شرح المقاصد - ج ٥

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٥

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

ذلك عادة ، وهم حقيقة).

بوجوب نصب الإمام على الله تعالى بأنه لطف من الله في حق العباد. أما عند الملاحدة فليتمكنوا به من تحصيل المعرفة الواجبة ، إذ نظر العقل غير كاف في معرفة الله تعالى (١) ، وأما عند الإمامية فلأنه إذا كان لهم رئيس قاهر يمنعهم من المحظورات ويحثهم على الواجبات كانوا معه أقرب الى الطاعات ، وأبعد عن المعاصي منهم بدونه واللطف واجب على الله لما سبق.

والجواب إجمالا منع المقدمتين والقدح فيما يورد لإثباتهما على ما سبق من حال الكبرى ، وتفصيلا أنه إنما يكون لطفا إذا خلا عن جميع جهات القبح. وهو ممنوع ، والسند ما مر مع وجوه أخر مثل أن أداء الواجب وترك القبيح مع عدم الإمام أكثر ثوابا ، لكونهما أشق وأقرب إلى الإخلاص لاحتمال انتفاء كونهما من خوف الإمام ، وأيضا فإنما يجب لو لم يقم لطف آخر مقامه كالعصمة (٢) مثلا ، فلم لا يجوز أن يكون زمان يكون الناس فيه معصومين مستغنين عن الإمام ، والقول بأنا نعلم قطعا أن اللطف الذي يحصل بالإمام لا يحصل لغيره مجرد دعوى ربما تعارض بأنا نعلم قطعا جواز حصوله لغيره. وهذا كدعوى القطع بانتفاء المفاسد في نصب الإمام ، وكونه مصلحة خالصة. وأيضا إنما يكون منفعة ولطفا واجبا إذا كان ظاهرا قاهرا زاجرا عن القبائح ، قادرا على تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء الإسلام ، وهذا ليس بلازم عندكم ، فالإمام الذي ادعيتم وجوبه ليس بلطف. والذي هو لطف ليس بواجب.

وأجاب الشيعة بأن وجود الإمام لطف سواء تصرف أو لم يتصرف على ما نقل عن علي (كرم الله وجهه) أنه قال : لا تخلو الأرض من إمام قائم لله بحجة ، إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مخمورا لئلا يبطل حجج الله وبيناته. وتصرفه الظاهر لطف

__________________

(١) تقول الحكمة الصينية : محال على من يفنى أن يكشف النقاب الذي تنقب به من لا يفنى قيل : فما بال العقل ..؟ قال : العقل قاصر لا يدل إلا على قاصر مثله». راجع كتابنا «مع الإلحاد وجها لوجه».

(٢) العصمة : ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها ، والعصمة المؤثمة : هي التي يجعل من هتكها آثما ، والعصمة المقومة هي التي يثبت بها للإنسان قيمة بحيث من هتكها فعليه القصاص أو الدية.

٢٤١

آخر ، وإنما عدم من جهة العباد وسوء اختيارهم حيث أخافوه وتركوا نصرته ففوتوا اللطف على أنفسهم. ورد أولا بأنا لا نسلم أن وجوده بدون التصرف لطف.

فإن قيل : لأن المكلف إذا اعتقد وجوده كان دائما يخاف ظهوره وتصرفه فيمتنع من القبائح.

قلنا : مجرد الحكم بخلقه وإيجاده في وقت ما كاف في هذا المعنى ، فإن ساكن القرية إذا انزجر عن القبيح خوفا من حاكم من قبل السلطان مختف في القرية ، بحيث لا أثر له ، كذلك ينزجر خوفا من حاكم علم أن السلطان يرسله إليها البتة متى شاء. وليس هذا خوفا من المعدوم ، بل من موجود مترقب ، كما أن خوف الأول من ظهور مترقب ، وثانيا بأنه ينبغي أن يظهر لأوليائه الذين يبذلون الأرواح والأموال على محبته ، وليس عندهم منه إلا مجرد الاسم.

فإن قيل : لعله ظهر لهم وأنتم عنه غافلون.

قلنا : عدم ظهوره لهم من العاديات التي لا ارتياب فيها لعاقل. كعدم بحر من المسك وجبل من الياقوت ، ولو سلم فالأولياء (١) إذا عرفوا من أنفسهم أنه لم يظهر لهم توجه الإشكال عليهم.

قال : احتجت الخوارج

(بأن في نصبه إثارة الفتنة ، لأن الأهواء متخالفة ربما لا تتفق على واحد. رد بأن اعتبار جهات الترجيح وحرمة المخالفة بعد بيعة البعض تدفع الفتنة. ولو سلم ففتنة عدم الإمام أشد).

__________________

(١) الولي : فعيل بمعنى الفاعل ، وهو من توالت طاعته من غير أن يتخللها عصيان ، أو بمعنى المفعول ، فهو من يتوالى عليه إحسان الله وإفضاله ، والولي : هو العارف بالله وصفاته بحسب ما يمكن المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي ، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات. والولاية : من الولي ، وهو القرب فهي قرابة حكمية حاصلة من العتق ، أو من الموالاة والولاية ، هي قيام العبد بالحق عند الغناء عن نفسه ، والولاية في الشرع : تنفيذ القول على الغير ، شاء هذا الغير أو أبى عن ذلك. والله أعلم.

٢٤٢

القائلون بعدم وجوب نصب الإمام ، احتجوا بأن في نصبه إثارة الفتنة ، لأن الأهواء متخالفة والآراء متباينة ، فيميل كل حزب إلى واحد ، وتهيج الفتن وتقوم الحروب. وما هذا شأنه لا يجب بل كان ينبغي أن لا يجوز إلا ان احتمال الاتفاق على الواحد أو تعينه وتفرده باستجماع الشرائط ، أو ترجحه من بعض الجهات منع الامتناع ، وأوجب الجواز.

والجواب أن اعتبار الترجح كما قيل يقدم الأعلم ، ثم الأورع ، ثم الأسن ، أو انعقاد الأمر ، وانسداد طريق المخالفة بمجرد بيعة البعض ولو واحدا يدفع الفتنة ، مع أن فتنة النزاع في تعيين الإمام بالنسبة إلى مفاسد عدم الإمام ملحقة بالعدم. لا يقال : الاحتجاج المذكور على تقدير تمامه لا ينفي الوجوب على الله ، ولا على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالنص ولا على الإمام السابق بالاستخلاف ، لأنا نقول : المقصود نفي ما يراه الجمهور من الوجوب على العباد إذا لم ينصب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ولم يستخلف الإمام السابق.

قال : المبحث الثاني

(التكليف (١) والحرية والذكورة والعدالة ، وذلك ظاهر. وزاد الجمهور الشجاعة ليقيم الحدود ، ويقاوم الخصوم ، والاجتهاد ليقوم بمصالح الدين ، وإصابة الرأي ليقوم الأمور. وكونه قريشيا لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) «الأئمة من قريش (٢). الولاية من قريش ، قدموا قريشا ولا تقدموها».

وخالفت الخوارج وأكثر المعتزلة لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «أطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع» (٣).

__________________

(١) التكليف : الزام الكلفة على المخاطب.

(٢) رواه الإمام أحمد في المسند ٣ : ١٢٩ ، ١٨٣ ، ٤ : ٤٢١ (حلبى).

(٣) الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب الحج ٥١ باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وبيان قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتأخذن مناسككم ٣١١ ـ ١٢٩٨ ـ بسنده عن يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال : سمعتها تقول: حججت مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حجة الوداع فرأيته حتى رمى جمرة العقبة ـ

٢٤٣

ولأنه لا عبرة بالنسب في مصالح الملك والدين. ورد بحمل الحديث على غير الإمام جمعا بين الأدلة ، وبأن لشرف الأنساب أثرا في جمع الآراء وبذل الطاعة ، ولا أشرف من قريش ، سيما وقد ظهر منهم خير الأنبياء ، نعم إذا لم يقتدر على اعتبار الشرائط ، جاز لابتناء الأحكام المتعلقة بالإمام على كل ذي شوكة نصب أو استولى).

يشترط في الإمام أن يكون مكلفا ، حرا ، ذكرا ، عدلا. لأن غير العاقل من الصبي والمعتوه قاصر عن القيام بالأمور على ما ينبغي. والعبد مشغول بخدمة السيد ، لا يفرغ للأمر ، مستحقر في أعين الناس ، لا يهاب ولا يمتثل أمره ، والنساء ناقصات عقل ودين ، ممنوعات عن الخروج الى مشاهد الحكم ومعارك الحرب. والفاسق لا يصلح لأمر الدين ولا يوثق بأوامره ونواهيه. والظالم يختل به أمر الدين والدنيا ، وكيف يصلح للولاية. وما الوالي إلا لدفع شره. أليس بعجيب استرعاء الذئب!

وأما الكافر فأمره ظاهر ، وزاد الجمهور اشتراط أن يكون شجاعا ، لئلا يجبن عن إقامة الحدود ومقاومة الخصوم ، مجتهدا في الأصول والفروع ليتمكن من القيام بأمر الدين ، ذا رأي في تدبير الأمور لئلا يخبط في سياسة الجمهور. ولم يشترطها بعضهم لندرة اجتماعها في الشخص وجواز الاكتفاء فيها بالاستعانة من الغير بأن يفوض أمر الحروب ومباشرة الخطوب إلى الشجعان ، ويستفتي المجتهدين في أمور الدين ، ويستشير أصحاب الآراء الصائبة في أمور الملك. واتفقت الأمة على اشتراط كونه قرشيا أي من أولاد نضر بن كنانة خلافا للخوارج وأكثر المعتزلة. لنا السنة والإجماع ، أما السنة فقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «الأئمة من قريش» (١) وليس المراد إمامة الصلاة اتفاقا ، فتعينت الإمامة الكبرى ، وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) الولاة من قريش ما أطاعوا الله واستقاموا لأمره. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : قدموا قريشا ولا تقدموها. وأما الإجماع فهو أنه لما قال الأنصار يوم السقيفة : منا

__________________

ـ وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الشمس قالت : فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قولا كثيرا ثم سمعته يقول : «إن أمر عليكم عبد أسود مجدع يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا».

(١) سبق تخريج هذا الحديث في هذا الجزء

٢٤٤

امير ومنكم أمير ، منعهم أبو بكر (رضي الله عنه) بعدم كونهم من قريش ، ولم ينكره عليه أحد من الصحابة ، فكان إجماعا احتج المخالف بالمنقول والمعقول ، أما المنقول فقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع» (١). وأجيب بأن ذلك في غير الإمام من الحكام جمعا بين الأدلة ، وأما المعقول فهو أنه لا عبرة بالنسب في القيام بمصالح الملك والدين ، بل للعلم والهدى والبصيرة (٢) في الأمور والخبرة بالمصالح والقوة على الأهوال ، وما أشبه ذلك. وأجيب بالمنع ، بل إن لشرف الأنساب وعظيم قدرها في النفوس أثرا تاما في اجتماع الآراء ، وتألف الأهواء ، وبذل الطاعة والانقياد وإظهار آثار الاعتقاد. ولهذا شاع في الأعصار أن يكون الملك والسياسة في قبيلة مخصوصة ، وأهل بيت معين حتى يرى الانتقال عنه من الخطوب العظيمة ، والاتفاقات العجيبة. ولا أليق بذلك من قريش الذين هم أشرف الناس ، سيما وقد اقتصر عليهم ختم الرسالة وانتشرت منهم الشريعة الباقية إلى يوم القيامة. وأما إذا لم يوجد من قريش من يصلح لذلك أو لم يقتدر على نصبه لاستيلاء أهل الباطل وشوكة الظلمة ، وأرباب الضلالة فلا كلام في جواز تقلد القضاء ، وتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود ، وجميع ما يتعلق بالإمام من كل ذي شوكة ، كما إذا كان الإمام القريشي فاسقا أو جائرا ، أو جاهلا ، فضلا ان يكون مجتهدا.

وبالجملة مبنى ما ذكر في باب الإمامة على الاختيار والاقتدار ، وأما عند العجز والاضطرار واستيلاء الظلمة والكفار والفجار وتسلط الجبابرة الأشرار فقد صارت الرئاسة الدنيوية تغلبية ، وبنيت عليها الأحكام الدينية المنوطة بالإمام ضرورة ، ولم يعبأ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط والضرورات تبيح المحظورات. وإلى الله المشتكى في النائبات ، وهو المرتجى لكشف الملمات.

قال : واشترطت الشيعة

__________________

(١) سبق تخريج هذا الحديث في هذا الجزء قريبا.

(٢) البصيرة : قوة للقلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها بمثابة البصر للنفس يرى بها صور الأشياء وظواهرها ، وهي التي يسميها الحكماء العاقلة النظرية والقوة القدسية.

٢٤٥

(أن يكون هاشميا بل علويا ، ؛ وعالما بكل أمر حتى المغيبات ، قولا بلا حجة ، مع مخالفة الإجماع. وأن يكون أفضل أهل زمانه ، لأن تقديم المفضول قبيح عقلا. ونقل عن الأشعري (١) : تحصيلا لغرض نصبه ، وقياسا على النبوة. ورد بالقدح في قاعدة القبح ، مع أن تقديم المفضول ربما يكون أصلح ، والبعثة من قبل الحكيم العليم ، فيختار الأفضل ، بل تحصل الأفضلية بالبعثة. وقد يحتج لتقديم المفضول بالإجماع بعد الخلفاء ، وبالشورى ، وبخفاء الأفضلية عن الخلق في الأغلب)

أمورا منها : أن يكون هاشميا ، أي من أولاد هاشم بن عبد مناف أبي عبد المطلب. وليس لهم في ذلك شبهة فضلا عن حجة وإنما قصدهم نفي إمامة أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) ومنهم من اشترط كونه علويا نقيا لخلافة بني العباس ، وكفى بإجماع المسلمين على إمامة الأئمة الثلاثة حجة عليهم. ومنها أن يكون عالما بكل الأمور ، وأن يكون مطلعا على المغيبات ، وهذه جهالة تفرد بها بعضهم. ومنها أن يكون أفضل أهل زمانه لأن قبح تقديم المفضول على الأفضل في إقامة قوانين الشريعة وحفظ حوزة الإسلام معلوم للعقلاء ، ولا ترجيح في تقديم المساوى ، ونقل مثل ذلك عن الأشعري حتى لا تنعقد إمامة المفضول مع وجود الأفضل ، لأن الأفضل أقرب إلى انقياد الناس له ، واجتماع الآراء على متابعته ، ولأن الإمامة خلافة عن النبي (٢) (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فيجب أن يطلب لها من له رتبة أعلى ، قياسا على النبوة. وأجيب بأن القبح بمعنى استحقاق تاركه الذم والعقاب عند الله ممنوع ، وبمعنى عدم ملائمته بمجاري العقول والعادات غير مقيد ، مع أنه أيضا في حيز المنع. إذ ربما يكون المفضول أقدر على القيام بمصالح الدين والملك. ونصبه أوقع لانتظام

__________________

(١) هو على بن إسماعيل بن إسحاق أبو الحسن من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري ، مؤسس مذهب الأشاعرة ولد عام ٢٦٠ ه‍ ، وتوفي عام ٣٢٤ ه‍ راجع طبقات الشافعية ٢ : ٢٤٥ والمقريزي ٢ : ٣٥٩ وابن خلكان ١ : ٣٢٦ والبداية والنهاية ١١ : ١٨٧ ودائرة المعارف الإسلامية ٢ : ٢١٨.

(٢) النبي : من أوحى الله إليه بواسطة ملك ، أو ألهم في قلبه أو نبه بالرؤيا الصالحة ، فالرسول أفضل بالوحي الخاص الذي فوق وحي النبوة ، لأن الرسول : هو من أوحى إليه جبرائيل خاصة بتنزيل الكتاب من الله.

٢٤٦

حال الرعية وأوثق في اندفاع الفتنة. وهذا بخلاف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فإنه مبعوث من العليم الحكيم الذي يختار من يشاء من عباده لنبوته ، ويوحي إليه مصالح الملك والملة ، ويراه أهلا لتبليغ ما أوحى إليه بمشيئته فيدل ذلك قطعا على أفضليته وإليه الإشارة بقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(١)

وقد يحتج بجواز تقديم المفضول بوجوه :

الأول ـ إجماع العلماء بعد الخلفاء الراشدين على انعقاد الإمامة لبعض (٢) القرشيين مع أن فيهم من هو أفضل منه.

الثاني ـ أن عمر (رضي الله عنه) جعل الإمامة شورى بين ستة من غير نكير عليه. مع أن فيهم عثمان وعليا ، وهما أفضل من غيرهم إجماعا ، ولو وجب تعيين الأفضل لعينهما.

الثالث ـ أن الأفضلية أمر خفي قلما يطلع عليه أهل الحل والعقد وربما يقع فيه النزاع ويتشوش الأمر. وإذا أنصفت فتعيين الأفضل متعسر في أقل فرقة من فرق الفاضلين ، فكيف في قريش مع كثرتهم وتفرقهم في الأطراف (٣) وأنت خبير بأن هذا وأمثاله على تقدير تمامه إنما يصلح للاحتجاج (٤) على أهل الحق ، دون الروافض (٥) فإن الإمام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق.

قال : وأن يكون معصوما.

(بوجوه : الأول ـ القياس على النبوة بجامع إقامة الشريعة ، وحماية البيضة.

__________________

(١) سورة يونس آية رقم ٣٥.

(٢) في (ب) لبعض من القرشيين بدلا من «لبعض القرشيين».

(٣) في (ب) أطراف البلاد بدلا من (الأطراف).

(٤) سقط من (ب) لفظ (للاحتجاج).

(٥) الرافضة الذين كانوا مع زيد بن علي ثم تركوه لأنهم طلبوا إليه أن يتبرأ من الشيخيين فقال : لقد كانا وزيري جدي فلا أتبرأ منهما فرفضوه وتفرقوا عنه ، والزيدية من الشيعة ، وقد يطلق بعض الناس اسم الرفض على كل من يتولى أهل البيت وعلى هذا جاء قول الذي يقول :

إن كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان أني رافض

٢٤٧

ورد بأن نصب الإمام إلى العباد الذين لا طريق لهم إلى معرفة عصمته بخلاف النبي. والنبي واجب الاتباع من غير تردد ورجوع إلى أحد ، فعدم عصمته فيما يتعلق بالشريعة ، ربما يفضي إلى الإخلال ، وينفر عن الاتباع ، بخلاف الإمام.

الثاني ـ أنه واجب الإطاعة بالنص والإجماع فلو لم تجب عصمته ، لجاز كذبه في بيان الطاعات والمعاصي ، فيلزم وجوب اجتناب الطاعة وارتكاب المعصية ، ورد بأنه إنما يطاع فيما لا يخالف الشرع ، ويكفي في الوثوق به العلم والعدالة والإسلام ، ولا يمتنع عند مخالفته والمراجعة الى العلماء.

الثالث ـ أن غير المعصوم ظالم لأن المعصية ظلم على النفس أو الغير ، فلا ينال عهد الإمامة بالنص والإجماع. ورد بأن عصمته لا يوجب العصيان ، فضلا عن الظلم الذي هو أخص. على أن المراد في الآية عهد النبوة والإجماع عندكم ليس بحجة ما لم يشتمل على قول المعصوم. فإثبات العصمة به دور.

الرابع ـ أنه إنما يحتاج إليه لجواز الخطأ علينا (١). فلو جاز عليه لافتقر إلى إمام آخر ويتسلسل. ورد بأن وجوب نصبه شرعي للإجماع ، لا عقلي لجواز الخطأ. ولو سلم ، فلمصالح لا تحصى (٢). ولو سلم ، ففي العلم والعدالة ومراجعة الكتاب الكريم (٣) والسنة [النبوية المطهرة] (٤) وعلماء الأمة غنية عن العصمة.

الخامس ـ أنه شرع حافظا. فلو جاز خطأه لصار ناقصا ، ورد بأنه حافظ بالأدلة ، والاجتهاد لا بالذات. فعند الخطأ أو المعصية يرد ويصد. والشرع لا ينتقض ولا ينتقص.

السادس ـ أنه لو أقدم على المعصية ، فإما أن يجب الإنكار عليه فيضاد وجوب الإطاعة أو لا ، فيخالف قيام الأدلة. ورد بأن وجوب طاعته إنما هو فيما لا يخالف الشرع.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (علينا).

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (كثيرة).

(٣) سقط من (أ) لفظ (الكريم).

(٤) سقط من (أ) النبوية المطهرة.

٢٤٨

السابع ـ أنه لا طريق إلى نقل الشريعة مدى الأيام إلا بعصمة الإمام ، إذ قد لا يوجد أهل التواتر في كل من الأحكام ، ورد بأن الظن كاف في البعض ، فيكفي الآحاد ، والقطعي إلى أهل التواتر (١) أو الإجماع (٢)).

من معظم الخلافيات مع الشيعة اشتراطهم أن يكون الإمام معصوما ، وقد عرفت معنى العصمة ، وأنها لا تنافي القدرة على المعصية ، بل ربما يستلزمها ، واحتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم ، وإن كانوا معصومين بمعنى أنهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها. وحاصل هذا دعوى الإجماع على عدم اشتراط العصمة في الإمام ، وإلا فليس الإجماع على عدم وجوب عصمة الشخص كثير معنى. وقد يحتج كثير بأن العصمة مما لا سبيل للعباد إلى الاطلاع عليه. فإيجاب نصب إمام معصوم يعود إلى تكليف ما ليس في الوسع. وفي انتهاض الوجهين على الشيعة نظر. والظاهر أنه لا حاجة إلى الدليل على عدم اشتراط ، وإنما يحتاج إليه في الاشتراط. وقد احتجوا بوجوه :

الأول ـ القياس (٣) على النبوة بجامع إقامة الشريعة ، وتنفيذ الأحكام وحماية حوزة الإسلام.

ورد بأن النبي مبعوث من الله ، مقرون دعواه بالمعجزات الباهرة الدالة على عصمته من الكذب وسائر الأمور المخلة بمرتبة النبوة ، ومنصب الرسالة ، ولا كذلك الإمام ، فإن نصبه مفوض إلى العباد الذين لا سبيل لهم إلى معرفة عصمته واستقامة سريرته. فلا وجه لاشتراطها. وأيضا النبي يأتي بالشريعة التي لا علم للعباد بها إلا من جهته. فلو لم يكن معصوما عن الكذب في تبليغها والفسق في تعاطيها ، وقد لزمنا

__________________

(١) التواتر : هو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب.

(٢) الإجماع في اللغة : العزم والاتفاق ، وفي الاصطلاح اتفاق المجتهدين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر على أمر ديني.

(٣) القياس في اللغة : عبارة عن التقدير يقال : قست النعل بالنعل إذا قدرته وسويته ، وهو عبارة عن رد الشيء إلى نظيره ، وفي الشريعة : عبارة عن المعنى المستنبط من النص لتعدية الحكم من المنصوص عليه إلى غيره وهو الجمع بين الأصل والفرع في الحكم.

٢٤٩

امتثاله فيما أمر ونهى. واعتقاد إباحة ما جرى عليه ومضى ، لكانت المعجزة التي أقامها الله تعالى لصحة الرسالة والهدى ، وانتظام أمر الدين والدنيا مفضية إلى الضلالة والردى ، واختلال حال العاجلة والعقبى.

الثاني ـ أن الإمام واجب الطاعة بالنص والإجماع قال الله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١)

وكل واجب الطاعة واجب العصمة ، وإلا لجاز أن يكذب في تقرير الأوامر ، والنواهي ، وينهى عن الطاعات ، ويأمر بالمعاصي. فيل~زم وجوب اجتناب الطاعة وارتكاب العصيان ، واللازم ظاهر البطلان.

والجواب أن وجوب طاعته إنما هو فيما لا يخالف الشرع بشهادة قوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٢)

ويكفي في عدم كذبه في بيان الأحكام العلم والعدالة والإسلام ، وهذا ما يقال إنما يجب عصمته لو كان وجوب طاعته بمجرد قوله ، وأما إذا كان لكونه حكم الله ورسوله فيكفي العلم والعدالة كالقاضي والوالي بالنسبة إلى الخلق. والشاهد بالنسبة إلى الحاكم ، والمفتي بالنسبة إلى المقلد ، وأمثال ذلك. على أن الإجماع عند الشيعة ، إنما يكون حجة لاشتماله على قول المعصوم. فإثبات العصمة به دور.

الثالث ـ أن غير المعصوم ظالم ، لأن المعصية على النفس أو على الغير ، ولا شيء من الظالم بأهل للإمامة لقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٣).

والمراد عهد الإمامة بقرينة السياق ، وهو قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) (٤)

__________________

(١) سورة النساء آية رقم ٥٩.

(٢) سورة النساء آية رقم ٥٩.

(٣) سورة البقرة آية رقم ١٢٤.

(٤) سورة البقرة آية رقم ١٢٤.

٢٥٠

والجواب أن غير المعصوم أي من ليس له ملكة العصمة لا يلزم أن يكون عاصيا بالفعل ، فضلا ان يكون ظالما ، فإن المعصية أعم من الظلم وليس كل عاص ظالما على الإطلاق ولو سلم فدلالة الآية على صدق الكبرى لا يتم لجواز أن يكون المراد عهد النبوة والرسالة على ما هو رأي اكثر المفسرين ، نعم لا يبعد إثباته بالإجماع وفيه ما مرّ.

الرابع ـ أن الأمة إنما يحتاجون إلى الإمام لجواز الخطأ عليهم في العلم والعمل. ولذلك يكون الإمام لطفا لهم. فلو جاز الخطأ على الإمام لوجب له إمام آخر ويتسلسل (١). وشبه ذلك بانتهاء سلسلة الممكنات إلى الواجب لئلا يلزم التسلسل.

والجواب أن وجوب الإمام شرعي بمعنى أنه أوجب علينا نصبه ، لا عقلي مبني على جواز الخطأ على الأمة كما زعمتم ، لأن في الشريعة القائمة إلى القيامة غنية عنه لو لا إيجاب الشارع والضرر المظنون من عدمه يندفع بعلمه ، واجتهاده ، وظاهر عدالته ، وحسن اعتقاده ، وإن لم يكن معصوما. ألا يرى ان الخطأ جائز على المعصوم أيضا لما عرفت من أن العصمة لا تزيل المحنة ، وإن لم يندفع بذلك فكفى بخير الأمم وعلماء الشرع مانعا دافعا.

الخامس ـ أنه حافظ للشريعة. فلو جاز الخطأ عليه لكان ناقضا لها حافظا فيعود على موضوعه بالنقض.

والجواب أنه ليس حافظا لها بذاته. بل بالكتاب والسنة ، وإجماع الأمة ، واجتهاده الصحيح. فإن اخطأ في اجتهاده أو ارتكب معصية فالمجتهدون يردون ، والآمرون بالمعروف يصدون ، وإن لم يفعلوا أيضا ، فلا نقض (٢) للشريعة

__________________

(١) التسلسل : هو ترتيب أمور غير متناهية ، وأقسامه أربعة لأنه لا يخفى إما أن يكون في الآحاد المجتمعة في الوجود ، أو لم يكن فيها كالتسلسل في الحوادث.

(٢) النقض لغة : الكسر ، وفي الاصطلاح هو بيان تخلف الحكم المدعي بثبوته أو نفيه عن دليل المعلل الدال عليه في بعض من الصور فإن وقع بمنع شيء من مقدمات الدليل على الإجمال سمي نقضا إجماليا لأن حاصله يرجع إلى منع شيء من مقدمات الدليل على الإجمال ، وإن وقع بالمنع المجرد ، أو مع السند سمي نقضا تفصيليا لأنه منع مقدمة معينة. وقيل النقض : وجود العلة بلا حكم.

٢٥١

القويمة ، ولا نقض على الطريقة المستقيمة.

السادس ـ أنه لو أقدم على المعصية ، فإما أن يجب الإنكار عليه وهو مضاد لوجوب إطاعته الثابت بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)

فيلزم اجتماع الضدين ، وإما أن لا يجب وهو خلاف النص والإجماع.

والجواب أن وجوب الطاعة إنما هو فيما لا يخالف الشرع. وأما فيما يخالفه فالرد والإنكار ، وإن لم يتيسر فسكوت عن اضطرار.

السابع ـ أنه لا بد للشريعة من ناقل ، ولا يوجد في كل حكم حكم أهل التواتر معنعنا إلى انقراض العصر. فلم يبق إلا أن يكون إماما معصوما عن الخطأ.

والجواب أن الظن كاف في البعض ، فينقل بطريق الآحاد من الثقات. وأما القطعي فإلى أهل التواتر ، أو جميع الأمة ، وهم أهل عصمة عن الخطأ ، فلا حاجة إلى معصوم بالمعنى الذي قصد. ثم ـ وليت شعري ـ بأي طريق نقلت الشريعة إلى الشيعة من الإمام الذي لا يوجد منه إلا الاسم.

قال : وأما اشتراط :

(وأما اشتراط المعجزة والعلم بالمغيبات واللغات والحرف والصناعات وطبائع الأغذية والأدوية وعجائب البر والبحر والسماء والأرض فمن الخرافات).

قد اشترط الغلاة من الروافض أن يكون الإمام صاحب معجزة عالما بالغيوب ، وبجميع اللغات ، وبجميع الحرف والصناعات وبطبائع الأغذية والأدوية ، وبعجائب البر والبحر والسماء والأرض. وهذه خرافات مفضية إلى نفي الإمام ورفض الشريعة والأحكام.

قال : المبحث الثالث ـ

(المبحث الثالث ـ الإمامة تثبت عند أكثر الفرق باختيار أهل الحل والعقد وإن قلوا للإجماع على إمامة أبي بكر من غير نص ولا توقف إلى اتفاق الكل. وعلى

٢٥٢

اشتغال الصحابة بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وبعد عثمان (رضي الله تعالى عنه) بالبيعة والاختيار من غير تكبير وخالفت الشيعة بوجوه :

الأول ـ أن من الشروط ما لا يعلمه أهل البيعة كالعصمة والأفضلية ، والعلم بالدين كله.

قلنا : لو سلم الاشتراط فالظن كاف.

الثاني ـ أن ليس إليهم تولية مثل القضاء والاحتساب. فهذا أولى.

قلنا : لو سلم فلوجود الإمام.

الثالث ـ أن في ذلك إثارة الفتنة كما في زمن علي (رضي الله تعالى عنه) ومعاوية.

قلنا : الكلام فيما إذا أذعنوا للحق واعتبروا جهات الترجيح. ولو سلم ، ففتنة عدم الإمام أضعاف ذلك ، إذ التقدير عدم النص. وإلا فلا اختيار عليه.

الرابع ـ أن مختار أهل البيعة يكون خليفة منهم لا من الله ورسوله.

قلنا : قام دليل الشرع (١) على أن من اختاروه فهو خليفة الله ورسوله.

الخامس ـ إذا عقد أهلان لأهلين ولم يعلم السبق ، لزم خلو الزمان (٢) عن الإمام إذ لا سبيل إلى تصحيحهما ولا إبطالهما ولا تعيين الصحيح منهما ، ولا نصب ثالث.

قلنا : بل يرجح أحدهما أو ينصب ثالث ، ولا فساد.

السادس ـ أنه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لم يكن ترك الاستخلاف في أدنى غيبة ، ولا البيان في أدنى ما

__________________

(١) الشرع في اللغة : عبارة عن البيان والإظهار ، يقال : شرع الله كذا أي جعله طريقا ومذهبا ومنه المشرعة.

(٢) الزمان هو مقدار حركة الفلك الأطلس عند الحكماء وعند المتكلمين عبارة عن متجدد معلوم يقدر به متجدد آخر موهوم كما يقال آتيك عند طلوع الشمس فإن طلوع الشمس معلوم ومجيئه موهوم فإذا قرن ذلك الموهوم بذلك المعلوم زال الإيهام.

٢٥٣

يحتاج إليه ، فكيف في غيبة الوفاة وفي أساس المهمات.

السابع ـ أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أرأف بأمته من الأب لولده ، فكيف ترك الوصية لهم إلى أحد؟

الثامن ـ قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١).

والإمامة من معظمات أمر الدين ، فكيف تهمل؟ قلنا : التفويض إلى اختيارهم واجتهادهم نوع استخلاف وتوصية وإكمال.)

في طريق ثبوتها اتفقت الأمة على أن الرجل لا يصير إماما بمجرد صلاحيته للإمامة واجتماع الشرائط فيه ، بل لا بد من أمر آخر به تنعقد الإمامة وهي طرق ، منها متفق عليه ، ومنها مختلف فيه. فالمختلف فيه المردود الدعوة بأن يباين الظلمة من هو أصل للإمامة ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويدعو إلى اتباعه. قال به غير الصالحية من الزيدية ، ذاهبين إلى أن كل فاطمي خرج شاهرا لسيفه ، داعيا إلى سبيل ربه. فهو إمام. ولم يوافقهم على ذلك إلا الجبائي (٢). والمختلف فيه المقبول عندنا وعند المعتزلة والخوارج ، والصالحية (٣) خلافا للشيعة هو اختيار أهل الحل والعقد وبيعتهم من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك ، ولا عدد محدود ، بل ينعقد بعقد واحد منهم ، ولهذا لم يتوقف أبو بكر (رضي الله تعالى عنه) إلى انتشار الأخبار في الأقطار ، ولم ينكر عليه أحد.

وقال عمر (رضي الله تعالى عنه) لأبي عبيدة : ابسط يدك أبايعك ، فقال : أتقول هذا وأبو بكر حاضر ، فبايع أبا بكر ، وهذا مذهب الأشعري (٤). إلا أنه يشترط أن يكون العقد بمشهد من الشهود لئلا يدعي آخر أنه عقد عقدا سرا متقدما على هذا العقد. وذهب أكثر المعتزلة إلى اشتراط عدد خمسة ممن يصلح للإمامة أخذا من

__________________

(١) سورة المائدة آية رقم ٣.

(٢) سبق الترجمة له في كلمة وافية.

(٣) الصالحية : أصحاب الصالحي ، وهم جوزوا قيام العلم والقدرة ، والسمع والبصر مع الميت ، وجوزوا خلو الجوهر عن الأعراض كلها.

(٤) سبق الترجمة له في كلمة وافية.

٢٥٤

أمر الشورى. لنا على كون البيعة والاختيار طريقا أن الطريق إما النص وإما الاختيار. والنص منتف في حق أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) مع كونه إماما بالإجماع ، وكذا في حق علي عند التحقيق. وأيضا اشتغل الصحابة (رضي الله تعالى عنهم) بعد وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (١) ومقتل عثمان (رضي الله تعالى عنه) باختيار الإمام ، وعقد البيعة من غير نكير ، فكان إجماعا على كونه طريقا ، ولا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك احتجت الشيعة بوجوه:

الأول ـ أن الإمام يجب أن يكون معصوما أفضل من رعيته. عالما بأمر الدين كله. ولا سبيل إلى معرفة ذلك بالاختيار ، ورد بمنع المقدمتين فقد سبق عدم اشتراط الأمور ، وعلم بالضرورة حصول الظن لأهل الحل والعقد بالصفات المذكورة.

الثاني ـ أن أهل البيعة لا يقدرون على تولية مثل القضاء والاحتساب ، ولا على التصرف في فرد من آحاد الأمة ، فكيف يقدرون على تولية الرئاسة الكبرى وعلى أقدار الغير على التصرف في أمر الدين والدنيا لكافة الأمة. ورد بمنع الصغرى ، فإن التحكيم جائز عندنا والشاهد يجعل القاضي قادرا على التصرف في الغير ، ولو سلم فذلك لوجود من إليه التولية وهو الإمام ، ولا كذلك إذا مات ، ولا إمام غيره.

الثالث ـ أن الإمامة لإزالة الفتن وإثباتها بالبيعة مظنة إثارة الفتن لاختلاف الآراء ، كما في زمن علي (رضي الله تعالى عنه) ومعاوية ، فتعود على موضوعها بالنقض. ورد بأنه لا فتنة عند الانقياد للحق. فإن جهات الترجيح من السبق وغير معلومة من الشريعة. ونزاع معاوية لم يكن في إمامة علي (رضي الله عنه) بل في أنه هل يجب عليه بيعته قبل الاقتصاص من قتلة عثمان؟ وأما عند الترفع والاستيلاء

__________________

(١) مات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعلم المسلمون بوفاته ووصل خبر وفاته إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه وأخذه الخبر من كل جانب وأسقط في يده حتى قال : من قال إن محمدا قد مات أخذت رقبته بهذا السيف حتى جاء أبو بكر وتلا قول الله تعالى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ). فعاد عمر إلى صوابه ـ ثم ذهب مع أبي بكر إلى سقيفة بني ساعده فوجدا فيها الأنصار وتشاوروا في الأمر ثم اشتد الأمر حتى قالت الأنصار لأبي بكر منا أمير ومنكم أمير ثم حسم هذا الأمر ببيعة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه.

٢٥٥

فالفتنة (١) قائمة ولو مع قيام النص. ولو سلم ، فالكلام فيما إذا لم يوجد النص إذ لا عبرة بالبيعة والاختيار على خلاف ما ورد به النص ، ولا خفاء في أن الفتنة القائمة من عدم الإمام أضعاف فتنة النزاع في تعيينه.

الرابع ـ أن الإمامة خلافة الله (٢) ورسوله فتتوقف على استخلافهما بوسط أو لا بوسط. والثابت باختيار الأمة لا يكون خلافة منهما ، بل من الأمة ، ورد بأنه لما قام الدليل من قبل الشارع وهو الإجماع على أن من اختاره الأمة خليفة لله ورسوله ، كان خليفة سقط ما ذكرتم ، ألا ترى أن الوجوب بشهادة الشاهد (٣) وقضاء القاضي ، وفتوى المفتي حكم الله لا حكمهم. على أن الإمام وإن كان نائبا لله فهو نائب للأمة أيضا.

الخامس ـ أن القول بالاختيار يؤدي إلى خلو الزمان عن الإمام ، وهو باطل بالاتفاق ، وذلك فيما إذا عقد أهل بلدتين لمستعدين ، ولم يعلم السبق. فإنه لا يمكن الحكم بصحتهما لاحتمال المقارنة ، ولا بفسادهما لاحتمال السبق ، ولا بتعين الصحيح لعدم الوقوف ، وحينئذ لا يمكن نصب إمام آخر لاحتمال كونه ثانيا ، ورد بأنه ينصب إمام بعدم العلم بوجود الإمام على أنه يمكن الترجيح بجهاته.

السادس ـ أن سيرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وطريقته على أنه كان لا يترك الاستخلاف على المدينة وغيرها من البلاد في غيبة مدة قليلة ، ولا البيان في أدنى ما يحتاج إليه من الفرائض والسنن والآداب ، حتى في أمر قضاء الحاجة ، ومسح الخف ، ونحو ذلك ، فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة والبيان فيما هو أساس المهمات؟

والجواب أن ذلك مجرد استبعاد على أن التفويض إلى اختيار أهل (٤) الحل

__________________

(١) الفتنة : ما يتبين به حال الإنسان من الخير والشر يقال : فتنت الذهب بالنار إذا أحرقته بها لتعلم أنه خالص أو مشوب ، ومنه الفتانة ، وهو الحجر الذي يجرب به الذهب والفضة.

(٢) في (ب) خلافة رسول الله بدلا من (خلافة الله ورسوله).

(٣) الشاهد : في اللغة عبارة عن الحاضر ، وفي اصطلاح القوم عبارة عما كان حاضرا في قلب الإنسان ، وغلب عليه ذكره فإن كان الغالب عليه العلم فهو شاهد العلم ، وإن كان الغالب عليه الوجد فهو شاهد الوجد ، وإن كان الغالب عليه الحق فهو شاهد الحق.

(٤) في (ب) أصحاب بدلا من (أهل).

٢٥٦

والعقد واجتهاد أرباب أولي الألباب نوع استخلاف وبيان كما في كثير من فروع الإيمان.

السابع ـ أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كان لأمته بمنزلة الأب الشفيق لأولاده الصغار ، وهو لا يترك الوصية في الأولاد إلى واحد يصلح لذلك. فكذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حق الأمة.

الثامن ـ قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١)

ولا خفاء في أن الإمامة من معظمات أمر الدين ، فيكون قد بينها وأكملها إما في كتابه وإما على لسان نبيه.

والجواب عنهما بمثل ما سبق.

قال : خاتمة

(عقد الإمامة ينحل بما يخل بمقصودها كالردة ، والجنون ، وبعض الأمراض ، وبخلعه نفسه بسبب ، وبالغلبة عليه إذا صار إماما بالغلبة. واختلف في خلعه نفسه بلا سبب ، وفي انعزاله بالفسق).

ينحل عقد الإمامة بما يزول به مقصود الإمامة كالردة والجنون المطبق ، وصيرورته أسيرا لا يرجى خلاصه ، وكذا بالمرض الذي ينسيه العلوم وبالعمى ، والصمم والخرس ، وكذا بخلعه نفسه لعجزه عن القيام بمصالح المسلمين ، وإن لم يكن ظاهرا ، بل استشعره في نفسه. وعليه يحمل خلع الحسن (رضي الله تعالى عنه) نفسه. وأما خلعه لنفسه بلا سبب ففيه خلاف. وكذا في انعزاله بالفسق. والأكثرون على أنه لا ينعزل. وهو المختار من مذهب الشافعي (رضي الله تعالى عنه) وأبي حنيفة ، وعن محمد (رضي الله تعالى عنهما) روايتان. ويستحق العزل بالاتفاق. ومن صار إماما بالقهر والغلبة ينعزل بأن يقهره آخر ويغلبه. وأما القاضي فينعزل بالفسق على الأظهر.

__________________

(١) سورة المائدة آية رقم ٣ وتكملة الآية (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٢٥٧

قال : المبحث الرابع ـ

(الجمهور على أنه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لم ينص على إمام. وقيل : نص على أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) نصا خفيا. وقيل : جليا. وقالت الشيعة : على علي (كرم الله وجهه) خفيا. والإمامية منهم : جليا أيضا ورد بوجهين :

الأول ـ لو كان نص جلي في مثل هذا الأمر العلي لاشتهر وظهر على أجلة الصحابة الذين لهم زيادة قرب واختصاص بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فلم يتوقفوا عن الإذعان ، ولم يترددوا حين اجتمعوا لهذا الشأن. ولم يختلفوا في التعيين ، ولم يشكوا في الحق اليقين. والقول بأنهم كتموه بغضا وحسدا ، أو عنادا ولددا ، أو اعتمادا لنسخه حين لم يعمل المحقون على دفعه ، ولم يتمسك به المستحق لإثبات حقه افتراء واجتراء وطعن في عظماء الأحياء ، بل في خير الأنبياء ، بل في الكتاب الناطق لهم بالثناء. والعاقل المنصف لا يظن بجماعة وصفهم الله تعالى بكونهم خير الأمم (١) واتخذهم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أمناء شريعة ، وهداة طريقة مع علمه بحالهم ومآلهم ، واشتهر عدلهم وهداهم ، وتركهم هواهم ، وبذلهم الأموال والأنفس في محبته ، وقتلهم الأقارب والعشائر لنصرته ، واتباع شريعته (٢) أنهم خالفوه قبل أن يدفنوه ، وعدلوا عن الحق ، وخذلوه ، ونصروا على الباطل وأيدوه ، ومنعوا المستحق حقه وكتموه ، ولم يقم هو بإظهاره وإعلانه مع علو شأنه وكثرة أعوانه كما قام به من غير تبعية حين أفضى الأمر إليه ، وأقام الحجة والبرهان والسيف والسنان عليه. مع أن الخطب إذ ذاك أشد ، والخصم ألد ، والمخالف لا يحويه الحد ، ولا يحصيه العد.

الثاني ـ أمارات ربما يفيد باجتماعها القطع بعدم النص ، كقول العباس لعلي ، وعمر لأبي عبيدة : امدد يدك أبايعك ، وقول أبي بكر : بايعوا عمر أو أبا عبيدة.

__________________

(١) قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ).

(٢) قال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ـ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ).

٢٥٨

وقوله : وددت أني سألت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عن هذا الأمر فيمن هو. وكقبول علي الشورى ، وكقوله لطلحة : إن أردت بايعتك ، وكاحتجاجه على معاوية بالبيعة له دون النص عليه. وكمعاضدته لأبي بكر وعمر في الأمور ، وإشارته عليهما بما هو أصلح ، وكسكوته عن النص عليه في خطبه وكتبه. ومفاخراته ، ومخاطباته. وكإنكار زيد ابن علي مع علو رتبته ذلك ، وكذا كثير من عظماء أهل البيت).

ذهب جمهور أصحابنا والمعتزلة ، والخوارج ، إلى ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لم ينص على إمام بعده. وقيل : نص على أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) فقال الحسن البصري : (١) نصا خفيا ، وهو تقديمه إياه في الصلاة. وقال بعض أصحاب الحديث : نصا جليا ، وهو ما روي أنه (عليه‌السلام) قال : ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف فيه اثنان ، ثم قال : يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر (٢). وقيل : نص على علي (رضي الله تعالى عنه). وهو مذهب الشيعة. أما النص الخفي ، وهو الذي لا يعلم المراد منه بالضرورة فبالاتفاق ، وأما النص الجلي فعند الإمامية دون الزيدية ، وهو قوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : سلموا عليه بإمرة المؤمنين. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) مشيرا إليه وآخذا بيده هذا خليفتي فيكم من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : أنت الخليفة من بعدي. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وقد جمع بني عبد المطلب : أيكم يبايعني ويؤازرني يكن أخي ووصيي وخليفتي من بعدي. فبايعه علي (رضي الله عنه) ثم استدل أهل الحق بطريقين : أحدهما ـ أنه لو كان نص جلي ظاهر المراد في مثل هذا الأمر الخطير المتعلق بمصالح الدين والدنيا لعامة الخلق لتواتر واشتهر فيما بين الصحابة ، وظهر على أجلتهم الذين لهم زيادة قرب بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) واختصاص بهذا الأمر بحكم العادة. واللازم منتف. وإلا لم يتوقفوا عن الانقياد له والعمل بموجبه. ولم يترددوا حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الإمام ، ولم يقل الأنصار : «منا أمير ، ومنكم أمير» ولم تمل طائفة إلى أبي بكر (رضي الله عنه) وأخرى إلى علي (رضي الله عنه) وأخرى الى العباس

__________________

(١) هو الحسن بن يسار البصري ، أبو سعيد تابعي ، كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمانه ، وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك ، ولد بالمدينة عام ٢١ ه‍ وتوفي عام ١١٠ ه‍ أخباره كثيرة ، وله كلمات سائرة ، وكتاب في فضائل مكة.

٢٥٩

(رضي الله عنه) ولم يقل عمر (رضي الله عنه) لأبي عبيدة (رضي الله عنه) : «امدد يدك أبايعك» ولم يترك المنصوص عليه محاجة القوم ومخاصمتهم ، وادعاء الأمر له والتمسك بالنص عليه.

فإن قيل : علموا ذلك وكتموه لأغراض لهم في ذلك ، كحب الرئاسة ، والحقد على علي (رضي الله تعالى عنه) لقتله أقرباءهم وعشائرهم ، وحسدهم إياه على ما له من المناقب ، والكمالات وشدة الاختصاص بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وظنهم أن النص قد لحقه النسخ (١) لما رأوا من ترك كبار الصحابة العمل به ، إلى غير ذلك ، وترك علي (رضي الله عنه) المحاجة به تقية وخوفا من الأعداء وقلة وثوق بقبول الجماعة.

قلنا : من كان له حظ من الديانة والإنصاف علم قطعا براءة أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وجلالة أقدارهم عن مخالفة امره في مثل هذا الخطب الجليل ، ومتابعة الهوى ، وترك الدليل ، واتباع خطوات الشيطان والضلال عن سواء السبيل ، وكيف بظن بجماعة رضي الله عنهم ، وآثرهم الله لصحبة رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ونصرة دينه ، ووصفهم بكونهم خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وقد تواتر منهم الإعراض عن متاع الدنيا وطيباتها وزخارفها ومستلذاتها ، والإقبال على بذل مهجهم وذخائرهم ، وقتل أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول الله ، وإقامة شريعته ، وانقياد أمره واتباع طريقته ، أنهم خالفوه قبل أن يدفنوه وتركوا هداهم ، واتبعوا هواهم ، وعدلوا عن الحق الصحيح إلى الباطل الصريح ، وخذلوا مستحقا من بني هاشم وخاص ذوي القربى إلى غاصب من بني تيم أو عدي بن كعب ، وأن مثل علي (رضي الله عنه) مع صلابته في الدين وبسالته. وشدة شكيمته وقوة عزيمته ، وعلو شأنه ، وكثرة أعوانه ، وكون أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار معه قد ترك حقه ، وسلم الأمر لمن لا يستحقه ، من شيخ من بني تيم ضعيف الحال ، عديم المال ، قليل الأتباع والأشياع ، ولم يقم بأمره ، وطلب حقه ، كما قام به حين أفضي

__________________

(١) النسخ في اللغة : عبارة عن التبديل والرفع والإزالة يقال : نسخت الشمس الظل أزالته ، وفي الشريعة ، هو بيان انتهاء الحكم الشرعي في حق صاحب الشرع ، وكان انتهاؤه عند الله تعالى معلوما إلا أن في علمنا كان استمراره ودوامه وبالناسخ علمنا انتهاؤه وكان في حقنا تبديلا وتغييرا.

٢٦٠