شرح المقاصد - ج ٥

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٥

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

كون الفعل حسنة وامتثالا باق ، ولأنه يوجب منافاة الكبيرة لصحة الطاعة كالردة.

قالوا : الثواب منفعة خالصة دائمة مع التعظيم والعقاب ، مضرة خالصة دائمة مع الإهانة ، فلا يجتمعان استحقاقا.

قلنا : لو سلم لزوم قيد الخلوص والدوام ، فلا يوجب تنافي الاستحقاقين ، ولو سلم فليس إبطال الحسنة بالسيئة أولى من العكس ، كيف وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)

وذهب الجبائيان إلى أن أيا من الطاعات والمعاصي أربت قدرا بحسب الأجر والوزر لا عددا حبطت الأخرى ، ثم زعم أبو علي أن الأقل يسقط. ولا يسقط من الأكثر شيئا ، وهذا هو الإحباط المحض ، وأبو هاشم أنه يسقط ، ويسقط من الأكثر ما يقابله. وهذا هو الموازنة ، واختلفوا في أن ذلك يعتبر بين الفعلين ، أعني الطاعة والمعصية ، أو المستحقين ، أعني الثواب والعقاب ، أو الاستحقاقين ، واستدلوا على الإحباط في الجملة بمثل قوله تعالى: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) (١) (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (٢) (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٣)

لكنه لا يثبت ما هو المتنازع من بطلان حسنة كاملة بسيئة سابقة أو لا حقة ، فضلا عن تفضيل الجانبين ، واستدل الإمام على بطلان ، أمّا على رأي أبي علي فلأنه تلغو الطاعة السابقة ، وهو ظلم عندكم. وينتفى بقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٤)

مع ما فيه من الترجح بلا مرجح ، وأما على رأي أبي هاشم فلأن طرآن الحادث مشروط بزوال السابق ، فزواله به دور لأنه لا أولوية لبعض أجزاء الكبير ، فيلزم أن يفنى بكليته ، ولأن زوال كل بالآخر دفعة يوجب وجودهما حال عدمهما لوجود العلة حال حدوث المعلول. وعلى التعاقب يوجب حدوث المعلول بلا علته.

__________________

(١) سورة الحجرات آية رقم ٢.

(٢) سورة التوبة آية رقم ١٧.

(٣) سورة البقرة آية رقم ٢٦٤.

(٤) سورة الزلزلة آية رقم ٧.

١٤١

لأن زوال الثاني بلا مزيل. واعترض بأن الاستحقاق اعتبار شرعي ليس له تأثير وتأثر حقيقي. والثواب والعقاب إنما يوجدان في الآخرة ، والفعلان لا يتصور فناء أحدهما بالآخر. بل معنى الإحباط أن الله تعالى لا يثيب العاصي على الطاعة. ومعنى الموازنة أنه لا يثيب عليهما ، ويترك العقاب على المعصية بقدرها.

وقال إمام الحرمين : لا كبيرة يربى وزرها على أجر معرفة الله ، فيلزمهم أن يدرءوا بها جميع الكبائر).

لا خلاف في أن من آمن بعد الكفر والمعاصي ، فهو من أهل الجنة ، بمنزلة من لا معصية له. ومن كفر ـ نعوذ بالله ـ بعد الإيمان والعمل الصالح فهو من أهل النار ، بمنزلة من لا حسنة له. وإنما الكلام فيمن آمن وعمل صالحا وآخر سيئا ، واستمر على الطاعات والكبائر كما يشاهد من الناس ، فعندنا مآله إلى الجنة ، ولو بعد النار ، واستحقاقه للثواب والعقاب بمقتضى الوعد والوعيد ثابت من غير حبوط. والمشهور من مذهب المعتزلة أنه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة ، فأشكل عليهم الأمر في إيمانه وطاعاته. وما ثبت من استحقاقاته ، أين طارت؟ وكيف زالت؟ فقالوا بحبوط الطاعات. ومالوا إلى ان السيئات يذهبن الحسنات ، حتى ذهب الجمهور منهم إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات ، وفساده ظاهر ، إما سمعا فللنصوص الدالة على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا. وإما عقلا فللقطع بأنه لا يحسن من الحكيم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد ومواظبته على الطاعات طول العمر بتناول لقمة من الربا ، أو جرعة من الخمر ، بمنزلة من خدم كريما مائة سنة حق الخدمة ، ثم بدت منه مخالفة أمر من أوامره ، فهل يحسن رفض حقوق تلك الخدمات ، ونقض ما عهد ووعد من الحسنات ، وتعذيبه عذاب من واظب مدة الحياة على المخالفة والمعاداة. وأيضا استحقاق الثواب على الطاعة عندهم إنما هو لكونها حسنة وامتثالا لأمر الباري. وهذا متحقق مع الكبيرة ، فيتحقق أثره ، وأيضا لو كانت الكبيرة محبطة لثواب الطاعة ، لكانت منافية لصحتها بمنزلة الردة.

قالوا : استحقاق الثواب والعقاب متنافيان لا يجتمعان ، لأن الثواب منفعة

١٤٢

خالصة دائمة مع التعظيم ، والعقاب مضرة خالصة دائمة مع الإهانة.

قلنا : لا نسلم لزوم قيد الخلوص والدوام ، سيما في جانب العقاب وحتى لا يتنافى الثواب والعقاب بأن يعاقب حينا ثم يثاب ، ولو سلم فلا يلزم تنافي الاستحقاقين بأن يستحق المنفعة الدائمة من جهة الطاعة ، والمضرة الدائمة من جهة المعصية. ولو سلم ، فليس إبطال الحسنة بالسيئة أولى من العكس ، كيف وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١)

وحكم بأن السيئة لا تجزى إلا بمثلها ، والحسنة تجزى بعشرة أمثالها إلى سبعمائة وأكثر.

قالوا : الإحباط مصرح في التنزيل كقوله تعالى : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) (٢)

و(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (٣)

و(لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٤)

قلنا : لا بالمعنى الذي قصد ، ثم بل بمعنى أن من عمل عملا صالحا استحق به الذم ، وكان يمكنه أن يعمله على وجه يستحق به المدح والثواب ، يقال إنه أحبط عمله كالصدقة مع المن والأذى وبدونهما. وأما إحباط الطاعات بالكفر بمعنى أنه لا يثاب عليها البتة. فليس من المتنازع في شيء ، وحين تنبه أبو علي وأبو هاشم لفساد هذا الرأي ، رجعا عن التمادي بعض الرجوع. فقالا : إن المعاصي إنما تحبط الطاعات إذا أربت عليها. وإن أربت الطاعات أحبطت المعاصي (٥). ثم ليس النظر إلى أعداد الطاعات والمعاصي بل إلى مقادير الأوزار ، ولا وجود ، فرب كبيرة يغلب وزرها أجور طاعات كثيرة ، ولا سبيل إلى

__________________

(١) سورة هود آية رقم ١١٤.

(٢) سورة الحجرات آية رقم ٢.

(٣) سورة التوبة آية رقم ١٧.

(٤) سورة البقرة آية رقم ٢٦٤.

(٥) قال تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ).

١٤٣

ضبط ذلك ، بل هو مفوض إلى علم الله ، ثم افترقا فزعم أبو علي (١) ان الأقل يسقط ، ولا يسقط من الأكثر شيئا ، وسقوط الأقل يكون عقابا إذا كان الساقط ثوابا ، وثوابا إذا كان الساقط عقابا. وهذا هو الإحباط المحض.

وقال أبو هاشم : الأقل يسقط. ويسقط من الأكثر ما يقابله. مثلا : من له مائة جزء من العقاب واكتسب الف جزء من الثواب فإنه يسقط عنه العقاب ومائة جزء من الثواب بمقابلته ويبقى له تسعمائة جزء من الثواب. ومن له مائة جزء من الثواب واكتسب الفا من العقاب ، سقط ثوابه ومائة جزء من عقابه. وهذا هو القول بالموازنة ، لا ما قال في المواقف انه يوازن بين الطاعات والمعاصي ، فأيهما رجح أحبط الآخر ، واختلفت كلمتهم في أن الإحباط والموازنة بين الفعلين أعني الطاعة والمعصية ، أو المستحقين أعني الثواب والعقاب. أو الاستحقاقين ، مال الجبائي إلى الأول وأبو هاشم الى الثاني ، وهو المختار عند الأكثرين.

وبالجملة لا يخفي على أحد أن القول بما ذهبا إليه من الإحباط والموازنة لا يصح إلا بنص من الشارع صريح ، ونقل صحيح. واستدل الإمام الرازي (٢) على بطلانه بأن الأكثر إذا أحبط الأقل ، فإن لم يحبط منه شيء ، كما هو رأي أبو علي ، صارت الطاعة السابقة لغوا محضا لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا ، وهو باطل إما عقلا فلكونه ظلما ، ولأنه ليس انتفاء الباقي بطرءان الحادث أولى من اندفاع الحادث بوجود الباقي. وإما سمعا فلقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٣) وغير ذلك. وإن حبط من الأكثر ما يوازن الأقل كما هو رأي أبي هاشم فباطل أيضا.

أما أولا فلأنهما لما كانا متنافيين ، كان طرآن الحادث مشروطا بزوال السابق (٤). فلو كان زواله لأجل طرآن الحادث ، لزم الدور.

وأما ثانيا فلأن تأثير ذلك الاستحقاق القليل في بعض أجزاء الكثير ليس

__________________

(١) هو أبو هاشم الجبائي : سبق الترجمة له في كلمة وافية في الجزء الأول.

(٢) سبق الترجمة له في هذا الجزء في كلمة وافية.

(٣) سورة الزلزلة آية رقم ٧.

(٤) بزيادة لفظ (عليه) في (ب).

١٤٤

أولى (١) من تأثيره في الباقي ، لكون الأجزاء متساوية. وحينئذ يلزم أن يفنى بذلك القليل كل ذلك الكثير. وهو باطل وفاقا (٢). وهذا ما قال في المحصل أنه إذا استحق بالطاعة عشرة أجزاء من الثواب ، وبالمعصية خمسة أجزاء من العقاب ، فليس انتفاء استحقاق إحدى الخمستين أولى من انتفاء استحقاق الخمسة الأخرى ، لتساوي أجزاء الثواب واستحقاقاتها.

وأما ثالثا ، فلأن زوال كل من الاستحقاقين بالآخر إما أن يكون دفعة ، وهو محال ، لأنه إذا كان عدم كل منهما لوجود الآخر ، فلو عدما دفعة لوجدا دفعة. ولكن العلة موجودة حال حدوث المعلول ، فيلزم كونهما موجودين حال كونهما معدومين وإما أن لا يكون دفعة ، وهو أيضا باطل ، لأنه إذا كان سبب زوال الأول حدوث الثاني (٣) ، فما لم يوجد الثاني ، لا يزول الأول ، وإذا وجد الثاني وزال الأول ، استحال زوال الثاني لأنه لا مزيل له ، لأن التقدير أن كلا منهما إنما يزول بالآخر ، وهذا ما يقال إن الثاني كان قاصرا عن الغلبة حين ما لم يكن مغلوبا ، فكيف إذا صار مغلوبا. واعترض بوجوه :

الأول ـ أن الطارئ أقوى وبالبقاء أولى ، لكونه مقارنا لمؤثره ، الذي يوجده ، بخلاف السابق فإنه وإن كان موجودا ، لكن لم يبق معه مؤثره ، فإذا يجوز على الإحباط أن يفني السابق بالطارئ ويبقى هو بحاله. وعلى الموازنة ، أن يفنى من الطارئ ما يقابل السابق. ثم يفنى السابق بما بقي من الطارئ.

والجواب : المنع ، بل السابق لاستمرار وجوده وتحقق علة بقائه ، أقوى وأبقى. والطارئ لقربه من العدم ، وعدم تحقق علة بقائه بالفناء أولى. على أن الدفع أهون من الرفع ، ثم هذا ـ على تقدير صحته ـ إنما يتأتى فيما إذا كان الأكثر طارئا بخلاف ما إذا استحق بالطاعة ثوابا كثيرا ، أو بالمعصية عقابا أقل ، أو بالعكس (٤).

__________________

(١) في (ب) أحق بدلا من (أولى).

(٢) في (ب) اتفاقا بدلا من (وفاقا) وهو تحريف.

(٣) في (ب) الآخر بدلا من (الثاني).

(٤) سقط من (ب) لفظ (أو بالعكس).

١٤٥

الثاني ـ أنه يجوز أن يكون التوقف فيما بين طرآن الحادث وزوال السابق توقف معية لا تقدم ، ليلزم الدور المحال.

والجواب أن الكلام إنما هو على تقدير جعل طرآن الحادث هو السبب في زوال السابق ، فيتقدمه بالذات ضرورة ، وهو ينافي اشتراطه به لاستلزامه تأخره عنه بالذات (١)

الثالث ـ أن الاستحقاقات ليست أمورا متمايزة بحسب الخارج. بمنزلة ما إذا كان لله عند أحد خمستان وديعة ، فيمكن تسليم هذه أو تلك ، بل بحسب الذهن فقط ، بمنزلة ما إذا كان لك عليه خمستان دينا ، فلا يكون تسليم خمسة ، أو الإبراء عنها ، أو مقاصتها بخمسة له عليك إلا إبراء عن النصف ، وبما ذكرنا من حمل كلام المحصل على ما نقلنا من تقرير نهاية العقول ، يظهر أن ليس مقصود الإمام ما فهمه المعترض (٢) ، فإن معناه أن الاستحقاقات لما كانت متساوية فالاستحقاق القليل كما يزيل ما يقابله من الكثير ، كذلك يزيل الباقي ، لأن حكم المتساويات واحد (٣). بل الاعتراض أن تساوي الاستحقاقات لا يوجب إلا جواز زوال كل ما يزول به الآخر ، لا زوال الكل بما يزول به البعض.

الرابع ـ أن الطاعات والمعاصي مثبتة عند الحفظة ، وفي صحائف الكتبة ، فالطاعات تبطل استحقاق العقاب بالمعاصي. والمعاصي تبطل استحقاق الثواب بالطاعات ، من غير لزوم محال.

والجواب ـ أن المقصود بيان امتناع زوال أحد الاستحقاقين والمستحقين ، أعني الثواب والعقاب بالآخر على ما هو المذهب في الإحباط والموازنة. وبهذا يندفع اعتراض خامس ـ وهو أنه يجوز أن لا يؤثر أحدهما في عدم الآخر ، لكن يتمانعان في ظهور حكمهما فيظهر حكم الزيادة فقط.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (بالذات).

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (من كلامه).

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (عند العقل).

١٤٦

الخامس ـ أنه يجوز أن يؤثر الطارئ في عدم السابق بشرط أن يسقط من الطارئ مثل السابق من غير لزوم محذور.

والجواب ـ أنه يعود الكلام في سقوط ذلك القدر من الطارئ ، ويلزم المحذور ، نعم يتجه على الوجه الأخير أنه لو جعل زوال كل من الاستحقاقين بالآخر بأن يزيل جزء من هذا جزءا من ذلك ، وبالعكس ، إلى أن يفنى الأقل بالكلية ، ويبقى من الأكثر القدر الزائد لم يلزم شيء من المحالات. لأنه يكون مزيلا للجزء الأخير من الأقل ، إلا أن الإمام إنما أورد هذا البرهان فيما إذا استحق المكلف عشرة أجزاء من الثواب ، ثم فعل معصية استحق بها عشرة أجزاء من العقاب ، فلا يرد عليه هذا. لكن يتجه أن البيان يختص بما إذا تساوى الاستحقاقات. والمعتزلة اضطربوا في مثله ، وزعم أبو هاشم أنه لا يجوز وقوع ذلك لأن المكلف إما في الجنة أو في النار. وأجيب بأنه يجوز أن يرجع جانب الثواب ، فينزل برحمة الله تعالى منزل الكرامة ويحل بفضله دار المقامة ، أو يجمع بين الثواب والعقاب من غير خلوص أحدهما ، أو لا يثاب ، ولا يعاقب. ويكون من أصحاب الأعراف (١) على ما ورد في الحديث. ويمكن دفع استدلال الإمام بأن الاستحقاق اعتبار شرعي ليس له تأثير وتأثر حقيقي ، وفناء بعد وجود. بل معنى إحباط الطاعة أو استحقاق الثواب أن الله تعالى لا يثيب عليها. ومعنى الموازنة أنه لا يثيب عليها ، ولا يعاقب على المعصية بقدرها من غير أن يتحقق في الخارج استحقاقات بينها منافاة ومفاناة ، وأما الثواب والعقاب فلا وجود لهما إلا في الآخرة ، وحينئذ لا اجتماع بينهما ولا اندفاع. بل ذلك إلى حكم الله ومشيئته على وفق حكمته. والأقرب ما قال إمام الحرمين (٢) إنه ليس بإزاء معرفة الله تعالى كبيرة

__________________

(١) قال تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا : ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) ويقال : إن أصحاب الأعراف ملائكة وأنبياء فإن قولهم ذلك إخبار عن الله تعالى ، ومن جعل أصحاب الأعراف المذنبين كان آخر قولهم لأصحاب النار (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) وروى عن ابن عباس ، والأول عن الحسن. وقيل : هو من كلام الملائكة الموكلين بأصحاب الأعراف ، فإن أهل النار يحلفون أن أصحاب الأعراف يدخلون معهم النار فتقول الملائكة لأصحاب الأعراف : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)

(٢) سبق الترجمة له في كلمة وافية.

١٤٧

يربى وزرها على أجرها فكان من حقهم أن يدرءوا بها جميع الكبائر ، فإذا لم يفعلوا ذلك ، بطل هذيانهم بتغالب الأعمال وسقوط أقلها بأكثرها. ومما يجب التنبيه أنه لا فرق عندهم بين أن يكون المعاصي طارئة على الطاعات أو سابقة عليها ، أو متخللة بينهما ، وأن ما يوهم به كلام البعض من اختصاص الحكم بما إذا كانت الكبيرة طارئة ليس بشيء.

قال : المبحث الثاني عشر ـ اتفقت الأمة

(اتفقت الأمة على العفو عن الصغائر مطلقا ، وعن الكبائر بعد التوبة ، وعلى أنه لا عفو عن الكفر على اختلاف في الجواز عقلا ، واختلفوا في العفو عن الكبائر بدون التوبة ، فجوزه أصحابنا ، بل أثبتوه ، ومنعه المعتزلة سمعا ، وإن جاز عقلا عند الأكثرين منهم. لنا على الجواز أن العقاب حقه. فله إسقاطه. وعلى الوقوع النصوص الناطقة :

(وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (١) (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٢) (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٣) (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤)

وفي الأحاديث أيضا كثرة ، والتخصيص بالصغائر أو بما بعد التوبة أو الحمل على تأخير العقوبات المستحقة ، أو عدم شرع الحدود في غاية المعاصي ، أو على ترك وضع الآصار عليهم. والفضائح في الدنيا ، مع كونه عدولا عن الظاهر بلا دليل ومخالفة لأقوال المفسرين وللأحاديث الصحيحة الصريحة مما لا يصح في البعض ، إذ المغفرة بالتوبة لا يخص ما دون الشرك ، ولا يلائم التعليق بالمشيئة ، وباقي المعاني لا يناسب النفي عن الشرك).

ونطق الكتاب والسنة بأن الله تعالى عفو غفور يعفو عن الصغائر مطلقا ، وعن الكبائر بعد التوبة ، ولا يعفو عن الكفر قطعا ، وإن جاز عقلا ، ومنع بعضهم الجواز

__________________

(١) سورة الشورى آية رقم ٢٥.

(٢) سورة المائدة آية رقم ١٥.

(٣) سورة الزمر آية رقم ٥٣.

(٤) سورة النساء آية رقم ٤٨ ، ١١٦.

١٤٨

العقلي أيضا لأنه مخالف لحكمة التفرقة بين من أحسن غاية الإحسان ومن اساء غاية الإساءة وضعفه ظاهر. واختلفوا في العفو عن الكبائر بدون التوبة. فجوزه الأصحاب ، بل أثبتوه خلافا للمعتزلة حيث منعوه سمعا وإن جاز عقلا عند الأكثرين منهم ، حتى صرح بعض المتأخرين منهم بأن القول بعدم حسن العفو عن المستحق للعقاب عقلا قول أبي القاسم الكعبي. لنا على الجواز أن العقاب حقه فيحسن إسقاطه مع أن فيه نفعا للعبد من غير ضرر لأحد ، وعلى الوقوع الآيات والأحاديث الناطقة بالعفو والغفران :

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (١) (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٢) (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٣) (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤)

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (٥)

وفي الأحاديث كثرة. ومعنى العفو والغفران ترك عقوبة المجرم والستر عليه بعدم المؤاخذة لا يقال : يجوز حمل النصوص على العفو عن الصغائر ، أو عن الكبائر بعد التوبة ، أو على تأخير العقوبات المستحقة ، أو على عدم شرع الحدود في عامة المعاصي ، أو على ترك وضع الآصار عليهم من التكاليف المهلكة كما على الأمم السالفة ، أو على ترك ما فعل ببعض الأمم من المسخ ، وكتبه الآثام على الجباه ، ونحو ذلك بما يفضحهم في الدنيا ، لأنا نقول : هذا مع كونه عدولا عن الظاهر بلا دليل وتقييد للإطلاق بلا قرينة ، وتخصيصا للعام بلا مخصص ، ومخالفة لأقاويل من يعتد به من المفسرين بلا ضرورة وتفريقا بين الآيات والأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعنى بلا فارق مما لا يكاد يصح في بعض الآيات كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) .. (٦) الآية.

فإن المغفرة بالتوبة تعم الشرك وما دونه. فلا تصح التفرقة بإثباتها لما دونه.

__________________

(١) سورة الشورى آية رقم ٢٥.

(٢) سورة المائدة آية رقم ١٥.

(٣) سورة الزمر آية رقم ٥٣.

(٤) سورة النساء آية رقم ٤٨ ، ١١٦.

(٥) سورة الرعد آية رقم ٦.

(٦) سورة النساء آية رقم ٤٨ ، ١١٦.

١٤٩

وكذا تعم كل أحد من العصاة ، فلا تلائم التعليق بمن يشاء المفيد للبعضية وكذا مغفرة الصغائر ، على أن في تخصيصها إخلالا بالمقصود ، أعني تهويل شأن الشرك ببلوغه النهاية في القبح بحيث لا يغفر (١) ، ويغفر جميع ما سواه ، ولو كبيرة في الغاية ، وأما باقي المعاني المذكورة فربما يكون في الشرك أقوى على ما لا يخفى ، فلا معنى للنفي ، والمشهور في إبطال تقييدهم المغفرة بما بعد التوبة أن قبول التوبة وترك العقاب بعدها واجب عندهم (٢). فلا يتعلق بالمشيئة. واعترض بأن ترك العقاب على الكبيرة بعد التوبة ليس واجبا كثواب المطيع بل بمقتضى الوعد ، بمعنى أنه واجب أن يكون كما هو المذهب عندكم ، ووعده بذلك ووفاؤه بما وعد هو المغفرة والعفو. ولو سلم ، ففعل الله تعالى ، وإن كان واجبا (٣) عليه ، يكون بمشيئته وإرادته. فيصح تعليقه بها.

والجواب ـ أن المذهب عندهم على ما صرحوا به في كتبهم هو أن العقاب بعد التوبة ظلم يجب على الله تركه ، ولا يجوز فعله. ثم الواجب ، وإن كان فعله بالإرادة والمشيئة ، لا يحسن في الإطلاق تعليقه بالمشيئة كقضاء الدين. والوفاء بالنذر ، لأنه إنما يحسن فيما يكون له الخيرة في الفعل والترك ، على أنك إذا تحققت ، فليس هذا مجرد تعليق بالمشيئة بمنزلة قولك : يغفر ما دونه إن شاء ، بل تقييدا للمغفور له. بمنزلة قولك : يغفر لمن يشاء دون من لا يشاء ، وهذا لا يكون في الواجب البتة ، بل في المتفضل به كقولك : الأمير يخلع على من يشاء. بمعنى أنه يفعل ذلك ، لكن بالنسبة إلى البعض دون البعض. وبهذا يندفع إشكال آخر ، وهو أن المغفرة معلقة بالمشيئة فلا يدل على الوقوع ، لعدم العلم بوقوع المشيئة ، بل على مجرد الجواز ، وليس المتنازع. وقد يدفع بأنه لا بد من وقوع المشيئة ليتحقق الفرق بين الشرك وما دونه على ما هو مقصود سوق الآية. وهذا الدفع إنما يتم على رأي من يجعل التفرقة بينهما بوقوع العفو ولا وقوعه.

__________________

(١) في (ب) بزيادة (هذا الذنب).

(٢) قال تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). والفلاح لا يكون معه عقاب.

(٣) عجب لهؤلاء القوم ، ومن الذي أوجب عليه ذلك إن العبودية الحقة لله تعالى تجعل العبيد بمنأى عن هذه الأشياء التي يقشعر منها البدن ، وتذهب منها النفس حسرات ..؟؟

١٥٠

ويجعل العفو عن الكفر جائزا غير واقع. وعليه الأشاعرة (١) وكثير من المتكلمين.

قال : للمانعين عقلا

(للمانعين عقلا أن جواز العفو إغراء على القبيح فيمتنع. ورد بعد تسليم القاعدة بمنع كونه إغراء ، بل مجرد احتمال العقوبة زاجر ، فكيف مع الرجحان وشهادة النصوص.).

تمسكت الوعيدية القائلون بعدم جواز العفو عن الكبائر عقلا ، وهم البلخي (٢) وأتباعه بأنه إغراء على القبيح ، لأن المكلف يتكل على العفو ويرتكب القبائح ، وهذا قبيح يمتنع إسناده إلى الله تعالى. وأجيب بعد تسليم قاعدة الحسن والقبح العقليين بأن مجرد احتمال العقوبة يصلح زاجرا للعاقل عن ارتكاب الباطل ، فكيف مع الآيات القاطعة بالعذاب والوعيدات الشائعة في ذلك الباب. فكيف يكون احتمال تركها ، بل وقوعه في الجملة ، وبالنسبة إلى من لا يعلمه إلا الله مظنة للإغراء ومفضية الى الاجتراء ، ألا ترى أن قبول التوبة مع وجوبه عندكم ، وعزم كل أحد عليها غالبا ليس بإغراء ، والتردد في نيل توفيقها لا يزيد على التردد في نيل كرامة العفو؟.

فإن قيل : ترك العفو ادعى الى الطاعة ، فيكون لطفا فيجب ، فيمتنع العفو.

قلنا : منقوض بقبول التوبة (٣) وتأخير العقوبة (٤) وإن ادعى وجه مفسدة في تركهما منعنا انتفاءه في ترك العفو. فإن في العفو لطفا بالعبد في تأدية وظيفة مزيد

__________________

(١) سبق الحديث على فرقة الأشاعرة ورئيسهم أبي الحسن الأشعري ، في الجزء الأول من هذا الكتاب فليرجع إليه. وبالله التوفيق.

(٢) هو أحمد بن سهل ، أبو زيد البلخى أحد الكبار الأفذاذ من علماء الإسلام ، جمع بين الشريعة والفلسفة ولد في إحدى قرى بلخ عام ٢٣٥ ه‍ من كتبه : أقسام العلوم ، وشرائع الأديان ، وكتاب السياسة الكبير والصغير ، والأسماء والكنى والألقاب ، ما يصح من أحكام النجوم ، أقسام علوم الفلسفة وغير ذلك كثير توفي عام ٣٢٢ ه‍ ، راجع الفهرست وحكماء الإسلام ، ولسان الميزان ١ : ١٨٣.

(٣) في (ب) بزيادة (من العبد).

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (عنه).

١٥١

لثناء على الله تعالى بالعفو والكرم والرأفة.

قال : وسمعا

(بالنصوص الواردة في وعيد الفساق ، فإن الخلف والكذب نقص بالاتفاق (١). ورد بأنهم داخلون في عمومات الوعد. والخلف في الوعد باطل بالإجماع ، بخلاف الخلف في الوعيد. فإنه كرم جوزه البعض. نعم حديث لزوم الكذب وتبديل القول مشكل (٢) فالأولى القول بإخراجهم من عموم اللفظ ، وبأنه ليس نسخا ليمتنع في الخير ، وأما القول بأن الكذب يجري في المستقبل فضعيف جدا (٣) وكذا القول بأن صدق كلامه عندنا أزلي ، فلا يتغير. والكذب عندكم إنما امتنع لقبحه. ولا قبح هاهنا لتوقف العفو عليه. كمن أخبر أنه يقتل زيدا غدا ، فلم يقتله. وذلك لأن أزلية الصدق تقتضي ترك العفو. وجواز الكذب في إخباره يفضي إلى مفاسد لا تحصى (٤))

تمسك القائلون بجواز العفو عقلا ، وامتناعه سمعا ، وهم البصريون من المعتزلة ، وبعض البغدادية بالنصوص الواردة في وعيد الفساق وأصحاب الكبائر إما بالخصوص كقوله تعالى في آكل أموال الناس : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) (٥)

وفي التولي عن الزحف : (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٦) وفي تعدي حدود المواريث : (يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (٧)

وإما بالدخول في العمومات المذكورة في بحث الخلود. وإذا تحقق الوعيد. فلو تحقق العفو ، وترك العقوبة بالنار ، لزم الخلف في الوعيد والكذب

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (عليه).

(٢) في (ب) بزيادة (لبعضهم).

(٣) سقط من (ب) لفظ (جدا).

(٤) في (ب) كثيرة بدلا من (لا تحصى).

(٥) سورة النساء آية رقم ٣٠.

(٦) سورة آل عمران آية رقم ١٦٢ وسورة الأنفال آية رقم ١٦.

(٧) سورة النساء آية رقم ١٤.

١٥٢

في الإخبار. واللازم باطل فكذا الملزوم.

وأجيب بأنهم داخلون في عمومات الوعد بالثواب ودخول الجنة على ما مر. والخلف في الوعد لؤم لا يليق بالكريم وفاقا (١) ، بخلاف الخلف في الوعيد ، فإنه ربما يعد كرما. والقول بالإحباط وبطلان استحقاق الثواب بالمعصية فاسد كما مر ، فكيف كان ترك عقابهم بالنار خلفا مذموما ولم يكن ترك ثوابهم بالجنة كذلك؟

والدفع بأنه لو صح أن يخلف الوعيد لصح أن يسمى مخلفا ، ليس بشيء لأن كثيرا من أفعاله بهذه الحيثية (٢). أعني لا يصح إطلاق اسم الفاعل منها عليه ، لإيهام النقص. كما أنه يتكلم بالمجاز ، ولا يسمى متجوزا. وكذا لا يسمى ماكرا ومستهزئا ، ونحو ذلك ، بل مع أنه ينجز وعد الثواب لا يسمى منجزا. نعم لزوم الكذب في إخبار الله تعالى ، مع الإجماع على بطلانه ولزوم تبديل القول مع النص الدال على انتفائه مشكل. فالجواب الحق أن من تحقق العفو في حقه يكون خارجا عن عموم اللفظ ، بمنزلة الثابت.

فإن قيل : صيغة العموم المتعرية عن دليل الخصوص تدل على إرادة كل فرد مما يتناوله اللفظ ، بمنزلة التنصيص عليه باسمه الخاص. فإخراج البعض بدليل متراخ يكون نسخا ، وهو لا يجري في الخبر للزوم الكذب. وإنما التخصيص هو الدلالة على أن المخصوص غير داخل في العموم ، ولا يكون ذلك إلا بدليل متصل.

قلنا : ممنوع ، بل إرادة الخصوص من العام ، والتقييد من المطلق شائع من غير دليل متصل. ثم دليل التخصيص والتقييد بعد ذلك ، وإن كان متراخيا بيان لا نسخ. وهذا هو المذهب عند الفقهاء الشافعية (٣) ، والقدماء من الحنفية (٤). وكانوا ينسبون

__________________

(١) في (ب) اتفاقا بدلا من (وفاقا).

(٢) في (ب) بهذه (الصفة) بدلا من (الحيثية).

(٣) أصحاب محمد بن إدريس الشافعي ـ رضي الله عنه وقد سبق الحديث عنهم في كلمة مستفيضة في الجزء الأول.

(٤) أصحاب النعمان بن ثابت صاحب مدرسة الرأي في الفقه الإسلامي.

١٥٣

القول بخلاف ذلك الى المعتزلة إلا أن المتأخرين منهم يعدون ذلك نسخا ، ويخصون التخصيص بما يكون دليله متصلا ، ويجوزون الخلف في الوعيد. ويقولون : الكذب يكون في الماضي دون المستقبل. وهذا ظاهر الفساد. فإن الإخبار بالشيء على خلاف ما هو كذب سواء كان في الماضي أو في المستقبل. قال الله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) (١) ثم قال : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) (٢)

على أن المذهب عندنا أن إخبار الله تعالى أزلي لا يتعلق بالزمان ، ولا يتغير بتغيير المخبر به على ما سبق في بحث الكلام.

فإن قيل : فعليه ما ذكرتم يكون حكم العام هو التوقف حتى يظهر دليل الخصوص.

قلنا : لا ، بل يجرى على عمومه في حق العمل. بل وفي حق وجوب اعتقاد العموم ، دون فرضيته. وهذا البحث مستوفى في أصول الفقه. وقد بسط الكلام فيه صاحب التبصرة بعض البسط ، وللإمام الرازي هاهنا جواب إلزامي وهو أن صدق كلامه لما كان عندنا أزليا ، امتنع كذبه ، لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه. وأما عندكم فإن امتنع كذبه لكونه قبيحا فلمقلتم : إن هذا الكذب قبيح ، وقد توقف عليه العفو الذي هو غاية الكرم؟ وهذا كمن أخبر (٣) أنه يقتل زيدا غدا ظلما ، ففي الغد ، إما أن يكون الحسن قتله ، وهو باطل ، وإما ترك قتله ، وهو الحق. لكنه لا يوجد إلا عند وجود الكذب. وما لا يوجد الحسن إلا عند وجوده حسن قطعا. فهذا الكذب حسن قطعا ، ويمكن دفعه بأن الكذب في إخبار الله تعالى قبيح وإن تضمن وجوها من المصلحة ، وتوقف عليه أنواع من الحسن لما فيه من مفاسد لا تحصى ومطاعن في

__________________

(١) سورة الحشر آية رقم ١١.

(٢) سورة الحشر آية رقم ١٢.

(٣) في (ب) قال بدلا من (أخبر).

١٥٤

الإسلام لا تخفى. منها مقال (١) الفلاسفة في المعاد ومجال الملاحدة في العناد. وهاهنا بطلان ما وقع عليه الإجماع من القطع بخلود الكفار في النار. فإن غاية الأمر شهادة النصوص القاطعة بذلك. وإذا جاز الخلف ، لم يبق القطع إلا عند شرذمة لا يجوزون العفو عنهم في الحكمة على ما يشعر قوله تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢)

وغير ذلك من الآيات. ووجه التفرقة أن العاصي قلما يخلو عن خوف عقاب ، ورجاء رحمة ، وغير ذلك من خيرات تقابل ما ارتكب من المعصية اتباعا للهوى ، بخلاف الكافر. وأيضا الكفر مذهب ، والمذهب يعتقد للأبد ، وحرمته لا تحتمل الارتفاع أصلا. فكذلك عقوبته ، بخلاف المعصية ، فإنها لوقت الهوى والشهوة ، وأما من جوز العفو عقلا ، والكذب في الوعيد ، إما قولا لجواز الكذب المتضمن لفعل الحسن ، أو بأنه لا كذب بالنسبة إلى المستقبل (٣) ، فمع صريح إخبار الله تعالى بأنه لا يعفو عن الكافر ، ويخلده في النار. فجواز الخلف ، وعدم وقوع مضمون هذا الخبر محتمل. ولما كان هذا باطلا ، علم أن القول بجواز الكذب في إخبار الله تعالى باطل قطعا.

قال : خاتمة ـ قد اشتهر

(من المعتزلة أن الفاسق مخلد ، وإن عدم القطع بعقابه إرجاء. لكن ينبغي أن يكون هذا مذهب البعض ، إذ المختار عند الأكثرين هو أن الكبائر إنما تسقط الطاعات إذا زاد عقابها على ثوابها. وذلك في علم الله. واضطربوا فيما إذا تساويا ، وصرحوا بجواز العفو عقلا وشرعا عند البصرية ، وبعض البغدادية (٤) ، وعقلا عند غير الكعبي)

من مذهب المعتزلة أن صاحب (٥) الكبيرة ـ بدون التوبة ـ مخلد في النار وإن

__________________

(١) في (ب) أقوال بدلا من (مقال).

(٢) سورة القلم آية رقم ٣٥.

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (والحال).

(٤) في (أ) الغدادية وهو تحريف.

(٥) في (ب) مرتكب بدلا من (صاحب).

١٥٥

عاش على الإيمان والطاعة مائة سنة. ولم يفرقوا بين أن تكون الكبيرة واحدة أو كثيرة ، واقعة قبل الطاعات أو بعدها أو بينها. وجعلوا عدم القطع بالعقاب ، وتفويض الأمر إلى أن الله تعالى يغفر إن شاء ويعذب إن شاء على ما هو مذهب أهل الحق إرجاء. بمعنى أنه تأخير للأمر وعدم جزم بالعقاب أو الثواب. وبهذا الاعتبار جعل أبو حنيفة من المرجئة. وقد قيل له: من أين أخذت الإرجاء؟

فقال : من الملائكة (عليهم‌السلام). (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا)(١)

وإنما المرجئة الخالصة الباطلة هم الذين يحكمون بأن صاحب الكبيرة لا يعذب أصلا ، وإنما العذاب والنار للكفار ، وهذا تفريط. كما أن قول الوعيدية إفراط. والتفويض (٢) إلى الله تعالى وسط بينهما كالكسب بين الجبر والقدر. ونحن نقول : ينبغي أن يكون ما اشتهر منهم مذهب بعضهم. والمختار خلافه ، لأن مذهب الجبائي وأبي هاشم ، وكثير من المحققين ـ وهو اختيار المتأخرين ـ أن الكبائر إنما تسقط الطاعات ، وتوجب دخول النار إذا زاد عقابها على ثوابها ، والعلم بذلك مفوض إلى الله تعالى. فمن خلط الحسنات بالسيئات ولم يعلم عليه غلبة الأوزار ، لم يحكم بدخوله النار. بل إذا زاد الثواب يحكم بأنه لا يدخل النار أصلا. واضطربوا فيما إذا تساوى الثواب والعقاب ، وصرحوا بأن هذا بحسب السمع. وأما بحسب العقل فيجوز العفو عن الكبائر كلها ، إلا عند الكعبي. وذكر إمام الحرمين في الإرشاد (٣) أن مذهب البصريين وبعض البغداديين جواز العفو عقلا وشرعا. ولقد مننا بهذا على المعتزلة أن ادركوا ، ونهجنا لهم منهاجا أن سلكوا. وإلا فمن لهم بعصمة تنجي أو توبة ترجى.

قال : المبحث الثالث عشر ـ

__________________

(١) سورة البقرة آية رقم ٣٢.

(٢) التفويض قيل : هو ترك اختيار ما فيه الخطر إلى اختيار المدبر العالم بمصلحة الخلق ، وقيل : هو ترك الطمع ، والأول أنسب قال الله سبحانه وتعالى : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) الآية ثم قال تعالى : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) الآية وقال عليه‌السلام لابن مسعود : ليقل همك ما قدر أتاك وما لم يقدر لا يأتيك ، وقوله ليقل همك أمر له بالتفويض. والله أعلم.

(٣) قام بتحقيقه الأستاذ الدكتور محمد يوسف موسى ، والأستاذ الدكتور علي عبد المنعم عبد الحميد.

١٥٦

(المبحث الثالث عشر ـ يجوز عندنا الشفاعة لأهل الكبائر في حقها ، لما سبق من دلائل العفو ، وما تواتر معنى من ادخار الشفاعة لأهل الكبائر. وقد يستدل بعموم قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (١)

وبأن أصل الشفاعة ثابت بالنص والإجماع ، وليست حقيقة لطلب المنافع على ما يراه المعتزلة ، وإلا لكنا شافعين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين نسأل الله تعالى زيادة كرامته. بل لإسقاط المضاد. وعندكم لا عقاب مع التوبة ، ولا صغيرة مع اجتناب الكبيرة ، فتعين كونها لإسقاط الكبائر. تمسكت المعتزلة بوجوه :

الأول ـ عمومات نفي الشفاعة مثل قوله تعالى : (لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (٢) (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٣) (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) (٤) (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (٥) (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٦)

والجواب ـ بعد تسليم عموم الأزمان والأحوال التخصيص بالكبائر جمعا بين الأدلة على أن الظلم المطلق هو الكفر ، ونفي الناصر لا ينفي الشفيع.

الثاني ـ آيات تنفي شفاعة صاحب الكبيرة : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٧) (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) (٨).

والجواب ـ أن الفاسق مرتضى من جهة الإيمان. والمراد تابوا عن الشرك ، لأن من تاب عن المعاصي وعمل صالحا فطلب مغفرته عبث ، أو طلب لترك الظلم.

الثالث ـ آيات خلود الفساق ، وقد مر.

__________________

(١) سورة محمد آية رقم ١٩.

(٢) سورة البقرة آية رقم ٤٨.

(٣) سورة المدثر آية رقم ٤٨.

(٤) سورة البقرة آية رقم ٢٥٤.

(٥) سورة غافر آية رقم ١٨.

(٦) سورة آل عمران آية رقم ١٩٢.

(٧) سورة الأنبياء آية رقم ٢٨.

(٨) سورة غافر آية رقم ٧.

١٥٧

الرابع ـ الإجماع على صحة اللهم اجعلنا من أهل شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والجواب ـ إن أهلية شفاعته على تقدير العصيان إنما هو بالطاعة والإيمان).

في الشفاعة يدل على ثبوتها النص والإجماع. إلا أن المعتزلة قصروها على المطيعين والتائبين لرفع الدرجات وزيادة المثوبات.

وعندنا يجوز لأهل الكبائر أيضا في حط السيئات ، إما في العرصات ، وإما بعد دخول النار ، لما سبق من دلائل العفو عن الكبيرة ، ولما اشتهر بل تواتر معنى من ادخار الشفاعة لأهل الكبائر ، كقوله (عليه‌السلام) : «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» (١) وترك العقاب بعد التوبة واجب عندهم ، فليس للعفو والشفاعة كثير معنى. وقد يستدل بقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٢).

أي لذنوب المؤمنين ، فيعم الكبائر وبقوله تعالى في حق الكفار : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٣)

فإن مثل هذا الكلام إنما يساق حيث تنفع الشفاعة غيرهم ، فيقصد تقبيح حال الكفرة. وتخييب رجائهم ، بأنهم ليسوا كذلك إذ لو لم تنفع الشفاعة أحدا لما كان في تخصيصهم زيادة تخييب وتوبيخ لهم. لكنه مع هذا التكلف لا يفيد إلا ثبوت أصل الشفاعة ولا نزاع فيه. نعم لو تم ما ذكره بعض أصحابنا من أن الشفاعة لا يجوز أن تكون حقيقية لزيادة المنافع ، بل لإسقاط المضار فقط. والصغائر مكفرة عندكم باجتناب الكبائر ، فتعين أن تكون لإسقاط الكبائر ، لكان في إثبات أصل الشفاعة إثبات المطلوب. إلا أن غاية متشبثهم في ذلك هو أن الشفاعة لو كانت حقيقة في طلب زيادة المنافع لكنا شافعين في حق النبي (عليه‌السلام) حين نسأل

__________________

(١) الحديث رواه الإمام الترمذي في كتاب القيامة ١١ وأبو داود في كتاب السنة ١١ وعند ابن ماجه في كتاب الزهد ٣٧ باب ذكر الشفاعة ٤٣١٠ ـ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا الوليد ابن مسلم ، حدثنا زهير بن محمد عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جابر قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : وذكره. ورواه الإمام أحمد في المسند ٣ : ٢١٣ حدثنا عبد الله ثنى أبي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا بسطام بن حريث عن أشعث الحراني عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ـ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : وذكره.

(٢) سورة محمد آية رقم ١٩.

(٣) سورة المدثر آية رقم ٤٨.

١٥٨

الله تعالى زيادة كرامته. واللازم باطل وفاقا واعترض بأنه يجوز أن يعتبر فيها زيادة قيد ، ككون الشفيع أعلى حالا من المشفوع له ، أو كون زيادة المنافع محصولة البتة لسؤاله وطلبه.

وأجيب بأن الشفيع قد يشفع لنفسه ، فلا يكون اعلى ، وقد يكون غير مطاع فلا يقع المسئول ، فضلا عن أن يكون لأجل سؤاله.

فإن قيل : إطلاق الشفاعة على طلب المنافع مما لا سبيل إلى إنكاره كقول الشاعر :

فذاك فتى إن تأته في صنيعه

إلى ما له لم تأته بشفيع

وكما في منشور دار الخلافة لسلطان محمود : ولّيناك كورة خراسان ، ولقّبناك بيمين الدولة ، وأمين الملة بشفاعة أبي حامد الأسفرايني.

قلنا : نعم ، لكن لو كان حقيقة لاطرد فيما ذكرنا. احتجت المعتزلة بوجوه :

الأول ـ الآيات الدالة على نفي الشفاعة بالكلية ، فيخص المطيع والتائب بالإجماع ، فتبقى حجة فيما وراء ذلك ، مثل قوله تعالى :

(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ...) (١) الآية.

والضمير في : (لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (٢) و(لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) (٣)

للنفس المبهمة العامة. وكقوله تعالى :

(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ). (٤).

وكقوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (٥)

أي يجاب. يعني لا شفاعة أصلا على طريقة قوله : ولا ترى الضب بها

__________________

(١) سورة البقرة آية رقم ٤٨.

(٢) سورة البقرة آية رقم ٤٨.

(٣) سورة البقرة آية رقم ١٢٨.

(٤) سورة البقرة آية رقم ٢٥٤.

(٥) سورة غافر آية رقم ١٨.

١٥٩

ينحجر. وكقوله تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (١).

الثاني ـ ما يشعر بنفي الشفاعة لصاحب الكبيرة منطوقا كقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٢).

فإنه ليس بمرتضى. أو مفهوما كقوله تعالى حكاية عن حملة العرش : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (٣) ، (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) (٤).

ولا فارق بين شفاعة الملائكة والأنبياء.

الثالث ـ ما سبق (٥) من الآيات المشعرة. بخلود الفساق. ولو كانت شفاعة لما كان خلود.

الرابع ـ الإجماع على الدعاء بقولنا : اللهم اجعلنا من أهل شفاعة محمد. ولو خصت (٦) الشفاعة لأهل الكبائر ، لكان ذلك دعاء بجعله منهم.

والجواب عن الأول ـ بعد تسليم العموم في الأزمان والأحوال أنها تختص بالكفار جمعا بين الأدلة على أن الظالم على الإطلاق هو الكافر ، وأن نفي النصرة لا يستلزم نفي الشفاعة لأنها طلب على خضوع ، والنصرة ربما تنبئ عن مدافعة ومغالبة. هذا بعد تسليم كون الكلام لعموم السلب ، لا لسلب العموم. وقد سبق مثل ذلك (٧).

وعن الثاني ـ بأنا لا نسلم أن من ارتضى لا يتناول الفاسق ، فإنه مرتضى من جهة الإيمان والعمل الصالح ، وإن كان مبغوضا من جهة المعصية ، بخلاف الكافر المتصف بمثل العدل ، أو الجور ، فإنه ليس بمرتضى عند الله تعالى أصلا لفوات أصل الحسنات وأساس الكمالات. ولا نسلم أن الذين

__________________

(١) سورة المائدة آية رقم ٧٢.

(٢) سورة الأنبياء آية رقم ٢٨.

(٣) سورة غافر آية رقم ٧.

(٤) سورة غافر آية رقم ٧.

(٥) في (ب) ما قلناه بدلا من قوله (ما سبق).

(٦) في (ب) كانت بدلا من (خصت).

(٧) في (ب) الكلام بدلا من (مثل ذلك).

١٦٠