شرح المقاصد - ج ٤

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٤

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٥

فإن قيل : تمسك الفريقين بالآيات والحديث مما لا يكاد يصح ، لأن النزاع ليس في ا س م بل في إفراد مدلوله من مثل السماء والأرض والعالم والقادر والاسم والفعل وغير ذلك على ما يشهد به كلامهم ألا يرى أنه لو أريد الأول لما كان للقول بتعدد أسماء الله تعالى وانقسامها إلى ما هو عين أو غير أو لا عين ولا غير معنى ، وبهذا يسقط ما ذكره الإمام الرازي من أن لفظ الاسم مسمى بالاسم لا الفعل والحرف. فههنا الاسم والمسمى واحد ولا يحتاج إلى الجواب بأن الاسم هو لفظ الاسم من حيث إنه دال وموضوع ، والمسمى هو من حيث إنه مدلول وموضوع له بل فرد من أفراد الموضوع له فتغايرا (١).

قلنا : نعم إلا أن وجه تمسك الأولين أن في مثل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) (٢) أريد بلفظ الاسم الذي هو (٣) من جملة الأسماء مسماه الذي هو اسم من أسماء الله تعالى ، ثم أريد به مسماه الذي هو الذات الإلهية (٤) ، إلا أنه يرد إشكال الإضافة ، ووجه تمسك الآخرين ، أن في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٥) أريد بلفظ الأسماء مثل لفظ الرحمن ، والرحيم ، والعليم ، والقدير ، وغير ذلك مما هو غير لفظ الأسماء ، ثم إنها متعددة فيكون غير المسمى الذي هو ذات الواحد الحقيقي ، الذي لا تعدد فيه أصلا.

فإن قيل : قد ظهر أن ليس الخلاف في لفظ الاسم ، وأنه في اللغة موضوع للفظ الشيء أو لمعناه (٦) ، بل في الأسماء التي من جملتها لفظ الاسم ، ولا خفاء في أنها أصوات وحروف مغايرة لمدلولاتها ، ومفهوماتها (٧) ، وإن أريد بالاسم المدلول ،

__________________

(١) سقط من (أ) فتغايرا

(٢) سورة الأعلى آية رقم ١

(٣) سقط من (ب) لفظ (هو)

(٤) سقط من (ب) لفظ (الإلهية)

(٥) سورة الأعراف آية رقم ١٨٠

(٦) سقط من (أ) لفظ (أو لمعناه)

(٧) سقط من (ب) لفظ (ومفهوماتها)

٣٤١

فلا خفاء في أن مدلول اسم الشيء ومفهومه نفس مسماه من غير احتياج إلى استدلال ، بل هو لغو من الكلام بمنزلة قولنا : ذات الشيء ذاته. فما وجه هذا الاختلاف المستمر بين كثير من العقلاء.

قلنا : الاسم إذا وقع في كلام قد يراد به معناه كقولنا زيد كاتب وقدير إذ نفس لفظه كقولنا زيد اسم معرب حتى ان كل كلمة فإنه اسم موضوع بإزاء لفظه يعبر عنه كقوله ضرب فعل ماض ، ومن حرف جر.

وقد أوردنا لهذا زيادة توضيح وتفصيل في فوائد شرح الأصول.

ثم إذا أريد المعنى. وقد يراد نفس ماهية المسمى كقولنا الحيوان جنس ، والإنسان نوع ، وقد يراد بعض أفرادها ، كقولنا جاءني إنسان ورأيت حيوانا ، وقد يراد جزؤها كالناطق ، أو عارض لها كالضاحك ، فلا يبعد أن يقع بهذا الاعتبار اختلاف واشتباه في أن اسم الشيء نفس مسماه أم غيره.

٣٤٢

المبحث الثاني

أسماء الله تعالى توفيقية

قال (المبحث الثاني)

(المبحث الثاني أسماء الله تعالى توفيقية خلافا للمعتزلة ، والقاضي مطلقا والغزالي (١) في الصفات ، وتوقف إمام الحرمين ، ومحل النزاع ما اتصف الباري بمعناه ، ولم يرد إذن ولا منع به ، ولا بمرادفه ، وكان مشعرا بإجلال من غير وهم إخلال لنا أنه لا يجوز في حق النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل لا يرتضيه آحاد الناس. قالوا شاع في سائر اللغات. قلنا غير محل النزاع.

قال الإمام الحل والحرمة من أحكام الشرع ، فيتوقف على دليل شرعي وعلى عبرة بالقياس في الأسماء والصفات.

قلنا : التسمية من العمليات. وقال الغزالي أجزاء الصفات إخبار بصفات مدلولاتها فيجوز بدلائل إباحة الصدق ، بل استحبابه إلا لمانع بخلاف التسمية ، فإنه تصرف في المسمى فلا يصلح إلا لمن له الولاية. وإنما لم يجزم مثل العارف (٢) والفطن (٣) لما فيه من وهم الإجلال ، ولا يمثل الحارث والزارع بعدم الإجلال).

__________________

(١) هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسيّ أبو حامد ، حجة الإسلام ، فيلسوف ، متصوف ، له نحو مائتي مصنف ، مولده ووفاته في الطبران عام ٤٥٠ ه‍. ورحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر ، وعاد إلى بلدته من كتبه : إحياء علوم الدين ، وتهافت الفلاسفة ومقاصد الفلاسفة وغير ذلك كثير توفى عام ٥٠٥ ه‍.

راجع وفيات الأعيان ١ : ٤٦٣ وطبقات الشافعية ٤ : ١٠١ وشذرات الذهب ٤ : ١٠ ومفتاح السعادة ٢ : ١٩١ ـ ٢١٠

(٢) العارف : العرف : الريح الطيبة ، والمعروف ضد المنكر ، والعرف عرف الفرس ، وقوله تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) قيل هو مستعار من عرف الفرس ، والأعراف الذي في القرآن ، قيل هو سور بين الجنة والنار ، وعرفات موضع بمعنى ، وهو اسم في لفظ الجمع فلا يجمع. قال الفراء : لا واحد له والعارف : بمعنى كالعليم والعالم ، والعريف أيضا النقيب وهو دون الرئيس والجمع عرفاء.

(٣) الفطنة : كالفهم تقول : فطن للشيء يفطن بالضم فطنة ، وفطن بالكسر فطنة أيضا وفطانة وفطانية بفتح ـ

٣٤٣

لا خلاف في جواز إطلاق الأسماء والصفات على الباري تعالى إذا ورد إذن الشرع وعدم جوازه إذا ورد منعه. وإنما الخلاف فيما لم يرد به إذن ولا منع ، وكان هو موصوفا بمعناه ، ولم يكن إطلاقه عليه مما يستحيل في حقه ، فعندنا لا يجوز ، وعند المعتزلة يجوز ، وإليه مال القاضي أبو بكر منا (١) ، وتوقف إمام الحرمين (٢) ، وفصل الإمام الغزالي (٣) رحمه‌الله فقال بجواز الصفة ، وهو ما يدل على معنى زائد على الذات دون الاسم ، وهو ما يدل على نفس الذات ، ويشكل هذا بمثل الإله اسما للمعبود ، والكتاب اسما للمكتوب ، والرسم اسما لما رم من العظام أي بلي ، وبأسماء الزمان (٤) والمكان والآلة ، ولعل المتكلم يلتزم كونها صفات ، وإن كانت اسما عند النحاة ، وقد أورد تمام تحقيق الفرق في فوائد شرح الأصول لنا. أنه لا يجوز أن يسمى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما ليس من أسمائه ، بل لو سمي واحد من أفراد الناس بما لم يسمه به أبواه لما ارتضاه. فالباري تعالى وتقدس أولى. قالوا أهل كل لغة يسمونه باسم مختص بلغتهم كقولهم خذامي وتنكري ، وشاع ذلك وذاع من غير نكير وكان إجماعا.

قلنا : كفى بالإجماع دليلا على الإذن الشرعي ، وهذا ما يقال انه لا خلاف فيما يرادف الأسماء الواردة في الشرع.

قال إمام الحرمين : معنى الجواز وعدمه الحل والحرمة ، وكل منهما حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي ، والقياس (٥) إنما يعتبر في العمليات دون الأسماء

__________________

ـ الفاء فيهما ، ورجل فطن بكسر الطاء وضمها.

(١) سبق الترجمة للقاضي أبي بكر الباقلاني.

(٢) سبق الترجمة لإمام الحرمين الجويني

(٣) سبق الترجمة لحجة الإسلام الغزالي

(٤) الزمان : الوقت كثيره وقليله ، وهو المدة الواقعة بين حادثتين أولاهما سابقة ، وثانيتهما لاحقة ، ومنه زمان الحصاد ، وزمان الشباب وزمان الجاهلية ، وجمع الزمان أزمنة ، تقول السنة أربعة أزمنة أي أقسام وفصول ، وتقول أيضا الأزمنة القديمة ، أو الأزمنة الحديثة.

(٥) القياس : التقدير ، يقال الشيء إذا قدره ، ويستعمل أيضا في التشبيه ، أي في تشبيه الشيء بالشيء يقال : هذا قياس ذاك إذا كان بينهما تشابه.

والقياس اللغوي : رد الشيء إلى نظيره ، والقياس الفقهي حمل فرع على أصله ، لعلة مشتركة بينهما.

٣٤٤

والصفات. وأجيب بأن التسمية من باب العمليات وأفعال اللسان.

وقال الإمام الغزالي : إجراء الصفات إخبار بثبوت مدلولها. فيجوز عند ثبوت المدلول إلا لمانع بالدلائل الدالة على إباحة الصدق ، بل استحبابه بخلاف التسمية فإنه تصرف في المسمى لا ولاية عليه إلا للأب والمالك ، ومن يجري مجرى ذلك.

فإن قيل : فلم لا يجوز مثل العارف ، والعاقل ، والفطن ، والذكي ، وما أشبه ذلك.

قلنا : لما فيه من الإيهام لشهرة استعماله ، مع خصوصية تمنع في حق الباري تعالى ، فإن المعرفة قد تشعر سبق العدم ، والعقل بما يعقل العالم أي يحسبه ، ويمنعه ، والفطنة والذكاء بسرعة إدراك ما غاب ، وكذا جميع الألفاظ الدالة على الإدراك. حتى قالوا إن الدراية تشعر بضرب من الحيلة ، وهو إعجال الفكر والروية ، وما فيه إيهام لا يجوز بدون الإذن وفاقا ، كالصبور ، والشكور ، والحليم ، والرحيم.

فإن قيل : قد وجدنا من الأوصاف ما يمتنع إطلاقها ، مع ورود الشرع بها ، كالماكر ، والمستهزئ والمنزل ، والمنشئ ، والحارث ، والزارع ، والرامي.

قلنا : لا يكفي في صحة الإجراء على الإطلاق (١) مجرد وقوعها في الكتاب ، والسنة، بحسب اقتضاء المقام ، وسياق الكلام ، بل يجب أن لا يخلو عن نوع تعظيم ورعاية أدب.

__________________

والقياس المنطقي : قول مؤلف من أقوال إذا وصفت لزم عنها بذاتها لا بالعرض ، قول آخر غيرها اضطرارا. (ابن سينا النجاة ص ٤٧) والقياس المنطقي قسمان. قياس اقتراني ، وقياس استثنائي.

(راجع ابن سينا النجاة ص ٤٨)

(١) سقط من (أ) لفظ (على الاطلاق)

٣٤٥

قال (المبحث الثالث)

في مدلول الاسم

(مدلول الاسم قد يكون نفس الذات ، وقد يكون مأخوذا باعتبار (١) الأجزاء ، وبعض العوارض من الصفات والأفعال ، والسلوب (٢) ، والإضافات ، وبهذا الاعتبار كثرت أسماء الله تعالى ، ولا خفاء في امتناع الثاني ، واختلفوا في الأول ، وزعموا أنه فرع الاختلاف في العلم بالذات (٣) ، وليس بشيء لجواز أن يكون الواضع هو الله تعالى ، أو يكفي العلم بالذات بوجه ما فلهذا ذهب المحققون إلى أن الله علم للذات.

فإن قيل : ما يصح اتصاف الباري تعالى كثير جدا (٤) ، وقد ورد (٥) في الكتاب والسنة ما يزيد على مائة وخمسين ، فما وجه الحصر في التسعة والتسعين (٦)؟.

قلنا : بعد تسليم دلالة اسم العدد على نفي الزيادة ، ويجوز أن يكون قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحصاها دخل الجنة» (٧). في موقع الوصف ، ويكون الاسم الأعظم داخلا فيها مبهما لا يعرفه إلا الخاصة ، أو خارجا وزيادة شرفها بالنسبة إلى ما عداها على أن الرواية المشتملة على تفصيل التسعة والتسعين مما ضعفه كثير من المحدثين).

مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة ، وقد يكون مأخوذا باعتبار الأجزاء وقد يكون مأخوذا باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات ، ولا خفاء في تكثير أسماء الله تعالى بهذا الاعتبار ، وامتناع ما يكون باعتبار الجزء لتنزهه عن التركب واختلفوا في الموضوع لنفس الذات ، فقيل جائز بل واقع. كقولنا :

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (بعض)

(٢) سقط من (ب) لفظ (السلوب)

(٣) سقط من (ب) لفظ (بالذات)

(٤) سقط من (أ) لفظ (جدا)

(٥) في (ب) جاء بدلا من (ورد)

(٦) كما يقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة»

(٧) في رواية أخرى «من حفظها دخل الجنة».

٣٤٦

الله : فإن الجمهور على أنه علم لذاته المخصوصة ، وكونه مأخوذا من الإله بحذف الهمزة ، وإدغام اللام ، ومشتقا من أله يأله أو وله يوله أو لاه يليه إذا احتجب أو يلوه إذا ارتفع أو غير ذلك (١) من الأقاويل الصحيحة والفاسدة لا ينافي العلمية ولا يقتضي الوصفية ، وقبل غير جائز لأن الوضع يقتضي العلم بالموضوع له ، ولا سبيل للعقول إلى العلم بحقيقة الذات.

وأجيب بأنه يجوز أن يكون الواضع هو الله تعالى ، وبأنه يكفي معرفة الموضوع له بوجه من الوجوه (٢) ككونه حقيقة ذات واجب الوجود. فالموضوع له يكون هو الذات مع أنه لا يعرف بكنه الحقيقة. وأما الاستدلال بأن اسم الله تعالى لا يكون إلا حسنا ، والحسن إنما هو بحسب الصفات دون الذات (٣) ، وبأن اسم العلم إنما يكون لما يدرك بالحسن (٤) ، ويتصور في الوهم ، وأن العلم قائم مقام الإشارة ، ولا إشارة إلى الباري تعالى ، وبأن العلم لا يكون إلا لغرض التمييز عن المشاركات النوعية أو الجنسية فلا يخفى ضعفه (٥).

فإن قيل : اعتبار السلوب والإضافات يقتضي تكثر أسماء الله تعالى جدا (٦) حتى ذكر بعضهم أنها لا تتناهى بحسب لا تناهي (٧) الإضافات والمغايرات ، فما وجه التخصيص بالتسعة والتسعين على ما نطق به الحديث؟ على أنه قد دل الدعاء المأثور عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن لله تعالى أسماء لم يعلمها أحدا من خلقه ، واستأثر بها في علم الغيب عنده ، وورد في الكتاب والسنة أسامي خارجة عن التسع والتسعين كالباري ، والكافي ، والدائم ، والبصير (٨) ، والنور (٩) ، والمبين ، والصادق (١٠) ،

__________________

(١) راجع مشتقات الاسم الأعظم وأقوال العلماء في ذلك في كتاب بصائر ذوي التمييز ج ٢ ص ١٢

(٢) سقط من (ب) كلمة (من الوجوه)

(٣) سقط من (ب) كلمة (دون الذات)

(٤) في (ب) الأحاسيس بدلا من (الحس)

(٥) في (ب) ما فيه من ضعف بدلا (من ضعفه)

(٦) سقط من (أ) لفظ (جدا)

(٧) في (ب) عدم تناهي بدلا من (لا تناهي)

(٨) قال تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)

(٩) قال تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)

(١٠) قال تعالى : «الصادق الوعد الأمين»

٣٤٧

والمحيط ، والقديم ، والقريب ، والوتر (١) والفاطر (٢) ، والعلام (٣) ، والمليك ، والأكرم ، والمدبر ، والرفيع ، وذي الطول (٤) ، وذي المعارج (٥) وذي الفضل ، والخلاق ، والمولى ، والنصير ، والغالب ، والرب ، والناصر ، وشديد العقاب ، وقابل التوب (٦) ، وغافر الذنب (٧) ، ومولج الليل في النهار ، ومولج النهار في الليل ، ومخرج الحيّ من الميت ، ومخرج الميت من الحيّ (٨) ، والسيد ، والحنان ، والمنان ، ورمضان.

وقد شاع في عبارات العلماء المريد ، والمتكلم ، والشيء ، والموجود ، والذات ، والأزلي ، والصانع والواجب وأمثال ذلك

أجيب بوجوه : الأول أن التنصيص على اسم العدد ربما لا يكون لنفي الزيادة ، بل لغرض آخر كزيادة الفضيلة مثلا.

الثاني : أن قوله من أحصاها دخل الجنة في موقع الوصف كقولك للأمير عشرة غلمان يكفون مهماته ، بمعنى أن لهم زيادة قرب واشتغال بالمهمات ، أو أن هذا القدر من غلمانه الجمة كاف لمهماته من غير افتقار إلى الآخرين.

فإن قيل : إن كان اسمه الأعظم خارجا عن هذه الجملة ، فكيف يختص ما سواه بهذا الشرف ، وإن كان داخلا فكيف يصح أنه مما يختص لمعرفته نبي أو ولي ، وأنه سبب لكرامات عظيمة لمن عرفه حتى قيل : إن آصف بن برخيا إنما جاء بعرش بلقيس لأنه قد أوتي الاسم الأعظم

__________________

(١) قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله وتر يحب الوتر».

(٢) قال تعالى : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

(٣) قال تعالى : (عَلَّامُ الْغُيُوبِ).

(٤) قال تعالى : (ذِي الطَّوْلِ).

(٥) قال تعالى : (مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ).

(٦) قال تعالى : (قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ).

(٧) قال تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ).

(٨) قال تعالى : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). سورة آل عمران آية رقم ٢٧.

٣٤٨

قلنا : يحتمل أن يكون خارجا ، ويكون زيادة شرف التسعة والتسعين وجلالتها بالإضافة إلى ما عداه ، وأن يكون داخلا فيها لا يعرفه بعينه إلا نبي أو وليّ.

الثالث : أن الأسماء منحصرة في التسعة والتسعين والرواية المشتملة على تفصيلها غير مذكورة في الصحيح ، ولا خالية عن الاضطراب والتغيير ، وقد ذكر كثير من المحدثين أن في إسنادها ضعفا ، وعلى هذا يظهر معنى قوله عليه‌السلام «إن الله وتر يحب الوتر» (١) أي جعل الأسماء التي سمى بها نفسه تسعة وتسعون ولم يكملها مائة لأنه وتر يحب الوتر ، ويكون معنى إحصائها الاجتهاد في التقاطها من الكتاب والسنة ، وجمعها وحفظها على ما قال بعض المحدثين. إنه صح عندي قريب من ثمانين يشتمل عليه الكتاب والصحاح من الأخبار ، والباقي ينبغي أن يطلب من الأخبار بطريق الاجتهاد ، والمشهور أن معنى إحصائها عدها ، والتلفظ بها حتى ذكر بعض الفقهاء أنه ينبغي أن تذكر بلا إعراب ليكون إحصاء ، ويشكل بما هو مضاف كمالك الملك ، وذو الجلال ، وقيل حفظها ، أو التأمل في معانيها.

تم بمشيئة الله الجزء الرابع

ويليه الجزء الخامس وأوله

المقصد السادس في السمعيات

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام البخاريّ في كتاب الدعوات ٦٩ وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ٢ باب في أسماء الله تعالى ، وفضل من أحصاها ، ٥ ـ ٢٦٧٧ ـ حدثنا عمرو الناقد ، وزهير بن حرب وابن أبي عمر ، جميعا عن سفيان واللفظ (لعمرو) حدثنا سفيان بن عينية عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال (لله تسعة وتسعون اسما من حفظها دخل الجنة ، وإن الله وتر يحب الوتر) وفي رواية ابن أبي عمير «من أحصاها» وأخرجه أبو داود في كتاب الوتر ١ ، والترمذيّ في الوتر ٢ والنسائي في قيام الليل ٢٧ وابن ماجه في الإقامة ١١٤ باب ما جاء في الوتر ١١٦٩ ـ بسنده عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه : بلفظ «يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر» والإمام أحمد بن حنبل في المسند ١ : ١٠٠ ، ١١٠ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٨ ، ٢ : ١٠٩ ، ١٥٥ ، (حلبي)

٣٤٩
٣٥٠

فهرس الموضوعات

المقصد الخامس في الإلهيات...................................................... ١١

الفصل الأول : في الذات. وفيه مباحث........................................... ١٣

المبحث الأول : من إثباته وفيه طريقان.......................................... ١٥

المبحث الثاني : الاستدلال بعالم الأجسام على وجود الصائع...................... ٢١

المبحث الثالث : ذات الواجب تخالف الممكنات................................. ٢٥

المبحث الرابع : في أن الصانع أزلي أبدي........................................ ٢٧

الفصل الثاني : في التنزيهات وفيه مباحث.......................................... ٢٩

المبحث الأول : طرف المتكلمين في نفس التعدد والكثرة........................... ٣٤

خاتمة : حقيقة (عدم الشريك)................................................. ٣٩

المبحث الثاني : الواجب ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر.......................... ٤٣

المخالفون في تنزيه الله تعالى.................................................... ٤٧

الواجب لا يتصف بكميات ولا كيفيات........................................ ٥٢

المبحث الثالث : الواجب لا يتحد بغيره........................................ ٥٤

الحلول والاتحاد محكى عن النصارى............................................. ٥٧

المبحث الرابع : امتناع اتصاف الواجب بالحوادث................................. ٦١

الفصل الثالث : في الصفات الوجودية وفيه مباحث................................. ٦٧

المبحث الأول : الصفات زائدة على الذات...................................... ٦٩

الرد على الفلاسفة والمعتزلة في عدم زيادة الصفات................................ ٧٢

٣٥١

أوجه المخالفين في زيادة الصفات على الذات.................................... ٧٨

شبه أخرى للمخالفين والرد عليها.............................................. ٨٣

ادعاء المعتزلة نفي القدرة عن الله تعالى.......................................... ٨٦

ادعاء المعتزلة نفي العلم عن الله تعالى........................................... ٨٧

المبحث الثاني : إثبات القدرة لله تعالى.......................................... ٨٩

إيراد الأدلة في كونه تعالى قادراً................................................. ٩٢

خاتمة..................................................................... ١٠١

مخالفة المجوس في شمول القدرة................................................ ١٠٢

المبحث الثالث : في أنه تعالى عالم............................................ ١١٠

أدلة الفلاسفة............................................................. ١١٤

أدلة القائلين بأن الباري لا يعلم ذاته.......................................... ١١٦

خاتمة..................................................................... ١١٨

ادعاء الفلاسفة أن الله تعالى لا يعلم الجزئيات.................................. ١٢١

المبحث الرابع : في أنه تعالى مريد............................................. ١٢٨

القائلون بحدوث الارادة والرد عليهم........................................... ١٣٢

خاتمة..................................................................... ١٣٧

المبحث الخامس : في أنه سيمع بصير حي..................................... ١٣٨

خاتمة..................................................................... ١٤٢

المبحث السادس في أنه متكلم............................................... ١٤٣

الاستدلال على قدم الكلام................................................. ١٤٧

صفات القرآن الکریم....................................................... ١٥٢

الدليل الأول................................................................... ـ

الدليل الثاني.................................................................... ـ

الدليل الثالث.............................................................. ١٥٨

٣٥٢

الدليل الرابع............................................................... ١٦٠

بقية الأدلة من الخامس الى السابع............................................ ١٦٢

خاتمة..................................................................... ١٦٣

المبحث السابع في الصفات المختلف فيها...................................... ١٦٤

من الصفحات المختلف فيها................................................. ١٧٤

تابع الصفات المختلف فيها.................................................. ١٧٤

الفصل الرابع : في أحوال الواجب تعالى وفيه مبحثان............................... ١٧٧

المبحث الأول في رؤيته تعالى في الأخرة........................................ ١٨١

الدليل العقلي على إنكار الرؤية.............................................. ١٨٨

أدلة وقوع الرؤية بالنص والإجماع............................................. ١٩٢

أدلة المخالف على عدم الرؤية................................................ ١٩٦

أدلة المخالف على عدم الرؤية................................................ ١٩٨

الشبهة الثالثة.............................................................. ١٩٨

الشبهة الرابعة.............................................................. ٢٠١

الاستدلال بالآية على جواز الرؤية............................................ ٢٠٥

٥ ـ الشبهة السمعية........................................................ ٢٠٧

٦ ـ الشبهة السمعية........................................................ ٢٠٨

٧ ـ الشبهة السمعية........................................................ ٢٠٩

خاتمة..................................................................... ٢١١

المبحث الثاني في العلم بحقيقة تعالى........................................... ٢١٢

الفصل الخامس : في الأفعال وفيه مباحث........................................ ٢١٧

المبحث الأول : في خلق أفعال العباد......................................... ٢٢٣

الأدلة العقلية على أن فعل العبد واقع بقدرة الرب............................... ٢٢٧

٣٥٣

الدليل الثاني............................................................... ٢٢٨

الدليل الثالث.............................................................. ٢٢٩

الدليل الرابع............................................................... ٢٣١

الدليل الخامس............................................................. ٢٣٣

من أدلة المتقدمين أن فعل العبد بقدرة الرب.................................... ٢٣٥

الأدلة السمعية على أن فعل العبد واقع بقدرة الرب............................. ٢٣٨

الدليل الأول............................................................... ٢٣٨

الدليل الثاني............................................................... ٢٤٠

الدليل الثالث.............................................................. ٢٤١

الدليل الرابع............................................................... ٢٤٣

الدليل الخامس............................................................. ٢٤٤

الدليل السادس............................................................ ٢٤٥

الأحاديث الدالة على أن فعل العبد واقع بقدرة الرب............................ ٢٤٦

أدلة المعتزلة على أن أفعال العباد واقعة بخلفهم وإيجادهم......................... ٢٤٨

الأدلة العقلية التي تمسك بها المعتزلة........................................... ٢٥٢

الأدلة السمعية التي تمسك بها المعتزلة على إيجاد العباد لافعالهم................... ٢٥٧

خاتمة في فصل النزاع العبد مضطر في صورة المختار.............................. ٢٦٣

أفعاله بقضاء الله وقدره...................................................... ٢٦٥

ذم القدرية والنصوص الدالة عليه............................................. ٢٦٧

أقوال العلماء في التوليد..................................................... ٢٧١

المبحث الثاني في عموم إرادته تعالى........................................... ٢٧٤

المبحث الثالث في لاحكم للعقل بالحسن والقبح................................ ٢٨٢

أدلة أهل السنة............................................................ ٢٨٤

٣٥٤

حسن الاحسان وقبح العدوان ليس في موضع شك............................... ٩٠

المبحث الرابع لا قبيح من الله تعالى............................................. ٩٤

جواز تكليف ما لايطلق ولا تعلل أفعاله تعالى.................................... ٩٦

الفصل السادس : في تفاريع الأفعال وفيه مباحث................................. ٣٠٧

المبحث الأول الهدى قد يراد به الامتداد....................................... ٣٠٩

المبحث الثانث اللطف والتوفيق.............................................. ٣١٢

المبحث الثالث حقيقة الأجل................................................ ٣١٤

المبحث الرابع في الرزق...................................................... ٣١٨

المبحث الخامس : السعر تقدير ما يباع به الشيء............................... ٣٢٠

المبحث السادس : ما يجب على الله تعالى في رأي المعتزلة........................ ٣٢١

العوض................................................................... ٣٢٣

الفصل السابع : في أسماء الله تعالى وفيه مباحث.................................. ٣٣٥

المبحث الأول : الاسم...................................................... ٣٣٧

المبحث الثاني : أسماء الله تعالى توقيفه خلافاً للمعتزلة............................ ٣٤٣

المبحث الثالث : في مدلول الاسم............................................ ٣٤٦

٣٥٥