النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

ميثم بن علي بن ميثم البحراني

النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

المؤلف:

ميثم بن علي بن ميثم البحراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٤

الله ورسوله» (١) أي أولياء الله ورسوله.

وقوله عليه‌السلام : «أيّما امرأة تزوّجت بغير إذن مولاها» (٢) فالرواية المشهورة مفسّرة له.

وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) (٣) أي وليّهم وناصرهم هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين (٤) فقد ظهر بما قلنا أنّ لفظة المولى غير محتملة الأولى.

سلمناه لكن لم قلتم : بتعيين حمله في هذا الحديث عليه في الوجه الأوّل ، وأنّ من ذكر كلاما محتملا لأشياء عقيب كلام خرج في أحد محتملاته. فإنّه يريد بذلك المحتمل ذلك الصريح.

قلنا : هذا ممنوع.

قوله : الإنسان إذا كان له عبيد فيهم زيد فقال للجماعة : ألستم تعرفون عبدي زيدا اشهدكم أنّ عبدي حرّ ، فهم منه أنّه أراد عبده زيدا.

قلنا : لا نسلّم ، بدليل حسن الاستفهام والتوكيد هاهنا الذين هما عندكم دليل الاشتراك ، فإنّه لو أشهد أقواما على ذلك لم يشهدوا حتّى يستفسروه : أي عبيدك تريد؟ ويحسن منه أن يقول بعد المقدمة : اشهدكم أنّ عبدي الذي هو زيد.

ثمّ سلّمنا أنّ تقديم تلك المقدّمة يقتضي أن يكون المراد بالمولى الأولى ،

__________________

(١) كنز العمّال ١٢ : ٨٨ ، الحديث ٣٤١١٣ ، مع تقديم وتأخير في مفردات الحديث.

(٢) انظر التبيان ٣ : ١٨٧ ، ومجمع البيان ٢ : ٤١ وفيهما : نكحت.

(٣) سورة محمد : ١١.

(٤) انظر التبيان ٩ : ٢٩٥ ، ومجمع البيان ٩ : ١٥١ ، وتفسير شبر : ٤٧٥ ، والميزان ١٨ : ٢٣٠.

١٢١

ولكن (١) مؤخرة الحديث وهي قوله صلّى الله عليه [وآله] : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» تقتضي أن يكون المراد من المولى الناصر ؛ وذلك أنّ لفظة المولى لمّا كانت محتملة لذلك المعنى ولغيره ، ثم ذكر عقيبها لفظا صريحا في ذلك المعنى وهي الموالاة التي هي ضدّ العداوة ، يبادر إلى الذهن أنّه إنّما أراد بالمولى الناصر.

قوله في الوجه الثاني : أنّ المولى له معان كثيرة لكن لا يمكن حمله هاهنا إلّا على الأولى.

قلنا : لا نسلّم ، ولم لا يجوز حمله على ولاية الدين والنصرة؟

قوله : كون المؤمنين بعضهم أولياء بعض معلوم ، فكيف يجوز أن يجمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الجموع في مثل ذلك ليقرأ على الخلق إيجاب ما تقدّم إيجابه من موالاته.

قلنا : في ذكره فائدتان :

إحداهما : أنّ لفظ العام ممكن للمعاند من أن يقول : إنّما أوجب الله تعالى ولاية المؤمنين ، فمن أين فلان منهم؟ ولا يمكن أن نقول ذلك إذا عيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلانا بالولاية ، لأنّ ما نصّ عليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو أحقّ.

الثانية : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ربّما أحسّ بقوم أنّهم غير مخلصين في ولاية علي عليه‌السلام فأراد أن يحملهم على الإخلاص في موالاته بموالاة نفسه.

بيانه : أنّه عليه‌السلام إنّما قال ذلك بعد الفتح ، وقد دخل في الإسلام بعد الفتح من كان علي عليه‌السلام قتل أقاربهم ، ولا يمتنع أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أشفق أن يكون قد بقي في قلوب اولئك بقايا نفار ، فأراد صلى‌الله‌عليه‌وآله إزالته ، وإذا كانت هذه الوجوه محتملة

__________________

(١) اللفظ هنا في النسختين : وذلك ، وأثبتنا الصحيح.

١٢٢

لم يلزم من حمل المولى على الناصر التكرار وخلوّه عن الفائدة.

ثمّ إن سلّمنا خلوّه عن الفائدة لكن لم لا يجوز ذلك؟ أليس عندكم أنّ إمامة علي عليه‌السلام كانت ثابتة بالنصوص الجلية فإذا جاز بعد سبق العلم بإمامته بالنصوص الجلية جمع الجموع لإثبات إمامته بمثل هذا النصّ الخفيّ فلئن يجوز فيما قلناه كان أولى.

سلمناه ، قوله في الوجه الثالث : إنّ لفظة المولى تفيد في جميع محاملها معنى واحدا وهو الأولى ، فوجب حملها عليها دفعا للاشتراك.

قلنا : أهل اللغة في هذه اللفظة فريقان : منهم من جعلها مشتركة بين هذه المعاني ، ومنهم من جعلها بمعنى القرب والدنو على ما بيّناه ، فالقول بأنّها موضوعة لمعنى واحد وهو الأولى خرق للإجماع.

سلّمنا أنّه لا يكون مخالفا للإجماع ولكن المعتق يسمى مولى مع أنّه ليس أولى بالتصرّف فبطل قولكم : أنّ هذه الأولوية ثابتة في جميع مفهومات هذه اللفظة.

سلّمنا أنّ الأولوية ثابتة في جميع مفهوماتها ، لكن معنى القرب والدنو قدر مشترك بينهما ، وقد نصّ أهل اللغة على أنّها موضوعة لذلك ، فيكون ذلك أولى ممّا ذكرتموه ، وأيضا فمعنى النصرة حاصل في الجميع فلم لا تحملونه عليه؟!

قوله في الوجه الرابع : إنّ عمر قال «بخ بخ» إلى آخره.

قلنا : لم لا يجوز أن يكون أراد النصرة؟

قوله : النصرة أمر ظاهر.

قلنا : تقدّم الكلام فيه.

سلمناه لكن لو كان المراد ما ذكرتموه للزم أن يكون أولى بالتصرّف في حال وجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا ، كما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك ، ومعلوم ، أنّكم لا تقولون به.

١٢٣

سلمنا أنّ المولى يفيد الأولى فلم قلتم : إنّ ذلك يدلّ على الإمامة؟

قوله في الوجه الأوّل : إنّ أهل اللغة لا يستعملون ذلك إلّا فيمن يملك التدبير والتصرّف.

قلنا : لا نسلّم بل قد جاء في القرآن لغير ذلك قال الله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (١) فأخبر أنّ أتباع إبراهيم كانوا أولى به ، ومعلوم أنّهم ليسوا بأولى بالتصرّف فيه ، فكذلك أتباع السلطان يقولون : نحن أولى بسلطاننا ، والتلامذة : نحن أولى باستاذنا ، وليس المقصود إلّا الأولوية في أمر ما ، لا في التصرّف فقط ، لأنّ صحّة الاستفهام عمّا هو فيه والتوكيد بذكره (٢) دليلان على الاشتراك.

قوله في الوجه الثاني : إنّ قولنا : فلان أولى بي من نفسي ، وإن كان لا يقتضي الأولوية في التصرّف إلّا أنّه هاهنا كذلك ، لأنّه لمّا كان قوله عليه‌السلام : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم» معناه أولى بالتصرّف فيكم ، وجب أن يكون قوله : «فعلي مولاه أولى بكم من أنفسكم في التصرّف فيكم».

قلنا هذا أيضا ممنوع بدليل حسن الاستفهام والتوكيد.

[بداية الإجابة عن الشبهات] :

لأنّا نجيب :

عن الأوّل : أنّ العلم بصحته ضروري من التواتر.

قوله : هذه مكابرة إذ ليس العلم له كوجود مكة وغيرها من المتواترات.

__________________

(١) آل عمران : ٦٨.

(٢) في نسخة «عا» : نذكره ، غلطا.

١٢٤

قلنا : عندنا أنّه كذلك ، فأمّا عندكم فإن زعمتم أنّه لم يحصل لكم العلم به أصلا فلم يضرّنا ذلك ، وغير ممتنع أن يحصل لكم العلم ، للعلّة التي ذكرناها وهو اعتقادكم لما ينافي موجب الخبر ، وإن زعمتم أنّ العلم به حاصل لكن بينه وبين المتواترات تفاوت ، فقد سلمتم أنّه متواتر ، وأمّا التفاوت فغير ضار لأنّ العلوم الضرورية مختلفة بالأشديّة والأضعفيّة.

قوله : إنّ كثيرا من أكابر نقله الحديث لم ينقلوها كمسلم والبخاري وغيرهما.

قلنا : كون شخص أو شخصين أهملا حديثا لم يلزم منه سقوط ذلك الحديث وكذبه ، فإنّه لو نقل كلّ الرواة كل الأخبار كما وقعت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما وقع بين الناس خلاف في خبر قطّ ، ومعلوم أنّ الخلاف في الأخبار أكثر من أن يحصى ، ثمّ (الحامل لهم) (١) على الاهمال إمّا عدم الوصول إلى التزكية ، أو لاعتقادهم عدم صحّته لشبهة عندهم ، أو لعدم اعتقادهم لصحته ، أو لتوقفهم في رواته ، حتى أنّ تاركيه لو صرّحوا بفساده لم يلزم فساده.

قوله : على أنّ عليا عليه‌السلام كان يوم الغدير باليمن ولم يكن حاضرا.

قلنا : لا نسلّم فإنّ كلّ من نقل هذا الحديث نقل حضور علي عليه‌السلام وأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بضبعه (٢) والإشارة إليه بهذا الكلام. فالعلم الحاصل بهذا الخبر مستلزم للعلم بوجوده عليه‌السلام في ذلك الوقت. وأيضا فكلام عمر مخاطبا له (٣) وشعر حسّان

__________________

(١) عن هامش نسخة «عا».

(٢) انظر الجزء الأوّل من موسوعة الغدير في الكتاب والسنة والأدب ، للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي قدس‌سره.

(٣) انظر حديث التهنئة في الغدير ١ : ٢٧٠ ـ ٢٨٣.

١٢٥

ابن ثابت في هذا المعنى يشهدان بحضوره في ذلك الوقت (١).

قوله : أمّا دعواكم تواتر هذا الخبر فمخالفوكم أيضا يدّعون تواتر الأخبار الدالّة على فضائل الشيخين ، إلى آخره.

قلنا : أمّا ما كان من تلك الأخبار مستلزم صحته إمّا منهما ، أو قادحا فيما علمناه بالضرورة في حق علي عليه‌السلام فنحن نجزم بعدم صحّته ، لاستحالة أن يتكلّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكلامين متنافيين وما لم يكن كذلك من الأخبار الدالّة على فضيلة لهما من خارج فنحن لا نمنع أن يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ أحد كلاما يستميل به قلبه ، فتتأكّد فيه محبة الإيمان ورسوخه ، بعد ثبوت صحة ذلك النقل على وجهه.

قوله : تعويلكم على رواية الشيعة إمّا لأجل كثرتهم أو لأجل إجماعهم ، والأوّل باطل ، لأنّهم ما بلغوا في الزمن الأوّل حدّ التواتر.

قلنا : إنّ مثل هذا الخبر لا يختصّ بنقله الشيعة فقط حتّى لا تكون كثرتهم تفيد العلم.

سلّمنا أنّ الشيعة هم الناقلون فقط ، لكن لم قلتم أنّهم لم يبلغوا في الكثرة إلى حدّ التواتر؟ وظاهر أنّهم لم يزالوا بالغين إلى حدّ التواتر؟

سلّمنا لكنّ (٢) العلم التواتري لا يتوقّف على الكثرة فإنّ المخبر الواحد مع انضمام القرائن إليه قد يفيد خبره العلم ، فليس من شرط التواتر تحقّق الكثرة دائما.

قوله : إجماع الامّة إمّا أن يكون على كونه من أخبار الآحاد أو أخبار

__________________

(١) انظر شعر حسان وترجمته في الغدير ٢ : ٣٥ ـ ٦٥.

(٢) في نسخة «عا» هنا زيادة : لم قلتم؟ وهي في نسخة «ضا» مكتوبة ولكن مشطوب عليها.

١٢٦

التواتر ، الأوّل مسلّم والثاني ممنوع فلم قلتم : إنّ ذلك يدلّ على القطع؟

قلنا : اتّفاق الامّة على نقله واعتقاد صحّته دليل جزمهم به.

قوله : إنّ أكثر الامّة تجعله خبر واحد بمعنى أنّهم يعتقدون أنّ صحّته مظنونة لا معلومة إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم ، وذلك أنّ أكثر الامّة إذا اعتقدوا بأسرهم مخالفهم ومؤالفهم (١) صحّته خصوصا ، وفي المخالفين لما يتضمّنه هذا الخبر من شديد المعاندة في إنكار مقتضاه ، فيستحيل أن يكون فيه تسليم له ثم بعد ذلك يتعسّف في صرفه عن ظاهره إلى تأويلات نادرة لا تسمن ولا تغني من جوع.

قوله : ولو سلّمنا ذلك لكن ، لا يمكنكم التمسّك بالإجماع ، لجواز (٢) أن يكون الإمام لم يظهر الحقّ لأجل الخوف من الظالمين.

قلنا : مرادنا من الإجماع إطباق الخلق بأسرهم على نقله والتواتر به.

سلّمناه لكن هذا الاعتراف ليس بشيء لأنّ الحقّ إمّا صحّة هذا الخبر أو كذبه ، فإن كان الأوّل فالخلق بأسرهم قد أطبقوا على نقله فالتقيّة ممّن تكون؟ وما مانع الإمام من إظهار الحقّ؟ وإن كان الحقّ كذبه فلا شكّ أنّ مضمونه على ما قرّرناه ممّا ينكره جمهور الخلق فلو كان الإمام يعلم أنّه كذب لكان إظهار ذلك منه ممّا يوافق طباع أكثر الخلق ويحبّوه وتميل أنفسهم إليه ، لأنّهم حينئذ كانوا يستغنون عن التعسّف في تأويله وحمله على الوجوه التي لا يخفى فسادها ، وكانت التقية أيضا عنه زائلة لمساعفة (٣) أكثر الخلق على ذلك.

__________________

(١) في نسخة «عا» : مخالفتهم ومؤالفتهم ، وهو غلط. وفي نسخة «ضا» هنا زيادة (على).

(٢) في نسخة «عا» : يجوز ، وهو غلط.

(٣) من الإسعاف ، بمعنى المساعدة.

١٢٧

قوله في الوجه الثاني : وأمّا المناشدة في الشورى فضعيف لأنّ الحاجة إلى تصحيح هذه المناشدة كالحاجة إلى تصحيح أصل الحديث بل ذلك أولى إلى آخره.

قلنا : أمّا المناشدة فمعلومة بالتواتر كما علم أصل الحديث.

قوله : ويتعذّر صحّتها فلا نسلّم إنهاءها إلى جميع الصحابة.

قلنا : لا شكّ في حضور المعتبرين من الصحابة الذين يدّعون الضدّية في هذا الأمر وأنّهم أولى به ، وتقدير الاعتراض أن نقول : يجوز أن يكون احتجاج علي عليه‌السلام في الشورى بهذا الخبر لو وصل إلى كلّ الصحابة لأنكر واحد منهم ، لكنّه إذا ثبت أنّ أجلّ الصحابة المتنازعين في هذا الأمر كانوا حضورا في وقت الخبر وفي وقت احتجاج علي عليه‌السلام به لم ينقل عن أحد منهم إنكاره ، فبطريق الأولى أن لا ينكره أحد من غيرهم ممّن لا طمع له في هذا الأمر لو وصله ، هذا مع تسليم أنّ الصحابة بأسرهم لم يكونوا حضورا عند احتجاج علي عليه‌السلام في الشورى ، وهو غير مسلّم.

قوله : بتقدير تسليم إنهائها إلى كلّهم ، فلا نسلّم أنّه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك.

قلنا : لا شكّ أنّ ذلك من الوقائع الكبار في الإسلام والامور العظيمة التي يجب توافر الدواعي على نقلها ، فعلمنا أنّه لو كان هناك إنكار لنقل.

قوله : وبتقدير عدم النكير فلا نسلّم أنّ ذلك يدلّ على قطعهم بصحّته إلى آخره.

قلنا : لو لم تجزموا بصحّته عند احتجاجه عليهم به لكان لهم أن ينكروه ، خصوصا وهم في محلّ الحاجة إلى دفعه عليه‌السلام عن هذا الأمر ، وقد سبق تقرير ذلك.

قوله : لعلّهم سكتوا تقيّة وخوفا.

١٢٨

قلنا : التقيّة والخوف في حقّ تلك الامّة من نفر يسير غير جائز ، ولا مسموع ، ولو صحّ الخوف من بني هاشم لكان الخوف منهم عند سلبهم لمنصبه على اطّلاعهم على أولويّته به وطلبه لمثل تلك المناشدة وغيرها ، وكذلك ردّهم لشهادته ومنعهم لإرث فاطمة عليها‌السلام وغير ذلك ممّا تواترت به الرواية من أفعالهم أولى وأتمّ ، فهل يجوز أن يسكتوا لمثل هذا الخبر في مناشدته تقيّة لبني هاشم ولا يجوز تقيّتهم في مثل هذه المواضع وأمثالها.

قوله : ثمّ إن سلّمنا أصل الحديث فلا نسلّم صحّة هذه المقدّمة (١) إلى آخره.

قلنا : أمّا المقدّمة فمعلومة لنا بالتواتر ، وذلك لأنّ كلّ ناقل من الشيعة نقل هذا الخبر فهو ناقل لها ، وقد بيّنا أنّ نقل اليسير من الناس قد يفيد التواتر فضلا عن كثير الشيعة في كلّ الأطراف ، وإنكار بعض الامّة لهذه المقدّمة لا يضرّنا فيما علمناه جزما.

قوله : إنّ أحدا لم ينقل إنّ عليّا عليه‌السلام ذكرها يوم الشورى.

قلنا : من روى احتجاجه بالخبر يوم الشورى فإنّه يروي المقدّمة أيضا.

سلّمناه ، لكن عدم نقلهم لمقدّمته لا توجب أنّهم لم يسمعوها منه ، لجواز نقل البعض من الحديث اكتفاء به عن كلّه ، لشهرته ، أو لأنّهم نسوا ذكره للمقدّمة حال الرواية ، وإن كانوا قد سمعوها حال الاحتجاج.

سلّمناه ، لكن عدم ذكره لها يوم الشورى لا يستلزم عدم ذكرها من الرسول عليه‌السلام عند ذكر هذا الخبر ، وهو ظاهر.

قوله : سلّمنا أصل الحديث لكن لا نسلّم دلالته على الإمامة.

__________________

(١) مقدّمة النبي للنصّ على الوصيّ عليهما‌السلام.

١٢٩

قلنا : قد بيّناه ، وكذلك احتمال لفظ المولى (لمعنى) (١) الأولى.

قوله : إنّه باطل لوجهين : أحدهما : أن «أفعل من كذا» موضوع ليدلّ على معنى التفضيل ، ومفعل موضوع ليدلّ على الحدثان أو الزمان أو المكان.

قلنا : هب أنّه كذلك ولكن وضع مفعل لو منع كونه موضوعا في الأصل لما ذكرت ، من إطلاقه على غير هذا المعنى ، لكان كما يدلّ على معنى التفضيل كذا لا يدلّ على باقي المسمّات المشتركة فيه ، كالمعتق والمعتق والناصر والحليف وابن العمّ فلا يكون حينئذ لفظا مشتركا ، وقد أجمع أهل اللغة والنحو أنّه كذلك فإذن كون مفعل في الأصل موضوعا لهذه المعاني إمّا من واضع واحد أو أكثر على ما بيّن في اصول الفقه.

قوله : إنّ أحدا من أئمة اللغة لم يذكروا أنّ مفعلا قد يكون بمعنى أفعل التفضيل.

قلنا : قد بيّنا أنّ أكثر أهل اللغة ذكروه وأنّ المفسّرين أطبقوا على وروده بمعنى أفعل التفضيل في القرآن ، وكذلك أئمة النحويين كالمبرّد والفرّاء وابن الأنباري وغيرهم ، من رؤساء العربية والنحو.

قوله : لو كان لفظة المولى بمعنى الأولى لصحّ أن يقرن بأحدهما ما يقرن بالآخر ، إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم ، بل التحقيق أنّ صحّة إقران اللفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني ، إذ لو لم يكن كذلك لصحّ أن يبدّل اللفظ بمرادفه من الفارسي ، وكان يحسن ان يقال عوارض قوله : اسقني معه إناء الماء أو اسقني من آب ؛ وإذا كان صحّة الاقتران من عوارض الألفاظ لم يلزم في كلّ ما عرض للفظ

__________________

(١) زيادة بمقتضى السياق.

١٣٠

أن يحسن عروضه للآخر ، وقد تقرّر ذلك في اصول الفقه (١) فلا يلزم إذا أن يصحّ أن يقرن بلفظ المولى ما صحّ اقترانه للفظ الأولى.

قوله : أمّا النقل عن أئمة اللغة فلا حجّة لوجهين : أحدهما إلى آخره.

قلنا : أمّا المرجع في اللغة إلى أئمة اللغة والنقل فذلك ظاهر مجمع عليه ، فلا يلتفت إلى منعه.

قوله : إنّ ذلك منهم لتساهل لا تحقيق فإنّ أحدا من أكابر الأئمة كالخليل وأضرابه لم يذكروه.

قلنا : لا نسلّم أنّهم لم يذكروه ، غاية ما في الباب أنّكم لم تجدوا لهم نقلا ، لكن عدم وجدانكم لا يدلّ على عدم وجوده.

سلّمناه لكن كون كلّ واحد من أهل اللغة لم يذكره ونقله الباقون لا يوجب القدح في النقلة ، فإنّ التساهل إذا جاز من الأكثرين جاز من الأقل فإذن الخليل لو ذكره لكان متساهلا وحينئذ لا يبقى وثوق بنقل اللغة.

قوله : إنّ الذاكرين له لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية (٢) وآية اخرى مرسلا غير مسند لم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة ، وليس كلّما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية ، ولذلك فإنّهم يفسّرون اليمين بالقوّة.

قلنا : اشتمال اللغة على الحقيقة والمجاز ظاهر ، ومعلوم أنّ المجاز إنّما يصار إليه عند تعذّر حمل الكلام على الحقيقة وإلّا فالأصل في الكلام الحقيقة.

ثمّ إنّ المجاز الأصلي قد يشيع ويكثر استعماله حتّى تصير الحقيقة اللغوية بالنسبة إليه مجازا ، وإذا كان كذلك فنقول إنّ لفظة المولى وإن كانت مشتركة إلّا أنّ

__________________

(١) انظر مظانّ البحث في كتب اصول الفقه.

(٢) المائدة : ٥٥.

١٣١

أهل اللغة فهموا بحسب القرينة في هذا الخبر أنّ المراد من المولى هو الأولى ، بعد فهمهم أنّه من جملة مسمياتهم اللغوية ، فدعوى أنّه ليس لغة أصلية استلزم أنّه منقول ، وهو معارض بما أنّه خلاف الأصل ، فتفسير هذه الآية أو غيرها إذن بحسب اللغة الأصلية.

وأمّا ذكر أهل اللغة له مرسلا فلا يدلّ على فساده ، فإنّ الإرسال قد يكون لظهور الرواية ، وقد يكون لظهور مطابقة التفسير.

وأمّا تفسيرهم بغير اللغة الأصلية كاليمين وأمثاله فذاك إنّما كان لاستعماله اليمين بمعنى الجارحة على الله تعالى ، فلا جرم لما لم تصحّ الحقيقة للإرادة عدلوا إلى المجاز.

قوله : إنّ أصل تركيب والى (١) يدلّ على القرب والدنوّ إلى آخره.

قلنا : هب أنّه كذلك.

قوله : إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ تفسير أبي عبيدة : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) فإنّها الأولى بكم ليس حقيقة ، إلى آخره.

قلنا : إنّ أفعل جاءت لإثبات الفضل فقط ، فيحتمل أن يكون أبو عبيدة عنى بذلك أنّ النار لها ولايتهم ، لا أنّها أفضل من غيرها ، وذلك لا ينافي غرضنا.

سلّمنا أنّه يقتضي أن يكون للكفار حصّة في الجنّة لكن ذلك حقّ ، وأنّ الإنسان لمبدإ فطرته ثبت استحقاق الجنّة له ، وبأعماله الرديّة الطارئة على نفسه (٢) المرسلة لها ثبت استحقاق النار له ، ولما كانت الشقاوة بحسب الكفر كانت النار لهم

__________________

(١) كذا في النسختين ، ولعلّ الأولى : ولي.

(٢) هذا أقرب ما تقرأ الكلمة في نسخة «ضا» ، وجعلها في «عا» : يقينية ، ولا مناسبة لها.

١٣٢

أحقّ ويدلّ على ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّ مولود يولد على فطرة (١) الإسلام ، وإنّما أبواه هما يهوّدانه وينصّرانه».

قوله : وأمّا بيت لبيد فقد حكي عن الأصمعي فيه قولان : أحدهما : أنّ المولى اسم لموضع الولي إلى آخره.

قلنا : الأصل في اسم الموضع أن يكون مكسور العين ، فدعوى تقليب حكم اللام مدفوع.

قوله : في الوجه الثاني : أنّه أراد بالمخافة الكلاب ، وبالمولى صاحبها ، لو كان كذلك لكان لا يجوز له في خلفها وأمامها إلّا النصب ، لأنّ الرفع يقتضي أن يكون صاحب الكلاب ، فهو نفس الخلف والإمام فيصحّ رفعه ، وحمله على الأولى حمل هو هو.

قوله : وأمّا قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) (٢) فمعناه ورّاث يلون (٣) ما تركه الوالدان.

قلنا : لو كان المراد هو أن يليه فقط دون أن يكون أولى لكان لمن (٤) يلي حمله ونقله من الأجانب ـ والأقارب الذين ليسوا في درجة الوارث ـ فيه حصّة كما للوارث لعلّة ، أنّهم يلونه ، وهو ظاهر الفساد.

قوله : وأمّا قول الأخطل «فأصبحت مولاها» وقوله : «لم يثأروا فيه

__________________

(١) روى الحديث إلى هنا «على الفطرة» الكليني في اصول الكافي ٢ : ١٣ عن علي ابن إبراهيم بن هاشم القمي ، وليس في تفسيره. وروى ذلك الصدوق في التوحيد : ٣٣٠ ، ٣٣١ عن إبراهيم بن هاشم القمي.

(٢) النساء : ٣٣.

(٣) في النسختين : يكون. وأثبتنا الصحيح.

(٤) في النسختين : من ، وأثبتنا الصحيح.

١٣٣

إن (١) كانوا مواليه» وقوله : «موالي حقّ» فالمراد به الأولياء.

قلنا : المرجع في هذه المفهومات إلى أهل اللغة والنحو ، وقد بيّنا أنّهم فسّروها بالأولى ، على أنّه لا معارض بين المفسّرين ، لأنّ الأولى فعيل بمعنى فاعل فيكون المعنى والي ، ولا شكّ أنّ الوالي هو الأولى بالتصرّف ، وهو الجواب عن قوله عليه‌السلام «مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله» (٢) أي أولياء الله وقوله عليه‌السلام «أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مواليها» (٣) فالرواية الثانية تفسّره.

قلنا : فإنّ المذكورين موالي الله ، أي كلّ واحد منهم ولي الله ، أي وال على إقامة مراضيه. وقد عرفت أنّ الوالي هو الأولى ، فهم أولى بالتصرّف فيما يرضي الله تعالى.

لا يقال (٤) فلزم أن يكون هؤلاء أولى بالتصرّف في مراضي الله تعالى من أكابر الصحابة.

لأنّا نقول : الأولوية هاهنا بالله لهم بالنسبة إلى من دونهم في ذلك.

فإن قلت : فيلزم أن يكون الحال في الخبر كذلك ، فيكون الأولوية فيه ثابتة لعلي عليه‌السلام بالنسبة إلى من هو دونه ، وذلك ممّا لا نأباه.

قلت : الفرق ظاهر ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا كان أولى من جميع الخلق بأنفسهم وجب أن يكون علي عليه‌السلام كذلك ، بخلاف خبر المذكورين ، وكذلك الجواب عن

__________________

(١) في نسخة «عا» : و. وهو غلط.

(٢) كنز العمّال ١٢ : ٨٨ ، ح ٣٤١١٣.

(٣) انظر التبيان ٣ : ١٨٧ ، ومجمع البيان ٢ : ٤١.

(٤) في «ضا» : لا ننال. وفي «عا» : من الأنفال. وأثبتنا الصحيح.

١٣٤

الخبر في ولي المرأة وأمّا قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (١) فحمله المولى هاهنا على الأولى بالتصرّف حسن ، على أنّا لا ننكر أن يكون هاهنا بمعنى الناصر ، فإنّا ما ادّعينا أنّ لفظة المولى في كلّ موضوع تفيد الأولى ، بل في هذا الخبر.

قوله : سلّمناه لكن لم قلتم : إنّه يتعيّن حمله في حسن الاستفهام والتوكيد؟

قلنا : أمّا الاستفهام فلا نسلّم حسنه في هذه المواضع ، بل الذهن السليم يشهد بقبحه ، وأمّا حسن التوكيد (٢) فلا يدلّ على الاشتراك ، بأنّك إذا قلت : جاءني زيد ، يتبادر إلى فهم كلّ عقال أنّ هذا الإنسان المخصوص وصل إليك ، والمبادرة إلى الذهن قرينة الحقيقة ، فإن كان يحسن أن يؤكّده فيقول : جاءني زيد بنفسه.

وأمّا المنع من الشهادة عليه إلّا بعد الاستفسار فلا نسلّم ذلك مطلقا.

وبيانه : أنّ الفهم هاهنا قد يختلف بحسب ذلك السامع وبلادته ونقصه وعدم تفطّنه ، فجائز أن يسبق إلى ذهن واحد المعنى المراد قبل الآخر ، وأقوى منه ، فيجوز له على ذلك التقدير أن يشهد عليه ، وجائز لمن لم يكن كذلك أن يستفسر ، بل قد يجب الاستفسار لاستثبات الحقوق الشرعية ، وأمّا التأكيد ، فقد علمت أنّه لا يلزم منه الاشتراك.

قوله : سلّمناه لكن مؤخرة الحديث يقتضي أن يكون المراد من الحديث الناصر ، إلى آخره.

__________________

(١) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ١١.

(٢) هنا في النسختين كلمة (قلنا) ، زائدة.

١٣٥

قلنا : لا نسلّم مبادرة الذهن إلى ما ذكرتم ، بل نقول : دلالتها على ما أوردناه أولى ، بيانه : أنّ قوله : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» غير لائق إلّا بمن كان له أولياء وأنصار وخاذلون أعداء ويحتاج إلى النصرة ، ويتضرر بالخذلان ، وذلك لا يليق إلّا بالسلطان.

وأمّا قوله لا يسلم حمله على الأولى ولم لا يجوز حمله على ولاية الدين والنصرة؟! قلنا ـ لما تقدّم قوله ـ في ذكره فائدتان : إحداهما : أنّ لفظ العام ، إلى آخره.

قلنا : أمّا أنّ اللفظ عامّ ، فظاهر ، وأمّا تمكين المعاند من أن يقول ما قلتم حتّى يحتاج إلى تعيين الرسول صلّى الله عليه [وآله].

قلنا : بطلان هذا الكلام ظاهر ؛ وذلك أنّ أحدا من الصحابة في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يشكّ [في] أنّ عليّا سيدا من سادات المؤمنين ، وقد عرفوا مكانه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجهاده في سبيل الله ، وطاعته لله ، بل كان منهم من يعتقد أنّه أفضل الخلق بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. والذين جحدوا فضائله ونافسوا وكانوا يدعون المثلية في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينقصوه عن مراتب سادات المؤمنين حتّى يحتاج الرسول إلى ذلك الجمع العظيم في ذلك الوقت الشديد الحرّ الذي [كان] يحتاج الشخص منهم إلى أن يضع رداءه تحت قدميه من شدّة الحرّ ، ويخطبهم ليقرر عليهم مثل هذا الأمر الظاهر.

وهذا هو الجواب عن الفائدة الثالثة.

قوله : سلّمنا خلوّه عن الفائدة فلم لا يجوز ذلك أليس عندكم أنّ إمامة علي عليه‌السلام ثابتة بالنصّ الجلي ، إلى آخره.

قلنا : الفائدة هاهنا حاصلة ، وذلك لأنّ النصوص الجلية لم تكن بمحضر

١٣٦

مثل هذا الجمع العظيم من الصحابة ، فيجوز أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قصد هاهنا أن يشهد بذلك الحال ويسمعها كلّ الصحابة في ذلك الوقت ، لأنّه قريب وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو وقت الحاجة.

وأمّا أنّه لم يشهره في الوقت الأوّل وينهيه إلى جميع الصحابة؟

فلجواز أن يكون عليه‌السلام عالما بامتداد عمره فلا يجب عليه إشاعته وجوبا مضيّقا في ذلك الوقت ، لأنّه حكيم لا يعترض عليه بتخصيص بعض الأوقات بإيقاع فعل أو قول دون وقت آخر ، لجواز أن يفعل ذلك لمصلحة لا يطلع عليها.

قوله في الوجه الثالث : إنّ أهل اللغة فريقان ، إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم حصرهم في الفريقين المذكورين ، فإنّ منهم من جعلها حقيقة في القدر المشترك أيضا. سلّمنا أنّ ذلك لم يقل به أحد من أهل اللغة السابقين ، لكن لا نسلّم أنّ أخذ (١) كلّ فرقة بقول يستلزم تحريم إحداث قول ثالث.

قوله : إنّ ذلك إجماع منهم فيكون القائل (٢) بغير أحد القولين خارقا للاجماع.

قلنا : لا نسلّم أنّ الإجماع حاصل ، سلّمناه ، لكن لا نسلّم أنّ مثل هذا إجماع (٣) فإنّ الإجماع عبارة عن : اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر من الامور اتّفاقا مقصودا بالقصد الأوّل ، بحيث يفهم من كلّ منهم أنّ الحقّ ما اتّفقوا عليه دون غيره. وهاهنا ليس كذلك ، فإنّ اتّفاق أهل اللغة على أنّ المراد بهذه اللفظة أمر واحد أو أمران لا يحتمل غيرهما ، غير حاصل.

__________________

(١) تقرأ الكلمة في «ضا» : اقد. ولذلك كتبت في «عا» : أقل! وأثبتنا الصحيح.

(٢) في «عا» : القابل ، خطأ.

(٣) في «عا» : الاجماع ، غلطا.

١٣٧

نعم لو بيّن الخصم أنّه حصر أهل اللغة وحصر أقوالهم ، ثمّ بيّن أنّهم افترقوا إلى هاتين الفرقتين ، وأنّ كلّ واحدة منهما قالت بوجه من الوجهين المذكورين ، وأنّهم اتّفقوا على أنّ هذه اللفظة لا تحتمل شيئا آخر ، لأمكنه أن يستدلّ بالاجماع لكنّه لم يمكنه ذلك.

قوله في المعارضة بالمعتق : أنّه يسمّى مولى وليس أولى (١) بالتصرّف.

قلنا : بل هو أولى بالتصرّف فيما هو أهل له ، وهو خدمة معتقه والامور التي تلزمه مراعاتها.

قوله : معنى القرب قدر مشترك بينهما بنصّ أهل اللغة ، فحملها عليه أولى.

قلنا : حملها على ما ذكرناه أكثر فائدة لأنّ فيه معنى القرب وزيادة فكان أولى. وهو الجواب عن قوله : إنّ معنى النصرة أيضا حاصل في الجميع فلم لا تحملوها عليه؟

قوله في قول عمر : لم لا يجوز أن يكون أراد النصرة؟

قلنا : الضرورة تقتضي بأنّ كلام عمر مستلزم للغبطة ، والنصرة لا شكّ أنّها عامة لكلّ المؤمنين ، ولا يحصل بتنصيصها في حقّ علي عليه‌السلام غبطة. وأيضا : كلامه يدلّ بظاهره على حصول مرتبة لعليّ ليست لغيره ، والنصرة عامة لكلّ المؤمنين ، فلا يحصل لعلي عليه‌السلام بإظهارها في حقّه مرتبة له.

قوله : لو كان المراد ما ذكرتموه لزم أن يكون أولى بالتصرّف (٢) في حياة النبي صلّى الله عليه [وآله].

قلنا : ليس في اللفظ إلّا إثبات الولاية له عليه‌السلام كما ثبت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا أنّ

__________________

(١) من نسخة «ضا».

(٢) من نسخة «ضا» ، وفي «عا» : بالنصرة. غلطا.

١٣٨

تلك الولاية تكون في زمان النبي صلّى الله عليه [وآله] أو بعده؟ فليس في اللفظ ما يدلّ عليه ، إلّا أنّ العقل حكم بحسب العرف والعادة أنّ التصرّف للإمام في الامور لا يحصل بالفعل إلّا عند عدم النبي صلّى الله عليه [وآله] ، ثمّ لو سلّمنا في أنّ اللفظ يعمّ الأوقات فلنا أن نقول : إنّ التخصيص بالعقل جائز.

قوله : سلّمنا ذلك ، لكن لم قلتم : إنّها تدلّ على الإمامة؟!

قلنا : لما بيّناه.

قوله : إنّه جاء في القرآن لغير ذلك ، كقوله تعالى (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) (١) قلنا : هذا مطابق لغرضنا ، لأنّ الذين اتّبعوا إبراهيم هم أولى بالتصرّف في خدمته وأحواله من الكفّار الذين لم يتّبعوه ، وكذلك الرعيّة للسلطان والتلامذة للاستاذ ، وهذا هو المتبادر إلى الأفهام والتبادر إلى الذهن دليل الحقيقة ، ولا يحتمل الاستفهام ، وأمّا التوكيد فقد عرفت أنّه لا يوجب كون اللفظ مشتركا.

قوله على الوجه الثاني : إنّ ذلك أيضا ممنوع ، بدليل حسن الاستفهام والتوكيد.

قلنا : أما حسن الاستفهام فممنوع ، وأمّا التأكيد فقد عرفت أنّه قد يؤكّد اللفظ ويراد به حقيقة ظاهرة وبالله التوفيق.

البرهان الثالث : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدى» (٢) وجه الاستدلال به أنّ هذا الحديث يقتضي أن يثبت لعلي عليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل جميع المنازل التي كانت ثابتة لهارون من

__________________

(١) آل عمران : ٦٨.

(٢) انظر من مصادر الحديث في تتمّة المراجعات : سبيل النجاة : ١١٧ ـ ١٢٣.

١٣٩

موسى عليهما‌السلام ، ومن المنازل الثابتة لهارون من موسى كونه مستحقّا للقيام مقامه بعد وفاته لو عاش بعده ، فوجب أن يثبت لعلي عليه‌السلام ذلك.

أمّا الأوّل فبيانه من ثلاثة أوجه :

الأوّل : أنّ الحكيم إذا تكلّم بكلام متناول بظاهره أشياء ثمّ استثنى بعضها وهو يريد الإفهام فإنّه يكون مريدا لما عدا المستثنى ويكون الاستثناء قرينة دالّة على إرادته لما عدا المستثنى ، لما يتناوله اللفظ ، كقول القائل : من دخل داري أكرمته إلّا زيدا ، عرفنا أنّه أراد إكرام من عداه ، لأنّه أراد الإفهام ، فلو لم يرد الإفهام ولم يرد إكرام عمرو أيضا لاستثناه كما استثنى زيد.

الثاني : أنّ الحديث لو أفاد منزلة واحدة فقط لما جاز أن يستثنى منزلة النبوّة ، لأنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يستثنى منه.

الثالث : أنّ الامّة في هذا الحديث على ثلاثة أقوال :

أحدها : قول من قصره على منزلة واحدة ، وهو السبب الذي يدّعونه من خروج الكلام عليه ، وهو أنّه عليه‌السلام لمّا لم يستصحبه في غزوة تبوك أرجف (١) المنافقون بأنّه إنّما تركه بغضا له ، فشكا علي عليه‌السلام ذلك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك إزالة لذلك الوهم.

والقول الثاني : أنّه يتناول كلّ المنازل إلّا ما خرج بالدليل.

والثالث : التوقّف إلى ظهور القرينة المعيّنة للمراد.

فالأوّل : باطل لثلاثة أوجه :

الأوّل : أنّ المرجف يبغض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام إن لم يكن عاقلا فلا معنى لتأذّيه منه ، وإن كان عاقلا فالضرورة قاضية ، بأنّه لا يجوز أن يتوهّم ذلك مع

__________________

(١) في النسختين : رجف ، وأثبت الصحيح.

١٤٠