الشيعة في الإسلام

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الشيعة في الإسلام

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: بيت الكاتب للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٠

العالم حتى ذلك الوقت ، فاهتم بهذا الشأن اهتماما بالغا ، حتى في أحرج ساعات الحرب (١).

ج ـ هذّب وربّي العديد من رجال الدين وعلماء الإسلام (٢) وكان من بينهم جمع من الزهاد وأهل المعرفة مثل : «أويس القرني» و «كميل بن زياد» و «ميثم التمّار» و «رشيد الهجري» ويعتبر بعض هؤلاء من المنابع الأصيلة للعرفان من بين العرفاء الإسلاميين ، ويعتبر البعض الآخر منهم من المصادر الرئيسية والأولية لعلم الفقه والكلام والتفسير وقراءة القرآن وغيرها.

انتقال الخلافة إلى معاوية وتحولها إلى ملكية موروثة

بعد استشهاد أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، تصدّى لمنصب الإمامة الحسن بن علي عليه‌السلام وذلك وفقا لوصية الإمام علي عليه‌السلام ومبايعة الناس له ، ويعتبر الإمام الثاني للشيعة الاثني عشرية ،

__________________

(١) يروى أن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين! أتقول أن الله واحد ، فحمل الناس عليه وقالوا يا أعرابي أما ترى ما في أمير المؤمنين من تقسّم القلب ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل ، ووجهان يثبتان فيه ، فأما اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا لا يجوز لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنه كفر من قال إنه ثالث ثلاثة ، وقول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع والجنس فهذا ما لا يجوز ، لأنه تشبيه وجلّ ربنا وتعالى عن ذلك ، وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك ربنا ، وقول القائل إنه عزوجل أحديّ المعنى يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عزوجل.

بحار الأنوار ٢ : ٦٥ (كمباني).

(٢) ابن أبي الحديد ج ١ : ٦ ـ ٩.

٤١

ولكن معاوية لم يستقر ويهدأ لهذا الأمر ، فجهّز جيشه واتّجه به إلى العراق مقرّ الخلافة ، معلنا الحرب على الحسن بن علي عليه‌السلام.

أفسد معاوية رأي أصحاب الحسن عليه‌السلام بمختلف الطرق والدسائس ، ومنح الأموال الطائلة لهم وأجبر الإمام الحسن عليه‌السلام على الصلح معه ، وصيّر الخلافة إليه ، بشرط أن تكون للإمام الحسن عليه‌السلام بعد وفاته ، وألّا يتعرض إلى شيعته (١).

استولى معاوية على الخلافة (سنة ٤٠ للهجرة) ، فاتجه إلى العراق ، فخطب فيهم قائلا : «يا أهل الكوفة. أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج!. وقد علمت أنكم تصلون وتزكّون وتحجّون ، ولكني قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أتاني الله ذلك ، وأنتم كارهون» (٢).

وقال أيضا : «ألا أنّ كلّ دم أصيب في هذه مطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين» (٣).

ومعاوية بكلماته هذه يشير إلى أنه يريد أن يفصل السياسة عن الدين ، فهو لا يريد إلزام أحد بأحكام الدين ، وإنما كان اهتمامه بالحكومة فحسب ، واستحكام مقوماتها ، وبديهي أن مثل هذه الحكومة ملكية وليست خلافة واستخلافا لمنصب الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد حضر البعض مجلسه ، فسلموا عليه بسلام

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ : ١٩٠ وسائر كتب التاريخ.

(٢) ابن أبي الحديد ج ٤ : ١٦٠ / الطبري ج ٤ : ١٢٤ / ابن الأثير. ج ٣ : ٢٠٣.

(٣) المصادر السابقة.

٤٢

الملوك (١) ، وكان يعبّر في بعض مجالسه الخاصة ، عن حكومته بالملكية (٢) ، علما بأنه كان يعرّف نفسه بالخليفة في خطبه.

والملكية التي تقام على القوة تتبعها الوراثة ، وفي النتيجة كان الأمر كما أراد ونوى ، فاستخلف ابنه يزيد ، وجعله خليفة له من بعده ، وكان شابا لا يتّصف بشخصية دينية ، إذ قام بأعمال وجرائم يندى لها الجبين (٣).

ومعاوية لم يكن يرغب في أن يصل الإمام الحسن عليه‌السلام إلى الخلافة من بعده ، فدسّ له السم (٤) وبهذا الأمر ، مهّد السبيل إلى استخلاف ابنه يزيد. وكان يهدف من إلغائه معاهدة الصلح ، إلى اضطهاد الشيعة ، وعدم السماح لهم بالحياة المطمئنة ، أو أن يستمروا كما في السابق في نشاطهم الديني ، ولقد وفّق في هذا المضمار أيضا (٥).

وصرح معاوية في خصوص مناقب أهل البيت ، بأن كل ناقل لحديث في هذا الشأن لن يكون بمأمن على حياته وماله وعرضه (٦) ،

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ : ١٩٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ : ٢٠١.

(٣) كان يزيد صاحب طرب وجوار وكلاب وقرود ومنادمة على الشراب وكان له قرد يكنّى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكأ ، فجاء في بعض الأيام مسابقا فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل وعلى أبي قيس قباء من الحرير الأحمر ... مروج الذهب ج ٣ : ٦٧.

(٤) مروج الذهب ج ٣ : ٥ / أبي الفداء ج ١ : ١٨٣.

(٥) النصائح الكافية ص ٧٢ نقلا عن كتاب الأحداث.

(٦) روى أبو الحسن المدائني في كتاب الأحداث قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة جاء فيها : أنه برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته. كتاب النصائح الكافية تأليف محمد بن عقيل طبع النجف سنة ١٣٨٦ ه‍. ص ٧٧ ، وأيضا النصائح الكافية ص ١٩٤.

٤٣

وأمر أن تعطى الهدايا والجوائز لكل من يأتي بحديث في مناقب سائر الصحابة والخلفاء ، وكانت النتيجة أن توضع أخبار كثيرة في مناقب الصحابة (١) ، وأمر أن يسبّ الإمام علي عليه‌السلام في جميع الأقطار الإسلامية من على المنابر (وهذا الأمر كان ساريا حتى زمن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي سنة ٩٩ ـ ١١٠ ه‍).

وقتل جماعة من خاصة شيعة علي عليه‌السلام بواسطة عماله ، وكان بعضهم من الصحابة ، ورفعت رءوسهم على الرماح ، تنقل من بلد لآخر ، وأمر عامة الشيعة بسبّ علي عليه‌السلام ، والتبري منه ، فكان القتل حليف من خالف وأبى (٢).

الأيام العصيبة التي مرّت على الشيعة

كان زمن حكومة معاوية بن أبي سفيان ، من أشدّ الأيام التي مرت على الشيعة والتي استمرت زهاء عشرين عاما ، ولم يكن الشيعة فيها بمأمن ، وكان أغلب رجال الشيعة يشار إليهم بالبنان. ولم تكن لدى الحسن والحسين عليهما‌السلام ، اللذان عاصرا معاوية ، أدنى الوسائل تمكنهم من القيام ، وإنهاء الأوضاع المؤلمة. والإمام الحسين عليه‌السلام عند ما نهض في الأشهر الأولى من حكومة يزيد ، استشهد هو ومن كان معه من الأولاد والأصحاب.

وبعض إخواننا أهل السنة يذهبون إلى التبرير والتأويل في سفك هذه الدماء الطاهرة ، وما شابهها من أعمال إجرامية ،

__________________

(١) النصائح الكافية ص ٧٢ ـ ٧٣.

(٢) النصائح الكافية ص ٥٨ ، ٦٤ ، ٧٧ ، ٧٨.

٤٤

معللين ذلك ، بأنهم من صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفقا للأحاديث المروية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أن الصحابة مجتهدون ومعذورون ، وأن الله جلّ وعلا راض عنهم ، لكن الشيعة ترفض هذا بأدلة :

أولا : يستحيل على قائد كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي نهض لإحياء الحقّ والحرية والعدالة الاجتماعية ، واتّبعه جمع من الناس ، فضحّوا بما لديهم في سبيل تحقيق هذه الأهداف ، وعند تحققها ، يترك لهم العنان ، وتمنح لهم الحرية المطلقة ، أمام الأحكام المقدسة ، كي يقوموا بما شاءوا ، وهذا يعني أن ينهار البناء الشامخ الذي ساهمت في إقامته وتشييده تلك الأيادي الطاهرة.

ثانيا : إن الروايات التي تقدس الصحابة وتنزههم ، وتبرر أعمالهم غير المشروعة ، وتعتبرهم من الذين قد كفّر الله عنهم سيئاتهم ، وأنهم مصونون وما إلى ذلك ، هذه الروايات قد وضعت من قبل هؤلاء الصحابة أنفسهم ، والتاريخ يشهد أن بعض الصحابة ، لم يكن أحدهم ليحترم الآخر ، ولم يكن الواحد منهم يغض النظر عن أعمال الآخرين القبيحة ، وإنما كان يشهّر به ويعرّفه للملإ. فقد قام بعضهم بالقتل الجماعي واللعن والسب وفضح الآخرين ، ولم تكن هناك أية مسامحة أو صفح فيما بينهم.

ووفقا لما ذكرنا فإن الصحابة يشهدون أن هذه الروايات غير صحيحة ، وإذا ما علم صحت البعض منها ، فإن المراد منها معنى آخر ، غير التنزيه والتقديس الشرعي للصحابة.

ولو قدر أن الله سبحانه وتعالى قد مدحهم ورفع شأنهم في

٤٥

بعض آياته (١) ، فإن هذا يدلّ على ما قدموه من خدمات في سابق حياتهم ، وتنفيذهم لأوامر الله تعالى ، فطبيعي يرضى الله تعالى عنهم في هذه الحال ، ولكن لا يكون المراد من أنهم يستطيعون أن يقوموا بكل ما تراودهم أنفسهم في المستقبل ، وإن كان خلافا لأحكام الله تعالى.

استقرار ملوكية بني أمية

توفي معاوية (سنة ٦٠ للهجرة) ، واستولى على عرش الخلافة ابنه يزيد وفقا للبيعة التي أخذها أبوه من الناس ، وأصبح زعيما للحكومة الإسلامية.

والتأريخ يشهد بأن يزيد لم يكن يتصف بأية شخصية إسلامية ، فقد كان شابا لا يبالي بأحكام الإسلام حتى في زمن أبيه ، كان فاسقا فاجرا ، لا يتناهى عن شرب الخمر ، متّبعا لإهوائه وشهواته ، قام بأعمال إجرامية طوال السنوات الثلاث التي حكم فيها ، لم يسبق لها مثيل منذ ظهور الإسلام ، مع ما انطوت عليه من أحدث وفتن.

ففي السنة الأولى ، قتل الحسين بن علي عليه‌السلام سبط النبي المرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن كان معه من أولاده وأقربائه وأصحابه ، بشكل مفجع ، وطاف بالنساء والأطفال من أهل بيت العصمة والطهارة مع رءوس الشهداء في البلدان (٢).

__________________

(١) سورة التوبة الآية ١٠٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ : ٢١٦ / أبي الفداء ج ١ : ١٩٠ / مروج الذهب ج ٣ : ٦٤ وكتب التاريخ الأخرى.

٤٦

وفي السنة الثانية ، أمر جيشه بالإبادة الجماعية للناس في مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأباح دماءهم وأموالهم وأعراضهم لثلاثة أيام (١).

وفي السنة الثالثة ؛ أمر بهدم الكعبة المقدّسة وإحراقها (٢) ، وبعد وفاة يزيد ، تسلّط على رقاب الناس ، آل مروان من بني أمية ، وهذا ما تناقلته كتب التاريخ ، وكانت لحكومة هذه الزمرة والتي شملت أحد عشر شخصا ، واستمرت مدة سبعين عاما ، أيام عصيبة على الإسلام والمسلمين ، فلم تكن سوى أمبراطورية عربية مستبدة في مجتمع إسلامي ، وكانت تدعى الخلافة الإسلامية ، حتى آل الأمر بالخليفة آنذاك ، والذي يعتبر المدافع الوحيد عن الدين ، أن يقرر بناء غرفة على الكعبة ، كي يتسنّى له الجلوس فيها للتنزه ، خاصة في أيام الحجّ (٣).

والخليفة آنذاك قد رمى القرآن بالسهام ، وقال في شعر له مخاطبا القرآن :

أتوعد كل جبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد (٤)

__________________

(١) اليعقوبي ج ٢ : ٢٤٣ / أبي الفداء ج ١ : ١٩٢ / مروج الذهب ج ٣ : ٧٨.

(٢) اليعقوبي ج ٢ : ٢٢٤ / أبي الفداء ج ١ : ١٩٢ / مروج الذهب ج ٣ : ٨١.

(٣) الوليد بن يزيد ، اليعقوبي ج ٣ : ٧٣.

(٤) الوليد بن يزيد ، مروج الذهب ج ٣ : ٢٢٨.

٤٧

من الطبيعي أن الشيعة كانوا يختلفون اختلافا أساسيا مع أكثرية أهل السنة حول مسألتين ، الخلافة الإسلامية ، والمرجعيّة الدينية ، وهم عانوا أياما قاسية في تلك المرحلة المظلمة. فكان الظلم والجور من قبل الحكام ، والمظلومية والتقوى والورع الذي كان يتصف به أئمة أهل البيت عليه‌السلام يجعلهم أكثر رسوخا في عقائدهم ، وخاصة بعد استشهاد الحسين عليه‌السلام الإمام الثالث للشيعة ، مما ساعد على انتشار الفكر الشيعي في المناطق البعيدة عن مركز الخلافة مثل العراق واليمن وإيران.

ومما يشهد على صحة هذا الادعاء ، ما حدث في زمن الإمام الخامس للشيعة ، والقرن الأول الهجري لمّا يكتمل بعد ، حيث توجّه الشيعة من جميع الأقطار الإسلامية إلى الإمام الخامس واهتموا بأخذ الحديث والمعارف الإسلامية منه (١).

وفي أواخر القرن الأول الهجري ، قام جماعة من الأمراء ، بإنشاء مدينة قم في إيران (٢) ، وأسكنوا فيها الشيعة ، ولكن الشيعة حسب أوامر أئمتهم لم يظهروا عقيدتهم ، التزاما بمبدإ التقيّة ، ولطالما نهض رجال من السادة العلويين إثر كثرة الضغوط التي كانت تظهر من قبل الحكام الجائرين ، ولكن قيامهم هذا كان عاقبته الفشل والقتل. وقدموا في سبيل عقيدتهم ونهضتهم هذه المزيد من النفوس ولم تبال الحكومة بإبادتهم والقضاء عليهم.

__________________

(١) يراجع مبحث معرفة الإمام في هذا الكتاب.

(٢) معجم البلدان كلمة (قم).

٤٨

فهم أخرجوا جثمان «زيد» زعيم الشيعة الزيدية من قبره ، وصلبوه لمدة ثلاث سنين ، ومن ثم أحرقوه ، وذرّوا رماده في الهواء (١) ، حتى أن أكثرية الشيعة تعتقد أن مقتل الإمام الرابع والخامس قد تمّ على أيدي بني أميّة (٢) ، وذلك بدسّ السمّ إليهما ، وكذا شهادة الإمام الثاني والثالث كانت على أيديهم.

إن الفجائع التي ارتكبها الأمويون كانت إلى حد جعلت أكثرية أهل السنة ـ مع اعتقادها بالخلفاء عامة وأنهم مفروضو الطاعة ـ يقسموا الخلفاء إلى قسمين : الخلفاء الراشدين ، وهم الخلفاء الأربعة الأوائل بعد وفاة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي عليه‌السلام والخلفاء غير الراشدين أولهم معاوية.

والأمويون طوال حكومتهم ، وعلى أثر ظلمهم وجورهم ، أثاروا سخط الأمة وغضبها إلى أبعد الحدود ، وبعد سقوط دولتهم ومقتل آخر خليفة لهم ، فرّ ولدا الخليفة مع جمع من العائلة الأموية من دار الخلافة ولم يجدوا في أي مكان ملجأ يتجهون إليه ، فتاهوا في صحاري «النوبة» و «الحبشة» و «بجاوة» ومات الكثير منهم من جراء الظمأ والجوع ، توجهوا إلى جنوب (اليمن) فمكثوا هناك زمنا ، كانوا يحصلون على المال من الناس عن طريق الاستجداء والصدقة والعطف عليهم. ومن ثم انتقلوا إلى مكة مرتدين زيّ الحمّالين وانصهروا في ذلك المجتمع (٣).

__________________

(١) مروج الذهب ج ٣ : ٢١٧ ـ ٢١٩ / اليعقوبي ج ٣ : ٦٦.

(٢) كتاب البحار ج ١٢ وسائر المصادر الشيعية.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٣ : ٨٤.

٤٩

الشيعة في القرن الثاني للهجرة

ظهرت دعوة باسم أهل بيت النبوة في خراسان ، يتزعمها «أبو مسلم المروزي» وذلك في أواخر الثلث الأول من القرن الثاني للهجرة ، اثر النهضات والحروب الدامية التي ظهرت في جميع البلدان الإسلامية ، كرد فعل للظلم والجور والمعاملة السيئة التي كان يقوم بها بنو أمية ، وأبو مسلم هذا قائد فارسي ، قام ضد الحكومة الأموية ، وحاز على دعم حتى أطاح بالدولة الأموية (١).

هذه الثورة وإن كانت تستلهم من الدعايات الشيعية ، وكانت تتصف أيضا ـ إلى حد ما ـ بثار شهداء أهل البيت! إلّا أنها لم تكن بإيعاز من أئمة الشيعة ، والدليل على ذلك أن أبا مسلم لما عرض البيعة للخلافة على الإمام السادس في المدينة ، كان ردّ الإمام عنيفا إذ أحرق الكتاب المرسل إليه ، وقال للرسول «عرّف صاحبك بما رأيت» (٢).

وكانت النتيجة أن قبض «بنو العباس» على الخلافة باسم أهل البيت (٣) ، وفي البداية أبدوا عنايتهم ورعايتهم للعلويين. وقضوا على الأمويين وأبادوهم إبادة كاملة ، وذلك انتقاما لشهداء العلويين ، ونبشوا قبور خلفاء بني أمية ، وأخرجوا منها الأجساد ، وأحرقوها

__________________

(١) اليعقوبي ج ٣ : ٧٩ / أبي الفداء ج ١ : ٢٠٨ وكتب التاريخ الأخرى.

(٢) اليعقوبي ج ٣ : ٨٦ / مروج الذهب ج ٣ : ٢٦٨.

(٣) اليعقوبي ج ٣ : ٨٦ / مروج الذهب ج ٣ : ٢٧٠.

٥٠

بالنيران (١) ، ولم تمض فترة حتى اتخذوا سيرة بني أمية نهجا لهم ، فلم يتوانوا عن القيام بالأعمال المشينة والمنافية للشريعة ، فظلموا وجاروا على الناس.

سجن «أبو حنيفة» وهو أحد رؤساء المذاهب الأربعة ، في زمن المنصور (٢) ، ولاقى أنواع التعذيب ، وضرب «ابن حنبل» أحد رؤساء المذاهب الأربعة ، بالسياط (٣) ، وقضي على الإمام السادس للشيعة الإمامية بالسم (٤) ، بعد الأذى والتعذيب. وكان يقدم العلويون جماعات لضرب أعناقهم ، أو يدفنوا وهم أحياء ، أو يوضعوا أحياء في الجدران ، وأسس الأبنية الحكومية.

وأما هارون الرشيد الخليفة العباسي ، فقد توسعت في زمنه الإمبراطورية الإسلامية ، وكان ينظر أحيانا الشمس مخاطبا إياها بقوله : أشرقي في أيّ مكان شئت فإنك لن تشرقي خارج ملكي.

فمن جهة كان جيش الخليفة يحارب ويتقدم في أقصى الشرق والغرب في العالم ، ومن جهة أخرى يشاهد على جسر بغداد والذي لا يبعد عن قصره سوى خطوات ، الجباة يأخذون من المارّة حق العبور دون علم الخليفة وإذنه ، ويذكر أن الخليفة نفسه ، عند ما أراد عبور الجسر ذات يوم ، طولب بحقّ العبور (٥).

__________________

(١) اليعقوبي ج ٣ : ٩١ ـ ٩٦ / أبي الفداء ج ١ : ٢١٢.

(٢) تاريخ أبي الفداء ج ٢ : ٦.

(٣) اليعقوبي ج ٣ : ١٩٨ / أبي الفداء ج ٢ : ٣٣.

(٤) كتاب البحار ج ٢١٢ حياة الإمام الصادق (ع).

(٥) قصة جسر بغداد.

٥١

ومما يذكر عن الأمين الخليفة العباسي ، أنه وهب إلى مطرب ثلاثة ملايين درهم فضة إزاء ما غناه لبيتين غزل ، فرمى المطرب نفسه على قدمي الخليفة قائلا : تمنحني هذه الأموال الطائلة يا أمير المؤمنين؟! فأجابه الخليفة ليس الأمر بمهم نستعيضها من ناحية من نواحي البلاد (١).

كانت الأموال الطائلة تتدفق إلى بيت مال المسلمين من جميع الأقطار الإسلامية ، وتصرف للهو الخليفة ولعبه ، وكانت الجواري والفتيات الحسناوات والغلمان في بلاط الخلفاء تعد بالآلاف.

لم يتغيّر وضع الشيعة بعد زوال حكومة بني أمية ، ومجيء دولة بني العباس ، سوى تغيير اسم الأعداء الظلمة والجائرين.

الشيعة في القرن الثالث للهجرة

استطاع الشيعة أن يتنفسوا الصعداء ، في أوائل القرن الثالث الهجري ، والسبب في ذلك يعود إلى :

أولا : ترجمة الكثير من الكتب الفلسفية والعلمية من اليونانية والسريانية وغيرهما إلى العربية ، فتسابق الناس على تحصيل العلوم العقلية والاستدلالية ، علما بأن المأمون الخليفة العباسي (١٩٥ ـ ٢١٨) المعتزلي كان يرغب في الاستدلال العقلي ، ويبدي اهتمامه له ، وكانت النتيجة أن انتشر البحث الاستدلالي في الأديان ، وتعطى الحرية الكاملة لأصحاب المذاهب ، فانتهز علماء

__________________

(١) كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (قصة الأمين).

٥٢

الشيعة ومتكلموهم هذه الحرية الفكرية ، فلم يتوانوا في النشاط العلمي ، ونشر مذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

ثانيا : منح المأمون الإمام الثامن ولاية عهده بمقتضى سياسته ، فأصبح الشيعة ومحبو أهل البيت ، بعيدين عن التعرض إلى حدّ ما من قبل الولاة ـ وأصحاب المناصب ، وأصبحوا يتمتعون بشيء من الحرية ، إلا أن الفترة هذه لم تدم كثيرا ، فتعرّض الشيعة بعدها للملاحقة الشديدة ، والقتل والتشريد ، وعادت السنّة التي كانت سائدة ، وخاصة في زمن المتوكّل العباسي (٢٣٢ ـ ٢٤٧ للهجرة) ، إذ كان يعادي عليا وشيعته عداء خاصا ، وهو الذي أمر بهدم مرقد الإمام الحسين عليه‌السلام ثالث أئمة الشيعة في كربلاء (١).

الشيعة في القرن الرابع للهجرة

ظهرت عوامل في القرن الرابع الهجري ، ساعدت على انتشار مذهب التشيع وتقويته ، منها ضعف الخلافة العباسية ، وظهور ملوك آل بويه.

كان لملوك آل بويه ، وهم شيعة ، التأثير البالغ في مركز الخلافة ببغداد ، وكذا في الخليفة (٢) ، وهذه القدرة جعلت الشيعة يقفون أمام المخالفين ، الذين طالما حاربوا الشيعة ، وتمكن الشيعة أن ينشروا عقائدهم بكل حرية.

والمؤرخون متفقون على أن الجزيرة العربية ، أو معظمها ، كانت

__________________

(١) تاريخ أبي الفداء ، وكتب التاريخ الأخرى.

(٢) يراجع كتب التاريخ.

٥٣

تعتنق مذهب الشيعة في ذلك الوقت ، سوى المدن الكبيرة منها ، علما بأن بعض المدن مثل ، هجر وعمان وصعدة ، كانت شيعية ، ومدينة البصرة كانت تعتبر مركزا لأهل السنة ، وكانت في صراع ديني مع الكوفة مركز التشيع وكان يسكن فيها بعض الشيعة ، وكذا في كل من مدينة طرابلس ونابلس وطبرية وحلب وهرات ، كان فيها من الشيعة ، وكذلك في مدينة الأهواز وسواحل الخليج الفارسي من إيران (١).

وفي أوائل هذا القرن ، استولى ناصر الأطروش على شمال إيران ، بعد كفاح دام سنوات ، فاستقر في ناحية طبرستان وأسس دولته ، واستمرت لأولاده من بعده ، وكان الحسن بن زيد العلوي قد حكم هذه المنطقة قبل الأطروش (٢).

وفي هذا القرن استولى الفاطميون وهم من الفرقة الإسماعيلية على مصر ، وأسسوا حكومتهم واستمرت أكثر من قرنين (٢٩٦ ـ ٥٢٧).

الشيعة في القرن الخامس وحتى القرن التاسع الهجري

توسعت الشيعة خلال القرن الخامس حتى أواخر القرن التاسع بتلك النسبة التي كانت عليها في القرن الرابع وظهر ملوك اعتنقوا مذهب التشيع ، فصاروا يدعون له.

ترسخت الدعوة الإسماعيلية في «قلاع الموت» ، واستقلت في

__________________

(١) الحضارة الإسلامية ج ١ : ٩٧.

(٢) مروج الذهب ج ٤ : ٣٧٣ / الملل والنحل ج ١ : ٢٥٤.

٥٤

دعوتها قرنا ونصف قرن وسط إيران (١). وحكم السادة المرعشيون سنين متمادية في مازندران (٢).

اختار الملك «خدا بنده» وهو أحد ملوك المغول مذهب الشيعة ، وخلّفه في الحكم ملوك من هذه الطائفة لأعوام متعاقبة ، وساهموا في نشر وترويج هذه العقيدة ، وكذا سلاطين «آق قويونلو» و «قره قوينلو» ، إذ كانت مدينة تبريز (٣) مركز حكومتهم ، وكانت تنبسط سيطرتهم حتى فارس وكرمان ، وحكمت الدولة الفاطمية في مصر لسنوات متعاقبة.

من الطبيعي أن القدرة الدينية لأهل السنة مع الملوك كانت متغيرة ومتفاوتة ، وبعد سقوط الدولة الفاطمية ومجيء دولة الأيوبيين ، تغيرت الظروف ، وفقد الشيعة في مصر والشام الحرية الفكرية على الإطلاق ، وقتل الكثير منهم (٤).

من بينهم الشهيد الأول «محمد بن محمد المكي» أحد نوابغ الفقه الشيعي الذي قتل سنة ٧٨٦ للهجرة في دمشق بتهمة التشيّع (٥).

وقتل أيضا الشيخ «شهاب الدين السهروردي» في حلب بتهمة الفلسفة (٦).

__________________

(١) يراجع كتاب الكامل وروضة الصفا وحبيب السير.

(٢) الكامل وأبي الفداء ج ٣.

(٣) تاريخ حبيب السير.

(٤) تاريخ حبيب السير وأبي الفداء وغيرهما.

(٥) روضات الجنات ورياض العلماء نقلا عن ريحانة الأدب ج ٢ : ٣٦٥.

(٦) الروضات وكتاب المجالس ووفيات الأعيان.

٥٥

فالشيعة خلال هذه القرون الخمسة ، كانوا في ازدياد من حيث النفوس والعدد ، وكانت الزيادة تابعة لموافقة ومخالفة السلاطين من حيث القدرة والحرية الفكرية. ولم يعلن في هذه الفترة في أية دولة إسلامية مذهب التشيّع ، مذهبا رسميا لها.

الشيعة في القرن العاشر والحادي عشر للهجرة

نهض شاب في سنة ٩٠٦ للهجرة ، وهو في الثالثة عشرة من عمره ، من عائلة «الشيخ صفي الدين الأردبيلي» المتوفي سنة ٧٣٥ ه‍. وكان من أحد مشايخ الطريقة في الشيعة ، نهض مع ثلاثمائة من الدراويش الذين كانوا من مريدي آبائه ، وذلك لإيجاد دولة شيعية مستقلة ومقتدرة ، فسار من مدينة «أردبيل» وشرع بفتح البقاع وإزالة نظام ملوك الطوائف في إيران ، وبعد حروب دامية مع الملوك المحليّين وخاصة مع ملوك «آل عثمان» الذين كانوا ينوبون عن الإمبراطورية العثمانية ، استطاع أن يجعل من إيران دولة موحّدة بعد أن كانت ممزقة ، يحكم كل بقعة منها فئة خاصة ، وجعل المذهب الشيعي ، مذهبا رسميا لها (١).

وبعد وفاة الملك «إسماعيل الصفوي» أعقبه ملوك آخرون من السلالة ذاتها ، حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري ، وكل من هؤلاء الملوك كان يؤيد المذهب الشيعي ، ففي زمن «الشاه عباس الكبير» والذي يعتبر ذروة القدرة لهذه السلالة ، استطاع أن يوسّع

__________________

(١) روضة الصفا وحبيب السير وغيرهما.

٥٦

بقعتهم ، فازداد عدد السكان ، فبلغ ضعف (١) ما هو عليه الآن في إيران (سنة ١٣٨٤ ه‍). والطائفة الشيعية ، في القرنين ونصف القرن الأخير تقريبا ، بقيت على حالتها في سائر البقاع الإسلامية مع بقاء الازدياد الطبيعي لها.

الشيعة في القرن الثاني عشر وحتى القرن الرابع عشر للهجرة

إن التقدم في المذهب الشيعي خلال القرون الثلاثة الأخيرة كان بشكله الطبيعي كما في السابق ، وفي وقتنا الحاضر ، يعتبر التشيع مذهبا رسميا في إيران ، ومعظم شعوب اليمن والعراق من الشيعة ، وتتواجد الشيعة في كل الدول الإسلامية في العالم ، قلت أم كثرت ، ويعد الشيعة في مختلف الأقطار في العالم ، بما يقارب المائة مليون.

انقسام بعض الفرق وانقراضها

يشتمل كل مذهب على مسائل وأمور تعتبر الأسس الأولية لذلك المذهب ، وهناك مسائل ثانوية. وأما اختلاف أهل المذاهب في كيفية المسائل الأصلية ونوعيتها مع الاحتفاظ بالأصول المشتركة بينها ، يسمى انشعابا.

توجد الانشعابات في جميع الأديان ، وخاصة في الأديان السماوية ، اليهودية والمسيحية والإسلام. أما المذهب الشيعي فلم يطرأ عليه ، ولم يظهر فيه أيّ انشعاب في زمن أئمته الثلاثة (الإمام

__________________

(١) روضة الصفا وحبيب السير.

٥٧

علي والحسن والحسين عليهم‌السلام) ، ولكن بعد استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام ، اعترفت أكثرية الشيعة بإمامة عليّ بن الحسين السجاد عليه‌السلام ، وذهب الأقلية منهم والذين عرفوا بالكيسانيّة ، إلى الاعتقاد بإمامة محمد بن الحنفية إماما رابعا لهم ، وهو المهدي الموعود عندهم ، وأنه غاب في جبل رضوى ، وسيظهر يوما.

وبعد وفاة الإمام السجاد عليه‌السلام اعتقد أكثرية الشيعة بإمامة ابنه محمد الباقر عليه‌السلام ، وذهب الأقلية منهم إلى التمسك بمذهب زيد الشهيد وهو الولد الآخر للإمام السجاد عليه‌السلام ، واشتهروا بالزيدية.

وبعد وفاة محمد الباقر عليه‌السلام آمن شيعته بولده الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام وبعد وفاته ، ذهب الأكثرية إلى أن الإمام السابع هو ولده الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام ، واعتقد فريق أن اسماعيل ابن الإمام الأكبر هو الإمام السابع ، والذي وافاه الأجل في زمن أبيه الصادق ، وانفصل هؤلاء عن الأكثرية الشيعية ، وعرفوا بالاسماعيلية ، وذهب البعض إلى إمامة عبد الله الأفطح ابنه الآخر ، وذهب آخرون إلى إمامة محمد وتوقف بعض في إمامته ، واعتبروه آخر الأئمة.

وبعد استشهاد الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام ، ذهبت الأكثرية إلى إمامة ابنه الرضا عليه‌السلام ، إماما ثامنا ، وتوقف جماعة في إمامة الإمام السابع ، واشتهروا ب (الواقفية).

ولم يظهر انشعاب بعد الإمام الثامن وحتى الإمام الثاني عشر ، وهو المهدي الموعود ، وإذا ما كانت هناك حوادث أو وقائع فإنها لم تكن سوى أيام معدودة ولم يحدث انشعابا ، وعلى فرض حدوث

٥٨

انشعاب ، لم يدم كثيرا ، وانتهى إلى الانصهار ، كما حدث بعد وفاة الإمام العاشر ، إذا ادّعى ولده جعفر الإمامة وتبعه جمع ، إلا أنهم تفرّقوا وتشتتوا بعد فترة قصيرة ، ولم يتابع جعفر دعوته هذه ، وهناك بعض اختلاف في الآراء بين رجال الشيعة في المسائل العلمية والكلامية والفقهية ، إلا أن ذلك لا يعتبر انشعابا في المذهب.

انقرضت الفرق المذكورة التي انشعبت أمام الأكثرية الشيعية ، في زمن قصير ، عدا الفرقة «الزيدية» و «الإسماعيلية» اللتان استمرتا ، ولا يزال معتنقو هذين المذهبين يعيشون في مناطق مختلفة من العالم ، كاليمن والهند ولبنان ومناطق أخرى ، فعلى هذا نكتفي بذكر هاتين الطائفتين مع الأكثرية الشيعية وهم الاثنا عشرية.

الزيديّة

تعتبر «الزيدية» من تابعي زيد الشهيد ابن الإمام السجاد عليه‌السلام.

ثار زيد سنة ١٢١ للهجرة بوجه الخليفة الأموي «هشام بن عبد الملك» وبايعه جماعة وقتل في حرب وقعت في مدينة الكوفة بينه وبين مؤيدي الخليفة.

يعدّ زيد لدى أصحابه ، الإمام الخامس من أئمة أهل البيت عليه‌السلام ، وخلفه بعده ابنه «يحيى بن زيد» الذي ثار على الخليفة الأموي «الوليد بن يزيد» وجاء بعده «محمد بن عبد الله» و «إبراهيم بن عبد الله» اللذان قاما وثارا على الخليفة العباسي «منصور الدوانيقي» وقتلا ، فهؤلاء هم من أئمة الزيديّة.

ومنذ ذلك الوقت ، كانت أمور «الزيديّة» غير منتظمة ، حتى ظهور

٥٩

«ناصر الأطروش» وهو من نسل أخي زيد ، في خراسان ، وعلى أثر المطاردات التي قامت بها الدولة آنذاك ، اضطرّ أن يفرّ إلى مازندران ، ولم يكن أهالي هذه المنطقة قد اعتنقوا الإسلام ، وبعد دعوة دامت ثلاث عشرة سنة ، استطاع أن يدخل جمعا كثيرا في الإسلام ، فاعتنقوا مذهب «الزيديّة» ، واستطاع بعدها وبمساعدة هؤلاء أن يسيطر على ناحية طبرستان وصار فيهم إماما وقائدا ، واستخلفه من بعده أولاده ، يسوسون الناس في تلك الديار.

وتعتقد «الزيديّة» أن كل فاطمي ، وعالم ، وزاهد ، وشجاع ، وسخيّ ، يثور لإحقاق الحقّ يستطيع أن يكون إماما.

كانت الزيديّة في الابتداء مثل زيد ، تعتبر الخليفتين الأولين «أبو بكر وعمر» من الأئمة ، ولكن بعدها أسقط جماعة منهم اسم هذين الخليفتين من أسماء أئمتهم ، وابتدءوا بالإمام عليّ عليه‌السلام.

وحسب ما يقال أن «الزيديّة» تتبع المعتزلة في الأصول ، وتوافق فقه «أبي حنيفة» في الفروع. وهناك اختلاف يسير بينهم في بعض المسائل.

الإسماعيلية وانشعاباتها

الباطنية : كان للإمام جعفر الصادق عليه‌السلام وهو الإمام السادس للشيعة ولد يدعى «اسماعيل» وهو أكبر ولده ، توفي في زمن أبيه ، وشهد الأب وفاة ابنه ، وطلب الشهادة من حاكم المدينة أيضا على وفاة ولده ، إلا أن هناك فريق يعتقد بعدم وفاة اسماعيل ، وأنه اختار الغيبة ، وسوف يظهر ثانية وهو المهدي الموعود ، ويتضح

٦٠