النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

ميثم بن علي بن ميثم البحراني

النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

المؤلف:

ميثم بن علي بن ميثم البحراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٤

الشهادة فضلا عن الإمامة ويدعو مع ذلك إلى طاعة الله ، ويحرص على بعض أوامر الله ، ويؤيده ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «إنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاسق» (١).

وعن الثالثة : لا نسلّم أنّ أبا بكر بقي معظّما مطلقا ، وبيانه من وجهين :

أحدهما : أنّ لفظ «رضي» لفظ فعل ماض ، ومع ذلك فهو مقيد بوقت البيعة في الشجرة ، والمقيّد بوقت يحتاج في استيعابه في باقي الأوقات إلى دليل.

الثاني : أنّ الرضا أعمّ من الرضا عنه في أفعاله وأحواله ومن الرضا في بعضها ، والمشترك لا يدلّ على إحدى الخصوصيتين ، فلم لا يجوز أن يحمل رضاه عنه هاهنا على الرضا عنه من جهة تصديقه بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومبايعته له فقط ، وهذا لا ينافي أن يكون غاصبا للخلافة من أهلها. وبأنّه يجوز أن يرضى عن المؤمن من جهة إيمانه ويسخط عليه من جهة فسقه.

وعن الرابعة : أنّ مخاطبة الصحابة أبا بكر بالخلافة كمخاطبتهم لمعاوية ، بل كمخاطبة بني مروان بها ، وسكوت علي لا يدلّ على الرضا ، فإنّ من لزم التقية في وقت عدم تمكّن أبي بكر في طلب هذا الأمر العظيم فلئن يلزم السكوت عن إطلاق لفظ بعد امتداد يد أبي بكر أولى.

وأمّا كون الصحابة صادقين فلا نسلّم أنّ الفقراء الموصوفين بالصفات المذكورة كانوا هم المخاطبين لأبي بكر بالخلافة ، بل كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكونوا هم أصحاب علي عليه‌السلام ومن أنكر إمامة أبي بكر.

سلّمناه ، لكنّ الصادق أعمّ من الصادق في كلّ أحواله أو في بعضها ، فلم قلتم أنّ المراد أنّهم صادقون في كلّ أقوالهم ، وحتّى لا يجوز أن يكذبوا ومعلوم أنّ

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ٢ : ٣٠٩.

١٨١

الكذب جائز بالاتّفاق على آحادهم ، وإذا جاز ذلك كانت مخاطبتهم له بالخلافة كذبا.

وعن الخامسة : لا نسلّم صحّة الخبر ، سلّمناه لكنّه خبر واحد لا يجوز العمل به ، سلّمناه لكنّ الاقتداء أعمّ من الاقتداء في كلّ الامور أو في بعضها ، ولم لا يجوز أن يحمل الاقتداء بها على الاقتداء في المشاورات في امور الدنيا ، أو في أمر جزئي ، سلّمناه لكنّ الأمر لا يقتضي التكرار فلم لا يجوز الاقتداء بهما في وقت ما فلا يتعيّن أن يكون في خلافتهما ، سلّمناه لكنّ الأمر ورد بالاقتداء بهما معا وظاهره يقتضي أن يقتدى بهما حالة اجتماعهما على الفتوى أو على الأمر المقتدى فيه بهما ، وهما حال الاجتماع لا يكونان إمامين ، فإنّ الإمام يشترط أن لا يكون معه غيره ، بل يشترط أن لا يكون معه في الحكم غيره.

وعن السادسة : لا نسلّم صحّة هذا الخبر ، سلّمناه ، لكنّه خبر واحد فلا يعتمد عليه ، سلّمناه لكنّه معارض بما أنّ خلافة الحسن والحسين عليهما‌السلام كانت عندكم بعد أبيهما ، فعلى تقدير صحّة هذا الخبر لا يكون خلافتهما صحيحة ، لأنّ مفهومه أنّ هذه الرئاسة لا تسمّى خلافة إلّا في مدّة ثلاثين سنة فأمّا بعدها فتكون ملكا.

فإن قلت : المراد بالخلافة التي يكون المسلمون متمكّنون فيها من إجراء الشريعة على وجهها.

قلت : الخلافة أعمّ من الإمامة ، فلم لا يجوز أن يكون المراد خلافة المسلمين بعدي التي يتمكّنون فيها من إظهار الحقّ ثلاثون سنة ، وحينئذ لا يكون في الخبر دلالة على صحة الإمامة ولا على فسادها.

وعن السابعة : لا نسلّم أنّه الأفضل ، وأمّا الخبر فممنوع الصحة ، وأيضا

١٨٢

فهو معارض بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «علي خير البشر فمن أبى فقد كفر» (١) وأيضا لو صحّ هذا الخبر لكان مكذّبا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله «ولّيتكم ولست بخيركم» (٢) وذلك يستلزم سقوطه عن درجة الاعتبار في الإمامة.

وعن الثامنة : فلا نسلّم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استخلفه في الصلاة ، فإنّ الذي صحّ وثبت أنّ عائشة قالت : مروا أبا بكر يصلّي بالناس (٣) وكان الأمر بذلك من جهتها في ظاهر الحال ، والخصم يقول : إنّما أمر بذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم تثبت لهم هذه الدعوى بحجّة.

ويدلّ على اختصاص ذلك الأمر بعائشة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند إفاقته من عشيّته وقد سمع صوت أبي بكر في المحراب «إنّكنّ لصويحبات يوسف» (٤) ومبادرته معجّلا معتمدا على أمير المؤمنين عليه‌السلام والفضل بن العباس رحمه‌الله ورجلاه يخطّان في الأرض من الضعف ، حتّى نحّى أبا بكر عن المحراب ، ولو كان صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي أمر بالصلاة لما رجع باللوم على أزواجه في ذلك ولا بادر في تلك الحال الصعبة حتّى صرفه عن الصلاة.

سلّمناه ، لكنّ أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقتضي شيئا آخر ، بل لا يقتضي مرّة اخرى ، لأنّ الأمر لا يقتضي التكرار. وأيضا فمثل هذا الأمر لا يستدعي العزل لأنّ العرب لا تحتاج إليه لو ثبت أن الاستخلاف دائما ، والخصم يعترف بأنّه لم يولّه

__________________

(١) مرّت مصادره قبل هذا.

(٢) انظر سيرة ابن هشام ٤ : ٣١١ ، وعنه في الطبري ٣ : ٢١٠ ، وفي الإمامة والسياسة ١ : ١٦ ، وشرح النهج للمعتزلي ١ ، ١٣٤ ، وتأريخ الخلفاء : ٨٢ طبعة بيروت.

(٣) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ٦ : ٤٤.

(٤) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ٩ : ١٩٧.

١٨٣

دائما.

وعن التاسعة : أنّا بيّنا أنّ الطريق إلى إثبات الإمامة هو النصّ ، وأمّا الاختيار فهو ساقط عن درجة الاعتبار.

وعن العاشرة : إنّما ترك بسبب خذلان أكثر الامّة وجمهورهم له ، قوله : يلزم أن يكونوا شرّ أمّة اخرجت للناس قلنا لا نسلّم كونهم بأسرهم كذلك بل بعضهم ، وهم الدافعون لهذا الحقّ عن أهله ، والمقصّرون عن نصرته ، وكون البعض أشرارا لا ينافي (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لأنّ هذا الخطاب إمّا مع كلّ الامّة بحيث لا يخرج منها واحد ، وهذا باطل بالاتّفاق لأنّ فيهم كثيرا من الأشرار ، فيبقى أن يحمل على الاختيار من الامّة ، وحينئذ يصير التقدير : لو كان هذا الحقّ مدفوعا عن أهله لكان الدافع له شرّ أمّة اخرجت للناس ، والدافع له بعض الصحابة.

قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لأنّه خاصّ ببعضهم أيضا ، والجزئيّتان لا يتناقضان. سلّمناه لكن لفظة «كنتم» تدلّ على أنّهم كانوا في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك ، أمّا بعده فلا نسلّم ، لأنّ ذلك يدلّ على الزمان الماضي. وقوله (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) لا نسلّم لأنّه للاستقبال بل بحال الماضي ، والله الموفّق.

١٨٤

البحث الثاني

في مطاعن الخوارج وغيرهم في علي عليه‌السلام

هؤلاء ذكروا مطاعن في علي عليه‌السلام وتوسّلوا بذلك إلى خروجه عن أهلية الإمامة ، وتلك المطاعن من وجوه عشرة :

الأوّل : أنّه حكّم الرجال في دين الله تعالى ، فلو لم يكن شاكّا في إمامة نفسه لما حكّم.

الثاني : أنّه رضي بتحكيم عمرو بن العاص «لعنه الله تعالى» مع فسقه وحكّم أبا موسى الأشعري وكان يثبط أهل الكوفة عنه.

الثالث : أنّ قتلة عثمان كانوا في جنده وقد قام جماعة منهم فقالوا : «نحن قتلنا عثمان» فلم يقتصّ منهم.

الرابع : أنّه شهد وحده لفاطمة عليها‌السلام على فدك ، ولم يعلم أنّ شهادة الواحد لا تقبل ، وأنّ شهادة الزوج لزوجته لا تقبل.

الخامس : أنّه ما يعرف تدبير الحروب ، وكان لا يستقيم له رأي ، ولذلك لم ينتظم له أمر في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا بعد وفاته.

السادس : أنّ ابن عباس أشار عليه أن يولّي معاوية مدّة ثمّ يستدرجه ويعزله فلم يفعل حتّى كان منه ما كان.

١٨٥

السابع : أنّه ردّ على عمر سهم ذي القربى وكان العباس أشار عليه بغير ذلك.

الثامن : أنّه كان يستبدّ برأيه وتارك المشورة ، وتارك المشورة مخط بإجماع العقلاء.

التاسع : أنّه اضطرب عليه عسكره لسوء تدبيره حتّى قال أهل الشام : عليّ رجل شجاع غير أنّه لا بصيرة له في الحرب (١).

العاشر : أنّه أشار عليه الصحابة بالمقام بالمدينة فلم يفعل ، وقد أقام بها من كان قبله. وكانوا يبعثون بالجيوش ، وقد كان هو يشير عليهم بمثل ذلك ، فإنّه أشار على عمر لمّا استشاره في الخروج إلى بعض الغزوات فقال له : «إنّك إن تخرج بنفسك إلى العدوّ فلا يكون للمسلمين كانفة يأوون إليها» إلى آخر الكلام كما هو مذكور في (نهج البلاغة) (٢).

والجواب عن الأوّل : أمّا المراد بقوله إنّه حكّم الرجال ، إن عنيتم به أنّه لا يجوز أن يردّ أمر ديننا إلى حكم رجل يحكم فيه برأيه من غير مراجعة كتاب الله أو بسنّة رسوله ، فذلك ممنوع ، بل هو جائز ، والتحكيم في هذا الأمر كالتحكيم في الزوجين ، وقد أشار عليه‌السلام إلى هذا فقال : «ما حكّمنا الرجال وإنّما حكّمنا كتاب الله ، وإنّه خطّ مسطور بين لوحين لا ينطق حتّى يتكلّم به

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٧ ، المقطع ١٥ : حتّى لقد قالت قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب. والمصادر في المعجم المفهرس : ١٣٧٩ ، طبعة قم.

(٢) إنّك متى تسير إلى هذا العدوّ بنفسك فتلقهم فتنكبّ لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٣٤ ، المقطع ٢ ، والأموال لأبي عبيد : ٢٥٢ ، والفتوح لابن الأعثم ٢ : ١٦٥ ، وشرح النهج للبحراني ـ المؤلف ٣ : ١٦٢.

١٨٦

الرجال» (١) وقوله : إنّ ذلك يقتضي أن يكون شاكّا في إمامته.

قلنا : هذا باطل ، لأنّه في أوّل أمره لم يرض بالتحكيم بل منع منه : «أنّها مكيدة من ابن النابغة» (٢). فلم يطيعوه ، ويسلّمونه (٣) إلى التحكيم فأجاب إليه للاضطرار إليه.

وعن الثاني : أنّه عليه‌السلام لم يحكّم عمرو بن العاص وإنّما حكّمه خصمه ، وقد أجاب ابن العباس رضى الله عنه عن ذلك فقال : «أرأيتم لو كانت امرأة المسلم يهودية ووقع الخلاف بينهما فبعثت يهوديا حكما أما كان يرضى به المسلم؟» (٤) وأمّا أبو موسى الأشعري فلم يرضه عليه‌السلام ، ولمّا قالوا أنّه صاحب رسول الله وإنّه كذا وكذا قال عليه‌السلام : إنّ هذا الأمر لا يؤتى من زهد ولا ورع ، وإنّما يدفع إلى داهية العرب (٥) واختار هو عليه‌السلام ابن العباس رضى الله عنه فلم يطيعوه ولم يشعر عليه‌السلام في ذلك الوقت أنّه كان يثبّط الناس عنه (٦).

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٥ : إنّا لم نحكّم الرجال وإنّما حكّمنا القرآن ، وإنّ هذا القرآن إنّما هو خطّ مستور بين الدفّتين لا ينطق بلسان ، ولا بدّ له من ترجمان ، وإنّما ينطق عنه الرجال. والمصادر في المعجم المفهرس : ١٣٨٧.

(٢) أنّها من مشورة ابن النابغة ـ وقعة صفّين : ٤٩١ من كلام الأشتر ، وعن علي عليه‌السلام : لكنّها الخديعة والمكيدة : ٤٨٩ طبعة هارون.

(٣) في النسختين : فسلم ليطيعوه ويسلموه. غلطا.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) لم نجده في مظانه في التأريخ.

(٦) في النسختين : أنّه إنّما. وإنّما زائدة. بل الجملة زائدة في غير محلّها ؛ فإنّه عليه‌السلام كان قد علم بأنّ الأشعري كان يثبط الناس عنه في الكوفة ، ولذلك أرسل إليه ابنه الحسن عليه‌السلام مع صاحبه عمّار بن ياسر ومعهم كتاب منه إلى أهل الكوفة يدعوهم إلى نصرته في البصرة ثمّ عزل الأشعري عن الكوفة. انظر شرح النهج للمعتزلي.

١٨٧

وعن الثالث : أنّ قتلة عثمان كانوا في شوكة ويحتاج في إجراء حكم الله عليهم إلى معونة ، وقد شغله من ذلك طلحة والزبير ومعاوية ، وقد أجاب عليه‌السلام معاوية عن هذا فقال : «ادخل فيما دخل الناس فيه ثمّ حاكم القوم إليّ أحملكم على كتاب الله تعالى» (١). وكيفية إقامة حكم الله تعالى عليهم ما أشار إليه عليه‌السلام وهو أن يمهل ويعاون (٢) ولا يشغل عنهم ويدعى أولياء الدمّ عند الإمام ، ويعينوا القتلة حتّى يتمكّن من إقامة القصاص عليهم.

وربما يقال : إنّ عليا عليه‌السلام هو الذي قتل عثمان! وهذا من بهت معاوية وأمثاله وافترائهم عليه ، وقد أجاب عليه‌السلام عن هذا فقال مخاطبا لمعاوية : «إنّك إن أنصفتني وجدتني أبرأ قريش من دم عثمان» (٣).

وعن الرابع : أنّ الشكّ في علم علي عليه‌السلام بما هو واضح مشهور بين الصحابة من أعجب العجائب ، أمّا شهادته وحده فلا يمكن الخصم أن يجزم بأنّه كان عالما بأنّه لا شاهد إلّا هو ، فإنّه قد روي أنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا شاهدين بذلك أيضا (٤).

سلّمناه ، لكن يحتمل أن يكون عليه‌السلام قد جوّز أنّ غيره سمع ما سمع وأدّى ما كان عليه ، مع تجويز أن يظهر غيره فيشهد بمثل شهادته.

__________________

(١) نهج البلاغة : الكتاب ٦٤ ، المقطع ١٠ ، والإمامة والسياسة ١ : ٧٠.

(٢) هاتان الكلمتان في نسخة (عا) : يمهد ويبادر ، والاولى في (ضا) كما أثبتناه : يمهل ، والثانية غير واضحة والأقرب والأنسب ما أثبتناه : يعاون.

(٣) لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان ـ نهج البلاغة ، الكتاب ٦ ، المقطع ٤ ، ووقعة صفّين : ٢٩ ، وعنه في الطبري ٥ : ٢٣٥ ، طبعة اوربا وسائر المصادر في المعجم المفهرس : ١٣٩٤ طبعة قم.

(٤) انظر كتاب فدك في التأريخ للشهيد السيد الصدر رحمه‌الله.

١٨٨

سلّمناه ، لكن يجوز أن يحكم الحاكم بشاهد ويمين كما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وأمّا شهادة الزوج لزوجته فهي شهادة صحيحة مقبولة ، وكذلك شهادة الولد لوالده. ولا نسلّم أنّها لا تجوز ، وبيان ذلك من المسائل الفقهيّة (٢).

وعن الخامس : أنّ مشاهدة حروبه ووقائعه بحسب التواتر وتصفّح كلامه في كيفية الحرب ، ممّا تضطرّ معه العقول إلى أنّه كان أوحد الخلق في إصابة الرأي في تدبير الحروب ، وكذلك مشاورات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ؛ ورجوع أبي بكر وعمر إليه في كثير حركاتهم ، وعدم مخالفتهم لحرف ممّا يقوله في أمر تدبير الحرب دليل واضح على دوام إصابة الرأي ، غير أنّ قومه ما كانوا يطيعونه ، وكان ذلك مذكورا في خطبه ، مثل (٣) «لا رأي لمن لا يطاع» (٤). وكلّ فساد جرى في أمر ولايته عليه‌السلام إنّما كان من قبلهم لسوء تدبيرهم وقلّة طاعتهم له.

وعن السادس : أنّه إنّما لم يولّ معاوية لأنّه لم يكن في نظره أهلا (٥) للولاية لأنّ شرط ذلك أن يكون عدلا في الظاهر ، وما كان عنده كذلك ، ولذلك قال تعالى (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٦).

__________________

(١) رواه الكليني في فروع الكافي ٧ : ٣٨٥ عن الصادق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي الفقيه ٣ : ٥٤ ، وفي أماليه عن أهل السنّة : ٢١٨ طبعة حجر ، وفي التهذيب ٢ : ٨٣ ، والوسائل ١٨ : ١٩٣.

(٢) راجع المقنعة : ٧٢٦ ، والخلاف والبحث والأدلة في الانتصار : ٢٤٤ ـ ٢٤٦ ، والسرائر ٢ : ١٣٤ ، والتفصيل في الجواهر ٤١ : ٧٤ ـ ٧٨ طبعة النجف الأشرف.

(٣) في النسختين : المثل.

(٤) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٧ ، المقطع ١٦ ، ومصادره في المعجم المفهرس : ١٣٧٩ طبعة قم.

(٥) في «عا» : أمر. غلطا.

(٦) الكهف : ٥١.

١٨٩

وعن السابع : أنّه إنّما ردّ سهم ذي القربى لأنّ اجتهاده (١) أدّى إلى أنّ استحقاقهم إيّاه إنّما يكون لفقرهم ، ولذلك قال لعمر : «إنّ بنا العام لغنية عنه وبالناس (٢) حاجة إليه» (٣) ، وذلك من فضائله.

وعن الثامن : لا نسلّم أنّه كان يستبدّ برأيه مطلقا بل فيما يعلمه ، وظاهر أنّه عليه‌السلام كان يشاور أهل العلم والرأي. سلّمناه ، لكن قد ثبت أنّه عليه‌السلام معصوم ، فيلزم حينئذ أن تكون أوامره كلّها صائبة.

وعن التاسع : أنّ اضطراب عسكره لا يدلّ على سوء تدبيره. وهو لأنّ حركاتهم الفاسدة مربوطة بآرائهم الفاسدة ، وقد بيّنا أنّه عليه‌السلام واحد الناس بالعلم بكيفيّة الحروب وممارستها.

وعن العاشر : أنّ الاهتمام بالامور يفتح أبواب الآراء والترجيح بينها ، ولا شكّ أنّ آراءه كانت أولى من آراء غيره ، لشدّة اهتمامه بالأمر في ذلك الوقت ، فلم تأخذه في ذلك لائمة ، وقد ثبت أنّه عليه‌السلام معصوم فيجب حمل جميع أفعاله على الصواب ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) في نفي الاجتهاد عن الإمام انظر تلخيص الشافي ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٢.

(٢) نسخة «ضا».

(٣) وفي هامش نسخة «ضا» : والحقّ في الجواب أن يقال : إن كان المراد بهم ذوي القربى المردود هو ما يخصّه عليه‌السلام ، فذلك جائز لا اعتراض عليه فيه ، لأنّ له التصرّف فيه بأيّ جهة كانت ، ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «إنّ بنا العام لغنية عنه» فإنّ ظاهره الإخبار عن نفسه ، وإن كان المراد سهم ذوي القربى غير الإمام ، فهو ممنوع ، وكيف يحقّ لمتبرّع أن يتبرّع ... إلى غير أهله؟! ..

١٩٠

البحث الثالث

في فساد ما قالته الطوائف

من الشيعة المنكرين لواحد واحد من الأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام

نذكر بعون الله تعالى ما يدلّ على فساد ما قالوه دلالة مجملة ، تشتمل على إبطال جميع أقوالهم ، ونورد بعد ذلك ما تمسّك به طوائف منهم تفصيلا ، إن شاء الله تعالى :

أمّا الأوّل : فبيانه من وجوه :

أحدها : لا واحد ممّن يدّعي هؤلاء الطوائف بمعصوم. وما ليس بمعصوم فليس بإمام ، وهو المطلوب. أمّا المقدمة الاولى فمتّفق على صحتها ، أمّا الثانية فقد مضى تقريرها.

الوجه الثاني : أنّه لا واحد ممّن يدّعي هؤلاء الطوائف إمامته بمنصوص عليه ، وقد بيّنا أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه ، ينتج أنّه لا واحد ممّن يدّعي هؤلاء الطوائف إمامته بإمام. أمّا المقدمة الاولى فسنبيّن صحتها ، وأمّا الثانية فقد ثبتت بالدليل.

الوجه الثالث : أنّ الشيعة بأسرهم معترفون بتقبيح العقل وتحسينه ، إذا عرفت ذلك فنقول : لو كان الحقّ مع أحد هؤلاء الطوائف المذكورة لما جاز انقراضها على تقدير أنّ الحقّ معها ، وإلّا لزم خروج الحقّ عن الامّة وإنّه

١٩١

غير جائز ؛ وأمّا فساد الثاني : فظاهر أنّه لم يكن لأحد من هذه الطوائف كثرة ليعتدّ بنقلهم ، ولم يكن بينهم من هو مشهور بالعلم ، ولم يبرز لهم قول حتّى اضمحلّ. إذا عرفت ذلك فلنشرع الآن في بيان ما تمسّك به طوائف منهم من الخيالات ، ثمّ نبيّن فسادها إن شاء الله تعالى.

الطائفة الاولى ـ الكيسانية : إنّما تسمّوا بهذا الاسم لأنّهم أصحاب المختار ، وكان اسمه أوّلا كيسان (١) ، وقيل سبب تسميته أنّ أباه حمله وهو صغير إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فوضعه بين يديه فمسح يده على رأسه وقال له «كيّس كيّس» (٢). ثمّ إنّهم تمسّكوا في أنّ الإمام بعد علي عليه‌السلام محمد بن الحنفية رضى الله عنه لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام له يوم البصرة «أنت ابني حقا» (٣) وأنّه كان صاحب رايته كما كان علي عليه‌السلام صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. استدلّوا بذلك على أنّه أولى الناس بمقامه.

وأمّا أنّه القائم المهدي فلقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي واسم أبيه اسم أبي» (٤) وكان من أسماء علي عليه‌السلام عبد الله لقوله عليه‌السلام : «أنا عبد الله وأنا أخو رسول الله وأنا

__________________

(١) كان لقبه كيسان ـ رجال الكشي : ١٢٨ برقم ٢٠٤. وكيسان معرّب كيشان ، وكيش ـ بالفارسية ـ الدين.

(٢) رجال الكشي : ١٢٧ برقم ٢٠١ طبعة مشهد ، والفصول المختارة : ٢٩٦.

(٣) الفصول المختارة : ٢٩٦ ، وتلخيص الشافي ٤ : ١٩١.

(٤) انظر هذه الأحاديث والجواب عنها في العنوان ٢٢ من الجزء الأوّل من معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل الله فرجه ، والشيعة والرجعة : ٢.

١٩٢

الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مفتر» (١) وزعموا أنّه إذا كان هو الإمام وكان الإمام القائم المنتظر فلا إمام إذا غيره ، ولا يجوز أن يموت قبل ظهوره فتخلو الأرض من حجّة.

الجواب : أمّا قوله عليه‌السلام «أنت ابني حقا» فلا شكّ في هذه المقالة ، وإنّما النزاع في دلالة هذا الكلام على تخصيصه بالإمامة ، وظاهر أنّه ليس فيه دلالة على ذلك ، بل إنّما يحمل ذلك على الشهادة له بالشجاعة وطيب المولد وذلك أنّ محمدا رضى الله عنه لمّا حمل الراية يوم البصرة ثم (٢) صبر حتى كشف الناس ، فأبان من شجاعته وبأسه ما كان مستورا (٣) ، سرّ به عليه‌السلام وأحبّ أن يعظّمه ويمدحه على فعله ، أي أنّك تشبهني في هذا الخصال وفي الصبر في الله.

وأمّا كونه صاحب الراية كما كان علي عليه‌السلام صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فليس ذلك من الدلالة على إمامته في شيء البتة ، ولو صحّ الاستدلال بهذا القدر على الإمامة لكان كلّ من حمل راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولعليّ عليه‌السلام كان منصوصا عليه بالإمامة ، وذلك ظاهر الفساد.

وبالجملة فهم مطالبون على تصحيح دعواهم بالدليل الموجّه.

وأمّا تمسّكهم في أنّه المهدي بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فليس في هذا الخبر إلّا أنّ الله يبعث رجلا وله هذه الأوصاف ، أمّا أنّه هو هذا أو ذاك فلا يتناوله الخبر ، على

__________________

(١) انظر الغدير ٢ : ٢١٤ و٣ : ٢١٢ ، وتلخيص الشافي ٣ : ٢٤٤ (الهامش) ، وتتمة المراجعات : سبيل النجاة : ١٤٣ برقم ٥٥٦ و٢٣٥ برقم ٧٥٨. ويبدو أنّ المؤلف قد أخذ ذلك كلّه عن الفصول المختارة ٢ : ٢٩٦.

(٢) (ثمّ) من الفصول المختارة ٢ : ٣٠٢.

(٣) هنا في النسختين زيادة : و.

١٩٣

أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن اسمه عبد الله وإنّما مراده من قوله «أنا عبد الله» الاعتراف لنفسه بصفة العبودية لله (١).

ثم الذي يدلّ على أنّ محمدا رضى الله عنه ليس بإمام أنّه لم يدّع الإمامة ولا دعا أحدا إلى اعتقاد ذلك عنه. بدليل أنّه سئل ـ عند (٢) ظهور المختار وادّعائه عليه أنّه أمره بالخروج والطلب بثأر الحسين عليه‌السلام وأنّه أمره أن يدعو الناس إلى إمامته ـ عن ذلك وصحّته؟ فأنكره وقال : «والله ما أمرته بذلك ، لكنّي لا أبالي أن يأخذ بثارنا كلّ أحد ، وما يسؤني أن يكون المختار هو الذي يطلب بدمائنا» (٣) فاعتمد السائلون له ذلك وكانوا خلقا كثيرا قد رحلوا إليه لهذا المعنى بعينه ، على ما ذكره أهل النقل ، فرجعوا ونصر أكثرهم المختار على الطلب بدم الحسين عليه‌السلام ، ولم ينصره على القول بإمامة محمد رحمه‌الله (٤) ومع ذلك لا يمكن القول بإمامته ، وبالله التوفيق.

الطائفة الثانية ـ الزيدية : ويجمعهم أنّ الإمام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ كلّ فاطمي خرج بالسيف مستحقّا لشرائط الإمامة وشبهتهم أنّ زيد بن علي رضى الله عنه كان عالما زاهدا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، فوجب أن يكون مستحقا لشرائط الإمامة فكان هو الإمام.

والجواب : أنّا بيّنا أنّ من شرائط الإمامة العصمة والنصّ ، وهما مفقودان في حق زيد رضى الله عنه فمن ادّعاها فعليه البيان.

__________________

(١) راجع وقارن بالفصول المختارة : ٣٠٣.

(٢) في النسختين : عن ، ولا يستقم الكلام إلّا أن تكون هذه الكلمة : عند.

(٣) انظر الفصول المختارة : ٣٠٠.

(٤) راجع وقارن الفصول المختارة ٢ : ٢٩٤ ـ ٣٠٥ فلا تكاد ترى إلّا اختصارا وتلخيصا.

١٩٤

الطائفة الثالثة ـ الناووسية : وانتسابهم إلى رجل من أهل البصرة يقال له عبد الله بن ناووس (١) ويجمعهم كما عرفت أنّهم يقولون : أنّ جعفر بن محمد سيرجع إلى الدنيا فيملأها عدلا كما ملئت جورا ، وإن اختلفوا في أنّه مات أو لا؟ واحتجّوا على ذلك بخبر رواه عنبسة بن مصعب عنه عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ من جاء يخبركم عنّي بأنّه غسّلني وكفّنّي ودفني فلا تصدّقوه» (٢).

والجواب : أنّ العلم بموته معلوم بالضرورة لا يدفع بخبر واحد ، وأيضا هذا الخبر إن لم يصحّ بطل ما قالوه ، وإن صحّ سلّطنا عليهم التأويل ، لمعارضته العقل ووجوب ترجيح العقل على النقل (٣).

الطائفة الرابعة ـ الاسماعيلية : شبهتهم من وجهين :

أحدهما : أنّ إسماعيل كان أكبر ولد جعفر ، وليس يجوز أن ينصّ على غير الأكبر (٤)!

الثاني : قالوا : قد أجمع من خالفنا على أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام نصّ على اسماعيل غير أنّهم ادّعوا أنّه «بدا لله فيه» وهذا قول لا نقبله منهم (٥).

جواب الأوّل : أنّ النصّ على الأكبر متى يجب إذا كان الأكبر باقيا بعد والده أو إذا لم يكن؟ الأوّل مسلم ، والثاني ممنوع ، فإنّ اسماعيل رضى الله عنه مات في زمن والده ، وإذا كان كذلك لم يكن للنصّ عليه معنى ، ولو وقع لكان كذبا ، لأنّ المعنى

__________________

(١) انظر الفصول المختارة : ٣٠٥.

(٢) الفصول المختارة : ٣٠٥.

(٣) راجع وقارن بالفصول المختارة : ٣٠٥ و٣٠٦.

(٤) الفصول المختارة : ٣٠٦.

(٥) الفصول المختارة : ٣٠٦.

١٩٥

أنّ المنصوص عليه يكون خليفة الماضي فيما يكون يقوم به ، فإذا لم يبق بعده لم يكن خليفته ، فيكون النصّ عليه حينئذ كذبا لا محالة (١).

وجواب الثاني : أنّا لا نسلّم تسليم الجماعة لهم حصول النصّ عليه ، فإنّ أحدا من أصحابنا لم يعترف بأنّ أبا عبد الله عليه‌السلام نصّ على ولده اسماعيل ، ولم ينقل أحد منهم ذلك شاذّا ولا معروفا ، وإنّما غلطوا من حيث أنّ الناس كانوا في حياة اسماعيل يظنّون أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام ينصّ عليه لأنّه كان أكبر أولاده وكان يعظّمه ، فلمّا مات اسماعيل رحمه‌الله زالت ظنونهم وعلموا أنّ الإمامة في غيره ، فتمسّك هؤلاء المبطلون بهذا الظنّ وجعلوه أصلا وادّعوا وقوع النصّ عليه ، وليس عندهم في ذلك أثر ولا خبر يسندوا دعواهم إليه.

فأمّا ما روي (٢) من قول الصادق عليه‌السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل» (٣). فليس على ما توهّموه من البداء في الإمامة ، لوجهين :

أحدهما : أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله كتب القتل على ابني اسماعيل مرّتين فسأله فيه ، فما بدا له في شيء كما بدا له في اسماعيل» (٤) وعنى به ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا عليه فصرفه عنه بمسألة أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) انظر الفصول المختارة : ٣٠٨.

(٢) هنا في «ضا : فأمّا ما من قول ... وفي «عا» كتبت (من) ثم شطب عليها. وبالنظر إلى الفصول المختارة : ٣٠٩ يبدو أنّ لفظة روي محذوفة.

(٣) كذا ذكره المفيد في الفصول المختارة : ٣٠٩ ، وتصحيح الاعتقاد : ٦٦ ، ورواه الصدوق عن الصادق عليه‌السلام في التوحيد : ٣٣٦ ، وأخرجه المجلسي عن أصل زيد النرسي الكوفي عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في البحار ٤ : ١٢٢.

(٤) تصحيح الاعتقاد : ٦٦ ، والفصول المختارة : ٣٠٩ ، واللفظ للأخير.

(٥) الفصول المختارة : ٣٠٩.

١٩٦

الثاني : أنّ الإمامة لا يوصف الله تعالى فيها بالبداء ، لإجماع الإمامية على النقل المشهور عن الأئمة عليهم‌السلام أنّهم قالوا : «مهما بد الله في شيء فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوّته ولا إمام عن إمامته ولا مؤمن قد أخذ الله عهده بالإيمان عن إيمانه» (١) وذلك يبطل ما ادّعوه من ثبوت النصّ ، وبالله التوفيق.

الطائفة الخامسة – الشمطية : القائلون بإمامة محمد بن جعفر ، وسمّوا الشمطية لنسبتهم إلى رئيس لهم يقال له يحيى بن أبي الشمط.

شبهتهم : أنّهم زعموا أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام كان جالسا في داره ، فدخل عليه محمد وهو صبيّ فكبا في قميصه ووقع لوجهه ، فقام إليه أبو عبد الله فقبّله ومسح رأسه وضمّه إلى صدره وقال : «سمعت أبي يقول : إذا ولد لك ولد يشبهني فسمّه باسمي ، فهذا الولد يشبهني ويشبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ويكون على سنّته» (٢).

جوابها : لا نسلّم صحة الخبر ، سلّمناه ، لكنّه خبر واحد ولا يجوز العمل به ، سلّمناه ، لكنّه لا دلالة فيه على مرادكم ؛ لأنّ مسح أبي عبد الله عن وجه ولده التراب وضمّه إلى صدره وقوله «إنّ أخبرني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : سيولد لي ولد يشبهه يكون على سنّته» لا يدلّ شيء منه على الإمامة لا بالمطابقة ولا بالتضمّن ولا بالالتزام.

سلّمناه ، لكنّه معارض بما أنّ محمّدا خرج بعد أبيه بالسيف ودعا الناس إلى إمامته وتسمّى بإمرة المؤمنين ، ولم يتّسم بذلك أحد خرج من آل أبي طالب ، ولا خلاف بين الإمامية أنّ من تسمّى بهذا الاسم بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد أتى

__________________

(١) راجع وقارن بالفصول المختارة ٢ : ٢٥١.

(٢) راجع وقارن بالفصول المختارة : ٣٠٦.

١٩٧

منكرا (١) ، ولم يكن أهلا للإمامة.

الطائفة السادسة ـ الفطحية : القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر عليه‌السلام ، وسمّوا بذلك لأنّ عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين (٢) وقيل إنّه كان لهم رئيس ، يقال له عبد الله بن أفطح (٣). وكلام هذه الطائفة ظاهر البطلان ؛ لأنّهم لم يدّعوا نصا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وإنّما عملوا على ما رووه من أنّ الإمامة تكون في الأكبر.

وجوابه من وجوه :

الأوّل : لا نسلّم أنّه الأكبر ، فإنّ الأكبر كان اسماعيل.

الثاني : أنّ هذا الحديث لم يرد قطّ إلّا مشروطا ، وذلك أنّه ورد «إنّ الإمامة تكون في الأكبر ما لم يكن به عاهة» (٤). وأهل الإمامة القائلون بإمامة موسى ابن جعفر عليه‌السلام متواترون بأنّ عبد الله كانت به عاهة في الدين لأنّه كان يذهب مذاهب المرجئة (٥) الذين الواقعون في علي وعثمان ، وأنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال فيه وقد خرج عنه : «هذا مرج كبير» (٦). وإنّه دخل عليه يوما وهو يحدّث أصحابه ، فلمّا رآه سكت حتّى خرج ، فسئل عن ذلك فقال : «أما علمتم أنّه من

__________________

(١) راجع وقارن بالفصول المختارة ٢ : ٣١٠ و٣١١.

(٢) أي كان باطن قدميه لا قعر فيه.

(٣) الفصول المختارة : ٣١٢.

(٤) راجع وقارن بالفصول المختارة : ٣١٢.

(٥) هنا في النسختين : وهم ... وعدّلنا النصّ من الفصول المختارة ٢ : ٢٥٣ فهو الصحيح ، إذ ليس كلّ المرجئة يقعون في علي وعثمان.

(٦) «هذا مرجئ كبير» الفصول المختارة : ٣١٢.

١٩٨

المرجئة» (١)؟!

الثالث : لم يكن له من العمل ما يتميّز به من العامة ، ولا يروى عنه شيء من مسائل الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام ، ولمّا خرج وادّعى الإمامة بعد أبيه امتحن بمسائل صغيرة فلم يجب عنها ولا تأتّى (٢) له الجواب. فثبت بهذه الوجوه أنّه ليس أهلا للإمامة.

الطائفة السابعة ـ الممطورة : وهم الواقفة في موسى عليه‌السلام أنّه مات أو لم يمت ، شبهتهم من وجهين :

أحدهما : أنّهم حكموا أنّه لمّا ولد موسى عليه‌السلام دخل أبو عبد الله عليه‌السلام على حميدة أمّ موسى فقال لها : «يا حميدة بخ بخ ، حلّ الملك في بيتك» (٣).

الثاني : ما رووا أنّه سئل عليه‌السلام عن اسم القائم فقال : «اسمه اسم حديدة الحلّاق» (٤).

وجواب الأوّل : أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لعلّه أراد بالملك ، الإمامة على الخلق وفرض الطاعة على البشر ؛ وملك الأمر والنهي هو الملك على الحقيقة ، ومثله قوله تعالى : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٥) فإنّه أراد بالملك ملك الدين والرئاسة فيه على العالمين.

وجواب الثاني : لا نسلّم صحّة هذا الخبر ، سلّمناه ، لكن لم لا يجوز أن تكون

__________________

(١) الفصول المختارة : ٣١٢.

(٢) في «ضا» : ولا يتأتّى ، وفي «عا» : ولم يتؤتى ، وفي الفصول : ولا تأتّى : ٣١٢.

(٣) الفصول المختارة : ٣١٣.

(٤) الفصول المختارة : ٣١٣.

(٥) النساء : ٥٤.

١٩٩

إشارته [إلى] (١) القائم بالإمامة بعده ، ولم يشر به إلى القائم بالسيف ، وقد علمنا أنّ كلّ إمام فهو قائم بالإمامة بعد أبيه.

الطائفة الثامنة ـ القائلون بإمامة أحمد بن موسى : ولهم شبهتان :

إحداهما : أنّ الرضا عليه‌السلام وصّى بالإمامة إليه ، ونصّ بها عليه (٢).

الثانية : أنّ أبا جعفر كان صغير السنّ في ذلك الوقت ، لأنّ الرضا عليه‌السلام مات وهو ابن سبع سنين ومثل هذا لا يصلح للإمامة (٣).

جواب الاولى : لا نسلّم صحّة النصّ على أحمد بن موسى ، فإنّ أحدا ممّن يعتبر نقله من الإمامية لم يروه (٤).

وجواب الثانية : أنّ الالتباس عليكم من جهة سنّه عليه‌السلام بيّن الفساد ، وذلك أنّ كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالى مع صغر السنّ ، وله اعتبار بقصّة عيسى عليه‌السلام حيث قال القوم : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (٥) الآية وقال تعالى في قصّة يحيى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٦). فلم يكن كمال العقل منافيا للصبيّ في حقّ اولئك ، فوجب أن لا يكون منافيا في حقّ أولياء الله تعالى ، وذلك يبطل ما قالوه.

__________________

(١) زيادة بمقتضى السياق.

(٢) الفصول المختارة : ٣١٥.

(٣) الفصول المختارة : ٣١٤ و٣١٥.

(٤) في النسختين : لم يرووه.

(٥) مريم : ٢٩ و٣٠.

(٦) مريم : ١٢.

٢٠٠