شرح المقاصد - ج ٤

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٤

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٥

المبحث الرابع

امتناع اتصاف الواجب بالحوادث

(في امتناع اتصافه بالحادث بمعنى الموجود بعد العدم خلافا للكرامية ، وأما الاتصاف بما له تعلقات حادثة أو بما يتجدد من السلوب والإضافات والأحوال فليس من المتنازع فلا يصلح تمسكا لهم. والاستدلال بأن المصحح للاتصاف هو مطلق الصفة إذ لا عبرة بالقدم لكونه عدميا فاسد لجواز أن يكون المصحح حقيقة الصفة القديمة أو يكون القدم شرطا أو الحدوث مانعا. لنا وجوه :

الأول : الإجماع على أن ما يصح عليه إن كان صفة كمال لم يخل عنه وإلا لم يتصف به.

الثاني : أن الاتصاف بالحادث تغير ، وهو عليه محال.

الثالث : أنه لو جاز لجاز في الأزل لاستحالة الانقلاب وهو يستلزم جواز وجود الحادث في الأزل لامتناع الاتصاف بالشيء بدونه.

الرابع : أنه لو جاز لزم عدم خلوه عن الحادث لاتصافه قبل ذلك الحادث بضده الحادث لزواله وبقابليته الحادث لما مر. واستضعف الأول بأن يجوز أن تكون الحوادث كمالات متلاحقة مشروطا ابتداء الكل بانقضاء الآخر وفيه نظر. والثاني : بأن التغيير بمعنى تبدل في الصفات من غير تأثر (١) عن الغير نفس المتنازع ، والثالث : بأن اللازم أزلية الجواز، والمحال جواز الأزلية ، والرابع : منع مقدمات الملازمة).

__________________

(١) في (ج) تبر بدلا من (تأثر).

٦١

المبحث الرابع : الجمهور على أن الواجب يمتنع أن يتصف بالحادث أي الموجود بعد العدم خلافا للكرامية (١). وأما اتصافه بالسلوب والإضافات الحاصلة بعد ما لم تكن ، ككونه غير رازق لزيد الميت ، رازقا لعمرو المولود وبالصفات الحقيقية (٢) المتغيرة المتعلقات ككونه عالما بهذا الحادث قادرا عليه فجائز ، وكذا بالأحوال المتحققة بعد ما لم تكن كالعالميات المتجددة بتجدد المعلومات عند أبي الحسين البصريّ (٣) على ما سيجيء (٤) تحقيق ذلك ، وبهذا يندفع ما ذكره الإمام الرازيّ من أن القول بكون الواجب محلا للحوادث لازم على جميع الفرق الإسلامية وإن (٥) كانوا يتبرءون عنه.

أما الأشاعرة (٦) : فلأن زيدا إذا وجد ، كان الواجب غير قادر على خلقه بعد ما كان وفاعلا له ؛ عالما بأنه موجود ، مبصرا لصورته ، سامعا لصوته ، آمرا له بالصلاة بعد ما لم يكن كذلك.

__________________

(١) أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام. وهم طوائف بلغ عددهم إلى اثنتي عشرة فرقة وأصولها ست. العابدية. والتونية والزرينية والاسحاقية والواحدية وأقربهم الهيصمية ولكل واحدة منهم رأي قال أبو عبد الله في كتابه المسمى (عذاب القبر) إنه أحدى الذات أحدى الجوهر وأنه مماس للعرش من الصفحة العليا. وجوز الانتقال والتحول والنزول .. الخ.

راجع الملل والنحل ج ١ ص ١٠٨ ، ١٠٩.

(٢) في (ب) الخفيفة بدلا من الحقيقة.

(٣) هو محمد بن علي الطيب أبو الحسير البصريّ أحد أئمة المعتزلة. ولد في البصرة وسكن بغداد وتوفي بها عام ٤٣٦ ه‍ له تصانيف وشهرة بالذكاء والديانة على بدعته من كتبه «المعتمد في أصول الفقه» وشرح الأصول الخمسة كلها في الأصول.

راجع وفيات الأعيان ١ : ٤٨٢.

(٤) في (ب) ما يجب.

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (وإن).

(٦) أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعريّ ت سنة ٣٢٤ ه‍ المنتسب إلى أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه وسمعت من عجيب الاتفاقات أن أبا موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ كان يقرر عين ما يقرره الأشعريّ أبو الحسن فى مذهبه قال أبو الحسن : الباري تعالى عالم بعلم ، قادر بقدرة ، حي بحياة ؛ مريد متكلم بكلام الخ.

راجع الملل والنحل ج ١ ص ٩٤ ، ٩٥.

٦٢

وأما المعتزلة (١) : فلقولهم بحدوث المريدية والكارهية لما يراد وجوده أو عدمه ، والسامعية ، والمبصرية ، لما يحدث من الأصوات والألوان ، وكذا بتجدد العالميات عند تجدد المعلومات عند أبي الحسين البصري.

وأما الفلاسفة : فلقولهم بأن لله تعالى إضافة إلى ما حدث ، ثم فنى بالقبلية ثم المعية ، ثم البعدية ، ؛ وهم لا يقولون بوجود كل إضافة ، حتى يلزم اتصافه بموجودات حادثة على ما هو المتنازع ، وهذه الشبهة هي (٢) العمدة في تمسك المجوزين فلا تكون واردة في محل النزاع ، وقد يتمسك بأن المصحح لقيام الصفة بالواجب ، إما كونها صفة ، فيعم القديم والحادث ، وإما مع قيد القدم ، أعني كونه غير مسبوق بالعدم ، وهو عدمي لا يصلح جزءا للمؤثر.

وجوابه : منع الحصر لجواز أن يكون المصحح ماهية الصفة القديمة المخالفة لماهية الصفة الحادثة ، على أن يكونا أمرين متخالفين متشاركين في مفهوم الوصفية ، ولو سلم : يجوز أن يكون القدم شرطا (٣) أو الحدوث مانعا ، احتج المانعون بوجوه :

الأول : أنه (٤) لو جاز اتصافه بالحوادث لجاز النقصان عليه وهو باطل بالإجماع ، وجه اللزوم ، أن ذلك الحادث ، إن كان من صفات الكمال كان الخلو (٥) عنه ، مع جواز الاتصاف به نقصا بالاتفاق ، وقد خلا عنه قبل حدوثه ، وإن لم يكن من صفات الكمال امتنع اتصاف الواجب به للاتفاق على أن كل ما يتصف هو به يلزم أن يكون صفة الكمال.

__________________

(١) المعتزلة : ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ويلقبون بالقدرية والعدلية وهم قد جعلوا لفظ القدرة مشتركا وقالوا : لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى. احترازا من وصمة اللقب إذ كان الذم به متفقا عليه لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (القدرية مجوس هذه الأمة).

راجع الملل والنحل ج ١ ص ٤٣ وما بعدها.

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (هي).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (شرطا).

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (انه).

(٥) في (ب) حلوله بدلا من (الخلو).

٦٣

واعترض : بأنا لا نسلم (١) أن الخلو عن صفة الكمال نقص ، وإنما يكون لو لم يكن حال الخلو متصفا بكمال ، يكون زواله شرطا لحدوث هذا (٢) الكمال. وذلك بأن يتصف دائما بنوع كمال (٣) يتعاقب أفراده من غير بداية ونهاية! ويكون حصول كل لاحق مشروطا بزوال السابق على ما ذكره الحكماء في حركات الأفلاك فالخلو عن كل فرد يكون شرطا لحصول كمال آخر ، (٤) بل لاستمرار كمالات غير متناهية ، فلا يكون نقصا.

وأجيب : بأن المقدمة إجماعية بل ضرورية ، والسند مدفوع بأنه إذا كان كل فرد حادث ، كان النوع حادثا ضرورة ، لأنه لا يوجد إلا في ضمن فرد. وبأن الواجب (٥) على ما ذكرتم لا يخلو عن الحادث ، فيكون حادثا ضرورة. وبأنه في الأزل يكون خاليا عن كل فرد ضرورة امتناع الحادث في الأزل فيكون ناقصا.

الثاني : وهو العمدة (٦) عند الحكماء أن الاتصاف بالحادث تغير وهو على الله تعالى محال.

وجوابه : أن اللازم من استحالة الانقلاب جواز الاتصاف في الأزل على أن يكون في الأزل قيدا للجواز ، وهو لا يستلزم إلا أزلية (٧) جواز الحادث لا جواز الاتصاف في الأزل على أن يكون قيدا للاتصاف ليلزم جواز أزلية الحادث ، ولا خفاء في أن المحال جواز أزلية الحادث ، بمعنى إمكان أن يوجد في الأزل ، لا أزلية جوازه ، بمعنى أن يمكن في الأزل وجوده في الجملة.

وهذا كما يقال : إن قابلية الإله لإيجاد العالم متحققة في الأزل بخلاف قابليته لإيجاد العالم في الأزل ، أي يمكن في الأزل أن يوجده ، ولا يمكن أن يوجده في الأزل ، ومبنى الكلام ، على أن يعتبر (٨) الحادث بشرط الحدوث ، وإلا فلا خفاء في إمكان وجوده في الأزل.

__________________

(١) في (ب) ثم بدلا من (نسلم).

(٢) في (أ) بزيادة (هو).

(٣) سقط من (ب) جملة (بنوع كمال).

(٤) في (أ) بزيادة (آخر).

(٥) سقط من (ب) لفظ (الواجب).

(٦) في (ب) المعتمد بدلا من (العمدة).

(٧) في (ب) الاستلزام بدلا من الأزلية.

(٨) سقط من (أ) لفظ (يعتبر).

٦٤

الرابع : أنه لو جاز اتصافه بالحادث ، لزم عدم حلوله (١) عن الحادث فيكون حادثا لما سبق في حدوث العالم ولمساعدة الخصم على ذلك.

وأما الملازمة فلوجهين :

أحدهما : أن المتصف بالحادث لا يخلو عنه ، وعن ضده. وضد الحادث حادث ، لأنه منقطع إلى الحادث ، ولا شيء من القديم كذلك ، لما تقرر أن ما يثبت قدمه امتنع عدمه.

وثانيهما : أنه لا يخلو عنه وعن قابليته ، وهي حادثة لما مرّ من أن أزلية القابلية تستلزم جواز أزلية المقبول ، فيلزم جواز أزلية الحادث وهو محال ، وكلا الوجهين ضعيف.

أما الأول : فلأنه إن أريد بالضد ما هو المتعارف ، فلا نسلم (٢) أن لكل صفة ضد أو أن الموصوف لا يخلو عن الضدين ، وإن أريد أن مجرد (٣) ما ينافيه وجوديا كان أو عدميا حتى إن عدم كل شيء ضد له ، ويستحيل الخلو عنهما ، فلا نسلم (٤) أن ضد الحادث حادث. فإن القدم (٥) والحدوث إن جعلا من صفات الموجود خاصة ، فعدم الحادث قبل وجوده ليس بقديم ولا حادث وإن أطلقا على المعدوم أيضا باعتبار كونه غير مسبوق بالوجود أو مسبوقا به فهو قديم ، وامتناع زوال القديم إنما هو في الموجود لظهور زوال العدم الأزلي لكل حادث.

وأما الثاني : فلأن القابلية اعتبار عقلي معناه ، إمكان الاتصاف ولو سلم فأزليتهما إنما تقتضي أزلية جواز المقبول أي إمكانه لا جواز أزليته ليلزم المحال. وقد عرف الفرق.

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (حلوله).

(٢) في (ب) ثم بدلا من (نسلم).

(٣) في (ب) بزيادة (أن).

(٤) في (ب) ثم بدلا من (نسلم).

(٥) القدم : ضد الحدوث ، والقدم : وجود فيما مضى : والبقاء : وجود فيما يستقبل ، ولم يرد في التنزيل ولا في السنة ذكر القديم في وصف الله تعالى ، والمتكلمون يصفونه به. وقد ورد : يا قديم الإحسان وأكثر ما يستعمل القديم يستعمل باعتبار الزمان ، نحو قوله تعالى : (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) سورة يس آية رقم ٣٩.

٦٥
٦٦

الفصل الثالث

في الصفات الوجودية

وفيه مباحث :

الأول : الصفات زائدة على الذات

الثاني : في أنه تعالى قادر

الثالث : في أنه تعالى عالم

الرابع : في أنه تعالى مريد

الخامس : في أنه حي سميع بصير

السادس : في أنه تعالى متكلم

السابع : في صفات اختلف فيها.

٦٧
٦٨

المبحث الأول

الصفات زائدة على الذات

المبحث الأول :

(صفاته زائدة على الذات (١) ، فهو عالم له علم ، قادر له قدرة حيّ له حياة ، إلى غير ذلك. خلافا للفلاسفة والمعتزلة).

في الوجودية لا خفاء ولا نزاع في أن اتصاف الواجب بالسلبيات مثل كونه واحدا ليس في جهة وحيز لا يقتضي ثبوت صفات له وكذا بالإضافات والأفعال ، مثل كونه تعالى(٢) العلي والعظيم ، والأول ، والآخر ، والقابض (٣) والباسط (٤) ، والخافض والرافع ، ونحو ذلك. وإنما الخلاف في الصفات الثبوتية الحقيقية ، مثل كونه العالم والقادر. فعند أهل الحق له صفات أزلية زايدة على الذات ، فهو عالم له علم قادر له قدرة ، حيّ له حياة ، وكذا في السميع والبصير

__________________

(١) ما من شك في أن البحث في الذات والصفات الإلهية من ناحية الصلة بينهما توحيدا أو تغايرا ، والبحث في الصفات الموهمة للتشبيه نفيا أو تأويلا إنما هو تهجم من الإنسان على مقام لا يرقى إليه وهم متوهم ولا خيال متخيل ، وإنه لحق أن كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.

وقد كان من الطبيعي أن يقدر الباحثون أنفسهم باعتبارهم من البشر حق قدرها ، وأن يقدروا الله حق قدره.

ولو سار الأمر على هذا النسق لما تطاول البشر إلى مقام الله ، ولما تجاوزوا حدودهم ، وبالتالي لما كان هناك اختلاف وتنازع وافتراق في موضوع الصفات الإلهية.

التوحيد الخالص أو الإسلام والعقل ص ١٤٠.

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (تعالى).

(٣) و (٤) قال تعالى : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) جزء من الآية ٢٤٥ سورة البقرة وفيه مسائل : الأولى : تقوية أحدهما بالآخر الأحسن في مثل هذين الاسمين أن تقوى أحدهما في الذكر بالآخر ليكون ذلك أدل على القدرة والحكمة ، ولهذا السبب ذكرت الآية السابقة. وإذا ذكرت القابض مفردا عن الباسط كنت قد وصفته بالمنع والحرمان وذلك غير جائز. والقبض في اللغة الأخذ والبسط التوسع والنشر ، وهذان الأمران يعمّان جميع الأشياء فكل أمر ضيقه فقد قبضه ، وكل أمر وسّعه فقد بسطه. الخ.

راجع شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص ٢٣٤.

٦٩

والمتكلم وغير ذلك. مع اختلاف في البعض ، وفي كونها غير الذات ، بعد الاتفاق على أنها ليست عين الذات ، وكذا في الصفات بعضها مع بعض ، وهذا لفرط تحرزهم عن القول بتعدد القدماء ، حتى (١) منع بعضهم أن يقال : صفاته قديمة ، وإن كانت أزلية ، بل يقال هو قديم بصفاته وآثروا أن يقال هي قائمة بذاته أو موجودة بذاته. ولا يقال هي فيه أو معه أو مجاورة له (٢) أو حالة فيه ، لإيهام التغاير ، وأطبقوا على أنها لا توصف بكونها أعراضا.

وخالف في القول بزيادة الصفات أكثر الفرق كالفلاسفة والمعتزلة ، ومن يجري مجراهم من أهل البدع والأهواء ، وسموا القائلين بها بالصفاتية (٣) ، ثم اختلفت عباراتهم فقيل : هو حيّ عالم قادر لنفسه ، وقيل بنفسه. وقيل لكونه على حالة هي أخص صفاته ، وقيل لا لنفسه ، ولا لعلل. وكلام الإمام (٤) الرازي في تحقيق إثبات الصفات ، وتحرير محل النزاع ، ربما يميل الى (٥) الاعتزال.

قال في المطالب العالية (٦) : أهم المهمات في هذه المسألة ، البحث عن محل الخلاف فمن المتكلمين من زعم أن العلم صفة قائمة بذات العالم ، ولها تعلق بالمعلوم فهناك أمور ثلاثة : الذات والصفة والتعلق ، ومنهم من زعم أن العلم صفة توجب العالمية ، وأن هناك تعلقا بالمعلوم من غير أن يعين أن المتعلق هو العلم أو العالمية ليكون هناك أمور أربعة ، أو كلاهما ليكون هناك أمور خمسة : ثم قال :

وأما نحن فلا نثبت إلا أمرين الذات والنسبة المسماة بالعالمية ، وندعي أنها أمر زائد على الذات ، موجود فيه للقطع ، بأن المفهوم من هذه النسبة ليس هو المفهوم من

__________________

(١) في (ب) حيث بدلا من (حتى).

(٢) سقط من (ب) لفظ (له).

(٣) الصفاتية : يثبتون لله تعالى صفات أزلية ، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل ، حتى لقد بلغ بعضهم في إثبات الصفات الى حد التشبيه. والمعتزلة : يقولون ينفي الصفات لامتناع تعدد القديم. لذلك قيل : إن المعتزلة ، نفاة الصفات معطلة الذات.

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (الإمام).

(٥) في (ب) سقط؟ حرف الجر (إلى).

(٦) المطالب العالية : كتاب في الكلام للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي المتوفي سنة ٦٠٦ ه‍ وشرحه عبد الرحمن المعروف (بجلبي زاده).

٧٠

الذات ، وإن من اعترف بكونه عالما لم يمكنه نفي هذه النسبة إذ لا معين للعالم إلا الذات الموصوفة بهذه النسبة ، ولا للقادر إلا الذات الموصوفة بأنه يصح منه الفعل.

هذا : وقد عرفت أنه لا يجوز أن يكون العلم نفس الإضافة. وقد صرح هو أيضا بذلك. حيث قال في نهاية العقول ، لو كان عالما وقادرا مجردا من إضافي لتوقف ثبوته (١) على ثبوت المعلوم (٢) والمقدور لأن وجود الامور الإضافية مشروط بوجود المضافين ، لكن المعلوم قد يكون محالا ، وقد يكون ممكنا ، لا يوجد إلا بإيجاد الله تعالى المتوقف على كونه عالما قادرا.

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (ثبوته).

(٢) في (ب) المعلول بدلا من (المعلوم).

٧١

الرد على الفلاسفة والمعتزلة في عدم زيادة

الصفات

(لنا وجوه الأول : أن حد العالم من قام به العلم ، وعلة العالمية أعني كونه عالما هو العلم ، وهذا لا يختلف شاهدا وغائبا بخلاف ما ليس من الوجوه (١) التي توجب كون العالم عالما كالعرضية والحدوث ونحو ذلك.

الثاني : أنه لا يعقل من العالم إلا من له العلم ، ومن المعلوم إلا ما تعلق به العلم فبالضرورة إذا كان عالما وكان له معلوم كان له علم ، فإن قيل : علمه ذاته قلنا فلا يفيد حمله على الذات ولا تتميز الصفات ولا يفتقر إلى الإثبات ، ويكون العلم مثلا واجبا معبودا صانعا للعالم موصوفا بالكمالات فإن قيل يكفي تغاير المفهوم كما في سائر المحمولات. قلنا : ليس الكلام في مثل العالم والقادر والحيّ بل في العلم والقدرة والحياة. فإن قيل ذاته من حيث التعلق بالمعلومات عالم بلا علم ، وبالمقدورات قادر بلا قدرة ، كالواحد نصف الاثنين وثلث الثلاثة وهكذا مع أن الموجود واحد لا غير قلنا : معلوم قطعا أن الذات لا تكون علما وقدرة بل عالما وقادرا. ويبقى الكلام في المعنى الذي هو مأخذ الاشتقاق ولا يفيدك تسميته بالتعلق للقطع بأنه من الصفات الحقيقية لا الاعتبارات العقلية (٢).

الثالث : قوله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (٣) ، (أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (٤) ، (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (٥) ، (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ) (٦)).

__________________

(١) في (ج) الوجود بدلا من (الوجوه).

(٢) في (ج) الفعلية بدلا من (العقلية).

(٣) سورة النساء آية رقم ١٦٦.

(٤) سورة هود آية رقم ١٤.

(٥) سورة الذاريات آية رقم ٥٨.

(٦) سورة البقرة آية رقم ١٦٥.

٧٢

لنا وجوه :

الأول : طريقة القدماء وهو اعتبار الغائب بالمشاهد ، وتقريره على ما ذكره إمام الحرمين (١) أنه لا بدّ في ذلك من جامع للقطع بأنه لا يصح في الغائب الحكم بكونه جسما محدودا بناء على أنا لا نشاهد الفاعل إلا كذلك.

والجوامع أربعة : العلة والشرط ، والحقيقة والدليل.

فإنه إذا ثبت في الشاهد كونه الحكم معللا بعلة كالعالمية بالعلم أو مشروطا بشرط كالعالمية بالحياة ، أو تقررت حقيقة (٢) في محقق ككون حقيقة العالم من قام به العلم ؛ أو دلّ دليل على مدلول عقلا ، كدلالة الأحد على المحدث لزم المراد ذلك في لغائب.

وقد ثبت في الشاهد أن حقيقة العالم من قام به العلم. وأن الحكم بكون العالم عالما معلل بالعلم ، فلزم القضاء بذلك في الغائب.

وكذا الكلام في القدرة والحياة ، وغيرهما. وهذا احتجاج على المعتزلة القائلين بصحة قياس الغائب على الشاهد عند شرائطه.

وقد تكون هذه الأحكام في الشاهد معللة بالصفات كالعالمية بالعلم. فلا يتوجه منع الأمرين (٣). نعم يتوجه ما قيل : إن هذه الأحكام إنما تعلل في الشاهد لجوازها فلا تعلل في الغائب لوجوبها. وإن من شرط القياس (٤) أن يتماثل أمران فيثبت

__________________

(١) راجع ترجمة له في وفيات الأعيان ١ : ٢٨٧ ، ودمية القصر والفهرس التمهيدي ٢٠٩ و ٥٥١ ، والسبكي ٢ : ٢٤٩ ، وسير النبلاء المجلد الخامس عشر ومفتاح السعادة ١ : ٤٤٠.

(٢) في (ب) حقيقته.

(٣) في (ب) الآخرين بدلا من (الأمرين) ولعله تحريف.

(٤) القياس : التقدير ، يقال : قاس الشيء إذا قدره ، ويستعمل أيضا في التشبيه ، أي في تشبيه الشيء بالشيء. يقال هذا قياس ذاك إذا كان بينهما تشابه.

والقياس اللغوي : رد الشيء إلى نظيره ، والقياس الفقهي : حمل فرع على أصله لعلة مشتركة بينهما.

والقياس المنطقي : قول مؤلف من أقوال إذا وضعت لزم عنها بذاتها لا بالعرض قول آخر غيرها اضطرارا. (راجع النجاة لابن سينا ص ٤٧).

٧٣

لأحدهما مثل ما يثبت للآخر ، وهذه الأحكام مختلفة غائبا وشاهدا بالقدم والحدوث والشمول واللاشمول وغير ذلك.

وكذا الصفات التي أثبتوها عللا لها.

وأجيب : بأن الوجوب لا ينافي التعليل ، غايته أنه لا يعلل إلا بالواجب والجائز يعلل بالجائز ، وأنه لا اختلاف لهذه الأحكام ، ولا للصفات فيما يتعلق بالمقصود. فإن العلم إنما يوجب كون العالم عالما من حيث كونه علما لا من حيث كونه عرضا أو حادثا أو نحو ذلك.

الوجه الثاني : أن الله تعالى عالم ، وكل عالم فله علم. إذ لا يعقل من العالم إلا ذلك ، وكذا القادر وغيره.

وتقرير آخر أن لله تعالى معلوما وكل من له معلوم فله علم ، إذ لا معنى للمعلوم إلا ما تعلق به العلم.

فإن قيل : سلمنا أن له علما ، لكن لم لا يجوز أن يكون علمه نفس ذاته لا زائدا عليه. وكذا سائر الصفات؟.

قلنا : لأنه يلزم منه محالات أحدها أن لا يكون حمل تلك الصفات على الذات مفيدة بمنزلة قولنا : الإنسان بشر ، والذات ذات ، والعالم عالم ، ؛ والعلم علم.

وثانيها : أن يكون العلم هو القدرة ، والقدرة هي الحياة ، وكذا البواقي من غير تمايز أصلا ، لأنها كلها نفس الذات ، فينتظم قياس هكذا. العلم هو الذات ، والذات هي القدرة ، لأن القدرة إذا كانت نفس الذات ، كانت الذات نفس القدرة ضرورة.

وثالثها : أن يجزم العقل بكون الواجب عالما قادرا ، حيا سميعا بصيرا من غير افتقار إلى إثبات ذلك بالبرهان ، لأن كون الشيء نفسه ضروري.

ورابعها : أن يكون العلم مثلا واجب الوجود لذاته ، قائما بنفسه ، صانعا للعالم ، معبودا للعباد ، حيا ، قادرا ، سميعا ، بصيرا إلى غير ذلك من الكمالات ،

٧٤

وليس كذلك وفاقا ، حين صرح الكعبي (١). بأن من زعم أن علم الله يعبد فهو كافر.

فإن قيل : يكفي في عدم لزوم هذه المحالات ، كون المفهوم من الذات ، غير المفهوم من الصفات ، وكون المفهوم من كل صفة مغايرا للمفهوم من الأخرى ، وهذا لا نزاع فيه ، ولا يستلزم الزيادة بحسب الوجود كما هو المطلوب.

ألا نرى أن حمل مثل الكاتب. والضاحك ، والعالم ، والقادر على الإنسان يفيد ، وربما يحتاج إلى البيان ، مع اتحاد الذات ، وعدم لزوم كون الكتابة وهو الضحك ، والضاحك والناطق.

قلنا : ليس الكلام في العالم والقادر والحي ونحو ذلك ، مما يحمل على الذات بالمواطأة بل في العلم والقدرة والحياة ، ونحوها مما لا يحمل إلا بالاشتقاق ، فإنها إذا كانت نفس الذات كان لزوم المحلات المذكورة ظاهرا.

فإن قيل : إنما يلزم ذلك لو لم تكن الذات مع الصفات ، وكذا الصفات بعضها مع البعض ، متغايرة بحسب الاعتبار ، وإن كانت متحدة بحسب الوجود ، وذلك بأن تكون الذات من حيث التعلق بالمعلومات عالما بل علما (٢) ، ومن حيث التعلق بالمقدورات قادرا بل قدرة (٣) ، ومن حيث كونه بحيث يصح أن يعلم ويقدر حيا بل (٤) حياة وعلى هذا القياس ؛ ، ويكون معنى الحمل ، أن الذات متعلق بالمعلومات وبالمقدورات مثلا ، ولا خفاء في إفادته ، وافتقاره إلى البيان ، ولا في تمايز الاعتبارات

__________________

(١) الكعبي : هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبيّ البلخيّ الخرسانيّ ، أبو القاسم أحد أئمة المعتزلة ، كان رأس طائفة منهم تسمى (الكعبية) وله آراء ومقالات في الكلام انفرد بها ، وهو من أهل بلخ وتوفي بها عام ٣١٩ ه‍ له كتب منها «التفسير وتأييد مقالة أبي الهذيل». و «أدب الجدل» و «الطعن على المحدثين». قال السمعانيّ : من مقالته : إن الله تعالى ليس له إرادة وأن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها».

راجع تاريخ بغداد ٩ : ٣٨٤ ووفيات الأعيان ١ : ٢٥٢ ، ولسان الميزان ٣ : ٢٥٥ وهدية العارفين ١ : ٤٤٤.

(٢) في (ب) بلا علم.

(٣) في (ب) بلا قدرة.

(٤) في (ب) بلا حياة.

٧٥

بعضها عن البعض من غير تكثر في الذات أصلا بحسب الوجود ، وهذا كما أن الواحد نصف الاثنين ، ثلث للثلاثة ، ربع للأربعة ، وهكذا إلى غير النهاية ، مع أن الموجود واحد لا غير ، والحمل مفيد ، والنصفية متميزية عن الثلثية.

قلنا : كون الذات نفس التعلق الذي هو العلم والقدرة مثلا ضروري البطلان ككون الواحد ، نفس (١) النصفية ، والثلثية ، وإنما هو عالم وقادر فيبقى الكلام في مأخذ الاشتقاق، أعني العلم والقدرة فإنه لا بدّ أن يكون معنى وراء (٢) الذات لا نفسه ، ولا يفيدك تسميته بالتعلق ، لأن مثل العلم والقدرة ليس من الاعتبارات العقلية التي لا تحقق لها في الأعيان بمنزلة الحدوث والإمكان ، بل من المعاني الحقيقية ، فلا بدّ من القول بكونها نفس الذات فيعود المحذور أو وراء الذات فيثبت المطلوب.

وأيضا وصف العالمية أو القادرية ، وكذا المعلومية ، أو المقدورية إنما تتحقق بعد تمام التعلق. فعلى ما ذكر يكون كل من العلم والقدرة عبارة عن تعلق الذات بأمر فلا بد في التمايز من خصوصية ، بها يكون أحد التعلقين علما والآخر قدرة ، وهو المراد بالمعنى الزائد على الذات. والحاصل أنه لا نزاع في أن الله تعالى عالم قادر حي ونحو ذلك ، وهذه الألفاظ ليست أسماء للذات ، من غير اعتبار معنى ، بل هي أسماء مشتقة معناها إثبات ما هو مأخذ الاشتقاق ، ولا معنى له سوى إدراك المعاني ، والتمكن من الفعل والترك ، ونحو ذلك ، فلزم بالضرورة ثبوت هذه المعاني للواجب.

كيف ، والخلو عنها نقص ، وذهاب إلى أنه لا يعلم ولا يقدر. ثم هذه المعاني يمتنع أن تكون نفس الذات لامتناع قيامها بأنفسها ، ولما سبق من المحالات فتعين كونها معاني وراء الذات.

والمعتزلة مع ارتكابهم شناعة العالم بلا علم ، والقادر بلا قدرة ، لا يرضون رأسا

__________________

(١) في (ب) نصف بدلا من (نفس).

(٢) في (ب) ولا الذات.

٧٦

برأس ، بل يباهون بنفي الصفات ويعدون إثباتها من الجهالات (١).

الوجه الثالث : النصوص الدالة على إثبات العلم والقدرة بحيث لا يحتمل التأويل كقوله تعالى :

(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (٢) وقوله (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (٣) أي متلبسا بمعنى أنه تعلق به العلم ، لا بمعنى مقارنا للعلم لئلا يلزم كون العلم منزلا فيجب تأويله وكقوله تعالى :

(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ) (٤) وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (٥).

__________________

(١) يقول ابن تيمية : كل كمال ثبت للمخلوق فالخالق أحق به ، وكل نقص تنزه عنه مخلوق فالخالق أحق بتنزيهه عنه لأن الموجود الواجب القديم أكمل من الموجود الممكن والمحدث ، ولأن كل كمال في المفعول المخلوق ، هو من الفاعل الخالق ، وهم يقولون : كمال المعلول من كمال العلة. فيمتنع وجود كمال في المخلوق إلا من الخالق ، فالخالق أحق بذلك الكمال.

ومن المعلوم بضرورة العقل أن المعدوم لا يبدع موجودا والناقص لا يبدع ما هو أكمل منه فإن النقص أمور عدمية ولهذا لا يوصف الرب من الأمور السلبية إلا بما يتضمن أمورا وجودية. وإلا فالعدم المحض لا كمال فيه. كما قال تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) البقرة / ٢٥٥ / فنزه نفسه عن السنة والنوم لأن ذلك يتضمن كمال الحياة والقيومية وكذلك قوله : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) ق ٣٨ يتضمن كمال القدرة.

راجع كتاب الصفدية ص ٩٠ ، ٩١.

(٢) سورة النساء آية رقم ١٦٦.

(٣) سورة هود آية رقم ١٤.

(٤) هذا جزء من آية من سورة البقرة رقم ١٦٥ وهي : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً).

(٥) سورة الذاريات آية رقم ٥٨.

٧٧

أوجه المخالفين في زيادة الصفات

على الذات

(قال : تمسك المخالف بوجوه :

الأول : أن الكل مستند إليه سيما صفاته فيلزم كونه قابلا وفاعلا ، ورد بمنع بطلانه.

الثاني : أنها صفات كمال فيستلزم استكماله بالغير. ورد بأنها ليست غيره ، ولو سلم فاستحالة الاستكمال بمعنى ثبوت صفة الكمال له نفس المتنازع.

الثالث : أن عالميته مثلا واجبة ، والواجب لا يعلل ورد بعد تسليم كون العالمية غير العلم. بأن الواجب بمعنى (١) ما يمتنع خلو الذات عنه ، لا نسلم استحالة تعليله بصفة ناشئة عن (٢) الذات (٣).

الرابع : أن القول بتعدد القدماء كفر بإجماع. ورد بأنه لا تغاير هاهنا فلا تعدد ، ولو سلم فليس (٤) أزلي قديما بل إذا كان قائما بنفسه. ولو سلم فالكفر إجماعا تعدد القديم بمعنى عدم المسبوقية بالغير ولو سلم ففي الذات خاصة كما لزم النصارى).

تمسك المخالف بوجوه للقائلين بنفي الصفات شبه بعضها على أصول الفلسفة تمسكا للفلاسفة ، وبعضها على قواعد الكلام تمسكا للمعتزلة ، وبعضها من مخترعات أهل السنة على أحد الطريقين دفعا لها ، ولم يصرح في المتن بنسبة كل إلى من يتمسك به لعدم خفائه على الناظر في المقدمات.

الأول : وهو للفلاسفة. لو كانت له صفة زائدة لكانت ممكنة (٥) ، لأن الصفة لا

__________________

(١) في (أ) و (ب) بزيادة (بمعنى).

(٢) في (ج) غير بدلا من (عين).

(٣) في (ج) بزيادة (كل).

(٤) أمثال القرامطة والباطنية والمتفلسفة راجع رد ابن تيمية عليهم في كتاب الصفدية من ص ٨ ـ ١٣٥.

(٥) في (ب) مكلفة وهو تحريف.

٧٨

تقوم بنفسها ، فضلا عن الوجود. كيف : وقد ثبت أن الواجب واحد ، وما وقع في بعض كلام بعض العلماء من أن واجب الوجود لذاته هو الله تعالى وصفاته ، فمعناها أنها واجبة لذات الواجب أي مستندة إلى الله تعالى بطريق الإيجاب لا بطريق الخلق بالقصد والاختيار ليلزم كونها حادثة ، وكون القدرة مثلا مسبوقة بقدرة أخرى ، وما ثبت من كون الواجب مختارا لا موجبا ، إنما هو في غير صفاته ؛ وأما استناد الصفات عند من يثبتها فليس (١) إلا بطريق الإيجاب.

وكذا قولهم علة الاحتياج إلى المؤثر هو الحدوث دون الإمكان ينبغي أن يخص (٢) بغير صفاته ، ولا يخفى أن مثل هذه التخصيصات في الأحكام العقلية بعيد جدا ثم صفاته على تقدير تحققها ولزوم إمكانها يجب أن يكون أثرا له (٣) لامتناع افتقار الواجب في صفاته وكمالاته إلى الغير ، فيلزم كونه القابل والفاعل وهو باطل لما مرّ.

وأجيب بالمنع كما (٤) مرّ ، وقد يقرر لزوم كونه الفاعل ، بأن جميع الممكنات مستندة إليه وكأنه إلزامي ، وإلا فأكثر الممكنات عند الفلاسفة أثر للغير وإن كانت بالآخرة منتهية إلى الواجب ، مستندة إليه بالواسطة ، وهذا لا يوجب (٥) كون الفاعل.

الثاني : الصفة الزائدة إن لم تكن كمالا يجب نفيها عنه (٦) لتنزهه عن النقصان ، وإن كان يلزم استكماله بالغير ، وهو يوجب النقصان بالذات فيكون محالا.

وأجيب : بأنا لا نسلم أن ما لا يكون كمالا يكون نقصانا. وأن ما لا يكون عين الشيء يكون غيره ، بل صفاته ، لا هو ولا غيره. ولو سلم فلا نسلم استحالة ذلك إذا كانت صفة الكمال ناشئة عن الذات ، دائمة (٧) بدوامه ، بل ذلك غاية الكمال.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (فليس).

(٢) في (ب) يختص بدلا من (يخص).

(٣) في (ب) انزاله وهو تحريف.

(٤) في (ب) لما بدلا من (كما).

(٥) سقط من (ب) حرف (لا).

(٦) في (ب) منه بدلا من (عنه).

(٧) في (ب) قائمة بدلا من (دائمة).

٧٩

الثالث : وهو للمعتزلة أن عالميته واجبة ، لاستحالة الجهل عليه ، ولاستحالة افتقاره إلى فاعل يجعله عالما ، وكذا البواقي. والواجب لا يعلل ، لأن سبب الاحتياج إلى العلة ، هو الجواز لترجيح جانب الوجود ، فعالميته مثلا لا تعلل بالعلم ، بل يكون هو عالم بالذات بخلاف عالميتنا فإنها جائزة.

والجواب : بعد تسليم كون العالمية أمرا وراء العالم معللا به كما هو رأى مثبتي الأحوال ، أن وجوبها ليس بمعنى كونها واجبة الوجود لذاتها ، ليمتنع تعليلها ، بل بمعنى امتناع خلو الذات عنها ، وهو لا ينافي كونها معللة بصفة ناشئة عن الذات ، فإن اللازم للذات قد يكون بوسط.

الرابع : وهو (١) العمدة الوثقى لنفات (٢) الصفات من المليين (٣) ، أنها إما أن تكون حادثة فيلزم قيام الحوادث بذاته ، وخلوه في الأزل عن العلم والقدرة والحياة وغيرها من الكمالات ، وصدورها عنه بالقصد والاختيار أو بشرائط حادثة لا بداية لها ، والكل باطل بالاتفاق ، وإما أن تكون قديمة ، فيلزم تعدد القدماء وهو كفر بإجماع المسلمين ، وقد كفرت النصارى بزيادة قديمين (٤) ، فكيف بأكثر.؟

وأجيب : بأنا لا نسلم تغاير الذات مع الصفات ولا الصفات بعضها مع البعض ليثبت التعدد ، فإن الغيرين هما اللذان يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر بمكان أو زمان ، أو بوجود وعدم أو هما ذاتان ليست إحداهما الأخرى وتفسيرهما بالشيئين أو الموجودين ، أو الاثنين فاسد ، لأن الغير من الأسماء الإضافية ، ولا إشعار في هذا التفسير بذلك.

__________________

(١) في (أ) بزيادة (أن).

(٢) في (ب) سقط كلمة (لنفات).

(٣) المليين : أصحاب الملل. والملة كالدين. وهي ما شرع الله لعباده على لسان المرسلين ليتوصلوا به إلى جوار الله. والفرق بينها وبين الدين أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي الذي تستند إليه. نحو (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) سورة آل عمران آية ٩٥. ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعالى ولا إلى آحاد أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا تستعمل إلا في جملة الشرائع دون آحادها.

راجع بصائر ذوي التمييز ج ٤ ص ٥١٨.

(٤) قال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ).

وقال تعالى : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟ قالَ : سُبْحانَك).

٨٠