النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

ميثم بن علي بن ميثم البحراني

النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

المؤلف:

ميثم بن علي بن ميثم البحراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٤

أبي بكر ، لأنّ من كان مؤمنا مدّة عمره فلا بدّ وأن يكون أكثر تقوى ممّن كان أكثر عمره كافرا ثمّ صار مؤمنا. والأتقى أفضل ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١).

الحادي والعشرون : روى أحمد البيهقي في «فضائل الصحابة» أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ ابن أبي طالب» (٢) فثبت بهذا الحديث أنّ عليا عليه‌السلام كان مساويا لهؤلاء الأنبياء في هذه الخصال التي هي جماع (٣) المكارم ، ولا نزاع في أنّ هؤلاء كانوا أفضل من أبي بكر وسائر الصحابة ، والمساوي للأفضل لا بدّ وأن يكون أفضل.

الثاني والعشرون : أنّ الفضائل إمّا نفسانية ، أو بدنية ، أو خارجية عنهما. أمّا النفسانية فإمّا علمية أو عملية.

أمّا العلمية فقد بيّنا أنّه عليه‌السلام كان أعلم الصحابة ويؤيّد ذلك وجوه (٤) :

الأوّل : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٥) ولا شكّ أنّ العلوم إنّما تخرج من تلك المدينة إلى الخلق من قبل ذلك الباب ، وقد فصّلنا انتهاء مبادي العلوم إليه في حقّه عليه‌السلام تصديقا لهذا الخبر.

الثاني : قوله عليه‌السلام : «علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم فانفتح لي

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) انظر إحقاق الحقّ ٤ : ٣٨٩ ـ ٤٠٥.

(٣) الجماع بالضمّ : المجمع ، أو الجامع ، وبالكسر : النكاح.

(٤) في النسختين : وجهان ، وما أثبتناه هو الصواب.

(٥) انظر كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي. لابن الصديق الحسني المغربي ، طبعة طهران. وراجع تلخيص الشافي ٢ : ٢٨١ ، والفصول المائة ٢ : ٥٠٩ ـ ٥٢٠.

١٦١

من كلّ باب ألف باب» (١).

الثالث : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : «زوّجتك أكثرهم علما ، وأعظمهم حلما» (٢). وقول ابن عباس رضى الله عنه قسّم العلوم عشرة أجزاء تسعة في علي عليه‌السلام وواحد في الخلق ، ولقد شاركهم في العاشر (٣).

وأمّا العلمية فأقسام : منها : العفّة والزهد ، وقد كان رءوس الزهّاد من الصحابة كأبي ذرّ وسلمان تلامذة لعلي عليه‌السلام.

ومنها : الشجاعة ، ولم يكن أحد (٤) من الصحابة كشجاعته في اعتدائها (٥) وثمرتها ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لضربة من ضربات عليّ خير من عبادة الثقلين» (٦). ومن أوضح براهين ذلك قلعه لباب خيبر حيث يقول : «والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية ، ولكن قلعته بقوّة إلهية» (٧).

ومنها : السخاء ، والمعلوم أنّه لم يكن أحد من الصحابة أسخى منه ، ويشهد بذلك لسبب نزول قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٨) في حقّه ، وهو مشهور. وكذلك تصدّقه بخاتمه حال ركوعه.

__________________

(١) انظر ينابيع المودّة : ٧٢ ، وكتاب فتح الملك العلي : ١٩.

(٢) انظر الذرية الطاهرة للدولابي : ٩٣ متنا وحاشية.

(٣) لم أجده مسندا.

(٤) جاءت هذه الكلمة في «عا» : أحدا ، وفي «ضا» : أحد. وأثبتنا الصحيح.

(٥) كذا في النسختين ، ولعلّ الصحيح : اعتدالها ، أو احتدامها.

(٦) انظر إحقاق الحقّ ٦ : ٤ ـ ٨ و١٦ : ٤٠٢ ـ ٤٠٥ ، ونزل الأبرار : ٧٦.

(٧) البحار ١٠٢ : ١٣٨ مع اختلاف يسير.

(٨) الدهر : ٨ ، وانظر التبيان ١٠ : ٢١١ ، ومجمع البيان ١٠ : ٦١١ ، وتفسير شبّر : ٥٤٢ ، والميزان ٢٠ : ١٣٢ ـ ١٣٩.

١٦٢

ومنها : حسن الخلق ، وقد بلغ فيه إلى حدّ نسبه الجاهلون معه إلى الدعابة.

ومنها : البعد عن الدنيا ، وظاهر أنّه مع إقبالها إليه لم يلتفت إليها رأسا ، وكان يقول : «يا دنيا إليك عنّي غرّي غيري ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها» (١) وله في هذا المعنى شعر :

دنيا تخادعني كأنّي

لست أعرف حالها

مدّت إليّ يمينها

فرددتها وشمالها

ورأيتها محتاجة

فوهبت جملتها لها

والأمر في ذلك ظاهر.

ومنها : إقباله على الله بالكليّة ، ووصوله إليه ، واشتغال سرّه به الذي هو الغاية القصوى من وجود الإنسان ، وقد كان عليه‌السلام في ذلك سباق غايات وصاحب آيات ، ويشهد بذلك أنّه عليه‌السلام لمّا وقع فيه في بعض الحروب سهم وقصد الحجّام ينزعه فجعل يتملّل فقال الحسن عليه‌السلام دعوه حتّى يشتغل بالصلاة ، فلمّا اشتغل بها نزعه منه في حال السجود ولم يحسّ به (٢) ، وذلك لاتّصال نفسه القدسية بمبدئها التامّ ، وعدم ملاحظته شيئا آخر في ذلك الوقت.

وأمّا الفضائل البدنية : فقد كان عليه‌السلام من أقوى الخلق وأشدّهم بأسا ، وكان يقطّ الهامّ قطّ الأقلام.

وأمّا الفضائل الخارجية : فمنها النسب ، ومعلوم أنّ أشرف ما ينتسب إليه

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكتاب : ٤٥ ، القطع : ٢١ ، وقصار الحكم : ٧٧ ومصادر الكتاب في المعجم المفهرس : ١٣٩٦ ، طبعة قم. ومصادر الحكمة : ١٤٠٢. وعن زهده عليه‌السلام في إحقاق الحقّ ٤ : ٤٢٥ و٨ : ٢٧٢ و٢٧٤ و٥٩٨ ـ ٦٠٠ و١٥ : ٦٣٨ ـ ٦٤٤.

(٢) لم أعثر له على مصدر معتبر موثوق به.

١٦٣

الإنسان هو القرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان أقرب الناس إليه. ومنها المصاهرة ، ولم يكن لأحد منها مثل ماله. ومنها : أنّه لم يكن لأحد من الصحابة في تمام الفضل مثل أولاده الحسن والحسين عليهما‌السلام اللذين هما سيّدا شباب أهل الجنّة» (١) ، ثمّ انظر إلى أولاد الحسن عليه‌السلام كالحسن المثنّى ، والمثلّث (٢) ، وعبد الله ابن الحسن (٣) والنفس الزكية (٤) وإلى أولاد الحسين مثل زين العابدين ، والباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا عليهم‌السلام الذين يقرّ بفضلهم وعلوّ درجتهم كلّ عاقل «والفضل ما شهدت به الأعداء».

ومن أوضح دلالات فضلهم أنّ من أفضل المشايخ السالكين إلى الله تعالى بعدهم أبو يزيد البسطامي وكان سقّاء في دار الصادق عليه‌السلام (٥).

وأيضا فمعروف الكرخي أسلم على يد عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، وكان بوّاب داره ، وبقى على حاله إلى آخر عمره ولم يكن لأحد مثل هذه الفضائل.

وأمّا تقرير المقدّمة الثانية ، وهو أنّه كلّ من كان أفضل وجب أن يكون هو الإمام ، فبيانها أنّ من جعل إماما لغيره فقد جعل متبوعا لذلك الغير ، وجعل الأكمل تبعا للأنقص قبيح في بداهة العقول ، مثال ذلك أنّه لو اخذ بعض الفقهاء

__________________

(١) انظر الإمام الحسن عليه‌السلام من تأريخ دمشق لابن عساكر : ١٢٨ ـ ١٤٢ ، والإمام الحسين عليه‌السلام كذلك : ٤١ ، ونزل الأبرار : ٩٣.

(٢) هو الحسن بن الحسن بن الحسن السبط.

(٣) أمّه وأخيه المثلّث : فاطمة بنت الحسين عليهم‌السلام.

(٤) هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.

(٥) هو طيفور بن عيسى بن آدم ، زاهد صوفي معروف ، توفي في ٢٦١ ه‍ فيستبعد جدا أن يكون سقّاء في بيت الإمام الصادق عليه‌السلام المتوفّى في ١٤٨ ه‍ إلّا أن يكون من المعمّرين فوق المائة والأربعين ولم يكن ولم نجد للدعوى مصدرا معتبرا.

١٦٤

الأوساط ونصب للتدريس وأمر الشافعي وأبو حنيفة بالجلوس بين يديه والتلمذ (١) له لذمّ كلّ عاقل من تقدّم في نصب ذلك الفقيه.

فثبت أنّ عليا عليه‌السلام لمّا كان أفضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب أن يكون هو الإمام وهو المطلوب.

البرهان الثاني : أنّ الامّة أجمعت على أنّ الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إمّا عليّ أو أبو بكر أو العباس ، ثمّ إنّ أبا بكر وعباسا لم يكونا صالحين للإمامة ، فتعيّن أن يكون الإمام عليّ عليه‌السلام. وإنّما قلنا إنّهما لم يكونا صالحين للإمامة ، لأنّه لا واحد منهما بمعصوم ، وكلّ من يصلح للإمامة يجب أن يكون معصوما ، فينتج أنّه لا واحد منهما يصلح للإمامة.

أمّا المقدّمة الاولى فبالاتّفاق ، وأمّا الثانية فقد مرّ بيانها ، فتعيّن حينئذ أن يكون الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ عليه‌السلام.

البرهان الثالث : أنّه لا واحد من الصحابة عدا علي عليه‌السلام بمنصوص على إمامته ، وكلّ من كان إماما يجب أن يكون منصوصا على إمامته ، ينتج : ولا واحد من الصحابة عدا عليا عليه‌السلام بإمام.

أمّا المقدّمة الثانية : فقد مرّ بيانها ، وأمّا الاولى فلأنّ المتأهّل للإمامة في نظر الامّة إمّا العبّاس وإمّا أبو بكر وإمّا عليّ عليه‌السلام ، وثبت أنّ العباس وأبا بكر لم يكن

__________________

(١) في النسختين : التلمّذ ، ونحن أثبتنا الصحيح ، واللفظة من التلموذ بالعبرية ، فالتلمذة تعني درايته بالتلموذ ، تفسير التوراة.

١٦٥

منصوصا عليهما وأمّا العباس فظاهر وأمّا أبو بكر (١) فلو كان منصوصا عليه كان توقيفه الأمر على البيعة من أعظم المعاصي ، وذلك قادح في إمامته ، وإذ ليس واحد منهما بمنصوص عليه فيثبت أنّ عليا عليه‌السلام منصوص عليه ووجب أن يكون الإمام وإلّا لخرج الحقّ عن جميع أقوال الامّة ، وإنّه غير جائز.

البرهان الرابع : أنّه نقل عن أبي بكر وعمر مطاعن تقدح في صحة إمامتهما ، ومتى كان كذلك تعيّن أن يكون عليّ عليه‌السلام هو الإمام ، وأمّا المطاعن فمذكورة في الكتب المطوّلة ، وأمّا أنّهما متى كانا كذلك تعيّن أن يكون الإمام عليا عليه‌السلام فلضرورة أنّه لا قائل بالفرق ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) في النسختين : أبا بكر.

١٦٦

البحث الثاني

في تعيين باقي الأئمة عليهم‌السلام

الإمام الحقّ بعد عليّ عليه‌السلام ولده الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ ابنه عليّ بن الحسين زين العابدين ، ثمّ ابنه محمد الباقر ، ثمّ ابنه جعفر الصادق ، ثمّ ابنه موسى الكاظم ، ثمّ ابنه عليّ بن موسى الرضا ، ثمّ ابنه محمد الجواد ، ثمّ ابنه علي الزكيّ ، ثم ابنه الحسن العسكري ، ثمّ ابنه محمد الخلف الحجّة المنتظر عليهم‌السلام. ولنا في إثبات هذا الترتيب وجهان :

الأوّل : أنّا قد بيّنا أنّ الإمام يجب أن يكون هو المنصوص عليه من قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من يقوم مقامه ، وثبت أيضا أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، ثمّ علمنا بالتواتر أنّ عليا عليه‌السلام نصّ على ابنه الحسن بالخلافة ، فتعيّن أن يكون هو الإمام بعده. وتعيّن أنّه معصوم ، وإنّه نصّ على أخيه الحسين وهكذا نصّ كلّ واحد منهم على من بعده من المذكورين ، فوجب أن يكون هو الإمام فلزم من ذلك أن تكون الإمامة معيّنة في المذكورين واحدا بعد آخر إلى آخرهم.

الثاني : الخبر المتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال للحسين عليه‌السلام : «ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم حجّة ابن حجّة أخو حجّة

١٦٧

أبو حجج تسع» (١) وهذا نصّ في المسألة.

بقي أن يقال لو سلّمنا تواتر هذا الخبر في هذا اللفظ ، لكن لم قلتم ، إنّ التسعة هم الذين عنيتموهم ، ولم يجوز أن يكون غيرهم من أولاد الحسين عليهم‌السلام ، فحينئذ يتعيّن الرجوع منّا إلى كلّ واحد منهم وقد نصّ على من بعده.

إذ نقول : إنّ غير الإمام يعترف باختيار الرعية له و [عدم] (٢) اطلاعهم على أنّه صاحب الملكة الرادعة عن المعاصي المسمّاة بالعصمة من بين سائر أولاد الإمام ، وبتعيين (٣) الإمام يتعيّن أن يكون هو الإمام الحقّ ، وبظهور الكرامات على يده.

وأمّا الكلام في تواتر هذا الخبر سؤالا وجوابا ، وتقريرا وإبطالا ، فكما تقدّم في تواتر النصّ الجليّ على إمامة عليّ عليه‌السلام ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) إكمال الدين ٢ : ٢٦٢ ، مع اختلاف في التعبير.

(٢) زيادة بمقتضى السياق.

(٣) في النسختين : بتعيّن.

١٦٨

الباب الثالث

في تقرير شبهة الخصوم

والجواب عنها

المقدّمة

١ ـ شبهة المنكرين لإمامة علي عليه‌السلام

٢ ـ مطاعن الخوارج وغيرهم في عليّ عليه‌السلام

٣ ـ فساد ما قالته الطوائف من الشيعة المنكرين لواحد واحد من الأئمة عليهم‌السلام

٤ ـ غيبة الإمام عليه‌السلام

١٦٩
١٧٠

وفيه مقدّمة وأبحاث :

أمّا المقدّمة :

فاعلم أنّ المخالفين لنا في المسألة إمّا شيعة أو غير شيعة ، أمّا غير الشيعة فهم المنكرون لتقديم عليّ عليه‌السلام على أبي بكر وهم أكثر الامّة ، وأمّا الشيعة فاصولهم فرق أربعة : الإمامية ، والكيسانية (١) ، والزيدية (٢) ، والغلاة (٣) ، وكلّ فرقة كالنوع لأصناف ، ويلزم مقالة كلّ واحدة من هذه الأصناف إنكار أحد الأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام ، ونحن نعيّن كلّ واحدة من الفرق المنكرون لإمام إمام.

[فالاولى] : المنكرون لإمامة عليّ عليه‌السلام من الشيعة بعد أن كان مستحقّا لها وهم الكاملية أصحاب أبي كامل معاد بن الحصين ، وذلك أنّهم زعموا أنّ الصحابة

__________________

(١) الكيسانية : نسبة إلى كيسان معرّب كيشان مولى المختار بن أبي عبيدة الثقفي والوسيط بينه وبين محمد بن علي عليه‌السلام المعروف بابن الحنفية ، وكان كيسان يقول بإمامته.

(٢) الزيدية : نسبة إلى زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام يقولون بإمامته بعد أبيه.

(٣) الغلاة : الذين غالوا في عليّ عليه‌السلام بالقول بأنّ الله قد اتّحد به أو حلّ فيه!

١٧١

كفرت لمخالفتهم النصّ الجليّ ، وأنّ عليا عليه‌السلام كفر بترك القتال معهم.

الثانية : المنكرون لإمامة الحسن بن علي عليهما‌السلام ، وهم صنفان :

الأوّل : السبأية وهم أصحاب ابن سبأ ، زعموا أنّ عليّا عليه‌السلام لم يمت وأنّه في السحاب ، والرعد صوته والبرق سوطه ، وأنّه ينزل إلى الأرض بعد حتى يقتل أعداءه.

الصنف الثاني : الذين قطعوا بموته لكنهم أنكروا إمامة الحسن عليه‌السلام ، وساقوا الإمامة من علي عليه‌السلام إلى ابنه محمد بن الحنفية رضى الله عنه وزعموا أنّه القائم المهدي ، وهو قول بعض الكيسانية.

الثالثة : المنكرون إمامة [ولد] (١) الحسين بعد أخيه الحسن عليهما‌السلام ، وهم الذين ساقوا الإمامة من الحسن عليه‌السلام إلى ابنه الحسن «الرضى من آل محمد» ومنه إلى ولده عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ومنه إلى ولده محمد النفس الزكية ، ومنه إلى أخيه ابراهيم.

الرابعة : المنكرون لإمامة زين العابدين علي بن الحسين عليهم‌السلام ، وهم الذين ساقوها من الحسين عليه‌السلام إلى أخيه محمد بن الحنفية ، وهم أكثر الكيسانية.

الخامسة : المنكرون لإمامة محمد بن علي الباقر عليه‌السلام وهم الذين ساقوها إلى زيد بن علي رضى الله عنه وهم الزيدية.

السادسة : المنكرون لإمامة جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، وهم فرقتان :

إحداهما : الذين قالوا إنّ الباقر لم يمت وهم ينتظرونه.

الثانية : الذين قطعوا بموته لكن ساقوا الإمامة إلى محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن ، من غير ولده ، وهم أصحاب المغيرة بن سعد العجلي.

__________________

(١) زيادة بمقتضى السياق.

١٧٢

السابعة : المنكرون لإمامة موسى بن جعفر عليه‌السلام وهم طوائف :

إحداها : الذين قالوا بغيبة الصادق وأنّه لم يمت ولن يموت حتّى يظهر فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وهو القائم المهدي ، وهم بعض الناووسية.

الثانية : الذين قطعوا بموته لكن زعموا أنّه الإمام وأنّه (١) سيرجع إلى الدنيا فيملأها عدلا كما ملئت جورا وهم الناووسية أيضا.

الثالثة : الذين جزموا بموته لكن ساقوا الإمامة إلى ولده عبد الله ابن جعفر ، ويقال لهم الفطحية ، لأنّ عبد الله كان أفطح (٢) ويقال لهم أيضا عمّارية لانتسابهم إلى بعض أكابرهم يقال له عمّار.

الرابعة : الذين ساقوها إلى ولده محمد ويقال لهم السمطية.

الخامسة : الذين ساقوها إلى ولده اسماعيل وهم الاسماعيلية السبعية.

السادسة : الذين ساقوها إلى غير ولد جعفر وهم خمس طوائف :

الاولى : الذين قالوا : إنّ جعفر أوصى بالإمامة إلى موسى بن الطفّى ، ويقال لهم الطفّية.

الثانية : الذين زعموا أنّه أوصى بها إلى موسى بن عمران الأقمص وهم الأقمصية.

الثالثة : الذين زعموا أنّه أوصى بها إلى يرمع بن موسى الحائك وهم اليرمعية.

الرابعة : القائلون بأنّ الصادق عليه‌السلام أوصى بها إلى عبد الله بن سعد التميمي ، وهم التميمية.

__________________

(١) هنا في النسختين : بعده. زائدة.

(٢) الأفطح : المنبطح باطن قدميه فلا حفرة ولا تقعّر فيهما.

١٧٣

الخامسة : الذين ادّعوها لأبي جعدة وهم الجعدية.

السابعة : من المنكرين لإمامة موسى بن جعفر عليه‌السلام اليعقوبية ، وهم أصحاب أبي يعقوب ، فإنّهم جوّزوا الإمامة لولد جعفر ولغير ولده.

الثامنة : المنكرون لإمامة علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وهم أيضا طوائف :

الاولى : الذين توقّفوا على موسى عليه‌السلام وقالوا : لا ندري أنّه مات أو لم يمت ، ويقال لهم الممطورة ، لأنّ يونس بن عبد الرحمن من علماء الشيعة قال : ما أنتم إلّا كلاب ممطورة.

الثانية : الذين قالوا وجزموا بأنّه لم يمت ولا يموت إلى يوم القيامة.

الثالثة : الذين جزموا بموت موسى وساقوا الإمامة إلى ولده أحمد ابن موسى.

التاسعة : والمنكرون لإمامة محمد بن علي الجواد عليه‌السلام محتجّين بعدم علمه ، لصغر سنّه في ذلك الوقت لأنّه لمّا مات الرضا عليه‌السلام كان سنّ الجواد أربع وقيل ثمان سنين.

العاشرة : المنكرون لإمامة علي الزكي عليه‌السلام ، وهم طائفة شاذّة زعمت أنّ الإمام بعد محمد بن علي عليهما‌السلام ابنه موسى بن محمد أخو أبي الحسن علي بن محمد.

الحادية عشر : المنكرون لإمامة الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ، وهم الذين ساقوا الإمامة من علي بن محمد الزكي إلى ولده جعفر.

الثانية عشر : المنكرون لإمامة الحجّة الخلف المنتظر عليه‌السلام ، وهي ثلاثة عشر طائفة :

إحداها : الذين قالوا إنّ الحسن عليه‌السلام لم يمت لأنّه لو مات وليس له ولد ظاهر لخلا الزمان عن الإمام المعصوم ، وذلك غير جائز.

الثانية : الذين قالوا إنّه مات لكنّه سيجيء وهو المعنيّ بكونه قائما بعد

١٧٤

الموت.

الثالثة : قالوا إنّه مات لا يجيء لكنّه أوصى بالامّة إلى أخيه جعفر.

الرابعة : قالوا إنّه أوصى إلى أخيه محمد.

الخامسة : قالوا : إنّه مات من غير عقب ، فعلمنا أنّه ما كان إماما ، وأنّ الإمام كان جعفر.

السادسة : قالوا بل ظهر أنّ محمدا (١) كان الإمام ، لأنّ جعفر (٢) كان مجاهرا بالفسق ، والحسين كان فاسقا بالخفية ، فتعيّن محمد للإمامة.

السابعة : قالوا : مات ، ولكن ولد له بعد موته بثمانية أشهر ولد.

الثامنة : قالوا : لمّا مات الإمام ولا ولد له ، ولا يجوز انتقال الإمامة منه إلى غيره ، بقي الزمان خاليا عن الإمام وارتفعت التكاليف.

التاسعة : قالوا يجوز أن يكون الإمام لا من ذلك النسل بل من غيره من العلوية.

العاشرة : قالوا : لمّا لم يجز انتقال الإمامة من ذلك النسل إلى نسل آخر ، ولا يجوز خلوّ الزمان عن الإمام ، علمنا أنّه بقي من نسله ابن وإن كنّا لا نعرفه بعينه ، ونحن على ولايته إلى أن يظهر.

الحادية عشر : قالوا إنّ الإمامة إلى الرضا عليه‌السلام ، وبعده مضطربة ، فنتوقّف (٣) في الكلّ.

الثانية عشر : قالوا الإمام بعد الحسن ابنه المنتظر ، وأنّه عليّ بن الحسن ،

__________________

(١) في النسخة «ضا» : محمد.

(٢) في النسختين : جعفرا.

(٣) في النسختين : متوقف. وأثبتنا الصحيح.

١٧٥

وليس كما تقول القطعية في الغيبة والانتظار حرفا بحرف.

الثالثة عشر : قالوا إنّ أبا محمد مات من غير ولد ظاهر ، ولكنّه عن حمل بعض جواريه (١) والقائم من بعد الحسن محمول لم تلد به أمّه بعد ، وإنّما يجوز أن تبقى مائة سنة حاملا.

فهذه الوجوه المشهورة في ضبط هذه الطوائف ، ولهم شعب اخرى أضربنا عن ذكرها لعدم الفائدة فيه. وسنبيّن فساد ما قالوه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في النسختين : جواره.

١٧٦

البحث الأوّل

في شبهة المنكرين لإمامة علي عليه‌السلام

واعلم أنّ من الناس من ينكرها مطلقا ، أمّا الأوّلون فهم القائلون بإمامة أبي بكر ، وأمّا الآخرون فهم الخوارج. أمّا الأوّلون فتمسّكوا بعشرة شبه :

الاولى : قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (١) ولفظ «الذين آمنوا» لفظ جمع وأقلّ الجمع ثلاثة فقد وعد الله الثلاثة فما فوقها من أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستخلفهم في الأرض ويمكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وكلّ ما وعد الله تعالى فلا بدّ وأن يوجد ، وإلّا وقع الخلف في خبره تعالى وهو محال ، ومعلوم أنّه لم يوجد إلّا خلافة هؤلاء الأربعة.

الشبهة الثانية : التمسّك بقوله (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) الآية (٢) فنقول : إنّ الداعي لهؤلاء الأعراب إمّا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الخلفاء الثلاثة الذين بعده ، وإمّا علي عليه‌السلام ومن بعده ، أمّا أنّ الداعي هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فمحال لقوله تعالى (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها)

__________________

(١) النور : ٥٥.

(٢) الفتح : ١٦.

١٧٧

الآية (١). وأمّا أنّه علي عليه‌السلام فباطل ؛ لأنّه تعالى قال في صفة هؤلاء الدعاة (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) ولم يتّفق لعلي عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قتال بسبب الإسلام ، بل كانت محاربته بسبب طلب الإمامة. وأمّا أنّ الدعاة هم الذين كانوا بعد علي عليه‌السلام ، فهو ظاهر البطلان ؛ لأنّهم عندنا كانوا فسّاقا ، وعند الخصم كفّارا ، وعلى التقديرين فلا يليق بهم [ما] (٢) في قوله تعالى (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) الآية (٣) فلم يبق إلّا أن يكون المراد هو إمامة هؤلاء الثلاثة.

الشبهة الثالثة : لو كانت إمامة أبي بكر باطلة لما كان ممدوحا معظّما عند الله تعالى ، وقد كان كذلك ، فوجب القطع بصحّة خلافته ؛ أمّا الملازمة فظاهرة ، وأمّا أنّه ممدوح معظّم عند الله فلقوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (٤) وهو من بايع تحت الشجرة ، فوجب أن يكون مرضيا عند الله تعالى ، (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٥). وإذا ثبت أنّه مرضيّ عنه وجب صحّة إمامته.

الشبهة الرابعة : أنّ الصحابة كانوا يخاطبون أبا بكر بخليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي عليه‌السلام حاضر ، والخصم يعترف بذلك إلّا أنّه يحمله على التقيّة ؛ ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى وصف الصحابة بالصدق فقال (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ

__________________

(١) الفتح : ١٥.

(٢) زيادة بمقتضى السياق.

(٣) الفتح : ١٦.

(٤) الفتح : ١٨.

(٥) التوبة : ١٠٠.

١٧٨

أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١). فلمّا ثبت أنّهم خاطبوه بالخليفة ، وثبت أنّهم صادقون ، وجب أن يكون خليفة حقا.

الشبهة الخامسة : تمسّكوا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر» (٢) وقوله «اقتدوا» لفظ للجمع ، وهو إمّا للوجوب أو الندب ، وعلى التقديرين فإنّه يدلّ على جواز الاقتداء بهما في الأحكام ، ولو كان على الخطأ والضلالة لما جاز ذلك.

الشبهة السادسة : روى شعبة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير ملكا عضوضا» (٣) وصف القائمين بهذا الأمر بعده مدّة ثلاثين سنة بالوصف المقتضي للمدح والتعظيم ، ووصف من بعدهم بالوصف الدالّ على أنّهم أرباب الدنيا لا أرباب الدين ، وذلك نصّ على صحّة خلافة الخلفاء الأربعة.

الشبهة السابعة : أبو بكر أفضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأفضل هو الإمام وإنّما قلنا إنّه أفضل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر» (٤) وأمّا أنّ الأفضل هو الإمام فقد مرّ تقريره.

الشبهة الثامنة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله استخلف أبا بكر في الصلاة ، فوجب أن يبقى خليفته في باقي الأحكام ضرورة ، لأنّه لا قائل بالفرق.

__________________

(١) الحشر : ٨.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٩ ، والجامع الصغير للسيوطي ١ ـ مادة أق.

(٣) الصواعق المحرقة ، والرياض النضرة ، باب فضائل أبي بكر ، وانظر تلخيص الشافي ٣ : ٣٩ وفيه الرواية عن سفينة بدل شعبة.

(٤) الروض الفائق : ٢٢٠ ، مع اختلاف يسير.

١٧٩

الشبهة التاسعة : طريق ثبوت الإمامة إمّا بالنصّ ، وإمّا الاختيار ، وقد بيّنا أنّ النصّ باطل فثبت الاختيار ، وكلّ من قال أنّ الطريق إليه الاختيار قال أنّ الإمام هو أبو بكر ، فوجب القول بصحّة إمامته ضرورة ، لأنّه لا قائل بالفرق.

الشبهة العاشرة : لو كانت الإمامة حقّا لعليّ عليه‌السلام لكان تركه لها إمّا حال ما كانت الامّة مساعدة على الطلب أو حال ما كانت مخالفة له ؛ فإن كان الأوّل تعيّن عليه الطلب ، بحيث لو لم يطلب تبيّن أنّ الإمامة لم تكن حقّا له ، وإن كان الثاني وجب أن تكون هذه الامّة شرّ أمّة اخرجت للناس ، مع أنّهم خير أمّة اخرجت للناس ، وإذا ثبت أنّهم خير أمّة لم يكن تركه عليه‌السلام طلب للإمامة إلّا بسبب دفعهم له عنها ، وذلك يقتضي أن يكون تركه لها إنّما كان لأنّها ليست حقّا له.

الجواب عن الشبهة الاولى : لا نسلّم حملها على الأربعة فقط ، فإنّ اللفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) لفظ عامّ يتناول كلّ من آمن وعمل صالحا ، فتخصيصه بالبعض دون البعض ترجيح من غير مرجّح ، فوجب حمله على كلّ المؤمنين.

وأمّا لفظ الخلافة فلا نسلّم أنّ المراد منها الإمامة فإنّ الخلافة أعمّ ، ووضع العامّ مكان الخاصّ مجاز ، بل المراد أنّ الله تعالى وعد جميع من آمن أن يستخلفهم عوضا من الكفار في الجاهلية.

وعن الثانية : لم لا يجوز أن يكون الداعي هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا ما تبيّن الاستقبال في (سَيَقُولُ) فتحمل على أنّ الآية نزلت قبل بعض الغزوات ، وحينئذ يكون الوعد بالقول في المستقبل عند تلك الغزوة حسنا ويصلح دخول التبيين فيه.

سلّمناه ، لكن لم قلتم أنّ الداعي إذا كان أحد هؤلاء الثلاثة وجب أن تكون إمامتهم صحيحة؟ إذ من الجائز أن يكون الإنسان على الفسق المخرج عن قبول

١٨٠