نظرة في كتاب السنّة والشيعة لمحمّد رشيد رضا

المؤلف:

العلامة الأميني


المحقق: أحمد الكناني
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤

جعفر الحميري القمّي.

ومنها : رقاع أخيه الحسن ورقاع أخيه أحمد.

وأبو العبّاس هذا قد جمع كتاباً في الأخبار المروية عنه وسمّاه قرب الإسناد إلى صاحب الأمر.

ومنها : رقاع علي بن سليمان بن الحسين بن الجهم بن بُكير بن أعين أبو الحسن الرازي ، فإنه كان يدّعي المكاتبة أيضاً ويُظهر الرّقاع.

هذه نبذة ممّا بنوا عليه أحكامهم ودانوا به ، وهي نغبةٌ من دأماء (١) ، وقد تبيّن بها حال دعوى الرافضي في تلقّي دينهم عن العترة ... ص ٥٨ ، ٦١.

ج ـ كان حقّاً على الرجل نهي جمال الدين القاسمي عن أن يُظهر كتابه إلى غيره ، كما كان على السيد محمّد رشيد رضا أن يُحرّج على الشيعة بل أهل النصفة من قومه أيضاً أن يقفوا على رسالته ، إذا الأباطيل المبثوثة في طيّهما تكشف عن السّوءة ، وتُشوه السمعة ، ولا تخفى على أي مثقّفٍ ، ولا يسترها ذيل العصبيّة ، ولا تُصلحها فكرةُ المدافع عنها ، مهما كان القارئ شريف النفس ، حرّ في فكرته

__________________

(١) النغبة : الجرعة. الدأماء : البحر.

٤١

وشعوره.

كيف يخفى على الباحث : أنّ الإمامية تتعبد بالرّقاع الصادرة من المهديّ المنتظر ، وكلام الرجل ومَن لفَّ لفّه كما يأتي عن القصيمي في الصراع بين الإسلام والوثنيّة (١) أوضح ما هناك من السر المستسر في عدم تعبّدهم بها ، وعدم ذكر المحامدة الثلاثة (٢) مؤلفي الكتب الأربعة التي هي عمدة مراجع الشيعة الإمامية في تلكم التآليف شيئاً من الرقاع والتوقيعات الصادرة من الناحية المقدسة.

وهذا يوقظ شعور الباحث إلى أنّ مشايخ الإمامية الثلاثة كانوا عارفين بما يئول إليه أمر الأمة من البهرجة وإنكار وجود الحجة ، فكأنّهم كانوا منهيّين عن ذكر تلك الآثار الصادرة من الناحية الشريفة في تآليفهم مع أنّهم هم رواتها وحملتها إلى الأمة ، وذلك لئلّا يخرج مذهب العترة عن الجعفرية الصادقة إلى المهدوية ، حتّى لا يبقى لرجال العصبية العمياء مجال للقول بأنّ مذهب الإمامية مأخوذ من الإمام الغائب الذي لا وجود له في مزعمتهم ، وأنَّهم يتعبدون بالرّقاع المزوّرة في حسبانهم ، وهذا سرّ من أسرار الإمامية يؤكد الثقة بالكتب الأربعة والاعتماد عليها.

__________________

(١) في المجلد الثالث من الغدير ، وقد طُبع مستقلاً باعداد صديقنا الشيخ محمد الحسون ضمن هذه السلسلة.

(٢) أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، ابو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي ، ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسى. (المؤلف)

٤٢

هذا ثقة الإسلام الكليني مع أنّ بيئته بغداد تجمع بينه وبين سفراء الحجة المنتظر الأربعة ، ويجمعهم عصرٌ واحدٌ ، وقد توفّي في الغيبة الصغرى سنة ٣٢٣ ، وألّف كتابه خلال عشرين سنة ، تراه لم يذكر قطُّ شيئاً من توقيعات الإمام المنتظر في كتابه الكافي الحافل المشتمل على ستّة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً ، مع أنّ غير واحد من تلك التوقيعات يُروى من طرقه ، وهو يذكر في كتابه كثيراً من توقيعات بقيّة الأئمة من أهل بيت العصمة سلام الله عليهم.

وهذا أبو جعفر ابن بابويه الصّدوق مع روايته عدّة من تلك الرّقاع الكريمة في تأليفه إكمال الدين وعقده لها باباً فيه ص ٢٦٦ لم يذكر شيئاً منها في كتابة الحافل من لا يحضره الفقيه.

نعم : في موضع واحد منه ـ على ما وقفت ـ يذكر حديثاً في مقام الاعتضاد من دون ذكر وتسميةٍ للإمام عليه‌السلام وذلك في ج ٢ ص ٤١ ط لكهنو قال :

الخبر الذي رُوي فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً أنّ عليه ثلاث كفارات فإنّي أفتي بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه ، لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضى الله عنه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس الله روحه.

وبعدهما شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي فإنّه مع روايته

٤٣

توقيعات الأحكام الصادرة من الناحية المقدسة الى محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الغيبة ص ١٨٤ ـ ٢١٤ و ٢٤٣ ـ ٢٥٨ لم يورد شيئاً منها في كتابيه التهذيب والاستبصار اللذين يعدّان من الكتب الأربعة عمد مصادر الأحكام.

ألا تراهم أجمعوا برواية توقيع اسحاق بن يعقوب عن الناحية المقدسة ، ورواه أبو جعفر الصّدوق عن أبي جعفر الكليني أيضاً في كتاب الغيبة ص ١٨٨ ، وفيه أحكام مسائل ثلاث عنونوها في كتبهم الأربعة واستدلوا عليها بغير التوقيع ، وليس فيها منه عينٌ ولا أثرٌ ألا وهي :

١ ـ حرمة الفقّاع

عنونها الكليني في الكافي ٢ : ص ١٩٧ ، والشيخ في التهذيب ٢ : ص ٣١٣ ، وفي الاستبصار ٢ : ص ٢٤٥ ، وتوجد في الفقيه ٣ : ٢١٧ ، ٣٦١ ، ولها عنوان في الوافي جمع الكتب الأربعة في الجزء الحادي عشر ص ٨٨. وتوجد من أدلّة الباب خمسة توقيعات للإمامين : أبي الحسن الرّضا وأبي جعفر الثاني ، وليس فيها عن التوقيع المهدويّ ذكر.

٢ ـ تحليل الخمس للشيعة

عنونها الكليني في الكافي ١ : ص ٤٢٥ ، والشيخ في التهذيب ١ : ص ٢٥٦ ـ ٢٥٩ والاستبصار في الجزء الثاني ص ٣٣ ـ ٣٦ ،

٤٤

وذكرها الصدوق في الفقيه في الجزء الثاني ص ١٤ ؛ وهي معنونة في الوافي في الجزء السادس ٤٥ ـ ٤٨ ، ومن أدلة الباب مكاتبة الإمامين : أبي الحسن الرضا وأبي جعفر الجواد عليهما‌السلام ، وليس فيها ذكر عن توقيع الحجّة.

٣ ـ ثمن المغنّية

المسألة معنونة في الكافي ١ ص ٣٦١ ، وفي التهذيب ٢ ص ١٠٧ ، وفي الاستبصار ج ٢ ص ٣٦ ، وتوجد في الفقيه ٣ ص ٥٣ : وهي معنونة في جمعها الوافي في الجزء العاشر ص ٣٢ ، ولا يوجد فيها ايعازٌ إلى توقيع الإمام المنتظر.

فكلمة الآلوسي هذه أرشدتنا إلى جانب مهم ، وعرّفتنا بذلك السرّ المكتوم ، وأرتنا ما هناك من حكمة صفح المشايخ عن تلكم الأحاديث الصادرة من الإمام المنتظر وهي بين أيديهم وأمام أعينهم ، فأنت جِدُّ عليم بأنّه لو كان هناك شيء مذكور منها في تلكم الأصول المدونة لكان باب الطعن على المذهب الحقَّ ـ الإمامية ـ مفتوحاً بمصراعيه ، ولكان تطول عليهم ألسنة المتقوِّلين ، ويكثر عليهم الهوس والهياج ممّن يروقه الوقيعة فيهم والتحامل عليهم.

إذن فهلمّ معي نسائل الرجل عن همزة ولمزة بمخاريقه وتقوّلاته وتحكّماته وتحرّشه بالوقيعة نسائله متى أخذت الإمامية

٤٥

غالب مذهبهم من الرقاع وتعبّدوا بها؟ ومَن الذي اعترف منهم بذلك؟ وأنّى هو؟ وفي أيّ تأليف اعترف؟ أم بأيّ راوٍ ثبت عنده ذلك؟

وأنّى للصدوق رُقاع؟ ومتى كتبها؟ وأين رواها؟ ومَن ذا الذي نسبها إليه؟ وقد جهل الرجل بأنّ صاحب الرقعة هو والده الذي ذكره بقوله : منها رقعة عليِّ بن الحسين.

وما المسوّغ لتكفيره؟ وهو من حملة علم القرآن والسنة النبوية ، ومن الهُداة إلى الحقِّ ومعالم الدين ، دع هذه كلّها ولا أقلّ من أنّه مسلمٌ يتشهد بالشهادتين ، ويؤمن بالله ورسوله والكتاب الذي أُنزل إليه واليوم الآخر ، أهكذا قرّر أدب الدين ، أدب العلم ، أدب العفة ، أدب الكتاب ، أدب السنة؟ أم تأمره به أحلامه؟ أبهذا السباب المقذع ، والتحرّش بالبذاء والقذف ، يتأتّى الصالح العام؟ وتسعد الأمة الإسلامية؟ وتجد رشدها وهداها؟

ثمّ من الذي أخبره عن مزعمة الصدوق بنيل حاجته من ثُقب الأشجار؟ والصدوق متى سأل؟ وعمّا ذا سأل؟ حتّى يكتب ويضع في ثقب شجرة أو غيرها ليلاً أو نهاراً ويجد جوابه فيها ، ومَن الذي روى عنه تلك الأسئلة؟ ومن رأى أجوبتها؟ ومَن حكاها؟ ومتى ثبتت عند الرافضة حتّى تكون من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم؟ نعم : فتّباً ...

٤٦

وليتني أقف وقومي على تلك الرقاع الكثيرة وقد جمعها العلّامة المجلسي في المجلّد الثالث عشر من البحار في اثنتي عشرة صحيفة من ص ٢٣٧ ـ ٢٤٩ والتي ترجع منها إلى الأحكام إنما تُعدُّ بالآحاد ولا تبلغ حدَّ العشرات ، فهل مستند تعبّد الإمامية من بدء الفقه إلى غايته هذه الصحائف المعدودة؟ أم يحقّ أن تكون تلك المعدودة بالآحاد هي مأخذ غالب مذاهبهم؟ أنا لا أدري لكن القارئ يدري.

إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات الله.

وليته كان يذكر رقعة عليِّ بن الحسين بن بابويه بنصّها حتّى تعرف الأمّة أنّها رقعةٌ واحدة ليست إلّا ، وليس فيها ذكر من الأحكام حتّى تتعبّد بها الإمامية ، وإليك لفظها برواية الشيخ في كتاب الغيبة :

كتب عليٌّ بن الحسين إلى الشيخ أبي القاسم حسين بن روح على يد عليّ بن جعفر أن يسأل مولانا الصاحب أن يرزقه أولاداً فقهاء.

فجاء الجواب : إنّك لا تُرزق من هذه وستملك جاريةً ديلميّةً وتُرزق منها ولدين فقيهين (١).

__________________

(١) وقد ولد له أبو جعفر محمد ، وأبو عبد الله الحسين من أم ولد. (المؤلف)

٤٧

أترى هذه الرّقعة ممّا يؤخذ منه المذهب؟! أوفيها مسةٌ بالتعبّد؟

وأمّا رقاع محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري التي توجد في كتابي الغيبة والاحتجاج فليست هي إلّا رقاعاً أربعاً ، ذكر الشيخ في الغيبة منها اثنتين في ص ٢٤٤ ـ ٢٥٠ تحتوي إحداهما تسع مسائل والأخرى خمسة عشر سؤالاً ، وزادهما الطبرسي في الاحتجاج رقعتين ، ولو كان المفتري منصفاً لكان يشعر بأنّ عدم إدخال الشيخ هذه المسائل في كتابيه : التهذيب والاستبصار إنّما هو لدحض هذه الشّبهة ، وقطع هذه المزعمة.

وقد خفي على الرجل أنّ كتاب الاحتجاج ليس من تأليف الشيخ الطوسي محمّد بن الحسن وإنما هو للشيخ أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي.

وفي قوله : والتوقيعات ... إلخ. جنايةٌ كبيرة وتمويهٌ وتدجيلٌ فإنّه بعد ما ادّعى على الإمامية ترجيح التوقيع على المرويّ بالإسناد الصحيح لدى التعارض استدلّ عليه بقوله : قال ابن مابويه في الفقه : بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدّسة في باب الرجل يوصي إلى رجل : هذا التوقيع عندي بخطّ ابي محمّد ابن الحسن بن عليّ ...

فإنّك لا تجد في الباب المذكور من الفقيه توقيعاً واحداً ورد من الناحية المقدسة فضلاً عن التوقيعات ، وإنما ذكر في أول الباب

٤٨

توقيعاً واحداً عن أبي محمّد الحسن العسكري ، وقد جعله الرجل أبا محمّد بن الحسن ليوافق فريته ، ذاهلاً عن أنّ كنية الإمام الغائب أبو القاسم لا أبو محمّد ، فلا صلة بما هناك لدعوى الرجل أصلاً ، وها نحن نذكر عبارة الفقيه حتّى يتبين الرُّشد من الغي.

قال في الجزء الثالث ص ٢٧٥ : باب الرجلين يوصى إليهما فينفرد كلُّ واحد منهما بنصف التركة.

كتب محمّد بن الحسن الصفّار رضى الله عنه إلى أبي محمد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام : رجلٌ أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟

فوقع عليه‌السلام : لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت ويعملان على حسب ما أمرهما إنشاء الله. وهذا التوقيع عندي بخطّه عليه‌السلام.

وفي كتاب محمّد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحسن الميثمي ، عن أخويه محمّد وأحمد ، عن أبيهما ، عن داود بن أبي يزيد ، عن يزيد بن معاوية قال : إنّ رجلاً مات وأوصى إلى رجلين فقال أحدهما لصاحبه : خذ نصف ما ترك واعطني النصف ممّا ترك. فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : ذاك له.

قال مصنّف هذا الكتاب رحمه‌الله : لست أفتي بهذا الحديث ، بل : أفتي بما عندي بخطّ الحسن بن عليّ عليه‌السلام. انتهى.

٤٩

اقرأ واحكم.

وأمّا رقاع بن أبي العبّاس والحسين وأحمد وعليّ فإنها لم توجد قطُّ في مصادر الشيعة ، ولا يُذكر منها شيء في أصول الأحكام ، ومراجع الفقه الإمامية ، ولعمري لو كان المفتري يجد فيها شيئاً منها لأعرب عنه بصراحة.

وأبو العبّاس كنية عبد الله بن جعفر الحميري وهو صاحب قرب الإسناد لا جعفر بن عبد الله كما حسبه المغفّل ، وإنّما جعفر ومحمّد الذي ذكره قبل ـ ولم يعرفه ـ والحسين وأحمد إخوان أربعة أولاد أبي العبّاس المذكور ، ولم يُر في كتب الشيعة برمتها لغير محمد بن عبد الله المذكور أثرٌ من الرقاع المنسوبة إليهم ، ولم يحفظ التاريخ لهم غير كلمة المؤلفين في تراجمهم : إنّ لهم مكاتبة.

هذه حال الرقاع عند الشيعة وبطلان نسبة ابتناء أحكامهم عليها.

وهناك أغلاطٌ للرجل في كلمته هذه تكشف عن جهله المطبق وإليك مايلي :

موسى بن مابويه ـ في غير موضع ـ والصحيح : موسى بن بابويه

أبا القاسم بن أبي الحسين والصحيح : أبا القاسم الحسين

٥٠

مالك الحريري الفقه والصحيح : مالك الحميري الفقيه

أبي العبّاس جعفر بن عبد الله والصحيح : أبي العبّاس عبد الله

سليمان بن الحسين والصحيح : سليمان بن الحسن

أبو الحسن الرّازي والصحيح : ابو الحسن الرّازي

عجباً للرجل حين جاء ينسب وينقد ويردّ ويُفنّد وهو لا يعرف شيئاً من عقائد القوم وتعاليم مذهبهم ، ومصادر أحكامهم ، وبرهنة عقائدهم ، ولا يعرف الرجال وأسماءهم ، ويجهل الكتب ونسبها ، ولا يفرّق بين والد ولا ولد ، ولا بين مولود وبين من لم يولد بعد ، ولو كان يروقه صيانة ماء وجهه لكفَّ القلم فهو أستر لعورته.

[إن الأئمة يوحى إليهم وإن موتهم باختيارهم]

٦ ـ ذكر في ص ٦٤ ، ٦٥ عدّه من عقائد الشيعة ، جملةٌ منها مكذوبةٌ عليهم كشتمهم جمهور أصحاب رسول الله وحكمهم بارتدادهم إلّا العدد اليسير ، وقولهم : بأنّ الأئمّة يوحى إليهم (١). وانّ موت الأئمة

__________________

(١) يأتي البحث عن هذا وما يليه في الجزء الخامس إن شاء الله تعالى (المؤلف)=

٥١

__________________

وإليك تهذيب ما جاء هناك :

أصفقت الأمة الإسلامية على أن في هذه الأمة لدة الأمم السابقة اناس محدّثون ، وقد أخبر بذلك النبي الأعظم كما ورد في الصحاح والمسانيد من طريق الفريقين.

والمحدّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوة ولا رؤية صورة ، أو يُلهم له ويُلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو يُنكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن ان يراد منه.

فقد روى البخاري في صحيحهِ باب مناقب عمر بن الخطاب عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجالٌ يكلّمون من غير ان يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمّتي منهم أحدّ فعمر.

قال القسطلاني في ارشاد الساري ٦ / ٩٩ : وليس قوله «فإن يكن» للترديد بل للتأكيد.

وأخرج البخاري في صحيحه بعد حديث الغار عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.

وأخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عمر عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مثل ما أخرجه البخاري.

ورواه ابن الجوزي في صفوة الصفوة ١ / ١٠٤ وقال : حديث متفق عليه.

وأخرجه ابو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار ٢ / ٢٥٧ بطرق شتى عن عائشة وابي هريرة. وأخرج قراءة ابن عبّاس : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث : قال : معنى قوله محدّثون أي ملهمون ، فكان عمر رضى الله عنه ينطق بما كان ينطق ملهماً.

ثمّ عدّ من ذلك ما قد روي عن أنس بن مالك قال قال عمر بن الخطاب : وافقني ربي أو وافقت ربي في ثلاث. قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى ، فنزلت : «واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى.

٥٢

باختيارهم (١). وانّهم اعتقدوا بتحريف القرآن

__________________

=وقلت يا رسول الله : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب.

واجتمع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساؤه في الغيرة فقلت : عسى أبي إن طلقكن ان يبد له خيراً منكن ، فنزلت كذلك.

وقال النووي في شرح مسلم : اختلف تفسير العلماء للمراد بمحدّثون : فقال ابن وهب : ملهمون ، وقيل : مصيبون إذا ظنوا ... ، وقيل تكلّمهم الملائكة ، وقال البخاري يجري الصواب على ألسنتهم.

وقال الحافظ الطبري في الرياض ١ / ١٩٩ : ويجوز ان يحمل على ظاهره وتحدّثهم الملائكة لا بوحي وانما بما يُطلق عليه اسم حديث ، وتلك فضيلة عظيمة.

وقال المناوي في شرح الجامع الصغير ٤ / ٥٠٧ : قال القرطبي : محدّثون جمع محدث ... وهو من في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى ... أو تكلّمه الملائكة بلا نبوة.

وقال ابن حجر : وقد كثر هؤلاء المحدّثون بعد العصر الأول وحكمته زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيها ومضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء. (المؤلف)

(١) ذكروا عن ابن شهاب قال : كان أبو بكر والحارث بن كلدة يأكلان حريرة اهديت لأبي بكر ، فقال الحارث لأبي بكر : ارفع يدك يا خليفة رسول الله إن فيها لسمّ السنة ، وأنا وأنت نموت في يوم واحد. فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.

وذكر أحمد في مسنده ١ / ٤٨ و ٥١ ، والطبري في رياضه ٢ / ٧٤ إخبار عمر عن موته بسبب رؤيا رآها ، وما كان بين رؤياه وبين يوم طعن فيه إلّا جمعة. وفي الرياض ٢ / ٧٥ عن كعب الأحبار إنه قال لعمر : يا أمير المؤمنين اعهد بأنك ميت إلى ثلاثة أيام فلمّا قضى ثلاثة أيام طعنه ابو لؤلؤ فدخل عليه

٥٣

ونقصانه وانّهم يقولون : بانّ الحجّة المنتظر إذا ذكر في مجلس حضر فيقومون له (١) وإنكارهم كثيراً من ضروريّات الدين.

__________________

=الناس ودخل كعب في حملتهم فقال : القول ما قال كعب.

وعن ابن عمر : ان عثمان اصبح يحدّث الناس قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام قال : يا عثمان افطر عندنا غداً ، فأصبح صائماً وقتل من يومه.

وأخرج الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٠٣ بسند صححه إخبار عبد الله بن عمرو الأنصاري الصحابي ابنه جابر بشهادته يوم أحد ، وأنه أوّل قتيل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان كما أخبر به.

وذكر الخطيب البغدادي في تاريخه ٢ / ٤٩ عن أبي الحسين المالكي أنه نقل عن خير السناج محمد بن اسماعيل بأنه اخبره بوفاته قبل ثمانية أيام ، وانه يموت يوم الخميس المغرب فيدفن يوم الجمعة قبل الصلاة وانه سيُنسى فلا ينسى.

فقال ابو الحسين : فأنسيته إلى يوم الجمعة فخرجت لأحضر جنازته. فوجدت الناس راجعين فسألتهم فذكروا إنه يدفن بعد الصلاة ، ولم ألتفت إلى قولهم فوجدت الجنازة قد أخرجت قبل الصلاة ، ذكر القصة ابن الجوزي في المنتظم ٦ / ٢٧٤.

فعلم المؤمن بموته واختياره الموت واللقاء مهما خيّر بينه وبين الحياة ليس من المستحيل ، ولا بأمر خطير بعيد عن خطر المؤمن فضلاً عن أئمة المؤمنين من العترة الطاهرة. (المؤلف)

(١) قيام الشيعة عند ذكر الإمام ليس لحضوره كما زعمه الآلوسي وانما هو لما جاء عن الإمامين الصادق والرضا عليهم‌السلام من قيامهما عند ذكره وهو لم يولد بعد ، وليس هو إلا تعظيماً له كالقيام عند ذكر رسول الله المندوب عند أهل السنة كما في السيرة الحلبية ١ : ص ٩٠. (المؤلف)

٥٤

قال الأميني : نعم : الشيعة لا يحكمون بعدالة الصحابة أجمع ، ولا يقولون إلّا بما جاء فيهم في الكتاب والسنّة وسنوقفك على تفصيله في النقد على كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية (١).

__________________

(١) وأما القول بعدالة الصحابة وإن كتاب الله سبحانه بين ايدينا وهو يعرّف أناساً منهم بالنفاق وانقلابهم على أعقابهم بآيات كثيرة رامية لغرض واحد ، ولا تنس ما ورد في الصحاح والمسانيد. ومنها : ما في صحيح البخاري من أن اناساً من أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يؤخذ بهم ذات الشمال فيقول : أصحابي أصحابي ، فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.

وفي صحيح آخر : ليرفعنّ رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

وفي صحيح ثالث : أقول أصحابي فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك.

وفي صحيح رابع : أقول إنهم مني فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي.

وفي صحيح خامس : فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدّوا على أدبارهم القهقري.

وفي صحيح سادس : بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم.

فقال : هلمّ.

فقلت : أين؟

قال : إلى النار والله.

قلت : وما شأنهم؟

قال : انهم ارتدوا على أدبارهم القهقري.

ثمّ إذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ

قلت : أين؟

٥٥

وأمّا بقية المذكورات فكلّها تحامل ومكابرةٌ بالإفك ، ثمّ جاء بكلمة عوراء ، وقارصة شوهاء ، الأوهى قوله في ص ٦٥ ، ٦٦ :

[المتعة الدورية]

وما تكلّم ـ يعني السيد محسن الأمين ـ به في المتعة يكفي لإثبات ضلالهم ، وعندهم متعةٌ أخرى يسمّونها المتعة الدورية ويروون في فضلها ما يروون ، وهي : أن يتمتّع جماعةٌ بامرأة واحدةٍ ، فتكون لهم من الصبح إلى الضحى في متعة هذا ؛

__________________

=قال : إلى النار والله

قلت : ما شأنهم

قال : انهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقري ، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم.

راجع صحيح البخاري ٥ / ١١٣ ، ٩ / ٢٤٢ ـ ٢٤٧.

قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري ٩ / ٣٢٥ في هذا الحديث : همل بفتح الهاء والميم : ضوال الإبل واحدها ، أو الإبل بلا راع ، ولا يقال ذلك في الغنم ، يعني : ان الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة ، وهذا يشعر بأنهم صنفان كفار وعصاة. انتهى

وانت من وراء ذلك كله جدّ عليهم بما شجر بين الصحابة من الخلاف الموجب للتباغض والتشاتم والتلاكم والمقاتلة القاضية بخروج إحدى الفريقين عن حيّز العدالة ، ودع عنك ما جاء في التأريخ عن أفراد منهم من ارتكاب المآثم والاتيان بالبوائق. (المؤلف)

٥٦

ومن الضحى إلى الظهر في متعة هذا ، ومن الظهر إلى العصر في متعة هذا ، ومن العصر إلى المغرب في متعة هذا ، ومن المغرب إلى العشاء في متعة هذا ، ومن العشاء إلى نصف الليل في متعة هذا ، ومن نصف الليل إلى الصبح في متعة هذا ، فلا بدع ممّن جوّز مثل هذا النكاح أن يتكلّم بما تكلّم به ويسمّيه الحصون المنيعة ... (١)

__________________

(١) يوافيك بسط القول في المتعة في الجزء السادس إن شاء الله تعالى (المؤلف)

وقد تقدّم منّا اعداد ذلك وطبعه في رسالة مستقلة ضمن رد المؤلف لوشيعة موسى جار الله.

وإليك بعض ما جاء هناك لئلا تخلوا احالة المؤلف من شيء.

ان المتعة عند الشيعة هي التي جاء بها نبي الإسلام ، وجعل لها حدوداً مقررة ، وثبتت في عصر النبي الأعظم وبعده إلى تحريم الخليفة عمر بن الخطاب وبعده عند من لم ير لله للرأي المحدث في الشرع تجاه القرآن الكريم وما جاء به نبي الإسلام قيمة ولا كرامة ، وقد أصفقت فرق الإسلام على أصول المتعة وحدودها المفصلة في كتبها ، ولم يختلف قط اثنان فيها الّا وهي :

١ ـ الأجرة

٢ ـ الأجل

٣ ـ العقد المشتمل للإيجاب والقبول

٤ ـ الافتراق بانقضاء المدة أو البذل

٥ ـ العدّة أمة وحرة حائلاً وحاملاً

٦ ـ عدم الميراث

٥٧

نسبة المتعة الدورية وقل : الفاحشة المبيّنة إلى الشيعة إفكٌ عظيمٌ تقشعر منه الجلود ، وتكفهرّ منه الوجوه ، وتشمئزّ منه الأفئدة ، وكان الأحرى بالرجل حين أفك أن يتّخذ له مصدراً من كتب الشيعة ولو سواداً على بياض من أيّ ساقط منهم ، بل نتنازل معه إلى كتاب من كتب قومه يسند ذلك إلى الشيعة ، أو سماعٍ عن أحدٍ لهج به ، أو وقوف منه على عمل ارتكبه اناس ولو من أوباش

__________________

=وهذه الحدود هي التي نص عليها أهل السنة والشيعة.

راجع من تآليف الفريق الأول :

صحيح مسلم ، سنن الدارمي ، سنن البيهقي ، تفسير الطبري ، أحكام القرآن الجصاص ، تفسير البغوي ، تفسير ابن كثير ، تفسير الفخر الرازي ، تفسير الخازن ، تفسير السيوطي ، كنز العمال.

ومن تآليف الفريق الثاني :

من لا يحضره الفقيه ٣ / ١٤٩ ، المقنع للصدوق ، الهداية له أيضاً ، الكافي ٢ / ٤٤ ، الانتصار للمرتضى ، المراسم لسلّار ، النهاية للطوسي ، المبسوط له أيضاً ، التهذيب له أيضاً ٢ / ١٨٩ ، الاستبصار له ٢ / ٢٩ ، الغنية لأبي المكارم ، الوسيلة لعماد الدين ، نكت النهاية للمحقق ، التحرير للعلامة ٢ / ٢٧ ، شرح اللمعة ٢ / ٨٢ ، المسالك ، الحدائق ٦ / ١٥٢ ، الجواهر ٥ / ١٦٥.

والمتعة المعاطاة بين الأمة الشيعية ليست إلّا ما ذكرناه ، وليس إلّا نوعاً واحداً ، والشيعة لم تر في المتعة رأياً غير هذا ، ولم تسمع اذن الدنيا انواعاً للمتعة تقول بها فرقة من فرق الشيعة ، ولم تكن لأي شيعي سابقة تعارف بانقسامها على الصغرى والكبرى ، وليس لأي فقيه من فقهاء الشيعة ولا لعوامهم من أول يومها إلى هذا العصر ، عصر الكذب والأخلاق ، عصر الفرية والقذف ، إلماماً بهذا الفقه الجديد المحدث ، فقه القرن العشرين لا القرون الهجرية. (المؤلف)

٥٨

الشيعة وأفنائهم ، لكنّ المقام قد أعوزه عن كلّ ذلك لأنّه أوّل صارخ بهذا الإفك الشائن ، ومنه أخذ القصيمي في الصراع بين الإسلام والوثنيّة وغيره.

وليت الشيعة تدري متى كانت هذه التسمية؟ وفي أيّ عصر وقعت؟ ومَن أوّل من سمّاها؟ ولِمَ خلت عنها كتب الشيعة برمّتها؟ أنا أقول وعند جهينة الخبر اليقين : هو هذا العصر الذهبي ، عصر النور ، عصر الآلوسي ، وهو أوّل من سمّاها بعد أن اخترعها ، والشيعة لم تعلمها بعدُ.

وليت الرجل ذكر شيئاً من تلك الروايات التي زعم انّ الشيعة ترويها في فضل المتعة الدورية ؛ وليته دلّنا على من رواها ، وعلى كتاب أو صحيفة هي مودعةٌ فيها ، نعم : الحق معه في عدم ذكر ذلك كلّه لأنّ الكذب لا مصدر له إلّا القلوب الخائنة ، والصدور المملوكة بالوسواس الخناس.

وأما العَلَم الحجة سيدنا المحسن الأمين صاحب الحصون المنيعة الذي يزعم الرجل أنّه يجوّز مثل هذا النكاح ففي أيّ من تآليفه جوّز ذلك؟ ولِمَن شافهه به؟ ومتى قاله؟ وأنّى نوّه به؟ وها هو حيّ يرزق ـ مد الله في عمره ـ وهل هو إلّا رجل همّ (١) علمٌ من أعلام الشريعة ، وإمامٌ من أئمّة الإصلاح. لا يتنازل إلى الدّنايا ، ولا يقول

__________________

(١) أي ذو همة بطلب معالي الأمور. (المؤلف)

٥٩

بالسفاسف ، ولا تُدنّس ساحة قدسه بهذه القذائف والفواحش؟

هذه نبذة يسيرةٌ من الأفائك المودعة في رسالة السنّة والشيعة وهي مع أنّها رسالةٌ صغيرةٌ لا تعدو صفحاتها ١٣٢ لكن فيها من البوائق ما لعلّ عدّتها أضعاف عدد الصفحات ، وحسبك من نماذجها ما ذكرناه.

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)

سورة النور : ١١

٦٠