واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلاميّة من غير الشيعة الإماميّة

السيد ثامر هاشم العميدي

واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلاميّة من غير الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: النهضة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠١

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ

الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ

إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ

وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)

آل عمران ٣ / ٢٨

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وأزكى التحية والتسليم على آله الأطهار الميامين وصحبه الأخيار المخلصين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد ...

لا شكّ أنّ التقية من المفاهيم الإسلامية الأصيلة التي شرّعها الله عزوجل لتكون تُرساً للمؤمن ، ووقاءً لعرضه وكرامته حيثما وجد نفسه لا يقوى على مقاومة الظالمين. ولقد أكّدتها السُنّة المطهّرة قولاً وفعلاً ، واستعملها الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان (رضي الله عنهم) ، وأقرّها جميع الفقهاء والمحدّثين والمفسّرين من سائر المذاهب والفرق الإسلامية.

٧

ووافقت حكم العقل ، لأن احتمال الضرر في شيء ما يلزم العاقل تجنّبه إذا ما استحق صاحبه اللائمة لو أقدم عليه ، وهذا هو ما عُرف عند اصوليي المذاهب الإسلامية بقاعدة : «وجوب دفع الضرر المحتمل» ، كما أنّ لقاعدة : «الضرورات تبيح المحظورات» علاقة وطيدة بالتقية ، مما يكشف عن مدى تغلغل هذا المفهوم الاسلامي في كثير مما يصدق عليه عنوان : «الضرر» أو «الإكراه» ، سواء أكان ذلك في اصول العقائد الإسلامية ، أو الأحكام الشرعية الفرعية ، بل وحتى في الآداب والأخلاق العامة كما سيتّضح في فصول هذا البحث.

فالتقية إذاً ليست هي كما يتصوّرها البعض من مختصّات مذهب معين من مذاهب المسلمين!! إذ أجمع الكل من المالكية ، والحنفية ، والشافعية ، والحنبلية ، والظاهرية ، والطبرية ، والمعتزلة ، والزيدية ، والخوارج ، والوهابية على مشروعيتها ، واستدلّوا على ذلك بالكتاب ، والسُّنّة ، والإجماع.

نعم ، تميزت الشيعة الإمامية الاثنا عشرية عن غيرها من المذاهب الإسلامية بهذا المفهوم ، لأسباب لا تخفى على من درس تاريخ التشيّع دراسة موضوعية ، ووقف على المعاناة الطويلة الأمد التي مرّ بها الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام ، وبأزمان متوالية كان يُنظر فيها إلى التشيّع تبعاً لعوامل السياسة والتعصب بأنه جريمة لا تغتفر!

أوَليس شتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام على منابر المسلمين وهو خليفتهم بالأمس ومطاردة أصحابه ، وتشريدهم أي مشرد! والتنكيل بمن وقع في قبضة السلطة ، وتعذيبهم ، وقتلهم وصلبهم على جذوع

٨

النخيل مبرراً كافياً لمن نجا منهم أن يلوذ بما شرّعه الله تعالى واكّدته السُّنّة ليحفظ من خلاله دمه وعرضه وكرامته؟

أوَليس محاربة الإمام السبط الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، وحمله على الصلح كرهاً ، وما حصل فيما بعد للإمام الحسين عليه‌السلام وأهل بيته ، وأصحابه في واقعة الطف المشهورة ، وما رافقها من أحداث يندى لها جبين البشرية خجلاً مبرراً آخر لرجالات الشيعة على التقية؟

أوَليس ما حدث لحفيد الحسين زيد بن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وكيف أنه صُلِب بعد استشهاده ، ثمّ احرق ونسف رماده في اليمّ تشفّياً ، وما آل اليه أمر أئمة الشيعة وأعلامهم في عهد الدولة العباسية وعلى أيدي خلفاء بني العباس كالمنصور الدوانيقي (ت / ١٥٨ هجري) الذي استدعى الإمام الصادق عليه‌السلام أكثر من مرة ، وهدّده بالقتل مرّات ومرّات بعد اتهامه بشتى الاتهامات ، وكيف أسرف في دماء العلويين كما أسرف من قبل أخوة السفاح (ت / ١٣٦ هجري). حتى إذا ما جاء عهد هارون الرشيد (ت / ١٩٣ هجري) اضطربت أحوال الشيعة أيّما اضطراب! بعد أن ضيّق هارون على زعيم البيت العلوي وإمام الشيعة موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام فرماه في ظلمات السجون ، ولم يخرج من سجنه إلا شهيداً يُنادى على جثمانه الطاهر بذلّ الاستخفاف : «هذا إمام الرافضة» يقنع الباحث بمسوّغات ما تميّز به الشيعة عن غيرهم من المسلمين بالتقية؟

إنّ ما ذكره مؤرخو أهل السُّنّة في حوادث سنة (٢٣٦ هجري) كفيل باقناع الباحثين على أن الشيعة الإمامية قد اضطُهدت بما لم يُضطَهد بمثله مذهب قطّ من المذاهب الإسلامية ، ففي هذه السنة هُدِّم قبر الإمام الحسين بن علي بن

٩

أبي طالب عليهما‌السلام ، وحُرِثت تربته وسُقِيت بالماء ، بأمر من المتوكل العباسي (ت / ٢٤٧ هجري) الذي كانت بطانته معروفة بالنصب والبغض لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام منهم علي بن الجهم الشاعر المشهور ، وعبادة المخنث ، وعمرو بن فرج الرخجي وغيرهم ممن كانوا يخوّفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم ، والإعراض عنهم ، والإساءة إليهم ، وسجن رموزهم ، وتعذيب قادتهم.

ويكفي الباحث أن يعلم إنّ الإمام أحمد بن حنبل (ت / ٢٤٠ هجري) على الرغم من أنّ شوكته قد قويت جدّاً في عهد المتوكّل ، إلا أنه قد وشى حاسدوه زوراً عليه عند المتوكّل ، بأنّه قد آوى علوياً في منزله ، وأنه رغب في مساعدته ، فما كان من المتوكّل إلا أن أوعز إلى عبد الله بن إسحاق أن يتوجّه إلى منزل الإمام ويفتّشه ، فبعث ابن إسحاق حاجبه مظفراً مع صاحب البريد ابن الكلبي ، مع امرأتين لكي يقوم الجميع بالتحرّي عن الأمر ، فما كان من هؤلاء إلا أن دخلوا على الإمام في منتصف الليل ، وصارحه ابن الكلبي بالأمر ، فقال الإمام أحمد : «ما أعرف من هذا شيئاً ، وإني لأرى طاعته في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، والأثرة».

فقال له ابن الكلبي : «لقد أمرني أمير المؤمنين أن احلِّفك أنّ ما عندك طلبته ، فتحلف؟ قال : إنّ استحلفتموني ، أحلف».

فأحلفه بالله والطلاق أن لا يوجد في منزله علوي ، ثمّ أخذ الكلّ بتفتيش المنزل ، كما فتّشوا منزل ابيه ، وفتّشت المرأتان النسوة ، وكان بئر في المنزل فأدلوا شمعة فيه ونظروا ، فلم يجدوا شيئاً ، وبعد أن ثبت كذب

١٠

الواشين جاء كتاب المتوكّل يحمل براءة الإمام أحمد بن حنبل ممّا اتُّهم به وأوصله بمال جزيل (١).

ويتّضح من كل هذا كيف تميّزت الشيعة بالتقية ، وكيف حُملوا عليها قسراً ، بعد ان لم يجدوا غيرها وسيلة للأمان في تلك العهود التي تناهى فيها الظلم والاضطهاد بحقّهم.

ولعلّ من أوضح ما يصوّر هذه الحقيقة التي لا شبهة فيها ، أنّنا لم نجد من بين رواة الحديث من أهل السُّنّة من يقول مثلاً : حدّثني الشيخ ، ويريد به الإمام مالك بن أنس ، أو أخبرني العبد الصالح ، ويعني به الإمام الشافعي ، أو أنبأني العالِم ، أو سمعت العالم يقول كذا ، ويقصد به الإمام أبا حنيفة.

بينما نجد مثل هذا التعبير مألوفاً عند رواة الحديث من أصحاب أئمّة الشيعة الإمامية ، فقد يقول أحدهم : حدّثني أبو زينب ، ونحن نعلم علم اليقين بأنّه لا يريد غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد يقول : حدّثني العبد الصالح ، أو الشيخ ، أو العالم ، وهو يريد الإمام المضطهد في السجون موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام.

ولا شكّ أن لهذه الألفاظ المستعارة دلالاتها ، والتي يمكن للباحث معرفتها إذا ما أرجعها إلى الظروف السياسية المحيطة بحياة اولئك الرواة ، ومن يروون عنه من الأئمة عليهم‌السلام ، إذ لا بدّ وأن تكون هناك مصلحة عائدة للإمام والراوي نفسه ، تُوخّيت بهذا اللفظ المستعار اتّقاءً من معرة الظالمين

__________________

(١) مناقب الإمام أحمد بن حنبل / ابن الجوزي : ٤٤٢ ، حلية الأولياء / أبو نعيم ٢٠٦ : ٩ ٢٠٧.

١١

الذين أسرفوا في عدائهم لعلي وأبنائه عليهم‌السلام ، وضيّقوا عليهم حتى عادت الرواية عنهم كافية للقتل والتنكيل!

وإذا كانت الشيعة الإمامية قد تميّزت فعلاً عن غيرها باستعمال التقية لما تقدم من أسباب فإن هذا لا يعني أن غيرهم لم يعمل بالتقية قطّ ، كما أنه لا يعني أن تكون التقية شيعية المولد كما ذهب إليه بعض الباحثين والكُتّاب من أهل السنّة.

ونقول بصراحة ، إنّه من المؤسف جدّاً أن يتّهم السُّنّي أخاه الشيعي بالكذب والنفاق والمخادعة خصوصاً فيما يتعلق بدعوة علماء الشيعة إلى ضرورة التقريب بين وجهات النظر بين علماء المذاهب الإسلامية ، والدعوة إلى التفاهم تحت ظلّ راية الإسلام الخالدة ، وتفويت الفرصة على أعداء هذا الدين العظيم. ومن ثمّ ادّعاء أنّ التقية تشكّل مانعاً حقيقياً عن التجاوب مع الشيعة ، لاحتمال أن تكون رغبة الشيعة في التقارب تقية!!

هذا في الوقت الذي بيّن فيه علماء الشيعة من فقهاء ومحدّثين واصوليّين ، وعلماء الكلام والعقائد أنّ التقية لها أحكامها وشروطها ، وحالاتها التي تُقيّد بموجبها ، كما هو الحال عند علماء أهل السُّنّة في تقييدها بحالات الضرر الشديد ، أو الإكراه ، وأي ضرر أو إكراه يترتّب على دعوة المسلمين إلى التسامح والإخاء ، والمودّة والصفاء؟!

كما نقول بصراحة : إن بعض الكُتّاب من أهل السُّنّة لم يكتفِ بما قال ، بل زاد على ذلك : جعلهُ من المفاهيم الموضوعة من قبل ما أسماه «أئمة

١٢

الرافضة» أنفسهم ، زيادة على ادّعاء أنّ التقية كذب وخداع ونفاق (١)!!

ولهذا أصبح الكشف عن واقع التقية عند غير الشيعة ، حاجة ملحّة وضرورة من ضرورات التقريب بين وجهات النظر بين الإخوة المسلمين ، خصوصاً وإنّ الدفاع عن مفهوم التقية دفاع لا عن مذهب معين وإنّما عن التشريع الإسلامي الخالد الذي امتاز بمرونته وصلاحيته لكل عصر وجيل. لذا كانت لنا جولة مع مصادر إخواننا أهل السُّنّة من فقه وحديث وتفسير تمخّض عنها هذا البحث ..

وأود منذ البدء ان اشير إلى الدراسات والبحوث السابقة في هذا الحقل من

__________________

(١) راجع على سبيل المثال لا الحصر الكتب التالية :

الشيعة والتشيع / إحسان إلهي ظهير : ٧٩ و ٨٤ ، وتبديد الظلام / إبراهيم سليمان الجبهان : ٤٨٣ و ٤٨٣ ، والشيعة وتحريف القرآن / محمّد مال الله : ٣٥ و ٣٦ ، والتشيّع بين مفهوم الأئمّة والمفهوم الفارسي / الدكتور محمّد البنداري : ٢٣٥ ، ورجال الشيعة في الميزان / عبد الرحمن الزرعي : ٦ و ١٧ و ١٨ و ٥٠ و ٥١ و ١٢٦ و ١٤٨ و ١٧٣ ، والثورة الايرانية في ميزان الإسلام / الشيخ محمّد منظور نعماني : ١٢٢ و ١٨٠ و ١٨٢ و ١٨٣ و ١٨٤ و ١٨٥ و ١٨٦ و ١٨٧ و ٢٢٢ ، والصراع بين الإسلام والوثنية / القصيمي : ٤٥٨ و ٤٥٩ ، والشيعة في التصوّر الإسلامي / علي عمر فريج : ١٥٠ و ١٥١ و ١٥٢ و ١٥٤ و ١٦٥ و ١٨٣ ، والخطوطة العريضة / محبّ الدين الخطيب : ٩ و ١٠ ، والشيعة معتقداً ومذهباً / الدكتور صابر عبد الرحمن طعيمة : ٥ و ٨٨ و ١١٨ ، وبطلان عقائد الشيعة / محمّد عبد الستار التونسي : و ٧٢ و ٧٣ و ٧٨ و ٧٩ ، والوشيعة / موسى جار الله : ١٠٤ ، ودراسات في الفرق والعقائد / الدكتور عرفان عبد الحميد : ٥٣ ، ودراسات في عقائد الشيعة / الدكتور عبد الله محمّد الغريب : ١٧ ، وقد سبق هؤلاء مع الأسف الإمام الرازي في : محصل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين : ٣٦٥ ، والشهرستاني في الملل والنحل : ١٥٩ : ١ و ١٦٠ ، والشيخ محمّد بن عبد الوهاب في رسالة في الرد على الرافضة : ٢٠ تحقيق الدكتور ناصر بن سعيد.

١٣

الدراسة أعني : التقية عند أهل السُّنّة وهي :

الأوّل : آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم ، للسيد مرتضى الرضوي ، طُبِع لأوّل مرّة في الهند سنة ١٤٠٩ ه‍ ، واعيد طبعه في بيروت سنة ١٤١١ ه‍ ، وقد أفرد السيد الرضوي للتقية عند أهل السُّنّة في هذا الكتاب ستّ صحائف فقط.

الثاني : التقية في اطارها الفقهي دراسة مقارنة لواقع التقية ، للُاستاذ علي الشملاوي ، كتبه بدمشق سنة ١٤١١ ه‍ ، وطُبِع في بيروت سنة ١٤١٢ ه‍ ، وقد تناول الاستاذ الشملاوي في القسم الثاني من هذا الكتاب التقية عند أهل السُّنّة وذلك في مائة وسبعة صحائف ، والحقّ أنّ هذا الكتاب هو من أجود ما وقفت عليه في هذا المجال.

الثالث : التقية عند أهل السُّنّة نظرياً وتطبيقياً ، للُاستاذ علي حسين رستم من الباكستان ، بحث منشور في مجلة الثقافة الإسلامية في العددين : الحادي والخمسين / ربيع الأوّل ربيع الثاني / ١٤١٤ ه‍ ، والثاني والخمسين / جمادى الاولى جمادى الثانية / ١٤١٤ ه‍ ، اصدار المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الايرانية بدمشق ، ويقع البحث في إحدى وستين صحيفة.

الرابع : التقية في آراء علماء المسلمين ، للشيخ عباس علي براتي ، بحث منشور في مجلة رسالة الثقلين ، العدد الثامن / شوال ذو الحجّة / ١٤١٤ ه‍ ، اصدار المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام في قم المقدسة. ويقع البحث في

١٤

عشرين صحيفة.

وهناك الكثير من اللبنات الأساسية لإنشاء مثل هذه البحوث قد توزّعت في كتب الشيعة الإمامية ، إذ تناولوا فيها هذا الموضوع عرَضاً في مؤلفاتهم ، بما لا يسع المجال إلى ذكرها تفصيلاً.

وبعد .. فإنّ ممّا سوّغ لي البحث عن التقية عند أهل السُّنّة على الرغم ممّا حملته البحوث المتقدّمة من عناوين ، والتي يبقى الفضل لأصحابها ، إذ سبقوا إليها والفضل للسابق ، هو الوقوف على الكثير من الأقوال التي أطلقها بعض الكتّاب من أهل السُّنّة عن التقية عند الشيعة الإمامية ، ووصفها بأنّها نفاق وكذب وخداع ، خصوصاً فيما يتعلّق بأحاديث التقية التي أخرجها ثقة الإسلام الكليني قدس‌سره (ت / ٣٢٩ ه‍) ، عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، في كتابه الكافي.

ولمّا كنت قد تناولت في دراسة مستقلة موضوع التقية في كتاب الكافي ، وناقشت فيها جميع ما قيل عن أحاديث التقية وغيرها في هذا الكتاب (١) ، كنت قد وقفت على الكثير من أقوال الفقهاء من أهل السُّنّة في مشروعية التقية ممّا لم أذكره هناك ، ولم أجده في هذه البحوث بالصورة التي ينبغي أن تكون عليها الدراسات المقارنة.

هذا فضلاً عن إغفال آراء المذاهب والفرق الإسلامية الاخرى المعروفة كالمذهب الطبري ، والظاهري ، والزيدي ، ورأي المعتزلة ، والخوارج ، والوهابية في هذه البحوث ، وما وجد فيها من ذلك فهو لبعض دون بعض مع

__________________

(١) راجع دفاع عن الكافي للمؤلّف الباب الثاني من الجزء الأوّل.

١٥

ترك أكثرهم.

والأكثر من هذا هو الحاجة الماسّة إلى معرفة آراء فقهاء المذاهب الأربعة المشهورين :

الإمام مالك بن أنس (ت / ١٧٩ ه‍).

الإمام أبي حنيفة النعمان (ت / ١٥٠ ه‍).

الإمام الشافعي (ت / ٢٠٤ ه‍).

الإمام أحمد بن حنبل (ت / ٢٤٠ ه‍) ، مع بيان مواقفهم الصريحة من التقية على مستوى العمل والافتاء ، وهذا ما لم أقف عليه في تلك البحوث إلا لماماً ، زيادة على ما في بحث التقية عند غير الشيعة الإمامية من فوائد جمّة ، لعلّ أهمها سدّ المنافذ بوجه الرياح الصفراء التي طالما حاولت تشويه الحقائق بغبارها الكثيف.

كل ذلك كان عاملاً مشجعاً لإعداد هذا البحث الذي قسمته على ثلاثة فصول وهي :

الأوّل : معنى التقية ومصادرها التشريعية.

الثاني : موقف الصحابة والتابعين وغيرهم من التقية.

الثالث : التقية في فقه المذاهب والفرق الإسلامية.

ولا ادّعي الابتكار ولا التجديد في هذا البحث ، وإنّما هو لبنة صغيرة قد تضاف إلى بناء هذا المفهوم الإسلامي الشامخ ، إن لم يعثر صاحبها فيلتمس

١٦

الإقالة جزاءً على حسن نيّته برجاء التوفيق لخدمة الإسلام والمسلمين.

ومنه جل شأنه أستمد العون والرشاد.

وبه تعالى ثقتي ، وهو حسبي.

والحمد له ابتداءً وختاماً.

وصلاته وسلامه على حبيب القلب محمّد وآله.

ثامر العميدي

٣ / صفر / ١٤١٥ ه‍

قم المشرفة

١٧
١٨

الفصل الأول :

معنى التقيّة ومصادرها التشريعية

معنى التقيّة لغة واصطلاحاً

معنى الإكراه وحالاته وأقسامه

مصادر تشريع التقيّة

١٩
٢٠