النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

ميثم بن علي بن ميثم البحراني

النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

المؤلف:

ميثم بن علي بن ميثم البحراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٤

علمه بقربه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقواله فيه واعتداده به.

الثاني : أنّ أكثر الروايات أنّ هذا الخبر ورد في غير غزوة تبوك.

الثالث : أنّ ما ذكرتموه من الرواية آحادية فلا تفيد العلم ، وليس في لفظ الحديث ما يقتضي الاقتصار على هذه الواقعة ، فإذا يمتنع العلم بصحّة هذا.

والثالث أيضا باطل ؛ لما ثبت في اصول الفقه من القول بصيغ العموم ، وإذا كان كذلك وجبت صحّة القسم الثاني وإلّا لكان الحقّ خارجا عن الامّة وإنّه غير جائز.

وأمّا بيان الثاني وهو : أنّ من جملة منازل هارون من موسى استحقاقه للقيام مقامه بعد وفاته ، فلوجهين :

الأوّل : أنّه كان خليفة لموسى حال حياته لقوله تعالى حكاية عنه «اخلفني في قومي» (١) فوجب بقاء أهليّته للخلافة بعد وفاته.

التقرير الثاني : أنّا لا ندّعي خلافة هارون لموسى ، بل نقول إنّ هارون كان شريك موسى عليهما‌السلام في الرسالة ، ولا شكّ أنّه لو بقي بعد وفاته لقام مقامه في كونه مفروض الطاعة ، وذلك القدر كاف في المقصود ، لأنّه لمّا دلّ الحديث على أنّ حال عليّ عليه‌السلام كحال هارون في جميع المنازل ، كان من منازل هارون استحقاقه للقيام مقامه من وجوب العصمة ، وجب أن يكون علي عليه‌السلام كذلك.

لا يقال : الحديث لا يتناول إلّا المنازل الثابتة دون المقدّرة ، وإمامة هارون بعد موسى عليه‌السلام ما كانت حاصلة بل كانت مقدّرة ، فلا يتناولها الحديث.

لأنّا نقول : استحقاق هارون للقيام مقام موسى عليه‌السلام بعد وفاته منزلة ثابتة في الحال لأنّ استحقاق الشيء قد يكون حاصلا وإن لم يكن المستحقّ حاصلا في

__________________

(١) الأعراف : ١٤٢.

١٤١

الحال.

لا يقال : لا نسلّم دلالة الحديث على العموم ، بيانه ، هو : أنّ حسن الاستفهام والتوكيد دليل الاشتراك ، ثمّ أنّه عليه‌السلام لم يقل أنت منّي بمنزلة هارون من موسى حتّى الخلافة إن عشت بعدي. وعند الإمامية إذا قال الإنسان ضربت كلّ من في الدار وكان فيه أربعة فإنّه يحسن من السائل أن يستفهمه ، ومن القائل أن يؤكّد ، فبطريق الأولى أنّ حسن الاستفهام والتوكيد في لفظ الحديث لا يقتضي العموم.

قوله : الحكيم إذا تكلّم بكلام ظاهره التناول للأشياء ، ثمّ استثنى بعضها وهو يريد الافهام ، فإنّه يكون مريدا لما عدا المستثنى.

قلنا : هذا لا يستقيم على مذهبكم ؛ لأنّ حسن الاستفهام والتوكيد دليل الاشتراك عندكم ، ومعلوم أنّه يحسن الاستفهام بعد الاستثناء فيقال : أكرم كل من عدا زيدا. وكذلك التوكيد من المتكلّم فيقال : أمّا جميع من عدا زيدا فإنّي اكرمهم.

قوله : الحديث لو أفاد منزلة واحدة لما جاز الاستثناء لامتناع الاستثناء من الشيء الواحد.

قلنا : من مذهبكم أنّ الاستثناء يخرج من اللفظ ما لولاه لصحّ دخوله فيه ، لا ما لولاه (١) لوجب دخوله فيه ، وإذا كان كذلك فقوله عليه‌السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» يصلح لجميع المنازل ويصلح لبعضها عندكم ، فصحّ أن يستثني منه النبوّة ولا نقول : إنّه يفيد منزلة واحدة فقط ، بل نتوقّف فيه ، ونحمل الحديث على السبب ، لأنّه المتيقّن ، إذ لا يجوز خروجه عن اللفظ ، وما عداه فيلزم أن يتوقّفوا فيه.

__________________

(١) في «عا» : لو لأنّه يوجب. خطأ.

١٤٢

قوله : هذا الحديث روي في غير غزوة تبوك ، سلّمنا دلالة هذا الحديث على العموم ، لكن لا نسلّم أنّ منازل هارون من موسى كونه قائما مقامه بعد وفاته.

وقوله : إنّه كان خليفة في حال حياته ، فوجب بقاء تلك الخلافة بعد موته.

قلنا : لا نسلّم كونه خليفة له حال حياته.

أمّا قوله تعالى : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي).

قلنا : لم لا يجوز أن يكون ذلك إنّما كان (١) على طريق الاستظهار ، كما قال (وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) ولأنّ هارون كان شريك موسى في النبوّة ، فلو لم يستخلفه موسى لكان هو لا محالة يقوم بأمر الامّة ، وهذا لا يكون استخلافا على التحقيق لأنّ قيامه بذلك إنّما كان لكونه نبيّا.

ثمّ إن سلّمنا أنّ موسى عليه‌السلام استخلف هارون في قومه ، لكن في كلّ الأزمنة أو في بعضها؟ الأوّل ممنوع ، والثاني مسلّم ، بيانه : أنّ قوله : (اخْلُفْنِي فِي ...) (٢) أمر ، وهو لا يفيد التكرار بالاتّفاق ، وأيضا القرينة دالّة على أنّ ذلك الاستخلاف ما كان عامّا لكلّ الأزمنة ، لأنّ العادة جارية بأنّ من خرج من الرؤساء واستخلف على قومه خليفة أن يكون ذلك الاستخلاف معلّقا بتلك السفرة فقط ، وإذا ثبت أنّ ذلك الاستخلاف لم يكن حاصلا في كلّ الأزمنة لم يلزم من ثبوته في بعض الأزمنة ثبوته في كلّها. قوله : لو عاش هارون بعد موسى عليه‌السلام لقام مقامه في كونه مفترض الطاعة.

قلنا : تجب على الناس طاعته فيما يؤدّيه عن الله تعالى؟ أو فيما يؤدّيه عن

__________________

(١) في النسختين : يكون ، وأثبتنا الراجح.

(٢) الأعراف : ١٤٢ ، وبعده في «عا» : في أمر فهو. غلطا.

١٤٣

موسى عليه‌السلام؟ أو في تصرّفه في إقامة الحدود؟ الأوّل مسلّم ، ولكن ذلك نفس كونه نبيّا ، فلا يمكن ثبوته في حقّ عليّ عليه‌السلام ، وأمّا الثاني والثالث فممنوعان لأنّ من الجائز أن يكون النبيّ صلّى الله عليه [وآله] مؤدّيا للأحكام عن الله تعالى ويكون المتولّي لتنفيذ تلك الأحكام غيره ، وإذا جاز ذلك ما يلزم من تقدير بقاء هارون بعد موسى عليه‌السلام كونه متولّيا لتنفيذ الأحكام ، بل يجوز أن يتولّى تنفيذ الأحكام غيره ، وإذا لم يجب ذلك لم يجب كون عليّ أيضا كذلك ، سلّمنا أنّ هارون لو عاش بعد موسى لكان منفّذا للأحكام ، لكن لا شكّ في أنّه ما باشر ذلك ، لأنّه ما يستقبل موسى إماما لزم من الثاني أن لا يكون إماما (١) وإذا تعارضا تساقطا.

[الجواب عن الشبهات] :

لأنّا نجيب عن الأوّل أنّ لفظ المنزلة يفيد العموم ، وأمّا حسن الاستفهام فممنوع ، وأمّا التوكيد فبتقدير الاستئناف. على أنّ التأكيد إنّما هو تقوية المعنى الأوّل الذي يفيده اللفظ الأوّل بلفظ ثان ، فلو لم يكن اللفظ الأوّل مفيدا لعموم لما حسن تأكيده.

قوله : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقل أنت منّي بمنزلة هارون من موسى حتّى الخلافة إن عشت بعدي.

قلت : لمّا كانت لفظة «منزلة» مفيدة لعموم كلّ واحدة من المنازل ، ومن جملة المنازل كونه خليفة له لو عاش بعده ، لم يكن به حاجة إلى إفراد هذه المنزلة بالذكر.

قوله في الثاني : هذا لا يستقيم على مذهبكم ، لأنّ حسن الاستفهام

__________________

(١) كذا في النسختين ، والعبارة غير مستقيمة المعنى.

١٤٤

والتوكيد دليلا الاشتراك ، ومعلوم أنّه يحسن الاستفهام بعد الاستثناء وكذلك التوكيد.

قلنا : مرّ في الجواب عنه (١).

قوله في الثالث : من مذهبكم أنّ الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لصحّ دخوله تحت اللفظ.

قلنا : لا نسلّم ، بل هو عندنا يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله ، وصيغ العموم عندنا صحيحة. سلّمناه لكن قرينة توجب مرادية الباقي لا يستثني ما يريد إخراجه.

قوله : أصحاب الرواية الصحيحة كانت في غزوة تبوك.

قلنا : المعتبرون من أصحاب الرواية الصحيحة عندكم في هذا النقل غير بيّني العدالة عندنا ، فلا ثقة بقولكم.

قوله : لا نسلّم أنّ من جملة منازل هارون من موسى كونه قائما مقامه بعد موته.

قلنا : تقدّم جوابه.

قوله : لا نسلّم كونه خليفة له حال حياته.

قلنا : بل هو كذلك للآية.

قوله : لم لا يجوز أن يكون ذلك إنّما كان على سبيل الاستظهار.

قلنا : حمل لفظ الخلافة على ما أردناه حقيقة ، فصرفه إلى معنى آخر خلاف الظاهر ، وإنّه محتاج إلى الدليل.

قوله : ولأنّ هارون كان شريك موسى في النبوّة ، فلو لم يستخلفه موسى

__________________

(١) كذا في النسختين ، والعبارة غير وافية.

١٤٥

كان (١) هو لا محالة يقوم بأمر الامّة ، وهذا لا يكون استخلافا على التحقيق.

قلنا : حقيقة الاستخلاف هي قيام شخص مقام الآخر في تنفيذ مراسمه على سبيل النيابة عنه ، وهاهنا كذلك ، لأنّ هارون لو عاش بعد موسى عليهما‌السلام لكان متصرّفا في إقامة حدود شريعته ، منفّذا لسنّته التي خلّفها في قومه ، فقيامه بأمر الامّة حينئذ ليس لكونه نبيّا فقط.

قوله : لو سلّمنا أنّ موسى عليه‌السلام استخلف هارون في قومه لكن في كلّ الأزمنة أو بعضها؟ الأوّل ممنوع ، لأنّه أمر وهو لا يفيد التكرار ، والثاني مسلّم ، إلى آخره.

قلنا : مرادنا إثبات أهلية هارون للقيام مقام موسى بعده واستحقاقه له ، ولا شكّ أنّ تلك الأهلية ثابتة ، بدليل الاستخلاف ، والعلم حاصل ببقائها على تقدير بقائه بعده ، لمكان العصمة.

قوله : يجب على الناس طاعته فيما يؤدّيه عن الله تعالى؟ أو فيما يؤدّيه عن موسى؟ أو في نصرته في إقامة الحدود؟

قلنا : بل في الكلّ ، أمّا ثبوته في حقّ عليّ عليه‌السلام فإنّما كان من جهة كونه مؤدّيا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومتصرّفا في إقامة الحدود ، لاستحالة كونه نبيّا.

قوله : الثاني والثالث ممنوعان ، لأنّ من الجائز أن يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المؤدّي عن الله تعالى ، ويكون المتولّي لتنفيذ الأحكام غيره.

قلنا : الجواز ظاهر ، لكن لا يلزم من عدم توليته لإقامة الحدود بنفسه خروجه عن كونه متصرّفا ، فإنّ التصرّف في إقامة الحدود مثلا يصدق أن يأمر غلامه بذلك ، فيصدق حينئذ أنّ هارون لو عاش بعد موسى لوجبت طاعته

__________________

(١) في «عا» : فكان. خطأ.

١٤٦

فيما يؤدّيه عن الله ، وعن موسى عليه‌السلام ، وفي التصرّف في إقامة الحدود ، وإن لم يكن هو المباشر لإقامتها.

قوله : سلّمنا أنّه لو عاش بعد موسى لكان منفّذ الأحكام ، لكن لا شكّ في أنّه ما باشر تلك الأحكام ، إلى آخره.

قلنا : إنّ هارون إنّما لم يباشر تلك الأحكام لموته قبل موسى ، وأمّا علي عليه‌السلام فإنّه لم يمت قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظهر الفرق ، وبالله التوفيق.

١٤٧

النوع الثالث : الاستدلال بالبراهين العقلية ، وهي أربعة :

البرهان الأوّل : علي عليه‌السلام أفضل الصحابة الأفضل يجب أن يكون هو الإمام ، فإذن يجب أن يكون علي هو الإمام.

أمّا المقام الأوّل ، فبيانه من اثنين وعشرين وجها.

الأوّل : قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) وجه الاستدلال به أنّه عليه‌السلام دعا عليا إلى ذلك المقام ، وذلك يدلّ على غاية فضله.

أمّا الأوّل فلوجهين : أحدهما أنّه عليه‌السلام (٢) قصد بالمباهلة بيان دينه الذي جاء به ، وذلك يقتضي أن يخصّ بالمباهلة من يكون هو في غاية المحبّة له ، وإلّا لكان للمنافقين أن يقولوا : لو كان على بصيرة من أمره لدعا (٣) إلى المباهلة نزول العذاب على من يحبّه ويخاف عليه ، دون من ليس كذلك.

ثمّ إنّ شفقة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الذين أحضرهم في ذلك الموضوع إمّا لشدّة قربهم ، وهو باطل ، وإلّا لأحضر العباس وعقيلا كما أحضر عليا عليه‌السلام ، أو لكمال فضلهم فيلزم أن يكون علي أفضل الخلق.

الثاني : أنّه لمّا كانت نفس علي عليه‌السلام نفسا له صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب أن يثبت لعليّ عليه‌السلام جميع ما يثبت له ، لأنّ مقتضى الوحدة ذلك ، ترك العمل به فيما عرف بضرورة

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) هنا في النسختين زيادة : إنّه إن.

(٣) هنا في النسختين زيادة الهاء : لدعاه.

١٤٨

العقل وهو التعدّد والصفات التي اختصّ كلّ واحد منهما بها ، أو بنظره (١) كالنبوّة ، فيجب العمل به فيما عداه.

الثاني : قوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) جاء في التفسير أنّ الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام (٣).

الثالث : قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٤). ولا شكّ في دخول عليّ عليه‌السلام ، وخروج أبي بكر.

الرابع : خبر الطير : وهو ما روي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله اهدي إليه طائر مشويّ ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك ، يأكل معي من هذا الطائر.

وفي رواية اخرى : «اللهم أدخل إليّ أحبّ أهل الأرض إليك» فجاء عليّ عليه‌السلام وأكل معه من ذلك الطير (٥) والاستدلال به : انّ أحبّ الخلق إلى الله ليس إلّا أكثرهم ثوابا ، لأنّ المحبّة منه تعالى لعبده ليس إلّا إرادة الثواب. وأمّا أنّ أكثر الناس ثوابا أفضل فهو ظاهر.

الخامس : حديث المؤاخاة فإنّه عليه‌السلام لمّا آخى بين أصحابه اتّخذه أخا

__________________

(١) أي بنظر العقل ، في مقابل ضرورة العقل.

(٢) التحريم : ٤.

(٣) انظر تلخيص الشافي ٣ : ٩ ، وبهامشه بعض مصادر الخبر ، والتبيان ١٠ : ٤٨ ، ومجمع البيان ١٠ : ٤٧٤ ، وتفسير شبّر : ٥٣٣ ، والميزان ١٩ : ٣٣٢ و٣٤٠ و٣٤١ ، وما نزل في القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام للجبري : ٨٦ ، طبعة قم الاولى ، وينابيع المودّة ١ : ٩٣ ، طبعة استانبول.

(٤) الشورى : ٢٣.

(٥) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١١ ، وبهامشه بعض مصادر الخبر ، والفصول المائة ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٥٠.

١٤٩

لنفسه (١). وذلك يدلّ على علوّ شأنه وزيادة منقبته.

السادس : خبر الراية وهو ما روي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر إلى خيبر فرجع منهزما ، ثم بعث عمر فرجع منهزما ، فبلغ ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيّ مبلغ ، فبات ليلته مهموما ، فلمّا أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال : «لاعطينّ الراية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرّارا غير فرّار» فتعرّض لها المهاجرون والأنصار ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أين عليّ؟ فقالوا : إنّه أرمد العين فجاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتفل في عينه ، ثمّ دفع إليه الراية (٢).

فهذا الحديث وكيفية ما جرى يستلزم سلب الأوصاف الحميدة التي تثبت لعلي عليه‌السلام عن غيره ، خصوصا الذين غضب عليهم ، وإلّا لما كان في تخصيصه بهذه الأوصاف فائدة ، وليس ذلك من دليل الخطاب ، بل استدلال بقرائن كيفية ما جرت الحكاية عليه.

السابع : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (٣) وقد تقدّم بيانه.

الثامن : قوله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» (٤) وهذا الخبر وإن لم يدلّ على الإمامة فلا أقلّ من دلالته على أنّه عليه‌السلام أفضل من الشيخين.

التاسع : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذي الثدية : «يقتله خير هذه الامّة» (٥) وقاتله كان عليّ عليه‌السلام.

__________________

(١) انظر مصادر خبر المؤاخاة في تتمّة المراجعات ، سبيل النجاة : ١٢٣ ـ ١٢٧.

(٢) انظر مصادر خبر الراية في كتاب (علي في الكتاب والسنّة) ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٦ ، طبعة بيروت ، وتلخيص الشافي ١ : ٢٣٦ و٢ : ٣٩ و٣ : ١٣.

(٣) انظر البحث عن حديث الغدير وطرقه وتفاصيله في الفصول المائة ٢ : ٤٠٧ ـ ٤٨٧.

(٤) انظر البحث عن حديث المنزلة وطرقه في الفصول المائة ٢ : ٣٥٧ ـ ٣٩٧.

(٥) انظر تلخيص الشافي ٢ : ٢٦٥ وبعض مصادره بهامشه ، والذخيرة : ٤٩٢ و٤٩٣.

١٥٠

العاشر : روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة عليها‌السلام : «إنّ الله اطّلع إلى أهل الأرض فاختار منهم أباك فاتّخذني نبيّا ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منهم بعلك» (١).

الحادي عشر : ما روي عن عائشة أنّها قالت : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل عليّ عليه‌السلام فقال : «هذا سيّد العرب» قالت : قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمّي ألست أنت سيّد العرب؟ فقال : «أنا سيّد العالمين ، وهذا سيّد العرب» (٢).

الثاني عشر : ما روي عن أنس أنّه عليه‌السلام قال : «إنّ أخي ووزيري ، وخير من أتركه بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي : علي بن أبي طالب» (٣).

الثالث عشر : عن أبي رافع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : «أما ترضين أن قد زوّجتك خير أمّتي» (٤).

الرابع عشر : عن سلمان رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب» (٥).

الخامس عشر : عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ خير

__________________

(١) انظر الذرية الطاهرة : ٩٣ ، وتلخيص الشافي ٣ : ١٦ وبهامشه بعض مصادره ، والذخيرة : ٤٩٣ وبهامشه بعض مصادره ، تتمّة المراجعات ، سبيل النجاة : ١٥٦ و٢٢٤ ـ ٢٢٧.

(٢) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٦ وبهامشه بعض مصادره ، والذخيرة : ٤٩٣ ، وبهامشه بعض المصادر.

(٣) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٧ وبهامشه بعض المصادر ، والذخيرة : ٤٩٣ ، والغدير ٣ : ٩٥ و٧ : ١٨٢.

(٤) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٧ وبهامشه بعض المصادر ، والذخيرة : ٤٩٣ ، والغدير ٣ : ٩٥ و٧ : ١٨٢.

(٥) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٧ وبهامشه بعض المصادر ، والذخيرة : ٤٩٣.

١٥١

البشر من أبى فقد كفر» (١).

السادس عشر : من الوجوه العقلية : عليّ عليه‌السلام أعلم الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأعلم أفضل ، بيان المقدّمة الاولى بالإجمال والتفصيل :

أمّا الاجمال فهو أنّه لا نزاع أنّه عليه‌السلام كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والاستعداد للعلوم ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غاية الحرص في تربيته وإرشاده إلى اكتساب الفضائل ، ثمّ إنّ عليّا عليه‌السلام نشأ من أوّل صغره في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي كبره صار ختنا له ، وكان يدخل عليه في كلّ يوم ، ومعلوم أنّ مثل هذا التلميذ إذا كان بهذه الأوصاف وكان استاذه بالأوصاف المذكورة ، ثمّ اتّفق لهذا التلميذ أن اتّصل بخدمة مثل هذا الاستاذ في زمان الصغر وفي كلّ الأوقات ، فإنّه يبلغ المبلغ التامّ من العلم.

أمّا أبو بكر وأمثاله فإنّهم اتّصلوا بخدمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمان الكبر ، ثمّ إنّهم ما كانوا يصلون إليه في يوم وليلة إلّا زمانا يسيرا ، وقيل : «العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، والعلم في الكبر كالنقش في المدر». فثبت أنّه عليه‌السلام كان أعلم من أبي بكر وغيره.

وأمّا التفصيل فمن وجوه :

أحدها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ» (٢) والقضاء يحتاج إلى جميع أنواع العلوم فلمّا رجح على الكلّ في القضاء وجب رجحانه عليهم في كلّ العلوم ، وأمّا سائر الصحابة فقد رجّح بعضهم على بعض في علم خاصّ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفرضكم زيد بن ثابت» و «أقرأكم أبيّ».

__________________

(١) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٧ وبهامشه بعض المصادر ، والذخيرة : ٤٩٣ وفيه : فمن أبى.

(٢) انظر تلخيص الشافي ٢ : ٢٧٣ و٣ : ٢١ ، والغدير ٣ : ٩٦ و٦ : ٩٦ ، و٧ : ١٨٣.

١٥٢

الثاني : أجمع أكثر المفسّرين على أنّ قوله تعالى (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١) نزلت في حقّ عليّ عليه‌السلام ، وقد روي : أنّها لمّا نزلت (٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم اجعلها اذن عليّ فقال عليّ عليه‌السلام بعد ذلك ما نسيت بعدها أبدا (٣) واختصاصه بمزيد الفهم يدلّ على اختصاصه بمزيد العلم.

الثالث : روي : أنّ عمر أمر برجم امرأة ولدت لستّة أشهر فنبّهه عليّ عليه‌السلام بقوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٤) مع قوله : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (٥) على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستة أشهر. فقال عمر سوّد الله وجهي ، لو لا علي لهلك عمر (٦).

الرابع : أنّ امرأة أقرّت بالزنا وهي حامل فأمر عمر برجمها ، فقال عليّ عليه‌السلام : إن كان لك سلطان عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟! دعها حتّى تضع ولدها ثمّ افعل بها ما شئت. فترك عمر رجمها وقال : لو لا عليّ لهلك عمر (٧).

الخامس : قال عليه‌السلام : «لو كسرت لي الوسادة ثمّ جلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ،

__________________

(١) الحاقّة : ١٢ ، وانظر التبيان ١٠ : ٩٨ ، ومجمع البيان ١٠ : ٥١٩ ، وتفسير شبّر : ٥٣٠ ، والميزان ٢٠ : ٣٩٥ و٣٩٦.

(٢) في النسختين هنا هذه الآية. وهي زائدة.

(٣) انظر تفاسير التبيان ومجمع البيان والميزان كما سبق ، والغدير ٣ : ٣٩٤ و٤ : ٦٥.

(٤) الأحقاف : ١٥.

(٥) البقرة : ٢٣٣.

(٦) الغدير ٦ : ٩٣ و٩٤.

(٧) الغدير ٦ : ١١٠ و١١١.

١٥٣

وبين أهل الفرقان بفرقانهم (١) والله ما من آية نزلت في برّ أو بحر ، أو سهل أو جبل ولا سماء ولا أرض ولا ليل ولا نهار ، إلّا وأنا أعلم فيمن نزل وفي أيّ شيء نزلت» (٢) وذلك يدلّ على أنّه لم يبار (٣) في العلوم.

السادس : إنّ أعظم العلوم علم الاصول (٤) ، وقد جاء في خطبه عليه‌السلام من أسرار التوحيد والعدل والنبوّة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ما لم يأت في كلام سائر الصحابة.

السابع : إنّ جميع فرق العلماء تنتهي في علومهم مع اختلاف أنواعها إليه ، فوجب أن يكون أعلمهم ، بيان الأوّل :

أمّا علم الاصول فالمتكلّمون إمّا معتزلة وهم ينسبون إليه ، وإمّا أشعرية وهم ينسبون إلى أبي الحسن الأشعري (٥) وهو تلميذ أبي علي الجبّائي المعتزلي (٦) وهو ينسب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وأمّا الشيعة فانتسابهم إليه ظاهر.

وأمّا الخوارج وهم مع بعدهم عنه منتسبون إلى أكابرهم وكانوا تلامذة علي عليه‌السلام.

__________________

(١) إلى هنا في تلخيص الشافي ٣ : ٢٢ ومصادره في الهامش.

(٢) الغدير ٢ : ٤٤ ، و٧ : ١٠٨.

(٣) يبار : فعل مستقبل مجزوم من المباراة أي المسابقة.

(٤) الاصول هنا اصول العقائد ، كما يأتي.

(٥) أبو الحسن علي بن إسماعيل البصري البغدادي ، من أحفاد أبي موسى الأشعري ، توفّي في ٣٣٤ ه‍ ببغداد.

(٦) أبو علي محمّد بن عبد الوهاب المعتزلي البصري البغدادي المتوفّى في بغداد ، وعن ابن نديم أنّه أوصى أن ينقل إلى قريته الجبّاء بناحية البصرة فيدفن بها ـ هدية الأحباب : ١٣٤.

١٥٤

وأمّا علم التفسير : فرئيس المفسّرين ابن عباس وكان تلميذا لعليّ عليه‌السلام.

وأمّا علم الفقه : فكان عليه‌السلام فيه في أعلى درجة ، ولهذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم علي» (١) وقال علي عليه‌السلام : «لو كسرت لي الوسادة» (٢) كما ذكرناه.

وأمّا الفصاحة : فمعلوم أنّ أحدا من الصحابة الذين بعده والذين معه أيضا لم يدركوا درجته ولا القليل منها.

وأمّا علم النحو : فمعلوم أنّه إنّما نشأ منه وهو الذي أرشد أبا الأسود الدؤلي إليه (٣).

وأمّا علم التصفية : فمعلوم أنّ نسبة جميع الصوفية تنتهي إليه.

وأمّا علم الشجاعة وممارسة الأسلحة فمعلوم أنّ نسبة هذا العلم تنتهي إليه أيضا.

فثبت بما ذكرناه أنّه عليه‌السلام كان استاذ العالمين بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجميع الخصال الحميدة والمقامات الشريفة حاصلة له ، وإذا ثبت أنّه عليه‌السلام كان أعلم الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب أن يكون أفضلهم بعده لقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٤) وقوله تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (٥).

__________________

(١) اشير إلى مصادره قبل قليل.

(٢) اشير إلى مصادره قبل قليل.

(٣) الفصول المختارة ١ : ٥٩ ، طبعة النجف الأشرف.

(٤) الزمر : ٩.

(٥) المجادلة : ١١.

١٥٥

السابع عشر : عليّ عليه‌السلام كان أكثر جهادا من أبي بكر ، فوجب أن يكون أفضل منه.

أمّا الأوّل : فقراءة كتب السير والأخبار توضح ما قلناه (١).

وأمّا أنّ كلّ من كان جهاده أكثر كان أفضل ، فلقوله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ، وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٢).

الثامن عشر : إيمان علي عليه‌السلام كان قبل إيمان أبي بكر ، وإذا كان كذلك كان صلوات الله عليه أفضل من أبي بكر.

أمّا الأوّل فلوجوه :

أحدها : روي أنّ عليا عليه‌السلام قال على المنبر : «أنا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم» (٣). ثمّ إنّ تلك الدعوى كانت بمحضر جمهور الصحابة والتابعين ولم ينكر أحد منهم عليه ، ولو لم يكن ذلك مشهورا بينهم لما أمكنهم السكوت عنه.

الثاني : سلمان الفارسي رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوّلكم ورودا

__________________

(١) انظر فصل جهاده عليه‌السلام في الإرشاد : ٣٨ ـ ٨٨ ، طبعة النجف الأشرف ، ومناقب آل أبي طالب ٢ : ٦٥ ـ ٧٠ ، طبعة قم.

(٢) النساء : ٩٥.

(٣) انظر مصادر لقب الصدّيق والفاروق لعلي عليه‌السلام في تتمة المراجعات : سبيل النجاة : ٢٣٥ و٢٣٦ ، والصدّيق فقط في هامش تلخيص الشافي ٣ : ٣٤٤ ، ونصّ الخبر في الغدير ٣ : ٢٢١ و٢٢٣ ، وشرح النهج للمعتزلي ١٣ : ٢٢٨.

١٥٦

عليّ الحوض أوّلكم إسلاما ، عليّ بن أبي طالب» (١).

الثالث : روى أنس بن مالك قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين وأسلم علي عليه‌السلام يوم الثلاثاء (٢).

الرابع : عبد الله بن الحصين قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «أنا أوّل من صلّى وأوّل من آمن بالله ، ولم يسبقني غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

الخامس : إنّ كون إيمان علي عليه‌السلام قبل إيمان أبي بكر أقرب إلى العقل ، وذلك أنّ عليا عليه‌السلام كان ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي داره مختصّا به ، وأمّا أبو بكر فإنّه كان من الأجانب ، وفي غاية البعد أن يعرض الإنسان هذه المهمات العظيمة على الأجانب قبل عرضها للأقارب المختصّين به غاية الاختصاص سيّما والله تعالى يقول : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٤).

لا يقال : إسلام أبي بكر كان سابقا ، لقوله صلّى الله عليه [وآله] : «ما عرض الإيمان على أحد إلّا وله كبوة ، غير أبي بكر فإنّه لم يتلعثم» (٥). فلو تأخّر إسلام أبي بكر (٦) فإن كان من قبل تأخّر عرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الإسلام عليه كان ذلك تقصيرا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو غير جائز ، وإن كان من قبل أبي بكر فهو باطل

__________________

(١) انظر مصادره في الغدير ٣ : ٢٢٠ ، ثمّ البحث في ذلك حتّى ٢٤٣ ، والصحيح في السيرة ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٥ ، والفصول المختارة : ٢١٢.

(٢) انظر الغدير ٣ : ٢٢٤ و٢٢٥ ، وشرح النهج ١٣ : ٢٢٩.

(٣) انظر كلماته عليه‌السلام المختلفة في هذا المعنى في الغدير ٣ : ٢٢١ ـ ٢٢٤.

(٤) الشعراء : ٢١٤.

(٥) تلعثم الرجل : إذا مكث وتأنّى. ونقل الخبر المعتزلي عن نقض العثمانية للاسكافي في شرح النهج ١٣ : ٢٤٩.

(٦) في النسختين : لكان إن كان. وأثبتنا الصحيح.

١٥٧

للخبر المذكور ، فدلّ على أنّ إسلامه لم يتأخّر ، فهو بعينه يدلّ على أنّ من سواه قد تلعثم ، فيكون علي عليه‌السلام كذلك ، وذلك يدلّ على تأخّر إسلامه.

سلّمناه ، لكن نقول : إنّ عليا عليه‌السلام حين أسلم كان صبيا ، لدليل الشعر المنقول عنه قوله :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

غلاما ما بلغت أوان حلمي(١)

وأبو بكر حين أسلم كان شيخا عاقلا ، والناس قد اختلفوا في صحّة إسلام الصبيّ ، وكيف كان ، ولا شكّ أنّ إسلام البالغ العاقل الصادر عن التمييز أفضل من إسلام الصبيّ الذي لا يكون كذلك.

سلّمنا أنّ عليا عليه‌السلام كان بالغا حين أسلم إلّا أنّه كان في ذلك الوقت غير مشهور بين الناس ولا محترما ولا مقبول القول ، بل كان كالصبيّ الذي يكون في البيت ، فما كان يحصل بسبب إسلامه قوّة في الدين. فأمّا أبو بكر فإنّه كان شيخا موقّرا محترما ، فحصل بسبب شوكته قوّة ، فكان إسلامه أفضل من إسلام علي عليه‌السلام.

لأنّا نقول : أمّا الخبر الذي ذكرتموه فلا نسلّم صحّة طريقه ، سلّمناه ، لكنّه خبر واحد فلا يفيد العلم ، سلّمناه ، لكنّه لا ينافي تأخير إسلام أبي بكر لجواز تأخيره من قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله العرض عليه ، لأنّه علم أنّه لا يقبل الإسلام في تلك المدّة ثمّ علم أنّه قد فزع إلى الحقّ فعرض عليه فلم يتلعثم ، وهذا لا يدلّ على

__________________

(١) في النسختين : غلام ، وأثبتنا الصحيح. ورواه المفيد (صغيرا) كما عنه في الفصول المختارة ٢ : ٢١١ وفي ٢٢٦ هكذا :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

على ما كان من فهمي وعلمي

وبحثه من ٢٠٤ ـ ٢٢٨ ، وفي الغدير ٢ : ٢٥ ـ ٣٣.

١٥٨

سبق إسلامه ، وثبت بالأدلّة السابقة أنّ إسلام عليّ عليه‌السلام كان مقارنا للبعثة ، فلم يلزم ممّا ذكروه سبق إسلام أبي بكر على إسلامه.

قوله : إنّ عليا عليه‌السلام حين أسلم لم يكن بالغا.

قلنا : لا نسلّم أنّه أسلم قبل البلوغ ، وبيانه : أنّ سنّ عليّ عليه‌السلام كان بين خمس وستين سنة وبين ستّ وستين سنة ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلغ بعد الوحي ثلاثة وعشرين سنة ، وعلي عليه‌السلام قد بقي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قريبا من ثلاثين سنة ، فإذا أسقطنا ثلاثا وخمسين من ستّ وستين بقي ثلاثة عشر سنة (١) وبلوغ الإنسان في مثل هذا (٢) السنّ ممكن ، فعلمنا أنّه كان ممكن البلوغ في ذلك الوقت ، وإذا ثبت الإمكان وجب الحكم بوقوعه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : «زوّجتك أقدمهم سلما ، وأكثرهم علما» (٣) ولو كان صبيا حين أسلم لما صحّ هذا الكلام.

سلّمنا أنّه ما كان بالغا حين أسلم لكن لا امتناع في وجود إسلام (٤) صبي كامل العقل قبل البلوغ ، وكذلك حكم أبو حنيفة بصحّة إسلام الصبي ، وحينئذ يكون إسلام صبيّ قبل البلوغ دليلا على فضله لوجهين :

أحدهما : أنّ الغالب على طباع الصبيان الميل إلى الأبوين ، ثمّ إنّ عليا عليه‌السلام خالف أبويه وأسلم فدلّ ذلك على فضله.

الثاني : أنّ الغالب على الصبيان الميل إلى اللعب فيكون نظره وفكره في دلائل التوحيد. وإعراضه عن اللعب من أدلّ الامور على فضله ، وكان في زمان

__________________

(١) هنا (ثلاث عشرة سنة) مكررة في النسختين.

(٢) من نسخة «عا».

(٣) انظر تلخيص الشافي ٣ : ٢٣٣ و٢٣٤ متنا وهامشا. ونزل الأبرار : ٦٤.

(٤) من نسخة «عا».

١٥٩

صباه مساويا للعقلاء الكاملين.

قوله : حصل بإسلام أبي بكر قوّة وشوكة في الدين لم تحصل بإسلام عليّ عليه‌السلام.

قلنا : هذا أوّلا إنّما يتمّ لو صحّ أنّ أبا بكر قبل إسلامه كان موقّرا محترما بين الخلق ، وأنّه دعا الناس إلى الإسلام وهما ممنوعان.

ثمّ لا نسلّم أنّه حصل بسبب إسلامه شوكة في الدين.

فيثبت بما قرّرناه أنّ إسلام علي عليه‌السلام كان مقدّما على إسلام أبي بكر ، وبثبوت ذلك ثبت أنّ عليا عليه‌السلام أفضل ، لقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١) لأنّ المسارعة إلى الخيرات توجب الأفضلية ، لقوله تعالى في حقّ الأنبياء عليهم‌السلام : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (٢).

التاسع عشر : أنّ عليا عليه‌السلام كان أفضل بني هاشم بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو متّفق عليه وبنو هاشم أفضل من عداهم لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم قريشا ، واصطفى من قريش هاشما» (٣). والأفضل من الأفضل أفضل.

العشرون : أنّ عليا عليه‌السلام لم يكفر بالله طرفة عين ، وأبو بكر في زمان الجاهلية كان كافرا ، ولذلك خصّ عليّ (٤) عليه‌السلام عند الخصم بقوله عند ذكره «كرّم الله وجهه». وإذا ثبت هذا فنقول : إنّ عليا عليه‌السلام كان أكثر تقوى من

__________________

(١) الواقعة : ١٠ و١١.

(٢) الأنبياء : ٩٠.

(٣) انظر تأريخ بغداد ١٣ : ٦٤ ، وأمالي المفيد : ٢١٦ ، طبعة الغفاري ، كلاهما عن واثلة بن الأصقع.

(٤) في النسختين : عليا. وأثبتنا الصحيح.

١٦٠