الشيعة في الإسلام

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الشيعة في الإسلام

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: بيت الكاتب للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٠

أئمة الإسلام وقادته

ومما تقدم يستنتج أنه بعد وفاة الرسول العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما زال ولا يزال إمام معيّن من قبل الله تعالى في الأمة الإسلامية.

وهناك المزيد من الأحاديث النبوية (١) في وصف الأئمة وعددهم ، وأنهم من قريش ومن أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن منهم الإمام المهدي وهو آخرهم.

وهناك نصوص صريحة (٢) أيضا من الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمامة علي عليه‌السلام ، وأنه الإمام الأوّل وهكذا روايات وأحاديث أخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الإمام علي عليه‌السلام بشأن الإمام الثاني ، وهكذا كل إمام ينبئ بالإمام الذي يليه ويأتي بعده.

__________________

ـ الظاهرية يختص بنوع من الهداية المعنوية ، ويعتبر من سنخ عالم الأمر والتجرد ، فهو بواسطة الحقيقة والنور الباطني الذي يتصف به ، يستطيع أن يؤثر في القلوب المهيأة ، وأن يتصرف بها كيفما شاء ، ويسيّرها نحو مراتب الكمال والغاية المتوخاة ، فتأمّل.

(١) على سبيل المثال عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، قال : فكبّر الناس وضجّوا ثم قال كلمة خفيّة. قلت لأبي : يا ابه ، ما قال : قال : قال كلهم من قريش ... صحيح أبي داود ج ٢ : ٢٠٧ ، مسند أحمد ج ٥ : ٩٢ وأحاديث أخرى بهذا المضمون.

عن سلمان الفارسي قال : دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا الحسين على فخذيه وهو يقبّل عينه ويقبّل فاهه ويقول : أنت سيّد ابن سيد ، وأنت إمام ابن إمام ، وأنت حجة ابن حجة ، وأنت أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم. ينابيع المودة الطبعة السابعة صفحة ٣٠٨.

(٢) يراجع كتاب الغدير تأليف العلامة الأميني ، وكتاب غاية المرام تأليف السيد هاشم البحراني ، وكتاب الهداة تأليف محمد بن حسن الحر العاملي وكتاب ذخائر العقبى تأليف محبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري. وكتاب المناقب للخوارزمي. وكتاب تذكرة الخواص لابن الجوزي. وكتاب ينابيع المودة لسليمان بن ابراهيم الحنفي. وكتاب الفصول المهمة لابن الصباغ وكتاب دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري. وكتاب النص والاجتهاد لشرف الدين الموسوي. وكتاب أصول الكافي الجزء الأول لمؤلفه محمد بن يعقوب الكليني. وكتاب الإرشاد للشيخ المفيد.

١٨١

وبمقتضى هذه النصوص ، فإن أئمة الإسلام اثنا عشر بالترتيب التالي :

١ ـ علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٢ ـ الحسن بن علي عليه‌السلام.

٣ ـ الحسين بن علي عليه‌السلام.

٤ ـ علي بن الحسين عليه‌السلام.

٥ ـ محمد بن علي عليه‌السلام.

٦ ـ جعفر بن محمد عليه‌السلام.

٧ ـ موسى بن جعفر عليه‌السلام.

٨ ـ علي بن موسى عليه‌السلام.

٩ ـ محمد بن علي عليه‌السلام.

١٠ ـ علي بن محمد عليه‌السلام.

١١ ـ الحسن بن علي عليه‌السلام.

١٢ ـ محمد بن الحسن المهدي عليه‌السلام.

موجز عن حياة الأئمة الاثني عشر

الإمام الأول :

هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأبو طالب شيخ بني إبراهيم وعمّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ربّى محمدا في حجره ، وبعد أن بعث بالرسالة ، كان مدافعا عنه ، يحميه من شرّ المشركين وخاصة قريش.

ولد علي ـ على أشهر الروايات ـ قبل البعثة النبوية بعشر

١٨٢

سنوات ، وعند ما أصاب مكة وأطرافها الجدب ، كان عمره آنذاك ست سنوات ، فاقترح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينتقل من بيت أبيه «أبي طالب» إلى بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصبح في كنفه وتحت رعايته (١).

نال محمد بعد سنوات عدة مقام النبوة ، وقد أوحي إليه لأول مرة وهو في غار «حراء» فرجع إلى بيته ، وأخبر عليا بما جرى عليه ، فآمن عليّ عليه‌السلام به (٢).

وقد دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشيرته الأقربين إلى دينه الجديد ، قائلا : «من يؤازرني على هذا الأمر ، يكن وصيّ ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي».

فلم يستجب أحد لهذه الدعوة إلّا عليّ ، حيث قام وقال : أنا يا رسول الله ، فقبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيمانه ، وأقرّ بما وعده إيّاه (٣) ، فهو أول من أسلم وقبل الإسلام من الرجال وآمن به ، وهو لم يعبد إلّا الله سبحانه.

كان عليّ يرافق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دوما ، إلى أن هاجر من مكة إلى المدينة ، وفي ليلة الهجرة ، عند ما حوصر بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان الكفار والمشركون قد جهّزوا الحملة للهجوم على بيت النبوة والرسالة ، وقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فراشه ، نام عليّ في فراش الرسول ، وخرج الرسول مهاجرا إلى يثرب (٤) ، فردّ عليّ الأمانات إلى أهلها

__________________

(١) الفصول المهمة الطبعة الثانية صفحة ١٤ / المناقب للخوارزمي صفحة ١٧.

(٢) ذخائر العقبى طبعة القاهرة سنة ١٣٥٦ صفحة ٥٨ / المناقب للخوارزمي طبعة النجف سنة ١٣٨٥ ، صفحة ١٦ ـ ٢٢ / ينابيع المودة الطبعة السابعة.

(٣) الإرشاد للشيخ المفيد طبع طهران ١٣٧٧ صفحة ٤ / ينابيع المودة صفحة ١٢٢.

(٤) الفصول المهمة صفحة ٢٨ ـ ٣٠ / تذكرة الخواص طبع النجف ١٣٨٣ صفحة ٣٤ / ينابيع المودة ص ١٠٥ / المناقب للخوارزمي ص ٧٣ ـ ٧٤.

١٨٣

حسب ما وصى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتوجّه إلى يثرب مع أمّه ، وزوجتي الرسول وابنته (١).

كان علي بن أبي طالب ملازما للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفارقه ، وزوّجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة سلام الله عليها.

لما أقام النبي عقد الأخوة وأنشأها بين أصحابه ، جعل عليا أخا له (٢).

كان علي عليه‌السلام يشارك في جميع غزوات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدا غزوة تبوك ، إذ استخلفه الرسول في المدينة (٣) ، فلم يتراجع في جميع تلك الغزوات عن مواجهة الخصم ، ولم يخالف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر. وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه عليه‌السلام : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع علي» (٤).

كان عمره الشريف يوم توفي الرسول العظيم ثلاثا وثلاثين سنة ، فنحّي عن منصب الخلافة ، علما بأنه كان منارا لجميع المثل الإنسانية ، مميزا عن أقرانه وعن كل صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌.

وقد تمسك المخالفون بأعذار منها ، أنه شاب لا تجربة له في الحياة ، وأنه قد قتل صناديد العرب عند محاربة الكفار وهو في ركاب الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستطاعوا بهذه الحجج الواهية أن يجعلوه بمنأى وبمعزل عن الخلافة وقيادة شئون المسلمين

__________________

(١) الفصول المهمة صفحة ٣٤.

(٢) الفصول المهمة صفحة ٢٠ / تذكرة الخواص صفحة ٢٠ ـ ٢٤ / ينابيع المودة ص ٦٣ ـ ٦٥.

(٣) تذكرة الخواص صفحة ١٨ / الفصول المهمة صفحة ٢١ / المناقب للخوارزمي صفحة ٧٤.

(٤) مناقب آل أبي طالب تأليف محمد بن علي بن شهرآشوب طبع قم ج ٣ : ٦٢ ، ٢١٨.

غاية المرام صفحة ٥٣٩ / ينابيع المودة صفحة ١٠٤.

١٨٤

العامة ، فانعزل عن المجتمع ، وأصبح جليس داره ، وشرع بتربية الخاصة من أصحابه ، وبعد مضي خمس وعشرين سنة ، وهي الفترة التي حكم فيها الخلفاء الثلاثة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد مقتل الخليفة الثالث ، اتجهت الأمة الإسلامية إلى علي عليه‌السلام وبايعته بالخلافة.

كان علي عليه‌السلام طوال حكومته ، والتي لم تدم أكثر من أربع سنوات وتسعة أشهر يسير على نهج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتصفت خلافته بلون من الثوريّة إذ قام بإصلاحات أدّت بالإضرار إلى بعض المنتفعين ، فنجد أعلام المعارضة ترتفع ، وسيوف المعارضين تشهر ، يتقدمهم طلحة والزبير ومعاوية وعائشة فجعلوا مقتل عثمان ذريعة لنواياهم السيئة ، وقاموا بالأعمال المضللة.

والإمام علي عليه‌السلام استعدّ للحرب للقضاء على هذه الفتنة ، وقد جهزت أم المؤمنين جيشا وكان طلحة والزبير خير من يعينها وينهض معها بالأمر. فوقع القتال بين الطرفين على مقربة من البصرة ، واشتهرت الواقعة بحرب الجمل.

وقام الإمام أيضا بحرب مع معاوية في الحدود العراقية الشامية ، عرفت بحرب صفّين ، واستغرقت سنة ونصف السنة ، وشغل بحرب مع الخوارج في النهروان ، اشتهرت بحرب النهروان.

ويمكن القول بأن معظم تلك الفترة التي حكم فيها الإمام علي عليه‌السلام قد صرفت لرفع الاختلافات الداخلية ، وبعدها أصيب بضربة على يد أحد الخوارج في مسجد الكوفة ، وذلك صبيحة

١٨٥

يوم التاسع عشر من رمضان المبارك لسنة ٤٠ للهجرة ، واستشهد في اليوم الواحد والعشرين من الشهر نفسه (١).

والتاريخ يشهد أن عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام لم تكن تنقصه صفة من الكمالات الإنسانية ، ويؤيد هذا الادعاء كل عدو وصديق. فكان مثلا رائعا في الفضائل والمثل الإسلامية ، ونموذجا حيا كامل لتربية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن الكتب التي تناولت هذه الشخصية الفذّة سواء لدى الشيعة أو السنة وغيرهم من المحققين ، لم تتناول أية شخصية أخرى بهذا القدر في الحياة البشرية.

كان علي ـ عليه‌السلام ـ أعلم الصحابة ، بل أعلم المسلمين ، وهو أول من فتح باب الاستدلال الحرّ في المسائل العلمية ، واستعان بالبحوث الفلسفيّة في المعارف الإلهية ، وتكلم عن باطن القرآن ، ووضع قواعد اللغة العربية حفاظا على ألفاظ القرآن الحكيم ، وكان أفصح العرب بيانا ، وأبلغهم خطابا (كما أشرنا في الفصل الأول من الكتاب) وكان يضرب به المثل في شجاعته ، ولم يدع للقلق أو الخوف طريقا إلى قلبه ، في تلك الغزوات والحروب التي مارسها واشترك فيها.

والتاريخ الإسلامي لا يزال يحمل في طياته خبر الصحابة والمقاتلين في الغزوات ، وقد انتابهم الفزع والخوف ، وقد تكررت هذه الحالة في أكثر من واقعة ، كحرب «حنين» و «خيبر» و

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٣ : ٣١٢ / الفصول المهمة ص ١١٣. تذكرة الخواص ص ١٧٢ ـ ١٨٣.

١٨٦

«الخندق». إذ انهزم الجيش أمام الأعداء ، ولكن الإمام كان يتصدى لحملات العدوّ ، ولم يسلم كل من نازل الإمام من أبطال العرب ومحاربيهم ، وكان على العاجز عطوفا ، فيترك قتله ، ولم يعقّب على الفارّ من ساحة الحرب ، ولم يغافل العدوّ ساعة الهجوم عليه ، ولم يقطع الماء على الأعداء.

ومما اتفقت عليه كتب التأريخ أنه عليه‌السلام ، في معركة خيبر ، تناول حلقة الباب ، واقتلع الباب وهزه هزة ثم رمى به جانبا (١).

ومما ينقل أيضا ، إنه في يوم فتح مكة ، عند ما أمر الرسول العظيم تحطيم الأصنام ، كان هناك صنم يدعى (هبل) وهو أكبر الأصنام وزنا ، وأشدّها ضخامة ، وكان قد وضع فوق الكعبة ، صعد عليّ على أكتاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر منه ، ورمى ب «هبل» إلى الأرض (٢).

لم يكن له شبيه في تقواه وعبادته ، وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يردّ على الذين يحاولون النيل منه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تسبّوا عليا فإنّه ممسوس في ذات الله» (٣).

وذات يوم ، رأى الصحابي الجليل أبو الدرداء عليا عليه‌السلام في إحدى ضيعات المدينة فظنّ أنه ميّت لما رأى من عدم الحركة وسكون الجسم ، فرجع مسرعا إلى دار فاطمة ، أنبأها بالحدث ، وعزّاها بوفاة زوجها ، فأجابته فاطمة عليه‌السلام أنه لم يمت ، بل أنه

__________________

(١) تذكرة الخواص صفحة ٢٧.

(٢) تذكرة الخواص ٢٧ / المناقب للخوارزمي ٧١.

(٣) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج ٣ : ٢٢١.

١٨٧

مغشيّ عليه من شدة خوفه من الله سبحانه في عبادته وطاعته ، وما أكثر ما كانت تنتابه هذه الحالة.

وما أكثر القصص والروايات التي تشير إلى رأفته وعطفه بالفقراء والمساكين والمستضعفين ، فكان ينفق مما يحصل على المحتاجين في سبيل الله تعالى ، وهو يعيش عيشة خشنة.

كان يهوى الزراعة ، وغالبا ما كان يهتم بحفر الآبار ، وعمران الأراضي الموات بتشجيرها ، فكان يجعلها وقفا للفقراء والبائسين.

وكانت تطلق على كل هذه الموقوفات ، (صدقات علي) وكانت لها عائدات جمة ، وكانت تقدر هذه الموقوفات ب (أربعة وعشرين رطلا ذهبا) في السنوات الأخيرة من عهده عليه‌السلام (١).

الإمام الثاني :

هو الإمام الحسن المجتبى وأخوه الحسين عليهم‌السلام ، ولدا أمير المؤمنين علي عليه‌السلام من فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، بنت الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرارا أن الحسن والحسين ولداي ، واحتراما لهذا القول كان علي عليه‌السلام يقول لباقي أولاده : أنتم أولادي ، والحسن والحسين ولدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

ولد الحسن عليه‌السلام في المدينة السنة الثالثة من الهجرة ، عاصر جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدة تزيد على سبع سنوات ، كان يتمتع برعاية

__________________

(١) نهج البلاغة الجزء الثالث الكتاب ٢٤.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ : ٢١ ، ٢٥ / ذخائر العقبى صفحة ٦٧ ، ١٢١.

١٨٨

جده وعطوفته ، وقد توفيت أمه فاطمة سيدة النساء بعد وفاة جده ، بثلاثة أو ستة أشهر ، فتعهده والده بالتربية.

وبعد استشهاد أبيه علي عليه‌السلام نال مقام الإمامة الشامخ ، وما ذلك إلا بأمر من الله العلي العليم ، وعملا بوصية الإمام علي عليه‌السلام ، فاحتلّ مقام الخلافة ظاهرا ، وعمل في إرادة المسلمين ، طوال ستة أشهر.

جهّز معاوية الجيش لمحاربة الحسن عليه‌السلام ، بعد أن قضى فترة في الحرب ضد أبيه الإمام علي عليه‌السلام ، وكان معاوية من ألدّ أعداء آل علي بعد استشهاد الإمام عليّ ، (فحارب بحجة الثأر لدم عثمان ابتداء وبعد ذلك صرّح بطلبه للخلافة) ، فوجّه الجيش إلى الكوفة ، حيث كان مقرّ الخلافة للإمام الحسن عليه‌السلام ، واستطاع أن يكسب قادة جيش الإمام بالتطميع بالمال ، أو الوعد بالمقام والجاه ، فأغوى بهذا عددا من رؤساء وقادة الجيش ، الذين تخاذلوا تاركين خلفهم أمامهم ، متجهين نحو معاوية وثرواته.

وفي نهاية الأمر أجبر الإمام الحسن عليه‌السلام على الصلح (١) ، وأحال الخلافة الظاهرية بالشروط التي اشترطها إلى معاوية ، منها أن تكون الخلافة للحسن بعد وفاة معاوية ، وأن يصان شيعته وعشيرته من أيّ تعرض أو اعتداء وبهذا استطاع معاوية أن يأخذ بزمام الأمور في الشام ، ثم دخل العراق ، وأعلن إلغاءه لشروط الصلح التي أبرمها بالأمس مع الإمام الحسن ، وذلك في اجتماع

__________________

(١) إرشاد المفيد ١٧٢ / مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ : ١٣٣. الإمامة والسياسة تأليف عبد الله بن مسلم بن قتيبة ج ١ : ١٦٣ الفصول المهمة ١٤٥ / تذكرة الخواص ١٩٧.

١٨٩

عام للمسلمين ، ومارس أقسى أنواع الاضطهاد والشدة على أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشيعة خاصة.

عاش الإمام الحسن طوال مدة إمامته (عشر سنوات) حياة محاطة بالقمع ، ولم يكن بمأمن حتى في بيته مع عائله وأهل بيته ، فاستشهد على يد زوجته إذ دست إليه السمّ بإيعاز من معاوية ، وذلك سنة ٥٠ للهجرة النبوية.

كان الحسن مثالا فذا لجدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونموذجا كاملا للخلق الأبيّة لأبيه ، فكان وأخوه الحسين ملازمين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يحملهما على كتفه أحيانا.

ومما يروى عن العامة والخاصة ، أن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، والروايات عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام متوافرة بإمامة الحسن بعد أبيه عليهما‌السلام.

الإمام الثالث :

هو الإمام الحسين (سيّد الشهداء) ثاني ولد علي عليه‌السلام من فاطمة بنت النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولد في السنة الرابعة الهجرية ، وبعد استشهاد أخيه الحسن المجتبى ، وصلت إليه الإمامة بأمر من الله جلّ شأنه ، ووفقا للوصية (١).

تعتبر مدة إمامة الإمام الحسين عليه‌السلام عشر سنوات ، عاشها

__________________

(١) إرشاد المفيد ١٧٩ / إثبات الهداة ج ٥ : ١٦٨ ـ ٢١٢. إثبات الوصية للمسعودي طبعة طهران ١٣٢٠ صفحة ١٢٥.

١٩٠

مضطهدا. فمعاوية قد استخدم شتى الطرق والوسائل لتصفية أهل البيت ، وكان يستعين بأعوان وأنصار له في تحقق هذا الأمر. فحاول طمس اسم علي وآل علي. ومهّد السبل لخلافة ابنه يزيد ، فهيّأ المقدمات اللازمة التي لا بدّ من اتخاذها لتشريع حكمه ، وإن كانت هناك فئة معارضة لما شاهدوه من فجور يزيد وفسقه. إلا أنهم لم يسلموا من غضب معاوية وسخطه ، فوجّه إليهم الضربات قاصمة.

فالحسين عاصر هذه الظروف الحالكة ، وتحمّل كلّ الأذى من قبل معاوية وأتباعه ، حتى جاء منتصف سنة ستين للهجرة ، التي مات فيها معاوية ، مخلفا ابنه يزيد (١).

كانت البيعة سنّة عربية تجري في الأمور الهامة كالملوكية والإمارة وما شابه ، فيتقدم السادة وكبار القوم بمدّ يد البيعة والطاعة للملك أو الأمير ، وكان يعتبر التخلّف عن البيعة عارا ، وتخلّفا عن معاهدة رسمية ، والبيعة كانت معتبرة في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيرته تؤيد ذلك ، هذا إذا كانت تتصف بصفة الاختيار دون الإجبار والإكراه.

لقد أخذ معاوية البيعة من شرفاء القوم ورؤسائهم ، إلا أنه لم يتعرض للحسين عليه‌السلام ، ولم يحمّله بيعة يزيد ، وقد أوصى يزيد بعدم التعرض للحسين بن علي ، إذا امتنع من البيعة له ، فكان معاوية أكثر حنكا في الأمور ، وكان يرى العقبات التي تترتب على هذا الأمر

__________________

(١) إرشاد المفيد ١٨٢ / تاريخ اليعقوبي ج ٢ : ٢٢٦ ـ ٢٢٨ / الفصول المهمة ١٦٣.

١٩١

ولكن يزيد لما كان يتّصف به من أنانية ، نسي وصية أبيه ، فأمر والي المدينة بعد وفاة أبيه معاوية أن يأخذ البيعة من الحسين ، أو يرسل برأسه إليه (١).

وبعد أن أبلغ والي المدينة بأمر يزيد ، ونقله إلى الإمام الحسين عليه‌السلام طلب الحسين عليه‌السلام مهلة لدراسة الموضوع ، فخرج من المدينة في تلك الليلة ، متّجها إلى مكة ، والتجأ بالكعبة التي هي مأمن للمسلمين.

هذا ما حدث أواخر شهر رجب ، وأوائل شهر شعبان من سنة ستين للهجرة ، فالحسين لما قضى ما يقارب الأربعة أشهر في مكة ، في حالة اللجوء انتشر هذا النبأ شيئا فشيئا ، حتى عمّ جميع البلدان الإسلامية ، فأيّد الحسين جمع من الأمة الإسلامية ، لما شاهدوه من ظلم وتعسّف في زمن معاوية وابنه يزيد.

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فقد انهالت الرسائل الواردة من العراق ، وخاصة من الكوفة إلى الحسين بن علي ، تطلب منه أن يتّجه إلى العراق ، ليصبح قائدا لهم ، وتتم على يده إزالة معالم الظلم والجور ، فكان من الطبيعي أن يشعر يزيد بخطورة الموقف.

مكث الحسين عليه‌السلام في مكة حتى موسم الحجّ ، فكانت تفد جماعات من المسلمين لأداء فريضة الحج.

وعلم الحسين عليه‌السلام بأن هناك من أعوان يزيد وعملائه من قد وصل إلى مكة وهم يرتدون رداء الإحرام ، وقد أخفوا تحته

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ج : ٨٨ / إرشاد المفيد صفحة ١٨٢ الإمامة والسياسة ج ١ : ٢٠٣ / تاريخ اليعقوبي ج ٢ : ٢٢٩ / الفصول المهمة ١٦٣ / تذكرة الخواص صفحة ٢٣٥.

١٩٢

السلاح ، لقتله حين قيامه بأداء فريضة الحج (١).

قرّر الحسين مغادرة مكة متجها إلى العراق ، فوقف خطيبا (٢) بين جمع غفير من المسلمين ، فأوجز في خطبته وأعلمهم بسفره إلى العراق ، وأشار باستشهاده في هذا الطريق ، وطلب العون منهم ، في سبيل أهدافه المقدّسة ، وألا يتوانوا عن نصرته ونصرة الإسلام ، دين الله الحنيف ، وغداة ذاك اليوم ، سلك طريق العراق ومعه أهله وعياله ، ونفر من شيعته وأصحابه.

لقد صمّم الحسين عليه‌السلام على عدم البيعة ليزيد ، وهو على علم بأن الطريق هذا سينتهي به إلى الاستشهاد وكان يعلم أن الجيش الأموي يتصف بالعدة والعدد ، وأنه مؤيّد من قبل عامة الناس وخاصة أهل العراق.

وقد جاء إليه جماعة ممن لهم صلة به ، فذكروا له خطورة الموقف والسفر الذي هو عازم عليه ، والنهضة التي هو قائدها ، فأجابهم الحسين عليه‌السلام بما مضمونه ، إنني لن أبايع يزيدا ، ولا أقرّ بحكومة جائرة ، وإني على علم بأنهم يريدون قتلي أينما أقمت ، وما تركي لهذه البقعة المكرّمة إلا لحرمة هذا المكان المقدّس (بيت الله الحرام) ، وألا تهتك حرم الله تعالى ، بإهراق دمي (٣).

سار الحسين عليه‌السلام إلى العراق ، وفي طريقه ، وصله نبأ بواسطة أحد شيعته ، عن مقتل رسوله ومبعوثه إلى الكوفة ، على يد والي

__________________

(١) إرشاد المفيد ٢٠١.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ : ٨٩.

(٣) إرشاد المفيد ٢٠١ / الفصول المهمة ١٦٨.

١٩٣

يزيد ، وقد أمر الوالي بعد قتلهم ، أن تربط أرجلهم بالحبال ، ويدار بها في شوارع الكوفة وأزقتها (١).

فكانت الكوفة وضواحيها ، تحت مراقبة شديدة من قبل الأعداء ، تنتظر قدوم الحسين ، والإشارات دالة على قتله لا محالة. وهنا أعلن الحسين عليه‌السلام مصرحا بنبإ قتله دون تردد ، واستمر في سيره (٢).

حوصر الحسين عليه‌السلام ومن معه من قبل الجيش الأموي ، على مسافة سبعين كيلومترا من مدينة الكوفة ، في منطقة تسمى (كربلاء). فكانت تضيّق دائرة الحصار على هؤلاء ، ويزداد الجيش الأموي عددا وعدة ، وآل الأمر إلى أن استقر الإمام مع القلة من أصحابه تحت الحصار من قبل ثلاثين ألفا من الأعداء (٣).

حاول الإمام في هذه الأيام ، أن يثبت أنصاره ، فأخرج من جنده من أخرج ، وأمر بأن يجتمع الأصحاب ، فاجتمعوا ، فقال الإمام عليه‌السلام في خطاب بهم ، أن القوم لم يريدوا إلا قتلي ، وأنا رافع بيعتي عنكم ، فمن أراد منكم الفرار ، فليتخذ الليل له سترا ، وينجي بنفسه من الفاجعة الموحشة التي تتربص بنا.

فأمر بإطفاء الأنوار ، وتفرق جمع كثير ممن كان معه ، من الذين لم تكن أهدافهم سوى المادة والقضايا المادية ، ولم يبق معه إلا روّاد الحقّ ومتبعو الحقيقة ، وهم ما يقارب من أربعين شخصا ، وعدد

__________________

(١) إرشاد المفيد ٢٠٤ / الفصول المهمة ١٧٠ / مقاتل الطالبيين الطبعة الثانية ص ٧٣.

(٢) إرشاد المفيد ٢٠٥ / الفصول المهمة ١٧١ / مقاتل الطالبين ص ٧٣.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ : ٩٨.

١٩٤

من بني هاشم ، وللمرة الثانية ، جمع الإمام الحسين عليه‌السلام أصحابه ، فخطب فيهم قائلا :

«اللهم إني أحمدك على أن كرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيرا ، ألا وإني لا أظن يوما لنا من هؤلاء ، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حلّ ليس عليكم مني زمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا»

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر ، لم نفعل ذلك لنبقى بعدك!؟

قال بعضهم : ما نفعل ذلك ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك.

فقام مسلم بن عوسجة خطيبا ، قال : أنحن نخلّي عنك وبما نعتذر إلى الله في أداء حقّك ، أما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي واضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به ، لقذفتهم بالحجارة ، والله لا نخليك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك.

أما والله ، لو قد علمت أني أقتل ثم أحيى ثم أحرق ثم أحيى ، ثم أذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ، ما فارقتك حتى ألقى حمامي (الموت) دونك ، وكيف لا أفعل ذلك ، وإنما هي قتلة واحدة ، ثم هي

١٩٥

الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا (١).

وصل الإنذار إلى الإمام في عصر يوم التاسع من محرم (أمّا البيعة أو القتال) من جانب العدو فطلب الإمام المهلة لتلك الليلة لغرض العبادة ، وتأجيل القتال لليوم التالي (٢).

وفي يوم العاشر من المحرم سنة ٦١ ه‍. ق استعد الإمام مع جمعه القليل (لا يتجاوز عددهم تسعين شخصا ، أربعون ممن جاءوا معه ، ونيف وثلاثون التحقوا بالإمام في ليلة الحرب ونهارها من جيش الأعداء ، والبقية كانوا من الهاشميين ، بما فيه ولده وأخوته وأبناء أخوته وأبناء أخواته وأبناء عمومته) استعدوا في معسكر واحد أمام العدد الغفير من جيش الأعداء ، فاشتعلت نار الحرب.

حارب هؤلاء من الصباح الباكر حتى الظهيرة ، واستشهد الإمام مع سائر الفتية الهاشميين ، فلم يبق منهم أحد ، (وكان بين القتلى طفلان للإمام الحسن وطفل ورضيع للإمام الحسين عليه‌السلام).

أغار الجيش بعد انتهاء الحرب على حرم الإمام ، وأشعلوا النيران في مخيّماتهم وحزّوا رءوس الشهداء وسلبوا ما على أبدانهم من رداء وملابس ، وتركوا الأجساد عارية على الأرض ، دون أن يواروهم في التراب ، ثم ساروا بأهل بيت الإمام (حرمه) زوجاته وبناته اللواتي لم يكن لهنّ مأوى مع رءوس الشهداء إلى جانب الكوفة (ولم يكن في الأسرى من الرجال سوى القليل ، منهم

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ : ٩٩ / إرشاد المفيد ص ٢١٤.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ : ٩٨ / إرشاد المفيد ص ٢١٤.

١٩٦

ابن الإمام وهو السجاد شاب في سن الثانية والعشرين ، وقد اشتدّ عليه المرض ، وولده في سن الرابعة (محمد بن علي) الإمام الباقر عليه‌السلام ، وكان ممن بقي أيضا الحسن المثنى ابن الإمام الحسن ، والذي كان صهرا للإمام الحسين عليه‌السلام وكان قد أصيب بجراح كثيفة في جسمه ، وكان طريحا بين القتلى وقد عثروا عليه وهو في آخر رمق من حياته ، ولم يقتل بسبب تشفّع أحد الأمراء ، وكان من جملة الأسرى الذين جاءوا بهم إلى الكوفة) ، ونقلوهم من الكوفة إلى دمشق التي كانت مركز حكم يزيد.

وقد فضحت «واقعة كربلاء» وكذا ما قام به هؤلاء الأسرى من خطب ، وهم ينقلون من بلد إلى بلد ، في الكوفة والشام ومنهم زينب بنت الإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام والإمام السجاد اللذان كانا من جملة الأسرى ، فضحت نوايا بني أمية ، وكشفت النقاب عما كان يقوم به معاوية طوال سنوات عدة ، حتى أدى الأمر بيزيد أن يوبّخ عماله وأعوانه في الملأ على هذه الواقعة المفجعة.

كانت واقعة كربلاء عاملا مؤثرا عجّل في إبادة حكومة بني أمية ، وساعدت على ترسيخ مبادي الشيعة وكان من نتائجها الحروب الدامية طوال اثني عشر عاما! وما لازمها من ثورات وانتفاضات ، ولم يخلص أحد ممن ساهم وشارك في مقتل الحسين وأصحابه من الانتقام والأخذ بالثأر.

وليس هناك أدنى شك لمن يطالع تأريخ حياة الإمام الحسين عليه‌السلام ويزيد ، والأوضاع في ذلك الوقت ، ويدقّق النظر فيها بأنه لم يكن هناك سوى طريق واحد ، وهو مقتل الحسين عليه‌السلام وما كانت

١٩٧

نتيجة البيعة ليزيد إلا هتكا لحرمات الإسلام ، وهذا ما لم يرض به الإمام ، لأن يزيد لا يحترم الإسلام ، ولا يتصف بصفات تجعله يتقيد أو يراعي شيئا منه ، ولا يأبى من سحق وإبادة جميع المقدسات والقوانين الإسلامية. بعد أن كان أسلافه يحترمون الشعائر الدينية ، فلم يخالفوها في الظاهر ، وما كانوا يقومون به من أعمال كانت تصطبغ بصبغة دينية ، وكانوا يحافظون على المظاهر الدينية ، ويفتخرون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر القادة والزعماء الدينيين الذين كانت لهم منزلة لدى الناس.

ومن هنا يتّضح ما يعتقده بعض مفسري الحوادث والوقائع التاريخية بأن الحسن والحسين كانا يتّصفان بصفات متباينة ، فالحسن عليه‌السلام يحبّذ الصلح على خلاف الحسين عليه‌السلام الذي كان يرجّح الحرب والقتال ، حيث أن الأول اتخذ جانب الصلح مع معاوية مع أن جيشه كان مقدرا بأربعين ألفا ، والثاني «الحسين عليه‌السلام» نهض بجيشه الذي يتراوح عدده الأربعين في القتال ضد يزيد ، ومن هنا يتّضح سقم هذا التفسير ، لأننا نرى الحسين عليه‌السلام الذي لم يرضخ لحكم يزيد يوما واحدا ، كان يعيش مع أخيه الحسن عليه‌السلام (في حدود العشر سنوات من حكم معاوية) ولم يعلن الحرب على معاوية.

ومما لا شك فيه ، أن الحسن أو الحسين عليهما‌السلام إذا كانا يريدان الحرب ضد معاوية لكان القتل نصيبهما ، فضلا عن أن هذا القتل لا ينفع الإسلام والمسلمين بشيء ، ولا يجد أيّ نفع أمام سياسة معاوية ، الذي كان يصف نفسه بالصحابيّ وكاتب الوحي

١٩٨

وخال المؤمنين ، وما شابه ذلك مما اتخذه كوسيلة وذريعة.

هذا وكان بإمكانه أن يقتلهم بأيادي مقربيهم ، ويبدي حزنه ، والانتقام ممن قام بهذا العمل كما فعل مع الخليفة الثالث.

الإمام الرابع :

هو الإمام السجاد (علي بن الحسين الملقب بزين العابدين والسجّاد عليه‌السلام).

ولد الإمام الرابع ، من شاه زنان بنت «يزدجرد ملك إيران» ، وهو الولد الوحيد الذي بقي للإمام الحسين عليه‌السلام بعد واقعة كربلاء ، إذ أن أخوته الثلاثة استشهدوا فيها. وقد شهد الواقعة ، ولكنه لم يشارك فيها لمرضه ، ولم يكن قادرا على حمل السلاح ، فحمل مع الأسرى إلى الشام.

وبعد أن قضى فترة الأسر ، ارجع مع سائر الأسرى إلى المدينة ، وما ذلك إلا لجلب رضى عامة الناس. فعند ما رجع الإمام الرابع إلى المدينة ، اعتزل عن الناس في بيته ، وتفرّغ للعبادة ، ولم يتصل بأحد سوى الخواص من الصحابة مثل (أبي حمزة الثمالي) و (أبي خالد الكابلي) وأمثالهم ، ولا يخفى أن هؤلاء الخاصة كانوا يوصلون ما يصلهم من الإمام من معارف إسلامية إلى الشيعة واتسع نطاق ثقافة الشيعة عن هذا الطريق ، فنرى ثماره في زمن الإمام الخامس (الإمام الباقر عليه‌السلام).

ومما ألّفه وصنّفه الإمام السجّاد عليه‌السلام كتاب يحتوي على أدعية تعرف به (الصحيفة السجادية) وتشتمل على سبعة وخمسين

١٩٩

دعاء ، والتي تتضمن أدق المعارف الإلهية ويقال عنها «زبور آل محمد».

كانت مدة إمامته عليه‌السلام خمسا وثلاثين سنة حسب بعض الروايات الشيعية ، ودسّ إليه السم (١) على يد «الوليد بن عبد الملك» وذلك بتحريض من هشام ، الخليفة الأموي ، سنة ٩٥ للهجرة.

الإمام الخامس :

هو الإمام محمد بن علي (الباقر) ولفظ الباقر يدل على تبحره في العلم ، وقد منحه هذا اللقب ، النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

هو ابن الإمام السجّاد ، ولد سنة ٥٧ للهجرة ، وكان عمره في واقعة كربلاء أربع سنوات ، وكان ممن حضرها ، نال مقام الإمامة بعد والده ، بأمر من الله تعالى ، ووصية أجداده.

وفي سنة ١١٤ أو ١١٧ للهجرة (حسب بعض الروايات الشيعية) دس إليه السم بواسطة إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، ابن أخ هشام الخليفة الأموي ، فقضت هذه الحادثة على حياته ، ومضى شهيدا.

في عهد الإمام الباقر ، وعلى إثر استفحال ظلم بني أمية ، كانت تبرز ثورات متعاقبة في كل قطر من الأقطار الإسلامية ، وتحدث الحروب.

وكان الاختلاف في حكومة بني أمية ظاهرا ، هذا ما كان

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ : ١٧٦ / دلائل الإمامة ص ٨٠ / الفصول المهمة ص ١٩٠.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد ص ٢٤٦ / الفصول المهمة ص ١٩٣ / مناقب ابن شهرآشوب.

٢٠٠