شرح المقاصد - ج ٣

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٣

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

فلا يحصل جسم أولا بالكلية بل بشيء دون شيء فيكون له طرفان وهو معنى الانقسام.

الثالث : أنه إذا تماست ثلاثة أجزاء على الترتيب بأن يكون واحد منها بين اثنين ، فالوسطائي إما أن يمنع الآخرين عن التلاقي والتماس ، فيكون وجهه الذي يلاقي أحدهما غير الذي يلاقي الآخر ، فينقسم. وإما أن لا يمنعهما فلا يحصل من اجتماع الجزءين حجم ومقدار ، وهكذا في الثالث ، والرابع ، فلا يحصل الحجم.

الرابع : أنا نفرض صفحة من أجزاء لا تتجزأ بحيث يكون له الطول والعرض فقط ، فإذا أشرقت عليها الشمس فبالضرورة يكون وجهها المقابل للشمس المضيء بها غير الوجه الآخر فينقسم.

الخامس : أنه إذا وقع جزء لا يتجزأ على ملتقى جزءين آخرين لزم انقسام الثلاثة. أما الملازمة فلأن التماس بينه وبين كل منهما إنما يكون بالبعض أي يكون شيء منه مماسا لشيء من هذا ، وشيء آخر مماسا لشيء من ذاك ، إذ لو ماس أحدهما بالكلية لكان عليه لا على الملتقى ، وأما بيان حقيقة اللزوم فبوجوه

(١) أن نفرض الجزء على الملتقى وفيه مناقشة لا تخفى.

(٢) أن يتحرك من جزء إلى جزء فاتصافه بالحركة إنما يكون عند كونه على الملتقى لا على الأول ، إذ لم تبتدأ الحركة ولا على الثاني إذ قد انقطعت.

(٣) أن نفرض خطا من أربعة أجزاء فوق الأول جزء وتحت الرابع جزء ثم نفرض مرور الفوقاني والتحتاني على الخط بحركة على السواء مع اتفاق في الابتداء ، أي تكون الحركتان على حد واحد من السرعة والبطء ويكون ابتداؤهما معا ، فبالضرورة تتحاذيان على ملتقى الثاني والثالث. أي حيث يكون الفوقاني فوق الملتقى والتحتاني تحته.

(٤) أن نفرض خطا من خمسة أجزاء فوق الأول جزء ، وفوق الخامس جزء ، ثم أخذا معا في حركة على السواء إلى حد الالتقاء ، فبالضرورة يكون ذلك في وسط الخط ، أعني الجزء الثالث ، فيكون هو على ملتقاهما من تحت ، ولا يخفى أن هذه

٤١

البيانات إنما تتم على من يجوز وجود الجوهر الفرد على الانفراد ، ثم حركته على الإطلاق ، ثم حركته على الأنحاء المخصوصة المؤدية إلى المحال. وأما ما ذكر في بعض كتب المعتزلة من أن الوجوه المذكورة إنما تدل على الانقسام بالوهم (١) ، ونحن نعني بالجزء ما لا ينقسم بالفعل فرجوع إلى مذهب ديموقراطيس.

__________________

(١) يطلق الوهم على كل خطأ في الإدراك أو الحكم أو الاستدلال شريطة أن يظن أنه خطأ طبيعي وإن وقوع المرء فيه ناشئ عن انخداعه بالظواهر تقول : أوهام الحواس.

والوهم : بوجه خاص مقابل للهلوسة. وهو تمثل حسي كاذب ناشئ عن كيفية تأويل الادراك لا عن معطيات الاحساس ، كمن ينظر الى الخشبة الطافية فوق الماء فيحسبها غريقا ، أو الى الحشرة الصغيرة الطائرة بالقرب من عينيه فيحسبها طيرا كبيرا. والوهميات قضايا كاذبة يحكم بها الوهم في أمور غير محسوسة ، كالحكم بأن ما وراء العالم فضاء لا يتناهى ، والقياس المركب منها يسمى سفسطة. «راجع تعريفات الجرجاني»

٤٢

تفاوت الحركتين دليل على نفي الجزء

الذي لا يتجزأ

قوله (ومنها)

[ما يبتنى على أن ليس البطء لتحلل السكنات إما لاستحالته في نفسه أو لتأديه إلى ما هو ظاهر الانتفاء من تفكك المتصلات ، وانفكاك المتلازمات ، ويقرر ذلك في صور :

أحدها : حركة طرفي الرحى.

الثاني : حركة الفرجار ذي الشعب الثلاث.

الثالث : حركة عقب الإنسان وأطرافه حين يدور على نفسه.

الرابع : حركة المنطقة والمدارات التي تقرب القطب.

الخامس : حركة الشمس ، وظل الشجر.

السادس : حركة الدلو المشدود (١) على طرف حبل مشدود (٢) طرفه الآخر في وسط البئر قد جعل فيه كلّاب يمد به الحبل. فالدلو تقطع مسافة البئر حين ما تقطع الكلاب نصفها].

أي ومن طرق الاحتجاج على نفي الجزء الذي لا يتجزأ ما يبتنى على أن تفاوت الحركتين بالسرعة والبطء ليس لتخلل (٣) سكنات بين أجزاء الحركة البطيئة ، إما لكونه مستحيلا في نفسه بما ذكر عليه من الدليل ، وإما لاستلزامه أمرا معلوم

__________________

(١) في (ب) الممدود بدلا من (المسدود)

(٢) في (ب) الممدود بدلا من (المسدود)

(٣) في (أ) لتحلل بدلا من (لتخلل) بالخاء

٤٣

الانتفاء قطعا ، كتفكك أجزاء الجسم (١) الذي في غاية الاستحكام لحظة فلحظة ، ثم التئامها ، وكتخلّف المعلول عن العلة أو تحققه بدونها حينا فحينا ، بيان ذلك أنا نجد المتوافقين في الأخذ والترك قد يتفاوتان في المسافة ، فيحكم بأن الّذي قطع مسافة أطول أسرع حركة ، والآخر أبطأ ، فلو كانت المسافة من أجزاء لا تتجزأ ، فعند قطع السريع جزءا إما أن يقطع البطيء جزءا فيه (٢) فيتساويان أو أكثر ، فأبعد أو أقل ، فينقسم الجزء ، فلم يبق إلا أن يكون له في خلال حركاته سكنات ، ولما كان هذا غير ممتنع عند المتكلمين ، بل مقررا أعرضنا عنه إلى ما يكون تخلل (٣) السكنات فيه مستلزما لما هو معلوم الانتفاء ، كتفكك أجزاء الجسم الذي هو مثل في الشدة والاستحكام ، كالحجر أو الذي لو تفككت أجزاؤه لتناثرت كالفرجار ، أو كان له شعور بذلك ، بل تبطل حبوته (٤) وحركته عند الأكثرين كالإنسان ، أو الذي ذهب جمع من العقلاء إلى امتناع تفككه كالفلك (٥) ، وكوجود العلة بدون المعلول في حركة الشمس مع سكون الظل ، ووجود المعلول بدون علته في حركة الدلو إلى العلو ، مع سكون حبل الكلاب ، فيما إذا فرضنا بئرا عمقها مائة ذراع مثلا ، وفي منتصفها خشبة شد عليها طرف حبل طوله خمسون ذراعا ، وعلى طرفه الآخر

__________________

(١) في (ب) القسم بدلا من (الجسم) وهو تحريف

(٢) سقط من (أ) لفظ (فيه)

(٣) في (أ) تحلل بدلا من (تخلل)

(٤) في (ب) حياته بدلا من (حبوته).

(٥) يعد علم الفلك من أقدم العلوم. فقد نظم قدماء المصريين تقويمهم برصد مواقع النجوم منذ أربعة آلاف عام ومنذ حوالي ثلاثة آلاف عام عرف البابليون طريقة التنبؤ بالخسوف والكسوف ، وينتمي أوائل علماء الفلك الذين نعرف أسماءهم إلى زمرة الفلاسفة الإغريق فحوالي عام خمسمائة قبل الميلاد. عرف «ثيلز» كيف يتنبأ بالخسوف والكسوف ، وفي نفس الوقت تقريبا ناقش «فيثاغورس» فكرة كروية الأرض وسباحتها في الفضاء. وحوالي عام ٢٠٠ ق. م قام (اراتوشينس) بقياس حجم الأرض من رصده ارتفاع الشمس في مدينة الاسكندرية في اللحظة التي تتعامد فيها على أسوان وقبل ذلك بما يقرب من خمسين عاما قاس «ارسطارخوس» بعد الشمس والقمر وآخر علماء الفلك الإغريق المشهورين هو «بطليموس» الذي عاش في الاسكندرية حوالي عام ١٠٠ ق م وقام بتأليف كتاب يصف فيه حركة جميع الاجرام حول الأرض ، واشتهرت أفكاره هذه باسم النظام البطلميوسي. الخ ... راجع الموسوعة الذهبية ج ١٠ ص ١٠٦٤

٤٤

دلو ثم شددنا كلّا بأعلى طرف حبل آخر طوله خمسون ذراعا ، وأرسلناه في البئر ، بحيث وقع الكلاب في الحبل الأول على طرفه المشدود في الخشبة ، ثم جررناه من البئر ، فيكون ابتداء حركة الكلاب من الوسط والدلو من الأسفل معا وكذا انتهاؤهما إلى رأس البئر (١) وقد قطع الدلو مائة ذراع ، والكلاب خمسين ، مع أن حركة الكلاب من تمام علة حركة الدلو ، فلو كان له سكنات في خلال حركته لزم وجود المعلول بدون علته التامة.

«أدلة هندسية على نفي الجزء الذي لا يتجزأ»

قال (ومنها)

[ما يتعلق بأصول هندسية مبنية على انتفاء الجزء وهي وجوه :

الأول : كل خط يمكن تنصيفه ففي المركب من الأجزاء الوتر يلزم تجزؤ الوسطاني.

الثاني : كل خط يمكن أن يعمل عليه مثلث متساوي الأضلاع ولا يتصور في المركب من جزءين إلا بوقوع جزء على ملتقى الجزءين.

الثالث : كل زاوية مستقيمة الخطين تنقسم لا إلى نهاية.

الرابع : إذا ثبت أحد طرفي الخط المستقيم وأدير حتى عاد إلى وضعه الأول حصلت الدائرة ، ثم إذا أدير نصفها على قطرها الثابت حصلت الكرة ، ووجود الجزء ينفيهما لأنا لو فرضنا محيط الدائرة من أجزاء لا تتجزأ ، فإما أن يكون ظواهر الأجزاء كبواطنها ، فيلزم تساوي ظاهر المحيط وباطنه أو أكثر فيلزم الانقسام ، أو بين الظواهر فرج خلاء لا يسع كلها منها جزءا فيلزم الانقسام ، أو يسع فيكون الظاهر ضعف الباطن ، ولأن المدار الذي يلاصق المنطقة ، إما أن يكون بإزاء كل جزء منها جزء منه فيتساويان ، أو أقل فينقسم.

__________________

(١) سقط من (أ) ما بين القوسين.

٤٥

الخامس : مربع وتر القائمة لمجموع مربعى الضلعين المحيطين بها. فإذا فرضنا كل ضلع عشرة أجزاء كان الوتر أكثر من أربعة عشر ، وأقل من خمسة عشر ، لكونه جذر مائتين.

السادس : خط من جزءين فوق أحدهما جزء فهناك قائمة وترها فوق الاثنين ، ودون الثلاثة ، وإلا لزم كون وتر القائمة مساوية لكل من الضلعين أو لمجموعهما.

السابع : مربع من انضمام أربعة خطوط كل منها من أربعة أجزاء ، فالقطر إن كان منضم الأجزاء كان أربعة أجزاء مثل الضلع وهو محال. وإن كان مع خلاء بقدر الجزء كانت سبعة أجزاء مثل الضلعين وهو أيضا محال أو أقل فيلزم الانقسام].

أي ومن تلك الطرق ما يبتنى على أصول هندسية لا سبيل إلى إثباتها ، إلا على تقدير انتفاء الجزء كما يظهر للناظر في البراهين المذكورة في كتاب أقليدس ، ولهذا كانت وجوه هذا الطريق كثيرة جدا ، ولنذكر عدة منها :

الأول : أنه يمكن لنا (١) أن نعمل على كل خط شيئا مثلثا متساوي الأضلاع ، ولا يتصور ذلك (٢) في الخط المركب من جزءين إلا بأن يقع جزء على ملتقى الجزءين ، وقد عرفت أنه يوجب انقسام الثلاثة.

الثاني : أن كل زاوية فإنه يمكن تنصيفها فيلزم تجزؤ الجزء الذي هو ملتقى خطي الزاوية.

الثالث : أن كل خط ، فإنه يمكن تنصيفه ، ففي المركب من الأجزاء الوتر يلزم انقسام الجزء الذي في الوسط ، وقد بين ذلك في الهندسة بأن يعمل على ذلك الخط مثلث متساوي الأضلاع ، ثم تنصف الزاوية التي يؤثرها ذلك الخط بخط واصل منها إليه ، فتكون على منتصفه ، وبين منتصف الزاوية بأن يجعل خطاها متساويين ، ثم يوصل بين طرفيهما بخط يكون وترا لها ، ويعمل عليه من الطرف الآخر مثلث متساوي الأضلاع ، ثم يخرج خط من زاوية المثلث الأول إلى زاوية المثلث الثاني

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (لنا)

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (ذلك)

٤٦

مارا بالخط الذي هو وتر لهما ، فينتصف الزاوية ، وبين عمل المثلث المتساوي الأضلاع على الخط بأن يرسم ببعده دائرتان يكون كل من طرفي الخط مركز الواحدة منهما ، فيتقاطعان لا محالة ، فيخرج من كل (١) المركزين خط إلى نقطة تقاطع الدائرتين ، ليحصل مثلث متساوي الأضلاع لكونها أنصاف أقطار الدائرتين المتساويتين ، هذا ولكن لا سبيل إلى إثبات الدائرة على القائلين (٢) بالجزء على ما ستعرفه.

الرابع : إن كلّا من الدائرة والكرة ممكن بل متحقق. أما الدائرة فلأنا نتخيل على السطح المستوي خطا مستقيما متناهيا نثبت أحد طرفيه ، ونديره حول طرفه الثابت إلى أن يعود إلى موضعه الأول ، فيحصل سطح يحيط به مستدير حاصل من حركة الطرف المتحرك وفي باطنه نقطة هي الطرف الثابت ، جميع الخطوط الخارجة من تلك النقطة إلى ذلك المحيط متساوية ، لكون كل منها بقدر ذلك الخط الذي أدرناه ، ولا نعني بالدائرة إلا ذلك السطح أو الخط المحيط به ، وأما الكرة فلأنا إذا أثبتنا قطر الدائرة ، أعني الخط الخارج من المركز إلى المحيط في الجهتين ، وأدرنا نصف الدائرة على ذلك (٣) الخط إلى أن يعود إلى وضعه الأول حصل سطح مستدير محيط بجسم في باطنه نقطة جميع الخطوط الخارجة منها إلى ذلك السطح متساوية ، ولا نعني بالكرة إلا ذلك الجسم المحاط أو السطح المحيط ، ثم إن كلا من الدائرة والكرة ينافي كون الأجسام والخطوط والسطوح من أجزاء لا تتجزأ ، أما الدائرة فلأنها لو كانت من أجزاء لا تتجزأ ، فإما أن تكون ظواهر الأجزاء متلاقية كبواطنها أولا ، فعلى الأول إما أن تكون بواطنها أصغر من الظواهر فينقسم الجزء ، او لا ، فيساوي في المساحة باطن الدائرة ، أعني المقعر ظاهرها. أعني (المحدب وهو باطل بالضرورة ، وإن شئت فالبرهان ، وذلك أنه يستلزم تساوي جميع الدوائر المحاطة بها حتى التي بقرب) (٤) المركز ، وكذا جميع الدوائر المحيطة بها حتى المحيط بجميع الأجسام (٥) وبطلانه ضروري ، واللزوم

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (كل)

(٢) في (ب) القابل بدلا من (القائلين) وهو تحريف

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (ذلك)

(٤) ما بين القوسين سقط من (ب)

(٥) في (ب) الأقسام بدلا من (الأجسام)

٤٧

بين لأن التقدير تساوي الظاهر والباطن من كل دائرة ، وباطن المحيط يساوي ظاهر المحاط بحكم الضرورة ، وبحكم أن بإزاء كل جزء من المحيط جزءا من المحاط ، لأنه لا أصغر من الجزء، ولا فرج بين ظواهر الأجزاء.

وعلى الثاني وهو أن تكون ظواهر الأجزاء غير متلاقية ، يلزم انقسام الجزء لأن غير الملاقى غير الملاقى ، وأيضا فما بينها من الفرج إن لم يسع كل جزء (١) منها جزءا لزم انقسام الجزء وإن وسعه لزم كون الظاهر ضعف الباطن ، والحس يكذبه ، وأما الكرة فلأنها لو كانت من أجزاء لا تتجزأ فالمدار الذي يلاصق المنطقة التي هي أعظم الدوائر المتوازية على الكرة إما أن يكون بإزاء كل جزء من المنطقة جزء منه ، فيلزم تساويهما ، وهكذا جميع ما يوازيهما حتى التي حول القطب وبطلانه ظاهر أو أقل من جزء فيلزم انقسام الجزء ، إذا تقرر هذا فقد انتظم أنه كلما صح القول بالدائرة أو الكرة لم يصح القول بالجزء ، لكن المقدم حق ، أو كلما صح القول بالجزء لم يصح القول بهما ، لكن التالي باطل ، ولا خفاء في أن ما ذكروا من حركة الخط ونصف الدائرة محض توهم ، لا يفيد إمكان المفروض (٢) فضلا عن تحققه ولو سلم فإنما يصح لو لم يكن الخط والسطح من أجزاء لا تتجزأ ، إذ مع ذلك تمتنع الحركة على الوجه الموصوف لتأديها إلى المحال.

الخامس : برهن اقليدس في شكل العروس على أن كل مثلث قائم الزاوية ، فإن مربع وتر زاويته القائمة مساو لمربعي ضلعيها ، بمعنى أن الحاصل من ضربه في نفسه مثل مجموع الحاصل من ضرب كل من الضلعين في نفسه ، فإذا فرضنا كلّا من الضلعين عشرة مثلا كان مجموع مربعيهما مائتين ، فيكون الضلع الآخر أعني وتر القائمة جذرا لمائتين وهو أكثر من أربعة عشر ، لأن مجذورها مائة وستة

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (جزء)

(٢) الفرض : عند الفقهاء هو الوجوب ، وهو ما ثبت بدليل قطعي أو ظني. أما عند الحكماء فهو التجويز العقلي ، أي الحكم بجواز الشيء كما في قول ابن سينا : إن الجسم إنما هو جسم .. بحيث يصح أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة كل واحد منها قائم على الآخر. «راجع النجاة ص ٣٢٧» والفرض على نوعين : احدهما انتزاعي وهو اخراج ما هو موجود في الشيء بالقوة الى الفعل ولا يكون الواقع مخالفا للمفروض. وثانيهما اختراعي. وهو اختراع ما ليس بموجود في الشيء أصلا ويكون الواقع مخالفا للمفروض. «راجع كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى».

٤٨

وتسعون ، وأقل من خمسة عشر لأن مجذورها مائتان وخمسة وعشرون ، وكذا في كل ما لا (١) يكون لمجموع مربعي الضلعين جذر منطق.

السادس : نفرض خطا من جزءين ، فنضع فوق أحدهما جزءا ، فتحصل زاوية قائمة ، فوترها يجب أن يكون أقل من الثلاثة وأكثر من الاثنين ، لما بين أقليدس من أن وتر القائمة أقل من مجموع ضلعيها ، وأكثر من كل منهما.

السابع : نفرض مربعا من أربعة خطوط مستقيمة ، مضمومة بعضها إلى البعض ، على غاية ما يمكن كل منها من أربعة أجزاء ، فقطره خط يحصل من الجزء الأول من الخط الأول ، والثاني من الثاني ، والثالث من الثالث ، والرابع من الرابع. فإن كانت متلاقية كان القطر مساويا للضلع ، ويبطله شكل العروس ، وإن كان بينها فرج ولا تكون إلا ثلاثا ، فإما أن يسع كل جزء (٢) منها جزءا فيكون القطر كالضلعين سبعة أجزاء ، وهو باطل بالشكل الجاري ، أو أقل فينقسم الجزء ، وبما ذكرنا من استقامة الخطوط وتضامها على غاية ما يمكن يظهر امتناع أن تقع الفرج فيما بين بعض الأجزاء دون البعض.

قال (ومنها)

[ما يبتنى على مقدمات لا سبيل إلى إثباتها وهي وجوه :

الأول : لو كان الجسم من الجزء لكان ذاتيا له ، فيكون بيّن الثبوت.

ورد بأن ذلك في الأجزاء العقلية وبعد تعقل الماهية.

الثاني : الجزء متناه فيكون متشكلا ، فإن كان ضلعا (٣) انقسم ، وإن كان كرة فعند الانضمام يبقى فرج أقل من الجزء.

وردّ بأن ذلك في الأجسام الكرية.

__________________

(١) في (ب) بزيادة مالا

(٢) سقط من (أ) لفظ (جزء)

(٣) في (ب) مضلعا بدلا من (ضلعا)

٤٩

الثالث : إذا صار ظل الجسم مثليه كان نصف الظل ظل النصف. ففي المركب من الأجزاء الوتر يلزم الانقسام.

وردّ بأن ذلك فيما له نصف].

أي من تلك الطرق ما يبتنى على مقدمات هي بصدد المنع وهي وجوه :

الأول : لو كان الجسم من أجزاء لا تتجزأ لكان الجزء ذاتيا له ، متعقلا قيل تعقله بين الثبوت له ، غير مفتقر إلى البيان ، ولا منكرا عند كثير من العقلاء.

وردّ بأن ذلك إنما هو في الأجزاء العقلية كالأجناس والفصول ، ومع ذلك فيشترط تعقل الماهية بحقيقتها ، وأما الجزء الخارجي فقد يفتقر إلى البيان ، كالهيولى والصورة عندكم ، وكذا العقل إذا لم تتصور الماهية بحقيقتها ، لجوهرية النفس وتجردها.

الثاني : لو وجد الجزء لكان متناهيا ضرورة ، وكان متشكلا كرة أو مضلعا لأن المحيطة به إما حد واحد أو أكثر ، وكل منهما يستلزم الانقسام ، أما المضلع فظاهر ، وأما الكرة فلأنه لا بد عند انضمام الكرات من تخلل فرج يكون منها أقل من الكرة.

وردّ بعد تسليم تشكل الجزء بأن ذلك إنما هو في الأجسام الكرية دون الأجزاء.

الثالث : لا شك أن كل جسم يصير ظله مثليه (١) في وقت ما وحينئذ يكون بالضرورة نصف ظله ، (ظل النصف ففي المركب ظن) ظل نصفه ، فظل الجسم الذي طوله أجزاء وتر تكون شفعا له نصف هو ظل (٢) نصف ذلك الجسم فينتصف الجسم وينقسم الجزء.

وردّ بمنع الكلية ، وإنما ذلك فيما يكون (٣) له نصف.

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (مثليه)

(٢) سقط من (أ) لفظ (ظل)

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (يكون)

٥٠

[قال (ثم إنهم أبطلوا)

كون الجسم من أجزاء لا (١) تتجزأ وهما لا فعلا بأنها لما كانت متساوية في الطبع بزعمهم جاز على كلّ ما جاز على الكل بحسب الذات ، وإن امتنع بعارض تشخص أو غيره].

يشير إلى إبطال ما ذهب إليه ديمقراطيس وجمع من القدماء ، من أن ما يشاهد من الأجسام المفردة كالماء مثلا ليست ببسائط على الإطلاق ، بل إنما هي حاصلة من تماس بسائط صغار متشابهة الطبع ، في غاية الصلابة ، غير قابلة للقسمة (٢) الانفكاكية ، بل الوهمية فقط ، وبهذا وبتسميتها أجساما يمتاز هذا المذهب عن مذهب القائلين بالجزء ، وتقريره أن تلك الأجزاء لما كانت متشابهة الطبع باعترافهم جاز على كل منها ما جاز على الآخرين ، وعلى المجموع الحاصل من اجتماعها ، والقسمة الانفكاكية مما لا يجوز على المجموع ، فيجوز على كل جزء ، إذ لو امتنعت على الجزء نظرا إلى ذاته ، لامتنعت على المجموع ، ثم إمكان الانفكاك نظرا إلى الذات لا ينافي امتناعه لعارض تشخص أو غيره ، من صور نوعية أو غاية صغر أو صلابة ، أو عدم آلة قطاعة ، أو نحو ذلك. فلا يرد اعتراض الإمام بأن الامتدادات الجسمية غير باقية عند الانفصال ، ومتجردة عند الاتصال ، فهي أمور متشخصة ، ولعلها تمنع الماهية المشتركة عن فعلها.

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (لا)

(٢) القسمة في اللغة اسم من انقسام الشيء ، وعند الرياضيين تجزئة الشيء ، فإذا أردت ان تقسم عددا على آخر جزءان الأول بقدر العدد الثاني ، ويسمى الأول بالمقسوم والثاني بالمقسوم عليه ، والناتج خارج القسمة.

أما عند المنطقيين فالقسمة مرادفة للتقسيم ، وهو ارجاع التصور الى أقسامه ولها عندهم وجهان الأول : ارجاع المركب الى أجزائه أو عناصره ، ويسمى هذا الارجاع تجزئة أو تحليلا والثاني ارجاع الكلي الى جزئياته أو انقسام الكلي بحسب الماصدق الى أصناف أو أفراد تندرج تحته ، وسبيل ذلك أن يضاف الى ذلك الكلي قيد يخصه فينشأ عن هذه الإضافة مفهوم جديد يسمى قسما والقسمة الثنائية : هي المثل الأعلى عند أفلاطون مثال ذلك قولنا السياسة علم ، والعلم نظري وعملي ، والسياسة تدخل في النظري ، والعلم النظري علم يأمر وعلم يقرر والسياسة تدخل في العلم الذي يأمر ، وهكذا دواليك حتى يتحدد معنى السياسة. «راجع كتاب السياسة ٢٥٨ ـ ٢٦٧».

٥١

وأما اعتراضه بمنع تساوي الأجسام في الماهية ، فلا يندفع بأن مبنى الكلام على اعترافهم يكون تلك البسائط متساوية في الطبع ، لأن مراده على ما صرح به في المباحث المشرقية (١) هو أنه لو ادعى مدع أنها متخالفة بالماهية ، وأنه لا يوجد جزءان متحدان في الماهية لم يثبت أن كل جسم قابل للقسمة والانفكاكية ، فلم يتم دليل على (٢) إثبات الهيولي. لكن لا خفاء في أنه احتمال بعيد لأن الكلام في الجسم المفرد الذي لا يعقل فيه اختلاف طبيعة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال إن القسمة بأنواعها تحدث في المقسوم اثنينية تساوي طباع كل واحد طباع المجموع على القسمة الواردة على الجسم المفرد ، وإلا ففساده واضح ، وفسر الطباع بمصدر الصفة الذاتية الأولية للشيء حركة أو سكونا ، كان أو غيرهما ، فيكون أعم من الطبيعة ، وفسر أنواع القسمة بما يكون بحسب الفتك (٣) والقطع ، أو بحسب الوهم. والفرض ، أو بحسب اختلاف عرضين قارين ، أي ما هو للموضوع في نفسه كالسواد والبياض ، أو غير قارين أي ما هو له بالقياس إلى الغير كالتماس والتحاذي ، وذلك لأن الانقسام إن تأدى إلى الافتراق فالأول ، وإلا فإن كان في مجرد الوهم فالثاني ، وإلا فالثالث ، وبما ذكرنا من اعتبار مجرد الوهم صار هذا قسما ثالثا ، وإلا فهو من قبيل الانقسام الوهمي والفرضي بدليل قولهم : إن الجزء ما لا ينقسم لا كسرا ولا قطعا ، ولا وهما ولا فرضا ، من غير تعرض لما يكون باختلاف عرضين ، وذلك للقطع بأن الجسم الذي يتسخن بعضه ، أو وقع الضوء على بعضه ، أو لاقى ببعضه جسما آخر ، لم يحصل فيه الانفصال بالفعل ، وبحسب الخارج ولم يصر جسمين ، ثم إذا زال التسخن أو الضوء أو الملاقاة عاد جسما واحدا. ولو كان كذلك لكانت المسافة تصير أقساما غير متناهية في الخارج بحسب موافاة المتحرك حدودا ، ثم تعود متصلة في نفسها ، واحدة في ذاتها عند انقطاع الحركة ، وما يقال إنا قاطعون بأن محل البياض من الجسم غير محل السواد منه مسلم ، لكن باعتبار اختلاف العرضين ، لا بالنظر إلى ذات الجسم بحيث يعرض له

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (المشرقية)

(٢) سقط من (أ) لفظ (على)

(٣) في (أ) الفك بدلا من (الفتك)

٥٢

انفصال وتميز في الخارج ، بل بالفرض العقلي ، ولهذا قال في الشفاء ، ومن الذي بالفرض اختصاص العرض ببعض دون بعض ، حتى إذا زال ذلك العرض زال ذلك الاختصاص ، مثل جسم تبيض لا كله فبفرض له بالبياض جزء ، إذا زال ذلك البياض زال افتراضه ، فما ذكر في شرح (١) الإشارات من أن الانفصال بحسب اختلاف العرضين انفصال في الخارج من غير تأد إلى الافتراق يحمل على أنه لأمر في الخارج ، وما ذكر في منطق الشفاء من أنه انفصال بالفعل يحمل على فعل الأذهان دون الأعيان

[قال (ثم احتج المشّاءون)

منهم على ثبوت الهيولي بأنه لما لم يكن اتصال الجسم باجتماع الأجزاء ، وانفصاله بافتراقها ، بل كان في ذاته متصلا للانفصال ، فله امتداد جوهري يتبدل عليه الامتدادات العرضية ، كما في الشمعة ، وهو المسمى بالصورة ، ويمتنع أن يكون هو القابل للانفصال ، لأنه لا يبقى معه ، بل لا بد معه من قابل للاتصال ، والانفصال يبقى معها ويتبدل عليه الهويات الاتصالية المختلفة بالشخص ، وهو المسمى بالهيولى ، وتحقيقه أن أول ما يدرك من جوهرية الجسم هوية امتدادية ، لا تنتفى بتبدل المقادير ، ولا تعقل الجسم دونها ، يسمونه اتصالا بل متصلا بمعنى الجوهر الذي من شأنه الاتصال بمعنى كونه بحيث يفرض (٢) فيه الأبعاد ، ولا خفاء في أنها بعينها لا تبقى مع الانفصال بل تزول إلى هويتين اتصاليتين مع بقاء أمر في الحالين هو القابل بالذات للاتصال والانفصال للفرق الضروري ، بين أن ينعدم جسم بالكلية ، ويحدث جسمان ، أو بالعكس ، وبين أن ينفصل إلى جسمين أو

__________________

(١) الاشارات والتنبيهات في المنطق والحكمة للشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله الشهير بابن سينا المتوفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. أورد المنطق في عشرة مناهج والحكمة في عشرة أنماط الأول في الأجسام والعاشر في أسرار الآيات شرحه الامام فخر الدين محمد بن عمر الرازي المتوفي سنة ست وستمائة أوله أما بعد الحمد لمن يستحق الحمد لذاته وهو شرح طعن فيه بنقض أو معارضة وبالغ في الرد على صاحبه ، ولذلك سمى بعض الظرفاء شرحه جرحا. «راجع كشف الظنون ج ١ ص ٩٤».

(٢) في (ب) يعرض بدلا من (يفرض)

٥٣

بالعكس ، كماء الجرة يجعل في الكيزان وعكسه ، ولا يمتنع توارد المتقابلين عليه ، لكونه في نفسه استعدادا محضا يصير واحدا بوحدة الصورة ، ومتعددا بتعددها ، مع بقائها في الحالين ، وعلى هذا يندفع إشكالات :

الأول : أن كون الاتصال جوهرا وجزءا من الجسم ضروري البطلان ، بل الاتصال والانفصال عرضيان يتعاقبان على الجسم ، وبالتحقيق عبارتان عن وحدته وكثرته.

الثاني : أن لا معنى للانفصال إلا انعدام هوية اتصالية إلى هويتين ، فلا حاجة إلى قابل باق.

الثالث : لو افتقر الانفصال إلى مادة لتسلسلت المواد.

الرابع : إن الزائل عند الانفصال إن كان هو الاتصال الجوهري الذاتي فقد انعدم الجسم ، فلم يكن قابلا ، أو العرضي فلم يفد المطلوب.

الخامس : أن الجسم إذا انفصل إلى جسمين ، فإن كانت مادة هذا مادة ذاك كان الواحد بالتشخص موجودا في حيزين موصوفا بجسميتين ، وإن كانت غيريا (١) فعند الاتصال إن كانتا موجودتين لم يكن الجسم متصلا بالذات ، بل من أجزاء بالفعل ، وإلا كان الانفصال إعداما للجسم بالكلية لا بمجرد الصورة الاتصالية].

لما بطل كون الجسم متألفا من أجزاء لا تتجزأ أصلا ، أو تتجزأ وهما لا فعلا ، متناهية أو غير متناهية ، يكون اتصاله باجتماعها ، وانفصاله بافتراقها ، ثبت أنه متصل في نفسه كما هو عند الحس ، قابل للانفصال نظرا إلى ذاته على ما مر ، فله امتداد جوهري ، تتبدل عليه المقادير المختلفة. أعني الجسم التعليمي الذي هو من قبيل الكميات ، كالشمعة التي تجعل تارة مدورا وتارة مكعبا ، وتارة صفحة رقيقة إلى غير ذلك. وزعموا أن حقيقة الجسم لا تعقل بدون تعقله ، بل تدرك في بادئ النظر من الجسم غيره ، أعني الجوهر الذي له الامتدادات العرضية الآخذة

__________________

(١) في (ب) غيره بدلا من (غيريا)

٥٤

في الجهات ، فليس هو خارجا عن حقيقة الجسم بل عند أفلاطون وأشياعه نفس الجسم ، ويقبل الانفصال لذاته ، وعند أرسطو وأتباعه جزء منه حال في جزء آخر ، هو القابل للانفصال ، لأن القابل يجب اجتماعه مع المقبول ، والاتصال يمتنع أن يبقى مع الانفصال ، فلا بد من جوهر قابل للاتصال ، والانفصال يبقى منهما ، ويتبدل عليه الهويات الاتصالية المختلفة بالشخص ، وهو المسمى بالهيولى. والجوهر الحال بالصورة الجسمية ، وتحقيق ذلك أن أول ما يدرك من الجسم هوية امتدادية لا تنعدم بانعدام مقدار عنها ، وحدوث آخر ، ولا تعقل حقيقة الجسم دون تعقلها ، بل ربما لا يعقل في بادي النظر من الجسم سواها ، وهم يسمونها بالاتصال ، والمتصل بمعنى الجوهر الذي شأنه الاتصال ، ويعنون بالاتصال الذي هو شأن ذلك الجوهر كونه بحيث تفرض فيه الأبعاد الثلاثة المتقاطعة الآخذة في الجهات ، وإن كان لفظ الاتصال يطلق على معان أخر عرضية إضافية ككون الجسم بحيث يتحرك بحركة جسم آخر ، وككون المقدار متحد النهاية بمقدار آخر ، كضلعي الزاوية أو غير إضافية ، ككون الشيء بحيث إذا فرض انقسامه حدث حد مشترك هو بذاته لأحد قسميه ، ونهاية للآخر كالسطح لقسمي الجسم ، والخط لقسمي السطح. والنقطة لقسمي الخط ، والمتصل بهذا المعنى فصل للكم (١) يميز أحد نوعيه وهو المقدار عن الآخر ، وهو العدد ، ويقع على الجسم التعليمي لأنه ذو اتصال بهذا المعنى ، وعلى الصورة الجسمية ، لأنها ذات [اتصال بمعنى الجسم التعليمي ، وعلى الجسم الطبيعي بمعنى الصورة الجسمية] (٢) ،

__________________

(١) الكم في الرياضيات هو المقدار ، وهو ما يقبل القياس ، وقيل إنه الذي يمكن أن يوجد فيه شيء يكون واحدا عادا له سواء كان موجودا بالفعل أو بالقوة وقيل : إنه عرض يقبل لذاته القسمة والمساواة واللامساواة والزيادة والنقصان.

والكم : إما متصل وإما منفصل فالمتصل هو الذي يوجد لأجزائه بالقوة حد مشترك تتلاقى عنده وتتحد به كالنقطة للخط (راجع ابن سينا النجاة ص ١٢٦) فان كانت جميع أجزائه قارة ومجتمعة في الوجود سمي امتدادا وان كانت غير مجتمعة سمي زمانا. والمنفصل هو الذي لا يوجد لأجزائه بالقوة ولا بالفعل حد مشترك كالعدد. وكمية العدد في المنطق ما صدقه. والكم في علم ما بعد الطبيعة مقابل للكيف ، وهو من مقولات العقل الأساسية ، والكمى هو المنسوب الى الكم تقول : مذهب اللذات الكمى.

(٢) ما بين القوسين سقط من (ب)

٥٥

ثم لا خفاء في أن تلك الهوية الاتصالية لا تبقى بنفسها (١) عند طريان الانفصال ، بل تنعدم ويحدث هويتان أخريان مع القطع بأنه يبقى في حالتي الاتصال والانفصال أمر واحد ، وهو القابل لهما بالذات ، للفرق الضروري بين أن ينعدم جسم بكليته ، ويحدث جسمان آخران ، أو ينعدم جسمان ويحدث جسم ثالث ، وبين أن ينفصل جسم فيصير جسمين ، أو يتصل جسمان فيصير جسما واحدا ، كماء الجرة يجعل في كيزان ، أو ماء الكيزان يجعل في جرة ، فذلك أن (٢) الأمر الباقي في الحالين هو المراد بالهيولى ، وهو استعداد محض ليس في نفسه بواحد ، ومتصل ليمتنع طريان الكثرة والانفصال عليه ، مع بقائه بحاله ولا كثير ومنفصل ليمتنع طريان الاتصال عليه ، بل وحدته واتصاله بحلول الصورة الاتصالية فيه ، وانفصاله وكثرته بطريان الانفصال عليه.

فإن قلت : الهوية الاتصالية بمعنى الامتداد الجوهري مما أنكره المتكلمون ، وكثير من الفلاسفة ، فكيف يصح دعوى كونها أول ما يدرك من جوهرية الجسم؟ وإنما ذلك هو المقادير والامتدادات العرضية.

قلنا : لا نزاع في ثبوت جوهر شأنه الامتداد والاتصال ، وفي كونه مدركا بالحس ولو بواسطة ما يقوم به من الأعراض. وإنما النزاع في أنه هل هو في نفس الأمر متصل واحد كما هو عند الحس أم لا؟ وعلى الأول هل هو تمام الجسم أم لا؟ بل يفتقر إلى جزء آخر يتوارد عليه الاتصال والانفصال ، وأما الامتدادات العرضية ، أعني المقادير فهي التي أنكرها المتكلمون وكثير من الفلاسفة. أعني القائلين بأنها أمور عدمية لكونها نهايات وانقطاعات ، فالسطح للجسم ، والخط للسطح ، والنقطة للخط.

وفيما ذكرنا من التقرير دفع لعدة إشكالات تورد في هذا المقام.

الأول : أن كون الاتصال جوهرا أو جزءا من الجسم ظاهر البطلان. إذ لا يعقل

__________________

(١) في (ب) بعينها بدلا من (بنفسها)

(٢) سقط من (ب) لفظ (أن)

٥٦

منه إلا ما يقابل الانفصال وهما عرضان يتعاقبان على الجسم ، إذا تحققتهما كانا عائدين إلى وحدته وكثرته.

وجوابه : أنا لا نعني بالاتصال هذا المعنى بل الجوهر الذي شأنه الاتصال وامتداد العرضي وكونه ظاهر الآنية للجسم موقوفا تعقل حقيقة الجسم على تعقله مما لم يشك فيه عاقل ، ولم ينكره أحد إلا ما نسب إلى البعض من كون الجسم محض الأعراض ، على أنه أيضا قائل بأنها عند الاجتماع تصير جوهرا قائما بنفسه ، وإنما النزاع في كونه واحدا في نفس الأمر لا متحصلا من اجتماع الأجزاء ، وفي كونه جزءا من الجسم لإتمام حقيقته ، فهذا هو الذي يثبت بالبرهان. لا يقال : فما ذكره لا يفيد كونه جزءا لجواز أن تكون تلك الهوية الاتصالية الجوهرية التي يجعلونها صورة حالة في مادة نفس الجسم من غير حلول في جزء آخر ، ويكون قبول الانفصال بأن ينعدم ، ويحدث هويتان اتصاليتان أخريان. كيف وقد جعلتموها جوهرا قابلا للأبعاد ومتميزة بالذات ، فيكون قيامها بنفسها لا بغيرها. لأنا نقول ضرورة التفرقة بين انعدام جسم بالكلية ، وحدوث جسمين ، وبين زوال الهوية الاتصالية إلى هويتين ، [هي التي شهدت بوجود جزء آخر باق في الحالين ، ثم إنهم لم يجعلوا الصورة قائمة به لتنافي جوهريتها] (١) ، بل حالة فيه ، وقد سبق أن الحال في الشيء أعم من القائم به ، لكن الشأن في لزوم كون ذلك الأمر الباقي محلا للجوهر الذي سموه الصورة الجسمية ، وعبروا عنها بالهوية الاتصالية ، وفي تصور حلول الجوهر في الشيء مع امتناع قيامه به.

فإن قيل : نسبة المقبول إلى القابل اختصاص الناعت ، وهو معنى الحلول.

قلنا : الكلام في كون الهوية الاتصالية بمعنى الجوهر ، الذي شأنه الاتصال مقبولا وإنما يظهر ذلك في الاتصال العرضي المقابل للانفصال.

الثاني : إن الانفصال إنما يفتقر إلى محل باق لو كان وجوديا وهو ممنوع ، بل هو عبارة عن انعدام الاتصال وزواله (٢).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من (ب)

(٢) سقط من (ب) لفظ (وزواله)

٥٧

والجواب : أنه ليس عدم الاتصال مطلقا ، بل عما من شأنه الاتصال وهو المعنى بالقابل الباقي بل هو عدم اتصال إلى اتصالين ، أي زوال هوية اتصالية ، وحدوث هويتين اتصاليتين ، فلا بد من أمر قابل للاتصال تارة. وللاتصالين أخرى.

الثالث : لو كان قبول الانفصال محوجا إلى المادة لاحتاجت المادة إلى مادة أخرى لا إلى نهاية ضرورة قبولها الانفصال.

وجوابه : إن المحوج هو قبول الانفصال فيما يكون متصلا بذاته ، كالصورة والجسم وليست الهيولي كذلك ، وتحقيقه أن ما يكون متصلا في ذاته ينعدم عند ورود الانفصال ، فيفتقر إلى أمر لا يكون متصلا في ذاته وإلا منفصلا ، بل يتوارد عليه الاتصال والانفصال وهو هو بعينه في الحالين يصير واحدا متصلا بعروض الوحدة والاتصال ومتعددا منفصلا بعروض الكثرة (١) والانفصال من غير افتقار إلى أمر آخر.

الرابع : إن كون الاتصال جزءا من الجسم ينافي كون الجسم قابلا للاتصال والانفصال ، لأن الأول يستلزم انعدام الجسم عند زوال الاتصال ، والثاني يستلزم بقاء عنده ضرورة (٢) اجتماع القابل مع المقبول ، فحينئذ يتوجه أن يقال لو كان الاتصال جزءا لم يكن الجسم قابلا للانفصال ، وقد قلتم ببطلان اللازم ، أو يقال لو كان الجسم قابلا له (٣) لم يكن الاتصال جزءا ، وقد قلتم بحقية الملزوم ، وهكذا في الجانب الآخر لا يقال الاتصال يطلق بالإشراك أو المجاز ، على امتداد جوهري ،

__________________

(١) الكثرة ضد الوحدة ، واللفظان متقابلان ومتضايفان ، لأنك لا تفهم أحدهما دون نسبته الى الآخر والدليل على ذلك أنك تعرف الواحد بقولك : إنه الشيء الذي يقبل الانقسام الى وحدات مختلفة والواحد بالعدد إما أن يكون فيه بوجه من الوجوه كثرة بالفعل فيكون واحدا بالتركيب والاجتماع وإما ان لا يكون (راجع ابن سينا النجاة ٣٦٥) والكثير يكون كثيرا على الاطلاق وهو العدد المقابل للواحد. ومذهب الكثرة هو القول أن موجودات العالم ليست مجرد أعراض أو ظواهر لحقيقة واحدة مطلقة وإنما هي جواهر شخصية كثيرة مستقلة بعضها عن بعض ولكل منها صفات تخصه بخلاف مذهب الواحدية التي يقرر أن جميع أشياء هذا العالم ترجع الى حقيقة واحدة ، ولا يجوز التعدد.

(٢) سقط من (ب) لفظ (ضرورة)

(٣) سقط من (أ) لفظ (له)

٥٨

هو الجزء وليس بزائل عن الجسم ، بل ينعدم الجسم بانعدامه وعلى عرضي هو الزائل عن الجسم ، وليس بجزء له ، بل كمية عارضة.

لأنا نقول : الاتصال الذي يزول بطريان الانفصال إن كان هو الأول لم يكن القابل للانفصال هو الجسم لانعدامه حينئذ (١) ، فيبطل قولكم في إثبات الهيولي : أن الجسم قابل للاتصال والانفصال ، وإن كان هو الثاني لم ينعدم الجسم بانعدامه ، فلم يمتنع كونه قابلا للانفصال بذاته من غير افتقار إلى الهيولي ، لا يقال الامتداد العرضي من لوازم الجسمية ، فزواله بزوالها ، لأنا نقول : الزائل امتداد مخصوص وليس بلازم ، واللازم امتداد ما ، وليس بزائل ، كما يرى في الشمعة من تبدل المقادير مع بقاء الجسمية بعينها ، لا يقال فكذلك الامتداد الجوهري لأنا نقول هذا لا يضر بالمقصود ، بل يفيده لأن ما يزول عنه خصوص امتداد جوهري ، ويطرأ آخران هو المعنى بالهيولى ولذا قالوا : كما تتبدل المقادير على جوهر باق هو الصورة تتبدل الصورة على جوهر باق هو المادة ، بل الجواب : أن ليس معنى قبول الجسم للانفصال أنه بعينه ومع بقائه بجميع أجزائه يقبله ، بل إن فيه جزءا باقيا بعينه هو القابل بالحقيقة له وللاتصال الذي يقابله ، أما عدم الزوال بالكلية فلضرورة التفرقة بين انعدام ماء الجرة بالمرة ، وبين انفصاله إلى مياه جمة ، وأما عدم البقاء بتمام الماهية واقتصار الزوال على الهوية فلانعدام الجزء الذي هو لاتصال هذا.

والإنصاف أن انفصال الماء إلى المياه ليس بانعدام جوهر وحدوث آخر ، وأن الباقي في الحالين هو الماء بحقيقته ، وإن تبدل في هويته لا جزء منها هو الهيولي.

الخامس : أن الجسم الواحد إذا انفصل إلى جسمين ، فإما أن تكون مادة هذا هي مادة ذاك بعينها ، وهو مع كونه ضروري البطلان يستلزم أن يكون الواحد بالشخص في حيزين ومتصفا بجسميتين ، وإما غيرها وحينئذ إما أن تكون المادتان قد كانتا موجودتين عند الاتصال فيشمل الجسم على أجزاء بالفعل ، بل يكون له مواد غير متناهية بحسب قبول الانقسام ، بل يتألف من أجسام لا تتناهى ، ضرورة أن

__________________

(١) في (أإ) بزيادة لفظ (حينئذ)

٥٩

كل مادة تستدعي صورة على حدة ، أو غير موجودتين ، فيلزم أن يكون انفصال الجسم انعداما له بالكلية لا بمجرد صورته الاتصالية ، وهو مع بطلانه يبطل مقصود الاستدلال ، أعني بقاء أمر قابل للاتصال والانفصال.

وجوابه : أن المادتين كانتا موجودتين لكن بصفة الواحدة لوحدة الاتصال. والآن بصفة التعدد لتعدده ، ولا يلزم من تعددها بعد الوحدة انعدامها وافتقارها إلى مادة أخرى لما سبق من أنها استعداد محض ليس بمتصل ، واحد في نفسه ، كما ليس بمتعدد ، وإنما يفرض له ذلك ببقاء (١) تبعا للصورة ، فمناظر هذا الإشكال وإن أطنب فيه الإمام الرازي (٢) راجع إلى الثالث ، وهاهنا إشكال آخر ، وهو أن المطلوب ثبوت المادة لكل جسم ، وهذا الدليل لا يتم في الجسم الذي يمتنع عليه الانفصال الانفكاكي ، كالفلك. إذ قبول الانقسام الوهمي لا يستدعي قابلا في الخارج ، وسيجيء جوابه في فروع الهيولي.

[قال (وذهب الاشراقيون)

إلى أن الجسم واحد في ذاته لا تركيب فيه أصلا ، وإنما الهيولي اسم له من حيث تبدل الهيئات عليه ، ويحصل الأنواع منه ، وزعموا أن الاتصال بالمعنى الذي يقابل الانفصال ويزول بطريانه عرض ، وبمعنى الأمر الذي شأنه قبول الأبعاد ، والامتداد في الجهات قائم بنفسه ، متميز بذاته هو الجسم ليس إلا ، وما يتوهم من الامتداد الباقي عند تبدل أبعاد الشمعة إنما هو نفس المقدار المستحفظة بتعاقب الخصوصيات ، وكيف يتصور اختلاف طبيعة الامتداد بالجوهرية والعرضية على

__________________

(١) سقط من (أ) كلمة (ببقاء)

(٢) هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين أبو عبد الله. فخر الدين الرازي الامام المفسر أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل ، وهو قرشي النسب أصله من طبرستان مولده في الري عام ٥٤٤ ه‍ ويقال له «ابن خطيب الري» رحل الى خوارزم وما وراء النهر وتوفي في هراه عام ٦٠٦ ه‍ من تصانيفه (مفاتيح الغيب) وشرح أسماء الله الحسنى ، ومعالم أصول الدين ، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين. وغير ذلك كثير. راجع طبقات الاطباء ط : ٢٣ ومفتاح السعادة ١ : ٤٤٥

٦٠