لبّ الأثر في الجبر والقدر

الشيخ جعفر السبحاني

لبّ الأثر في الجبر والقدر

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-27-4
الصفحات: ٣١٥

باقية ببقاء ذاته تجيش في كيانه.

الفطرة الثانية : هي كراهة النقص وبغضه والفرار من الشرّ ونبذه ، فيتركه ويذره على حاله ويتنفّر عن جواره ، كل ذلك لكي تكتمل فطرة التوحيد عنده وينتهي سيره إلى ربّه ، ويتوجّه إلى غاية الغايات ونهاية المآرب (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (١).

إذ لا يرى مصداقا لها سوى ذات ربّه المحفوف بالكمال ، المحجوب عن خلقه بالجمال المنزّه عن العيوب.

ثم إنّه سبحانه لعلمه بأنّ عبده سيحجب عن هذه الفطرة بابتلائه بالقوى الحيوانية التي لا مناص له منها في بقاء نوعه وحفظ نسله ، شفّع الفطرة بإرسال الرسل وإنزال الكتب لكي يكتمل سيره وسلوكه ، برفع الحجب عن طريق الوعد والوعيد لهم ، لأنّ مغزى شريعة ما جاء به الأنبياء والرسل يعود إلى الفطرة وأحكامها ، فأصولها عين الفطرة كالدعوة إلى التوحيد وأسمائه وصفاته ، وفروعها مآل الفطرة ، فإنّ النفس تكتسب الفضائل والكمالات بالصلاة التي هي معراجها إلى ربها ، وبالحج الذي هو وفود إلى كعبة آمالها.

فإنّ الأحكام جلّها بل كلّها على طبق الفطرة ، والهدف

__________________

(١). الرعد / ٢٨.

١٢١

الأسنى والمقصود الأعلى من ورائها هو معرفته وتوحيده والفناء في جماله وجلاله.

فما جاءت به الرسل من وعد ووعيد إنّما هو لتطهير النفوس وتنزيه القلوب ، فلا يزال سفراء بيت الوحي والهدى يداوون الأرواح العليلة بهذه الادوية التي هي ألطاف إلهية خفيّة حتى تتطهّر النفوس من خبث الأدناس.

فأمام الإنسان عقبات كئود لا بد من الورود عليها إمّا تزحزحه عن العذاب أو تقحمه في النار الموقدة التي تطّلع على الأفئدة.

أعاذنا الله من أمثال هذا الداء كي لا نحتاج إلى دواء بحق نبيّه الكريم وآله صلواته وسلامه عليهم أجمعين.

حرّرت الرسالة بيد مؤلّفها الفقير محمد جعفر بن الشيخ العالم البارع التقي الميرزا محمد حسين التبريزي (دامت بركاته العالية) في شهر رجب المرجب من شهور عام ١٣٧١ ه‍ وفرغ من تبييضها يوم الخميس المصادف ٢١ شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٣٧٣ من الهجرة النبوية الشريفة.

١٢٢

المحتويات

كلمة المحقّق..................................................................... ٣

مقدمة المؤلف.................................................................... ٥

الفصل الأول

السير التاريخي للمسألة.......................................................... ٩

صفاته سبحانه عين ذاته......................................................... ١٠

تفسير إرادته الذاتية............................................................. ١٥

شبهة نفاة الإرادة الذاتيّة......................................................... ١٧

تكلّمه سبحانه وتفسيره.......................................................... ٢٠

نظرية الأشاعرة في تكلّمه........................................................ ٢٤

١٢٣

أدلّة الأشاعرة على وجود الكلام النفسي.......................................... ٢٦

الدليل الثاني للأشاعرة في الكلام النفسي.......................................... ٣١

الفصل الثاني

مباني الجبر والتفويض وإبطالهما................................................ ٣٧

إبطال التفويض................................................................ ٤٠

الكلام في إبطال الجبر في ضمن أصول............................................. ٤٦

الأصل الأوّل بساطة الوجود..................................................... ٤٧

وحدة حقيقة الوجود............................................................ ٤٨

البرهان الثاني لإبطال الجبر....................................................... ٥٠

البرهان الثالث لإبطال الجبر...................................................... ٥٢

البرهان الرابع لإبطال الجبر....................................................... ٥٤

الفصل الثالث

مذهب الأمر بين الأمرين...................................................... ٥٧

الحسنة والسيئة من الله........................................................... ٦٠

إيضاح الأمر بين الأمرين بتمثيلين................................................. ٦٤

١٢٤

التمثيل الأوّل.................................................................. ٦٤

التمثيل الثاني................................................................... ٦٥

في صحة نسبة الفعل إلي فاعلين.................................................. ٦٧

الفصل الرابع

شبهات وحلول................................................................ ٧٣

الشبهة الأولى : الإرادة ليست اختيارية............................................ ٧٣

جواب المحقّق الداماد عن الشبهة.................................................. ٧٤

جواب صدر المتألّهين عن الشبهة.................................................. ٧٧

جواب المحقّق الخراساني والحائري................................................... ٧٩

جواب الإمام الخميني............................................................ ٨٢

الشبهة الثانية.................................................................. ٨٥

الإجابة عن الشبهة............................................................. ٨٦

الأولوية غير كافية في الإيجاد..................................................... ٨٧

الشبهة الثالثة : تعلّق علمه بأفعال العباد........................................... ٩٢

الجواب عن الشبهة.............................................................. ٩٤

الشبهة الرابعة : السعادة والشقاء الذاتيان.......................................... ٩٧

١٢٥

تفسير الذاتي وبيان أقسامه....................................................... ٩٨

الوجود هو أصل الكمال ومبدؤه................................................ ١٠٣

أقسام السعادة والشقاء........................................................ ١٠٥

الفصل الخامس

أخبار الطينة وتفسيرها........................................................ ١١١

إمساك الفيض قبيح........................................................... ١١٢

اختلاف الناس في النفس المفاضة................................................ ١١٣

الأسباب المؤثرة في صفاء النفس وكدرها.......................................... ١١٤

تفسير قوله : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة»............................ ١١٧

تفسير قوله : «السعيد سعيد في بطن أمّه»....................................... ١١٨

كلمة للعرفاء الشامخين......................................................... ١١٩

الفطرة الأولى : الإنسان والعشق للكمال......................................... ١٢٠

الفطرة الثانية : كراهة النقص................................................... ١٢١

المحتويات..................................................................... ١٢٣

الحمد لله رب العالمين

١٢٦

١٢٧

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الإمام الصادق عليه‌السلام :

«إن الله أكرم من ان يكلّف النّاس ما لا يطيقون. والله اعزّ من ان يكون في سلطانه ما لا يريد» (١).

ولله درّ الشهيد السعيد : زين الدين العاملي ـ قدس‌سره ـ في قوله :

لقد جاء في القرآن آية حكمة

تدمّر آيات الضلال ومن يجبر

وتخبر أن الاختيار بأيدينا

فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

__________________

(١). بحار الأنوار ج ٥ / ٤١.

١٢٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّه وخير خلقه محمد وآله الطاهرين ، وعلى عباد الله الصالحين.

أمّا بعد ؛

فإنّ مسألة الجبر والتفويض من المسائل الشائكة التي شغلت بال كثير من الحكماء والمفكّرين عبر القرون ، وهي تعد من أبرز وأهم المسائل الكلامية والفلسفية ، وقد تناولها المحقّق الخراساني بالبحث استطرادا في مبحث وحدة الطلب والإرادة ممّا حدا بكثير من الأصوليين إلى أن ينهجوا منهجه ويتناولوا الموضوع بمزيد من البحث والإمعان.

ولمّا انتهت محاضراتنا في بيان معنى هيئة الأمر إلى وحدة الطلب والإرادة انجرّ الكلام إلى تلك المسألة ، فطلب منّي روّاد العلم

١٢٩

الغور فيها حسب ما يليق بحالها ، وكنت قد أفردت تلك المسألة بالتأليف في سالف الدهر ممّا حدا بي لإعادة النظر فيها بإضافة أبحاث جديدة.

فها نحن نقدم إلى القرّاء الكرام رسالة وافية في ذلك الموضوع عسى ان ينتفع بها المعنيون بتلك الأبحاث.

نسأله سبحانه أن يجعلها ذخرا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

وكتابنا هذا يشتمل على مقدمة وفصول.

جعفر السبحاني

قم المقدسة

١٣٠

المقدمة

المسائل المهمة في حياة الإنسان

إنّ الوقوف على موقف الإنسان في الكون وانّه هل هو مخيّر أو مسيّر من المسائل الفلسفيّة التي يجنح إلى البحث فيها ، المفكّرون الأعاظم ، وهو في الوقت نفسه ، ممّا تشتاق إلى فهمها عامة الناس حتى البسطاء والعاديّين منهم ، وهي إحدى المسائل الأربع التي يتطلّع إلى فهمها الإنسان ، وهي :

١. من أين جاء إلى الدنيا؟

٢. لما ذا جاء إليها؟

٣. إلى أين يذهب؟

٤. وهل هو في أعماله مخيّر ومسيّر؟

ولأجل ذلك لا يمكن تحديد الزمن الذي طرحت فيه مسألة الجبر والاختيار ، وإنّها حدّثت في أيّ قرن من القرون الميلادية

١٣١

أو قبلها ، وانّ باذرها هل هو إغريقي ، أو رومي ، أو هندي ، أو صيني ، أو إيراني؟

الأقوال في المسألة لا تتجاوز الثلاثة :

ألف : انّه مسيّر ، والحاكم عليه الجبر.

ب : انّه مفوّض إليه ، والحاكم عليه الاختيار المطلق.

ج : لا مسيّر ولا مفوّض ، بل أمر بين ذلك.

ولكل من الجبر والتفويض مناهج تتحد في النتيجة وتختلف في طريق البحث وإقامة البرهان.

مناهج الجبر :

أمّا شقوق الجبر ومناهجه ، فالاختلاف في المنهج مع الاتفاق في النتيجة يستند إلى الاختلاف في بعض الأصول الفلسفية ، فالمتكلم القائل بالجبر يسنده إلى فاعل أعلى وهو الله سبحانه ، لكن المادّي المنكر لما وراء المادة القائل بالجبر يسنده إلى عوامل مادية تحيط بالإنسان وتحدّد طريقه ، وهي : «الوراثة» و «التعليم» و «البيئة».

كما أنّ الفيلسوف الإلهيّ القائل بالجبر ، تارة يسنده إلى إرادة الإنسان ، وأنّها أمر غير اختياري ، فيكون الفعل المراد مثلها ؛ وأخرى إلى الإرادة الأزلية ، لانتهاء جميع العلل الطولية إلى ذاته ،

١٣٢

فيكون النظام وفيه الإنسان وفعله واجب التحقّق ، وضروريّ الكون ، لاستنادها إلى ذات الواجب ؛ وثالثة إلى قاعدة : «الشيء ما لم يجب لم يوجد» قائلا بأنّ «الوجوب والاختيار متضادان لا يجتمعان».

وبذلك ظهر انّ للجبر مناهج ثلاثة :

١. منهج المتكلم الإلهي.

٢. منهج العالم المادي.

٣. منهج العالم الفلسفي.

ولكلّ ، أدلّة وبراهين ، تلزم دراستها بدقّة.

مناهج التفويض :

إنّ للتفويض منهجين وإن كانا متحدين في النتيجة ، فالإلهي القائل بأنّ الله سبحانه فوّض فعل الإنسان إليه وليس له فيه أيّ صنع ، فهو مستقل في عمله وفعله ، بلا حاجة إلى علّة فوقه ، له منهج ، يغاير منهج بعض الغربيّين (الوجوديّين) القائلين بأنّ الإنسان يتكون بلا لون ولا ماهية ، وانّه يفتح عينيه على الكون بلا خصوصية وكيفية ، وانّما يكتسبها بإرادته وفعله ، إذ لو ظهر على صفحة الوجود مع الخصوصية لزم كونه مجبورا ومقهورا لها.

١٣٣

فالمعتزلي ينطلق من مبدأ العدل ، ولصيانة عدله سبحانه ذهب إلى التفويض ؛ والوجودي ينطلق من تكون الإنسان بلا لون ، ونتيجته أنّه مخيّر على الإطلاق.

نعم للقول بالأمر بين الأمرين منهج واحد ، ويستند في حكمه عن الكتاب والسنّة والعقل ، ولأجل إيضاح الحال ، نحقّق المسألة في ضمن فصول.

جبر المتكلّم الإلهي : الأشعري

إنّ الإمام الأشعري وإن كان لا يتظاهر بالجبر ، لكن الأصول التي اعتمد عليها ، لا تنتج ـ حسب تفسيره ـ إلّا الجبر ، وإليك تلك الأصول :

١. أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه.

٢. علمه الأزلي بصدور الفعل عن العباد.

٣. إرادته الأزلية المتعلّقة بأفعال العباد.

٤. إنّ الايمان والكفر من الامور التي تعلق بها القضاء والقدر.

٥. كون الهداية والضلالة بيده سبحانه.

٦. الختم والطبع على القلوب.

وإليك دراسة أدلّة ذلك المنهج من الجبر.

١٣٤

الفصل الأوّل

في

مناهج الجبر

١٣٥
١٣٦

الجبر الأشعري

١

أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه

هذه المسألة تنطلق من القول بالتوحيد في الخالقية ، وانّه لا خالق إلّا إيّاه ، من غير فرق بين الذوات والأفعال.

لا شك انّ هذا الأصل من أصول التوحيد وشعبه ، لكن الكلام في كيفية تفسيره. فقد فسّرته الأشاعرة بإنكار وجود أيّ تأثير أصيل أو تبعيّ لغيره سبحانه ، وقالوا بوجود علة تامة قائمة مكان جميع العلل والأسباب ، فلا تأثير لأيّ موجود سوى الله ، فهو الخالق الموجد لكل شيء حتى فعل الإنسان.

يقول الأشعري : إنّه لا خالق إلّا الله ، وإنّ أعمال العبد مخلوقة لله مقدّرة ، كما قال: (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (١) وانّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وهم يخلقون ، كما قال سبحانه : (هَلْ

__________________

(١). الصافات : ٩٦.

١٣٧

مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (١).

وقد أوضح الشريف الجرجاني عقيدة الأشاعرة في «شرح المواقف» حيث قال : إنّ أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله سبحانه وحدها وليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل الله سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا ، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقا لله إبداعا وإحداثا ومكسوبا للعبد ، والمراد بكسبه إيّاه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلّا له. هذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري (٢).

يلاحظ على هذا التفسير :

١. انّ هذا الرأي خلاف الفطرة الإنسانية وخلاف ما يجده كل إنسان في قرارة نفسه ، حيث يعتقد بأنّ للأشياء كالعقاقير والنباتات آثارا يتداوى بها ، ولا معنى لخلق ذلك العلم الخاطئ والباطل في نفوسنا ، ولا فائدة له سوى الإغراء بالجهل ، وهو قبيح شرعا. كما هو قبيح عقلا. والأشعري وإن لم يكن قائلا بالحسن والقبح العقليين لكنّه يقول بهما شرعا.

__________________

(١). فاطر : ٣.

(٢). شرح المواقف : ٨ / ١٤٦.

١٣٨

٢. انّ حصر التأثير الأعم من الأصلي والتبعيّ في الله سبحانه ، مخالف للبرهان الفلسفي ، لأنّ حقيقة الوجود في عامة المراتب ، حقيقة واحدة ، والشدّة في الواجب ليست أمرا وراء الوجود ، كما أنّ الضعف في الممكن ، ليس إلّا حدا له ، وليسا أمرين منضمّين إليه ، فالمراتب كلّها وجودات بين شديد ، وغير شديد ، وليس في الدار سوى الوجود ديّار ، فإذا ثبت التأثير لمرتبة عليا منه ، لكونها وجودا ، ثبت للمراتب الدنيا ، لكن حسب ما يناسب شأنها ، فإنّ حقيقة الوجود في جميع المراتب واحدة ، والخصوصيات فيها راجعة إلى الوجود أيضا ، لا لشيء آخر ، كالماهية والعدم ، والمفروض اتحاد حقيقة الوجود في جميع المراتب ، فيلزم أن يكون أثره محفوظا في جميعها.

وليس لك أن تقول إنّ الأثر راجع إلى الشدّة ، وهي منتفية في الوجودات الإمكانية ، وذلك لما عرفت من أنّ الشدّة ليست أمرا وراء الوجود ، غاية الأمر تختلف آثار المراتب شدة وضعفا حسب اختلاف مراتب متبوعها ومؤثراتها ، ولذلك نرى أنّه سبحانه يثبت التسبيح العلمي لا التكويني لجميع المراتب ويقول : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ

١٣٩

إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (١).

ولو كان المراد هو التسبيح التكويني لما صح قوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لأنّ التكويني منه ليس إلّا دلالة نظام كل موجود ، على كون الخالق عالما وقادرا وحكيما وهذا ما يفهمه أكثر الناس.

٣. انّ سلب التأثير المطلق عن العلل والأسباب الإمكانية خلاف ما نطق به الذكر الحكيم ، حيث إنّه يعترف بتأثيرها في مسبباتها بإذن منه سبحانه قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) (٢) فإنّ الباء في (بِهِ) للسببية نظير قوله سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٣).

والآية ترشدنا إلى أنّ وراء النظام المادّي ، قدرة غيبية ، وليس العالم قائما بذاته ، فاعلا ومتفاعلا بنفسه ، وذلك لأنّا نرى أنّ أرضا واحدة بصورة (قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) بعضها في جانب بعض ، (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) ينبت فيها أشجار متنوعة ، وتعطي فواكه

__________________

(١). الإسراء : ٤٤.

(٢). البقرة : ٢٢.

(٣). الرعد : ٤.

١٤٠