم لبلاد كثيرة تقع وراء طبرستان ، تختلف تضاريسها بين مروج وجبال.

(٢) كان على بن كحلا هذا ؛ بمنزلة الرسول من الله لدى الشاباسية.

(٣) الشاباسية : نسبة إلى شاباس أو شباس ادعى أصحابه وأتباعه الألوهية له.

١٠٠