الشّفاعة في الكتاب والسنّة

الشيخ جعفر السبحاني

الشّفاعة في الكتاب والسنّة

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٠

وجلّ : ارفع رأسك واشفع تشفّع وسل تعط وذلك قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)» (١).

١٠١ ـ عن عيسى بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «انّ أُناساً من بني هاشم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكنّي وُعدت الشفاعة ثمّ قال : والله أشهد أنّه قد وعدها فما ظنّكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثراً عليكم غيركم ، ثمّ قال : إنّ الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون : إلى من؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة ، فقال : هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون إلى من؟ فيقال : إلى إبراهيم ...» الخ (٢).

١٠٢ ـ عن سماعة عن أبي إبراهيم في قول الله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) قال : «يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين عاماً ويؤمر الشمس فيركب على رءوس العباد ويلجمهم العرق ، ويؤمر الأرض لا تقبل من عرقهم شيئاً ، فيأتون آدم فيتشفعون منه فيدلهم على نوح ، ويدلهم نوح على إبراهيم ويدلهم إبراهيم على موسى

__________________

(١) بحار الأنوار : ٨ / ٣٥ ـ ٣٦ نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم : ٣٨٧. الذنب الذي ورد في الحديث بمعنى ما يتبع الإنسان لا بمعنى المعصية ، وعلى كل حال فحسنات الأبرار سيئات المقرّبين.

(٢) بحار الأنوار : ٨ / ٤٧ ـ ٤٨ وذيل الحديث موافق لما تقدمه ولأجل ذلك تركناه.

١٠١

ويدلهم موسى على عيسى ويدلهم عيسى فيقول : عليكم بمحمد خاتم البشر ، فيقول محمد : أنا لها ، فينطلق حتى يأتي باب الجنة فيدقّ فيقال له : من هذا ـ والله أعلم ـ فيقول : محمد! فيقال : افتحوا له ، فإذا فتح الباب استقبل ربه فيخر ساجداً فلا يرفع رأسه حتى يقال له : تكلّم وسل تعط واشفع تشفّع ، فيرفع رأسه فيستقبل ربّه فيخر ساجداً فيقال له مثلها فيرفع رأسه حتى أنّه ليشفع من قد احترق بالنار ، فما أحد من الناس يوم القيامة في جميع الأُمم أوجه من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قول الله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)» (١).

١٠٣ ـ قال موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام : «لمّا حضر أبي (جعفر بن محمد) الوفاة قال لي : يا بني انّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة» (٢).

١٠٤ ـ قال موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا تستخفوا بفقراء شيعة علي فإنّ الرجل منهم ليشفع بعدد ربيعة ومضر» (٣).

١٠٥ ـ قال موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام : «شيعتنا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويحجّون البيت الحرام ويصومون شهر رمضان ويوالون أهل البيت ويتبرءون من أعدائهم ، وانّ أحدهم ليشفع في مثل

__________________

(١) بحار الأنوار : ٨ / ٤٨ ـ ٤٩ نقلاً عن تفسير العياشي ، والمراد من «استقبل ربه» : استقبل رضوانه أو باب رحمته أو ما يناسب ذلك كما ورد في الحديث المروي عن الإمام الصادق.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، والتهذيب ٩ / ١٠٧ وبهذا المضمون في من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٣٣ ، ونقله الشيخ في التهذيب : ٩ / ١٠٦ عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٣) بحار الأنوار : ٨ / ٥٩ ، وبهذا المضمون في أمالي الشيخ الطوسي : ص ٦٣ ، وبشارة المصطفى : ٥٥.

١٠٢

ربيعة ومضر فيشفّعه الله فيهم لكرامته على الله عزوجل» (١).

١٠٦ ـ قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ناقلاً عن علي عليه‌السلام : «من كذّب بشفاعة رسول الله لم تنله» (٢).

١٠٧ ـ قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام : «مذنبوا أهل التوحيد لا يخلّدون في النار ويخرجون منها والشفاعة جائزة لهم» (٣).

١٠٨ ـ قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ناقلاً عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريّتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي في أُمورهم عند ما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه» (٤).

١٠٩ ـ قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، ناقلاً عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله شفاعتي ثمّ قال عليه‌السلام : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل ، قال الحسين بن خالد : فقلت للرضا عليه‌السلام : يا بن رسول الله فما معنى قول الله عزوجل : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)؟ قال : لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه» (٥).

١١٠ ـ قال علي بن محمد الهادي عليهما‌السلام كما في الزيارة الجامعة : «ولكم المودّة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود ، والمقام

__________________

(١) صفات الشيعة للشيخ الصدوق : ١٦٤ ، الحديث الخامس.

(٢) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٦٦.

(٣) عيون أخبار الرضا : ٢ / ١٢٥.

(٤) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٢٤ ، وباختصار يسير في بشارة المصطفى : ١٤٠.

(٥) أمالي الصدوق : ٥.

١٠٣

المعلوم عند الله عزوجل والجاه العظيم ، والشأن الكبير والشفاعة المقبولة» (١).

١١١ ـ قال الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام ناقلاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في ضمن حديث : «لا يزال المؤمن يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه» (٢).

١١٢ ـ قال الحجة بن الحسن عليهما‌السلام في الصلوات المنقولة عنه : «اللهمّ صلّ على سيد المرسلين وخاتم النبيين وحجة ربّ العالمين ، المرتجى للشفاعة» (٣).

هذه هي الأحاديث الواردة عن طرق الشيعة الإمامية وأنت إذا أضفتها إلى ما رواه أصحاب الصحاح والمسانيد ، يتجلّى لك موقف الشفاعة في الشريعة الإسلامية من القطعية كما يتجلّى لك معناها إلى غير ذلك من الخصوصيات التي مرّ بيان الخلاف فيها.

ثمّ بقيت في المقام روايات مبعثرة في الكتب والصحاح والمسانيد ، يستلزم جمعها إفراد رسالة في المقام ولأجل ذلك اكتفينا بما ذكرناه.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق : ٢ / ٦١٦.

(٢) بحار الأنوار : ٨ / ٤٤.

(٣) مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي : ٢٨٤.

١٠٤

خاتمة المطاف :

بحث وتمحيص

حول الروايات الواردة في الشفاعة

قد وقفت على النصوص والروايات التي نقلناها من الصحاح والمسانيد لأهل السنّة والمجاميع الحديثية للشيعة الإمامية والواجب هنا هو الوقوف على مضمون هذه الروايات على وجه الاختصار وإليك ما تدل عليه تلك المأثورات :

١ ـ يستفاد من الروايات المختلفة أنّ الشفاعة من ضروريات التشيع وأنّ أئمة أهل البيت يجاهرون بذلك ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية : ٨٦ ، ١٠٦ ، ١٠٩.

٢ ـ إنّ الدقة فيما مرّ من الروايات المتواترة يقضي ببطلان ما ذهب إليه المعتزلة في معنى الشفاعة ، وأنّ الحقّ في الشفاعة هو ما عليه جمهور المسلمين من أنّه عبارة عن غفران الذنوب الكبيرة ببركة شفاعة الشفيع ودعائه ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية : ١ ، ٧ ، ١٥ ،

١٠٥

١٦ ، ٥٥ ، ٥٨ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٨٥ ، ١٠٩ وغيرها من الروايات.

٣ ـ إنّ الشفاعة كما تحفظ من دخول النار توجب خروج المذنب من النار بعد الدخول فيها ، فلاحظ الأرقام التالية : ٢٦ ، ٥٠ ، ٥٧ ، ١٠٧ وغيرها.

٤ ـ إنّ شفاعة الشافعين مشروطة بوجود مؤهلات في المشفوع لهم وقد جاء شروطها في الروايات. منها : أن لا يكون مشركاً ، ومنها : أن يكون مسلماً ، ومنها : أن يكون مؤمناً ، ومنها : أن يكون محبّاً لأهل البيت لا ناصباً لهم العداء ، ومنها : أن لا يكون مستخفاً للصلاة ، نعم من كان مؤدياً للأمانة ، حسن الخلق وقريباً من الناس يشفع قبل كل أحد ، فلاحظ في ذلك كلّه الأرقام التالية : ٢ ، ٣ ، ٦ ، ٩ ، ١١ ، ١٧ ، ٢٤ ، ٩١ ، ٩٢ ، ١٠٣.

٥ ـ إنّ القران وإنّ أجمل مسألة الشفيع ولم يصرّح في ذلك إلّا في مورد أو موردين ، غير أنّ الأحاديث أعطت صورة مفصّلة عن الشفعاء وإليك أسماءهم مع الإشارة إلى الأحاديث الدالّة عليها.

أ ـ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية : ٤ ، ٥ ، ٧ ، ٨ ، ١٠ ، ١٤ ، ٥٦ ، ٦٩ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٦ ، ١٠٠ ، ١٠١.

ب ـ الملائكة من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ١٨ ، ٢١ ، ٢٢.

ج ـ الأنبياء من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢.

د ـ أهل البيت من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ٥١ ، ٥٦.

١٠٦

ه ـ علي من الشفعاء ، فلاحظ الرقم التالي : ٦١.

و ـ فاطمة من الشفعاء ، فلاحظ : ٦٠ ، ٨٢.

ز ـ العلماء من الشفعاء ، فلاحظ : ٢٠ ، ٦٢ ، ٩٥.

ح ـ الشهداء من الشفعاء ، فلاحظ : ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٨ ، ٦٢.

ط ـ القران من الشفعاء ، فلاحظ : ٤٣ ، ٤٤ ، ٥٦ ، ٦٤.

ى ـ متعلّم القران والعامل به من الشفعاء ، فلاحظ : ٢٩.

ك ـ المؤمن من الشفعاء ، فلاحظ : ٧٧ ، ٧٨ ، ٨٨ ، ٩١ ، ٩٣ ، ١٠٥ ، ١١١.

ل ـ من بلغ التسعين يشفع ، لاحظ : ٣٠.

م ـ من كان حافظاً للرحم مؤدياً للأمانة يشفع ، لاحظ : ٥٦.

ما ذكرناه عصارة هذه الروايات والوقوف على الجزئيات يتوقف على ملاحظتها واحدة بعد الأُخرى.

والحمد لله ربّ العالمين

جعفر السبحاني

١٠٧

فهرس الموضوعات

(١)

موقف علماء الإسلام من الشفاعة

اتفاق علماء الإسلام على انّ الشفاعة من صميم الدين............................... ٧

نقل عشرين كلمة من أكابر العلماء................................................. ٧

(٢)

الشفاعة في القران الكريم

الآيات المتعلقة بالشفاعة على أصناف............................................. ١٦

الصنف الأوّل ما ينفي الشفاعة................................................... ١٧

الصنف الثاني ما يفند عقيدة اليهود في الشفاعة..................................... ١٨

الصنف الثالث ينفي شمول الشفاعة للكفار........................................ ١٨

الصنف الرابع ينفي صلاحية الأصنام للشفاعة...................................... ١٩

الصنف الخامس يخصّ الشفاعة به سبحانه......................................... ٢٠

الصنف السادس يثبت الشفاعة لغيره سبحانه بشروط............................... ٢٢

الصنف السابع يسمّي من تقبل شفاعته........................................... ٢٥

الشفاعات المرفوضة............................................................. ٢٦

الشفاعات المقبولة.............................................................. ٢٧

١٠٨

(٣)

حقيقة الشفاعة

الشفاعة التكوينية.............................................................. ٢٩

الشفاعة القيادية................................................................ ٣١

الشفاعة المصطلحة............................................................. ٣٣

(٤)

مبررات الشفاعة

مبررات الشفاعة عبارة عن :

أ ـ ابتلاء الناس بالذنب والتقصير................................................. ٣٦

ب ـ سعة رحمته لكل شيء....................................................... ٣٧

ج ـ الأصل هو السلامة......................................................... ٣٩

د ـ الآثار البنّاءة والتربويّة للشفاعة................................................. ٤٠

ه ـ الأمر بيده سبحانه أولاً وآخراً................................................. ٤٣

(٥)

اثر الشفاعة

اثر الشفاعة عند أهل السنة والشيعة الإمامية هو إسقاط العقاب...................... ٤٥

نقل كلماتٍ من أكابر العلماء في ذلك المضمار..................................... ٤٦

اثر الشفاعة عند المعتزلة هو ترفيع الدرجة ونقده..................................... ٤٧

(٦)

طلب الشفاعة من المأذونين بالشفاعة

طلب الشفاعة عبارة عن طلب الدعاء............................................. ٥٠

تصريح الإمام الرازي ونظام الدين النيسابوري بذلك................................. ٥١

السلف الصالح وطلب الشفاعة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.................................... ٥٣

نقول من كتب الحديث والتاريخ في المقام........................................... ٥٣

١٠٩

(٧)

أسئلة حول طلب الشفاعة

السؤال الأوّل : الشفيع ميّت كيف يطلب منه الدعاء................................ ٥٨

النبي الأكرم حي يرزق........................................................... ٥٩

السؤال الثاني : الشفيع ميّت وهو لا يسمع........................................ ٦١

إنّ المسئول ليس هو الجسد بل الروح.............................................. ٦١

وجود الصلة بين الحياة الدنيوية والبرزخية........................................... ٦٢

السنّة لا تتفق مع عدم السماع................................................... ٦٣

الصحابي الجليل عثمان بن حنيف وطلب الشفاعة من النبي بعد رحيله................. ٦٦

تفسير قوله سبحانه : «فإنّك لا تسمع الموتى»..................................... ٦٧

تفسير قوله سبحانه : «وما أنت بمسمع من في القبور».............................. ٦٨

تحقيق رائع حول الآيتين......................................................... ٦٩

السؤال الثالث : الشفاعة فعل الله................................................ ٧١

ما هو المسئول عن النبي ليس فعل الله المختص به................................... ٧١

السؤال الرابع : طلب الشفاعة يشبه عمل المشركين.................................. ٧٣

المقياس هو باطن العمل لا ظاهره................................................. ٧٤

السؤال الخامس : إنّ طلب الشفاعة دعاء الغير وهو عبادة........................... ٧٥

ليس كل دعاء عبادة وإنّما الدعاء الخاص عبادة..................................... ٧٦

(٨)

الشفاعة في الأحاديث الإسلامية

أحاديث الشفاعة عند أهل السنّة وهي خمسون حديثاً............................... ٨٠

أحاديث الشفاعة عند الشيعة الإمامية وهي اثنان وستون حديثاً....................... ٩٠

خاتمة المطاف : بحث وتمحيص حول الروايات الواردة في الشفاعة.................... ١٠٥

فهرس الموضوعات............................................................. ١٠٨

١١٠