شرح المقاصد - ج ٥

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٥

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

تُكَذِّبُونَ) (١) (بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) (٢).

ومثل : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً ...) (٣) إلى قوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) (٤).

والجواب الدفع بالتخصيص ، وبالحمل على التغليظ ، وبصرف المطلق ، إلى الكمال ، ونحو ذلك. وللقائلين بكونه منافقا بأن عصيانه دليل على كذبه في دعوى التصديق ، وبأن النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) جعل الكذب والخيانة وإخلاف الوعد من علامات النفاق.

وأجيب بمنع الأول ، وحمل الثاني على تهويل شأن تلك المعاصي.)

كما اختلفت الأمة في حكم صاحب الكبيرة ، فكذلك في اسمه ، بعد الاتفاق على تسميته فاسقا ، فعندنا مؤمن ، وعند المعتزلة لا مؤمن ، ولا كافر ، ويسمون ذلك المنزلة بين المنزلتين ، وعند الخوارج كافر. وعند الحسن البصري (٥) منافق ، وقد فرغنا من إقامة الأدلة ، ودفع شبه المعتزلة المبنية على كون الأعمال من الإيمان ، فالآن نشير إلى دفع باقي شبههم ، وشبه الخوارج ، ومن يسميه بالمنافق ، فمن شبه المعتزلة ما احتج به واصل بن عطاء على عمرو بن عبيد (٦) ، حتى رجع إلى مذهبه وهو أنه اجتمعت الأمة على أن صاحب الكبيرة فاسق. واختلفوا في كونه مؤمنا أو كافرا ، فوجب ترك المختلف ، والأخذ بالمتفق عليه.

والجواب أن هذا ترك للمتفق عليه ، وهو أنه إما مؤمن أو كافر ، ولا وساطه

__________________

(١) سورة السجدة آية ٢٠.

(٢) سورة البلد آية رقم ١٩.

(٣) سورة الزمر آية رقم ٧١.

(٤) سورة الزمر آية رقم ٧٣.

(٥) سبق الترجمة له في الجزء الأول في كلمة وافية.

(٦) هو عمرو بن عبيد بن باب التيمي بالولاء أبو عثمان البصري شيخ المعتزلة في عصره ، ومفتيها وأحد الزهاد المشهورين كان جده من سبى فارس ، وأبوه نساجا ثم شرطيا للحجاج في البصرة ، واشتهر عمر بعلمه وزهده وأخباره مع المنصور العباسي وغيره ، وفيه قال المنصور : كلكم طالب صيد.

غير عمر بن عبيد له رسائل وخطب كثيرة وكتب منها التفسير ، والرد على القدرية توفي بمران قرب مكة عام ١٤٤ ه‍ راجع وفيات الأعيان ١ : ٣٨٤ والبداية والنهاية ١٠ : ٧٨ وميزان الاعتدال ٢ : ٢٩٤.

٢٠١

بينهما ، وأخذ بما لم يقل به أحد فضلا عن الاتفاق.

ومنها أن للفاسق بعض أحكام المؤمن المطلق كعصمة الدم والمال والإرث من المسلم ، والمناكحة ، والغسل ، والصلاة عليه ، والدفن في مقابر المسلمين. وبعض أحكام الكافر كالذم واللعن ، وعدم أهلية الإمامة ، والقضاء والشهادة. فيكون له منزلة بين المنزلتين فلا يكون مؤمنا ولا كافرا.

والجواب أن هذا إنما يتم لو كان ما جعلتموه أحكام الكافر خواصه التي لا تتجاوزه إلى المؤمن أصلا ، كما في أحكام المؤمن ، وهذا نفس المتنازع. فإنها عندنا تهم الكافر وبعض المؤمنين ، وفي كلام المتأخرين من المعتزلة ما يرفع النزاع ، وذلك أنهم لا ينكرون وصف الفاسق بالإيمان بمعنى التصديق أو بمعنى إجراء الأحكام ، بل بمعنى استحقاق غاية المدح والتعظيم ، وهو الذي نسميه الإيمان الكامل ، ونعتبر فيه الأعمال ، وننفيه عن الفساق ، فيكون لهم منزلة بين منزلة هذا النوع من الإيمان وبين منزلة الكفر بالاتفاق ، وكأنه رجوع عن المذهب وإعراض ، كما يقال في نفي الصفات : أنا نريد ما هو من قبيل الإعراض ، وإلا فقد ماؤهم. يصرحون بأن من أخل بالطاعة ليس بمؤمن بحسب الشرع ، بل بمجرد اللغة ، وبأن القول بتعدد القديم كفر من غير فرق بين العرض وغيره.

وأما الخوارج فمذهب جمهورهم إلى أن كل معصية كفر. ومنهم من فرق بين الصغيرة والكبيرة ، وتمسكوا بوجوه :

الأول ـ النصوص الناطقة بكفر العصاة كقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١)

وقوله تعالى في تارك الحج : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٢)

وقوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٣)

__________________

(١) سورة المائدة آية رقم ٤٤.

(٢) سورة آل عمران آية رقم ٩٧.

(٣) سورة النور آية رقم ٥٥.

٢٠٢

حصر الفسق على الكافر ، فيكون كل فاسق كافرا وكقول النبي (عليه‌السلام) : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (١).

وقوله : «ومن مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا» (٢).

قلنا : المراد بما أنزل الله هو التوراة بقرينة قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) إلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٣).

فيختص من لم يحكم باليهود ، ولأنا لم نتعبد بالحكم بالتوراة. على أنه لو كان للعموم ، فسلب العموم احتمال ظاهر. ثم التعبير عن ترك الحج بالكفر استعظام له ، وتغليظ في الوعيد عليه. وكذا الحديث الوارد في هذا المعنى في ترك الصلاة عمدا مع احتمال الاستحلال. والمراد بالفاسقين في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤).

الكاملون في الفسق والمتمردون المنهمكون في الكفر ، للقطع بأن الفسق لا ينحصر في الكفر بعد الإيمان.

الثاني ـ الآيات الدالة على انحصار العذاب في الكفار مع قيام الأدلة على أن الفاسقين يعذبون كقوله تعالى : (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٥) (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) (٦) (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٧).

قلنا : المراد الكامل الهائل من العذاب ، والخزي والنار للقطع بتعذيب غير المكذبين ، أو الحصر غير حقيقي ، بل بالإضافة إلى المتقين ، فلا يمنع دخول

__________________

(١) الحديث رواه ابن ماجه في كتاب الفتنة ٢٣ باب الصبر على البلاء ٤٠٣٤ بسنده عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال أوصاني خليلي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلفظ (أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر».

(٢) سبق تخريج هذا الحديث.

(٣) سورة المائدة آية رقم ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٧.

(٤) سورة النور آية رقم ٥٥.

(٥) سورة طه آية رقم ٤٨.

(٦) سورة النحل آية رقم ٢٧.

(٧) سورة الليل آية رقم ١٤ ، ١٥ ، ١٦.

٢٠٣

الفاسقين ، وإن كانوا مؤمنين.

الثالث ـ الآيات الدالة على أن الفاسق مكذب بالقيامة أو بآيات الله ، ولا شك أن المكذب بها كافر كقوله تعالى :

(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (١)

وقوله تعالى : (يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ..) إلى قوله : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (٢)

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) (٣)

فإنه يفيد قصر المسند على المسند إليه كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (٤) (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥) (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) (٦)

فيكون كل من هو من أصحاب المشأمة ، مكذبا بالآيات نجعلها كبرى لقولنا : الفاسق من أصحاب المشأمة ، ونجعل النتيجة صغرى لقولنا : كل مكذب بآيات الله كافر.

قلنا : لا خفاء في أن كل فاسق ليس بمكذب (٧) ، فيحمل الأوليان على الكفار المكذبين ، والثالثة على التأكيد دون القصر ، ولو سلم ، فمثله عند كون المسند إليه موصولا أو معرفا باللام يكون لقصر المسند إليه على المسند كقولهم : الكرم هو التقوى ، والحسب هو المال ، والعالم هو المتقي ، فيكون المعنى أن كل مكذب

__________________

(١) سورة السجدة آية رقم ٢٠.

(٢) سورة المدثر الآيات رقم ٤١ ـ ٤٦.

(٣) سورة البلد آية رقم ١٩.

(٤) سورة الدرايات آية رقم ٥٨.

(٥) سورة البقرة آية رقم ٥ وسورة آل عمران آية رقم ١٠٤ وسورة التوبة آية رقم ٨٨.

(٦) سورة الحشر آية رقم ٢٠.

(٧) في (ب) كذاب بدلا من (بمكذب).

٢٠٤

بالآيات فهو من أصحاب المشأمة ولا ينعكس كليا.

الرابع ـ ما يدل على كون الكافر في مقابلة المتقي من غير ثالث. ولا شك أن الفاسق ليس بمتق (١) فيكون كافرا ، وذلك قوله تعالى :

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً ..) إلى قوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) (٢)

قلنا : لا دلالة على نفي قسم ثالث.

الخامس ـ أن الفاسق آيس من روح الله. وكل من هو كذلك فهو كافر لقوله تعالى : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٣)

قلنا : الصغرى ممنوعة ، فإنه ربما يرجو العفو من الله تعالى ، أو التوبة من نفسه ، وبهذا يندفع ما يقال : إن العاصي من المعتزلة يلزم ان يكون كافرا لكونه آيسا ، فإنه وإن لم يعتقد العفو فليس بآيس من توفيق التوبة.

فإن قيل : هو يعتقد أنه ليس بمؤمن شرعا ، وكل من كان كذلك فهو كافر.

أجيب بمنع الكبرى. وأما القائلون بكون الفاسق منافقا فتمسكوا بوجهين : عقلي ، وهو أن إقدامه على المعصية المفضية إلى العذاب يدل على أنه كاذب في دعوى تصديقه بما جاء به النبي (عليه‌السلام) كمن ادعى أنه يعتقد أن في هذا الجحر حية ، ثم يدخل فيها يده.

ونقلي ، وهو قوله (عليه‌السلام) : «آية المنافق ثلاث : إذا وعد أخلف ، وإذا حدث كذب وإذا ائتمن خان» (٤).

والجواب عن الأول أنه وإن كان يخاف العذاب ، لكن يرجو الرحمة ، ويأمل

__________________

(١) في (ب) تقيا بدلا من (بمتق).

(٢) سورة الزمر آية رقم ٧٣.

(٣) سورة يوسف آية رقم ٨٧.

(٤) الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ٢٥ باب بيان خصال المنافق ١٠٧ ـ (٥٩) ـ بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذكره. ورواه الإمام البخاري في كتاب الإيمان ٢٤ وكتاب الأدب ٦٩ والإمام الترمذي في الإيمان ١٤.

٢٠٥

توفيق التوبة ، أو يلهيه عن آجل العقوبة عاجل اللذة ، بخلاف حديث الجحر والحية.

وعن الثاني بأنه مع كونه من الآحاد ليس على ظاهره وفاقا للقطع بأن من وعد غيره عدة ثم أخلفها لم يكن منافقا في الدين ، وإذا تأملت ، فحال الفاسق على عكس حال المنافق ، لأنه يضمر حسناته ، ويظهر سيئاته.

قال : المبحث الثاني في الإسلام ـ

(الجمهور على أن الإسلام والإيمان واحد. بمعنى رجوعهما إلى القبول والإذعان ، وكون كل مؤمن مسلما ، والعكس في حق الاسم ، والحكم ، والدار للإجماع على ذلك ولشهادة النصوص مثل : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (١)

مع أن الإيمان مقبول وفاقا ومثل : قوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٢)

ومثل : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (٣). احتج المخالف بتفارقهما لقوله تعالى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (٤)

وتعاطفهما كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (٥)

وقوله تعالى : (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٦)

وتخالفهما في البيان بعد الاستفسار كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الإيمان أن تؤمن بالله .. إلى آخره ، والإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله .. إلى آخره

__________________

(١) سورة آل عمران آية رقم ٨٥.

(٢) سورة الذاريات آية رقم ٣٦.

(٣) سورة الحجرات آية رقم ١٧.

(٤) سورة الحجرات آية رقم ١٤.

(٥) سورة الأحزاب آية رقم ٣٥.

(٦) سورة الأحزاب آية رقم ٢٢.

٢٠٦

قلنا : لا نزاع في إطلاقه على الاستسلام والانقياد الظاهر ، وتغاير المفهوم كاف في صحة العطف ، وفي الحديث بيان لمتعلق الإيمان ، وشرائع الإسلام ، وقد ورد مثله في الإيمان).

الجمهور على أن الإسلام والإيمان واحد : إذ معنى آمنت بما جاء به النبي (عليه‌السلام) : صدقته. ومعنى أسلمت له : سلمته. ولا يظهر بينهما كثير فرق لرجوعهما إلى معنى الاعتراف والانقياد (١) والإذعان والقبول.

وبالجملة لا يعقل بحسب الشرع مؤمن ليس بمسلم أو مسلم ليس بمؤمن ، وهذا مراد القوم بترادف الاسمين ، واتحاد المعنى ، وعدم التغاير على ما قال في التبصرة : الاسمان من قبيل الأسماء المترادفة. وكل مؤمن مسلم ، وكل مسلم مؤمن ، لأن الإيمان اسم لتصديق شهادة العقول (٢) والآثار (٣) على وحدانية الله تعالى ، وأن له الخلق والأمر ، لا شريك له في ذلك. والإسلام إسلام المرء نفسه بكليتها لله تعالى بالعبودية له ، من غير شرك ، فحصلا من طريق المراد منهما على معنى واحد. ولو كان الاسمان متغايرين لتصور وجود أحدهما بدون الآخر ، ولتصور مؤمن ليس بمسلم ، أو مسلم ليس بمؤمن ، فيكون لأحدهما في الدنيا أو الآخرة حكم ليس للآخر ، وهذا باطل قطعا. وقال في الكفاية : الإيمان هو تصديق الله فيما أخبر من أوامره ونواهيه ، والإسلام هو الانقياد والخضوع لألوهيته. وذا لا يتحقق إلا بقبول الأمر والنهي. فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكما ، فلا يتغايران ، وإذا كان المراد بالاتحاد هذا المعنى ، صح التمسك فيه بالإجماع على أنه يمتنع أن يأتي أحد بجميع ما اعتبر في الإيمان ولا يكون مسلما أو بجميع ما اعتبر في الإسلام ولا يكون مؤمنا. وعلى أنه ليس للمؤمن حكم لا يكون للمسلم ، وبالعكس. وعلى أن دار

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (الانقياد).

(٢) لأن العقول السليمة تشهد بأن لهذا الكون خالق وموجد ، خلقه ونظمه وقدر فيه أموره (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).

(٣) الآثار أكثر من أن تحصى أو تعد. قال تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ). وقال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ). وقال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا).

٢٠٧

الإيمان دار الإسلام ، وبالعكس ، وعلى أن الناس كانوا في عهد النبي (عليه‌السلام) ثلاث فرق : مؤمن ، وكافر ، ومنافق ، لا رابع لهم والمشهور من استدلال القوم وجهان :

أحدهما ـ أن الإيمان لو كان غير الإسلام ، لم يقبل من مبتغيه لقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (١)

واللازم باطل بالاتفاق ، واعترض بأنه يجوز أن يكون غيره. لكن لا يكون دينا غيره ، لكون الدين عبارة عن الطاعات على ما سبق. وقد عرفت ما فيه. بل المراد بالدين الملة والطريقة الثابتة من النبي (عليه‌السلام) والإيمان كذلك ، وإن استمر في إطلاق أهل الشرع دين الإسلام ولم يسمع دين الإيمان وذلك لاشتهار لفظ الإسلام في طريقة النبي ، واعتبار الإضافة إليه حتى صار بمنزلة اسم لدين محمد (عليه‌السلام). ولفظ الإيمان في فعل المؤمن من حيث الإضافة إليه ، ولم يصر بمنزلة الاسم للدين ولهذا كثيرا ما يفتقر في الإيمان إلى ذكر المتعلق مثل : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (٢).

وغير ذلك ، بخلاف الإسلام.

وثانيهما ـ أنه لو كان غيره ، لم يصح استثناء أحدهما من الآخر. واللازم باطل ، لقوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣)

أي فلم نجد ممن كان فيها من المؤمنين إلا أهل بيت من المسلمين. واعترض بأنه يكفي لصحة الاستثناء الإحاطة والشمول بحيث يدخل المستثنى تحت المستثنى منه. ولا يتوقف على اتحاد المفهوم ، وقد عرفت أن المراد بالاتحاد عدم التغاير بمعنى الانفكاك ، نعم لو قيل : إنه لا يتوقف على المساواة أيضا ، بل يصح مع كون المؤمن أعم كقولك : أخرجت العلماء فلم أترك إلا بعض النحاة ، لكان شيئا لا بالعكس على ما سبق إلى بعض الأوهام ، ذهابا إلى صحة قولنا : أخرجت العلماء

__________________

(١) سورة آل عمران آية رقم ٨٥.

(٢) سورة الحديد آية رقم ٧ وتكملة الآية (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ).

(٣) سورة الذاريات آية رقم ٣٦.

٢٠٨

فلم أترك إلا بعض الناس. وقد يستدل بسوق أحد الاسمين مساق الآخر ، كقوله تعالى :

(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١) (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٢) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٣) (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ..) إلى قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٤).

الى غير ذلك من الآيات.

وذهبت الحشوية ، وبعض المعتزلة إلى تغايرهما نظرا إلى ان لفظ الإيمان ينبئ عن التصديق فيما أخبر الله تعالى على لسان رسله ، ولفظ الإسلام عن التسليم والانقياد ، ومتعلق التصديق يناسب أن يكون هو الإخبار ، ومتعلق التسليم الأوامر والنواهي : وتمسكا بإثبات أحدهما ، ونفي الآخر كقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (٥).

وبعطف أحدهما على الآخر كما في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ..) (٦) الآية. (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٧)

والتسليم هو الإسلام. وبأن جبريل لما جاء لتعليم الدين سأل النبي عن كل منهما على حدة ، وأجاب النبي لكل بجواب. وذلك أنه قال : أخبرني عن الإيمان ،

__________________

(١) سورة الحجرات آية رقم ١٧.

(٢) سورة الروم آية رقم ٥٣.

(٣) سورة آل عمران آية رقم ١٠٢.

(٤) سورة آل عمران آية رقم ٨٤.

(٥) سورة الحجرات آية رقم ١٤.

(٦) سورة الأحزاب آية رقم ٣٥.

(٧) سورة الأحزاب آية رقم ٢٢.

٢٠٩

فقال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ، وكتبه .. إلى الآخر ، ثم قال : أخبرني عن الإسلام. فقال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله .. إلى آخره ، فدل على أن الإيمان هو التصديق بالأمور المذكورة والإسلام هو الإتيان بالأعمال المخصوصة.

والجواب عن الأول أنا لا نعني اتحاد المفهوم بحسب أصل اللغة ، على أن التحقيق أن مرجع الأمرين إلى الإذعان والقبول كما مر والتصديق كما يتعلق بالإخبار بالذات ، فكذا بالأوامر والنواهي ، بمعنى كونها حقة ، وأحكاما من الله تعالى ، وكذا التسليم ، وعن الثاني بأن المراد الاستسلام والانقياد الظاهر خوفا من السيف ، والكلام في الإسلام المعتبر في الشرع. المقابل للكفر المنبئ عنه قولنا : آمن فلان وأسلم ، وعن الثالث أن تغاير المفهوم في الجملة كاف في العطف ، مع أنه قد يكون على طريق التفسير كما في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (١)

وعن الرابع أن المراد السؤال عن شرائع الإسلام ، أعني أحكامه المشروعة التي هي الأساس على ما وقع صريحا في بعض الروايات ، وعلى ما قال النبي (عليه‌السلام) لقوم وفدوا عليه : أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم فقال : «شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس» (٢) وكما قال (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (٣)

قال : المبحث الثالث ـ ظاهر الكتاب والسنة

(إن الإيمان يزيد وينقص ومنعه الجمهور لما أنه اسم للتصديق البالغ حد

__________________

(١) سورة البقرة آية رقم ١٥٧.

(٢) سبق تخريج هذا الحديث.

(٣) الحديث رواه أبو داود في كتاب السنة ١٤ والنسائي في الإيمان ١٦ وابن ماجه في المقدمة ٩ باب في الإيمان ٥٧ بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذكره.

٢١٠

اليقين ، وهو لا يتفاوت ، وإنما يتفاوت إذا جعل اسما للطاعة ، ولهذا قيل : الخلاف مبني على الخلاف في تفسير الإيمان ، لكنه إنما يصح إذا لم يجعل ترك العمل خروجا عن الإيمان ، وحينئذ يكون التفاوت في كمال الإيمان ، لا في أصله.

وأجيب بعد تسليم أن التصديق هو اليقين ، وأن اليقين هو المعتبر في حق الكل يمنع قبوله التفاوت كما في اليقين الضروري والنظري ، بعد زوال التردد والخفاء. تمسك القائلون بالتفاوت بأن إيمان آحاد الأمة لا يساوي إيمان الأنبياء قطعا ، وبالنصوص الصريحة في ذلك:

(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (١) (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (٢) (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) (٣)

وفي الحديث : «إن الإيمان يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة»(٤).

وأجيب بأن المراد الزيادة بحسب الدوام والثبات والأعداد ، أو بحسب زيادة ما يجب الإيمان به عند ملاحظة التفاصيل ، أو المراد زيادة ثمراته وأنواره.)

وهو مذهب الأشاعرة والمعتزلة ، والمحكى عن الشافعي (رحمه‌الله) وكثير من العلماء أن الإيمان يزيد وينقص وعند أبي حنيفة (رحمه‌الله) وأصحابه وكثير من العلماء ـ وهو اختيار إمام الحرمين ـ أنه لا يزيد ولا ينقص ، لأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان ، ولا يتصور فيه الزيادة والنقصان. والمصدق إذا ضم الطاعات إليه أو ارتكب المعاصي ، فتصديقه بحالة لم يتغير أصلا ، وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة. ولهذا قال الإمام الرازي وغيره. إن هذا الخلاف فرع تفسير الإيمان.

فإن قلنا : هو التصديق ، فلا يتفاوت. وإن قلنا : هو الأعمال فمتفاوت.

__________________

(١) سورة الأنفال آية رقم ٢.

(٢) سورة الفتح آية رقم ٤.

(٣) سورة المدثر آية رقم ٣١.

(٤) الحديث رواه ابن ماجه في سننه مختصرا المقدمة ٩ باب في الإيمان ٧٤ حدثنا أبو عثمان البخاري سعيد بن سعد قال : حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا إسماعيل يعني ابن عياش عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن مجاهد عن أبي هريرة وابن عباس قال : وذكره.

٢١١

وقال إمام الحرمين : إذا حملنا الإيمان على التصديق ، فلا يفضل تصديق تصديقا ، كما لا يفضل علم علما. ومن حمله على الطاعة سرا وعلنا ـ وقد مال إليه القلانسي (١) ـ فلا يبعد إطلاق القول بأنه يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، ونحن لا نؤثر هذا. لا يقال : الإيمان على تقدير كونه اسما للأعمال أولى بأن لا يحتمل الزيادة والنقصان.

أما أولا فلأنه لا مرتبة فوق الكل ليكون زيادة ، ولا إيمان دونه ليكون نقصانا.

وأما ثانيا ، فلأن أحدا لا يستكمل الإيمان حينئذ ، والزيادة على ما لم يكمل بعد محال. لأنا نقول هذا إنما يرد على من يقول بانتفاء الإيمان بانتفاء شيء من الأعمال أو التروك ، كما هو مذهب المعتزلة ، لا على من يقول ببقائه ما بقي التصديق ، كما هو مذهب السلف ، إلا ان الزيادة والنقصان على هذا تكون في كمال الإيمان ، لا في أصله. ولهذا قال الإمام الرازي : وجه التوفيق أن ما يدل على أن الإيمان لا يتفاوت مصروف الى أصله ، وما يدل على أنه يتفاوت مصروف إلى الكامل منه. ولقائل أن يقول : لا نسلم أن التصديق لا يتفاوت ، بل يتفاوت قوة وضعفا ، كما في التصديق بطلوع الشمس ، والتصديق بحدوث العالم ، لأنه إما نفس الاعتقاد القابل للتفاوت أو مبني عليه ، وقلة وكثرة ، كما في التصديق الإجمالي والتفصيلي الملاحظ لبعض التفاصيل وأكثر وأكثر ، فإن ذلك من الإيمان لكونه تصديقا بما جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إجمالا فيما علم إجمالا ، وتفصيلا فيما علم تفصيلا ، لا يقال : الواجب تصديق يبلغ حد اليقين ، وهو لا يتفاوت لأن التفاوت لا يتصور إلا باحتمال النقيض ، لأنا نقول : اليقين من باب العلم والمعرفة ، وقد سبق أنه غير التصديق ، ولو سلم أنه التصديق ، وأن المراد به ما يبلغ حد الإذعان والقبول ، ويصدق عليه المعنى المسمى «بگرويدن» ليكون تصديقا قطعيا ، فلا نسلم أنه لا يقبل التفاوت ، بل لليقين مراتب من أجلى البديهيات إلى أخفى النظريات ، وكون

__________________

(١) هو محمد بن الحسين بن بندار أبو العز القلانسي الواسطي مقرئ العراق في عصره مولده ووفاته بواسط من كتبه إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر ، ورسالة في القراءات الثلاث والكفاية الكبرى في القراءات ، أكبر من الأول توفي عام ٥٢١ ه‍ راجع : غاية النهاية ٢ : ١٢٨ والوافي بالوفيات ٣ : ٣ والإعلام وطبقات السبكي ٣ : ٥٦.

٢١٢

التفاوت راجعا إلى مجرد الجلاء والخفاء غير مسلم ، بل عند الحصول وزوال التردد التفاوت بحالة ، وكفاك قول الخليل صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع ما كان له من التصديق : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (١) وعن علي (رضي الله عنه) : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا. على أن القول بأن المعتبر في حق الكل هو اليقين وأن ليس للظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال حكم اليقين محل نظر ، احتج القائلون بالزيادة والنقصان ، بالعقل والنقل. أما العقل فلأنه لو لم يتفاوت ، لكان إيمان آحاد الأمة ، بل المنهمك في الفسق مساو بالتصديق الأنبياء والملائكة ، واللازم باطل قطعا. وأما النقل فلكثرة النصوص الواردة في هذا المعنى قال الله تعالى :

(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (٢) (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (٣) (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) (٤) (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٥) (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) (٦).

وعن ابن عمر (رضي الله تعالى عنه) : قلنا : يا رسول الله ، إن الإيمان هل يزيد وينقص؟ قال : «نعم ، يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ، وينقص حتى يدخل صاحبه لنار»(٧).

وعن عمر (رضي الله تعالى عنه) ، وروي مرفوعا : «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان

__________________

(١) سورة البقرة آية رقم ٢٦٠.

(٢) سورة الأنفال آية رقم ٢.

(٣) سورة الفتح آية رقم ٤.

(٤) سورة المدثر آية رقم ٣١.

(٥) سورة الأحزاب آية رقم ٢٢.

(٦) سورة التوبة آية رقم ١٢٤.

(٧) الحديث : أخرجه الإمام البخاري في كتاب الإيمان ٣٣ باب زيادة الإيمان ونقصانه وقول الله تعالى : (وَزِدْناهُمْ هُدىً). (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) وقال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص. قال ابن بطال. التفاوت في التصديق على قدر العلم والجهل فمن قل دلمه كان تصديقه مثلا بمقدار ذرة والذي فوقه في العلم تصديق بمقدار برة أو شعيرة إلا أن أصل التصديق الحاصل في قلب كل أحد منهم لا يجوز عليه النقصان ، ويجوز عليه الزيادة.

٢١٣

هذه الأمة ، لرجح به» (١).

وأجيب بوجوه :

الأول ـ أن المراد الزيادة بحسب الدوام والثبات وكثرة الأزمان والساعات. وهذا ما قال إمام الحرمين : النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يفضل من عداه باستمرار تصديقه وعصمة الله إياه من مخامرة الشكوك ، والتصديق عرض لا يبقى ، فيقع للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) متواليا ولغيره على الفترات ، فثبت للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أعداد من الإيمان لا يثبت لغيره إلا بعضها ، فيكون إيمانه أكثر ، والزيادة بهذا المعنى مما لا نزاع فيه. وما يقال : إن حصول المثل إليه بعد انعدام الشيء لا يكون زيادة فيه ، مدفوع بأن المراد زيادة اعداد حصلت ، وعدم البقاء لا ينافي ذلك.

الثاني ـ أن المراد الزيادة بحسب زيادة المؤمن به ، والصحابة كانوا آمنوا في الجملة ، وكان يأتي فرض بعد فرض ، وكانوا يؤمنون بكل فرض خاص. وحاصله أن الإيمان واجب إجمالا فيما علم إجمالا ، وتفصيلا فيما علم تفصيلا. والناس متفاوتون في ملاحظة التفاصيل كثرة وقلة ، فيتفاوت إيمانهم زيادة ونقصانا ، ولا يختص ذلك بعصر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) على ما يتوهم.

الثالث ـ أن المراد زيادة ثمرته ، وإشراق نوره في القلب. فإنه يزيد بالطاعات ، وينقص بالمعاصي. وهذا مما لا خفاء فيه. وهذه الوجوه جيدة في التأويل لو ثبت لهم أن التصديق في نفسه لا يقبل التفاوت والكلام فيه.

قال : المبحث الرابع

(المذهب صحة الاستثناء في الإيمان ، حتى إنه ربما يؤثر أنا مؤمن إن شاء الله على أنا مؤمن حقا ، ومنعه الأكثرون لدلالته على الشك أو إيهامه إياه. لا أقل ، لنا وجوه.

__________________

(١) لم نعثر على هذا الحديث على كثرة البحث والتقصي.

٢١٤

الأول ـ أنه للتبرك والتأدب ، لا للشك (١) والتردد.

والثاني ـ أن الإيمان المنجي أمر خفي ، لا يأمن الجازم بحصوله أن يشوبه شيء من المنافيات من حيث لا يعلم ، فيفوضه إلى المشيئة.

الثالث ـ وعليه التعويل ، أنه للشك فيما هو آية النجاة ، وهو إيمان الموافاة ، لا في الإيمان الناجز. وليس معنى قولهم : العبرة بإيمان الموافاة أن الناجز ليس بإيمان حقيقة. بل إنه ليس بمنج. وكذا الكفر والسعادة والشقاوة. فالسعيد سعادة الموافاة لا يتغير إلى شقاوة الموافاة ، وإنما التغير في الناجز).

ذهب كثير من السلف ، وهو المحكي عن الشافعي (٢) (رضي الله تعالى عنه) والمروي عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أن الإيمان يدخله الاستثناء ، فيقال : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى. ومنعه الأكثرون ، وعليه أبو حنيفة (رضي الله عنه) وأصحابه ، لأن التصديق أمر معلوم ، لا تردد فيه عند تحققه ، ومن تردد في تحققه له ، لم يكن مؤمنا قطعا ، وإذا لم يكن للشك والتردد ، فالأولى أن يترك ، بل يقال : أنا مؤمن حقا. دفعا للإيهام. وللقائلين بصحته وجوه :

الأول ـ أنه للتبرك في ذكر الله والتأدب بإحالة الأمور إلى مشيئة الله ، والتبرؤ عن تزكية النفس والإعجاب بحالها ، والتردد في العاقبة والمآل ، وهذا يفيد مجرد الصحة ، لا إيثار قولهم : أنا مؤمن إن شاء الله على أنا مؤمن حقا ، ولا يدفع ما ذكر من دفع الإيهام ، ولا يبين وجه اختصاص التأدب والتبرك بالإيمان دون غيره من الأعمال والطاعات.

__________________

(١) الشك : هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاكّ ، وقيل الشك ما استوى طرفاه وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن فإذا طرحه فهو غالب الظن وهو بمنزلة اليقين.

(٢) هو محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي أبو عبد الله ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة عام ١٥٠ ه‍ وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين وزار بغداد مرتين وقصد مصر سنة ١٩٩ فتوفي بها عام ٢٠٤ ه‍ وقبره معروف في القاهرة. قال المبرد : كان الشافعي أشعر الناس ، وأعرفهم بالفقه والقراءات من كتبه «الأم» «والرسالة» و «المسند» في الحديث وأحكام القرآن وغير ذلك كثير. راجع تذكرة الحفاظ ١ : ٢٢٩ وتهذيب التهذيب ٩ : ٢٥ والوفيات ١ : ٤٤٧

٢١٥

والثاني ـ أن التصديق الإيماني المنوط به النجاة أمر قلبي خفي له معارضات خفية كثيرة من الهوى والشيطان والخذلان بالمرء ، وإن كان جازما بحصوله لكن لا يأمن ان يشوبه شيء من منافيات النجاة سيما عند ملاحظة تفاصيل الأوامر والنواهي الصعبة المخالفة للهوى ، والمستلذات من غير علم له بذلك. فذلك يفوض حصوله إلى مشيئة الله. وهذا قريب لو لا مخالفته لما يدعيه القوم من الإجماع ، ولما ذكر في الفتاوى من الروايات.

الثالث ـ وعليه التعويل ، ما قال إمام الحرمين (١) إن الإيمان ثابت في الحال قطعا من غير شك فيه. لكن الإيمان الذي هو علم الفوز ، وآية النجاة إيمان الموافاة ، فاعتنى السلف به ، وقرنوه بالمشيئة ولم يقصدوا الشك في الإيمان الناجز ، ومعنى الموافاة الإتيان والوصول إلى آخر الحياة وأول منازل الآخرة ، ولا خفاء في أن الإيمان المنجي والكفر المهلك ما يكون في تلك الحال ، وإن كان مسبوقا بالضد ، لا ما ثبت أولا وتغير إلى الضد. فلهذا يرى الكثير من الأشاعرة يبتون القول بأن العبرة بإيمان الموافاة وسعادتها. بمعنى أن ذلك هو المنجي ، لا بمعنى أن إيمان الحال ليس بإيمان وكفره ليس بكفر ، وكذا السعادة والشقاوة والولاية والعداوة ، وعلى هذا يسقط عنهم ما يقال إنه اذا اتصف بالإيمان على الحقيقة ، كان مؤمنا حقا ، ولا يصح أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى ، كما لا يصح أن يقول : انا حي إن شاء الله تعالى. وإذا كان مؤمنا حقا ، كان مؤمنا عند الله تعالى ، وفي علم الله ، وإن كان الله تعالى يعلم أنه يتغير عن تلك الحال. وإذا كان مؤمنا في الحال كان وليا لله ، سعيدا. وإن كان كافرا ، كان عدوا له شقيا ، وكما يصير المؤمن كافرا ، يصير الولي عدوا والسعيد شقيا ، وبالعكس. وما يحكى عنهم من أن السعيد لا يشقى ، والشقي لا يسعد ، وأن السعيد من سعد في بطن أمه ، والشقي من شقي في بطن أمه ، فمعناه أن من علم الله منه السعادة المعتبرة التي هي سعادة الموافاة ، فهو لا يتغير إلى شقاوة الموافاة ، وبالعكس. وكذا في الولاية والعداوة ، وأن السعيد الذي يعتد بسعادته من علم الله أنه يختم له بالسعادة. وكذا الشقاوة.

__________________

(١) سبق الترجمة له في كلمة وافية في هذا الجزء

٢١٦

وبالجملة لا يشك المؤمن في ثبوت الإيمان وتحققه في الحال. ولا في الجزم بالثبات ، والبقاء عليه في المال ، لكن بخاف سوء الخاتمة ويرجو حسن العاقبة ، فيربط الإيمان الموافاة الذي هو آية الفوز والنجاة ، ووسيلة بل الدرجات بمشيئة الله جريا على مقتضى قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١)

جعل الله حياتنا إليه ، ومماتنا عليه. وختم لنا بالحسنى ويسرنا للفوز بالذخر الأسنى بالنبي وآله.

__________________

(١) سورة الكهف آية رقم ٢٣ ، ٢٤ وتكملة الآية (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً).

٢١٧

ايمان المقلد

قال : المبحث الخامس ـ

(الجمهور على صحة إيمان المقلد ، لأن التصديق لا يتوقف على ثبات الاعتقاد ، بل جزمه ، وعدم النفع قياسا على إيمان اليأس بجامع عدم مشقة النظر والاستدلال التي بها الثواب فاسد ، أو على تقدير ثبوت مثله بالقياس. فالعلة في الأصل كونه إيمان دفع عذاب ، لا إيمان حقيقة ، وأنه لم يبق حينئذ للعبد قدرة التصرف في نفسه والاستمتاع بها)

ذهب كثير من العلماء وجميع الفقهاء إلى صحة إيمان المقلد ، وترتب الأحكام عليه في الدنيا والآخرة ، ومنعه الشيخ أبو الحسن (١) والمعتزلة ، وكثير من المتكلمين. حجة القائلين بالصحة أن حقيقة الإيمان هو التصديق ، وقد وجدت من غير اقتران بموجب من موجبات الكفر.

فإن قيل : لا يتصور التصديق بدون العلم لأنه إما ذاتي للتصديق أو شرط له ، على ما سبق. ولا علم للمقلد ، لأنه اعتقاد جازم مطابق يستند إلى سبب من ضرورة أو استدلال.

قلنا : المعتبر في التصديق هو اليقين. أعني الاعتقاد الجازم المطابق ، بل ربما يكتفي بالمطابقة ويجعل الظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال في حكم اليقين ، وقد يقال: إن التصديق قد يكون بدون العلم والمعرفة ، وبالعكس. فإنا نؤمن بالأنبياء والملائكة ولا نعرفهم بأعيانهم ، ونؤمن بجميع أحوال القيامة من

__________________

(١) هو علي بن إسماعيل بن إسحاق ، أبو الحسن من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري مؤسس مذهب الأشاعرة كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين ولد في البصرة عام ٢٦٠ ه‍ وتوفي ببغداد عام ٣٢٤ ه‍ راجع طبقات الشافعية ٢ : ٢٤٥ والمقريزي ٢ : ٣٥٩ وابن خلكان ١ : ٣٢٦.

٢١٨

الحساب والميزان والصراط ، وغير ذلك ، ولا نعرف كيفياتها وأوصافها ، وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي (عليه‌السلام) كما يعرفون أبناءهم ولم يكونوا مؤمنين. وفيه نظر ، لأن المراد العلم بما حصل التصديق به ، ونحن نعلم من الأنبياء والملائكة ما نصدق به. فامتناع التصديق بدون العلم ، بمعنى الاعتقاد ، قطعي. وإنما الكلام في العكس.

فإن قيل : نحن لا ننفي كونه إيمانا وتصديقا لكنا ندعي أنه لا ينفع ، بمنزلة إيمان اليائس ، فإن عدم نفعه على ما ذكره الشيخ أبو منصور الماتريدي (١) معلل بأن العبد لا يقدر حينئذ أن يستدل بالشاهد على الغائب ليكون مقاله عن معرفة وعلم استدلالي. فإن الثواب على الإيمان إنما هو بمقابلة ما يتحمله من المشقة ، وهي في آداب الفكرة ، وإدمان النظر في معجزات الأنبياء ، أو في محدثات العالم. والتمييز بين الحجة والشبهة لا في تحصيل أصل الإيمان.

قلنا : النص إنما قام على عدم نفع إيمان اليأس ومعاينة العذاب ، دون إيمان المقلد. والإجماع أيضا إنما انعقد عليه ، والتمسك بالقياس ، لو سلم صحته في الأصول ، فلا نسلم أن العلة ما ذكرتم ، بل ذهب الماتريدي وكثير من المحققين إلى أن إيمان اليأس إنما لم ينفع لأنه إيمان دفع عذاب ، لا إيمان حقيقة ، ولأنه لا يبقى للعبد حينئذ قدرة على التصرف من نفسه والاستمتاع بها ، لأن عذاب الدنيا مقدمة لعذاب الآخرة ، إذ ربما يموت العبد فيه. فينتقل إلى عذاب الآخرة ، بخلاف إيمان المقلد ، فإنه تقرب إلى الله تعالى ، وابتغاء لمرضاته ، من غير إلجاء ولا قصد دفع العذاب ، ولا انتفاء قدرة على التصرف في النفس.

قال : وأما المانعون

(وأما المانعون فالشيخ لا يشترط التمكن من إقامة الحجة ودفع الشبهة في كل

__________________

(١) هو محمد بن محمد بن محمود ، أبو منصور الماتريدي : من أئمة علماء الكلام نسبته إلى ما تريد (محلة بسمرقند) من كتبه التوحيد ، وأوهام المعتزلة ، والرد على القرامطة ومآخذ الشرائع في أصول الفقه ، وكتاب الجدل وتأويلات القرآن وشرح الفقه الأكبر المنسوب للإمام أبي حنيفة مات بسمرقند عام ٣٣٣ ه‍ راجع الفوائد البهية ١٩٥ ومفتاح السعادة ٢ : ٢١ والجواهر المضيئة ٢ : ١٣٠ وفهرس المؤلفين ٢٦٤ وكشف الظنون ٣٣٥ وتأويلات أهل السنة.

٢١٩

مسألة من الأصول ، بل انتفاء الاعتقاد فيها على دليل حتى لو انتفى لم يكن مؤمنا. وحمله على نفي كمال الإيمان لإخلاله بالواجب مما لا يتصور فيه نزاع. والمعتزلة يشترطون حتى لو انتفى ، انتفى الإيمان ، وهو ظاهر البطلان ، إلا إذا أريد الوجوب على الكفاية ، فيصير مسألة صاحب الكبيرة ، وعن بعضهم أن وجوب النظر إنما هو في حق البعض. وأما العاجز كالعوام ، وبعض العبيد ، والنسوان ، فلا يكلف إلّا بتقليد المحق والظن الصائب ، وقيل : كلفوا سماع أوائل الدلائل التي تتسارع إلى الأفهام ، فإن فهموا فهم أصحاب الجمل وإلا فليسوا مكلفين. والمتأخرون على أن ليس الخلاف في إجراء أحكام الإسلام بل في آية هل يعاقب عقوبة الكافر؟ فقيل : نعم ، لأنه جاهل بالله ورسوله ، وقيل : لا ، بل ينتقض عقابه بما له من التصديق ، ثم الخلاف فيمن نشأ في شاهق الجبل ولم يتفكر ، فأخبر بما يجب عليه اعتقاده فصدق. وأما من نشأ في دار الإسلام ولو في الصحارى ، وتواتر عنده حال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فمن أهل النظر).

يعني القائلين بأن إيمان المقلد ليس بصحيح ، أو ليس بنافع ، فمنهم من قال : لا يشترط ابتناء الاعتقاد على استدلال عقلي في كل مسألة ، بل يكفي ابتناؤه على قول من عرف رسالته بالمعجزة مشاهدة أو تواترا ، أو على الإجماع فيقبل قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بحدوث العالم وثبوت الصانع ووحدانيته. ومنهم من قال لا بد من ابتناء الاعتقاد في كل مسألة من الأصول على دليل عقلي ، لكن لا يشترط الاقتدار على التعبير عنه ، وعلى مجادلة الخصوم ، ودفع الشبهة ، وهذا هو المشهور عن الشيخ أبي الحسن الأشعري ، حتى حكي عنه أنه من لم يكن كذلك ، لم يكن مؤمنا ، لكن ذكر عبد القاهر البغدادي (١) أن هذا ، وإن لم

__________________

(١) هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الأسفراييني أبو منصور عالم متفنن من أئمة الأصول كان صدر الإسلام في عصره. ولد ونشأ في بغداد ورحل إلى خراسان فاستقر في نيسابور وفارقها على أثر فتنة التركمان مات في أسفرائين عام ٤٢٩ من تصانيفه أصول الدين ، والناسخ والمنسوخ ، وتفسير أسماء الله الحسنى ، وغير ذلك كثير. راجع وفيات الأعيان ١ : ٢٩٨ وطبقات السبكي ٣ : ٢٣٨ والفوات ١ : ٢٩٨ ومفتاح السعادة ٢ : ١٨٥ وإنباء الرواة ٢ : ١٨٥.

٢٢٠