فضائح الباطنية

أبو حامد الغزالي

فضائح الباطنية

المؤلف:

أبو حامد الغزالي


المحقق: محمد علي القطب
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٥

يلحق بالبهائم فيصير إمّا غمزا كثور (١) ، وإما شرها كخنزير ، وإما ضرعا ككلب أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو ذا روغان ونفاق كثعلب ، أو يجمع ذلك فيصير كشيطان مريد. وعلى ذلك دلّ قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] ، وقال : (كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الفرقان : ٤٤] ، وقال (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [الأنفال : ٢٢] ، وهذه الصفات الذميمة تجتمع فى الآدمى فى هذا العالم وهو فى صورة الإنسان ، فتكون الصفة باطنة والصورة ظاهرة ؛ وفى الآخرة تتحد الصور والصفات ، فيصور كل شخص بصفته التى كانت غالبة عليه فى حياته ، فمن غلب عليه الشر ، حشر فى صورة خنزير ، ومن غلب عليه الغضب حشر فى صورة سبع ، ومن غلب عليه الحمق حشر فى صورة حمار ، ومن غلب عليه التكبر حشر فى صورة نمر ، وهكذا جميع الصفات ، ومن غلب عليه العلم والعمل واستولى بهما على هذه الصفات حشر فى صورة الملائكة (وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩].

وهذه الوظائف التى ذكرناه علمية يجب التأمل فيها حتى تتمثل فى القلب فتكون نصب العين فى كل لحظة. وإنما تترسخ هذه العلوم فى النفس إذا أكّدت بالعمل كما سنذكره فى الوظائف العملية بعد.

القول فى الوظائف العملية

وهى كثيرة ، أولاها وهى من الأمور الكلية : أن كلّ من تولى عملا على المسلمين فينبغى أن يحكم نفسه فى كل قضيّة يبرمها ؛ فما لا يرتضيه لنفسه لا يرتضيه لغيره ، فالمؤمنين كنفس واحدة ، فقد روى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة

__________________

(١) غمزا كثور : يضرب الأرض بحافره ؛ (يغمزها).

١٨١

فليدركه موته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر ؛ وليأت إلى الناس الّذي يحب أن يؤتى إليه» (١). وروى أنس بن مالك : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من أصبح وهمه غير الله تعالى فليس من الله فى شيء ؛ ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس من المسلمين».

ومنها : أن يكون والى الأمر متعطشا إلى نصيحة العلماء ومتبجحا (٢) بها إذا سمعها ، وشاكرا عليها ، فقد روى أن أبا عبيدة ومعاذا كتبا إلى عمر رضى الله عنهم : «أما بعد! فإنا عهدناك وشأن نفسك لك مهمّ ؛ وأصبحت وقد وليت بأمر هذه الأمة : أسودها وأحمرها ، يجلس بين يديك الشريف والوضيع ، والصديق والعدو ؛ ولكل حصته من العدل. فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر! وإنا نحذرك مما حذرت الأمم قبلك ، يوم تعنو فيه الوجوه وتجب (٣) فيه القلوب ، وتقطع فيه الحجّة لعزّ ملك قهرهم جبروته والخلق داخرون له ينتظرون قضاءه ويخافون عقابه ، وإنه ذكر لنا أنه سيأتى على الناس زمان يكون إخوان العلانية أعداء السريرة ، فإنّا نعوذ بالله أن ينزل كتابنا من قبلك سوى المنزل الّذي نزل من قلوبنا ، وإنا كتبنا إليك نصيحة. والسلام!» فكاتبهما بجوابه ، وذكر فى آخر ما كتب : «إنكما كتبتما إلى نصيحة منكما بكتاب ، فإنى لا غنى بى عنكما. والسلام عليكما!».

ومنها : ألا يستحقر الوالى انتظار أرباب الحاجات ووقوفهم بالباب فى لحظة واحدة ؛ فإن الاهتمام بأمر المسلمين أهم له ، وأعود عليه مما هو متشاغل به من نوافل العبادات ، فضلا عن اتباع الشهوات ، فقد روى : (أن عمر بن عبد العزيز ـ رضى الله عنه! ـ جلس يوما للناس ، فلما انتصف النهار ضجر ومل ، فقال للناس : مكانكم حتى أعود إليكم فدخل يستريح ساعة ، فجاء ابنه عبد الملك (٤) فاستأذن

__________________

(١) رواه البخارى ومسلم.

(٢) متبجحا : فرحا.

(٣) تجب : تضطرب.

(٤) عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، كان شهما شديد الورع جريئا فى الحق.

١٨٢

فدخل عليه فقال : يا أمير المؤمنين!! ما سبب دخولك؟ قال : «أردت أن أستريح ساعة». فقال : «أأمنت أن يأتيك الموت ورعيتك على الباب ينتظرونك وأنت محتجب عنهم!» فقال عمر : «صدقت» ، فقام من ساعته وخرج إلى الناس.

ومنها : أن يترك الوالى للأمر الترفه والتلذذ بالشهوات فى المأكولات والملبوسات ، فقد روى أن عمر رضى الله عنه كتب إلى سلمان الفارسى يستزيره ، فلما قدم عليه سلمان تلقاه فى أصحابه فالتزمه وضمّه إليه وصار إلى المدينة ، فلما خلا به عمر قال له : يا أخى هل بلغك منى ما تكرهه؟ فقال : لا. قال : عزمت عليك إن كان بلغك منى ما تكرهه إلا أخبرتنى ، فقال : لو لا ما عزمت عليّ أولا ما أخبرتك : بلغنى أنك تجمع بين السمن واللحم على مائدتك ؛ وبلغنى أن لك حلتين : حلة تلبسها مع أهلك ، وحلة تخرج فيها إلى الناس ، فقال عمر : هل بلغك غير هذا؟ فقال : لا. فقال : أما هذان فقد كفيتهما فلا أعود إليهما.

ومنها : أن يعلم والى الأمر أن العبادة تيسر للولاة ما لا يتيسر لآحاد الرعايا ، فلتغتنم الولاية لتعبد الله بها ، وذلك بالتواضع والعدل والنصح للمسلمين والشفقة عليهم. فقد روى عن أبى بكر رضى الله عنه وهو على المنبر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الوالى العدل المتواضع ظل الله ورمحه فى أرضه ، فمن نصحه فى نفسه وفى عباد الله حشره الله تعالى فى وقدة (١) يوم لا ظل إلا ظله ؛ ومن غشه فى نفسه وفى عباد الله خذله الله تعالى يوم القيامة ، ويرفع للوالى العدل المتواضع فى كل يوم وليلة عمل ستين صديقا كلهم عبد مجتهد فى نفسه». فهذه رتبة عظيمة لا تسلم فى كل عصر إلا لواحد ، وإنما تنال هذه الرتبة بالعدل والتواضع ، وقد روى أبو سعيد الخدرى (٢) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «سبعة يظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ؛ وشاب نشأ فى عبادة الله ؛ ورجل قلبه متعلق بالمسجد

__________________

(١) الوقدة : شدة حر النار وتلهبها.

(٢) أبو سعيد الخدرى : سعد بن مالك بن سنان.

١٨٣

إذا خرج منه حتى يعود إليه ؛ ورجلان تحابا فى الله فاجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ؛ ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ؛ ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال إلى نفسها فقال : إنى أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة وأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» (١). فهذه سبع لا يتصور اجتماعها إلا فى أمير المؤمنين ، وإنما يقدر غيره من الخلق على آحادها دون مجموعها. فليجتهد فى نيل رتبة لم تدخر إلا له ، ولن يقوم بها سواه.

فقد روى أيضا أبو سعيد الخدرى أنه قال : «إن أحب العباد إلى الله تعالى وأقربهم مجلسا : إمام عادل ؛ وإن أبغض الناس إلى الله وأشدّهم عذابا يوم القيامة إمام جائر» ، وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثلاثة لا يرد الله لهم دعوة : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، والمظلوم ؛ يقول الله تعالى : وعزتى وجلالى وارتفاعى فوق عرشى لأنتصرن لك ولو بعد حين» ، وقد روى عبد الله بن مسعود أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «عدل ساعة خير من عبادة سنة ، وإنما قامت السموات والأرض بالعدل». وقد روى عن ابن عباس أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «والّذي نفس محمد بيده إن الوالى العدل ليرفع الله له كل يوم مثل عمل رعيته ، وصلواته فى اليوم تعدل تسعين ألف صلاة». وروى ابن عباس أيضا أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الإسلام والسلطان أخوان توأمان لا يصلح أحدهما إلا بصاحبه : فالإسلام أسّ والسلطان حارس ، فما لا أسّ له منهدم ، وما لا حارس له ضائع» ؛ وقد روى أنس أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما من أحد أفضل منزلة عند الله من إمام إن قال صدق ، وإن حكم عدل ، وإن استرحم رحم!» والقصد من رواية هذه الأخبار التنبيه على عظم قدر الإمامة وأنها إذا ترتبت بالعدل كانت أعلى العبادات. وإنما يعرف العدل من التزم بالشرع ، فليكن دين الله وشرع

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل فى «مسنده» والترمذي وابن ماجه عن أبى هريرة وقال الترمذي : حسن. ويرد برواية أخرى : «ثلاثة لا ترد دعوتهم» الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم يرفعها الله تعالى فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب تبارك وتعالى : وعزتى لأنصرنك ولو بعد حين».

١٨٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو المفزع والمرجع فى كل ورد وصدر ، وتفضيل العدل مما يطول ولعل الوظائف التى تأتى يشتمل عليه طرف منها.

ومنها : أن يكون الرفق فى جميع الأمور أغلب من الغلظة ، وأن يوصل كل مستحق إلى حقه ، فقد روت عائشة رضى الله عنها! عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أيما وال ولى فلانا ورفق به رفق به يوم القيامة». وروت عائشة أيضا أنه قال : «اللهم من ولى من أمر أمتى شيئا فرفق بهم فارفق به ، ومن شق عليهم فاشقق عليه». هذا دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنه يستجاب لا محالة ، وقد روى عن زيد بن ثابت أنه قال عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم الشيء الإمارة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها ، ؛ وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها فتكون حسرة عليه يوم القيامة». وكل أمير عدل عن الشرع فى أحكامه فقد أخذ إمارة بغير حقها.

وروى أبو هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن بنى إسرائيل كان يسوسهم الأنبياء عليهم‌السلام فكلما هلك نبىّ قام نبىّ مكانه ، وإنه لا نبى بعدى ، وإنه يكون بعدى خلفاء» ، قيل : «يا رسول الله! ما تأمرنا فيهم؟» قال : «أعطوهم حقّهم ، واسألوا الله تعالى حقكم ، فإن الله تعالى سائلهم عما استرعاهم هو». وقد حكى : أن هشام ابن عبد الملك قال لأبى حازم (١) وكان من مشايخ الدين :

«كيف النجاة من هذا الأمر؟» يعنى من الإمارة. قال : «ألا تأخذ الدرهم إلا من حله ، ولا تضعه إلا فى حقه». قال : «ومن يطيق ذلك؟» قال : «من طلب الجنة وهرب من النار».

ومنها : أن يكون أهم المقاصد عنده تحصيل مرضاة الخلق ومحبتهم بطريق يوافق الشرع ولا يخالفه. فقد روى عوف بن مالك عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن خيار أئمتكم الذين تحبونهم وتصلّون عليهم ويصلون عليكم ، وشر أئمتكم الذين

__________________

(١) أبو حازم الأعرج : سلمة بن دينار ؛ وكان رأسا فى التابعين.

١٨٥

تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم» ، قيل : يا رسول الله! أفلا ننابذهم؟ قال : «لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ؛ إلا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معاصى الله تعالى فليكره ما أتى من معاصى الله تعالى ، ولا ينزع يدا عن طاعة الله». وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم! أنه قال : «لخليفتى على الناس السمع والطاعة ما استرحموا فرحموا ، وحكموا فعدلوا ، وعاهدوا فوفوا ، ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

ومنها : أن يعلم أن رضى الخلق لا يحسن تحصيله إلا فى موافقة الشرع ، وأن طاعة الإمام لا تجب على الخلق إلا إذا دعاهم إلى موافقة الشرع كما روى عن محمد بن (١) على أنه قال : «إنى لأعلم قبيلتين تعبدان من دون الله». قالوا : من هم؟ قال : «بنو هاشم وبنو أمية. أما والله ما نصبوهم ليسجدوا لهم ولا ليصلوا لهم ، ولكن أطاعوهم واتبعوهم على ما أمدوهم. والطاعة عبادة». وقد روى ابن عباس أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تسخطن الله برضى أحد من خلقه ، ولا تقربوا إلى أحد من الخلق بتباعد من الله ، إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه قرابة يعظمهم بها ولا يصرف عن أحد شرا إلا بطاعته واتباع مرضاته واجتناب سخطه ، وإن الله تعالى يعصم من أطاعه ولا يعصم من عصاه ولا يجد الهارب منه مهربا» وقد روى عمر ابن (٢) الحكم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث سرية وأمرّ عليهم رجلا من أصحابه ، فأمر ذلك الرجل عبد الله ابن حذاقة (٣) وكان ذا دعابة فأوقد نارا وقال : ألستم سامعين مطيعين لأميركم؟ قالوا : بلى. قال : عزمت عليكم إلا وقعتم فيها. ثم قال : إنما كنت ألعب معكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «من أمركم من الأمراء بشيء من معصية الله فلا تطيعوه». وقد روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه! أنه صعد المنبر بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبعة أيام ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم

__________________

(١) محمد بن على : ابن أبى طالب (ابن الحنفية).

(٢) عمر بن الحكم السلمىّ أخو معاوية بن الحكم.

(٣) عبد الله بن حذافة السهمى رضى الله عنه.

١٨٦

قال : «أيها الناس! إنكم وليتمونى أمركم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينونى ، وإن ضعفت أو عدلت عن الحق فقومونى ، ولا تخافوا فى الله أحدا ، إن أكيس الكيس التقى ، وإن أحمق الحمق الفجور ، ثم إنى أخبركم أنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم! وهو يقول فى الغار : «إن الصدق أمانة ، وإن الكذب خيانة ، ألا إن الضعيف منكم هو القوى عندنا حتى يعطى الحق غير متعتع ولا مقهور ، والقوى هو الضعيف عندنا حتى نأخذ منه الحق طائعا أو كارها» ، ثم قال : «أطيعونا ما أطعنا الله ورسوله ؛ فإذا عصينا الله ورسوله فلا طاعة لنا عليكم. فقوموا إلى صلاتكم ، رحمكم الله». وقد روى عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة أنه قال : انتهيت إلى عبد الله بن عمر رضى الله عنه وهو جالس فى ظل الكعبة ، والناس حوله مجتمعون فسمعته يقول : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «إنه لم يكن شيء إلا كان حقا على الله أن يدلّ أمته على ما يعلمه خيرا لهم ، وينذرهم ما يعلمه شرا لهم. وإن أمتكم هذه جعلت عاقبتها فى أولها وإلى آخرها ، سيصيبهم بلاء وأمور ينكرونها تجيء سنة ألفين فيقول المؤمن : هذه هذه ؛ ثم تنكشف فمن سرّه منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه موتته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ، ومن تابع إماما وأعطاه صفية قلبه وثمرة فؤاده فليعطه ما استطاع». فقلت : أناشدك الله ، أنت سمعته من رسول الله؟ قال : سمعت أذناى ووعى قلبى. فقلت : هذا ابن عمك يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل وأن نقيل أنفسنا. فقال : قال الله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] الآية ؛ قال : فجمع يديه فوضعهما على جبهته ثم نكس رأسه فقال : أطعه فى طاعة الله ، واعصه فى معصية الله».

فبهذه الأحاديث يتبين أن الطاعة واجبة للأئمة ، ولكن فى طاعة الله لا فى معصيته.

١٨٧

ومنها أن يعرف أن خطر الإمامة عظيم ، كما أن فوائدها فى الدنيا والآخرة عظيمة ؛ وأنّها إن روعيت على وجهها فهى سعادة ، وإن لم تراع على وجهها فهى شقاوة ليس فوقها شقاوة ، فقد روى ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أقبل وفى البيت رجال من قريش. فأخذ بعضادتى الباب ثم قال : «الأئمة من قريش ما قاموا فيكم بثلاث : ما إن استرحموا رحموا ، وإن حكموا عدلوا ، وإن قالوا أوفوا ، ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» الصرف : النافلة ، والعدل الفريضة. وهذا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما أعظم الخطر فى أمر ينتهى إلى ألا يقبل بسببه فريضة ولا نافلة. وقد روى أيضا أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حكم بين اثنين فجار وظلم فلعنة الله على الظالمين». وقد روى أبو هريرة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : الإمام الكذاب ، والشيخ الزانى ، والعائل (١) المزهو». وروى الحسن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «يفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها ، عمالها كلهم فى النار إلا من اتقى الله تعالى وأدى الأمانة» وقد روى عن الحسن أنه قال : عاد عبيد الله بن الحسن معقلا (٢) فى مرضه الّذي قبض فيه ، فقال له معقل : إنى محدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما من عبد يسترعيه الله تعالى رعيته يموت يوم يموت غاشا لرعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة» وروى عن زياد بن أبيه (٣) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من ولى من أمر المسلمين شيئا ولم يحطهم بالنصيحة كما يحوط على أهل بيته فليتبوأ مقعده من النار». وقد حكى عن سفيان الثورى أنه عاتب رجلا من إخوانه قد كان هم أن يتلبس بشيء من أمر الولاية فقال : يا أبا عبد الله! إن على عيالا ، فقال له : لأن تجعل فى عنقك مخلاة تسأل على الأبواب خير لك من أن تدخل فى شيء من أمور الناس. وقد روى معقل بن يسار عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه

__________________

(١) العائل : الفقير ذو العيال.

(٢) معقل بن يسار.

(٣) زياد بن أبيه (زياد بن أبى سفيان).

١٨٨

قال : «رجلان من أمّتى لا تنالهما شفاعتى : إمام ظلوم غشوم ، وغال فى الدين مارق منه». وروى أبو سعيد الخدرى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر». وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «خمسة غضب الله تعالى عليهم ، إن شاء أمضى غضبه عليهم فى الدنيا ، وإلا فمأواهم فى الآخرة النار : أمير قوم يأخذ حقه من رعيته ولا ينصفهم من نفسه ولا يدفع المظالم عنهم ؛ وزعيم قوم يطيعونه فلا يسوى بين الضعيف والقوىّ ويتكلم بالهوى ؛ ورجل لا يأمر أهله وولده بطاعة الله ولا يعلمهم أمور دينهم ولا يبالى ما أخذوا من دنياهم وما تركوا ؛ ورجل استأجر أجيرا فيستعمله ولا يوفيه أجره ؛ ورجل ظلم امرأة مهرها». وقد روى أن عمر بن الخطاب خرج فى جنازة ليصلى عليها ، فلما وضعت فإذا برجل قد سبق إلى الصلاة ، ثم لما وضع الرجل فى قبره تقدم الرجل فوضع يده على التراب وقال : اللهم إن تعذبه فربما عصاك ، وإن ترحمه فإنه فقير إلى رحمتك! طوبى لك إن لم تكن أميرا أو عريفا أو كاتبا أو شرطيا أو جابيا. قال : ثم ذهب الرجل فلم يقدر عليه (١) ، فأخبر عمر به فقال : لعله الخضر (٢) صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وروى عن مالك بن دينار أنه قال : قرأت فى بعض الكتب : «ما من مظلوم دعا بقلب محترق إلا لم تنته دعوته حتى تصعد بين يدى الله ، فتنزل العقوبة على من ظلمه ، أو استطاع أن يأخذ له فلم يأخذ له». وروى أبو هريرة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ويل للأمراء! ويل للعرفاء! ويل للأمناء! ليتمنين قوم يوم القيامة أن ذوائبهم (٣) كانت معلقة بالثريا يتدلون بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا عملا». وروى أبو بريدة عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا يؤمر رجل على عشيرة فما فوقهم إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه ، فإن كان محسنا فك عنه غلّه ؛ وإن كان مسيئا زيد غلا إلى غله».

__________________

(١) لم يمسكوا به.

(٢) باعتبار من قال بنبوته.

(٣) ذوائبهم : ضفائر شعرهم (أطرافها).

١٨٩

وهذا الخطر ثابت فى أن يفرق الأمير بين نفسه وبين رعيته فى الترفّه بالمباحات ، فقد روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلس يوم بدر فى الظل ، فنزل جبريل فقال : «يا محمد! أنت فى الظل وأصحابك فى الشمس!» وروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال : «ويل لديان أهل الأرض من ديّان أهل السماء ، يوم يلقونه ، إلا من أمر بالعدل وقضى بالحق ولم يقض بهوى ولا قرابة ولا رهبة ولا رغبة ، ولكن جعل كتاب الله مرآة بين عينيه».

وأقل الأمور حاجة الإمام إلى تخويف بحكم السياسة ، وقد روى ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها فى غير حق أخافه الله تعالى بها يوم القيامة». وروى أنس بن مالك أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يؤتى بالولاة يوم القيامة فيقول الرب تعالى : أنتم كنتم رعاة غنمى وخزان أرضى ، فيقول لهم : ما حملكم على أن جلدتم فوق ما أمرتم؟ فيقول : أى رب! غضبت لك. فيقول : أينبغي لك أن تكون أشد غضبا منى؟ ويقول للآخر : ما حملك على أن جلدت دون ما أمرت؟ فيقول : أي رب! رحمته. فيقول : أينبغي لك أن تكون أرحم منى؟ ـ خذوا المقصر عن أمرى والزائد على أمرى فسدوا بهما أركان جهنم». وبهذا الحديث يتبين أنه لا ينبغى أن نفزع إلا إلى الشرع ، وأنه لا شيء أهم للأئمة من معرفة أحكام الشرع. وروى عن «حذيفة» أنه قال : ما أنا بمثن على وال خيرا ، عادلهم وجائرهم ، فقيل له : لم؟ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يؤتى بالولاة يوم القيامة عادلهم وجائرهم فيوقفون على الصراط ، فيوحى الله تعالى إلى الصراط فيزحف بهم زحفة لا يبقى جائر فى حكمه ولا مرتش فى قضائه ولا ممكن سمعه لأحد الخصمين ما لم يمكن للآخر إلا زالت قدماه سبعين عاما فى جهنم». وروى أن داود صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخرج متنكرا يطوف فى الآفاق يسأل عن سيرة داود فيهم ، فتعرض له جبريل صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صورة آدمى ، فسأله عن سيرته ، فقال جبريل : نعم الرجل داود ، ونعم السيرة سيرته غير أنه يأكل من بيت مال المسلمين ولا يأكل من كدّ يده ، فرجع باكيا متضرعا إلى

١٩٠

محرابه يسأل ربّه تعالى أن يعلّمه صنعة يأكل منها ، فعلّمه صنعة الدروع وألان له الحديد ، فذلك قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) [الأنبياء : ٨٠] الآية.

هذا خطر الإمامة ، وفيها أحاديث كثيرة يطول إحصاؤها ، وهذا القدر كاف للبصير المعتبر ، وعلى الجملة فيكفى من معرفة خطرها سيرة عمر رضى الله عنه ، فإنه كان يتجسس ويتعسس ليلا ليعرف أحوال الناس وكان يقول : «لو تركت جربة على ضفة الفرات لم يطلى بالهنا (١) فأنا المسئول عنها يوم القيامة» ؛ ومع ذلك فقد روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : «دعوت الله تعالى اثنتى عشرة سنة : اللهم أرنى عمر بن الخطاب فى منامى ، فرأيته بعد اثنتى عشرة سنة كأنما اغتسل واشتمل بالإزار ، فقلت : يا أمير المؤمنين! كيف وجدت الله تعالى؟ قال : يا أبا عبد الله! كم منذ فارقتكم؟ قلت : منذ اثنتى عشرة سنة. قال : كنت فى الحساب إلى الآن. ولقد كادت تزل سريرتى لو لا أنى وجدت ربا رحيما». فهذه حال عمر ، ولم يملك من الدنيا سوى درّة (٢) ، فليعتبر به.

وقد حكى عن يزدجرد بن شهريار آخر ملوك العجم أنه بعث رسولا إلى عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ، وأمره أن ينظر فى شمائله. فلما دخل المدينة قال : أين ملككم؟ قالوا : ليس لنا ملك ؛ لنا أمير خرج برا ، فخرج الرجل فى أثره فوجده نائما فى الشمس ودرّته تحت رأسه وقد عرق جنبه حتى ابتلت منه الأرض. فلما رآه على حالته قال : «عدلت فأمنت فنمت ؛ وصاحبنا جار فخاف فسهر. أشهد أن الدين دينكم ؛ ولو لا أنى رسول لأسلمت ، وسأعود بإذن الله تعالى».

ومنها أن يكون الوالى متعطشا إلى نصيحة علماء الدين ومتعظا بمواعظ الخلفاء الراشدين ومتصفحا فى مواعظ مشايخ الدين للأمراء المنقرضين. ونحن نورد الآن بعض تلك المواعظ : فإنه قد روى أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبى موسى

__________________

(١) الهنا : القطران ، يطلى به البعير الأجرب ؛ أو الناقة الجرباء ؛ أو الدواب عامة.

(٢) الدرة : العصا القصيرة ، يضرب بها.

١٩١

الأشعرى : «أما بعد! فإن أسعد الرعاة عند الله من سعدت به رعيته ، وإن أشقى الرعاة عند الله من شقيت به رعيته. وإياك أن ترتع فترتع عمالك فيكون مثلك عند الله مثل بهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرتعت فيها تبتغى فى ذلك السّمن ، وإنما حتفها فى سمنها» وإنما قال ذلك لأن الوالى مأخوذ بظلم عماله وظلم جميع حواشيه ، فكل ذلك فى جريدته (١) وينسب إليه.

وقد روى أنه أنزل فى التوراة على موسى عليه‌السلام أنه ليس على الإمام من ظلم العامل وجوره ما لم يبلغه ذلك من ظلمه وجوره ، فإذا بلغه فأقرّه شركه فى ظلمه وجوره. قد روى أن شقيق البلخى (٢) دخل على هارون الرشيد فقال له : أنت شقيق الزاهد؟ فقال له : أما شقيق فنعم ، وأما الزاهد فيقال. فقال له : عظنى! فقال له : «إن الله تعالى أنزلك منزلة الصّديق وهو يطلب منك الصدق كما تطلبه منه ؛ وأنزلك منزلة الفاروق ، وهو يطلب منك الفرق بين الحق والباطل كما تطلبه منه ، وأنزلك منزلة ذى النورين (٣) وهو يطلب منك الحياء والكرامة كما تطلبه منه ؛ وأنزلك منزلة على بن أبى طالب وهو يطلب منك العلم كما تطلبه منه». ثم سكت. فقال له : زدنى! قال : «نعم! إن الله تعالى دارا سماها جهنم وجعلك بوابا لها ؛ وأعطاك بيت مال المسلمين وسيفا قاطعا وسوطا موجعا ؛ وأمرك أن تردّ الخلق من هذه الدار بهذه الثلاث : فمن أتاك من أهل الحاجة فأعطه من هذا البيت ؛ ومن تقدم على نهى الله فأوجعه بهذا السوط ؛ ومن قتل نفسا بغير حق فاقتله بهذا السيف بأمر ولى المقتول ، فإنك إن لم تفعل ذلك فأنت السابق والخلق تابع لك إلى النار». قال : زدنى! قال : «نعم! أنت العين (٤) ، والعمال الأنهار ، إن صفت العين لم يصر كدر الأنهار ؛ وإن كدرت العين لم يرج صفاء الأنهار».

__________________

(١) جريدته : صحيفته التى تنشر فوق رأسه يوم القيامة.

(٢) شقيق البلخى الصوفى الشهير ، شيخ خراسان ، توفى فى سنة ١٩٤ ه‍ ـ.

(٣) ذو النورين : عثمان بن عفان.

(٤) العين : نبع الماء.

١٩٢

وقد حكى أن هارون الرشيد قصد الفضيل بن عياض (١) ليلا مع العباس فى داره ، فلما وصل إلى بابه سمع قراءته وهو يقرأ : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [الجاثية : ٢١] فقال هارون للعباس : «إن انتفعنا بشيء فبهذا». فدق العباس الباب وقال : أجب أمير المؤمنين ، قال : وما يعمل عندى أمير المؤمنين؟ فقال : أجب إمامك. ففتح الباب وأطفأ سراجه وجلس فى وسط البيت فى الظلمة ، فجعل هارون يطوف حتى وقعت عليه يده فقال : آه من يد ما ألينها إن نجت من عذاب الله يوم القيامة! فجلس وقال : «يا أمير المؤمنين! استعد لجواب الله تعالى يوم القيامة فإنك تحتاج أن تتقدم مع كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة». فجعل هارون يبكى. فقال العباس : اسكت فقد قتلت أمير المؤمنين. فقال : يا هامان (٢) تقتله أنت وأصحابك وتقول لى أنت قتلته؟! فقال هارون : ما سماك هامان إلّا وجعلنى فرعون ، فقال له هارون : هذا مهر والدتى ألف دينار تقبلها منى. فقال : يا أمير المؤمنين! لا جزاك الله إلا جزاءك ، أقول لك ردها على من أخذتها منه ، وتقول لى : خذها أنت؟! فقام وخرج.

وقد حكى عن محمد بن كعب القرظى (٣) أنه قال له عمر بن عبد العزيز : صف لى العدل! فقال : يا أمير المؤمنين! كن لصغير المسلمين أبا ، وللكبير منهم ابنا ، وللمثل أخا ؛ وعاقب كل واحد منهم بقدر ذنبه على قدر جسمه ؛ وإياك أن تضرب بغضبك سوطا واحدا فتدخل النار. وقد حكى عن الحسن (٤) أنه كتب إلى عمر بن

__________________

(١) أبو على الفضيل بن عياض التميمى المروزى ، زاهد وأحد العلماء الأعلام ، حدث عنه الشافعى ويحيى القطان وغيرهما ، ولد بسمرقند وقدم الكوفة شابا ثم جاور بمكة إلى أن مات سنة ١٨٧ ه‍.

(٢) هامان : كبير وزراء فرعون.

(٣) محمد بن كعب القرظى ، الكوفى المولد والمنشأ ، عاش فى مكة ؛ وروى عن كبار الصحابة ؛ ويقال إنه ولد فى حياة النبي ؛ وقال عنه الذهبى إنه كان كبير القدر ، ثقة ، موصوفا بالعلم والصلاح والورع. توفى فى سنة ١٠٨ ه‍ ، وقيل فى سنة ١١٧ ه‍.

(٤) المقصود هو الحسن البصرى ، إمام أهل البصرة ولد سنة ٢١ ه‍ ، وتوفى سنة ١١٠ ه‍.

١٩٣

عبد العزيز : أما بعد! فإن الهول الأعظم ومقطعات الأمور كلهن أمامك ، لم تقطع منهن شيئا ، فلذلك فاعدد ومن شرّها فاهرب. والسلام عليك!».

وقد حكى أن بعض الزهاد دخل على بعض الخلفاء فقال له : عظنى! فقال له : «يا أمير المؤمنين! كنت أسافر الصين فقدمتها مدة وقد أصيب ملكها بسمعه ، فبكى بكاء شديدا وقال : أما إنى لست أبكى على البلية النازلة ولكنى أبكى لمظلوم على الباب يصرخ فلا يؤذن له ولا أسمع صوته ؛ ولكنى إن ذهب سمعى فإن بصرى لم يذهب ، نادوا فى الناس : لا يلبس أحد ثوبا أحمر إلّا متظلم ، ثم كان يركب الفيل فى نهاره حتى يرى حمرة بباب المظلومين. فهذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله تعالى غلبت عليه رأفته ورحمته على المشركين وأنت مؤمن بالله تعالى من أهل بيت نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كيف لا تغلب رأفتك بالمؤمنين!».

وحكى أيضا أن سليمان بن عبد الملك قدم المدينة وهو يريد مكة. فأقام بها أياما. فأرشد إلى أبى حازم (١) ، فدعاه. فلما دخل عليه قال له سليمان : «يا أبا حازم! ما لنا نكره الموت ونحب الحياة؟!» فقال : «لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم الدنيا ، فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب» فقال : يا أبا حازم! كيف القدوم على الله تعالى غدا؟ قال : «يا أمير المؤمنين! أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ؛ وأما المسىء فكالآبق (٢) يقدم على مولاه!» فبكى سليمان وقال : ليت شعرى ما لى عند الله غدا. قال أبو حازم : «اعرض عملك على كتاب الله تعالى حيث يقول : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار : ١٣ ـ ١٤]. قال سليمان : فأين رحمة الله؟ قال : (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦]. ثم قال

__________________

(١) أبو حازم سلمة بن دينار المخزومى المدنى الأعرج ، «عالم المدينة وزاهدها وواعظها ؛ سمع سهل بن سعد وطائفة. وكان أشقر فارسيا ، وأمه رومية ، وولاؤه لبنى مخزوم. قال ابن خزيمة : ثقة ، لم يكن فى زمانه مثله. له حكم ومواعظ» توفى سنة ١٤٠ ه‍ «وقال عنه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما رأيت أحدا الحكمة أقرب إلى فيه من أبى حازم».

(٢) الآبق : العبد الهارب.

١٩٤

سليمان : يا أبا حازم! أى عباد الله أكرم؟ قال : «أهل المروءة والتقى». قال : أى الأعمال أفضل؟ قال : «أداء الفرائض مع اجتناب المحارم». قال : فأى الدعاء أسمع؟ قال : «دعاء المحسن إليه للمحسنين». قال : فأىّ الصدقة أزكى؟ قال : «صدقة على السائل الناس ، وجهد المقل ليس فيها منّ ولا أذى». قال : فأى القول أعدل؟ قال : «قول الحق عند من يخاف ويرجى». قال : فأى المؤمنين أكيس؟ قال : رجل عمل بطاعة الله تعالى وذكر الناس عليها». قال : فأى المؤمنين أفسق؟ قال : «رجل أخطأ فى هوى أحبه وهو ظالم باع آخرته بدنيا غيره». قال سليمان : فما تقول فيما نحن فيه؟ فقال : «يا أمير المؤمنين! أو تعفينى؟» قال : لا ، ولكن نصيحة تلقيها إلى. قال : «يا أمير المؤمنين! إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضى أحد ، حتى قتلوا ، وقد قتلوا قتلة عظيمة. وقد ارتحلوا. فلو شعرت ما قالوا وما قيل لهم!» فقال له رجل من جلسائه : بئس ما قلت! قال أبو حازم : «إن الله تعالى أخذ الميثاق على العلماء ليبيننّه للناس ولا يكتمونه» فقال : كيف لنا أن نصلح هذا الفساد؟ فقال : «أن تأخذه من حله ، وتضعه فى حقه». فقال : ادع لى! قال أبو حازم : «اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والآخرة ؛ وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى». فقال سليمان : أوصنى! قال : «أوصيك وأوجز : عظّم ربك ، ونزهه أن يراك حيث نهاك ، أو يفقدك حيث أمرك».

وقد حكى عن أبى قلابة (١) أنه دخل على عمر بن عبد العزيز فقال له : يا أبا قلابة! عظنى! فقال : «يا أمير المؤمنين! إنه لم يبق من لدن آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى يومنا هذا خليفة غيرك». قال له : زدنى! قال : «أنت أول خليفة يموت؟». قال : زدنى! قال إذا كان الله معك فمن تخاف؟ إذا كان عليك فمن ترجو» قال : حسبى!

__________________

(١) أبو قلابة الجرمى : «عبد الله بن زيد البصرى الإمام ؛ طلب للقضاء فهرب ، ونزل الشام فنزل بداريا.

وكان رأسا فى العلم والعمل. سمع من سمرة وجماعة. ومناظرته مع علماء عصره فى القسامة بحضرة عمر بن عبد العزيز ـ مشهورة فى الصحيح» وتوفى سنة ١٠٤ ه‍ وقيل سنة ١٠٧ ه‍ ، وقال ابن معين سنة ست أو سبع.

١٩٥

وحكى عن سليمان بن عبد الملك أنه تفكر يوما فقال : كيف تكون حالى وقد ترفهت فى هذه الدنيا؟ فأرسل إلى أبى حازم وقال : تبعث إلى بذلك الّذي تفطر عليه بالعشاء ، فأنفذ إليه شيئا من النخالة المقلية. قال : أبل هذا بالماء فأفطر به فهو طعامى ، فبكى سليمان وعمل ذلك فى قلبه وصام ثلاثة أيام ما ذاق شيئا حتى فرغ بطنه من مأكولاته ، ثم أفطر فى اليوم الثالث بتلك النخالة. فقضى أن قارب أهله (١) تلك الليلة فولد له عبد العزيز بن سليمان. ومن عبد العزيز عمر (٢) فهو واحد زمانه ، وذلك من بركة تلك النية الصادقة.

وحكى أنه قيل لعمر بن عبد العزيز : ما كان بدء توبتك؟ قال : أردت ضرب غلام فقال لى : يا عمر! اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة ؛ وحكى أن زاهدا كتب إلى عمر ابن عبد العزيز وقال فى كتابه : اعتصم بالله يا عمر اعتصام الغريق بما ينجيه من الغرق ؛ وليكن دعاؤك دعاء المنقطع المشرف على الهلكة ، فإنك قد أصبحت عظيم الحاجة شديد الإشراف على المعاطب.

وقد حكى عن هارون الرشيد أنه قال للفضيل : عظنى! قال : بلغنى أن عمر بن عبد العزيز شكا إليه بعض عماله ، فكتب إليه : «يا أخى! اذكر سهر أهل النار فى النار مع خلود الأبد بعد النعيم والظلال ، فإن ذلك يطرد بك إلى ربك نائما ويقظان ، وإياك أن يتصرف بك من عند الله فتكون آخر العهد منقطع الرجاء». فلما قرأ الكتاب قدم على عمر فقال له : ما أقدمك؟ قال : «خلع قلبى كتابك ، لا وليت ولاية حتى ألقى الله تعالى».

وقد حكى عن إبراهيم بن عبد الله الخراسانى أنه قال : حججت مع أبى سنة حج الرشيد ، فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسر حاف على الحصباء ، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكى ويقول : «يا رب! أنت أنت ، وأنا أنا ؛ أنا العواد إلى الذنب وأنت العواد إلى المغفرة اغفر لى!» فقال لى : يا بنى! انظر إلى جبار الأرض كيف يتضرع إلى جبار السماء!

__________________

(١) قارب أهله : جامع زوجته.

(٢) هو غير عمر بن عبد العزيز بن مروان.

١٩٦

وحكى أنه دخل رجل عل عبد الملك بن مروان وكان يوصف بحسن العقل والأدب. فقال له : عظنى! فقال : «يا أمير المؤمنين! إن للناس فى القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه». قال : فبكى عبد الملك بن مروان ، ثم قال : «لا جرم لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عينى ما عشت أبدا ؛ وحكى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لأبى حازم : عظنى! قال : «اضطجع ثم اجعل الموت عند رأسك ، ثم انظر ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فخذ به الآن ؛ وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن ، فلعل الساعة قريبة».

وحكى أن أعرابيا دخل على سليمان بن عبد الملك ، فقال له : تكلم يا أعرابى! فقال : «يا أمير المؤمنين! إنى لمكلمك بكلام فاحتمله ؛ وإن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته ، فقال : يا أعرابى! إنّا لنجود بسعة الاحتمال على من نرجو نصحه ونأمن غشه ، فقال الأعرابى : إنه قد تكنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم فابتاعوا دنياهم بدينهم ، ورضاك بسخط ربهم ؛ خافوك فى الله ، ولم يخافوا الله فيك ؛ حرب للآخرة ، سلم للدنيا ، فلا تأمنهم على ما امتحنك الله عليه ، فإنهم لن يألوا فى الأمانة تضييعا وفى الأمة خسفا وعسفا ؛ وأنت مسئول عما اجترحوا وليسوا بمسئولين عما اجترحت ؛ فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره. فقال سليمان : أما أنت يا أعرابى قد سللت لسانك وهو أقطع من سيفك! قال : أجل! يا أمير المؤمنين! ولكن عليك ، لا لك.

وقد حكى أن صالح بن بشير (١) دخل على المهدى وجلس معه على الفراش ، فقال له المهدى : عظنى! قال : «أليس قد جلس هذا المجلس أبوك وعمك قبلك؟» قال : نعم! قال : «فكانت لهم أعمال ترجو لهم بها النجاة من الله تعالى؟» قال :

__________________

(١) صالح بن بشير المرى ، واعظ البصرة ؛ روى عن الحسن البصرى وجماعة. توفى سنة ١٧٢ ه‍ أو ١٧٦ ه‍.

١٩٧

نعم! قال : «وأعمال تخاف عليهم بها الهلكة؟» قال : نعم. قال : فانظر ما رجوت لهم فأته وما خفت عليهم فاجتنبه! قال : قد أبلغت وأوجزت.

وقد حكى أن أبا بكرة (١) دخل على معاوية فقال : اتق الله يا معاوية! وأعلم أنك فى كل يوم يخرج عنك ، وفى كل ليلة تأتى عليك لا تزداد من الدنيا إلا بعدا ، ومن الآخرة إلا قربا ، وعلى أثرك طالب لا تفوته ، وقد نصب لك علم لا تجوزه ، فما أسرع ما يبلغ العلم ، وما أقرب ما يلحق بك الطالب! وإنا وما نحن فيه زائل ، والّذي نحن صائرون إليه باق : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.

ومنها : أن تكون العادة الغالبة على والى الأمر العفو والحلم وحسن الخلق وكظم الغيظ مع القدرة ، فقد حكى أنه حمل إلى أبى جعفر رجل قد جنى جناية فأمر بقتله ، فقال المبارك (٢) بن فضالة وكان حاضرا : يا أمير المؤمنين! ألا أحدثك حديثا سمعته من الحسن؟ قال : وما هو؟ قال : سمعت الحسن رحمه‌الله يقول : «إذا كان يوم القيامة جمع الناس فى صعيد واحد فيقوم مناد ينادى : من له عند الله يد فليقم ، فلا يقوم إلا من عفا». فقال : خلوا عنه.

وحكى عن عيسى بن مريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال ليحيى بن زكريا صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا قيل لك ما فيك فأحدث لله شكرا ، وإذا قيل ما ليس فيك فأحدث لله شكرا أعظم منه ، إذا تيسرت لك حسنة لم يكن لك فيها عمل.

وروى أبو هريرة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس الشديد بالصّرعة (٣) إنما الشديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» وحكى أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله! إن خادمى يسىء ويظلم أفأضربه؟ قال : تعفو عنه كل يوم سبعين مرة. وروى عن على

__________________

(١) المقصود عبد الرحمن بن أبى بكرة ، أول من ولد بالبصرة ، وقد توفى سنة ١٠١ ه‍.

(٢) المبارك بن فضالة البصرى ، مولى قريش ؛ محدث روى عن الحسن البصرى وبكر المزنى وطائفة ؛ وكان من كبار المحدثين والنساك ، توفى سنة ١٦٤ ه‍.

(٣) الصرعة ؛ كهمزة : من يصرع الناس كثيرا.

١٩٨

ابن أبى طالب رضى الله عنه عن رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ألا أدلك على خير أخلاق الأولين والآخرين؟ قال : قلت : بلى يا رسول الله! قال : «تعطى من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك». وروى عن عمر بن (١) عبيد الله أنه قال : «ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان : إذا غضب لم يخرجه غضبه إلى الباطل ، وإذا رضى لم يخرجه رضاه عن الحق ؛ وإذا قدر لم يأخذ ما ليس له».

وقد روى عن على بن الحسين (٢) رضى الله عنهما أنه خرج من المسجد فلقيه رجل فسبه ، فثارت إليه العبيد والموالى ، فقال على بن الحسين : «مهلا عن الرجل». ثم أقبل عليه وقال : «ما ستر عنك من أمرنا لكثير! ألك حاجة نعينك عليها؟» فاستحيا الرجل ورجع إلى نفسه. فألقى إليه خميصة (٣) كانت عليه ، وأمر له بألف درهم. فكان الرجل بعد ذلك يقول : أشهد أنك من أولاد الرسل. وقد روى عنه أيضا أنه دعا مملوكا له مرتين فلم يجبه. ثم أجابه فى الثالثة. فقال له : أما سمعت صوتى؟ قال : بلى! قال : فما بالك لم تجبنى؟ قال : أمنتك. قال : الحمد لله الّذي جعل مملوكى بحيث يأمننى.

وقد حكى أنه جاء غلام لأبى ذر بشاة له قد كسر رجلها ، فقال له أبو ذر : من كسر رجل هذه الشاة؟ قال : أنا. قال : ولم فعلت ذلك؟ قال : عمدا لأغضبك فتضربنى فتأثم ، قال أبو ذر : «لأغيظن من حضك على غيظى» فأعتقه.

وروى عنه أنه شتمه رجل ؛ فقال : يا هذا! إن بينى وبين الجنة عقبة ، فإن أنا جزتها فو الله ما أبالى بقولك ، وإن قصرت دونها فأنا أهل لأشر مما قلت.

وروى ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ثلاث من لم تكن فيه

__________________

(١) من المعروفين بهذا الاسم : «عمر بن عبيد الطنافسى. روى عن زياد بن علاقة والكبار ، وثقه أحمد وابن معين».

(٢) على بن الحسين : زين العابدين.

(٣) الخميصة : ثوب أسود أو أحمر له أعلام وفى الحديث.

١٩٩

واحدة منهم فلا يعتدن بشيء من عمله : من لم تكن فيه تقوى تحجزه عن معاصى الله ، أو حلم يكفّه عن السفه ، أو خلق يعيش به فى الناس ؛ وثلاث من كان فيه واحدة منهن زوج من الحور العين : رجل اؤتمن على أمانة خفية شهية فأداها من مخافة الله تعالى ، ورجل عفا عن قاتله ، ورجل قرأ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فى دبر كل صلاة ؛ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن أكن خصمه أخصمه : رجل استأجر أجيرا فظلمه ولم يوفه أجره ، ورجل حلف بى ثم غدر ، ورجل باع حرا وأكل ثمنه ، ومن كفل ثلاثة أيتام كان كالذى قام ليله وصام نهاره وغدا وراح شاهرا سيفه فى سبيل الله وكنت أنا وهو فى الجنة كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى».

وقد روى عن على رضى الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم ، وإنه ليكتب جبارا وما يهلك إلا أهل بيته».

وروى ابن عباس عن على رضى الله عنهما أنه قال : وصانى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين زوجنى فاطمة رضى الله عنها خصوصا دون غيرى ، فكان مما أوصانى به أن قال : «يا على! لا تغضب! وإذا غضبت فاقعد واذكر قدرة الله تعالى على العباد وحلمه عنهم ، وإذا قيل لك : اتق الله فاترك غضبك عنك ، وارجع بحلمك».

وقد روى ابن عباس عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن لجنهم بابا لا يدخل إلا من شفى غيظه بمعصية الله».

وروى أن إبليس اللعين ظهر لموسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : يا موسى! إنك الليلة تناجى ربك ، ولى إليك حاجة فاقضها وأنا أعلمك خصالا ثلاثا فيهن الدنيا والآخرة. فقال له موسى : ما هذه الخصال؟ قال : «إياك والحدّة فإنى ألعب بالرجل الحديد (١) كما تلعب الصبيان بالكرة. يا موسى! إياك والنساء فإنى لم أنصب قط فخا أثبت فى

__________________

(١) الرجل الحديد : القوى الشديد.

٢٠٠