شرح المقاصد - ج ٤

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٤

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٥

٤ ـ الشبهة الرابعة

(قال :

قوله تعالى : لا تدركه الأبصار. فإن إدراك البصر هو الرؤية أو لازمها وقد نفى على سبيل العموم لأن اللائق بالمقام والشائع في الاستعمال في مثل عموم السلب بإسناد النفي إلى الكل لا سلب العموم بنفي الإسناد إلى الكل ثم يبقى الكلام للتمدح بذلك فيكون نفيه نقيصة فيمتنع قلنا لو سلم العموم في الأشخاص والأوقات فإدراك البصر رؤية على وجه إحاطة بجوانب المرئي أو انطباع الشبح في العين لما في اللفظ من معنى النيل والوصول آخذا من أدركت فلانا إذا لحقته (١) فلا يلزم من نفيه نفي الرؤية ولا كونها نقصا لتمتنع).

ـ قوله ـ

الرابع : هذه هي الشبهة السمعية وأقواها قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٢) والتمسك به من وجهين :

أحدهما : أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسنادا إلى الآلة ، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتحاد المفهومين أو تلازمهما بشهادة النقل عن أئمة اللغة ، والتتبع لموارد الاستعمال ، والقطع بامتناع إثبات أحدهما ونفي الآخر مثل : أدركت القمر ببصري وما رأيته ، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهد والبعضية للعموم والاستغراق بإجماع أهل العربية والأصول ، وأئمة التفسير وبشهادة

__________________

(١) في (ج) إذا (تحققه).

(٢) سورة الأنعام آية رقم ١٠٣ ويقول الفخر الرازي : المراد بالإبصار في هذا ليس هو نفس الأبصار فإن البصر لا يدرك شيئا البتة في موضع من المواضع بل المدرك هو المبصر فوجب القطع بأن المراد من قوله : لا تدركه الابصار هو أنه لا يدركه المبصرون ، وإذا كان كذلك كان قوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) المراد منه : هو يدرك المبصرون ومعتزلة البصرة يوافقوننا على أنه تعالى يبصر الأشياء فكان هو تعالى من جملة المبصرين فقوله : وهو يدرك الأبصار : يقتضي كونه تعالى مبصرا لنفسه وإذا كان الأمر كذلك كان تعالى جائز الرؤية في ذاته وكان تعالى يرى نفسه ، وكل من قال : إنه تعالى جائز الرؤية في نفسه قال : إن المؤمنين يرونه يوم القيامة. راجع مفاتيح الغيب ج ٤ ص ١٦٩.

٢٠١

استعمال الفصحاء وصحة الاستثناء فالله سبحانه قد أخبرنا بأنه لا يراه أحد في المستقبل ، فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه وهو محال.

لا يقال : إذا كان الجمع للعموم فدخول النفي عليه يفيد سلب العموم ونفي الشمول على ما هو معنى السلب الجزئي لا عموم السلب وشمول النفي على ما هو معنى (١) السلب الكلي فلا يكون إخبارا بأنه لا يراه أحد بل لا يراه كل أحد والأمر كذلك. لأن الكفار لا يرونه (٢) لأنا نقول كما يستعمل لسلب العموم مثل ما قام العبيد كلهم ، ولم آخذ الدراهم كلها كذلك يستعمل لعموم السلب كقوله تعالى (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (٣) (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) (٤) وكذلك صريح كلمة كل مثل لا يفلح كل أحد ، ولا أقبل كل درهم. ومثل (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (٥) (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (٦) وتحقيقه أنه إذا (٧) اعتبرت النسبة إلى الكل أولا ثم نفيت فهو لسلب العموم ، وإن اعتبر النفي أولا ثم نسب إلى الكل فلعموم السلب ، وكذلك جميع القيود حتى إن الكلام المشتمل على نفي وقيد ، قد يكون لنفي التقييد وقد يكون (٨) لتقييد النفي فمثل ما ضربته تأديبا ، أي بل إهانة سلب للتعليل والعمل للفعل. وما ضربته إكراما له أي تركت ضربه للإكرام تعليل للسلب والعمل للنفي. وما جاءني راكبا أي بل ماشيا ، نفي للكيفية ، وما حج مستطيعا أي ترك (٩) الحج مع الاستطاعة تكيف للنفي ، وعلى هذا الأصل ينبني أن (١٠)

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (معنى)

(٢) في (أ) بزيادة (لأن الكفار لا يرونه)

(٣) سورة غافر آية رقم ٣١ وفي المخطوطة (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) وهي الآية في سورة آل عمران رقم ١٠٣.

(٤) سورة الأحزاب آية رقم ٤٨.

(٥) سورة الحديد آية رقم ٢٣.

(٦) سورة القلم آية رقم ١٠.

(٧) في (أ) إن بدلا من (إذا)

(٨) سقط من (ب) (لنفي التقييد وقد يكون).

(٩) في (أ) بزيادة (أي ترك).

(١٠) في (أ) بزيادة (أن).

٢٠٢

النكرة في سياق النفي. إنما تعم (١) إذا تعلقت بالفعل مثل ما جاء رجل لا بالنفي مثل قولنا : الأمي من لا يحسن من (٢) الفاتحة حرفا ، فإن إسناد الفعل المنفي إلى غير الفاعل والمفعول يكون حقيقة إذا قصد نفي الإسناد مثل ما نام الليل بل صاحبه ، ومجازا إذا قصد إسناد النفي مثل ما نام ليلي وما صام نهاري ، وما ربحت تجارته بمعنى سهر وأفطر وخسر. وكذا ما ليلي بنائم وإن كان ظاهره على نفي الإسناد ، لأن المعنى ليلي ساهر ، وإن متعلق النهي قد يكون قيدا للمنهي مثل (٣) : «لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى» (٤) وقد يكون قيدا للنهي أي طلب الترك مثل لا تكفر لتدخل الجنة وإن مثل «وما هم بمؤمنين» (٥) لتأكيد النفي لا لنفي التأكيد ، وما زيد ضربت لاختصاص النفي لا لنفي الاختصاص ، (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) (٦) لاختصاص الإنكار دون العكس. وإذا تحقق النفي فالإثبات أيضا كذلك، حتى ان الشرط كما يكون سببا لمضمون الجزاء ، فقد يكون سببا لمضمون الإخبار به والإعلام كقوله تعالى (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٧) وإن متعلق الأمر كما يكون قيدا للمطلوب ، فقد يكون قيدا للطلب مثل صلّ لأنها فريضة ، وزكّ لأنك غني ، وهذا أصل كثير الشعب غزير الفوائد يجب التنبيه له ، والمحافظة عليه ، ولم يبينه القوم على ما ينبغي ، فلذا أشرنا إليه. إذا تقرر هذا فنقول : كون الجمع المعرف باللام في النفي لعموم السلب هو الشائع في الاستعمال ، حتى لا يوجد مع كثرته في التنزيل إلا بهذا المعنى ، وهو اللائق بهذا المقام على ما لا يخفى.

وثانيهما : أي ثاني وجهي التمسك بالآية أن نفي إدراكه بالبصر وارد مورد

__________________

(١) في (ب) تم بدلا من (تعم).

(٢) في (أ) بزيادة حرف الجر (من).

(٣) في (ب) للمعنى مثلا بدلا من (للمنهي مثل).

(٤) سورة النساء آية رقم ٤٣.

(٥) هذا جزء من آية من سورة البقرة رقم ٨ وتكملتها : (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ).

(٦) هذا جزء من آية من سورة الزمر رقم ٦٤ وهي : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) وقد جاءت الآية محرفة في الأصل.

(٧) سورة النحل آية رقم ٥٣.

٢٠٣

التمدح مدرج في أثناء المدح ، فيكون نقيضه وهو الإدراك بالبصر نقصا ، وهو على الله تعالى محال ، فيدل هذا الوجه على نفي الجواز.

والجواب : أولا : أنه لو سلم عموم الإبصار وكون الكلام لعموم السلب ـ لكن لا نسلم عمومه في الأحوال والأوقات ، فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعا بين الأدلة.

وأورد عليه أولا : (١) أن هذا تمدح ، وما به التمدح يدوم في الدنيا والآخرة ولا يزول. ودفع بأن امتناع الزوال إنما هو فيما يرجع إلى الذات والصفات ، وأما ما يرجع إلى الأفعال فقد يزول لحدوثها. والرؤية من هذا القبيل فقد يخلقها الله تعالى في العين وقد لا يخلق ثم.

ولو سلّم عموم الأوقات فغايته الظهور والرجحان ، ومثله إنما يعتبر في العمليات دون العلميات.

وثانيا : أنا لا نسلم أن الإدراك بالبصر هو الرؤية أو لازم لها بل هو رؤية مخصوصة. وهو أن يكون على وجه الإحاطة بجوانب المرئي إذ حقيقته النيل والوصول مأخوذا من أدركت فلانا إذا لحقته ، ولهذا يصح رأيت القمر وما أدركه بصري لإحاطة الغيم به ، ولا يصح أدركه البصر وما رأيته فيكون أخص من الرؤية ملزوما لها بمنزلة الإحاطة من العلم ، فلا يلزم من نفيه نفيها ، ولا من كون نفيه مدحا كون الرؤية نقصا ، واستدلالهم بأن قولنا أدركت القمر ببصري وما رأيته تناقض ، إنما يفيد ما ذكرنا لا ما ذكروا ، ونقلهم عن أئمة اللغة افتراء ، فإن إدراك الحواس مستعار من أدركت فلانا إذا لحقته ، وقد صار حقيقة عرفية ، فالرجوع فيه إلى العرف دون اللغة.

فإن قيل : فإذا كان الإدراك ما ذكرتم وهو مستحيل في حق الباري لم يكن لقوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) فائدة ، ولا لقوله (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٢) جهة.

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (أولا).

(٢) سورة الأنعام آية رقم ١٠٣ والبصر : هو الجوهر اللطيف الذي ركبه الله تعالى في حاسة النظرية تدرك. والإدراك : عبارة عن الإحاطة ومنه قوله (إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) أي أحاط به ، ومنه (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) أي محاط بنا فالمنفي إذا عن الأبصار إحاطتها به عز وعلا لا مجرد الرؤية.

٢٠٤

قلنا : أما فائدته فالتمدح تنزيهه عن سمات الحدوث ، والنقصان من الحدود ، والنهايات ، وأما إدراكه الأبصار فعبارة عن رؤيته إياها ، أو علمه بها ، تعبيرا عن اللازم بالملزوم.

وثالثا : أن المنفي إدراك الأبصار (١) ولا نزاع فيه ، والمنازع إدراك المبصرين ، ولا دلالة على نفيه ، وهذا ينسب إلى الأشعريّ ، وضعفه ظاهر لما أشرنا إليه ، ولما أن جميع الأشياء كذلك. إذا المرئيات منها إنما يدركها المبصرون لا الأبصار ، فلا تمدح في ذلك بلا فائدة أصلا اللهمّ إلا أن يراد أن إدراك الأبصار هو الرؤية بالجارحة على طريق المواجهة والانطباع ، فيكون نفيه تمدحا ، وبيانا لتنزه الباري تعالى عن الجهة ولا يستلزم نفي الرؤية بالمعنى الأعمّ (٣) المتنازع.

الاستدلال بالآية على جواز الرؤية

(قال : بل ربما يلزم جوازها

ليكون نفي إدراك البصر مدحا كما في المتعزز بحجاب (٢) الكبرياء ولا كالمعدوم أو كالأصوات والروائح والطعوم).

قوله بل ربما يلزم جوازها إشارة إلى استدلال الأصحاب بالآية على جواز الرؤية ، وتقرير الظاهر بين منهم أن التمدح بنفي الرؤية يستدعي جوازها ليكون ذلك للتمنع والتعزز بحجاب الكبرياء لامتناعها كالمعدوم حيث لا يرى ولا مدح له في ذلك.

واعترض بأن ذلك لعرائه عما هو أصل الممادح والكمالات ، أعني الوجود. وأما

__________________

(١) في (ب) البصر بدلا من (الأبصار).

(٢) سقط من (ج) لفظ (بحجاب).

(٣) سقط من (أ) لفظ (الأعم).

٢٠٥

الموجود فيمتدح بنفي الرؤية التي هي من صفات الخلق ، وسمات النقص ، وإن لم تجز رؤيته وأجيب : بأنه لا تمدح في ذلك أيضا لأن كثيرا من الموجودات بهذه المثابة ، كالأصوات والطعوم والروائح وغيرها.

فاعترض بأن هذا لا يستقيم على أصلكم حيث جعلتم متعلق الرؤية هو الوجود وجوزتم رؤية كل موجود.

فأجيب : بأن تلك الأعراض وإن كانت جائزة الرؤية إلا أنها مقرونة بأمارات الحدوث ، وسمات النقص ، ولم يكن نفي رؤيتها مدحا بخلاف الصانع ، فإنه علم بالأدلة القاطعة قدمه وكماله ، وأدرج تمدحه بنفي الرؤية في أثناء كلام ينفي سمات الحدوث والزوال ، ويشتمل على آيات العظمة والجلال أعني قوله تعالى (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) إلى قوله (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٢) فدل على جواز الرؤية (٣) ونهاياته والتمدح به إنما يكون على تقدير صحة الرؤية ، وانتفاء أمارات الحدوث وسمات النقص ، إذ لا تمدح بنفي الإدراك فيما تمتنع رؤيته التي هي سبب الإدراك كالمعدوم ولا فيما تصح رؤيته ، لكن عرف حدوثه ونقصه كالأصوات ، والروائح والطعوم ، واعلم أن مبنى هذا الاستدلال على أن يكون كل من قوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وقوله (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٤) تمدحا على حدة لا أن يكون المجموع تمدحا واحدا فليتأمل.

__________________

(١) سورة الأنعام الآيات ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣.

(٢) سورة الأنعام الآيات ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣.

(٣) الرؤية : تختلف بحسب قوى النفس : الأول : بالحاسة وما يجزي مجراها قال تعالى : (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) سورة التوبة آية ١٠٥ وهذا مما أجرى مجرى الرؤية بالحاسة فإن الحاسة لا تصح على الله تعالى. والثاني : بالوهم والتخييل نحو : أرى أن زيدا منطلق. والثالث بالتفكر قال تعالى : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) والرابع بالعقل نحو : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) سورة النجم آية ١١ ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) سورة النجم آية ١٣.

(٤) سورة الأنعام آية رقم ١٠٣.

٢٠٦

٥ ـ الشبهة السمعية

(قال (الخامس)

قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) (١) ولن للتأبيد أو للتأكيد في المستقبل ، وحيث لا يراه موسى عليه‌السلام لا يراه غيره بالإجماع.

قلنا : التأبيد لم يثبت عن الثقات ، والتأكيد لا يقتضي عموم الاوقات

هذه ثانية الشبه السمعية وتقريرها أن الله تعالى خاطب موسى عليه‌السلام عند سؤاله الرؤية بقوله (لَنْ تَرانِي) (٢) وكلمة «لن» للنفي في المستقبل على سبيل التأبيد فيكون نصا في أن موسى عليه‌السلام لا يراه (٣) في الجنة ، أو على سبيل التأكيد ، فيكون ظاهرا في ذلك لأن الأصل في مثله عموم الأوقات ، وإذا لم يره موسى عليه‌السلام لم يره غيره إجماعا.

والجواب : أن كون كلمة «لن» (٤) للتأبيد لم يثبت ممن يوثق به من أئمة اللغة وكونها للتأكيد ، وإن ثبت بحيث لا يمنع إلا مكابرة. لكن لا نسلم دلالة الكلام على عموم الأوقات لا نصا ولا ظاهرا.

ولو سلّم الظهور فلا عبرة به في العلميات سيما مع ظهور قرينة الخلاف وهو وقوعه جوابا لسؤال الرؤية في الدنيا على أنه لو صرح بالعموم وجب الحمل على الرؤية في الدنيا توفيقا بين الأدلة.

__________________

(١) سقط من (ج) لفظ (لن).

(٢) هذا جزء من آية من سورة الأعراف ١٤٣ والآية : (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ...) الخ.

(٣) في (ب) لما بدلا من (لا).

(٤) في (ب) الكلمة بدلا من (كلمة لن).

٢٠٧

٦ ـ الشبهة السمعية

(قال ـ السادس.

قوله تعالى (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) (١) الآية سيقت لنفي التكليم رآيا (٢) ، ونزلت حين قالوا للنبي عليه‌السلام ألا تكلم الله وتنظر إليه كموسى عليه‌السلام ، فدلت على إثبات التكليم ، ونفي الرؤية.

قلنا : ممنوع (٣) بل لبيان أنواع التكليم ولو كان في الوحي نفي بالرؤية لكان من وراء الحجاب مستدركا إذا لا معنى له سوى عدم الرؤية).

سيقت الآية لنفي أن يراه أحد من البشر حين يكلمه الله تعالى ، فكيف في غير تلك الحالة؟ ونزلت حين قالوا لمحمد عليه الصلاة والسلام. ألا تكلم الله وتنظر إليه كما كلم موسى عليه‌السلام ونظر إليه؟ فقال : لم ينظر إليه موسى وسكت. والمعنى ما صح لبشر أن يكلمه الله إلا كلاما خفيا بسرعة في المنام والإلهام أو صوتا من وراء حجاب كما كان لموسىعليه‌السلام أو على لسان ملك كما هو الشائع الكثير من حال الأنبياء.

والجواب : منع ذلك. بل إنما سيقت الآية إلا (٤) لبيان أنواع تكليم الله البشر. والتكليم وحيا أعم من أن يكون مع الرؤية ، أو بدونها ، بل ينبغي أن يحمل على حال الرؤية ليصح جعل قوله أو من وراء حجاب عطفا عليه ، قسيما له ، إذ لا معنى له سوى كو بدون الرؤية تمثيلا بحال من احتجب بحجاب.

__________________

(١) سورة الشورى آية رقم ٥١.

(٢) سقط من (أ) لفظ (رايا).

(٣) في (أ) مم بدلا من (ممنوع).

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (إلا).

٢٠٨

ولو سلم دلالتها على نفي الرؤية نزولها في ذلك ، فيحمل على الرؤية في الدنيا جمعا بين الأدلة ، وجريا على موجب القرينة أعني سبب النزول. وقوله «وحيا» نصب على المصدر (أو من وراء حجاب) صفة لمحذوف أي كلاما من وراء الحجاب. (أو يرسل) عطف على وحيا بإضمار أن والإرسال نوع من الكلام ، ويجوز أن تكون الثلاثة في موضع الحال.

٧ ـ الشبهة السمعية

(قال (السابع)

أنه تعالى لم يذكر سؤال الرؤية إلا وقد استعظمه واستنكره حتى سماه : ظلما وعتوا (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) (١) ... الآية (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) (٢) الآية (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) (٣) الآية وذلك لتعنتهم وعنادهم ، ولهذا استعظم إنزال الملائكة والكتاب مع إمكانه).

تقريره أن الله حيثما ذكر في كتابه سؤال الرؤية استعظمه استعظاما شديدا ، واستنكره استنكارا بليغا حتى سماه ظلما وعتوا كقوله تعالى (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٤) وقوله (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥) وقوله (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ ، فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (٦) فلو جازت رؤيته لما كان كذلك.

__________________

(١) سورة الفرقان آية رقم ٢١.

(٢) سورة البقرة آية رقم ٥٥.

(٣) سورة النساء آية رقم ١٥٣.

(٤) سورة الفرقان آية رقم ٢١.

(٥) سورة البقرة آية رقم ٥٥.

(٦) سورة النساء آية رقم ١٥٣.

٢٠٩

والجواب : ان ذلك لتعنتهم وعنادهم على ما يشعر به مساق الكلام لا لطلبهم الرؤية ، ولهذا عوتبوا على طلب إنزال الملائكة عليهم والكتاب مع أنه من الممكنات وفاقا.

ولو سلّم فلطلبهم الرؤية في الدنيا وعلى طريق الجهة والمقابلة على ما عرفوا من حال(١) الأجسام والأعراض. وقوله تعالى حكاية عن موسى عليه‌السلام (تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) معناه التوبة عن الجراءة والإقدام على السؤال بدون الإذن ، أو عن طلب الرؤية في الدنيا ، ومعنى الإيمان التصديق بأنه لا يرى في الدنيا ، وإن كانت ممكنة ، وما قال به بعض السلف من وقوع الرؤية بالبصر ليلة المعراج فالجمهور على خلافه ، وقد روي أنه سئلصلى‌الله‌عليه‌وسلم «هل رأيت ربك» فقال «رأيت ربي بفؤادي» (٣) وأما الرؤية في المنام فقد حكى القول بها عن كثير من السلف.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (حال).

(٢) سورة الأعراف آية رقم ١٤٣.

(٣) الحديث رواه مسلم في الإيمان عن أبي ذر بلفظ قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل رأيت ربك ...؟ قال : نور أني أراه وفي رواية رأيت نورا. رقم ٢٩١ ، ٢٩٢ وابن ماجه في الزهد بلفظ هل رأيت الله ...؟ فيقول : ما ينبغي لأحد أن يرى الله. والنسائيّ في الزكاة ٣.

٢١٠

خاتمة

(قال (خاتمة)

مقتضى دليل الوجود صحة رؤية الصفات كسائر الموجودات إلا أن العادة لم تجر بالوقوع ، والدليل لم يدل عليه ، وكذا باقي الإحساسات سيما على رأي الأشعريّ وليس الكلام في نفس الشم والذوق واللمس ، فإنها قطعية الاستحالة ، بل في الإدراك الحاصل عندها).

اختلف القائلون برؤية الله تعالى في أنه هل يصح رؤية صفاته؟ فقال : الجمهور. نعم لاقتضاء دليل الوجود صحة رؤية كل موجود. إلا أنه لا دليل على الوقوع ، وكذا إدراكه بسائر الحواس إذ عللناه بالوجود سيما عند الشيخ حيث يجعل الإحساس هو العلم بالمحسوس، لكن لا نزاع في امتناع كونه مشموما مذوقا ملموسا لاختصاص ذلك بالأجسام والأعراض ، وإنما الكلام في إدراكه بالشم والذوق واللمس من غير اتصال بالحواس ، وحاصله أنه (١) كما أن الشم والذوق واللمس لا يستلزم الإدراك لصحة قولنا : شممت التفاح وذقته ولمسته ؛ فما أدركت رائحته وطعمه وكيفيته كذلك أنواع الإدراكات الحاصلة عند الشم والذوق واللمس لا يستلزمها بل يمكن أن يحصل بدونها ، ويتعلق بغير الأجسام والأعراض وإن لم يقم دليل على الوقوع ، لكنك خبير بحال دليل الوجود وجريانه في سائر الحواس فالأولى الاكتفاء بالرؤية.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (إنه).

٢١١

المبحث الثاني

في العلم بحقيقته تعالى

(قال : (المبحث الثاني)

في العلم بحقيقته تعالى كثير من المحققين على أنه غير حاصل للبشر لأن ما يعلم منه وجود وصفات وسلوب ، وإضافات ، ولأن ذاته تمنع الشركة، والمعلوم لا يمنعها بدليل افتقارها إلى بيان التوحيد ، ثم هو (١) كاف في صحة الحكم عليه).

اختلفوا في العلم بحقيقة الله تعالى للبشر ، أي في معرفة ذاته بكنه الحقيقة فقال بعدم حصوله كثير من المحققين خلافا لجمهور المتكلمين ، ثم القائلون بعدم الحصول جوزوه خلافا للفلاسفة. احتج الأولون بوجهين.

أحدهما : أن ما يعلم منه (٢) البشر هو السلوب والإضافات والأحسن أن يقال هو الوجود بمعنى أنه كائن في الخارج والصفات بمعنى أنه حيّ عالم قادر ونحو ذلك ، والسلوب بمعنى أنه واحد أزلي أبدي ليس بجسم ولا عرض ، وما أشبه ذلك ، والإضافات بمعنى أنه خالق ورازق ونحوهما ، وظاهر أن ذلك ليس علما بحقيقة الذات لا يقال الوجود عين الذات عند كثير من المحققين ، فالعلم به علم به (٣). لأنا نقول : قد أشرنا إلى أن معنى العلم بوجوده التصديق بأنه موجود ليس بمعدوم ، لا تصور وجوده الخاص بحقيقته ، وكذا الكلام في الصفات.

وثانيهما : أن ذاته المخصوصة جزئي حقيقي يمنع تصوره الشركة فيه ، ولا شيء مما يعلم منه كذلك ، ولهذا يفتقر في بيان التوحيد أي نفي الشركة إلى الدليل ، ولو كان

__________________

(١) سقط من (ج) لفظ (هو).

(٢) في (ب) من بدلا من (منه).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (به).

٢١٢

المعلوم منه يمنع الشركة لما كان كذلك ، وما يقال إن الواجب كلي يمتنع (١) كثرة أفراده ، فمعناه أن مفهوم الواجب كذلك لا الذات المخصوص الذي يصدق عليه أنه واجب ، ويرد على الوجهين :

أنا لا نسلم أن معلوم كل أحد من البشر ما ذكرتم ومن أين لكم الإحاطة بأفراد البشر ومعلوماتهم. وقد يقال على الأخير إن من جملة ما علم منه الوحدانية بأدلتها القاطعة ، ومع اعتبار ذلك لا نتصور الشركة ولا الافتقار إلى بيان التوحيد. فيجاب : بأن هذا أيضا كلي إذ لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين وإن كان المفروض مما لا نعم يتوجه أن يقال : الكلام في حقيقة الواجب لا في هويته ، ولهذا ترى القائلين بامتناع المعلومية ، يجعلون امتناع اكتسابه بالحد والرسم مبنيا على أنه لا تركب فيه ، وأن الرسم لا يفيد الحقيقة لا على أن الشخص لا يعرف بالحد والرسم ، والقائلين بحصول المعلومية يقولون إنه لا حقيقة له سوى كونه ذاتا واجب الوجود يجب كونه قادرا عالما حيا سميعا بصيرا إلى غير ذلك من الصفات حتى اجترأ المشايخية من المعتزلة فقالوا : إنا نعلم ذاته كما يعلم هو ذاته من غير تفاوت ، وهذا البحث عند المتكلمين يعرف بمسألة المائية ، وينسب القول بها إلى ضرار حيث قال : إن لله تعالى مائية لا بعلمها إلا هو ، ولو رؤي لرئي عليها ، وفي قدرة الله تعالى أن يخلق في الخلق حاسة سادسة بها يدركون تلك المائية والخاصية ، وحين روي ذلك عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنكر أصحابه هذه الرواية أشد إنكار وذلك لأن المائية عبارة عن المجانسة حيث يقال ما هو بمعنى أي جنس هو من أجناس الأشياء والله تعالى منزه عن الجنس (٢) ، لأن كل ذي جنس مماثل لجنسه ولما تحته من الأنواع والأفراد ، فالقول به تشبيه ، وفسره بعضهم بأن الله تعالى يعلم نفسه بمشاهدة لا بدليل ولا بخبر ، ونحن نعلمه بدليل وخبر ، ومن يعلم الشيء بالمشاهدة يعلم منه ما لا يعلمه من لا يشاهد ، وليس هناك شيء هو المائية ليلزم التشبيه ، وكان أصحابنا يعدلون عن لفظ المائية إلى لفظ الخاصية

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (لا).

(٢) الجنس في اللغة الضرب من كل شيء ، وهو أعم من النوع ، يقال : الحيوان جنس ، والإنسان نوع قال ابن سينا : الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالأنواع أي بالصور ، والحقائق الذاتية ، وهذا يخرج ، النوع والخاصة والفصل القريب. راجع المعجم الفلسفي ج ١ ص ٤١٦.

٢١٣

كما قال القاضي : إن خاصيته غير معلومة لنا الآن وهل تعلم بعد رؤيته في الجنة فقد (١) تردد احترازا عن التشبيه.

(قال ـ (ثم هو كاف)

إشارة إلى جواب استدلال (٢) القائلين بوقوع العلم بحقيقته تحقيقا بأنا نحكم عليه بكثير من الصفات من التنزيهات (٣) ، والأفعال ، والحكم على الشيء يستدعي تصوره من حيث أخذ محكوما عليه ، وصح الحكم عليه ، فإذا كان الحكم على الحقيقة لزم العلم بالحقيقة ، وإلزاما بأن قولكم حقيقته غير معلومة اعتراف بكونها معلومة ، وإلا لم يصح الحكم عليها ، وأيضا الحكم إما أنها معلومة أو ليست بمعلومة ، وأيا ما كان يثبت المطلوب ، وتقرير الجواب أنها معلومة بحسب هذا المفهوم ، أعني كونها حقيقة الواجب وهذا أيضا من العوارض والوجوه والاعتبارات ، وكذا مفهوم الذات والماهية والكلام فيما (٤) يصدق عليه أنه الحقيقة والذات.

(قال

وأما الجواز فمنعه الفلاسفة لأنه بارتسام الصورة ولا يتصور في الواجب ويستلزم مقوليته على الكثرة ولأنه إما بالبديهية ، ولا بديهة (٥) ، أو بالحد ولا تركب ، أو بالرسم ، ولا يفيد تصور الحقيقة ، ورد الأول بالمنع ، وبأن الممتنع مقولية على الأفراد لا الصور والثاني بعد تسليم الحصر بأن الرسم قد يفضي إليه.

تمسكت الفلاسفة في امتناع العلم بحقيته بوجهين :

أحدهما : أن العلم هو ارتسام صورة المعلوم في النفس أي ماهيته الكلية المنتزعة من الوجود العيني بحذف المشخصات ، بحيث إذا وجدت كانت ذلك الشيء ،

__________________

(١) في (ب) فيه بدلا من (قد).

(٢) سقط من (ب) لفظ (استدلال).

(٣) في (ب) بزيادة حرف الجر (من).

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (فيما).

(٥) سقط من (ج) لفظ (ولا بديهة).

٢١٤

وليست للواجب ماهية كلية معروضة للتشخص على (١) ما تقرر في موضعه ، ولو فرض ذلك لكان الواجب مقولا على تلك الصور المأخوذة (٢) في الأذهان فيصير كثيرا ، ويبطل التوحيد.

وأجيب : بأنا لا نسلّم أن العلم بارتسام الصورة. ولو سلّم فلا كذلك العلم بالواجب ولا علم الواجب ، ولو سلّم فالمنافي للتوحيد تعدد أفراد الواجب لا الصور المأخوذة منه ، والمخل بالشخصية إمكان فرض صدق المفهوم على الكثيرين لا صدق الموجود العيني على الصور.

وثانيهما : أن تصور الشيء إما أن يحصل بالبديهة وهو منتف في الواجب وفاقا ، وإما بالحد ، وهو إنما يكون للمركب من الجنس والفصل ، والواجب ليس كذلك ، وإما بالرسم وهو لا يفيد العلم بالحقيقة والكلام فيه.

وأجيب : بأنا لا نسلّم انحصار طرق التصور في ذلك بل قد يحصل بالإلهام (٣) أو بخلق الله تعالى العلم الضروري بالكسبيات أو بصيرورة الأشياء مشاهدة للنفس عند مفارقتها البدن كسائر المجردات (٤) ولو سلّم فالرسم ، وإن لم يستلزم تصور الحقيقة. لكن قد يفضي إليه كما سبق.

__________________

(١) في (ب) كما بدلا من (على).

(٢) في (ب) الموجودة بدلا من (المأخوذة).

(٣) الإلهام : إلقاء الشيء في الروع ، ويختص ذلك بما كان من جهة الله تعالى وجهة الملأ الأعلى قال تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) وذلك نحو ما عبر عنه بلمة الملك وبالنفث في الروح كقوله عليه الصلاة والسلام : «إن روح القدس نفث في روعي» وأصله من التهام الشيء وهو ابتلاعه.

راجع معجم مفردات ألفاظ القرآن.

(٤) المجرد اسم مفعول من التجريد ، ومعنى التجريد أن يعزل الذهن عنصرا من عناصر التصور ويلاحظه وحده دون النظر إلى العناصر المشاركة له في الوجود ، فالمجرد : هو الصفة أو العلاقة التي عزلت عزلا ذهنيا ويقابله المشخص أو المحسوس.

قال ابن سينا : كون الصورة مجردة إما أن تكون بتجريد العقل إياه وإما أن تكون تلك الصورة في نفسها مجردة عن المادة.

راجع الشفاء ١ : ٣٥٨.

٢١٥
٢١٦

الفصل الخامس

في الأفعال

وفيه مباحث :

الأول : فعل العبد واقع بقدرة الله تعالى وإنما للعبد الكسب.

الثاني : في عموم إرادته.

الثالث : لا حكم للعقل بالحسن والقبح بمعنى استحقاق المدح والذم.

الرابع : لا قبيح من الله تعالى.

٢١٧
٢١٨

الفصل الخامس

في أفعاله

(قال الفصل الخامس في أفعاله وفيه مباحث (١).

المبحث الأول : فعل العبد واقع بقدرة الله تعالى ، وإنما للعبد الكسب. والمعتزلة : بقدرة العبد صحة ، والحكماء إيجابا ، والأستاذ بهما على أن يتعلقا جميعا به ، والقاضي على أن تتعلق قدرة الله بأصله ، وقدرة العبد بوضعه ككونه طاعة أو معصية ، وأما الجبر بمعنى أنه لا أثر لقدرة العبد أصلا لا إيجادا ولا كسبا فضروري البطلان ، والكسب قبل ذلك الوصف الذي به تتعلق قدرة العبد ، وقيل الفعل المخلوق بقدرة الله من حيث خلق للعبد قدرة متعلقة به. وقيل ما يقع به المقدور بلا صحة انفراد القادر. وما يقع في محل القدرة ، والحق أنه ظاهر ، والخفاء في التعبير ، والأوضح أنه أمر إضافي يجب من العبد ، ولا يوجب وجود المقدور ، بل اتصاف الفاعل بالمقدور كتعيين أحد الطرفين وترجيحه ، وصرف القدرة).

__________________

(١) راجع ما كتبه ابن حزم في هذا الموضوع فهو في غاية الوجاهة ورده على عباد بن سليمان تلميذ هشام بن عمرو الغوطي الذي قال : إن الله تعالى لم يخلق الكفار لأنهم ناس وكفر معا لكن خلق أجسامهم دون كفرهم ج ٣ ص ٥٤ وما بعدها.

٢١٩
٢٢٠