شرح المقاصد - ج ٥

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٥

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

قال : خاتمة

(خاتمة ـ النبوة مشروطة بالذكورة ، وكمال العقل ، وقوة الرأي ، والسلامة عن المنفرات كزنا الآباء ، وعهر الأمهات والفظاظة ، ومثل البرص ، والجذام ، والحرف الدنيئة ، وكل ما يخل بالمروءة وحكمة البعثة ، ونحو ذلك).

من شروط النبوة الذكورة ، وكمال العقل ، والذكاء ، والفطنة ، وقوة الرأي ، ولو في الصبا كعيسى ويحيى (عليهما‌السلام) ، والسلامة عن كل ما ينفر عنه كزنا الآباء ، وعهر الأمهات ، والغلظة والفظاظة ، والعيوب المنفرة كالبرص ، والجذام ، ونحو ذلك ، والأمور المخلة بالمروءة كالأكل على الطريق ، والحرف الدنيئة كالحجامة ، وكل ما يخل بحكم البعثة من أداء الشرائع ، وقبول الأمة.

قال : وقد ورد

(وقد ورد في الحديث أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، وعدد الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر ، لكن الأولى ترك التنصيص لأنه ربما يفضي إلى إثبات النبوة حيث ليس ، ونفيها حيث أيس ، ويخالف ظاهر قوله تعالى (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (١).

يعني قد ذكر في بعض الأحاديث بيان عدد الأنبياء والرسل على ما روي عن أبي ذر الغفاري أنه قال : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كم الأنبياء؟ فقال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. فقلت : وكم الرسل؟ فقال ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا. لكن ذكر بعض العلماء أن الأولى أن لا يقتصر عددهم لأن خبر الواحد على تقدير اشتماله على جميع الشرائط لا يفيد إلا الظن ، ولا يعتبر إلا في العمليات دون الاعتقادات وهاهنا حصر عددهم يخالف ظاهر قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ) (٢)

ويحتمل أيضا مخالفة الواقع ، وإثبات نبوة من ليس بنبي إن كان عددهم في

__________________

(١) سورة غافر آية رقم ٧٨.

(٢) سورة غافر آية رقم ٧٨.

٦١

الواقع أقل مما ذكر. ونفي النبوة عمن هو نبي إن كان أكثر. فالأولى عدم التنصيص على عدد.

قال : المبحث السابع

(المبحث السابع ـ الملائكة عباد مكرمون ، يواظبون على الطاعة ، ويظهرون في صور مختلفة ، ويتمكنون من أفعال شاقة ، ومع كونهم أجساما أحياء ، لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة. واختلفت الأمة في عصمتهم ، وفي فضلهم على الأنبياء.

تمسك القائلون بالعصمة بمثل قوله تعالى : (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١) ... (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢).

والمخالفون بأن إبليس مع كونه من الملائكة (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣) ، وبأن قول الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ..) (٤) الآية

اغتياب للخليفة ، واستبعاد لفعل الله تعالى ، وإعجاب بأنفسهم ، وبأن هاروت وماروت يعذبان لارتكابهما السحر.

والجواب : أن إبليس من الجن ، وعد من الملائكة تغليبا ، وأن الاغتياب والإعجاب إنما هو حيث يكون الغرض منقصة الغير ومنقبة النفس ، وإنما غرضهم التعجب والاستفسار عن حكمة استخلاف من لا يليق به مع وجود اللائق ، وأن هاروت وماروت لم يكونا مرتكبين للسحر ، ولا معتقدين لتأثيره ، وإنما أنزل عليهما السحر ابتلاء للناس ، وكانا يعلمان ويعظان ويقولان : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) (٥) وتعذيبهما معاتبة كما يعاتب الأنبياء. وتمسك القائلون بفضل الأنبياء وهم جمهور أصحابنا والشيعة بوجوه :

الأول : أمر الملائكة بالسجود لآدم سجدة الأدنى للأعلى تعظيما وتكرمة ، لا

__________________

(١) سورة النحل آية رقم ٤٩ ، ٥٠.

(٢) سورة النحل آية رقم ٤٩ ، ٥٠.

(٣) سورة البقرة آية رقم ٣٤.

(٤) سورة البقرة آية رقم ٣٠.

(٥) سورة البقرة آية رقم ١٠٢.

٦٢

زيارة وتحية ، بدليل استكبار إبليس وتعليله بأنه خير منه لكونه من نار ، وآدم من طين.

الثاني ـ أمر آدم بتعليمهم الأسماء قصدا إلى إظهار فضله.

الثالث ـ أن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ، الذين من جملتهم الملائكة.

الرابع ـ ان المواظبة على الطاعات مع الشواغل واكتساب الكمال مع العوائق أدخل في استحقاق الثواب.

جمهور المسلمين على أن الملائكة أجسام لطيفة تظهر في صور مختلفة ، وتقوى على أفعال شاقة ، هم عباد مكرمون يواظبون على الطاعة والعبادة ، ولا يوصفون بالذكورة والأنوثة ، واستقر الخلاف بين المسلمين في عصمتهم ، وفي فضلهم على الأنبياء ، ولا قاطع في أحد الجانبين ، فلنذكر تمسكات الفريقين في المقامين :

المقام الأول ـ أعني العصمة ، فتمسك المثبتون بمثل قوله تعالى : (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١) وقوله تعالى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) .. إلى قوله : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢) وقوله تعالى : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٣)

ولا خفاء في أن أمثال هذه العمومات تفيد الظن وإن لم تفد اليقين ، وما يقال أنه لا عبرة بالظنيات في باب الاعتقادات. فإن أريد أنه لا يحصل منه الاعتقاد الجازم ولا يصح الحكم القطعي ، فلا نزاع فيه. وإن أريد أنه لا يحصل الظن بذلك الحكم فظاهر البطلان. تمسك النافون بوجوه :

الأول ـ أن إبليس مع كونه من الملائكة بدليل تناول أمر الملائكة بالسجود في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (٤) إياه. ولذا عوتب بقوله تعالى :

__________________

(١) سورة النحل آية رقم ٤٩ ، ٥٠.

(٢) سورة الأنبياء آية رقم ٢٦ : ٢٨.

(٣) سورة الأنبياء آية رقم ١٩ ، ٢٠.

(٤) سورة البقرة آية رقم ٣٤.

٦٣

(ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١).

وبدليل صحة استثنائه منهم في قوله تعالى : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) (٢)

وقوله تعالى: (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣).

ورد بالمنع بل (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) وإنما أدرج في الملائكة على سبيل التغليب لكونه جنيا واحدا مغمورا فيما بينهم ، لا يقال معنى قوله : «كان من الجن» صار أو كان من طائفة من الملائكة مسماة بالجن ، شأنهم الاستكبار ، لأنا نقول : هذا مع كونه كلاما على السند خلاف الظاهر.

الثاني ـ أن قولهم في جواب : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (٤) اغتياب للخليفة واستبعاد لفعل الله تعالى ، بحيث يشبه صورة الإنكار بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون ، واتباع للظن ، ورجم بالغيب فيما لا يليق ، وإعجاب بأنفسهم ، وتزكية لها. وأمثال هذه تخل بالعصمة لا محالة.

والجواب : ان الاغتياب إنما يكون حيث الغرض إظهار منقصة الغير ، والتزكية حيث الغرض إظهار منقبة النفس. ولا يتصور ذلك بالنسبة إلى علام الغيوب ، بل الغرض التعجب والاستفسار عن حكمة استخلاف من يتصف بما لا يليق بذلك ، مع وجود الأولى والأليق. وإنما علموا ذلك بإعلام من الله تعالى ، أو مشاهدة من اللوح ، أو مقايسة بين الجن والإنس بمشاركتهما في الشهوة والغضب المفضيين إلى الفساد وسفك الدماء. لا يقال قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) اي في أني استخلف من يتصف بما ذكرتم ينافي كون ذلك متحققا معلوما لهم بإعلام من الله تعالى ، أو إخبار ، أو بمشاهدة من اللوح ، لأنا نقول :

__________________

(١) سورة الأعراف آية رقم ١٢.

(٢) سورة الأعراف آية رقم ١١.

(٣) سورة الحجر آية رقم ٣٠ ، ٣١.

(٤) سورة البقرة آية رقم ٣٠.

٦٤

المعنى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١) في أني أستخلف من يتصف بذلك من غير حكم ، ومصالح ، وصفات تلائم الاستخلاف ، إذ التعجب إنما يكون عند ذلك. ولذا قال في الرد عليهم (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢).

إشارة إلى تلك الحكم والمصالح. لا يقال : ففيه دلالة على نفي العصمة بإثبات الكذب من الجملة ، لأنا نقول : هذا القدر من الخطأ والسهو لا ينافي العصمة ، ولا يوجب المعصية.

الثالث ـ قصة هاروت وماروت ملكين ببابل يعذبان لارتكابهما السحر.

والجواب : منع ارتكابهما العمل بالسحر ، واعتقاد تأثيره ، بل أنزل الله تعالى عليهما السحر ابتلاء للناس ، فمن تعلمه وعمل به فكافر. ومن تجنبه أو تعلمه ليتوقّاه ، ولا يغتر به فهو مؤمن ، وهما كانا يعظان الناس ويقولان : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) (٣) للناس وابتلاء ، فلا تكفروا. أي لا تعتقدوا ولا تعملوا فإن ذلك كفر. وتعذيبهما إنما هو على وجه المعاتبة كما تعاتب الأنبياء على السهو والزلة من غير ارتكاب منهما لكبيرة فضلا عن كفر ، واعتقاد سحر أو عمل به. واليهود هم الذين يدعون أن الواحد من الملك قد يرتكب الكبيرة فيعاقبه الله بالمسخ.

وأما المقام الثاني فذهب جمهور أصحابنا والشيعة إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة ، فالمعتزلة والقاضي ، وأبي عبد الله الحليمي منا. وصرح بعض أصحابنا بأنّا عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام الملائكة ، وخواص الملائكة أفضل من عوام البشر ، أي غير الأنبياء. لنا وجوه نقلية وعقلية :

الأول ـ أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ، والحكيم لا يأمر بسجود الأفضل للأدنى. وإباء إبليس ، واستكباره ، والتعليل بأنه خير من آدم لكونه من نار وآدم من طين ، يدل على أن المأمور به كان سجود تكرمة وتعظيم ، لا

__________________

(١) سورة الأنبياء آية رقم ٣٨ وسورة يونس آية رقم ٣٨ وسورة هود آية رقم ١٣ ، وسورة النحل آية رقم ٧١.

(٢) سورة البقرة آية رقم ٣٠.

(٣) سورة البقرة آية رقم ١٠٢.

٦٥

سجود تحية وزيارة ، ولا سجود الأعلى للأدنى إعظاما له ، ورفعا لمنزلته ، وهضما لنفوس الساجدين.

الثاني ـ أن آدم أنبأهم بالأسماء وبما علم الله من الخصائص. والمعلم أفضل من المتعلم ، وسوق الآية ينادي على أن الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضلية آدم ، ودفع ما توهموا فيه من النقصان. ولذا قال الله تعالى : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١)

وبهذا يندفع ما يقال : إن لهم أيضا علوما جمة أضعاف العلم بالأسماء لما شاهدوا من اللوح وحصلوا في الأزمنة المتطاولة بالتجارب والأنظار المتوالية.

الثالث ـ قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢).

وقد خص من آل إبراهيم وآل عمران غير الأنبياء بدليل الإجماع. فيكون آدم ، ونوح ، وجميع الأنبياء مصطفين على العالمين الذين منهم الملائكة ، إذ لا مخصص للملائكة عن العالمين ، ولا جهة لتفسيره بالكثير من المخلوقات.

الرابع ـ أن للبشر شواغل عن الطاعات العلمية والعملية كالشهوة ، والغضب ، وسائر الحاجات الشاغلة ، والموانع الخارجة والداخلة. فالمواظبة على العبادات ، وتحصيل الكمالات بالقهر والغلبة على ما يضاد القوة العاقلة يكون أشق وأفضل وأبلغ في استحقاق الثواب. ولا معنى للأفضلية سوى زيادة استحقاق الثواب والكرامة. لا يقال : لو سلم انتفاء الشهوة والغضب وسائر الشواغل في حق الملائكة ، فالعبادة مع كثرة المتاعب والشواغل إنما تكون أشق وأفضل من الأخرى إذا استويا في المقدار وباقي الصفات. وعبادة الملائكة أكثر وأدوم ، فإنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، والإخلاص الذي به القوام ، والنظام واليقين الذي هو الأساس والتقوى التي هي الثمرة فيهم أقوى وأقوم لأن

__________________

(١) سورة البقرة آية رقم ٣٣.

(٢) سورة آل عمران آية رقم ٣٣.

٦٦

طريقهم العيان لا البيان ، والمشاهدة لا المراسلة ، لأنا نقول : انتفاء الشواغل في حقهم مما لم ينازع فيه أحد. ووجود المشقة والألم في العبادة والعمل عند عدم المنافي والمضاد مما لا يعقل قلت أو كثرت. وكون باقي الصفات في حق الأنبياء أضعف وأدنى مما لا يسمع ولا يقبل. وقد يتمسك بأن للملائكة عقلا بلا شهوة ، وللبهائم شهوة بلا عقل ، وللإنسان كليهما. فإذا ترجح شهوته على عقله يكون أدنى من البهائم ، لقوله تعالى : (بَلْ هُمْ أَضَلُ) (١).

فإذا ترجح عقله على شهوته يجب أن يكون أعلى من الملائكة ، وهذا عائد إلى ما سبق ، لأن تمام تقريره هو أن الكافر آثر النقصان مع التمكن من الكمال ، وكل من فعل كذا فهو أضل وأرذل ممن آثره بدونه ، لأن إيثار الشيء مع وجود المضاد والمنافي أرجح وأبلغ من إيثاره بدونه. فيلزم ان يكون من آثر الكمال مع التمكن من النقصان أفضل وأكمل ممن آثره بدونه.

وأما التمسك بقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) (٢)

والتكريم المطلق لأحد الأجناس يشعر بفضله على غيره ، فضعيف. لأن التكريم لا يوجب التفضيل سيما مع قوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٣)

فإنه يشعر بعدم التفضيل على القليل ، وليس غير الملائكة بالإجماع ، كيف وقد وصف الملائكة أيضا بأنهم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (٤).

قال : وتمسك المخالفون

(والمخالفون وهم المعتزلة ، والقاضي ، والحليمي منا بوجوه :

الأول ـ الآيات الدالة على شرفهم وقربهم وكرامتهم ومواظبتهم على الطاعة ، وترك الاستكبار.

__________________

(١) سورة الأعراف آية رقم ١٧٩.

(٢) سورة الإسراء آية رقم ٧٠.

(٣) سورة الإسراء آية رقم ٧٠.

(٤) سورة الأنبياء آية رقم ٢٦.

٦٧

وأجيب بأنها لا تفيد الأفضلية.

الثاني ـ قوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (١)

وأجيب بأن المعنى لست بملك حتى يكون لي القوة والقدرة على إنزال العذاب بإذن الله كما كان بجبريل ، أو يكون لي العلم بذلك بإخبار الله تعالى بلا واسطة.

الثالث ـ (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (٢)

وأجيب بأنه مع كونه تخييلا من الشيطان إنما يفيد الأفضلية على آدم قبل البعثة.

الرابع ـ (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٣) يعني جبريل ، والمعلم أفضل.

وأجيب بأنه مبلغ ، وإنما التعليم من الله.

الخامس ـ (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) فإنه يقال : لا يترفع عن هذا الأمر الأمير ولا من فوقه. ولا يقال : ولا من هو دونه.

وأجيب بأن مثله إنما يفيد الزيادة فيما جعل سببا للترفع والاستنكاف ، ككون عيسى (عليه‌السلام) ولد بلا أب ، وأبرأ الأكمه والأبرص. فالمعنى ولا من هو فوقه في ذلك وهم الملائكة الذين لا أب لهم ولا أم ، ويقدرون على ما لا يقدر عليه عيسى (عليه‌السلام).

السادس ـ اطراد تقديم ذكرهم على ذكر الأنبياء.

وأجيب بأنه لتقدمهم في الوجود ، او في قوة الإيمان بهم لخفاء امرهم.

السابع ـ أنها مجردة في ذواتها ، متعلقة بالهياكل العلوية ، مبرأة عن ظلمة

__________________

(١) سورة الأنعام آية رقم ٥٠.

(٢) سورة الأعراف آية رقم ٢٠.

(٣) سورة النجم آية رقم ٥.

٦٨

المادة ، وعن الشرور والقبائح متصفة بالكمالات العلمية والعملية بالعقل ، قوية على الأفعال العجيبة ، مطلعة على أسرار الغيب ، سابقة إلى أنواع الخيرات.

وأجيب بأن بعضها على قواعد الفلسفة ، وبعضها مشترك وبعضها معارض.

الثامن ـ أن أعمالهم أكثر وأدوم وأقوم ، وعلومهم أكمل وأكثر.

وأجيب بأن المقرون بقهر المضاد وتحمل المشاق أدخل في استحقاق الثواب.).

أيضا بوجوه نقلية وعقلية ، أما النقليات فمنها قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١)

خصصهم بالتواضع ، وترك الاستكبار في السجود. وفيه إشارة إلى أن غيرهم ليس كذلك ، وأن أسباب التكبر والتعظم حاصلة لهم ، ووصفهم باستمرار الخوف ، وامتثال الأوامر. ومن جملتها اجتناب المنهيات. ومنها قوله تعالى :

(وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢)

وصفهم بالقرب والشرف عنده ، وبالتواضع والمواظبة على الطاعة والتسبيح. ومنها قوله تعالى :

(بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٣) ..

إلى أن قال : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ).

وخصهم بالكرامة المطلقة والامتثال والخشية ، وهذه الأمور أساس كافة الخيرات.

__________________

(١) سورة النحل آية رقم ٤٩ ، ٥٠.

(٢) سورة الأنبياء آية رقم ١٩ ، ٢٠.

(٣) سورة الأنبياء آية رقم ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨.

٦٩

والجواب أن جميع ذلك إنما يدل على فضيلتهم ، لا أفضليتهم ، سيما على الأنبياء ، ومنها قوله تعالى :

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (١)

فإن مثل هذا الكلام إنما يحسن إذا كان الملك أفضل. والجواب أنه إنما قال ذلك حين استعجله قريش العذاب الذي أوعدوا به بقوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٢).

والمعنى أني لست بملك حتى يكون لي القوة والقدرة على إنزال العذاب بإذن الله كما كان لجبرئيل (عليه‌السلام) ، أو يكون لي العلم بذلك بإخبار من الله بلا واسطة.

ومنها قوله تعالى : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (٣).

أي إلّا كراهة أن تكونا ملكين. يعني أن الملكية بالمرتبة العليا ، وفي الأكل من الشجرة ارتقاء إليها.

والجواب أن ذلك تمويه من الشيطان وتخييل أن ما يشاهد في الملك من حسن الصورة ، وعظم الخلق ، وكمال القوة يحصل بأكل الشجرة. ولو سلم فغاية التفضيل على آدم (عليه‌السلام) قبل النبوة.

ومنها قوله تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٤).

يعني جبرئيل (عليه‌السلام) والمعلم أفضل من المتعلم.

والجواب ان ذلك بطريق التبليغ ، وإنما التعليم من الله تعالى.

ومنها قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٥).

__________________

(١) سورة الأنعام آية رقم ٥٠.

(٢) سورة الأنعام آية رقم ٤٩.

(٣) سورة الأعراف آية رقم ٢٠.

(٤) سورة النجم آية رقم ٥.

(٥) سورة النساء آية رقم ١٧٢.

٧٠

أي لا يترفع عيسى في العبودية ، ولا من هو أرفع منه درجة ، كقولك : لن يستنكف من هذا الأمر الوزير ولا السلطان. ولو عكست أحلت بشهادة علماء البيان ، والبصراء بأساليب الكلام ، وعليه قوله تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) (١).

أي مع أنهم أقرب مودة لأصل الإسلام ، ولهذا خص الملائكة بالمقربين منهم لكونهم أفضل.

والجواب أن الكلام سبق لرد مقالة النصارى وغيرهم في المسيح وادعائهم فيه مع النبوة البنوة ، بل الألوهية ، والترفع عن العبودية لكونه روح الله ، ولد بلا أب ، ولكونه يبرئ الأكمه والأبرص ، والمعنى لا يترفع عيسى عن العبودية (٢) ولا من هو فوقه في هذا المعنى ، وهم الملائكة الذين لا أب لهم ولا أم ويقدرون على ما لا يقدر عليه عيسى (عليه‌السلام) ، ولا دلالة على الأفضلية بمعنى كثرة الثواب وسائر الكمالات ، ألا يرى أن فيما ذكرت من المثال لم يقصد الزيادة والرفعة في الفضل والشرف والكمال ، بل فيما هو مظنة الاستنكاف والرضا. كالغلبة والاستكبار ، والاستعلاء في السلطان ، وقرب المودة في النصارى.

ومنها اطراد تقديم ذكر الملائكة على ذكر الأنبياء والرسل ، ولا يعقل له جهة سوى الأفضلية.

والجواب أنه يجوز أن يكون بجهة تقدمهم في الوجود ، أو في قوة الإيمان بهم ، والاهتمام به لأنهم أخفى ، فالإيمان بهم أقوى ، وبالتحريض عليه أحرى.

وأما العقليات فمنها أن الملائكة (٣) روحانيات مجردة في ذواتها ، متعلقة بالهياكل العلوية ، مبرأة عن ظلمة المادة ، وعن الشهوة والغضب اللذين هما مبدأ الشرور والقبائح ، متصفة بالكمالات العلمية والعملية بالعقل من غير شوائب

__________________

(١) سورة البقرة آية رقم ١٢٠.

(٢) هي الوفاء بالعهود ، وحفظ الحدود ، والرضا بالموجود والصبر على المفقود.

(٣) الملائكة : أجسام نورانية لطيفة تتشكل بأشكال مختلفة وقال تعالى في صفتهم : (عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ).

٧١

الجهل والنقص والخروج من القوة إلى الفعل على التدريج ، ومن احتمال الغلط ، قوية على الأفعال العجيبة وإحداث السحب والزلازل ، وأمثال ذلك ، مطلعة على أسرار الغيب ، سابقة إلى أنواع الخير ، ولا كذلك حال البشر.

والجواب أن مبنى ذلك على قواعد الفلسفة دون الملة.

ومنها أن أعمالهم المستوجبة للمثوبات أكثر لطول زمانهم ، وأدوم لعدم تخلل الشواغل ، وأقوم لسلامتها عن مخالطة المعاصي المنقصة للثواب ، وعلومهم أكمل وأكثر لكونهم نورانيين روحانيين ، يشاهدون اللوح المحفوظ المنتقش بالكائنات ، وأسرار المغيبات.

والجواب أن هذا لا يمنع كون أعمال الأنبياء وعلومهم أفضل وأكثر ثوابا لجهات أخر ، كقهر المضاد والمنافي ، وتحمل المتاعب والمشاق ، ونحو ذلك على ما مر.

قال : المبحث الثامن ـ

(الولي (١) هو العارف بالله تعالى ، الصارف همته عما سواه. والكرامة ظهور أمر خارق للعادة من قبله ، بلا دعوى النبوة ، وهي جائزة ولو بقصد الولي ، ومن جنس المعجزات لشمول قدرة الله تعالى. وواقعة كقصة مريم (٢) وآصف ، وأصحاب الكهف ، وما تواتر جنسه من الصحابة والتابعين ، وكثير من الصالحين. وخالفت المعتزلة لأنها توجب التباس النبي بغيره ، إذ الفارق هو المعجزة ، والخروج عن بعض العادة لكثرة الأولياء ، وانسداد باب إثبات النبوة لاحتمال أن تكون المعجزة إكراما ، لا تصديقا ، والإخلال بعظم قدر الأنبياء لمشاركة الأولياء.

والجواب أن الكرامة لا تقارن دعوى النبوة ، وكثرتها تكون استمرار نقض العادة ، والمقارنة للدعوى تفيد القطع بالصدق عادة ، والكرامة تزيد جلالة قدر

__________________

(١) الولي : فعيل : بمعنى الفاعل : وهو من توالت طاعته من غير أن يتخللها عصيان ، أو بمعنى المفعول فهو من يتوالى عليه إحسان الله وأفضاله ، والولي : هو العارف بالله وصفاته بحسب ما يمكن المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي ، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات.

(٢) قال تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). سورة آل عمران آية رقم ٣٧.

٧٢

الأنبياء ، حيث نالت أمتهم ذلك ببركة الاقتداء ، ومما هو قوي في منع الإخبار بالمغيبات قوله تعالى (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (١)

والجواب أنه لو سلم عموم الغيب يجوز أن يختص بحال القيمة بقرينة السياق ، إذ يكون القصد إلى سلب العموم ، أو يخص الاطلاع بما يكون بطريق الوحي).

وصفاته : المواظب على الطاعات ، المجتنب عن المعاصي ، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات ، وكرامته ظهور أمر خارق للعادة من قبله ، غير مقارن لدعوى النبوة ، وبهذا يمتاز عن المعجزة ، وبمقارنة الاعتقاد ، والعمل الصالح ، والتزام متابعة النبي عن الاستدراج ، وعن مؤكدات تكذيب الكذابين ، كما روي أن مسيلمة ، دعا لأعور أن تصير عينه العوراء صحيحة ، فصارت عينه الصحيحة عوراء. ويسمى هذا إهانة. وقد تظهر الخوارق من قبل عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكارة ، وتسمى معونة. فلذا قالوا : إن الخوارق أنواع أربعة : معجزة ، وكرامة ، ومعونة ، وإهانة. وذهب جمهور المسلمين إلى جواز كرامة الأولياء ، ومنعه أكثر المعتزلة ، والأستاذ ابو إسحاق يميل إلى قريب من مذهبهم. كذا قال إمام الحرمين ، ثم المجوزون ذهب بعضهم إلى امتناع كون الكرامة بقصد واختيار من الولي ، وبعضهم إلى امتناع كونها على قضية الدعوى ، حتى لو ادعى الولي الولاية. واعتقد بخوارق العادات ، لم يجز ، ولم يقع ، بل ربما يسقط عن مرتبة الولاية. وبعضهم إلى امتناع كونها من جنس ما وقع معجزة لنبي ، كانفلاق البحر ، وانقلاب العصا ، وإحياء الموتى.

قالوا : وبهذه الجهات تمتاز عن المعجزات ، وقال الإمام : هذه الطرق غير سديدة. والمرضي عندنا تجويز جملة خوارق العادات في معرض الكرامات. وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوها عن دعوى النبوة ، حتى لو ادعى الولي النبوة صار عدوا لله ، لا يستحق الكرامة ، بل اللعنة والإهانة.

__________________

(١) سورة الجن آية رقم ٢٦ ، ٢٧.

٧٣

فإن قيل : هذا الجواز مناف للإعجاز ، إذ من شرطه عدم تمكن الغير من الإتيان بالمثل ، بل مفض إلى تكذيب النبي ، حيث يدعي عند التحدي أنه لا يأتي أحد بمثل ما أتيت به.

قلنا : المنافي هو الإتيان بالمثل على سبيل المعارضة. ودعوى النبي أنه لا يأتي بمثل ما أتيت به أحد من المتحدين ، لا أنه لا يظهر مثله كرامة لولي ، أو معجزة لنبي آخر. نعم قد يرد في بعض المعجزات نص قاطع على أن احدا لا يأتي بمثله اصلا كالقرآن ، وهو لا ينافي الحكم بأن كل ما وقع معجزة لنبي يجوز أن يقع كرامة لولي. لنا على الجواز ما مر في المعجزة من إمكان الأمر في نفسه ، وشمول قدرة الله تعالى. وذلك كالملك يصدق رسوله ببعض ما ليس من عاداته ، ثم يفعل مثل ذلك إكراما لبعض أوليائه ، وعلى الوقوع وجهان :

الأول ـ ما ثبت بالنص من قصة مريم عند ولادة عيسى (عليه‌السلام) ، وأنه كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال : يا مريم أنى لك هذا؟ قالت : هو من عند الله. وقصة أصحاب الكهف ، ولبثهم في الكهف سنين بلا طعام وشراب. وقصة آصف وإتيانه بعرش بلقيس (١) قبل ارتداد الطرف. فإن قيل : كان الأول إرهاصا لنبوة عيسى ، أو معجزة لزكريا ، والثاني لمن كان نبيا في زمن أصحاب الكهف ، والثالث لسليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلنا : سياق القصص يدل على أن ذلك لم يكن لقصد تصديقهم في دعوى النبوة ، بل لم يكن لزكريا علم بذلك ، ولذا سأل. ونحن لا ندعي إلا جواز ظهور الخوارق من بعض الصالحين ، غير مقرونة بدعوى النبوة ، ولا مسوقة لقصد تصديق نبي ، ولا يضرنا تسميته إرهاصا أو معجزة لنبي هو من أمته ، على أن ما ذكرتم يرد على كثير من معجزات الأنبياء لجواز أن يكون معجزة لنبي آخر.

والثاني ـ ما تواتر معنا وإن كانت التفاصيل آحادا من كرامات الصحابة ،

__________________

(١) قال تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ. فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ : هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ). سورة النمل آية رقم ٤٠.

٧٤

والتابعين ، ومن بعدهم من الصالحين ، كرؤية عمر (رضي الله عنه) على المنبر جيشه بنهاوند حتى قال : يا سارية الجبل الجبل. وسمع سارية ذلك (١). وكشرب خالد (رضي الله تعالى عنه) السم من غير أن يضر به. وأما من علي (رضي الله تعالى عنه) فأكثر من أن تحصى.

وبالجملة وظهور كرامات الأولياء يكاد يلحق بظهور معجزات الأنبياء ، وإنكارها ليس بعجيب من أهل البدع والأهواء ، إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم قط ، ولم يسمعوا به من رؤسائهم الذين يزعمون أنهم على شيء مع اجتهادهم في أمور العبادات ، واجتناب السيئات ، فوقعوا في أولياء الله تعالى أصحاب الكرامات ، يمزقون أديمهم ، ويمضغون لحومهم ، لا يسمونهم إلا باسم الجهلة المتصوفة (٢) ، ولا يعدونهم إلا في عداد آحاد المبتدعة ، قاعدين تحت المثل السائر أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل ، ولم يعرفوا أن مبنى هذا الأمر على صفاء العقيدة ، ونقاء السريرة ، واقتفاء الطريقة ، واصطفاء الحقيقة ، وإنما العجب من بعض فقهاء أهل السنة حيث قال فيما روي عن إبراهيم بن أدهم انهم رأوه بالبصرة يوم التروية ، وفي ذلك اليوم بمكة. أن من اعتقد جواز ذلك يكفر. والإنصاف ما ذكره الإمام النسفي (٣) حين سئل عما يحكى أن الكعبة كانت تزور واحدا من الأولياء ، هل يجوز القول به؟ فقال: نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة وللمخالف وجوه :

الأول ـ وهو العمدة ، أنه لو ظهرت الخوارق من الولي لالتبس النبي

__________________

(١) يقول الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إن يكن في أمتي محدثون فعمر منهم.

(٢) التصوف : الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا فيرى حكمها من الظاهر في الباطن ، وباطنا فيرى حكمها من الباطن في الظاهر فيحصل للمتأدب بالحكمين كمال. وقيل : مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل ، وقيل : تصفية القلب عن موافقة البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبيعية.

(٣) هو عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل أبو حفص. نجم الدين النسفي : عالم بالتفسير والأدب ، والتاريخ ، من فقهاء الحنفية ، ولد بنسف وإليها نسبته وتوفي بسمرقند قيل له نحو مائة مصنف منها : التيسير في التفسير ، والمواقيت ، وتعداد شيوخ عمر ، والاشعار بالمختار من الأشعار «عشرون جزءا» ، ونظم الجامع الصغير في فقه الحنفية ، وقيد الأوابد ، وتاريخ بخارى ، وغير ذلك كثير توفي عام ٥٣٧ ه‍. راجع الفوائد البهية ١٤٩ والجواهر المضيئة ١ : ٣٩٤ ولسان الميزان ٤ : ٣٢٧ وإرشاد الأريب ٦ : ٥٣.

٧٥

بغيره ، إذ الفارق هو المعجزة. ورد بما مر من الفرق بين المعجزة والكرامة.

الثاني ـ أنها لو ظهرت لكثرت كثرة الأولياء ، وخرجت عن كونها خارقة للعادة حقا. ورد بالمنع ، بل غايته استمرار نقض العادة.

الثالث ـ لو ظهرت لا لغرض التصديق لانسد باب إثبات النبوة بالمعجزة لجواز أن يكون ما يظهر من النبي لغرض آخر غير التصديق. ورد بما مر من أنها عند مقارنة الدعوى تفيد التصديق قطعا.

الرابع ـ أن مشاركة الأولياء للأنبياء في ظهور الخوارق تخل بعظم قدر الأنبياء ووقوعهم في النفوس (١) ورد بالمنع ، بل يزيد في جلالة أقدارهم ، والرغبة في اتباعهم ، حيث نالت أممهم وأتباعهم مثل هذه الدرجة ببركة الاقتداء بشريعتهم ، والاستقامة على طريقتهم.

الخامس ـ وهو في الإخبار عن المغيبات قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (٢).

خص الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب ، فلا يطلع غيرهم ، وإن كانوا أولياء مرتضين. فما يشاهد من الكهنة إلقاء الجن والشياطين ، ومن أصحاب التعبير والنجوم ظنون واستدلالات ربما تقع وربما لا تقع ، ليس من اطلاع الله تعالى في شيء.

والجواب أن الغيب هاهنا ليس للعموم ، بل مطلق أو معين هو وقت وقوع القيمة بقرينة السياق ولا يبعد ان يطلع عليه بعض الرسل من الملائكة أو البشر ، فيصح الاستثناء ، وإن جعل منقطعا فلا خفاء ، بل لا امتناع حينئذ في جعل الغيب للعموم

__________________

(١) النفس : هي الجوهر البخاري اللطيف ، الحامل لقوة الحياة ، والحس والحركة الإرادية ، وسماها الحكيم : الروح الحيوانية : فهي جوهر مشرق للبدن وعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه ، وأما في وقت النوم فينقطع عن ظاهر البدن دون باطنه فثبت أن النوم والموت من جنس واحد لأن الموت هو الانقطاع الكلي والنوم هو الانقطاع الناقص فثبت أن القادر الحكيم دبر تعلق جوهر النفس بالبدن على ثلاثة أضرب الأول : إذا بلغ ضوء النفس إلى جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه فهو اليقظة ، وإن انقطع ضوؤها عن ظاهره دون باطنه فهو النوم ، أو بالكلية فهو الموت.

(٢) سورة الجن آية رقم ٢٦ ، ٢٧.

٧٦

لكون اسم الجنس المضاف بمنزلة المعرف باللام ، سيما وقد كان في الأصل مصدرا ويكون الكلام لسلب العموم ، أي لا يطلع على كل غيبه احدا ، وهو لا ينافي في اطلاع البعض على البعض ، وكذا لا إشكال إن خص الاطلاع بطريق الوحي ، وبالجملة فالاستدلال مبني على أن الكلام لعموم السلب. أي لا يطلع على شيء من غيبه أحدا من الأفراد نوعا من الاطلاع ، وذلك ليس بلازم.

قال : خاتمة

(لا يبلغ الولي درجة النبي ولا يسقط عنه التكاليف بكمال الولاية ، ولا تكون ولاية غير النبي أفضل من النبوة ، وإنما الكلام في ولايته ، فقيل : هي أفضل لما فيها من معنى القرب والاختصاص ، وقيل : بل نبوته لما فيها من الوساطة بين الحق والخلق والقيام بمصالح الدارين مع شرف مشاهدة الملك).

حكي عن بعض الكرامية أن الولي قد يبلغ درجة النبي ، بل أعلى. وعن بعض الصوفية أن الولاية أفضل من النبوة ، لأنها تنبئ عن القرب والكرامة كما هو شأن خواص الملك والمقربين منه ، والنبوة عن الإنباء والتبليغ ، كما هو حال من أرسله الملك إلى الرعايا لتبليغ أحكامه. إلا أن الولي لا يبلغ درجة النبي ، لأن النبوة لا تكون بدون الولاية. وعن أهل الإباحة والإلحاد أن الولي إذا بلغ الغاية في المحبة ، وصفاء القلب ، وكمال الإخلاص ، سقط عنه الأمر والنهي ، ولم يضره الذنب ، ولا يدخل النار بارتكاب الكبيرة. والكل فاسد بإجماع المسلمين.

والأول خاصة بأن النبي مع ما له من شرف الولاية ، معصوم عن المعاصي ، مأمون عن سوء العاقبة بحكم النصوص القاطعة ، مشرف بالوحي ومشاهدة الملك ، مبعوث لإصلاح حال العالم ونظام أمر المعاش والمعاد .. إلى غير ذلك من الكمالات.

والثاني بأن النبوة تنبئ عن البعثة والتبليغ من الحق إلى الخلق. ففيها ملاحظة للجانبين. ويتضمن قرب الولاية وشرفها لا محالة ، فلا تقصر عن مرتبة ولاية غير الأنبياء لأنها لا تكون على غاية الكمال ، لأن علامة ذلك نيل مرتبة النبوة. نعم ، قد

٧٧

يقع تردد في أن نبوة النبي أفضل أم ولايته. فمن قائل بالأول لما في النبوة من معنى الوساطة بين الجانبين ، والقيام بمصالح الخلق في الدارين ، مع شرف مشاهدة الملك. ومن مائل إلى الثاني لما في الولاية من معنى القرب والاختصاص الذي يكون في النبي في غاية الكمال ، بخلاف ولاية غير النبي. وفي كلام بعض العرفاء أن ما قيل الولاية أفضل من النبوة لا يصح مطلقا ، وليس من الأدب إطلاق القول به ، بل لا بد من التقييد ، وهو أن ولاية النبي أفضل من نبوته ، لأن نبوة التشريع متعلقة بمصلحة الوقت ، والولاية لا تعلق لها بوقت دون وقت ، بل قام سلطانها إلى قيام الساعة ، بخلاف النبوة فإنها مختومة (١) بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم من حيث ظاهرها الذي هو الإنباء ، وإن كانت دائمة من حيث باطنها الذي هو الولاية ، أعني التصرف في الخلق بالحق ، فإن الأولياء من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصرف ولايته بهم ، يتصرف في الخلق بالحق إلى قيام الساعة ، ولهذا كانت علامتهم المتابعة. إذ ليس الولي إلا مظهر تصرف النبي. وأما بطلان القول بسقوط الأمر والنهي فلعموم الخطابات ، ولأن أكمل الناس في المحبة والإخلاص هم الأنبياء ، سيما حبيب الله ، مع أن التكاليف في حقهم أتم وأكمل ، حتى يعاتبون بأدنى زلة ، بل بترك الأفضل. نعم حكي عن بعض الأولياء أنه استعفى الله عن التكاليف ، وسأله الإعتاق عن ظواهر العبادات ، فأجابه إلى ذلك بأن سلبه العقل الذي هو مناط التكليف ، ومع ذلك كان من علو المرتبة على ما كان. وأنت خبير بأن العارف لا يسأم من العبادة ، ولا يفتر في الطاعة ، ولا يسأل الهبوط من أوج الكمال إلى حضيض النقصان ، والنزول من معارج الملك إلى منازل الحيوان ، بل ربما يحصل له كمال الانجذاب إلى عالم القدس والاستغراق في ملاحظة جناب الحق ، بحيث يذهب عن هذا العالم ، ويخل بالتكاليف من غير تأثم بذلك لكونه في حكم غير المكلف كالنائم ، وذلك لعجزه عن مراعاة الأمرين وملاحظة الجانبين ، فربما يسأل دوام تلك الحالة ، وعدم العود إلى عالم الظاهر ، وهذا الذهول هو الجنون الذي ربما يرجح على بعض العقول ، والمتسمون به هم المسمون بمجانين العقلاء. وبهذا يظهر فضل الأنبياء على الأولياء ، فإنهم مع أن استغراقهم أكمل ، وانجذابهم أشمل لا يخلون بأدنى طاعة ،

__________________

(١) قال تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ).

٧٨

ولا يذهلون من هذا الجانب ساعة ، لأن قوتهم القدسية من الكمال بحيث لا يشغلها شاغل عن ذلك الجناب ، ولهذا ينعى عليهم أدنى زلة عن منهج الصواب.

قال : المبحث التاسع ـ السحر

(إظهار أمر خارق للعادة بمباشرة أعمال مخصوصة ، يجري فيها التعليم والتعلم ، وتعين عليها شرة النفس ، وتتأتى فيها المعارضة ، وهو جائز عقلا كالكرامة والمعجزة ، وثابت سمعا بقوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ..) (١) الآية.

ولما ثبت من أنه سحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعائشة ، وابن عمر (رضي الله عنهما) ، والطعن الكاذب من الكفرة في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه مسحور أريد به زوال العقل بالسحر ، والعصمة المشار إليها بقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٢)

هي العصمة أن يهلكوه ، أو يوقعوا خللا في نبوته. وليس للساحر أن يفعل ما يشاء من الإضرار بالأنبياء ، وإزالة ملك الخلفاء وغير ذلك.

وقوله تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ) (٣)

لا يدل على أن كل سحر تخييل وتمويه ، بمنزلة الشعوذة على ما هو رأي المعتزلة. وأما الإصابة بالعين فتكاد تجري مجرى المشاهدات ، وفيها نزل قوله : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) (٤)

واختلف القائلون بالسحر والعين في جواز الاستعانة بالرقى والعوذ ، وفي جواز تعليق التمائم ، والنفث ، والمسح ، والمسألة فرعية).

إظهار أمر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة أعمال مخصوصة يجري فيها التعلم والتلمذ ، وبهذين الاعتبارين يفارق المعجزة والكرامة ، وبأنه لا يكون بحسب اقتراح المقترحين ، وبأنه يختص ببعض الأزمنة أو الأمكنة أو الشرائط ،

__________________

(١) سورة البقرة آية رقم ١٠٢.

(٢) سورة المائدة آية رقم ٦٧.

(٣) سورة طه آية رقم ٦٦.

(٤) سورة القلم آية رقم ٥١.

٧٩

وبأنه قد يتصدى بمعارضته ، ويبذل الجهد في الإتيان بمثله ، وبأن صاحبه ربما يعلن بالفسق، ويتصف بالرجس في الظاهر والباطن ، والخزي في الدنيا والآخرة .. إلى غير ذلك من وجوه المفارقة وهو عند أهل الحق جائز عقلا ، ثابت سمعا ، وكذلك الإصابة بالعين. وقالت المعتزلة: بل هو مجرد إراءة ما لا حقيقة له بمنزلة الشعبذة التي سببها خفة حركات اليد ، أو خفاء وجه الحيلة فيه لنا على الجواز ما مر في الإعجاز من إمكان الأمر في نفسه ، وشمول قدرة الله تعالى ، فإنه هو الخالق ، وإنما الساحر فاعل وكاسب. وأيضا إجماع الفقهاء ، وإنما اختلفوا في الحكم ، وعلى الوقوع وجوه : منها قوله تعالى :

(يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ..) إلى قوله (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(١)

وفيه إشعار بأنه ثابت حقيقة ، ليس مجرد إراءة وتمويه ، وبأن المؤثر والخالق هو الله وحده.

ومنها سورة الفلق ، فقد اتفق جمهور المسلمين على أنها نزلت فيما كانت من سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى مرض ثلاث ليال.

ومنها ما روي أن جارية سحرت عائشة (رضي الله عنها) وأنه سحر ابن عمر (رضي الله عنه) فتكوعت يده.

فإن قيل : لو صح السحر لأضرت السحرة بجميع الأنبياء والصالحين ، ولحصلوا لأنفسهم الملك العظيم ، وكيف يصح أن يسحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد قال الله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٢) (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) (٣).

وكانت الكفرة يعيبون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه مسحور ، مع القطع بأنهم كاذبون.

__________________

(١) سورة البقرة آية رقم ١٠٢.

(٢) سورة المائدة آية رقم ٦٧.

(٣) سورة طه آية رقم ٦٩.

٨٠