نظرة في كتاب السنّة والشيعة لمحمّد رشيد رضا

المؤلف:

العلامة الأميني


المحقق: أحمد الكناني
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤

وأما يحيى بن زيد الشهيد ابن الشهيد فحاشا أن يُبغضه شيعي ، وهو ذلك الإمامي البطل المجاهد ، يروي عن أبيه الطاهر أنّ الأئمة اثنا عشر ، وسمّاهم بأسمائهم وقال : إنّه عهدٌ معهودٌ عهده إلينا رسول الله (١).

ورثاه شاعر الإمامية دعبل الخزاعي في تائيته السائرة وقرأها للإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه‌السلام.

ولم توجد للشيعة حوله كلمة غمز فضلاً عن بغضه ، وغاية نظر الشيعة فيه كما في كتاب زيد الشهيد ص ١٧٥ : إنّه كان معترفاً بإمامة الإمام الصادق ، حسن العقيدة ، متبصّراً بالأمر ، وقد بكى عليه الصّادق عليه‌السلام واشتدّ وجده له ، وترحّم له. فسلام الله عليه

__________________

=وروى الكليني في الكافي قول الصادق عليه‌السلام : إن زيداً كان عالماً ، وكان صدوقاً ، ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم الى الرضا من آل محمد. ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه ، وإنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه.

وقد أكثر علماء المذاهب من الثناء عليه كما عن المفيد في إرشاده ، والخزاز القمي في كفاية الأثر ، والنسابة العمري في الجدي ، وابن داود في رجاله ، والشهيد الأول في قواعده ، والشيخ محمد بن صاحب المعالم في شرح الاستبصار ، والاسترآبادي في رجاله ، وابن أبي جامع في رجاله ، والعلامة المجلسي في مرآة العقول ، والميرزا الأصبهاني في الرياض ، والكاظمي في التكملة ، والحر في خاتمة الوسائل ، والسيد محمد جدّ بحر العلوم في رسالته ، وأبي علي في رجاله ، النوري في المستدرك والمامقاني في تنقيح المقال. (المؤلف)

(١) مقتضب الأثر في الأئمة الاثني عشر. (المؤلف)

لم أجد الرواية عن يحيى في المقتضب ، نعم رواية زيد رواها داود الرقي ج ٢ / ٣٠ من المقضب.

٢١

وعلى روحه الطاهرة.

وفي وسع الباحث أن يستنتج ولاء الشيعة ليحيى بن زيد ممّا أخرجه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص ٦٢ ط إيران قال :

لمّا اطلق يحيى بن زيد وفُكّ حديده صار جماعة من مياسير الشيعة إلى الحدّاد الذي فكّ قيده من رجله فسألوه أن يبيعهم إيّاه وتنافسوا فيه وتزايدوا حتّى بلغ عشرين ألف درهم ، فخاف أن يشيع خبره فيُؤخذ منه المال فقال لهم : اجمعوا ثمنه بينكم ، فرضوا بذلك واعطوه المال فقطعه قطعة قطعة وقسّمه بينهم فاتّخذوا منه فصوصاً للخواتيم يتبرّكون بها.

وقد أقرّت الشيعة هذا في أجيالها المتأخرة وحتى اليوم ولم ينقم ذلك أحدٌ منهم.

وأما إبراهيم بن موسى الكاظم فليتني أدري وقومي بغض أيّ إبراهيم يُنسب إلينا؟ هل إبراهيم الأكبر أحد أئمة الزيدية؟ الذي ظهر باليمن أيّام أبي السرايا ، والشيعة تروي عن الإمام الكاظم : إنه أدخله في وصيته ، وذكره في مقدّم أولاده المذكورين فيها وقال : إنّما أردت بادخال الذين أدخلتهم معه ـ يعني الإمام عليّ بن موسى ـ من ولدي التنويه بأسمائهم والتشريف لهم (١).

__________________

(١) أصول الكافي ص ١٦٣ في باب الإشارة والنص على الإمام أبي الحسن الرضا. (المؤلف)

٢٢

وترجمهُ شيخنا الأكبر المفيد في الإرشاد بالشيخ الشجاع الكريم وقال : ولكلّ واحدٍ من وُلد أبي الحسن موسى عليه‌السلام فضلٌ ومنقبةٌ مشهورةٌ ، وكان الرّضا المقدّم عليهم في الفضل (١).

وقال سيّدنا تاج الدين ابن زهرة في غاية الاختصار : كان سيّداً أميراً جليلاً نبيلاً عالماً فاضلاً يروي الحديث عن آبائه عليهم‌السلام.

وفذلكة رأي الشيعة فيه ما في تنقيح المقال ١ ص ٣٤ ، ٣٥ : أنه في غاية درجة التقوى وهو خيِّرٌ ديّنٌ.

أم إبراهيم الأصغر الملقّب بالمرتضى؟ والشيعة تراه كبقية الذرية من الشجرة الطيبة وتتقرّب إلى الله بحبهم ، وحكى سيّدنا الحسن صدر الدين الكاظمي عن شجرة ابن المهنّا : أنّ إبراهيم الصغير كان عالماً عابداً زاهداً وليس هو صاحب أبي السّرايا ، وإنّي لم أجد لشيعيّ كلمة غمز فيه لا في كتب الأنساب ولا في معاجم الرجال حتّى يستشمّ منها بغض الشيعة إيّاه.

وهذا سيّدنا الأمين العاملي عدّهما من أعيان الشيعة وترجمهما في الأعيان ج ٥ ص ٤٧٤ ـ ٤٨٢.

فنسبةُ بغض أيٍّ منهما إلى الشيعة فريةٌ واختلاقٌ.

__________________

(١) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ٢ / ٢٤٥.

٢٣

وأما جعفر بن موسى الكاظم فإنّي لم أجد في تآليف الشيعة بسط القول في ترجمته ، ولم أقرأ كلمة غمز فيه حتى تكون آية بغضهم إيّاه ، ولم أر قطُّ أحداً من الشيعة لقّبه بالكذّاب ، ليت المفتري دلّنا على من ذكره ، أو على تأليف يوجد فيه ، والشيعة إنّما تلقّبه بالخواري وولده بالخواريين والشجريين كما في عمدة الطالب : ٢٠٨.

وليتني أدري ممّن أخذ عدّ جعفر من أكابر الأولياء؟ ومن الذي ذكر أخذ أبي يزيد البسطامي عنه؟.

إنّما الموجود في المعاجم تلمّذ ابي يزيد البسطامي طيفور بن عيسى بن آدم المتوفّي ٢٦١ على الإمام جعفر بن محمّد الصادق ، وهذا اشتباه من المترجمين كما صرّح به المنقّبون منهم ، إذ الإمام الصادق توفي ١٤٨ وأبو يزيد في ٢٦١ / ٢٦٤ ولم يعدّ من المعمّرين ، ولعلّه أبو يزيد البسطاميّ الأكبر طيفور بن عيسى بن شروسان الزاهد (١) فالرجل خبط خبط عشواء في فريته هذه.

أما الحسن بن الحسن المثنّى فهو الذي شهد مشهد الطفِّ مع عمّه الإمام الطاهر ، وجاهد وأبلى وارتثَّ بالجراح ، فلمّا أرادوا أخذ الرءوس وجدوا به رمقاً فحمله خاله ابو حسّان أسماء بن

__________________

(١) راجع معجم البلدان ج ٢ ص ١٨٠.

٢٤

خارجة الفزاري إلى الكوفة وعالجه حتى برئ ، ثمَّ لحق بالمدينة.

ويُعرب عن عقيدة الشيعة فيه قول شيخهم الأكبر الشيخ المفيد في إرشاده : كان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين في وقته ، وله مع الحجّاج خبرٌ ذكره الزبير بن بكار ... (١)

وعدّه العلّامة الحجة السيد محسن الأمين العاملي ـ الذي ردَّ عليه الآلوسي بكلمته هذه ـ من أعيان الشيعة ، وذكر له ترجمة ضافية في ج ٢١ ص ١٦٦ ـ ١٨٤.

فالقول بأنّ الرافضة تعتقد بارتداده عن دين الإسلام قذفٌ بفريةٍ مُقذعةٍ تندى منها جبهة الإنسانية.

أما عبد الله المحض ابن الحسن المثنّى فقد عدَّه شيخ الشيعة أبو جعفر الطوسي في رجاله من أصحاب الصادق عليه‌السلام (٢).

وزاد أبو داود الباقر عليه‌السلام (٣).

وقال جمال الدين المهنّا في العمدة ٨٧ : كان يشبه رسول الله ، وكان شيخ بني هاشم في زمانه ، يتولّى صدقات أمير المؤمنين بعد

__________________

(١) ارشاد المفيد ، عمدة الطالب ٨٦ (المؤلف)

انظر الإرشاد ٢ / ٢٣.

(٢) رجال الطوسي : ٢٢٨ برقم ٣٠٩٢.

(٣) كتاب الرجال : القسم الأول ص ١١٨ برقم ٨٤٩.

٢٥

أبيه الحسن.

والأحاديث في مدحه وذمّه وإن تضاربت ، غير أنّ غاية نظر الشيعة فيها ما اختاره سيد الطائفة السيد ابن طاوس في إقباله ص ٥١ : من صلاحه وحسن عقيدته وقبوله إمامة الصادق عليه‌السلام ، وذكر من أصل صحيح كتاباً للإمام الصّادق وصف فيه عبد الله بالعبد الصالح ودعا له ولبني عمّه بالأجر والسعادة.

ثمّ قال : وهذا يدلّ على أنّ الجماعة المحمولين ـ يعني عبد الله وأصحابه الحسنيين ـ كانوا عند مولانا الصّادق معذورين وممدوحين ومظلومين وبحقّه عارفين ، وقد يوجد في الكتب : انهم كانوا للصّادقين عليهم‌السلام مفارقين ، وذلك محتملٌ للتقية لئلّا يُنسب إظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة الطاهرين.

وممّا يدلّك على أنّهم كانوا عارفين بالحقّ وبه شاهدين ما رويناه ـ وقال بعد ذكر السند وإنهائه إلى الصّادق ـ : ثمّ بكى عليه‌السلام حتّى علا صوته وبكينا ثمّ قال : حدّثني أبي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيه أنه قال : يُقتل منك أو يُصاب نفرٌ بشطّ الفرات ما سبقهم الأوّلون ولا يعدلهم الآخرون. ثمّ قال :

أقول : وهذه شهادةٌ صريحةٌ من طرق صحيحةٍ بمدح المأخوذين من بني الحسن عليه وعليهم‌السلام وأنهم مضوا إلى الله جلّ جلاله بشرف المقام ، والظفر بالسعادة والإكرام.

٢٦

ثمّ ذكر أحاديث تدلّ على حسن اعتقاد عبد الله بن الحسن ومن كان معه من الحسنيين فقال : أقول : فهل تراهم إلّا عارفين بالهدى ، وبالحقّ اليقين ، ولله متّقين؟! انتهى

فأنت عندئذٍ جدّ عليم بأن نسبة القول بردّته وردّة بقيّة الحسنيين إلى الشيعة بعيدةٌ عن مستوى الصدق.

وأما محمد بن عبد الله بن الحسن الملقّب بالنفس الزكية فعدّه الشيخ أبو جعفر الطوسي في رجاله من أصحاب الصّادق عليه‌السلام (١).

وقال ابن المهنّا في عمدة الطالب ٩١ : قُتل بأحجار الزيت ، وكان ذلك مصداق تلقيبه النفس الزكية لأنه روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال : تُقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية.

وذكر سيدنا ابن طاوس في الإقبال ص ٥٣ تفصيلاً برهن فيه حسن عقيدته وانه خرج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وانه كان يعلم بقتله ويُخبر به ، ثمّ قال : كلّ ذلك يكشف عن تمسّكهم بالله والرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

هذا رأي الشيعة في النفس الزكية ، وهم مخبتون إلى ما في مقاتل الطالبيين ص ٨٥ من أنه أفضل أهل بيته ، وأكبر أهل زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له ، وفقهه في الدين وشجاعته

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٧٥ رقم ٣٩٧٧.

٢٧

وجوده وبأسه ، والإمامية حاشاهم عن قذفه بالرّدة عن الدين ، والمفتري عليهم به قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً.

وأما إبراهيم بن عبد الله قتيل باخمرى المكنّى بأبي الحسن ، فعدّه شيخ الطائفة من رجال الصّادق (١).

وقال جمال الدين بن المهنّا في العمدة ٩٥ : كان من كبار العلماء في فنونٍ كثيرة

وذكر دعبل الخزاعي شاعر الشيعة في تائيته المشهورة بمدارس آيات التي رثى بها شهداء الذرية الطاهرة بقوله :

قبور بكوفانٍ وأخرى بطيبةٍ

واخرى بفخٍّ نالها صلواتي

واخرى بأرض الجوزجان محلّها

وقبرٌ بباخمرى لدى الغربات

فلولا شهرة إبراهيم عند الشيعة بالصّلاح وحسن العقيدة ، واستيائهم بقتله ؛ وكونه مرضياً عند أئمتهم صلوات الله عليهم ، لم يرثه دعبل ولم يقرأ رثائه للإمام عليّ بن موسى سلام الله عليه.

ونحن نقول بما قال ابو الفرج في المقاتل : ١١٢ : كان إبراهيم جارياً على شاكلة أخيه محمّد في الدين والعلم والشجاعة والشدّة.

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٥٦ رقم ١٧١٧.

٢٨

وعدّه السيد الأمين العاملي من أعيان الشيعة وبسط القول في ترجمته ج ٥ ص ٣٠٨ ـ ٣٢٤.

فنسبة القول بردّته عن الدين إلى الشيعة بهتانٌ عظيمٌ.

وأما زكريّا بن محمّد الباقر فإنّه لم يولد بعدُ ، وهو من مخلوقات عالم أوهام الآلوسي ، إذ مجموع أولاد أبي جعفر محمّد الباقر عليه‌السلام الذكور ستّةٌ باتفاق الفريقين ، ولم نجد فيما وقفنا عليه من تآليف العامّة والخاصّة غيرهم ، وهم : جعفر ، عبد الله ، إبراهيم ، عليّ ، زيد ، عبيد الله (١) ، فنسبة القول بردّة زكريا إلى الشيعة باطلة بانتفاء الموضوع.

وأمّا محمّد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن فإن كان يريد حفيد الحسن الأثرم ابن الإمام المجتبى؟! فلم يذكر النسّابة فيه إلّا قولهم : انقرض عقبه سريعاً ، ولم يسمّوا له ولداً ولا حفيداً.

وإن أراد غيره؟! فلم نجد في كتب الأنساب له ذكراً حتّى تُكفّره الشيعة أو تؤمن به ، ولم نجد في الإمامية مَن يُكفّر شخصاً يسمّى بهذا الاسم حسنيّاً كان أو حسينياً.

وأما محمد بن القاسم بن الحسن فهو ابن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يُلقّب بالبطحاني (٢).

__________________

(١) كذا في «المجدي» للنسابة العمري وجملة من المصادر وفي بعضها : عبد الله. مع التعدد.

(٢) يروي بفتح الموحدة منسوباً إلى البطحاء ، وبالضم منسوباً إلى بطحان واد بالمدينة. (عمدة الطالب ٥٧).

٢٩

عدّه شيخ الطائفة في رجاله من أصحاب الصّادق سلام الله عليه (١).

وقال جمال الدين بن المهنّا في العمدة ٥٧ : كان محمّد البطحاني فقيهاً.

ولم نجد لشيعيّ كلمةٌ غمز فيه حتّى تكون شاهداً للفرية المعزوّة إلى الشيعة.

أما يحيى بن عمر فهو ابو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب سلام الله عليهم ، أحد أئمة الزيدية ، فحسبك في الإعراب عن رأي الشيعة فيه ما في عمدة الطالب لابن المهنّا ص ٢٦٣ من قوله :

خرج بالكوفة داعياً إلى الرضا من آل محمّد ، وكان من أزهد الناس ، وكان مثقل الظهر بالطالبيات يجهد نفسه في برّهنّ ـ إلى أن قال ـ : فحاربه محمّد بن عبد الله بن طاهر فقُتل وحُمل رأسه إلى سامراء ، ولمّا حُمل رأسه إلى محمّد بن عبد الله بن طاهر جلس بالكوفة ـ كذا ـ للهناء فدخل عليه أبو هاشم داود ابن القاسم الجعفري وقال : إنك لتهنأ بقتيلٍ لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّاً لعزّي فيه (٢) فخرج وهو يقول :

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٩٣ رقم ٤٢٧٥.

(٢) وذكره اليعقوبي في تاريخه ٣ ص ٢٢١.

٣٠

يا بني طاهر كلوه مريئاً

إنّ لحم النبيّ غير مريّ

إنّ وتراً يكون طالبه اللّ

 ـ ه لوترٌ بالفوت غير حري

ورثاه جمعٌ من شعراء الشيعة الفطاحل منهم : ابو العبّاس ابن الرّومي رثاه بقصيدتين إحداهما ذات ١١٠ بيتاً توجد في عمدة الطالب ص ٢٢٠ مطلعها :

أمامك فانظر أيّ نهجيك ينهج

طريقان شتّى مستقيم وأعوج

وجيميّةٌ اخرى أوّلها :

حييت ربع الصبا والخرِّد الدعجِ

الآنسات ذوات الدلِّ والغنجِ

ومنهم : ابو الحسين عليّ بن محمد الحمّاني الأفوه رثاه بشعر كثير مرّت جملةٌ منه في هذا الجزء ص ٦١ ، ٦٢ (١).

هذا صحيح رأي الشيعة في هؤلاء السّادة الأئمة ، ولم تقل الشيعة ولا تقول ولن تقول بارتداد أحد منهم عن الدين ، ولا بارتداد الحسنيين والحسينيين القائلين بإمامة زيد بن عليّ بن

__________________

(١) وإليك بعض منها كما في المقاتل : ٤٢٠ :

فإن يك يحيى أدرك الحتف يومهُ

فما مات حتّى مات وهو كريم

وما مات حتى قال طلّاب نفسه

سقى الله يحيى إنه لصميم

فتى أنست بالبائس والروع نفسه

وليس كما لاقاه وهو سئوم

 (المؤلف)

٣١

الحسين المنعقدة على الرّضا من آل محمد سلام الله عليهم ، كبرتْ كلمةً تخرج مِنْ أفواههم إنْ يَقولون إلّا كذباً.

ونحن نُسائل الرجل عن هؤلاء الذين يُدافع عن شرفهم وجلالتهم من ذا الذي قتلهم؟ واستأصل شأفتهم؟ وحبسهم في غيابه الجبّ وأعماق السّجون؟ أهم الشيعة الذين اتّهمهم بالقول بردّتهم؟ أم قومه الذين يزعم أنهم يُعظمونهم؟ هلمّ معي واقرأ صفحة التاريخ فهو نعم المجيب.

أما زيد الشهيد فعرّفناك قاتله وقاطع رأسه ص ٧٥.

وأمّا يحيى بن زيد فقتله الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة ١٢٥ ، وقاتله سلم بن أحوز الهلالي ، وجهّز إليه الجيش نصر بن سيّار ، ورماه عيسى مولى بن سليمان العنزي وسلبه (١).

والحسن بن الحسن المثنّى كتب وليد بن عبد الملك إلى عامله عثمان بن حيّان المري : انظر إلى الحسن بن الحسن فاجلده مائة ضربة ، وقِّفهُ للناس يوماً ، ولا أراني إلّا قاتله ، فلمّا وصله الكتاب بعث إليه فجيء به والخصوم بين يديه فعلّمه عليّ بن الحسين عليه‌السلام بكلمات الفرج ففرّج الله عنه وخلّوا سبيله (٢) ، فخاف الحسن

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ ، مروج الذهب ٢ ، تاريخ اليعقوبي ٣. (المؤلف)

لاحظ تاريخ الطبري ٤ / ٢٣٣ ، مروج الذهب ٤ / ٤٩. تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٣٢.

(٢) تاريخ ابن عساكر ٤ : ص ١٦٤. (المؤلف)

٣٢

سطوة بني أميّة فأخفى نفسه وبقي مختفياً إلى أن دسّ اليه السمّ سليمان بن عبد الملك وقتله سنة ٩٧ (١).

وعبد الله المحض كان المنصور يسمّيه : عبد الله المذلّة ، قتله في حبسه بالهاشميّة سنة ١٤٥ لمّا حبسه مع تسعة عشر من وُلد الحسن ثلاث سنين ، وقد غيّرت السياط لون أحدهم واسالت دمه ، وأصاب سوطٌ إحدى عينيه فسالت ، وكان يستسقي الماء فلا يُسقى ، فردم عليهم الحبس فماتوا (٢)

وفي تاريخ اليعقوبي ٣ : ص ١٠٦ : إنّهم وجدوا مسمّرين في الحيطان.

ومحمّد بن عبد الله النفس الزكية قتله حميد بن قحطبة سنة ١٤٥ ، وجاء برأسه إلى عيسى بن موسى ، وحمله إلى أبي جعفر المنصور فنصبه بالكوفة وطاف به البلاد (٣).

وأمّا إبراهيم بن عبد الله فندب المنصور عيسى بن موسى من المدينة إلى قتاله فقاتل بباخمرى حتّى قُتل سنة ١٤٥ ، وجيء برأسه إلى المنصور فوضعه بين يديه ، وأمر به فنُصب في السوق : ثمّ

__________________

(١) الزينبيات. (المؤلف)

(٢) تاريخ الطبري ٩ : ص ١٩٦ ، تذكرة سبط ابن الجوزي ص ١٢٦ ، مقاتل الطالبين ص ٧١ ، ٨٤ ط ايران. (المؤلف)

(٣) تذكرة سبط ابن الجوزي ١٢٩. (المؤلف)

٣٣

قال للربيع : أحمله إلى أبيه عبد الله في السجن. فحمله إليه (١) وقال النسّابة العمري في المجدي : ثمّ حمل ابن أبي الكرام الجعفري رأسه إلى مصر.

ويحيى بن عمر أمر به المتوكّل فضُرب درراً ، ثمّ حبسه في دار الفتح بن خاقان فمكث على ذلك ، ثمّ اطلق فمضى إلى بغداد فلم يزل بها حتّى خرج إلى الكوفة في أيّام المستعين فدعا إلى الرّضا من آل محمّد ، فوجه المستعين رجلاً يُقال له : كلكاتكين. ووجه محمد بن عبد الله بن طاهر بالحسين بن إسماعيل فاقتتلوا حتّى قُتل سنة ٢٥٠ ، وحمل رأسه إلى محمد بن عبد الله فوضع بين يديه في تُرس ودخل الناس يهنّونه ، ثمّ أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غدٍ (٢).

[الكتب الأربعة ووجوب العمل بها]

٣ ـ قال : إنّ الروافض زعموا أنّ أصحّ كتبهم أربعة : الكافي ، وفقيه من لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار ، وقالوا : إنّ العمل بما في

__________________

(١) تاريخ الطبري ٩ : ص ٢٦٠ ، تاريخ اليعقوبي ٣ : ص ١١٢ ـ ١١٤ ، تذكرة السبط ص ٢٣٠. (المؤلف)

(٢) تاريخ الطبري ١١ : ص ٨٩ ، تاريخ اليعقوبي ٣ : ص ٢٢١. (المؤلف)

٣٤

الكتب الأربعة من الأخبار واجبٌ ، وكذا بما رواه الإماميُّ ودوّنه أصحاب الأخبار منهم ، ونصّ عليه المرتضى ، وابو جعفر الطوسي ، وفخر الدين الملقّب عندهم بالمحقّق المحلّي (١) ص ٥٥.

ج ـ تعتقد الشيعة أنّ هذه الكتب الأربعة أوثق كتب الحديث ، وأمّا وجوب العمل بما فيها من الأخبار ، أو بكلّ ما رواه إمامي ودوّنه أصحاب الأخبار منهم فلم يقل به أحدٌ ؛ وعَلَم الهدى المرتضى وشيخ الطائفة ابو جعفر ونجم الدين المحقق الحلّي أبرياء ممّا قذفهم به ، وهذه كتبهم بين أيدينا لا يوجد في أيّ منها هذا البهتان العظيم ، وأهل البيت أدرى بما فيه.

ويشهد لذلك ردُّ علماء الشيعة لفريق ممّا رُوي من أحاديثهم لطعنٍ في إسناد أو مُناقشة في المتن. ويشهد لذلك تنويعهم الأخبار على أقسامٍ أربعة : الصحيح ، الحسن ، الموثّق ، الضعيف ، منذ عهد العلمين جمال الدين السيد أحمد بن طاوس الحسني ، وتلميذه آية الله العلّامة الحلّي.

وليت الرجل يقف على شروح هذه الكتب وفي مقدّمها مرآة العقول شرح الكافي للعلّامة المجلسي ، ويُشاهده كيف يحكم في كل

__________________

(١) فخر الدين لقب شيخنا محمد بن الحسن العلامة الحلي. وأما المحقق فيلقب بنجم الدين وينسب إلى الحلة الفيحاء لا المحل. (المؤلف)

٣٥

سندٍ بما يؤدّي إليه اجتهاده من أقسام الحديث ، أو كان يُراجع الجزء الثالث من المستدرك للعلم الحجة النوري حتّى يُرشده إلي الحقِّ ، ويُعلمه الصواب ، وينهاه عن التقوّل على امةٍ كبيرةٍ ـ الشيعة ـ بلا علم وبصيرةٍ في أمرها.

ثمَّ زيّف الكتب الأربعة المذكورة بما فيها من الآحاد ، واشتمال بعض أسانيدها برجال قذفهم بأشياء هم بُرآء منها ، وآخرين لا يقدح انحرافهم المذهبي في ثقتهم في الرّواية ، وأحاديث هؤلاء من النوع الذي تُسمّيه الشيعة بالموثّق ، وهناك أناس يُرمون بالضعف لكن خصوص رواياتهم تلك مكتنفة بأمارات الصّحة ، وعلى هذا عمل المحدّثين من أهل السنّة والشيعة في مدوّناتهم الحديثية ، فالرجل جاهلٌ بدراية الحديث وفنونه ، أو راقه أن يتجاهل حتّى يتحامل بالوقعية ، ولو راجع مقدّمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر ، وشرحه للقسطلاني ، وشرحه للعيني ، وشرح مسلم للنوري وأمثالها لوجد فيها ما يشفي غلّته ، وكفّ عن نشر الأباطيل مدّته (١).

[المفيد وتجويزه الكذب لنصرة المذهب]

٤ ـ قال : يروي ـ الطوسي ـ عن ابن المعلّم وهو

__________________

(١) المدة : غمس القلم في الدواة مرة للكتابة.

٣٦

يروي عن ابن مابويه الكذوب صاحب الرقعة المزوّرة ، ويروي عن المرتضى أيضاً. وقد طلبا العلم معاً وقرءا على شيخهما محمّد بن النعمان ، وهو أكذب من مسيلمة الكذّاب ، وقد جوّز الكذب لنصرة المذهب ، ص ٥٧.

ج ـ إنّ صاحب التوقيع الذي حسبه الرجل رقعةً مزوّرة هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ـ بالباءين الموحّدتين لا المصدرة بالميم ـ وهو الصدوق الأول توفي ٣٢٩ قبل مولد الشيخ المفيد ابن المعلّم بسبع أو تسع سنين ، فإنّه ولد سنة ٣٣٦ / ٨ [٣٣] فليس من الممكن روايته عنه ، نعم له رواية عن ولده الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي وليس هو صاحب التوقيع.

وليتني علمت مَن ذا الذي أخبر الآلوسي بأنّ شيخ الأمّة المفيد ـ المدفون في رواق الإمامين الجوادين صاحب القبّة والمقام المكين ـ أكذب من مسيلمة الكذّاب الكافر بالله؟!

ما أجرأه على هذه القارصة الموبقة؟! وكيف أحفّه (١) وهذا اليافعي يعرّفه في مرآته ج ٣ ص ٢٨ بقوله : كان عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلّم أيضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان يُناظر أهل كلِّ

__________________

(١) أحف الرجل : ذكره بالقبيح.

٣٧

عقيدةٍ مع الجلالة. والعظمة في الدّولة البويهية.

وقال ابن ابي طيّ : كان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس.

وقول ابن كثير في تأريخه ١٢ ص ١٥ : كان مجلسه يحضره كثيرٌ من العلماء من سائر الطوائف ، ينمّ أنه شيخ الأمّة الإسلامية لا الإمامية فحسب ، فيجب إكباره على أيّ معتنق بالدين.

أهكذا أدب العلم والدين؟ أفي الشريعة والأخلاق مساغٌ للنيل من أعراض العلماء والوقعية فيهم والتحامل عليهم بمثل هذه القارصة؟ أفي ناموس الإسلام ما يُستباح به أن يُحطّ بمسلم إلى حضيض يكون أخفض من الكافر مهما شجر الخلاف واحتدم البغضاء؟! فضلاً عن مثل الشيخ المفيد الذي هو من عمد الدين وأعلامه ، ومن دعاة الحقّ وأنصاره ، وهو الذي أسّس مجد العراق العلميّ ، وأيقظ شعور أهليها وما ذا عليه غير أنّه عرف المعروف الذي أنكره الآلوسي ، وتسنّم ذروة من العلم والعمل التي تقاعس عنها المتهجّم.

وليته أشار إلى المصدر الذي أخذ عنه نسبة تجويز الكذب لنصرة المذهب إلى الشيخ المفيد من كتبه أو كتب غيره ، أو إسناد متصل إليه ، أمّا مؤلّفاته فكلّها خاليةٌ عن هذه الشائنة ، ولا نسبها إليه أحدٌ من علمائنا ، وأمّا الإسناد فلا تجد أحداً أسنده إليه متّصلاً

٣٨

كان أو مرسلاً ، فالنسبة غير صحيحة ، وتعكير الصفو بالنسب المفتعلة ليس من شأن المسلم الأمي فضلاً عن مدّعي العلم.

تعبّد الإماميّة بالرقاع الصادرة من المهدي المنتظر

٥ ـ قال تحت عنوان تعبّد الإمامية بالرقاع الصادرة من المهدي المنتظر : نعم إنّهم أخذوا غالب مذهبهم كما اعترفوا من الرقاع المزوّرة التي لا يشكّ عاقلٌ في إنّها افتراء على الله ، والعجب من الروافض انّهم سمّوا صاحب الرّقاع بالصّدوق وهو الكذوب ، بل : إنّه عن الدين المبين بمعزل.

كان يزعم أنّه يكتب مسألة في رقعةٍ فيضعها في ثُقب شجرة ليلاً فيكتب الجواب عنها المهديّ صاحب الزمان بزعمهم ، فهذه الرّقاع عند الرافضة من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم ، فتبّاً ...

واعلم أنّ الرُّقاع كثيرة منها : رقعة عليِّ بن الحسين بن موسى بن مابويه القمّي ، فإنّه كان يُظهر رقعةً بخطّ الصاحب في جواب سؤاله ، ويزعم أنّه كاتب ابا القاسم بن أبي الحسين بن روح أحد السفرة على يد عليِّ بن جعفر بن الأسود أن

٣٩

يوصل له رقعته إلى الصاحب ـ أي المهديّ ـ وأرسل إليه رقعةً زعم أنّها جواب صاحب الأمر له.

ومنها : رقاع محمّد بن عبد الله بن جعفر بن حسين بن جامع بن مالك الحريري ابو جعفر القمّي ، كاتب صاحب الأمر سأله مسائل في الشريعة قال : قال لنا أحمد بن الحسين : وقفت على هذه المسائل من أصلها والتوقيعات بين السطور ، ذكر تلك الأجوبة محمد بن الحسن الطوسي في كتابه الغيبة وكتاب الاحتجاج.

والتوقيعات خطوط الأئمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة ، وقد رجّحوا التوقيع على المرويِّ بإسناد صحيح لدى التعارض ، قال ابن مابويه في الفقه بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدّسة في باب الرّجل يوصي إلى الرجلين : هذا التوقيع عندي بخطّ أبي محمد ابن الحسن بن عليّ.

وفي الكافي للكليني روايةٌ بخلاف ذلك التوقيع عن الصّادق ، ثمّ قال : لا أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي من خطّ الحسن بن علي.

ومنها : رقاع أبي العبّاس جعفر بن عبد الله بن

٤٠