الشيعة في الإسلام

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الشيعة في الإسلام

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: بيت الكاتب للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٠

فالصفة أحيانا تكون قائمة بالموصوف ، مثل الحياة والعلم والقدرة ، فتتحقق هذه في الإنسان الحيّ القادر ، ونرى تارة أنه لا يتحقق بالموصوف فحسب ، فإذا أراد الموصوف أن يتصف بصفة لا بد من تحقق شيء آخر ، مثل الكتابة ، الخطابة ، الطلب ، ونظائرها ، لأن الإنسان إنما يستطيع الكتابة عند ما يتوفر لديه القلم والدواة والورق مثلا ، ويستطيع أن يكون خطيبا عند حضور المستمع ، ويستطيع أن يكون طالبا عند ما يتوفر المطلوب ، ولا يكفي أن نفترض للإنسان تحقق هذه الصفات.

من هنا يتضح أن الصفات الحقيقية لله تعالى (كما سبقت الإشارة إليها عين الذات) هي من النوع الأول وأما النوع الثاني ، والذي يستلزم تحققه لشيء آخر ، فإن كل شيء غيره مخلوق له ، ويأتي بعده في مرحلة الوجود ، وكل صفة يوجدها مع وجوده ، لا يمكن أن تعتبر صفة لذاته أو عين ذاته تعالى.

فالصّفات التي يتصف بها تعالى عند تحقق الخلقة ، هي الخالقية ، الربانية ، والإحياء ، والإماتة ، والرازقية ، وأمثالها ، لم تكن عين ذاته ، بل زائدة على الذات وصفات للفعل.

والمقصود من صفات الفعل هو أن تتخذ معنى الصفة من الفعل لا من الذات ، مثل الخالقية ، أي يتصف بهذه الصفة بعد تحقق الخلقة للمخلوقات ، فهو قائم منذ قيامها (أي موجود منذ وجودها) ، ولا علاقة لها بذاته تعالى ، كي تتغير من حال إلى حال عند تحقق الصفة.

تعتبر الشيعة صفتي الإرادة والكلام ، (الإرادة بمعنى الطلب ،

١٢١

والكلام بمعنى الكشف اللفظي عن المعنى) من صفات الفعل (١) والغالبية من أهل السنة يعتبرونها بمعنى العلم ، وصفات لذاته تعالى.

القضاء والقدر

إن قانون العلية سار في الكون ، ومهيمن ، بحيث أنه لا يقبل الاستثناء ، ووفقا لهذا القانون كل مظهر من مظاهر هذا العالم ، يرتبط بعلل عند وجودها ، وهي الأسباب والشروط اللازمة لتحققها ، ومع توفر كل تلك الشروط (والتي تدعى بالعلة التامة) يتحتم وجود تلك الظاهرة (المعلول المفروض). ولو فرضنا عدم تحقق تلك الأسباب كلها أو بعضها ، فإنه يستحيل تحقق وجود تلك الظاهرة.

عند الإمعان في هذه النظرية ، يتّضح لنا موضوعان :

الأول : لو قدّر أن نقارن بين ظاهرة «المعلول» مع العلة تامة بأجمعها ، وكذلك مع الأجزاء لتلك العلة التامة ، تكون النسبة بينها وبين العلة التامة ، نسبة الضرورة (الجبر) ولكانت النسبة بينها وبين كل من أجزاء العلة التامة (والتي تعتبر علّة ناقصة) نسبة الإمكان ، لأن جزء العلة بالنسبة إلى المعلول يعطي إمكان التحقق والوجود ، ولا يعطي ضرورة الوجود.

__________________

(١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لم يزل الله جل اسمه عالما بذاته ولا معلول ولم يزل قادرا بذاته ولا مقدور ، قلت جعلت فداك ، فلم يزل متكلما ، قال الكلام محدث كان الله عزوجل وليس بمتكلم ثم أحدث الكلام». البحار ج ٢ : ١٤٧.

قال الرضا عليه‌السلام : «الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل وأما من الله عزوجل فإرادته أحداثه لا غير ذلك لأنه لا يروي ولا يهمّ ولا يتفكر». البحار ج ٢ : ١٤٤.

١٢٢

على هذا فالكون وجزء من أجزائه يستلزم علة تامة في تحقق وجوده ، والضرورة مهيمنة عليها بأسرها ، وقد نظّم هيكلها من مجموعة حوادث ضرورية وقطعية ، فمع هذا الوضع ، فإن صفة الإمكان في أجزائها (الظواهر التي ترتبط مع غير العلة التامة لها) محفوظة.

فالقرآن الكريم في بيانه يسمي هذا الحكم الضروري بالقضاء الإلهي ، لأن الضرورة هذه تتبع من وجود الخالق ، ولهذا يكون حكما وقضاء عادلا حتميا غير قابل للتخلف ، إذ لا يقبل الاستثناء أو التبعيض.

يقول جلّ شأنه : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (١).

ويقول سبحانه وتعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢).

ويقول سبحانه وتعالى : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) (٣).

الثاني : إن كلا من أجزاء العلة ، لها مقدارها الخاص تمنحه إلى المعلول ، وتحقق المعلول وظهوره يطابق مجموع المقادير التي تعيّنها العلة التامة ، فمثلا العلل التي تحقق التنفس للإنسان ، لا تحقق التنفس المطلق ، بل يتنفس الإنسان مقدارا معينا من الهواء المجاور لفمه وأنفه وفي زمان ومكان معينين ، ووفق طريقة معينة ، ويتم ذلك عن طريق مجرى التنفس ، حيث يصل الهواء إلى الرئتين ، وهكذا

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ٥٤.

(٢) سورة البقرة الآية ١١٧.

(٣) سورة الرعد الآية ٤١.

١٢٣

الرؤية والإبصار ، فإن العلل الموجودة لها في الإنسان (والذي هو جزء منها) لم تحقق إبصارا من دون قيد أو شرط ، بل تحقق إبصارا معينا من كل جهة ، بواسطة الوسائل اللازمة له ، وهذه الحقيقة سارية في كل ظواهر الطبيعة ، والحوادث التي تتفق فيها لا تتخلف.

والقرآن الكريم يسمّي هذه الحقيقة ب «القدر» وينسبها إلى خالق الكون ومصدر الوجود ، بقوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (١).

ويقول : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢).

وكما أن كل ظاهرة وحادثة في نظم الخلقة تعتبر ضرورية الوجود وفقا للقضاء الإلهي ، ويتحتم وجودها ، فكذلك وفقا للقدر فإن كل ظاهرة أو حادثة عند تحققها لا تتخلف عن المقدار المعيّن لها من قبل الله تعالى.

الإنسان والاختيار

كل ما يقوم به الإنسان من فعل ، يعتبر ظاهرة من ظواهر عالم الخلقة ، ويرتبط تحققه كسائر الظواهر بالعلة ارتباطا كاملا ، وبما أن الإنسان هو جزء من عالم الخلقة ، ويرتبط مع سائر الأجزاء الأخرى من العالم ، فإنها بدورها تؤثر في أفعال الإنسان.

__________________

(١) سورة القمر الآية ٤٩.

(٢) سورة الحجر الآية ٢١ ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن الله إذا أراد شيئا قدّره وإذا قضاه أمضاه. البحار ج ٣ : ٣٥.

١٢٤

وعلى سبيل المثال ، فإن قطعة الخبز التي يريد الإنسان تناولها ، فإنه يستلزم وجود الوسائل كاليد والفم والعلم والقدرة والإرادة ، وأيضا وجود الخبز في الخارج ، وعدم وجود أي مانع يمنع من الوصول إليه ، وشروط أخرى من زمان أو مكان. ومع فقدان إحداها يتعذّر تحقق الفعل ، ومع تحقق كل تلك العوامل (تحقق العلة التامة) فإن تحقّق الفعل ضروري.

وكما أشرنا آنفا ، فإن ضرورة الفعل بالنسبة إلى مجموع أجزاء العلة التامة تعتبر نسبة إمكان ، ولا يتنافى مع نسبة الفعل إلى الإنسان الذي هو أحد أجزاء العلة التامة.

إن الإنسان له اختيار الفعل ، وضرورة نسبة الفعل إلى مجموع أجزاء العلة ، لا يستلزم الضرورة بالنسبة إلى فعل بعض من أجزائها وهو الإنسان.

والإدراك البسيط للإنسان يؤيد هذا القول ، فإننا نراه يميّز بحكم الفطرة الإلهية المودّعة لديه ، يميّز بين الأكل والشرب ، والذهاب والإياب ، وبين الصحة والسقم ، والكبير والصغير ، والقسم الأول الذي يرتبط بإرادة الإنسان ارتباطا مباشرا ، يعتبر من إرادة الشخص ، فيحاسب في مواضع الأمر والنهي والمدح والذم ، خلافا للقسم الثاني ، الذي يترتب فيه تكليف على الإنسان.

وقد وجد في صدر الإسلام ، بين أهل السنة ، مذهبان معروفان بالنسبة إلى أفعال الإنسان ، ففريق كان يرى أن أفعال الإنسان متعلقة بإرادة الله تعالى لا تخلّف فيها ، فكان يدّعي أن الإنسان مجبور في أفعاله ، ولا أثر لما يمتاز به من اختيار وإرادة ، والفريق

١٢٥

الآخر ، كان يدّعي أن الإنسان مستقل في أفعاله ، وليس له ارتباط بإرادة الله سبحانه ، ويعتبرونه خارجا عن حكم القدر.

ومما يروى عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو مطابق مع ظاهر تعاليم القرآن ، إن الإنسان مختار في أفعاله ، ليس بمستقل ، إذ أن الله تعالى قد أراد الفعل عن طريق الاختيار ، وهذا ما عبرنا عنه سابقا ، بأن الله سبحانه ، أراد الفعل عن طريق مجموع أجزاء العلة التامة ، والتي إحداها إرادة الإنسان ، وأصبحت ضرورة ، وفي النتيجة ، أن مثل هذا الفعل الذي يرتبط بإرادة الله تعالى ضروري ، والإنسان أيضا مختار فيه ، أي أن الفعل يعتبر ضروريا بالنسبة إلى مجموع أجزاء علته ، ولكنه اختيار وممكن بالنسبة إلى أحد أجزائه وهو الإنسان.

والإمام الصادق عليه‌السلام يقول : «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» (١).

__________________

(١) عن أبي جعفر أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : إن الله عزوجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذّبهم عليها ، والله أعزّ من أن يريد أمرا فلا يكون. البحار ج ٣ : ١٥.

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الله أكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقون والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد. البحار ج ٣ : ١٥.

١٢٦

معرفة النبيّ

نحو الهدف الهداية العامة

تبدأ حبة الحنطة بالنمو عند توفر العوامل المساعدة لها ، فبعد أن توضع في التربة ، وبمرور الزمن تتحول من حالة إلى أخرى ، وفي كل لحظة تتخذ حالة وشكلا غير ما كانت عليها قبل لحظات ، وتسلك طريقا وفقا لنظام خاص ، حتى تزداد نموا ، فتصبح سنبلة ، وإذا ما سقطت حبة قمح على الأرض ، سلكت الطريق ذاته ، وإذا ما سقطت بذرة فاكهة على الأرض ، تبتدئ بالحركة والنمو فيخترق الغشاء نتوء أخضر ، ويسلك طريقا خاصا منتظما ، حتى يزداد في نموه ويصبح شجرة مثمرة.

وإذا ما استقرت نطفة حيوان في بيضة أو في رحم أمّ ، تشرع بالنمو والتكامل ، وتسلك سلوكا ، تختصّ به تلك النطفة ، حتى تصل إلى فرد كامل من ذلك النوع.

إنّ هذا السلوك الخاص والمنتظم يشاهد في كل من أنواع الكائنات الحيّة في العالم ، ويعتبر من مميزاتها وفطرتها الخاصة ، ولن تجد في الحياة نقيضا لهذه السنّة ، أي يستحيل أن تتبدل حبة قمح إلى حيوان ، ونطفة حيوان إلى شجرة. وإذا ما حدث تغيير في تكوين حيوان أو نبات بأن نقص منها عضو أو جزء فإن السبب في ذلك يعود إلى مرض أو ما شابه.

إن النظام القائم والمستمر في الكون ، وخلقة الأجسام المتنوعة ،

١٢٧

واختصاص كل نوع منها في سلوك خاص ، نحو التطور والتكامل ، يحتاج إلى نظام خاصّ به ، لا ينكره أيّ محقق متتبع ، ومن هذه النظرية البيّنة نستنتج موضوعين :

١ ـ أنه في جميع المراحل التي يطويها نوع من أنواع الكائنات الحية في العالم ، هناك اتصال وارتباط قائم بينها ، وكأنّ هناك قوة تسيّرها هذا المسير الخاص في كل مراحلها التطورية.

٢ ـ إن هذا الاتصال والارتباط يهدف في مرحلته الأخيرة إلى تكوين بني نوعه ، فكما أن البذرة عند ما توضع في التربة تهدف في طريقها منذ مراحلها الأولى إلى أن تنشأ شجرة ، وكذا النطفة في رحم الأمّ ، تهدف من مراحلها الأولية إلى أن تكون حيوانا متكاملا ، وللوصول إلى التكامل نراها تسلك نهجا خاصا في حياتها.

والقرآن العظيم في تعليماته يؤيد هذه الحركة وهذا الاندفاع ، كما أن أنواع الكائنات الحية في العالم تهتدي بهدى الله تعالى في طريق تكاملها وكمالها ، ويستدل بآيات من الذكر الحكيم في هذا الشأن كما في قوله تعالى :

(قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (١).

وفي سورة الأعلى ، الآية ٢ و ٣ يقول جلّ ذكره : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى).

وكذا يشير إلى النتائج التي ذكرت آنفا في سورة البقرة الآية ١٤٨ : يقول جلّ شأنه :

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها).

__________________

(١) سورة طه الآية ٥٠.

١٢٨

ويقول جلّ من قائل في سورة الدخان الآية ٣٨ و ٣٩ : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ* ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).

الهداية الخاصة

بديهي أن النوع الإنساني لا يستثنى عن هذه الهداية التكوينية التي تهيمن على جميع الكائنات في العالم ، فهي تسيطر على الإنسان أيضا ، وبما أن كلّ كائن يطوي في طريقه نحو التكامل بما لديه من قدرة وقابلية ، فكذلك الإنسان يساق نحو الكمال الواقعي بواسطة الهداية التكوينية.

قد يشترك الإنسان في كثير من صفاته ومميزاته مع سائر أنواع الكائنات الحيّة من حيوان أو نبات ، لكنه يتميّز بخصائص خاصة به ، تجعله يمتاز عن غيره ، وأهمها العقل.

فالعقل يدعو الإنسان إلى التفكّر والتدبّر ، والانتفاع من كل وسيلة ممكنة ، لتحقيق أهدافه وأغراضه ، فهو يعرج إلى السماء حينا ، فيسير في الفضاء اللامتناهي ، ويغوص في أعماق البحار أحيانا ، ويدأب في الاستفادة من أنواع الحيوان والنبات والجماد على ظهر البسيطة ، وقد يتجاوز هذا الحدّ بأن يتجه إلى استغلال بني نوعه.

والإنسان حسب طبعه الأولي ، يرى حريته المطلقة في سعادته وكماله ، وبما أن وجوده وجود اجتماعي ، ومتطلباته في الحياة متعددة ، بحيث لا يمكن أن ينالها لوحده ، بل بالتعاون مع أبناء

١٢٩

نوعه الذين يتصفون بالغرائز ذاتها ، بما فيها حبّ الذّات والحرية. فتفرض عليه طبيعة المجتمع أن يضحّي بقسط من حريته في هذا السبيل مقابل المنافع التي يحصل عليها من الآخرين ، فهو يقدم خدمة ، وينتفع بما يقدمه الآخرون من خدمات ، أي أنه يتقبل ، رغما عنه ، الحياة الاجتماعية التي تتصف بالتعاون.

وهذه الحقيقة تظهر جليّة لدى الأطفال والفتيان ، إذ هم في البداية ، يحققون ما تصبو إليه نفوسهم بالرفض تارة والبكاء تارة أخرى. فيرفضون كل قانون أو عادة أو ما شاكل ذلك ، ولكن مع مرور الوقت ، وحسب تطورهم الفكري يدركون أن الحياة لا تتلاءم مع الرفض والطغيان ، فيمارسون ما يمارسه الفرد في المجتمع بشكل تدريجي ، حتى يصلوا إلى ما يصل إليه الفرد في مجتمعه ، من اتّباع العادات والسنن والقانون ، فهم بعد نضوجهم يألفون المجتمع.

والإنسان بعد تقبله الحياة الاجتماعية التي قوامها التعاون ، يرى ضرورة القانون الحاكم على الحياة ، وهو الذي يعيّن واجبات كل فرد من أفراد المجتمع ، ويضع الجزاء لكل من يخالف القانون ، فإذا عمّ القانون وساد المجتمع ، عندئذ ينال كل فرد من أفراد المجتمع السعادة المطلوبة ، التي طالما تمناها.

هذا القانون هو القانون العملي الذي ما برح البشر منذ نشأتهم وإلى يومنا هذا يرجونه ويرغبون في الوصول إليه ، وطالما كانوا يستلهمون منه أهدافهم وأغراضهم ، ويسعون لتحقيقها ،

١٣٠

ومن الطبيعي أنه إذا كان الأمر يستحيل تحققه على البشرية ، ولم يكن مفروضا عليها ، لما كانت تهدف إليه دوما (١).

والله جل شأنه يشير إلى حقيقة المجتمع البشري بقوله : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) (٢).

وقد أشار الذكر الحكيم إلى حبّ النفس والأنانيّة بقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٣).

العقل والقانون

لو تأملنا جيدا ، لرأينا أن القانون الذي ما برح البشر ينتظرونه ، ويطلبونه مع ما لديهم من إدراك فطري إلهي ، وإدراك للزوم إجرائه كي يضمن لهم سعادتهم ، هو القانون الذي يستطيع أن يسيّر البشرية إلى السعادة دون انحياز أو تبعيض وأن ينشر بينها الكمال ، ويرسي قواعده. ومن البديهي بأن البشرية لم تدرك حتى الآن طوال أجيال متعاقبة مضت من حياة البشرية ، مثل هذا

__________________

(١) ترغب البشرية عادة وحتى الشعوب البدائية ، حسب طبعها في أن يعيش الجميع في جو ملؤه الصلح والراحة والاطمئنان. ومن الوجهة الفلسفية ، فإن الطلب والميل والرغبة ما هي إلا أوصاف وارتباطات قائمة على طرفين ، كالطالب والمطلوب ، والمحبّ والمحبوب و.... وواضح أن لم يكن هناك محبوب ، فالكلام عن المحبّ عبث.

وصفوة القول إن الأمور هذه ترجع إلى إدراك نقص في الوجود الإنسانى ، فإذا تعذر الكمال ، لم يكن هناك معنى للنقص.

(٢) سورة الزخرف الآية ٣٢.

(٣) سورة المعارج الآية ١٩ ـ ٢١.

١٣١

القانون الذي قوامه العقل ، والذي لو قدّر له أن يخرج إلى حيّز الوجود لفهمته البشرية في حياتها الطويلة بما تمتاز به من تعقّل وتدبّر ، ولكانت التزمت به في مجتمعاتها.

وبعبارة أوضح ، لو كان هناك قانون كامل عام ، بحيث يستجيب لما تصبوا إليه البشرية من سعادة ، ويرشدها إليه من حيث الفطرة والتكوين ، لأدركه كل إنسان بما لديه من إمكانات عقلية ، كما يدرك ما ينفعه أو يضرّه ، ولكن مثل هذا القانون لم يتحقق بعد.

والقوانين التي توضع من قبل شخص حاكم أو أشخاص ، أو جوامع بشرية ، نجدها مورد احترام وتصديق لدى فئة ، ومورد رفض واعتراض لدى آخرين وهناك من اطلع عليها وعرفها ، وآخرون لم يطّلعوا. ولن تجد وجه اشتراك في المجتمعات البشرية ـ بما أنهم يشتركون في كونهم بشر ، ويتصفون بالفطرة الإلهيّة ـ في إدراك هذه القوانين.

الشعور المرموز ، أو ما يسمى. (الوحي)

ومما تقدم يتّضح ، أن القانون الذي يضمن السعادة للبشرية ، لا يدركه العقل ، وبمقتضى نظرية الهداية العامة ، التي ترى ضرورة هذا الإدراك في النوع البشري ، لا بدّ من وجود جهاز آخر في النوع الإنساني يدرك ذلك ، كي يرشده إلى الواجبات الواقعية للحياة ، وتكون في متناول يد الجميع ، وهذا الشعور والإدراك هو غير العقل والحسّ ، إنه ما يسمى ب «الوحي» ومن الطبيعي أن وجود مثل هذه القوة في البشر لا يتحتّم أن يكون في جميع أفراد

١٣٢

البشر ، كما هو في القوة المودعة في الإنسان للتناسل ، في حين أن إدراك لذة الزواج ، والتأهب له ، يتحقق في الأفراد عند بلوغهم ، وشعور «الوحي» الذي لا يظهر لدى الأفراد ، هو شعور مرموز ، كما هو الحال في إدراك وشعور اللذّة في الزواج عند من لم يصل إلى سنّ البلوغ ، فيبقى هذا الإدراك غير معروف لديه.

والله تعالى يشير في خطابه عن (الوحي) بالنسبة إلى الشريعة وعجز العقل ، بقوله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) (١) (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٢).

الأنبياء وعصمة النبوة

إنّ ظهور الأنبياء يؤيد نظرية (الوحي) الذي سبق ذكره. إنّ أنبياء الله تعالى كانوا ممن ادّعوا «الوحي» والنبوة ، وفي ادعائهم هذا أقاموا الحجج والبراهين ، وبلّغوا الناس ما تحتويه شريعة الله سبحانه ، ألا وهو القانون الذي يمنحهم السعادة وجعلوها في متناول أيدي الجميع ، ولما كان الأنبياء يمتازون ب «الوحي» والنبوة ، فعند ظهورهم في كل زمن كانوا قلة ، فجعل الله هداية الناس على عاتق هؤلاء ، بما أمروا من دعوة وإبلاغ ، وما ذلك إلا لتعمّ وتتم وتكتمل تلك الدعوة.

ومن هنا يتضح وجوب عصمة الأنبياء ، فهم مصونون من الخطأ

__________________

(١) سورة النساء آية ١٦٣.

(٢) سورة النساء آية ١٦٥.

١٣٣

في تلقي «الوحي» من جانب الله تعالى ، وفي حفظه ، وإيصاله إلى الناس ، فإنهم بعيدون كل البعد عن المعصية والخطأ ؛ لأن تلقي الوحي ـ كما ذكر ـ وحفظه وإبلاغه ، يشتمل على الأركان الثلاثة للهداية التكوينية ، ولا معنى بأن يكون هناك خطأ في التكوين.

فضلا عن أن المعصية والتخلّف عن أداء الدعوة والإبلاغ ، عمل يخالف الدعوة ، ويوجب سلب ثقة الناس واطمئنانهم ، بصحة الدعوة وصدقها ، ونتيجة لذلك ينتفي الغرض والهدف الأساسي للدعوة.

والخالق جلّ شأنه يشير إلى عصمة الأنبياء في كتابه المجيد بقوله : (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١).

وهو القائل أيضا : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (٢).

الأنبياء والشرائع السماوية

إن ما حصل عليه الأنبياء عن طريق (الوحي) وإبلاغه للناس على سبيل الخبر والأحكام الإلهيّة هو الدين ، واتخاذهم إياه نهجا لهم في سبيل الحياة والوظائف والواجبات الإنسانية ، يضمن لهم السعادة (٣).

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٨٧.

(٢) سورة الجن الآية (٢٦ ـ ٢٨).

(٣) يراجع مقدمة الكتاب.

١٣٤

يشتمل التشريع الإلهي بشكل عام على جانبين : الاعتقادي والعملي : فالجانب الاعتقادي يحتوي على مجموعة معتقدات أساسية ، تفرض على الإنسان أن يتخذها أساسا لحياته ، وهي الأسس العامة الثلاثة ، التوحيد والنبوة والمعاد ، وإذا أهملت إحداها لم يتحقق اتّباع الدّين.

والجانب العملي ، يتألف من مجموعة وظائف أخلاقية عملية تحتوي على وظائف معيّنة يتقيد بها الإنسان أمام الله تعالى وأمام المجتمعات البشرية.

ومن هنا تنقسم الواجبات الفرعية في الشرائع السماوية ، إلى قسمين : الأخلاق والأعمال ، وكل من هاتين ، تنقسم إلى قسمين أيضا.

فأما الأخلاق والأعمال التي ترتبط بالله الخالق فهي ، الخلق وصفة الإيمان والإخلاص والتسليم والرضى ، والخشوع ، وكذا الصلاة والصوم والفدية وغيرها ، وهذه المجموعة من الأعمال تسمّى العبادات ، وتعبّر عن خشوع الإنسان وعبوديته لربه.

وأما ما يتعلق بالمجتمع من الأخلاق والأعمال ، فهي الصّفات الحسنة ، كحبّ النوع ، والمساعدة ، والعدالة ، والسخاء وما يرتبط بآداب المعاشرة ، والمعاملة وغيرها ، وهذه الأعمال الخاصة هي ما تسمّى ب «المعاملات».

ومن جهة أخرى فإن النوع الإنساني يتّجه نحو الكمال بصورة تدريجية ، والمجتمع البشري يتكامل بمرور الزمان ، وأن ظهور هذا الشكل من التكامل ضروري في الشرائع السماوية ، ويؤيد القرآن

١٣٥

الكريم هذا التكامل التدريجي (ويمكن الوصول إليه عن طريق العقل) ، ومما يستفاد من آياته ، أن الشرائع اللاحقة أكمل من الشرائع السابقة ، بقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (١).

ومما تبيّنه النظريات العلميّة ، ويصرّح به القرآن الكريم ، إن حياة المجتمعات البشرية في هذا العالم ليست أبديّة ، ومن الطبيعي أن التكامل لبني نوعها لم يكن غير متناه ، فمن هذه الجهة ، ستتوقف جميع الوظائف الإنسانية من حيث الاعتقاد والعمل في مرحلة معينة ، وتبعا لهذه الحقيقة ، فإن النبوة والشريعة أيضا يوما ما ستصل إلى آخر مرحلة من مراحل الكمال والاعتقاد ، وبثّ القوانين العلمية ، وبذلك تكون النهاية والخاتمة لها.

ومن هنا نرى القرآن الكريم يوضّح هذه الحقيقة ويصرّح بأن الإسلام ، هو الدين الذي اختاره لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو آخر الأديان السماوية وأكملها ، وبأن الكتاب العزيز لا ينسخ ، وأن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو خاتم الأنبياء ، والإسلام يحتوي على كافة الوظائف والواجبات ، كما في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (٢).

ويقول أيضا : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٣).

وقوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٤).

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٤٨.

(٢) سورة فصلت الآية ٤١ ـ ٤٢.

(٣) سورة الأحزاب الآية ٤٠.

(٤) سورة النحل الآية ٨٩.

١٣٦

الأنبياء ودليل (الوحي) والنبوة

إنّ الكثير من علماء اليوم الذين حققوا في موضوع (الوحي) والنبوة ، قد فسّروا موضوع (الوحي) والنبوة والأمور المرتبطة بهما ، على الأسس التي يقوم عليها علم النفس وعلم الاجتماع ، بقولهم أن الأنبياء كانوا أناسا أطهارا ، ذوي همم عالية ، محبّي البشرية ، ولغرض تقدمها وتطورها من الناحية المادية والمعنوية ، وكذا تزكية المجتمعات المنحطة خلقيا ، نظّموا ووضعوا قوانين خاصة ، ودعوا الناس إليها ، ولما كان الناس في ذلك الوقت لم يخضعوا بعد للمنطق والعقل ، فما كان من الأنبياء إلا أن ينسبوا أفكارهم وأنظمتهم إلى العالم العلوي كي يستطيعوا بذلك أن يجلبوا رضى الناس ، ويخضعوهم لقيادتهم. وكان اعتقاد البعض منهم أن روحهم هي روح القدس وما الفكر الذي يتجلى إلا «الوحي والنبوة» ، وما الوظائف والواجبات التي تستنتج من ذلك إلّا (الشريعة السماويّة) ، والكلام الذي يتضمن ذلك كان يسمى «الكتاب السماويّ».

فالذي ينظر بتأمل وإنصاف إلى الكتب السماوية ، وخاصة القرآن الكريم ، وكذا إلى الشرائع التي جاء بها الأنبياء ، لا يشك في بطلان هذه النظرية ، وذلك أن الأنبياء لم يكونوا رجال سياسة ، بل كانوا رجالا يتصفون بالصدق والصفاء والخلوص ، وكل ما كانوا يدركونه كانوا يتفوهون به ، وكل ما كانوا يقولون به كانوا يعملون به ، وما كانوا يزعمونه هو أن هناك شعورا مرموزا ، وإمدادا غيبيا ، يفيض عليهم ، وأنهم في هذا الطريق يتلقون الوظائف الاعتقادية والعلمية من جانب الله تعالى ، لإبلاغ الناس وإرشادهم.

١٣٧

ومن هنا يتضح أن ادعاء النبوة يحتاج إلى حجة ودليل ، ولا يكفي أن تكون الشريعة التي جاء بها النّبي توافق العقل ، فإن صحة الشريعة لها طريق آخر للإثبات ، وهو أنه على اتصال بالعلم العلوي (الوحي) والنبوة ، وقد أنيطت به هذه المسئولية من قبل الله تعالى ، وهذا الادعاء يحتاج إلى دليل عند إقامته.

لذا نجد أن البسطاء وذوي الفطرة السليمة من الناس (كما يخبرنا به القرآن الكريم) كانوا يطالبون الأنبياء بالمعجزة لصدق دعواهم.

ويستنتج من هذا المنطق أن الوحي الذي يدعيه المرسل ، لم يكن ليحصل عند سائر الناس ، بل لا بدّ من قوة غيبيّة يودعها الله تعالى في نبيّه بنحو يخرق به العادة.

ويتّضح أن مطالبة الناس الأنبياء بالمعجزة أمر يوافق المنطق الصحيح ، وعلى الأنبياء لإثبات نبوتهم أن يأتوا بالمعجزة إما ابتداءً أو وفقا لما يطالب به المجتمع.

والقرآن الكريم يؤيد هذا المنطق ، ويشير إلى معاجز الأنبياء إما ابتداءً أو بعد مطالبة الناس إياهم.

وتجدر الإشارة إلى أن علل وأسباب الحوادث التي حصلنا عليها حتى الآن كانت بالتجربة والفحص ، وليس لدينا أي دليل أنها دائمية ، ولن تتحقق أية حادثة أو ظاهرة إلّا بعللها وأسبابها ، وأما المعاجز التي تنسب إلى الأنبياء لم تكن مخالفة للعقل أو يستحيل إقامتها ، لكنها خرق للعادة في حين أن موضوع خرق العادة يرى ويسمع من أصحاب الرياضيات الروحية أيضا.

١٣٨

عدد الأنبياء

مما ينقل في تاريخ الماضين ، أن أنبياء كثر أرسلوا وبعثوا ، ويؤيد القرآن الكريم كثرة الأنبياء ، ويذكر أسماء بعضهم ، إلّا أنه لم يصرح بعددهم.

ولم نحصل على عددهم من الروايات بصورة قطعية ، إلا أن الرواية المعروفة والتي تنقل عن «أبي ذر الغفاري» عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يبين فيها أن عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي.

الأنبياء أولو العزم ، حملة الشرائع السماوية

ومما يستفاد من القرآن الكريم ، أن الأنبياء كلّهم لم يأتوا بشرائع ، بل أن خمسة منهم قد جاءوا بشرائع سماوية ، وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهؤلاء هم أولو العزم ، وأما سائر الأنبياء فإنهم يتبعون أولي العزم في شرائعهم.

وقوله تعالى :

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى ...) (١).

ويقول تعالى :

(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (٢).

__________________

(١) سورة الشورى الآية ١٣. ولو كان هناك غيرهم. لذكرهم تعالى في الآية.

(٢) سورة الأحزاب الآية ٧.

١٣٩

نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

يعتبر نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخر الأنبياء الذين كانوا يمتازون بالكتب والشرائع ، وقد آمن به المسلمون.

ولد النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل بدء التاريخ الهجري القمري بثلاث وخمسين سنة ، في مدينة «مكة» ، في قبيلة «بني هاشم» من قريش ، وهي من أشرف القبائل العربية.

أبوه «عبد الله» وأمّه «آمنة» وقد فقد أبويه منذ أوائل طفولته ، وتكفّله جده لأبيه «عبد المطلب» وسرعان ما وافاه الأجل ، حتّى تعهد تربيته عمه «أبو طالب» وأسكنه معه في داره.

ترعرع ونشأ في بيت عمّه ، وقد صحب عمّه في سفرة تجارية إلى الشام وذلك قبل سنّ البلوغ. كان النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميّا ، ولكنه بعد البلوغ والرشد ، اشتهر بعقله وأدبه وأمانته ، ونتيجة لذلك ، جعلته (خديجة) والتي كانت من أثرى القريشيات ، مشرفا على أموالها ، وإدارة أمورها التجارية.

سافر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمرة الثانية إلى الشام لغرض التجارة ، وبسبب نبوغه فقد نال أرباحا جمّة ، ولم تمض فترة ، حتى اقترحت خديجة عليه موضوع الزواج ، فوافق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على اقتراحها ، وبعد الزواج حيث كان في سن الخامسة والعشرين وحتى بلوغه سنّ الأربعين ، كان يمارس عمله ، فحصل على شهرة في تدبيره وأمانته ولم يكن يعبد صنما ، (علما بأن الدين السائد في ذلك الوقت هو عبادة الأصنام) وأحيانا كان يعتكف للعبادة.

فاختاره الله للنبوة في الأربعين من عمره عند ما كان متفرغا

١٤٠