واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلاميّة من غير الشيعة الإماميّة

السيد ثامر هاشم العميدي

واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلاميّة من غير الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: النهضة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠١

معنى التقية لغة واصطلاحاً

التقية في اللغة :

عرّفوا التقية لغةً بأنّها : الحذر والحيطة من الضرر ، والاسم : التقوى ، وأصلها : اوتَقى ، يُوتَقي ، فقُلبت الواو إلى ياء للكسرة قبلها ، ثمّ ابدلت إلى تاء وادغمت ، فقيل : اتّقى ، يتَّقي (١).

وعن ابن الاعرابي : التقاة ، والتقية ، والتقوى ، والاتقاء كلّه واحد ، ولهذا جاء في بعض القراءات القرآنية : (إِلا أن تتَّقُوا مِنهُم تَقِيَّةً) (٢) ، في موضع (تقاة).

وفي الحديث الشريف : «تبَقَّه وتوَقَّه»! ومعناه : استبقِ نفسك ولا تعرّضها للهلاك والتلف ، وتحرّر من الآفات واتّقها (٣).

وفي الحديث أيضاً : «قلت : وهل للسيف من تقيّة؟ قال : نعم ، تقيّة على إقذاء ، وهدنة على دخن».

ومعناه : إنهم يتّقون بعضهم بعضاً ، ويُظهرون الصلح والاتّفاق ، وباطنهم

__________________

(١) تاج العروس / الزبيدي ٣٩٦ : ١٠ «وقي».

(٢) آل عمران ٢٨ : ٣.

(٣) النهاية في غريب الحديث / ابن الأثير ٢١٧ : ٥.

٢١

بخلاف ذلك (١).

التقية في الاصطلاح :

لا يختلف تعريف التقية عند أهل السُّنّة عن تعريفها عند الشيعة الإمامية لا في قليل ولا في كثير إلا من حيث فنّية التعبير وصياغة الألفاظ في تصوير المعنى الاصطلاحي للتقية ، وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على اتّفاقهم من حيث المبدأ على أنّ التقية ليست كذباً ، ولا نفاقاً ، ولا خداعاً للآخرين.

فقد عرّفها السرخسي الحنفي (ت / ٤٩٠ ه‍) بقوله : «والتقية : أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره ، وإن كان يضمر خلافه» (٢).

وعرّفها ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت / ٨٥٢ ه‍) بقوله : «التقية : الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير» (٣).

وقال الآلوسي الحنبلي الوهابي (ت / ١٢٧٠ ه‍) في تفسير قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٤) : «وعرّفوها (أي : التقية) بمحافظة النفس أو العرض ، أو المال من شر الأعداء».

ثمّ بيّن المراد من العدوّ فقال :

«والعدو قسمان :

الأول : من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالكافر والمسلم.

__________________

(١) لسان العرب / ابن منظور ٤٠١ : ١٥.

(٢) المبسوط / السرخسي ٤٥ : ٢٤.

(٣) فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني ١٣٦ : ١٢.

(٤) آل عمران ٢٨ : ٣.

٢٢

والثاني : من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية ، كالمال ، والمتاع ، والملك ، والإمارة» (١).

وهذا التعريف وإن كان صريحاً بجواز التقية بين المسلمين أنفسهم ، وعدم حصرها بتقية المسلم من الكافر ، إلا أن ما يؤخذ عليه بأنّه غير جامع لأفراد التقية إذ أخرج منها التقية من سيّئ الخلق الذي يتّقي الناس لسانه بمداراته ، كما نصّ عليه البخاري وغيره من المحدّثين والمفسّرين كما سيأتي بيانه ولا شكّ أنّ سيّئ الخلق ليس من العدوّ بقسميه.

وعرّفها السيد محمّد رشيد رضا (ت / ١٣٥٤ ه‍) بأنّها : «ما يقال أو يُفعل مخالفاً للحقّ لأجل توقّي الضرر» (٢).

وهذا التعريف من أجود تعاريف التقية اصطلاحاً ، وهو جامع مانع ، ومنطبق تماماً مع تعريف الشيعة الإمامية للتقية ، وإن كانت التعاريف السابقة لا تختلف عن تعريف الشيعة كثيراً.

قال الشيخ الأنصاري من الشيعة (ت / ١٢٨٢ ه‍) : «التقية : اسم لاتّقى يتّقي ، والتاء بدل عن الواو كما في النهمة والتخمة.

والمراد هنا : التحفّظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق» (٣).

وعرّفها الشيخ المراغي المصري (ت / ١٣٦٤ ه‍) بقوله : «التقية ، بأن يقول

__________________

(١) روح المعاني / الآلوسي ١٢١ : ٣.

(٢) تفسير المنار / السيد محمّد رشيد رضا ٢٨٠ : ٣.

(٣) التقية / الشيخ مرتضى الأنصاري : ٣٧.

٢٣

الإنسان ، أو يفعل ما يخالف الحقّ ، لأجل التوقّي من ضرر الأعداء ، يعود إلى النفس ، أو العِرض ، أو المال» (١).

ثمّ ادخل في التقية ما لم يدخله في تعريفها كمداراة الكفرة ، والظلمة ، والفسقة ، وإلانة الكلام لهم والتبسّم في وجوههم ، وغير ذلك ممّا سيأتي في هذا البحث.

وعرّفها موسى جار الله التركماني (ت / ١٣٦٩ ه‍) فقال : «والتقية : هي وقاية النفس عن اللائمة والعقوبة ، وهي بهذا المعنى من الدين ، جائزة في كل شيء» (٢).

__________________

(١) تفسير المراغي : ١٣٧ : ٣.

(٢) الوشيعة / موسى جار الله : ٧٢.

٢٤

معنى الإكراه وحالاته واقسامه

لمّا كانت التقية لا تحصل بغير إكراه عليها واضطرار إليها ، لذا لم أقف على من أباحها اختياراً من جميع علماء الشيعة وأكثر فقهاء المذاهب الإسلامية كذلك إلا من شذّ منهم كما سيتّضح من الفصل الثالث في هذا البحث.

ولقد اتّفق المسلمون على أن للإكراه حالات متعددة مختلفة ، وفي بعضها ما لا تصحّ فيه التقية شرعاً ، لأن التقية ستكون في غير موضعها ، ويؤاخذ فاعلها عليها ، ولهذا ميّزوا حالات الإكراه التي لا تصحّ فيها التقية عن غيرها ، وقبل الحديث عنها يحسن بنا بيان معنى الإكراه فنقول :

معنى الإكراه :

الإكراه لغةً ، مشتق من كرَه ، والاسم : الكَره بالفتح ، وهو كلّ ما أكرهك غيرك عليه ، والكُره بالضمّ : المشقّة ، يقال : قمت على كُره ، أي : على مشقّة ، ويقال : أقامني فلان على كَره ، إذا أكرهك عليه.

فالكُره بالضمّ هو فعل المختار ، والكَره بالفتح هو فعل المضطر (١).

__________________

(١) لسان العرب / ابن منظور ٨٠ : ١٢ «كره».

٢٥

فالإكراه إذاً : هو حالة من حالات الإجبار التي يُحمل الفرد بواسطتها على النطق بشيء أو فعل شيء من غير رضاه. ولهذا وصف السرخسي الحنفي (ت / ٤٩٠ ه‍) حالة الإكراه بأنّها : «اسم لفعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه ، أو يفسد به اختياره» (١).

حالات الإكراه التي لا تصح فيها التقية :

ويراد بها حالات الإكراه المتعلّقة بأفعال القلوب ، والتي لا سبيل للمُكِره إلى علمها في قلب المكرَه ، وبالتالي فلا يصحّ التجاء المكرَه إلى شيء منها ، كما لو اكرِه المسلم على بغض المؤمنين ، أو حُب الكافرين حقيقة ، أو على الاعتقاد بعقيدة فاسدة ، أو على إنكار ما ثبت أنّه من الدين إنكاراً قلبياً ، ونحو ذلك.

فهذا وأمثاله لا تصحّ فيه التقية قطعاً ، ولم أقف على من صرّح بخلافه ، وقد أيّد هذا المعنى القرآن الكريم صراحة كما في قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢).

ولا يخفى ما في هذه الآية من صراحة تشريع التقية ، إلا أنّ المهم هنا هو أنّ التحذير الوارد فيها قد جاء مباشرة بعد تشريع التقية : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ،) لئلا يتحوّل إنكار المؤمن للحقّ بفعل الإكراه إلى إنكار قلبي كما يريده من أكرهه ، لأنّ الواجب أن يبقى القلب مطمئناً بالإيمان.

ولقد أكّد تعالى هذه الحقيقة فقال بعد تشريع التقية والتحذير مباشرة :

__________________

(١) المبسوط / السرخسي ٣٨ : ٢٤.

(٢) آل عمران ٢٨ : ٣.

٢٦

(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

قال الرازي الشافعي (ت / ٦٠٦ ه‍) في تفسير الآية المتقدّمة : «إنّه تعالى لمّا نهى المؤمنين عن اتّخاذ الكافرين أولياء ظاهراً وباطناً واستثنى عنه التقية في الظاهر ، اتبع ذلك بالوعيد على أن يصير الباطن موافقاً للظاهر في وقت التقية ، وذلك لأن مَن أقدم عند التقية على إظهار الموالاة فقد يصير إقدامه على ذلك الفعل بحسب الظاهر سبباً لحصول تلك الموالاة في الباطن. فلا جرم بيّن تعالى أنّه عالم بالبواطن كعلمه بالظواهر ، فيُعلِم العبدَ إنّه لا بدّ أن يجازيه على ما عزم عليه في قلبه» (٢).

حالات الإكراه التي تصح فيها التقية :

تصح التقية في حالات الإكراه الخارجة عن أفعال القلوب غالباً ، بحيث يستطيع المُكرِه علمها عند المكرَه ، وأمثلتها كثيرة لا حصر لها.

منها : الإكراه على شرب الخمرة ، أو أكل لحم الخنزير.

ومنها : الإكراه على شتم المؤمن ، أو موالاة الكافر ظاهراً.

ومنها : الإكراه على ترك الواجب ، كالإفطار في شهر رمضان ، ونحوه.

والخلاصة : إن تأثير الإكراه يجب ان لا يتعدى إلى الاعتقادات القلبية ، لأنّها ممّا لا يحكم فيها الإكراه أصلاً ، ولا يعلم ثباتها من تغيرها غير الله تعالى ولا يد لغيره تعالى عليها. بل يجب حصر تأثير الإكراه في دائرة اللفظ ، والفعل

__________________

(١) آل عمران ٢٩ : ٣.

(٢) التفسير الكبير / الفخر الرازي ١٥ : ٨.

٢٧

الظاهر الذي تسوغ فيه التقية شرعاً.

على أنّ هناك بعض الحالات وإن لم تتعلق بأفعال القلوب إلا أنّ التقية فيها لا تصحّ أيضاً وهذا ما سيتّضح من تقسيمهم الإكراه على قسمين وهما :

أقسام الإكراه :

القسم الأوّل : الإكراه على الكلام :

وهذا القسم من الإكراه لا يجب به شيء عندهم مع مخافة الضرر ، فكلّما اكره المسلم على كلام فله ذلك ، وقد ضربوا له أمثلة عديدة ، منها : التلفّظ بكلمة الكفر.

ومنها : طلاق المكره ، ونحو ذلك.

القسم الثاني : الإكراه على الفعل.

وهذا القسم على نحوين :

أحدهما : إكراه تسوغ معه التقية حال الاضطرار ، ومن أمثلته : الإكراه على القيام عند مجيء الحاكم الظالم ، بما يدل ظاهره على الاحترام ، أو الإكراه على شرب الخمرة ، وأكل لحم الخنزير وغيرها من موارد الإكراه التي تصحّ فيها التقية فعلاً لا قولاً.

والآخر : إكراه لا تسوغ معه التقية مهما بلغت درجة الإكراه ، ومثلوا له بالإكراه على قتل المسلم بغير حقّ ، فعلى المُكرَه ان يمتنع ولو أدّى إلى قتله فليس له أن يقتل ، ولو قتَل بذريعة التقية ، فلولي الدم القِصاص ، وهذا من المتّفق عليه بين سائر فقهاء الشيعة الإمامية ، ولم يُفتِ فقهاء أهل السُنّة

٢٨

بخلافه إلا من شذّ منهم ، وفيه تفصيل سيأتي ذكره في فقه الأحناف.

ومن الجدير بالإشارة هو أنّ التقية ليست واجبة في جميع الحالات وبلا قيد أو شرط عند فقهاء المسلمين ، فهي قد تكون واجبة ، وقد تكون محرمة ، كما قد تكون مباحة أو مندوبة أو مكروهة بحسب الأحكام التكليفية الخمسة ، ولكن ليس لأحكام التقية ضابط في أغلب حالات الإكراه إلا ما نُصّ عليه بدليل معتبر ، ولهذا فقد تُرِك تقديرها لمن يُحمل عليها قسراً.

قال ابن نجيم الحنفي (ت / ٧٩٠ ه‍) : «إذا تعارضت مفسدتان رُوعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما».

ثمّ نقل عن الزيلعي قوله : «الأصل في جنس هذه المسائل أنّ من ابتلي ببليّتين ، وهما متساويتان يأخذ بأيّهما شاء ، وإن اختلفتا يختار أهونهما ، لأنّ مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة ، ولا ضرورة في حقّ الزيادة» (١).

وقد نصّ على هذه الحقيقة كلّ من : الفرغاني الحنفي (ت / ٢٩٥ ه) (٢) ، ومحمّد بن محمّد أبو حامد الغزالي الشافعي (ت / ٥٠٥ ه‍) (٣) ، وأحمد بن إدريس القرافي المالكي (ت / ٦٤٨ ه‍) (٤).

ذلك لأنّ الإكراه يحصل بكل ما يُؤثر العاقل الإقدام عليه حذراً ممّا هدّد به ، مع اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص ، والأفعال المطلوبة ، والامور المخوّف بها.

__________________

(١) الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان / ابن نجيم : ٨٩.

(٢) فتاوى قاضيخان / الفرغاني الحنفي ٤٨٥ : ٣ مطبوع بهامش الفتاوى الهندية.

(٣) إحياء علوم الدين / الغزالي ١٣٨ : ٣.

(٤) الفروق / القرافي ٢٣٦ : ٤ الفرق الرابع والستون والمائتان.

٢٩

فقد يكون الشيء إكراهاً في شيء دون غيره ، وفي حق شخص دون آخر ، وهذا هو ما نصّ عليه السيوطي الشافعي (ت / ٩١١ ه‍)(١).

كما أنّ إطلاقات التقية في كل ضرورة إلا ما خرج من ذلك بدليل معتبر قد أيّدها الكتاب العزيز بجملة من الآيات الكريمة ، نذكر منها :

قوله تعالى : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (٢).

قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣).

قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٤).

كما أيّدتها السنة المطهرة ، كما في قوله (ص) : «رفع الله عن امتي الخطأ ، والنسيان ، وما استُكرهوا عليه» (٥).

__________________

(١) الأشباه والنظائر / السيوطي : ٢٠٩.

(٢) الأنعام ١١٩ : ٦.

(٣) الحجّ ٧٨ : ٢٢.

(٤) البقرة ١٨٥ : ٢.

(٥) فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني ١٦٠ : ٥ ١٦١ ، كشف الخفاء / العجلوني ٥٢٢ : ١ ، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة / السيوطي : ٨٧ ، كنز العمال / المتقي الهندي ٢٣٣ : ٤ / ١٠٣٠٧.

٣٠

مصادر تشريع التقية

لا شكّ أنّ جميع ما يعتقد المسلمون بصحّته من عقائد وأحكام ، وعلى اختلاف مذاهبهم وفرقهم لا بدّ له من دليل شرعي ، ذلك لأن ما في الدين الإسلامي أشبه ما يكون بسلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها اخرى عملية ، متصلة الحلقات ويشدّها الدليل والبرهان.

وبغض النظر عن اختلاف المسلمين في بعض العقائد والأحكام تبعاً لاختلافهم في تحديد دلالة الألفاظ وظواهرها ، وما لها من تأثير ملحوظ في تفسير نصوص الكتاب والسُّنّة ، أو لإقامة بعضهم أدلّة اخرى للاستنباط ، لم تزل إلى الآن محل نزاع بينهم ، إلا أنّ ما يجمعهم والحمد لله من العقائد والأحكام هو أكثر بكثير ممّا يفرّقهم ، هذا فضلاً عن اتفاقهم في الآداب والأخلاق الإسلامية التي يندر وجودها في غير المجتمع الإسلامي.

ومن بين تلك الامور التي تجمعهم هي التقية ، حيث تقدّم أنّها من المفاهيم الإسلامية المتفق عليها بين سائر المذاهب والفرق الإسلامية ، وعليه فلا بدّ وأن تكون مصادرها التشريعية قد أطبقت على صحّتها كلمة المسلمين.

٣١

وفيما يأتي بيان تلك المصادر المشرِّعة للتقية ، والتي احتجّ بها في المقام أهل السُنّة ، وهي :

أولاً النصوص القرآنية

استدل علماء أهل السُنّة وغيرهم من علماء المذاهب والفرق الإسلامية بجملة من الآيات الكريمة وقد شاركهم بهذا علماء الشيعة الإمامية أيضاً على مشروعية التقية ، نذكر منها :

الآية الاولى :

قال تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (١).

فقد احتج الإمام مالك بن أنس (ت / ١٧٩ ه‍) بهذه الآية على أنّ طلاق المكره تقية لا يقع ، وقد نسب القول بهذا إلى ابن وهب ورجال من العلم على حد تعبيره ثمّ ذكر أسماء الصحابة الذين قالوا بذلك ، ونقل عن ابن مسعود قوله : «ما من كلام كان يدرأ عني سوطين من سلطان إلا كنت متكلّماً به» (٢).

وقال الطبري (ت / ٣١٠ ه‍) : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) : «إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم ، وتضمروا لهم العداوة». وقد روى هذا المعنى عن :

ابن عباس (ت / ٦٨ ه‍) من طريقين.

__________________

(١) آل عمران ٢٨ : ٣.

(٢) المدونة الكبرى / مالك بن أنس ٢٩ : ٣.

٣٢

الحسن البصري (ت / ١١٠ ه‍).

وأخرج عن السدي (ت / ١٢٧ ه‍) أنّه قال في هذه الآية : «إظهار الولاية للكافرين في دينهم ، والبراءة من المؤمنين».

وعن عكرمة مولى ابن عباس (ت / ١٠٥ ه‍) ، ومجاهد بن جبر المكي (ت / ١٠٣ ه‍) قالا : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) ،) أي «ما لم يُهرق دم مسلم ولم يُستحَل ماله».

وعن الضحاك بن مزاحم (ت / ١٠٥ ه‍) ، وابن عباس : «التقية باللسان ، ومن حُمِلَ على أمر يتكلّم به وهو لله معصية فتكلّم مخافة على نفسه ، وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه ، إنّما التقية باللسان» (١).

واحتج الفقيه السرخسي الحنفي (ت / ٤٩٠ ه‍) بهذه الآية على جواز التقية ، ونقل قول الحسن البصري (ت / ١١٠ ه‍) : إنّ التقية جائزة إلى يوم القيامة ، وقال معقباً : «وبه نأخذ ، والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه.

وقد كان بعض الناس يأبى ذلك ويقول إنّه من النفاق ، والصحيح أن ذلك جائز لقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) ،) وإجراء كلمة الشرك على اللسان مكرهاً مع طمأنينة القلب بالإيمان من باب التقية» (٢).

وقال الزمخشري المعتزلي (ت / ٥٣٨ ه‍) : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) ،) «إلا أن تخافوا أمراً يجب اتّقاؤه تقية .. رخّص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد

__________________

(١) جامع البيان عن تأويل آي القرآن / الطبري ٣١٣ : ٦ ٣١٧.

(٢) المبسوط / السرخسي ٤٥ : ٢٤.

٣٣

بتلك الموالاة مخالف (١) ومعاشرة ظاهرة ، والقلب بالعداوة والبغضاء ، وانتظار زوال المانع» (٢).

وقال الإمام الرازي الشافعي (ت / ٦٠٦ ه‍) في تفسيره هذه الآية : «اعلم إنّ للتقية أحكاماً كثيرة ، ونحن نذكر بعضها إلى أن قال :

الحكم الرابع : ظاهر الآية يدلّ على أنّ التقيّة إنّما تحلّ مع الكفار الغالبين ، إلا أنّ مذهب الشافعي رضي الله عنه : أنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلّت التقيّة محاماة على النفس.

الحكم الخامس : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (حرمة مال المسلم كحرمة دمه) ، ولقوله (ص) : (من قُتِل دون ماله فهو شهيد) ، ولأنّ الحاجة إلى المال شديدة ، والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء ، وجاز الاقتصار على التيمّم رفعاً لذلك القدر من نقصان المال. فكيف لا يجوز هاهنا؟». ثمّ رجّح قول الحسن البصري المتقدّم : (التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة) على قول مجاهد الذي حصر التقية بما كان في أوّل الإسلام ، وقال : «وهذا القول أولى ، لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان» (٣).

وقال القرطبي المالكي (ت / ٦٧١ ه‍) : «قال ابن عباس : هو أن يتكلّم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا يقتل ولا يأتي مأثماً .. وقال الحسن البصري :

__________________

(١) كذا : بالفاء ، والصحيح : مخالقة بالقاف ، بقرينة قوله : والقلب .. إلخ ، وإلا لقال : مخالفة باطنة ، ومعاشرة ظاهرة ، والظاهر أنها مصحفة سهواً.

(٢) الكشاف / الزمخشري ٤٢٢ : ١.

(٣) التفسير الكبير / الفخر الرازي ١٣ : ٨.

٣٤

التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة ، ولا تقية في القتل. وقرأ جابر بن يزيد ، ومجاهد ، والضحاك : (إِلا أن تتَّقُوا مِنهُم تقِيَّةً) (١).

وقال أبو حيان الأندلسي المالكي (ت / ٧٥٤ ه‍) : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) : «هذا استثناء مفرغ من المفعول به ، والمعنى : لا تتّخذوا كافراً وليّاً لشيءٍ من الأشياء إلا لسبب التقية ، فيجوز إظهار الموالاة باللفظ والفعل دون ما ينعقد عليه القلب والضمير.

ولذلك قال ابن عباس : التقية المشار إليها مداراة ظاهرة. وقال : يكون مع الكفار ، أو بين أظهرهم فيتقيهم بلسانه ، ولا مودّة لهم في قلبه.

وقال قتادة : إذا كان الكفار غالبين ، أو يكون المؤمنون في قوم كفار فيخافونهم فلهم أن يحالفوهم ويداروهم دفعاً للشرّ ، وقلبهم مطمئن بالإيمان.

وقال ابن مسعود : خالطوا الناس وزايلوهم وعاملوهم بما يشتهون ، ودينكم فلا تثلموه.

وقال صعصعة بن صوحان لُاسامة بن زيد : خالص المؤمن وخالق الكافر ، إن الكافر يرضى منك بالخُلق الحسن.

وقال الصادق : «إن التقية واجبة ، إني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فأستتر منه بالسارية لئلا يراني ، وقال : الرياء مع المؤمن شرك ، ومع المنافق عبادة» (٢).

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي : ٥٧ : ٤.

(٢) تفسير البحر المحيط / أبو حيان الأندلسي ٤٢٣ : ٢.

٣٥

ثمّ قال بعد هذه الأقوال : «وقد تكلّم المفسّرون هنا في التقية إذ لها تعلق بالآية ، فقالوا : أمّا الموالاة بالقلب فلا خلاف بين المسلمين في تحريمها ، وكذلك الموالاة بالقول والفعل من غير تقية. ونصوص القرآن والسُّنّة تدل على ذلك.

والنظر في التقية يكون : فيمن يتّقى منه ، وفيما يبيحها ، وبأي شيء تكون من الأقوال والأفعال.

فأمّا من يتّقى منه :

فكل قادر غالب بكره يجور منه ، فيدخل في ذلك الكفار ، وجورة الرؤساء ، والسلابة ، وأهل الجاه في الحواضر.

وأمّا ما يبيحها :

فالقتل ، والخوف على الجوارح ، والضرب بالسوط ، والوعيد ، وعداوة أهل الجاه الجورة.

وأمّا بأي شيء تكون؟

من الأقوال : فبالكفر فما دونه ، من بيع ، وهبة وغير ذلك. وأمّا من الأفعال : فكلّ محرم».

وقال مسروق : «إن لم يفعل حتى مات دخل النار ، وهذا شاذ» (١).

وقال ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت / ٨٥٢ ه‍) : «ومعنى الآية : لا يتّخذ المؤمنُ الكافرَ وليّاً في الباطن ولا في الظاهر ، إلا التقية في الظاهر ، فيجوز أن

__________________

(١) تفسير البحر المحيط ٤٢٤ : ٢.

٣٦

يوالي إذا خافه ، ويعاديه باطناً» (١).

واحتجّ الإمام الشوكاني الزيدي (ت / ١٢٥٠ ه‍) بهذه الآية على جواز التقية ، ثمّ قال بعد كلام طويل : «في ذلك دليل على جواز موالاتهم مع الخوف منهم ، ولكنّها تكون ظاهراً لا باطناً» (٢).

وقال الآلوسي الحنبلي الوهابي (ت / ١٢٧٠ ه‍) كما تقدّم عنه في تعريف التقية : «وفي هذه الآية دليل على مشروعية التقية ، وعرّفوها : بمحافظة النفس ، أو العِرض ، أو المال من شرّ الأعداء» (٣).

وقال جمال الدين القاسمي الشامي (ت / ١٣٣٢ ه‍) : «ومن هذه الآية : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) استنبط الأئمّة مشروعية التقية عند الخوف ، وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني» (٤).

وقال الشيخ المراغي المصري (ت / ١٣٦٤ ه‍) : «وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التقية ، بأن يقول الإنسان ، أو يفعل ما يخالف الحقّ ، لأجل التوقّي من ضرر الأعداء ، يعود إلى النفس ، أو العِرض ، أو المال» (٥).

وقد استدل بهذه الآية على مشروعية التقية النجدات وهم فرقة من الخوارج الحرورية فيما نسبه الشهرستاني (ت / ٥٤٨ ه‍) إلى رئيسهم نجدة بن عويمر الخارجي الحروري (ت / ٦٩ ه‍) (٦).

__________________

(١) فتح الباري / ابن حجر العسقلاني ٢٦٣ : ١٢.

(٢) فتح القدير / الشوكاني ٣٣١ : ١.

(٣) روح المعاني / الآلوسي ١٢١ : ٣.

(٤) محاسن التأويل / القاسمي ٨٢ : ٤.

(٥) تفسير المراغي ١٣٦ : ٣.

(٦) الملل والنحل / الشهرستاني ١٢٥ : ١.

٣٧

الآية الثانية :

قال تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١).

هذه الآية الكريمة مكّية بالاتفاق ، وقد نزلت في بداية الدعوة إلى دين الإسلام ، والمسلمون بعد ثُلة قليلة ربّما لا يتجاوزون عدد الأصابع ، وهذا يعني أنّ تاريخ تشريع التقية في الإسلام كان في بداية أمر هذا الدين الحنيف.

والحقّ أنّ تاريخ تشريع التقية كما يبدو من الآيات الاخر في القرآن الكريم قد سبق تاريخ ولادة الدين الإسلامي بزمن بعيد ، حيث كانت مشروعة في زمن عيسى ومن قبله موسى عليهما‌السلام. ولمّا بزغت شمس الإسلام ، سارع القرآن الكريم إلى إمضاء هذا التشريع وإقراره ، لكي تكون التقية منسجمة تماماً مع مرونة هذا الدين العظيم الذي لا حرج فيه ولا عسر ، ومن ثمّ لتكون التقية فيه حصناً يتحصّن فيه المسلمون أمام طغيان أبي سفيان ، وجبروت أبي جهل كلّما دعت الضرورة إليها. وهذا ما سيتّضح من أقوال المفسّرين وغيرهم من علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم وفرقهم في تفسير هذه الآية الكريمة ، وعلى النحو الآتي :

قال الحسن البصري (ت / ١١٠ ه‍) في تفسير هذه الآية : «إن عيوناً لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما ، فقال لأحدهما : أتشهد أنّ محمّداً رسول الله؟ قال : نعم ، قال : أتشهد أنّي رسول الله؟ فأهوى إلى اذنِهِ ، فقال : إني أصمّ. فأمر به فقُتِل.

__________________

(١) النحل ١٠٦ : ١٦.

٣٨

وقال للآخر : أتشهد أن محمّداً رسول الله؟ قال : نعم ، قال أتشهد أنّي رسول الله؟ قال : نعم ، فأرسله. فأتى النبيّ (ص) فأخبره ، فقال : أمّا صاحبك فمضى على إيمانه ، وأمّا أنت فأخذت بالرخصة» (١).

واحتج الإمام الشافعي (ت / ٢٠٤ ه‍) بهذه الآية على أن قول المكره كما يقل في الحكم ، وأطلق القول فيه ، واختار أنّ يمين المكره غير ثابتة عليه ، كما نُسِب القول بذلك إلى عطاء بن أبي رباح (ت / ١١٤ ه‍) أحد أعلام التابعين (٢).

وأخرج ابن ماجة (ت / ٢٧٣ ه‍) عن ابن مسعود (ت / ٣٢ ه‍) ما يُشير إلى سبب نزول هذه الآية في جملة من الصحابة كانوا قد وافقوا المشركين على ما انتدبوهم إليه أنّه قال : «كان أوّل من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله ، وأبو بكر ، وعمّار ، وأُمه سمية ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد.

فأمّا رسول الله (ص) ، فمنعه الله بعمّه أبي طالب.

وأما أبو بكر ، فمنعه الله بقومه.

وأما سائرهم ، فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأخذوه فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكّة ، وهو يقول : أحد ، أحد» (٣).

قال الشيخ محمّد فؤاد عبد الباقي (ت / ١٣٨٨ ه‍) في هامش حديث ابن ماجة

__________________

(١) تفسير الحسن البصري ٧٦ : ٢.

(٢) أحكام القرآن / أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي ١١٤ : ٢ ١١٥.

(٣) سنن ابن ماجة ٥٣ : ١ ، ١٥٠ / باب ١١ في فضل سلمان وأبي ذرّ والمقداد.

٣٩

ما نصّه : «واتاهم : أصله آتاهم ، بالهمزة ، ثمّ قُلبت الهمزة واواً ، والإيتاء معناه : الإعطاء ، أي : وافقوا المشركين على ما أرادوا منهم تقية ، والتقية في مثل هذه الحال جائزة لقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١)».

أما الطبري (ت / ٣١٠ ه‍) فقال : «إن هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر وقوم كانوا أسلموا ، ففتنهم المشركون عن دينهم ، فثبت على الإسلام بعضهم ، وافتتن بعض».

ثمّ أخرج هذا المعنى عن ابن عباس (ت / ٦٨ ه‍) أنّه قال : «وذلك أنّ المشركين أصابوا عمّار بن ياسر ، فعذّبوه ثمّ تركوه ، فرجع إلى رسول الله (ص) فحدّثه بالذي لقي من قريش ، والذي قال ، فأنزل الله تعالى ذكره عذره».

كما أخرج ذلك عن قتادة (ت / ١١٨ ه‍) أنّه قال : «إنّها نزلت في عمّار بن ياسر ، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر ميمون ، وقالوا : أُكفر بمحمّد ، فتابعهم على ذلك وقلبه كاره ، فأنزل الله تعالى ذكره : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)».

وأخرج عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر أنّه قال : «أخذ المشركون عمّار بن ياسر فعذّبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا ، فشكا ذلك إلى النبيّ (ص) ، فقال النبيّ : كيف تجد قلبك؟ قال : مطمئناً بالإيمان ، قال النبيّ (ص) فإن عادوا فعد».

ثمّ عقّب الطبري بقوله : «فتأويل الكلام إذاً : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره على الكفر ، فنطق بكلمة الكفر بلسانه ، وقلبه مطمئن بالإيمان ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٥٣ : ١ ، ١٥٠ / باب ١١ ، هامش رقم ١.

٤٠