شرح المقاصد - ج ٥

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٥

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. يعني أنها كانت فجاءة ، لا عن تدبر وابتناء على اصل.

والجواب أن المعنى كانت فجاءة وبغتة ، وقي الله شر الخلاف الذي يكاد يظهر عندها. فمن عاد إلى مثل تلك المخالفة الموجبة لتبديد الكلمة فاقتلوه ، وكيف يتصور منه القدح (١) في إمامة أبي بكر مع ما علم من مبالغته في تعظيمه ، وفي انعقاد البيعة له ، ومن صيرورته خليفة باستخلافه فلهم حكايات تجري مجرى ذلك (٢) أكثرها افتراءات. ومع ذلك فلها محامل وتأويلات ، ولا تعارض ما ثبت المفهوم من الحكايات وتواتر بين الجماعة من المودات ، وما أقبح بناء المذهب على الترهات والأحاديث (٣) المفتريات.

قال : وأمر عمر

(وأمر عمر (رضي الله تعالى عنه) برجم حامل ، وأخرى مجنونة. ونهى عن المغالاة في الصداق.

قلنا : لو سلم ، فليس بقادح. وشك في موت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) مع أن الكتاب ناطق به.

قلنا : لغاية القلق والحزن ، أو لحمل الآية على أنه يموت بعد تمام الأمر. وتصرف في بيت المال والغنائم بغير الحق ، ومنع أهل البيت خمسهم ومنع متعة النكاح ، ومتعة الحج.

قلنا : اجتهاديات لا تقدح في الإمامة ، ولو مع ظهور الخطأ ، وجعل الخلافة شورى بين ستة مع الإجماع على امتناع الاثنين.

قلنا : بطريق الاستقلال ، لا للتشاور في تعيين الواحد منهم)

قدحوا في إمامة عمر بوجوه : منها أنه لم يكن عارفا بالأحكام حتى أمر برجم

__________________

(١) في (ب) التعارض بدلا من (القدح).

(٢) في (ب) الأمثال بدلا من (ذلك).

(٣) سقط من (ب) لفظ (الأحاديث).

٢٨١

امرأة حامل أقرت بالزنا ، ورجم امرأة مجنونة زنت. فنهاه علي (رضي الله تعالى عنه) عن ذلك ، فقال : لو لا علي لهلك عمر. ونهى عن المغالاة في الصداق ، فقامت إليه امرأة فقالت : ألم يقل الله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) (١)

فقال : كل أفقه من عمر حتى المخدرات.

والجواب بعد تسليم القصة ، وعلمه بالحمل ، والجنون ، ونهيه على وجه التحريم أن الخطأ في مسألة وأكثر لا ينافي الاجتهاد ولا يقدح في الإمامة. والاعتراف بالنقصان هضم للنفس ، ودليل على الكمال.

ومنها أنه لم يكن عالما بالقرآن حتى شك في موت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ولم يسكن إليه حتى تلا عليه أبو بكر قوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٢)

فقال : كأني لم أسمع هذه الآية.

فالجواب أن ذلك كان لتشوش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن جليات الأحوال ، أو لأنه فهم من قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (٣)

وقوله : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٤)

انه يبقى إلى تمام هذه الأمور ، وظهورها غاية الظهور. وفي قوله : «كأني لم اسمع» دلالة على أنه سمعها وعلمها ، لكن ذهل عنها ، أو حملها على معنى آخر ، أي كأن لم أسمعها سماع اطلاع على هذا المعنى ، بل إنه يموت بعد تمام الأمور.

ومنها أنه تصرف في بيت المال بغير الحق ، فأعطى أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه مالا كثيرا ، حتى روي أنه أعطى عائشة وحفصة كل سنة عشرة آلاف درهم ، وافترض لنفسه منه ثمانين الف درهم. وكذا في أموال الغنائم حيث فضل المهاجرين على

__________________

(١) سورة النساء آية رقم ٢٠ وتكملة الآية (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).

(٢) سورة الزمر آية رقم ٣٠.

(٣) سورة التوبة آية رقم ٣٣.

(٤) سورة النور آية رقم ٥٥.

٢٨٢

الأنصار ، والعرب على العجم ، ومنع أهل البيت خمسهم الذي هو سهم ذوي القربى بحكم الكتاب.

والجواب أن من تتبع ما تواتر من أحواله ، علم قطعا أن حديث التصرف في الأموال محض افتراء. وأما التفضيل فله ذلك بحسب ما يرى من المصلحة ، لأنه من الاجتهاديات التي لا قاطع فيها. وأما الخمس فقد كان لذوي القربى ، وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب من أولاد عبد مناف بالنص والإجماع إلا أنه اجتهد فذهب إلى أن مناط الاستحقاق هو الفقر ، فخصه بالفقراء منهم ، أو إلى أنها من قبيل الأوساخ المحرمة على بني هاشم.

وبالجملة فهذه مسألة اجتهادية معروفة في كتب الفقه ، لا تقدح في استحقاق الإمامة.

ومنها أنه منع متعة النكاح ، وهو أن يقول لامرأة : أتمتع بك كذا مدة بكذا درهما أو : متعيني نفسك أياما بكذا ، أو ما يؤدي هذا المعنى. وجوزها مالك والشيعة. وفي معناها النكاح إلى أجل معلوم وجوزه زفر (١) لازما.

ومتعة الحج ، وهي أن يأتي مكة من على مسافة القصر منها محرما ، فيعتمر في أشهر الحج ، ويقيم حلالا بمكة ، وينشئ منها الحج عامه ذلك. وقد كان معترفا بشرعية المتعتين في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما روي عنه أنه قال : ثلاث كن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا أنهى عنهن وأحرمهن ، وهي متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل.

والجواب أن هذه مسائل اجتهادية وقد ثبت نسخ إباحة متعة النساء بالآثار المشهورة إجماعا من الصحابة على ما روى محمد ابن الحنفية عن علي (رضي الله

__________________

(١) هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري من تميم أبو الهذيل فقيه كبير من أصحاب الإمام أبي حنيفة أصله من أصبهان أقام بالبصرة وولي قضاءها وتوفي بها ، وهو أحد العشرة الذين دونوا الكتب جمع بين العلم والعبادة ، وكان من أصحاب الحديث فغلب عليه الرأي وهو قياس الحنفية ، وكان يقول : نحن لا نأخذ بالرأي ما دام أثر ، وإذا جاء الأثر تركنا الرأي توفي عام ١٥٨ ه‍ راجع الجواهر المضيئة ١ : ٢٤٣ وشذرات الذهب ١ : ٢٤٣ والانتفاء ١٧٣.

٢٨٣

تعالى عنه) أن منادي رسول الله نادى يوم خبير : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عن المتعة (١)

وقال جابر بن زيد ما خرج ابن عباس من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة. وبعضهم على أنه إنما تثبت إباحتها مؤقتة بثلاثة أيام. ومعنى أحرمهن : أحكم بحرمتهن ، وأعتقد ذلك لقيام الدليل كما يقال : حرم المثلث الشافعي (رضي الله تعالى عنه) وأباحه أبو حنيفة (رحمه‌الله تعالى).

ومنها أنه جعل الخلافة شورى بين ستة مع الإجماع على أنه لا يجوز نصب خليفتين لما فيه من إثارة الفتنة.

والجواب أن ذلك حيث يكون كل منهما مستقلا بالخلافة. فأما بطريق المشاورة وعدم انفراد البعض بالرأي فلا ، لأن ذلك بمنزلة نصب إمام واحد كامل الرأي ، وقد يقال : إن معنى جعل الإمامة شورى أن يتشاوروا فينصبوا واحدا منهم ، ولا يتجاوزهم الإمام ، ولا يعبأ بتعيين غيرهم ، وحينئذ لا إشكال. ومن نظر بعين الإنصاف ، وسمع ما اشتهر من عمر في الأطراف ، علم جلالة محله عما تدعيه الأعداء ، وبراءة ساحته عما يفتريه أهل البدع والأهواء وجزم بأنه كان الغاية في العدل والسداد والاستقامة على سبيل الرشاد. وأنه لو كان بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) نبي لكان عمر ، ولو لم يبعث فينا نبيا لبعث عمر (٢). ولكن لا دواء لداء العناد. ومن يضلل الله فما له من هاد.

قال : وولي عثمان

(وولى عثمان من ظهر منه الفسق والفساد ، وصرف بيت المال إلى أقاربه ، وحمى لنفسه ، وآذى ابن مسعود ، وعمارا ، وأبا ذر ، ورد طريد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأسقط

__________________

(١) الحديث رواه ابن ماجه في كتاب النكاح ٤٤ باب النهي عن نكاح المتعة ١٩٦١ بسنده عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : وذكره. ورواه البخاري في المغازي ٣٨ ومسلم في النكاح ٢٥ ، ٣٠ ، ٣٢ والترمذي في النكاح ٢٨ وصاحب الموطأ في النكاح ٤١ ، وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ٧٩ ، ٣ : ٤٠٤ ٤٠٥ (حلبى).

(٢) قال الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما رواه الإمام البخاري وغيره ، «إن يكن في أمتي محدثون فعمر منهم».

٢٨٤

القود عن ابن عمر ، والحد عن الوليد بن عقبة (١) ، وخذله الصحابة حتى قتل ، ولم يدفن إلا بعد ثلاث.

قلنا : بعض ذلك غير قادح في إمامته كفاسد ولاته. وبعضه افتراء ، وبعضه اجتهاد. ورد الطريد كان بسماع لا يكفيهم ويكفيه. وترك النصرة والدفن بلا عذر لو صح فقدح فيهم لا فيه).

من مطاعنهم في عثمان (رضي الله عنه) أنه ولى أمور المسلمين من ظهر منهم الفسق والفساد ، كالوليد بن عقبة (٢) وعبد الله بن أبي سرح ومروان بن الحكم ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ومن يجري مجراهم ، وأنه صرف أموال بيت المال إلى أقاربه حتى نقل أنه صرف إلى أربعة نفر منهم أربعمائة ألف درهم ، وأنه حمى لنفسه. وقد قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إنه لا حمى إلا لله ولرسوله. وعمر إنما حمى لإبل المسلمين العاجزين ولنحو نعم الصدقة والجزية والضوال ، لا لنفسه ، وأنه أحرق مصحف ابن مسعود ، وضربه حتى كسر ضلعين من أضلاعه ، وضرب عمارا حتى أصابه فتق ، وضرب أبا ذر ونفاه إلى الربذة ، وأنه رد الحكم بن العاص وقد سيره رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأنه أسقط القود عن عبد الله بن عمر وقد قتل الهرمزان ، والحد عن الوليد بن عقبة ، وقد شرب الخمر. وأن الصحابة خذلوه حتى قتل ، ولم يدفن إلا بعد ثلاثة أيام.

والجواب أن بعض هذه الأمور مما لا يقدح في إمامته كظهور الفسق والفساد من ولاة بعض البلاد ، إذ لا اطلاع له على السرائر ، وإنما عليه الأخذ بالظاهر ، والعزل عند تحقق الفسق ومعاوية كان على الشام في زمن عمر أيضا ، والمذهب أن

__________________

(١) هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبو وهب الأموي القرشي وال من فتيان قريش وشعرائهم وأجوادهم فيه ظرف ومجون ولهو وهو أخو عثمان بن عفان لأمه أسلم يوم فتح مكة وبعثه رسول الله على صدقات بني المصطلق ثم ولاه عمر صدقات بني تغلب ، وولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص سنة ٢٥ ه‍ عزل عن الخلافة وتوفي عام ٦١ ه‍ راجع الإصابة ت ٩١٤٩ والأغاني طبعة الدار ٥ : ١٢٢ ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ١٩٣ والمسعودي ٤ : ٢٥٧ ـ ٢٦١.

٢٨٥

الباغي ليس بفاسق. ولو سلم ، فإنما ظهر ذلك في زمان إمامة علي (رضي الله عنه). وبعضها افتراء محض ، كصرف ذلك القدر من بيت المال إلى أقاربه ، وأخذ الحمى لنفسه ، وضرب الصحابة إلى الحد المذكور وبعضها اجتهاديات مفوضة إلى رأي الإمام حسب ما يراه من المصلحة كالتأديب والتعزير ، ودرء الحدود والقصاص بالشبهات والتأويلات. وبعضها كان بإذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كرد الحكم بن العاص (١) على ما روي أنه ذكر ذلك لأبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) فقالا : إنك شاهد واحد. فلما آل الأمر إليه حكم بعلمه وأما حديث خذلان الصحابة إياه وتركهم دفنه من غير عذر ، فلو صح ، كان قدحا فيهم لا فيه. ونحن لا نظن بالمهاجرين والأنصار (رضي الله عنهم) عموما ، وبعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) خصوصا أن يرضوا بقتل مظلوم في دارهم وترك دفن ميت في جوارهم ، سيما من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ، وعاكف طول النهار ذاكرا وصائما ، شرفه رسول الله بابنتيه ، وبشره بالجنة ، وأثنى عليه (٢). فكيف يخذلونه ، وقد كان من زمرتهم ، وطول العمر في نصرتهم ، وعلموا سابقته في الإسلام ، وخاتمته إلى دار السلام. لكنه لم يأذن لهم في المحاربة ، ولم يرض بما حاولوا من المدافعة ، تحاميا عن إراقة الدماء ، ورضا بسابق القضاء. ومع ذلك لم يدع الحسن والحسين (رضي الله عنهما) في الدفع عنه مقدورا وكان أمر الله قدرا مقدورا.

قال : خاتمة ـ

((خاتمة) ثم إن أبا بكر (رضي الله عنه) أمر عمر ، وفوض الأمر إليه ، واجتمعت الأمة عليه ، فقهر العباد ، وعمر البلاد ، وحين استشهد جعل الأمر شورى بين ستة هم خير العباد ، فوقع الاتفاق على عثمان ، فجمع القرآن ، وقمع العدوان ، ثم

__________________

(١) هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي صحابي أسلم يوم الفتح وسكن المدينة فكان فيما قيل يفشي سر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فنفاه إلى الطائف ، وأعيد إلى المدينة في خلافة عثمان ، فمات فيها ، وقد كف بصره ، وهو عم عثمان بن عفان ووالد مروان (رأس الدولة المروانية) توفي عام ٣٢ ه‍.

(٢) قال الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعثمان بن عفان عند ما جهز جيش العسرة «ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك» وقال في حقه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ألا استحيي من رجل تستحيي منه الملائكة».

٢٨٦

خرج عليه أهل الطغيان ، فاستسلم حتى كان ما كان ، واجتمع أهل الحل والعقد على مبايعة علي ومتابعته ولم يكن هيجان الفتن لاختلاف في خلافته ، ثم آل الأمر إلى الحسن (١) (رضي الله تعالى عنه) بعد ستة أشهر من بيعته سلمه لمعاوية حقنا للدماء وإبقاء على الذماء ، وإطفاء للنائرة الثائرة بين الدهماء ، على ما أخبر به خير الأنبياء ، فصار الملك إليه ، وانقضت الإمامة .. وهلم جرا إلى أن قامت القيامة).

مرض أبو بكر (رضي الله عنه) مرضه الذي توفي فيه في جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة بعد ما انقضت من خلافته سنتان وأربعة أشهر ، أو ستة أشهر ، فتشاور الصحابة وجعل الخلافة لعمر ، وقال لعثمان (رضي الله عنه) : اكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا ، خارجا عنها وأول عهده بالآخرة ، داخلا فيها ، حين يؤمن الكافر ، ويوقن الفاجر ، ويصدق الكاذب ، إني استخلف عمر بن الخطاب ، فإن عدل فذاك ظني به ورأيي فيه ، وإن بدل وجار فلكل امرئ ما اكتسب ، والخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» ، وعرضت الصحيفة على جملة الصحابة فبايعوا لمن فيها ، حتى مرت بعلي (رضي الله عنه) فقال : بايعنا لمن فيها وإن كان عمر فانعقدت له الإمامة بنص الإمام الحق ، وإجماع أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار ، فقام عشر سنين ونصفا ، يأمر بالعدل والسياسة ، ونظم قوانين الرئاسة ، وتقوية الضعفاء وقهر الأعداء ، واستئصال الأقوياء الأغوياء وإعلاء لواء الإسلام ، وتنفيذ الشرائع والأحكام ، بحيث صار ذلك كالأمثال في الأمصار وطار كالأمطار في الأقطار.

واستشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة على يد أبي لؤلؤة ، غلام

__________________

(١) هو الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي أبو محمد خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم ، وثاني الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ، ولد في المدينة المنورة عام ٣ ه‍ وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو أكبر أولادها كان عاقلا حليما محبا للخير ، بايعه أهل العراق بالخلافة بعد مقتل أبيه سنة ٤٠ ه‍ وأشاروا عليه بالمسير إلى الشام لمحاربة معاوية بن أبي سفيان ولكنه آثر الصلح واشترط شروطا على معاوية سنة ٤١ ه‍ وسمي هذا العام عام الجامعة توفي عام ٥٠ ه‍ راجع تهذيب التهذيب ٢ : ٢٩٥ والإصابة ١ : ٣٢٨ واليعقوبي ٢ : ١٩١.

٢٨٧

للمغيرة بن شعبة ، طعنه وهو في الصلاة ، وحين علم بالموت قال : ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عنهم راض فسمى عليا ، وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص. وجعل الخلافة شورى بينهم ، فاجتمعوا بعد دفن عمر (رضي الله عنه) فقال الزبير : قد جعلت أمري إلى علي. وقال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد : قد جعلت أمري الى عبد الرحمن بن عوف ثم جعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف ، فأخذ بيد علي (رضي الله تعالى عنه) وقال : تبايعني على كتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الشيخين. فقال : على كتاب الله ، وسنة رسول الله ، وأجتهد برأيي. ثم قال مثل ذلك لعثمان فأجابه إلى ما دعاه ، وكرر عليهما ثلاث مرات ، فأجابا بالجواب الأول ، فبايع عثمان وبايعه الناس ، ورضوا بإمامته. وقول علي (رضي الله تعالى عنه) : «وأجتهد برأيي» ليس خلافا منه في إمامة الشيخين بل ذهابا إلى أنه لا يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر ، بل عليه اتباع اجتهاده ، وكان من مذهب عثمان وعبد الرحمن أنه يجوز إذا كان الآخر أعلم وأبصر بوجوه المقاييس.

ثم خرج على عثمان بعد اثنتي عشرة سنة من خلافته رعاع وأوباش من كل أوب ، وأرذال من خزاعة ، ليس فيهم أحد من كبار الصحابة وأهل العلم ومن يعتد به من أوساط الناس. فقتلوه ظلما وعدوانا في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. ولو استحق القتل أو الخلع لما ترك أكابر الصحابة ومن بقي من أهل الشورى ، ومن المبشرين بالجنة ذلك إلى جمع من الأوباش والأرذال ومن لا سابقة له في الإسلام ، ولا علم بشيء من أمور الدين ثم اجتمع الناس بعد ثلاثة ايام على علي (رضي الله تعالى عنه) والتمسوا منه القيام بأمر الخلافة لكونه أولى الناس بذلك. وأفضلهم (١) في ذلك الزمان ، فقبله بعد امتناع كثير ومدافعة طويلة ، وبايعه جماعة ممن حضر كخزيمة بن ثابت ، وأبي الهيثم بن التيهان ، ومحمد بن مسلم ، وعمار ، وأبي موسى الأشعري ، وعبد الله بن عباس وغيرهم. وكذا طلحة والزبير ، وقد صحت توبتهما عن مخالفته ، وكذا بايعه عبد الله بن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ،

__________________

(١) في (ب) وفضلهم بدلا من «وأفضلهم» ولعل ذلك تحريف.

٢٨٨

ومحمد بن مسلمة ، إلا أنهم استعفوا (١) عن القتال مع أهل القبلة لما رووا في هذا المعنى من الأحاديث.

وبالجملة انعقدت خلافته بالبيعة ، واتفاق أهل الحل والعقد. وقد دلت عليه أحاديث كقوله (عليه‌السلام) : الخلافة بعدي ثلاثون سنة (٢).

وقوله (عليه‌السلام) لعلي (رضي الله تعالى عنه) : إنك تقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين.

وقوله (عليه‌السلام) لعمار : تقتلك الفئة الباغية. وقد قتل يوم صفين تحت راية علي (رضي الله تعالى عنه). ومن المتكلمين من يدعي الإجماع على خلافته لأنه انعقد لإجماع زمان الشورى. على أن الخلافة لعثمان أو علي. وهو إجماع على أنه لو لا عثمان فهي لعلي فحين خرج عثمان من البين بالقتل ، بقي لعلي بالإجماع.

قال إمام الحرمين : لا اكتراث بقول من قال : لا إجماع على إمامة علي (رضي الله تعالى عنه) فإن الإمامة لم تجحد له ، وإنما هاجت الفتن لأمور أخر.

قال : وأما الشيعة

(فيزعمون أن الإمام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي (كرم الله وجهه) ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي زين العابدين ، ثم محمد الباقر ، ثم جعفر الصادق ، ثم موسى الكاظم ، ثم علي الرضا ، ثم محمد الجواد ، ثم علي الزكي ، ثم الحسن العسكري ، ثم محمد المنتظر المهدي. وأنه تواتر نص كل على من بعده وأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قال للحسين : ابني هذا إمام ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم. ونحن لا نزيد على التعجب).

يعني أن الإمامية يزعمون أن الإمام الحق بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) علي ، ثم ابنه

__________________

(١) أي طلبوا أن يعفيهم من المعارك التي خاضها المسلمون في معركة الجمل وصفين.

(٢) الحديث رواه الترمذي في كتاب الفتن ٤٨ باب ما جاء في الخلافة ٢٢٢٦ ـ بسنده عن سفينة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكره. قال الترمذي : وهذا حديث حسن قد رواه غير واحد عن سعيد ابن جمهان ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن جمهان ورواه أبو داود في كتاب السنة ٨ ، وأحمد ابن حنبل في المسند ٤ : ٢٧٣ ٥ : ٤٤ ، ٥٠ : ٤٠٤ (حلبى).

٢٨٩

الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم ، ثم ابنه علي الرضا ، ثم ابنه محمد الجواد ثم ابنه علي الزكي ، ثم ابنه الحسن العسكري ، ثم ابنه محمد بن القائم المنتظر المهدي ويدعون أنه ثبت بالتواتر نص كل من السابقين على من بعده ، ويروون عن النبي أنه قال للحسين (رضي الله عنه) : ابني هذا ، إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم. ويتمسكون تارة بأنه يجب في الإمام العصمة والأفضلية ، ولا يوجدان فيمن سواهم. والعاقل يتعجب من هذه الروايات والمتواترات التي لا أثر لها في القرون السابقة من أسلافهم ، ولا رواية عن العترة الطاهرة ، ومن يوثق بهم من الرواة المحدثين. وأنه كيف يأتي من زيد بن علي (رضي الله عنه) مع جلالة قدره دعوى لخلافة؟ وكيف لم تبلغه هذه المتواترات بعد مائة وقد بلغت آحاد الروافض بعد سبعمائة؟ ثم لسائر فرق الشيعة في باب الإمامة اختلافات لا تحصى ذكر الإمام في المحصل نبذا منها.

قال : المبحث السادس ـ

(الأفضلية عندنا بترتيب الخلافة مع تردد فيما بين عثمان وعلي (رضي الله عنهما). وعند الشيعة وجمهور المعتزلة الأفضل علي. لنا إجمالا أن اتفاق أكثر العلماء على ذلك يقضي بوجود دليل لهم. وتفصيلا قوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى)(١).

نزلت في أبي بكر والأتقى أكرم وأفضل وقوله (عليه‌السلام) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (٢) فقد أمر على بالاقتداء بهما.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) هما سيدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) خير أمتي أبو بكر ثم عمر.

__________________

(١) سورة الليل آية رقم ١٧.

(٢) الحديث رواه الترمذي في المناقب ١٦ ، ٣٧ وابن ماجه في المقدمة ١١ وأحمد بن حنبل في المسند ٥ ـ ٣٨٢٠ ـ ٣٨٥ ـ ٣٩٩ ، ٤٠٢ (حلبى).

٢٩٠

وقوله (عليه‌السلام) : ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر. وفيها كثرة.

وقال (عليه‌السلام) : لو كان من بعدي نبي لكان عمر.

وقال : عثمان أخي ورفيقي في الجنة.

وقال : «ألا استحي ممن تستحي منه ملائكة السماء» (١) وقد ثبت القول بهذا عن علي وابن عمر وابن الحنفية ودل عليه ما تواتر من آثارهم وأخبارهم ومساعيهم في الإسلام ، ومن تألف القلوب وتتابع الفتوح ، وقهر أهل الردة وكسر فارس والروم ومن فتح الشرق ، وقمع دولة العجم ، وترتيب الأمور ، وإفاضته العدل ، وتقوية الضعفاء ، ومن فتح البلاد وإعلاء كلمة الله ، وجمع الناس على مصحف واحد ، وتجهيز الجيوش ، وإنفاق الأموال في نصرة الدين ، ونحو ذلك)

لما ذهب معظم أهل السنة ، وكثير من الفرق على أنه يتعين للإمامة أفضل أهل العصر إلا إذا كان في نصبه مرج وهيجان فتن احتاجوا إلى بحث الأفضلية ، فقال أهل السنة: الأفضل أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي. وقد مال البعض منهم إلى تفضيل علي (رضي الله عنه) على عثمان ، والبعض إلى التوقف فيما بينهما.

قال إمام الحرمين : مسألة امتناع إمامة المفضول ليست بقطعية ، ثم لا قاطع شاهد من العقل على تفضيل بعض الأئمة على البعض. والأخبار الواردة على فضائلهم متعارضة ، لكن الغالب على الظن أن أبا بكر أفضل ، ثم عمر. ثم يتعارض الظنون في عثمان وعلي (رضي الله عنهما) وذهب الشيعة وجمهور المعتزلة إلى أن الأفضل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علي (رضي الله عنه) لنا إجمالا أن جمهور عظماء الملة وعلماء الأمة أطبقوا على ذلك ، وحسن الظن بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوه بدلائل وأمارات لما أطبقوا عليه. وتفصيلا الكتاب ، والسنة ، والأثر ، والأمارات.

__________________

(١) الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة ، ٣ باب من فضائل عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ٣٦ ـ ٢٤٠١ بسنده عن عطاء ، وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن عائشة قالت : وذكره.

٢٩١

اما الكتاب فقوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (١)

فالجمهور على أنها نزلت في أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) والأتقى أكرم لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٢).

ولا يعني بالأفضل إلا الأكرم ، وليس المراد به عليا ، لأن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنده نعمة تجزى ، وهي نعمة التربية.

وأما السنة فقوله (عليه‌السلام) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (٣). دخل في الخطاب علي (رضي الله عنه) فيكون مأمورا بالاقتداء ولا يؤمر الأفضل ولا المساوي بالاقتداء ، سيما عند الشيعة.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بكر وعمر : هما سيّدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين (٤)

وقوله (عليه‌السلام) : خير أمتي أبو بكر ثم عمر.

وقوله (عليه‌السلام) : ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدم عليه عنده.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : لو كنت متخذا خليلا دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن هو شريك في ديني وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار ، وخليفتي في أمتي (٥)

__________________

(١) سورة الليل آية رقم ١٧.

(٢) سورة الحجرات آية رقم ١٣.

(٣) سبق تخريج هذا الحديث.

(٤) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب المناقب ١٦ باب في مناقب أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما كليهما ٢٦٦٤ بسنده عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذكره. قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

(٥) الحديث رواه ابن ماجه في المقدمة ١١ باب في فضائل أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ٩٣ بسنده عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذكره ورواه الترمذي في كتاب المناقب ١٤ باب مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه ٣٦٥٥ بسنده عن أبي الأحوص عن عبد الله عن رسول الله. قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

٢٩٢

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : وأين مثل أبي بكر ، كذبني الناس وصدقني ، وآمن بي وزوجني ابنته، وجهز لي بماله ، واساني بنفسه ، وجاهد معي ساعة الخوف.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لأبي الدرداء حين كان يمشي أمام أبي بكر : أتمشي أمام من هو خير منك؟ والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر.

ومثل هذا الكلام وإن كان ظاهره نفي أفضلية الغير ، لكن إنما يساق لإثبات أفضلية المذكور. ولهذا أفاد أن أبا بكر أفضل من أبي الدرداء والسر في ذلك أن الغالب من حال كل اثنين هو التفاضل دون التساوي ، فإذا نفى أفضلية أحدهما لآخر ، ثبت أفضلية الآخر ، وبمثل هذا ينحل الإشكال المشهور على قوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «من قال حين يصبح وحين يمسي: «سبحان الله وبحمده» مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه» (١) لأنه في معنى أن من قال ذلك فقد أتى بأفضل مما جاء به كل أحد إلا احدا قال مثل ذلك أو زاد عليه. فالاستثناء بظاهره من النفي ، وبالتحقيق من الإثبات.

وعن عمرو بن العاص ، قلت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : أي الناس أحب إليك؟ قال : عائشة قلت : من الرجال؟ قال : أبوها ، قلت : ثم من؟ قال : عمر (٢).

وقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لو كان بعدي نبي لكان عمر.

وعن عبد الله بن حنطب أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) رأى أبا بكر وعمر فقال : هذان السمع والبصر.

وأما الأثر ، فعن ابن عمر ، كنا نقول ورسول الله حي : أفضل أمة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بعده

__________________

(١) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ٦١ باب ٣٤٦٩ بسنده عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب.

(٢) الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب فضائل الصحابة ٥ باب قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو كنت متخذا خليلا» قاله أبو سعيد. ٣٦٦٢ ـ حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا عبد العزيز بن المختار قال : خالد الحذاء ، حدثنا عن أبي عثمان. قال حدثني عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ، أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعثه على جيش ذات السلاسل ، فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ..؟ فقال : وذكره.

٢٩٣

أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان.

وعن محمد ابن الحنفية ، قلت لأبي : أي الناس خير بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قال : أبو بكر قلت : ثم من؟ قال : عمر. وخشيت أن أقول. ثم من ، فيقول عثمان فقلت : ثم أنت ، قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين. وعن علي (رضي الله عنه) : خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثم عمر ، ثم الله أعلم.

وعنه (رضي الله عنه) لما قيل له : ما توصي؟ قال : ما أوصى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) حتى أوصي ولكن إن أراد الله بالناس خيرا جمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.

وأما الأمارات فما تواتر في أيام أبي بكر من اجتماع الكلمة ، وتألف القلوب وتتابع الفتوح وقهر أهل الردة وتطهير جزيرة العرب عن الشرك ، وإجلاء الروم عن الشام وأطرافها ، وطرد فارس عن حدود السواد ، وأطراف العراق مع قوتهم وشوكتهم ووفور أموالهم ، وانتظام أحوالهم وفي أيام عمر من فتح جانب المشرق إلى أقصى خراسان ، وقطع دولة العجم وثل عرشهم الراسبي البنيان ، الثابت الأركان. ومن ترتيب الأمور ، وسياسة الجمهور ، وإفاضة العدل ، وتقوية الضعفاء ، ومن إعراضه من متاع الدنيا وطيباتها وملاذها وشهواتها. وفي أيام عثمان من فتح البلاد ، وإعلاء لواء الإسلام ، وجمع الناس على مصحف واحد مع ما كان له من الورع والتقوى ، وتجهيز جيوش المسلمين (١) ، والإنفاق في نصرة الدين ، والمهاجرة هجرتين ، وكونه ختنا للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) على ابنتين ، والاستحياء من أدنى شين ، وتشرفه بقوله (عليه‌السلام) : عثمان أخي ورفيقي في الجنة ، وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : ألا أستحي ممن تستحي منه ملائكة السماء (٢). وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : إنه رجل يدخل الجنة بغير حساب.

قال : تمسكت الشيعة

__________________

(١) يقول عبد الرحمن بن خباب ـ رضي الله عنه شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يحث على تجهيز جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال : يا رسول الله عليّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال : عليّ ثلاثمائة بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فقال رسول الله : ما على عثمان ما فعل بعد هذه.

(٢) سبق تخريج هذا الحديث.

٢٩٤

(بقوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) أراد عليا. وقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(٢).

وعلي (رضي الله عنه) منهم. وقوله تعالى : (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٣).

وهو علي وبقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وقوله : أقضاكم علي. وقوله : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء علي. وقوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى (٤) .. إلى غير ذلك. وبأنه أعلم حتى استند رؤساء العلوم إليه ، وأخبر بذلك في خبر الوسادة ، وأشهد على ما يشهد به غزواته ، حتى قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) «لضربة علي خير من عبادة الثقلين» وأزهد حتى طلق الدنيا بكليتها ، وأكثر عبادة وسخاوة ، وأشرف خلقا وطلاقة ، وأفصح لسانا ، وأسبق إسلاما.

والجواب أن الكلام في الأفضلية بمعنى الكرامة عند الله ، وكثرة الثواب ، وقد شهد في ذلك عامة المسلمين ، واعترف علي (رضي الله عنه) به. وعارض ما ذكرتم ما ذكرنا ، مع أن فيه مواضع بحث لا تخفى ، سيما حديث سبق الإسلام والسيف في إعلاء الأعلام).

القائلون بأفضلية علي (رضي الله عنه) تمسكوا بالكتاب والسنة والمعقول.

أما الكتاب فقوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ..) (٥) الآية.

__________________

(١) سورة آل عمران آية رقم ٦١.

(٢) سورة الشورى آية رقم ٢٣.

(٣) سورة التحريم آية رقم ٤.

(٤) سبق تخريج هذا الحديث.

(٥) سورة آل عمران آية رقم ٦١.

٢٩٥

عنى بانفسنا عليا (رضي الله تعالى عنه) وإن كان صيغة جمع ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا وفد نجران إلى المباهلة ، وهو الدعاء على الظالم من الفريقين خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي ، وهو يقول لهم : إذا أنا دعوت فأمنوا ، ولم يخرج معه من بني عمه غير علي (رضي الله عنه) ولا شك أن من كان بمنزلة نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أفضل.

وقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١)

قال سعيد بن جبير : لما نزلت هذه الآية ، قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين تودّهم؟ قال : علي وفاطمة وولداها. ولا يخفى أن من وجبت محبته بحكم نص الكتاب كان أفضل. وكذا من ثبت نصرته للرسول بالعطف في كلام الله تعالى عنه على اسم الله وجبريل مع التعبير عنه بصالح المؤمنين ، وذلك قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).

فعن ابن عباس (رضي الله عنه) أن المراد به علي.

وأما السنة ، فقوله (عليه‌السلام) : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب» ولا خفاء في أن من ساوى هؤلاء الأنبياء في هذه الكمالات كان أفضل. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «أقضاكم علي» (٣) والأقضى أكمل وأعلم. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير» فجاءه علي فأكل معه. والأحب إلى الله أكثر ثوابا ، وهو معنى الأفضل ، وبقوله (عليه‌السلام) : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»(٤) ولم يكن عند موسى أفضل من هارون. وقوله (عليه‌السلام) : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٥) الحديث ، وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يوم خيبر : لأعطين هذه الراية غدا رجلا

__________________

(١) سورة الشورى آية رقم ٢٣.

(٢) سورة التحريم آية رقم ٤.

(٣) الحديث أخرجه الإمام البخاري في تفسير سورة ٢ : ٧ وابن ماجه في المقدمة ١١ ورواه الإمام أحمد ابن حنبل في المسند ٥ : ١١٢ (حلبي).

(٤) سبق تخريج هذا الحديث.

(٥) سبق تخريج هذا الحديث.

٢٩٦

يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فلما أصبح الناس ، غدوا على رسول الله كلهم يرجون أن يعطاها. فقال أين علي بن أبي طالب؟ قالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال : فأرسلوا إليه. فأتي به. فبصق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فيهما فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية (١).

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : أنا دار الحكمة ، وعلي بابها.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لعلي : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وذلك حين آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال : آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «لمبارزة علي عمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : «أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ومن أحبك فقد أحبني وحبيبي حبيب الله. ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله. فالويل لمن أبغضك بعدي».

وأما المعقول فهو أنه أعلم الصحابة لقوة حدسه وذكائه ، وشدة ملازمته للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) واستفادته منه. وقد قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) حين نزل قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)(٢)

اللهم اجعلها أذن علي. قال علي : ما نسيت بعد ذلك شيئا ، وقال : علمني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ألف باب من العلم فانفتح لي من كل باب ألف باب. ولهذا رجعت الصحابة إليه في كثير من الوقائع واستند العلماء في كثير من العلوم إليه كالمعتزلة

__________________

(١) الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب فضائل الصحابة ٩ باب مناقب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه. ٣٧٠١ ـ حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه أن رسول الله قال : وذكره. وفيه زيادة «فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم».

(٢) سورة الحاقة آية رقم ١٢ والحديث رواه ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا العباس ابن الوليد بن صبيح الدمشقي حدثنا زيد بن يحيى حدثنا علي بن حوشب سمعت مكحولا يقول وذكره.

٢٩٧

والأشاعرة في علم الأصول ، والمفسرين في علم التفسير ، فإن رئيسهم ابن عباس تلميذ له.

والمشايخ في علم السر وتصفية الباطن ، فإن المرجع فيه إلى العترة الطاهرة. وعلم النحو إنما ظهر منه. وبهذا قال : لو كسرت الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم. والله ما من آية نزلت في بر أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل ، أو نهار إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وفي أي شيء نزلت.

وأيضا هو أشجعهم يدل عليه كثرة جهاده في سبيل الله ، وحسن إقدامه في الغزوات ، وهي مشهورة غنية عن البيان ، ولهذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا فتى إلا علي ، ولا سيف إلا ذو الفقار.

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يوم الأحزاب : لضربة علي خير من عبادة الثقلين.

وأيضا هو أزهدهم لما تواتر من إعراضه عن لذات الدنيا مع اقتداره عليها لاتساع أبواب الدنيا عليه. ولهذا قال : يا دنيا إليك عني ، إليّ تعرضت أم إليّ تشوقت ، لا حان حينك ، هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وحظك يسير ، وأملك حقير. وقال : والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم. وقال : والله لنعيم دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز.

وأيضا هو أكثرهم عبادة حتى روي أن جبهته صارت كركبة البعير لطول سجوده.

وأكثرهم سخاوة حتى نزل فيه وفي أهل بيته : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (١).

وأشرفهم خلقا وطلاقة وجه ، حتى نسب إلى الدعابة ،

__________________

(١) سورة الإنسان آية رقم ٨ قال عطاء عن ابن عباس وذلك أن علي بن أبي طالب نوبة أجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة ، حتى أصبح وقبض الشعير وطحن ثلثه ، فجعلوا منه شيئا ليأكلوه ، يقال له ـ

٢٩٨

وأحلمهم حتى ترك ابن ملجم في دياره وجواره يعطيه العطاء ، مع علمه بحاله ، وعفا عن مروان حين أخذ يوم الجمل مع شدة عداوته له ، وقوله فيه : سيلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر.

وأيضا هو أفصحهم لسانا على ما يشهد به كتاب نهج البلاغة ، وأسبقهم إسلاما على ما روي أنه بعث النبي يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء.

وبالجملة فمناقبه أظهر من أن تخفى ، وأكثر من أن تحصى.

والجواب أنه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله ، واتصافه بالكمالات ، واختصاصه بالكرامات ، إلا أنه لا يدل على الأفضلية بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله بعد ما ثبت من الاتفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضلية أبي بكر ، ثم عمر. والاعتراف من علي بذلك. على أن فيما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصل (١) مثل : أن المراد بأنفسنا نفس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كما يقال : دعوت نفسي إلى كذا وأن وجوب المحبة وثبوت النصرة على تقدير تحققه في حق علي (رضي الله عنه) فلا اختصاص به (٢). وكذا الكمالات الثابتة للمذكورين من الأنبياء ، وأن «أحب خلقك» يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه ، عملا بأدلة أفضليتهما ، ويحتمل أن يراد «أحب الخلق إليك» في أن يأكل منه. وأن حكم الأخوة ثابت في حق أبي بكر وعثمان (رضي الله عنهما) أيضا حيث قال في حق أبي بكر : لكنه أخي وصاحبي ووزيري ، وقال في عثمان : أخي ورفيقي في الجنة وأما حديث العلم والشجاعة ، فلم تقع حادثة إلا ولأبي بكر وعمر فيه رأي ، وعند الاختلاف لم يكن يرجع إلى قول علي (رضي الله تعالى عنه) البتة بل قد وقد. ولم يكن رباط الجأش وشجاعة القلب وترك الاكتراث في المهالك في أبي بكر أقل من أحد ، سيما فيما وقع بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) من حوادث يكاد يصيب وهنا في الإسلام. وليس الخير في هداية من

__________________

ـ الخزيرة ، فلم تم نضجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ، ثم عمل الثلث الثاني ، فلما تم نضجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي ، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك ، فأنزلت فيه هذه الآيات.

(١) في (ب) اللبيب بدلا من (المحصل).

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (عنده).

٢٩٩

اهتدى ببركة أبي بكر ويمن دعوته ، وحسن تدبيره أقل من الخير في قتل من قتله علي (رضي الله تعالى عنه) من الكفار ، بل لعل ذلك أدخل في نصرة الإسلام وتكثير أمة النبي(صلى‌الله‌عليه‌وسلم) :

وأما حديث زهدهما في الدنيا ، فغني عن البيان. وأما السابق إسلاما ، فقيل : علي وقيل : زيد بن حارثة (١) وقيل : خديجة. وقيل : أبو بكر ، وعليه الأكثرون ، على ما صرح به حسان بن ثابت في شعر أنشده على رءوس الأشهاد ، ولم ينكر عليه أحد. وقيل : أول من آمن به من النساء خديجة (رضي الله تعالى عنها) ومن الصبيان علي (رضي الله تعالى عنه) ومن العبيد زيد بن حارثة ، ومن الرجال الأحرار أبو بكر (رضي الله تعالى عنه) وبه اقتدى جمع من العظماء كعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي عبيدة بن الجراح وغيرهم. والإنصاف أن مساعي أبي بكر وعمر في الإسلام أمرا على الشأن ، جلي البرهان ، غني عن البيان.

قال : وأما بعدهم

وأما بعدهم فقد ثبت أن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن العشرة الذين منهم الأئمة الأربعة مبشرون بالجنة ، ثم الفضل بالعلم والتقوى ، وإنما اعتبار النسب في الكفاءة لأمر يعود إلى الدنيا ، وفضل العترة الطاهرة بكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة على ما يشير إليه ضمهم إلى كتاب الله في انفاد التمسك بهما عن الضلالة).

ما ذكر من أفضلية بعض الأفراد بحسب التعيين أمر ذهب إليه الأئمة ، وقامت عليه الأدلة.

__________________

(١) هو زيد بن حارثة بن شراحيل ، صحابي اختطف في الجاهلية صغيرا ، واشترته خديجة بنت خويلد فوهبته إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فتبناه النبي ـ قبل الإسلام ـ وأعتقه وزوجه بنت عمته ، واستمر الناس يسمونه «زيد بن محمد» حتى نزلت آية (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) وهو من أقدم الصحابة إسلاما ، وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يبعثه في سرية إلا أمره عليها ، وكان يحبه ويقدمه ، وجعل له الإمارة في غزوة موتة توفي عام ٨ ه‍ راجع الإصابة ١ : ٥٦٣ ، وصفة الصفوة ١ : ١٤٧ وخزانة البغدادي ١ : ٣٦٣ وابن النديم في ترجمة هشام الكلبي والروض الأنف ١ : ١٦٤.

٣٠٠