شرح المقاصد - ج ٣

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٣

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

هاهنا أشكال اختلاف المحاذاة ، كما في القمر ، ووجه اشكال عرض (١) السفليين ، أن تقاطع منطقتي الماثل والممثل تقتضي أن تكون أحد (٢) نصفيه شماليا من الممثل ، والاخر جنوبيا ، ولما كان مركز التدوير في (٣) سطح الماثل لزم أن يكون كذلك (٤) ، لكنهم وجدوه للزهرة (٥) دائما ، إما على العقدة ، وإما في الشمال ، ولعطارد دائما ، إما على العقدة ، وإما في الجنوب ، بناء على أن (٦) انطباق المنطقتين ، وانفصالهما بحيث إذا انتهت حركة مركز تدوير الزهرة من الرأس إلى الذنب ، وجاز أن ينتقل إلى جانب الجنوب صار نصف ماثله الشمالي جنوبيا ، والجنوبي شماليا ، فكان انتقاله إلى الشمالي ، وهكذا أبدا ، وعطارد بالعكس ، ولا بدّ لهذا الانطباق والانفصال من محرك ولم يذكروه.

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (عرض)

(٢) سقط من (أ) لفظ (أحد)

(٣) في (ب) بزيادة جملة (الذي يكون)

(٤) في (ب) ذلك بدلا من (كذلك)

(٥) الزهرة : ثاني كوكب في البعد عن الشمس ، ويقع بين عطارد والأرض ألمع جرم سماوي باستثناء الشمس والقمر ، وأكثر الكواكب اقترابا من الأرض يصل الى ٣٨٥٣٤٥١٨ كم له أوجه كالقمر وبعده المتوسط عن الشمس ١٠٨١٢٤٨٠٠ كم ويقطع مساره في ٢٢٥ يوما حجمه وكتلته وكثفاته قريبة من مقاييس الأرض ، لا يبتعد عن الشمس أكثر من ٤٦ ولذا لا يشاهد الا في حدود ثلاث ساعات بعد الغروب أو قبل الشروق ، وتحيط به سحب كثيفة تخفي تفاصيل سطحه ولا تدور حوله أقمار ، ويعبر قرص الشمس في يونيه أو ديسمبر وأول عبور مسجل حدث في ٢٤ نوفمبر ١٦٣٩ م. (راجع الموسوعة الثقافية ص ٥١٨)

(٦) سقط من (أ) لفظ (أن)

١٦١

المبحث الرابع

«في الدوائر المتوهمة»

[قال (المبحث الرابع)

توهموا لكل موضع من الأرض دائرة على الفلك ، فاصلة بين الظاهر منه والخفي ، سموها دائرة الأفق ، وقطباها سمت الرأس والقدم. فإن كانا قطبي العالم انطبق الأفق على المعدل ، وإلا كان مقاطعا له ، إما على زوايا قوائم ، ويسمى أفق الاستواء ، أو غير قوائم ، ويسمى الأفق الماثل ، وأخرى مارة بسمتي (١) الرأس والقدم ، وقطبي العالم ، سموها دائرة ، نصف النهار ، وقطباها نقطتا المشرق والمغرب].

هذه دوائر توهموها بملاحظة السفليات ينتفع بها في استخراج القبلة ، واختلاف البلاد في طول النهار وقصره ، وغير ذلك من الخواص ، فمنها دائرة الأفق وهي الفاصلة بين الظاهر من الفلك ، والخفي منه. فإن اعتبرت بالنسبة إلى مركز الأرض فأفق حقيقي ، والدائرة عظيمة ، أو إلى وجه (٢) الأرض ، فأفق حسي والدائرة قريبة من العظيمة ، وهما متوازيان وقطباهما سمت الرأس وسمت القدم. أعني طرفي خط يمر على استقامة قامة (٣) الشخص بمركز الأرض ، وينفذ في الجهتين إلى محيط الكل ، والظاهر بالأفق الحسي أقل (٤) من الخفي بقدر ما يقتضيه نصف قطر الأرض ، وإنما يحس بالتفاوت في فلك الشمس ، وما دونها. إذ ليس للأرض بالقياس إلى ما فوقها قدر محسوس ، والدوائر الصغار الموازية للأفق فوق الأرض تسمى مقنطرات (٥) الارتفاع ، وتحتها مقنطرات الانحطاط ، فإن كان قطبا الأفق ،

__________________

(١) في (أ) تسمى بدلا من (بسمتي) وهو تحريف

(٢) سقط من (أ) لفظ (الأرض)

(٣) سقط من (أ) لفظ (قامة)

(٤) سقط من (ب) لفظ (أقل)

(٥) في (ب) مقطرات بدلا من (مقنطرات) وهو تحريف

١٦٢

قطبي العالم انطبقت دائرة (١) الأفق على معدل النهار ، وكان الدور رحويا ، وذلك حيث يكون أحد قطبي العالم على سمت الرأس ، وإن كانا غير قطبي العالم كان (٢) الأفق مقاطعا لمعدل النهار على نقطتين تسمى إحداهما نقطة المشرق ، ومطلع الاعتدال ، ووسط المشارق، والأخرى نقطة المغرب ، ومغرب الاعتدال ، ووسط المغارب وتقاطعهما إن كان على زوايا قوائم سمي الأفق. أفق الاستواء ، وإلا فالأفق الماثل (٣) ، ولا حصر للآفاق الماثلة ، ومنها دائرة نصف (٤) النهار ، وهي عظيمة تمر بقطبي الأفق. أعني سمت الرأس والقدم ، ولقطبي العالم سميت بذلك ، لأن النهار ينتصف عند وصول الشمس إليها (٥) ، ولا خفاء في عدم اطراد التعريف ، إذ قد يصدق على كل دائرة تمر بقطبي العالم عند كونهما سمتي الرأس والقدم. أعني حيث ينطبق دائرة الأفق على معدل النهار ، وهذه الدائرة قطباها نقطتا المشرق (٦) والمغرب وهي تنصف المعدل ، وجميع المدارات اليومية الظاهرة منها والخفية ، وبها يعرف غاية ارتفاع الشمس والكواكب ، وذلك حين يصل إليها فوق الأرض ، وغاية انحطاطها ، وذلك إذا وصلت إليها تحت الأرض.

[قال (وتوهموا في سطح كل من معدل النهار وأفق الاستواء ، ونصف النهار دائرة على الأرض).

فانقسمت بالأولى ويسمى خط الاستواء (٧) إلى جنوبي وشمالي. وبالثانية إلى

__________________

(١) في (ب) دوائر بدلا من (دائرة)

(٢) في (ب) وجد الافق بدلا من (كان)

(٣) في (ب) المائل بدلا من (الماثل)

(٤) في (أ) منتصف بدلا من (نصف)

(٥) في (ب) بها بدلا من (إليها)

(٦) في (ب) الشروق والغروب بدلا من (المشرق والمغرب)

(٧) خط الاستواء : قال أبو الريحان إنه يبتدئ من المشرق في جنوب بحر الصين والهند ، ويمر ببعض الجزائر التي فيه حتى إذا جاوز حدود الزنج الذهبية من الارض يمر على جزيرة كلة ، وهي فرضة على منتصف ما بين عمان والصين ويمر على جزيرة سربرة في البحر الأخضر في المشرق ، ويمر على جنوب جزيرة سرنديب وجزائر الديبجات ويجتاز على شمال الزنوج وشمال جبال القمر. ومن سكن هذا الخط لم يختلف عليه الليل والنهار واستويا أبدا وكان قطب الكل على أفقه فقامت المدارات وسط كلها عليه ولم تمل فاجتازت الشمس على سمت ـ

١٦٣

ظاهر وخفي ، والمكشوف أحد الربعين الشماليين ، ويسمى المعمورة ، وبالثالثة إلى شرقي وغربي].

بأن جعلوا الدوائر الثلاث قاطعة للعالم فلا محالة يحدث على بسيط الأرض ثلاث دوائر ، إحداها تسمى خط الاستواء ، وخط الاعتدال وهو الفاصل بين النصف الجنوبي من الأرض ، والشمالي منها ، والثانية تسمى أفق خط الاستواء وأفق نصف نهار القبة ، وأفق وسط الأرض ، وهو الفاصل بين النصف الظاهر من الأرض ، والنصف الخفي ، وبهاتين الدائرتين تصير الأرض أرباعا ، والمكشوف منها أحد الربعين الشماليين ، وتسمى المعمورة والربع المسكون ، وإن كان أكثره خرابا. والثالثة تسمى خط نصف النهار ، وهو الفاصل بين النصف الشرقي من الأرض والغربي منها.

[قال (وسموا من دائرة نصف النهار)

وما بين سمت الرأس البلد ، ومعدل النهار عرض البلد ، ومن معدل النهار ، ما بين نصف نهار البلد ، ونصف نهار آخر العمارة في الغرب بطول البلد].

عرض البلد قوس من دائرة نصف النهار ما بين معدل النهار ، وقطب أفق البلد. أعني سمت الرأس ، ولا محالة تساوي ما بين أفق البلد ، وقطب المعدل. أعني ارتفاع القطب ، ففي أفق الاستواء لا عرض للبلد ، لأن الخط الخارج من مركز العالم المار بسمتي (١) الرأس ، والقدم يقع على معدل النهار ، ولا يبعد (٢) عنه ، وفي الأفق المنطبق على معدل النهار يكون العرض في الغاية. أعني تسعين (٣) ، وفي غيرهما يكون للبلد عرض بقدر ميل (٤) الأفق عن المعدل ، فإذا

__________________

ـ رأسه في السنة مرتين عنه كون الشمس في رأس الجبل والميزان ثم مالت منه نحو الشمال ونحو الجنوب بمقدار واحد ، ويسمى خط الاستواء ، والاعتدال ، بسبب تساوي النهار والليل فقط. (راجع معجم البلدان ج ٢ ص ٣٧٨)

(١) في (أ) تسمى بدلا من (بسمتي) وهو تحريف

(٢) في (ب) والبعد عنه بدلا من (يبعد عنه)

(٣) في (ب) سبعين بدلا من (تسعين)

(٤) في (ب) بعد الأفق بدلا من (ميل الأفق)

١٦٤

أخذنا (١) ارتفاع الشمس في نصف النهار يوم الاعتدال الربيعي أو الخريفي ، وألقيناه من تسعين كان الباقي عرض البلد ، وأما طول البلد فهو قوس من معدل النهار ، ما بين نصف نهار البلد ، ونصف نهار آخر العمارة في المغرب. واعتبر اليونانيون من المغرب ، لكونه أقرب نهايتي العمارة إليهم ، وآخر العمارة عند بعضهم ساحل البحر الغربي ، وعند بطليموس (٢) الجزائر الخالدات الواغلة في البحر ، وبينهما عشر درجات وهي قريبة من مائتين وعشرين فرسخا.

[قال (وقسموا المعمورة).

سبع قطاع موازية لمعدل النهار ممتدة من المشرق إلى المغرب سموها الأقاليم (٣) السبعة].

لما لم يكن على خط الاستواء وما يدانيه شمالا وجنوبا عمارة وافرة لفرط الحرارة ، ولم يكن حوالي القطبين عمارة أصلا لفرط البرودة ، وقع معظم العمارة في الربع المسكون ، بين ما يجاوز عشر درجات في العرض عن خط الاستواء إلى أن يبلغ العرض قريب خمسين ، فقسم أهل (٤) الصناعة هذا القدر سبعة أقسام في العرض حسب ما ظهر لهم (٥) من تفاوت تشابه الأحوال في الحر والبرد ، فاعتبروا في الطول الامتداد من المشرق (٦) إلى المغرب ، وفي العرض تفاضل نصف ساعة في مقادير النهار الأطول ، أعني نهار كون الشمس في الانقلاب الصيفي ، وكل من الأقاليم ينحصر بين نصفي مدارين موازيين لخط الاستواء أشبه شيء بأنصاف

__________________

(١) في (ب) قدرنا بدلا من (أخذنا)

(٢) بطليموس (كلوديوس بطليموس) ت بعد ١٦١ عالم فلك ، ورياضة وجغرافيا ، وفيزيقا ومؤرخ يوناني مصري ، نشأ بالاسكندرية اكتشف عدم انتظام حركة القمر ، وله ارصاد هامة عن حركات الكواكب اعتبرت أعماله من الفلك والجغرافيا مرجعا أساسيا حتى أيام (كوبرنيكوس) فكتابة (المجسطي) يضم مسائل وتفسيرات للاجرام السماوية وعلاقتها بالأرض ، أما أعماله الجغرافية فيشتمل معظمها على جداول لخطوط الطول والعرض للبلدان المختلفة.

(٣) سبق الكلام عنها في كلمة وافية فليرجع إليها.

(٤) في (ب) أصحاب بدلا من (أهل)

(٥) في (ب) عندهم بدلا من (لهم)

(٦) في (ب) الشرق الى الغرب بدلا من (المشرق والمغرب)

١٦٥

الدفوف ، ولا محالة يكون أحد طرفيه وهو الشمالي أضيق ، ومبدأ الإقليم الأول حيث العرض اثنا عشر درجة وثلثا درجة ، والثاني حيث العرض عشرون وربع وخمس ، والثالث حيث العرض سبع وعشرون ونصف ، والرابع حيث العرض (١) ثلاث وثلاثون ونصف وثمن ، والخامس حيث العرض تسع وثلاثون إلا عشرا ، والسادس حيث العرض ثلاث وأربعون وربع وثمن ، والسابع حيث العرض سبع وأربعون وخمس (٢) ، وآخره حيث العرض خمسون وثلث. ومنهم من جعل مبدأ (٣) الأول خط الاستواء ، وآخر السابع منتهى العمارة.

[قال (ففي خط الاستواء)

يكون دور الفلك دولابيا ، والليل والنهار متساويان أبدا (٤) ، ويسامت الشمس رءوسهم في الاعتدالين ، وهو (٥) صيف ، ويبعد في الانقلابين وهو شتاء ، فيكون الفصول ثمانية ، وفي عرض تسعين يكون الدور (٦) رحويا ، ونصف الفلك ظاهرا أبدا ، والنصف خفيا ، والسنة يوما وليلة ، وفي الآفاق الماثلة يكون الدور حمائليا ، والقسي الظاهرة من المدارات الشمالية أعظم (٧) ، إذا كان العرض شماليا ، فيكون النهار أطول إذا كان الشمس في البروج الشمالية ، وبالعكس في الجنوبية ، وبحسب تفاوت العروض يكون تفاضل القسي ، وتفاوت الليل والنهار].

إشارة إلى نبذ (٨) من خواص المواضع التي لا عرض بها ، وإلى التي لها عرض ، أما البقاع التي لا عرض لها ، لكونها على خط الاستواء ، فدور الفلك هناك يكون دولابيا ، لأن سطوح جميع المدارات اليومية ، تقطع سطح الأفق على زوايا

__________________

(١) في (أ) الأرض بدلا من (العرض) وهو تحريف

(٢) سقط من (ب) لفظ (وخمس)

(٣) في (ب) اوّل الأول بدلا من (مبدأ الأول)

(٤) سقط من (ب) لفظ (أبدا)

(٥) سقط من (أ) (وهو صيف)

(٦) سقط من (أ) لفظ (الدور)

(٧) في (ب) اكبر بدلا من (أعظم)

(٨) في (ب) نوع بدلا من (نبذ)

١٦٦

قائمة ، كما تقطع الدولاب سطح الماء ، ويكون الليل والنهار في جميع السنة متساويين ، لأن الأفق ينصف جميع المدارات اليومية ، فيكون الظاهر. أعني قوس النهار مساويا للخفي ، أعني قوس الليل. فإن كان تفاوت ، كان بسبب اختلاف المسير بسبب الحركة الثانية مثلا إذا كانت الشمس بالنهار في النصف الأوجي من فلكها الخارج ، كانت حركتها الثانية. أعني التي من المغرب إلى المشرق أبطأ ، فتديرها الحركة الأولى من المشرق إلى المغرب أسرع ، وإذا انتقلت بالليل إلى النصف الحضيضي كانت الحركة الثانية أسرع ، فتعيدها الحركة الأولى أبطأ ، فتتفاوت الحركتان في نصفي مدار ذلك اليوم ، لكن ذلك غير محسوس ، وتسامت الشمس رءوسهم في السنة مرتين مرة في اعتدال رأس الحمل (١) ، ومرة في اعتدال رأس الميزان (٢) ، لأن مدار الشمس حينئذ هو المعدل المار بسمت رءوسهم ، ويبعد عنهم غاية البعد مرتين ، مرة في انقلاب رأس السرطان (٣) ، وأخرى في انقلاب رأس الجدي (٤) ، ولكون غاية القرب مبدأ الصيف ، وغاية البعد ، مبدأ الشتاء يكون لهم صيفان وشتاءان ، وبين كل صيف وشتاء خريف ، وبين كل شتاء وصيف ربيع ، فتكون فصولهم ثمانية ، كل منها شهرا ونصفا تقريبا ، وأما في عرض تسعين ، أعني حيث يكون قطب العالم على سمت الرأس ، فدور الفلك يكون رحويا لكون معدل النهار هو الأفق ، ولا يبقى في الأفق مشرق ولا مغرب متميزين ، بل في جميع

__________________

(١) الحمل : بيت المريخ ، وشرف الشمس ، وهبوط زحل ، ووبال الزهرة وهو برج ناري ، شرقي ، ذكر ، منقلب ، طبيعته المرة الصفراء ربيعي إذا نزلت الشمس أول دقيقة منه استوى الليل والنهار ، وأخذ النهار يزيد والليل ينقص ثلاثة أشهر تسعين يوما وله ثلاثة أوجه ، وخمسة حدود

(٢) بيت الزهرة وشرف زحل ، وهبوط الشمس ، ووبال المريخ وهو برج ذكر هوائي نهاري غربي منقلب خريفي دموي ، وفي أوله يبتدئ الليل بالزيادة على النهار ثلاثة أشهر ، تسعون يوما وله ثلاثة وجوه ، وخمسة حدود. (راجع رسائل اخوان الصفا ج ١ ص ١٣٤ ـ ١٣٥)

(٣) السرطان : بيت القمر ، وشرف المشتري ، وهبوط المريخ ، ووبال زحل ، وهو برج مائي انثى ليلي شمالي منقلب ، صيفي بلغمي وفي أوله يبتدئ الليل بالزيادة والنهار في النقصان ، تسعون يوما ، وله ثلاثة وجوه ، وخمسة حدود.

(٤) الجدي : بيت زحل ، وشرف المريخ ، وهبوط المشتري ، ووبال القمر ، وهو برج ترابي ليلي منقلب طبيعته السوداء شتوي جنوبي ، وفي أوله يأخذ النهار في الزيادة ، والليل في النقصان ثلاثة أشهر ، وله ثلاثة وجوه ، وخمسة حدود.

١٦٧

الجهات يمكن أن يكون طلوع وغروب ، ولا نصف النهار أيضا ، بل في جميع الجهات يمكن أن تبلغ الشمس وغيرها من السيارات غاية الارتفاع ، والنصف من الفلك يكون أبدي الظهور. أعني الذي يكون من معدل النهار في جهة القطب الظاهر والنصف الآخر ، يكون أبدي الخفاء ، فالشمس ما دامت في النصف الظاهر من فلك البروج يكون نهارا وما دامت في النصف الخفي منه يكون ليلا ، فتكون السنة كلها يوما وليلة ، ولا تفاضل إلا من جهة بطء حركة (١) الشمس وسرعتها ، وأما في المواضع التي يكون عرضها دون تسعين (٢) ، فيكون الدور حمائليا لميل (٣) المعدل عن الأفق في جهة القطب الخفي ، وميل الأفق عنه في جهة القطب الظاهر (٤) ، ولهذا سميت بالآفاق الماثلة ، والأفق يقطع المدارات اليومية على زوايا غير (٥) قائمة ، ويماس البعض ، ولا يقاطعه. أعني الذي يكون بعده عن القطب بقدر عرض البلد ، ويكون هو ، وما هو أصغر منه إلى القطب أبدي الظهور في جانب القطب الظاهر ، وأبدي الخفاء في جانب القطب الخفي ، وأما التي يقاطعها الأفق ، فإن كانت في شمال المعدل ، كانت القسي الظاهرة أعظم (٦) في العرض الشمالي ، وأصغر في العرض الجنوبي ، والقسي الخفية بالعكس ، فإذا كانت الشمس في البروج الشمالية ، أعني من الحمل إلى الميزان كان النهار أطول من الليل في العرض الشمالي لكون القسي الظاهرة أعظم (٧) ، وكان أقصر في العرض الجنوبي لكونها أقصر ، وإذا كانت في البروج الجنوبية أعني من الميزان إلى الحمل كان الأمر بالعكس ، أي كان النهار في العرض الشمالي أقصر ، وفي الجنوبي أطول ـ لما عرفت ، وإن كانت المدارات : التي يقاطعها (٨) الأرض (٩)

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (حركة)

(٢) في (ب) ستين بدلا من (تسعين)

(٣) سقط من (ب) لفظ (لميل)

(٤) في (ب) الواضح بدلا من (الظاهر)

(٥) في (ب) ليست بدلا من (غير قائمة)

(٦) في (ب) أعظم بدلا من لفظ (أكبر)

(٧) في (ب) أكبر بدلا من لفظ (أعظم)

(٨) في (ب) يقطعها بدلا من (يقاطعها)

(٩) في (ب) الافق بدلا من (الأرض)

١٦٨

في جنوب المعدل ، كانت القسي الظاهرة أعظم في العرض الجنوبي ، وأصغر في (١) الشمالي، فعند كون الشمس في البروج الشمالية كان النهار أقصر في العرض الشمالي ، وأطول في (٢) الجنوبي ، وعند كونها في البروج الجنوبية كان الأمر بالعكس ، وكلما كان عرض البلد أكثر كان مقدار التفاوت بين الليل والنهار أكثر لازدياد ارتفاع القطب الظاهر ، والمدارات التي تليه ، وازدياد فضل قسيها الظاهرة على الخفية ، وازدياد انحطاط القطب الخفي ، والمدارات التي عنده ، فيزداد فضل قسيها الخفية (٣) على الظاهرة ، ويكون تزايد النهار ، وتناقص الليل إلى رأس المنقلب الذي يلي القطب الظاهر ، وتناقص النهار ، وتزايد الليل إلى رأس المنقلب الآخر ، ويكون نهار كل جزء مساويا لليل نظيره ، وبالعكس كنهار أول السرطان لليل أول الجدي ، وبالعكس.

[قال (خاتمة)

لا شك أن خلق السموات أكبر (٤) ، ودلالة ما فيها من العجائب على القدرة البالغة، والحكمة الباهرة أظهر ، إلا أن ابتناء ذلك على نفي القادر المختار ، وفي استناد الحوادث إلى ما يتعاقب من الحركات والأوضاع تعطيلا (٥) للصانع تعالى وتقدس. ثم إنهم وإن ذهبوا فيما يشاهد من اختلاف الألوان ، إلى أن الزرقة متخيلة في الجو ، وسواد القمر عدم إضاءة ، وكردة (٦) زحل ، وبياض المشترى ، وحمرة المريخ اختلاف في الأضواء. وفيما يقال من اختلاف طبائع الكواكب والبروج إلى أنه راجع إلى الآثار بحسب الحركات والأوضاع ، إلا أنهم اضطروا في اختلاف الأجزاء منطقة وقطبا ، ومركز (٧) الكواكب والتدوير ونحو ذلك إلى جعله (٨) عائدا

__________________

(١) في (ب) بزيادة كلمة (الافق)

(٢) فق (ب) بزيادة كلمة (الافق)

(٣) في (أ) المستترة بدلا من (الخفية)

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (وأقدر)

(٥) في (ب) بزيادة لفظ (لقدرة)

(٦) في (ب) كمودة بدلا من (كردة)

(٧) في (ب) ومرتكزا بدلا من (ومركز).

(٨) في (أ) الى كونه بدلا من (جعله)

١٦٩

إلى الأسباب الفاعلية ، ولا يتأتى ذلك على القول بالموجب لاستواء نسبته إلى الكل فلزمهم الرجوع إلى القادر المختار (١). والعجب أنهم مع اعتقاد لزوم (٢) هذه الحركات ، على هذا النظام أزلا وأبدا يجعلونها إرادية تابعة لتعاقب الإرادات الجزئية من نفوس فلكية على ما سيأتي].

يريد أن أكثر ما ذكروا من عظم أمر السمويات وعجيب خلقها ، وبديع صنعها ، وانتظام أمرها أمر ممكن شهد به الأمارات ، ودل عليه العلامات من غير إخلال بما ثبت من القواعد الشرعية ، والعقائد الدينية ، إلا أنهم بنوا ذلك على أصل هو كون الصانع موجبا لا مختارا ، وذلك في غاية الفساد ، [وجعلوا له فرعا هو تأثير الحركات والأوضاع فيما يظهر في عالم الكون والفساد] (٣) من الحوادث ، وهو أصل الإلحاد (٤) ، ثم إنهم لما ذهبوا إلى أن الفلكيات خالية عن اللون والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة (٥) ونحو ذلك ، أورد عليهم. أنا نشاهد السماء أزرق ، والقمر عند الخسوف أسود ، وزحل كمدا ، والمشترى أبيض ، والمريخ أحمر ، وأنهم يجعلون زحل باردا يابسا ، والمريخ حارا يابسا ، وكذا في سائر السيارات ، ودرجات البروج على ما بين في كتب الأحكام.

فأجابوا بأن الزرقة متخيلة في الجو لا متحققة في السماء ، وسواد القمر عدم إضاءة جرمه (٦) ، وما يشاهد في المتحيزة ليس اختلاف ألوان ، بل اختلاف أضواء.

ومعنى وصف الكواكب أو الدرج بالكيفيات الفعلية والانفعالية ظهور تلك

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (المختار)

(٢) سقط من (ب) لفظ (لزوم)

(٣) ما بين القوسين سقط من (ب)

(٤) في (ب) الايجاد بدلا من (الالحاد)

(٥) سقط من (ب) لفظ (اليبوسة)

(٦) الجرم : بالكسر : الجسد ، وجرم أيضا كسب وبابهما ضرب وقوله تعالى : «ولا يجرمنكم شنآن قوم» اي لا يحملنكم ويقال لا يكسبنكم. وتجرم عليه اي ادعى عليه ذنبا لم يفعله وقولهم لا جرم قال الفراء : هي كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت الى معنى القسم وصارت بمنزلة حقا فلذلك يجاب عنها باللام كما يجاب بها عن القسم الا تراهم يقولون لا جرم لآتينك قال : وليس قول من قال جرمت حققت بشيء

١٧٠

الآثار سببا في عالم العناصر بحسب ما يحدث لها من الحركات والأوضاع ، ولما ذهبوا إلى أن الفلك بسيط ليس فيه اختلاف أجزاء أصلا ، أورد عليهم تعين بعض الأجزاء لكونه منطقة ، وبعضها لكونه قطبا ، وبعضها لكونه محلا لارتكاز الكواكب أو التدوير فيه إلى غير ذلك من الاختلافات اللازمة على أصولهم.

فأجيب : بأن تشابه الأسباب القابلية ، لا ينافي اختلاف الآثار لجواز أن يكون عائدا إلى الأسباب الفاعلية ، وفيه نظر. لأن الفاعل إن كان موجبا كما هو (١) مذهبهم ، فنسبته إلى الكل على السواء ، فلا يأتي هذا الاختلاف.

وإن كان مختارا كما هو الحق (٢) ، فقد سقط جميع ما بنوا من أصول علم الهيئة على نفي الفاعل المختار ، إذ يجوز أن يكون اختلاف الحركات والأوضاع المشاهدة مستندا إلى مشيئة القادر المختار (٣) ، فلا يثبت ما أثبتوا من الحركات والأفلاك. ثم عليهم اعتراض آخر ، وهو أنهم جعلوا هذه الحركات المخصوصة على النظام المخصوص مع لزومها أزلا وأبدا (٤) من قبيل الحركات الإرادية واقعة بإرادات جزئية من النفوس الفلكية على ما سيأتي ، مع أنا قاطعون بأن الحركة الإرادية يجوز أن تختلف أو تنقطع (٥) بمقتضى الإرادة ، ولا يلزم أن تستمر على وتيرة واحدة.

[قال (القسم الثاني في البسائط العنصرية)

المبحث الأول

وفيه مباحث :

المبحث الأول : لما وجدوا الأجسام العنصرية لا تخلو عن حرارة وبرودة ، ورطوبة ويبوسة ، من غير اقتصار على واحد أو اجتماع لثلاثة ، ذهبوا (٦) إلى أن العناصر أربعة بحسب الازدواجات الممكنة حار يابس هو (النار وحار رطب هو

__________________

(١) في (ب) كان بدلا من (كما)

(٢) سقط من (ب) جملة (كما هو الحق)

(٣) سقط من (أ) لفظ (المختار)

(٤) سقط من (ب) لفظ (وأبدا)

(٥) سقط من (ب) لفظ (أو تنقطع)

(٦) في (أ) قرروا بدلا من (ذهبوا)

١٧١

الهواء (١) ، وبارد رطب هو الماء وبارد يابس هو) (٢) الأرض ، وبنوا طرق الحصر على هذه الكيفيات الأربع ، ولوازمها ، مثل الخفة والثقل على الإطلاق أو الإضافة ، ومثل الاجماع والافتراق بسهولة أو عسر ، والتعويل على الاستقراء].

المعول عليه من أقوال الفلاسفة ، أنها أربعة النار والهواء والماء والأرض ، لأن الشواهد الحسية ، والتجربة والتأمل في أحوال التركيبات والتحليلات ، قد دلت على أن الأجسام العنصرية بسائطها ومركباتها لا تخلو عن حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة ، ولم يوجد في البسائط ما يشتمل على واحدة فقط ، ولم يمكن اجتماع الأربعة أو الثلاثة لما بين الحرارة والبرودة ، وبين الرطوبة واليبوسة من التضاد ، فتعين اجتماع اثنتين من الكيفيات الأربع في كل بسيط عنصري ، فالجامع بين الحرارة واليبوسة هو [النار (٣) ، وبين الحرارة والرطوبة هو الهواء ، وبين البرودة والرطوبة هو الماء ، وبين البرودة واليبوسة] (٤) هو الأرض ، ومبنى ما ذكروا في بيان الحصر على هذه الكيفيات الأربع كما يقال. العنصر إما حار أو بارد ، وكل منهما إما يابس أو رطب ، أو على لوازمها. كما يقال العنصر إما خفيف أو ثقيل ، وكل منهما إما على الإطلاق أو على الإضافة ، أو يقال لا بدّ في تركيب الممتزجات من لطيف أو كثيف. فاللطيف إما بحيث يحرق ما يلاقيه وهو النار أو لا وهو الهواء ، والكثيف إما سيال وهو الماء أو لا وهو الأرض. أو يقال لا بدّ من قبول الأشكال ، وجمع وتفريق للأجزاء ، فالعنصر إما قابل للأشكال بسهولة ، أو بعسر ، وكل منهما إما أن يكون له قوة جامعة أو مفرقة. هذا والتعويل على الاستقراء (٥) ، ولابن سينا (٦)

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من (ب)

(٢) ما بين القوسين سقط من (ب)

(٣) في (ب) الأرض بدلا من (النار)

(٤) سقط من (أ) ما بين القوسين

(٥) الاستقراء في اللغة التتبع ، من استقرأ الأمر اذا تتبعه لمعرفة أحواله وعند المنطقيين : هو الحكم على الكلي لثبوت ذلك الحكم في الجزئي. قال الخوارزمي : الاستقراء هو تعرف الشيء الكلي بجميع أشخاصه (مفاتيح العلوم ص ٩١) وقال ابن سينا : الاستقراء هو الحكم على كلي لوجود ذلك الحكم في جزئيات ذلك الكلي اما كلها وهو الاستقراء التام ، وإما أكثرها وهو الاستقراء المشهور (راجع النجاة ص ٩٠)

(٦) هو الحسين بن عبد الله بن سينا أبو علي شرف الملك : الفيلسوف الرئيس صاحب التصانيف في الطب والمنطق ، والطبيعيات والالهيات أصله من بلخ ومولده في إحدى قرى بخاري عام ـ

١٧٢

في ذلك كلام طويل أورده الإمام في المباحث مع جمل من الاعتراضات عليه. ثم قال : والحق أن من حاول بيان الحصر للعناصر بتقسيم عقلي ، فقد حاول ما لا يمكنه الوفاء به. نعم الناس لما بحثوا بطريق التركيب والتحليل ، وجدوا تركيب الكائنات مبتدأ من هذه الأربعة ، وتحليلها منتهيا إليها. فلا جرم زعموا أن الاسطقسات هي هذه الأربعة.

[قال (ولم يقو الاشتباه)

إلا في وجود كرة النار ثم في يبوستها ، وفي حرارة الهواء ، والاستدلال بالآثار ضعيف لإمكان أسباب أخر ، وبأن النار لو كانت حارة رطبة لكانت هواء ، والهواء باردا رطبا لكان ماء أضعف لإمكان الاشتراك في اللوازم سيما المختلفة بالشدة والضعف].

يعني أن للفلاسفة في كمية العناصر اختلافات. منهم من جعل العنصر واحدا ، والبواقي بالاستحالة ، قيل النار ، وقيل الهواء ، وقيل الماء ، وقيل الأرض ، وقيل البخار ، ومنهم من جعله اثنين. قيل النار ، والأرض ، وقيل الماء والأرض ، وقيل الهواء والأرض ، ومنهم من جعله ثلاثة ، قيل النار والهواء والأرض ، وإنما الماء هواء متكاثف ، وقيل الهواء والماء والأرض ، وإنما النار هواء شديد الحرارة ، ولم يذكروا لهذه الأقوال شبهة تعارض الاستقرار الصحيح ، فتدفع ظن (١) كون العناصر أربعة على الكيفيات المذكورة ولم يقو الاشتباه إلا في أمور ثلاثة :

الأول : وجود كرة النار ، فإنه لا سبيل إلى إثباتها ، والاستدلال بالشهب (٢) ،

__________________

ـ ٣٧٠ ه‍ نشأ وتعلم في بخاري وطاف البلاد وناظر العلماء واتسعت شهرته وتقلد الوزارة في همذان وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته فتوارى ثم صار الى أصفهان مات في همذان عام ٤٢٨ ه‍ قال ابن قيم الجوزية : كان ابن سينا كما اخبر عن نفسه هو وأبوه من أهل دعوة الحاكم من القرامطة الباطنيين صنف نحو مائة كتاب اشهر كتبه القانون في الطب ، والاشارات وغير ذلك.

(١) في (أ) زيادة لفظ (ظن)

(٢) الشهاب : قطعة صغيرة صلبة من المادة الكونية ، تدخل الغلاف الجوي للأرض بسرعة كبيرة فتحترق بسبب الاحتكاك ، وتبدو خطا لا معا يبقى أثره بضع ثوان ، والقطع الكبيرة قد تنفجر الى وابل من الشرر ، فإذا كانت سرعتها بطيئة وصلت منها أجزاء الى الأرض وسميت نيزك ، ويظهر أحيانا عدد كبير من الشهب وذلك يصادف دورات بعض المذنبات (راجع الموسوعة الثقافية ص ٦٠١)

١٧٣

زعما منهم أنها دخان غليظ ، يشتعل بالوصول إلى كرة النار ضعيف لجواز أن يكون لها سبب ، غير ذلك ، سيما على القواعد الإسلامية ، وأن يكون ما يشاهد من الشعل والنيران هواء اشتدت حرارته لا عنصرا برأسه.

الثاني : يبوسة النار بمعنى عسر قبول التشكلات وتركها. فإن الطريق إلى أمثال ذلك هو التجربة والمشاهدة ، ولا مجال لهما في النار الصرفة المحيطة بالهواء على زعمهم ، وأما المخلوطة التي على وجه الأرض فظاهر أنها بخلاف ذلك ، والاستدلال بأن شأن الحرارة إفناء الرطوبات ، والنار الصرفة في غاية الحرارة ، فيلزم أن تكون في غاية اليبوسة ضعيف ، لأن إفناءها للرطوبة الطبيعية المفسرة بسهولة قبول التشكيلات ، وتركها غير مسلم ، بل إنما تعنى البلة والأجزاء المائية وما هو كذلك ، لا يلزم أن يكون يابسا في نفسه كما في الهواء الصرف.

الثالث : حرارة الهواء فإنه لا دليل على إثباتها في الهواء الصرف ، عن انعكاس الأشعة، ألا ترى أنه كلما كان أرفع من الأرض كان أبرد إلى أن يصير زمهريرا. وما يقال إن ذلك بسبب مجاورة الباردين. أعني الماء والأرض مع زوال المانع. أعني انعكاس الأشعة ، فغير مسلّم. وأما الاستدلال بأن النار حارة ، فلو كانت رطبة لكانت هواء ، وبأن الهواء رطب ، فلو كان باردا لكان ماء ففي غاية الضعف لأن الاشتراك في اللوازم ، سيما اللوازم المختلفة بالشدة والضعف المختص بكل من الملزومات ، بعض تلك المختلفات لا يوجب اتحاد الملزومات في الماهية.

[قال (ثم جعلوا)

هذه الأربعة أركان المواليد منها التركيب (١) وإليها التحليل ، لما يشاهد من أنه

__________________

(١) التركيب ضد التحليل وهو تأليف الكل من أجزائه فاذا ركبت الماء من الاوكسجين والهيدروجين كان تركيبك تجريبيا واذا جمعت المبادي البسيطة ، وألفت منها نتائج مركبة كان تركيبك عقليا ، وفي قول (ديكارت) ان أرتب افكاري فأبدأ بأبسط الأمور وأيسرها معرفة ، وأتدرج في الصعود شيئا فشيئا حتى اصل الى معرفة أكثر الأمور تركيبا بل أن أفرض ترتيبا بين الأمور التي يسبق بعضها بعضا بالطبع اشارة الى هذا التركيب العقلي (راجع القاعدة الثالثة من قواعد الطريقة ، مقالة الطريفة ، القسم الثاني ص ١٠٤)

١٧٤

إذا اجتمع الأرض والماء مع تحلل الهواء ، وإفاضة حرارة من السماء تكوّن النبات ، وصار مادة لتكون الحيوان ، وأنه إذا وضع مركب في القرع والانبيق ، تصاعد منه جزء هوائي ، وتقاطر مائي ، وبقي أرضي ، ولا بدّ من الناري لتعين على حدوث الصورة الحافظة للتركيب الحاصل بالأسباب المقتضية ، وضعفه ظاهر] (١).

يعنى ذهب الفلاسفة إلى أن هذه العناصر أركان جميع المركبات العنصرية (٢). أعني المسماة بالمواليد ، أعني المعادن والنبات والحيوان ، بمعنى أن تركب جميعها ، إنما هو من هذه الأربعة ، وتحليل جميعها ، إنما هو إليها (٣) ، أما التركيب فلأنا نشاهد أنه إذا اجتمع الماء والتراب مع تخلل الهواء وفيضان حرارة من الشمس حدث النبات (٤) ، ثم إنه يصير غذاء للحيوان ، فيتأدى بحسب ما يتوارد عليه من الاستحالات والانقلابات إلى أن يتكون منه حيوان ، ولو فقد واحد من الأربعة لم يحدث ، كالتراب بلا رطوبة ، أو بلا هواء متخلل ، أو حرارة طابخة ، وأما التحليل فلأنا إذا وضعنا مركبا في القرع والانبيق ، وأوقدنا عليه نارا من شأنها تفريق المختلفات ، تصاعد منه أجزاء هوائية ، وتقاطر أجزاء مائية ، وبقي أجزاء أرضية. ومعلوم أنه لا بدّ من أجزاء نارية تفيد طبخا ونضجا (٥) ، يوجب حصول مزاج يستتبع صورة نوعية (٦) حاصلة ، تحفظ الأجزاء المجتمعة بالأسباب السابقة عن التفرق والانفصال والمركب عن الانحلال ، إذ ربما لا يكفي تلك الأسباب لكونها على التقضي والزوال ، وفيما ذكرنا دفع (٧) لما يقال أن شأن الحرارة تفريق المختلفات ، فكيف تكون جامعة لها؟ وأنه لا بد للتجاور والاجتماع (٨) بين الجزء

__________________

(١) في (ب) واضح بدلا من (ظاهر)

(٢) سقط من (ب) لفظ (العنصرية)

(٣) في (ب) بها بدلا من (إليها)

(٤) ان هذا من اتخاذ الأسباب التي أمرنا الله سبحانه وتعالى باتخاذها اما الخلق والانبات فهو من الله تعالى : قال في كتابه : «أأنتم انشأتم شجرتها أم نحن المنشئون» وقال تعالى : «أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون»

(٥) سقط من (ب) لفظ (نضجا)

(٦) في (أ) بزيادة لفظ (نوعية)

(٧) في (ب) ابطال بدلا من (دفع)

(٨) في (أ) الالتصاق بدلا من (الاجتماع)

١٧٥

الناري وغيره من سبب يستديمه ريثما يتم التأثير والتأثر ، فلم لا يكون هو المانع من تفريق الأجزاء من غير افتقار إلى الصورة النوعية. نعم يرد أنه لم لا يجوز أن يكون الطبخ والنضج (١) بحرارة الأجزاء الهوائية أو الفائضة من الأجرام السماوية من غير جزء ناري ، وأن يكون الحافظ محض إرادة القادر المختار ، أو مجرد امتزاج (٢) الرطب باليابس. ولو سلّم ما ذكر فيما نشاهد تركيبه وتحليله فلا يدل على أن جميع المركبات كذلك.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (النضج)

(٢) في (ب) اختلاط بدلا من (امتزاج)

١٧٦

المبحث الثاني

[قال (المبحث الثاني)

كل من الأربعة ينقلب إلى المجاور بخلع صورة ، ولبس أخرى ، ويسمى الكون (١) والفساد ، ففيما بين النار والهواء ظاهر ، وفيما بين الهواء والماء ، كما في غليان الماء وحصول القطرات على الإناء المكبوب على الجسد ، وفيما بين الماء والأرض ، كما في تسييل الأحجار بالجبل ، وانعقاد مياه بعض العيون أحجارا ، فهذه ستة أنواع ، وإذا اعتبر فيما بين غير المتجاورين جعلت أربعة بواسطة ، واثنين بواسطتين].

زعموا أن هيولى العناصر مشتركة ، قابلة لصورها النوعية ، وخصوصيات الصور ، إنما هي بحسب الاستعدادات الحاصلة بالأسباب الخارجة ، فعند تبدل الأسباب الخارجة (٢) ، والاستعدادات يجوز أن تزول صورة ، وهو المراد بالفساد ، وتحدث صورة (٣) أخرى وهو المراد بالكون. وهذا معنى انقلاب عنصر إلى آخر ، وقد علم أن النار فوق الكل ، وتحتها الهواء ثم الماء ثم الأرض ، وكل من الأربعة

__________________

(١) الكون بالمعنى الخاص : هو حصول الصورة في المادة بعد أن لم تكن حاصلة فيها ، وهو عند ارسطو تحول جوهر ادني الى جوهر أعلى ويقابله الفساد. لأن الفساد زوال الصورة عن المادة بعد أن كانت حاصلة.

والكون ، والثبوت والوجود ، والتحقيق عند الأشاعرة ألفاظ مترادفة أما عند المعتزلة فالثبوت أعم من الوجود ، والثبوت والتحقق عندهم مترادفان وكذا الكون والوجود.

والكون بمعنى ما مرادف للتكوين ، وهو تركيب الشيء بالتأليف بين أجزائه أو اخراجه من العدم الى الوجود ، ويعبر عنه بالخلق والتخليق والاحداث والاختراع والابداع ، والصنع ، والتصوير ، والاحياء ، وجميع هذه الالفاظ متقاربة ، وسفر التكوين أحد اقسام العهد القديم يصف كيفية تكوين العالم.

(٢) سقط من (ب) كلمة (الخارجة)

(٣) سقط من (ب) كلمة (صورة)

١٧٧

ينقلب إلى ما يجاوره ، فتقع ثلاثة ازدواجات. أحدها بين النار والهواء ، والثاني بين الهواء والماء ، والثالث بين الماء والأرض ، وإلى غير المجاور بواسطة واحدة ، فيقع ازدواجان. أحدهما بين النار والماء ، والثاني بين الهواء والأرض ، أو بواسطتين ، فيقع ازدواج واحد هو بين النار والأرض ، ويشتمل كل ازدواج على نوعين من الكون والفساد ، أعني انقلاب هذا إلى ذلك. وبالعكس. فالأنواع الأولية ستة. والتي بوسط أربعة ، وبوسطين اثنان ، فالجميع اثنا عشر حاصلة من ضرب كل من الأربعة في الثلاثة الباقية ، ويشهد بوقوع الكل الحس والتجربة ، ولم يقع الاشتباه إلا في انقلاب الهواء ماء.

فقد قيل : إن ركوب القطرات على الإناء المبرد بالجمد ، يجوز أن يكون للرشح أو لانجذاب الأبخرة إليه على ما قال أبو البركات. أن في الهواء المطيف بالإناء أجزاء لطيفة مائية ، لكنها لصغرها وجذب حرارة الهواء إياها لم تتمكن من خرق الهواء والنزول على الإناء ، فلما زالت سخونتها لمجاورة الإناء المبرد بالجمد كثفت ، وثقلت فنزلت ، واجتمعت على الإناء. وردّ الأول. بأنه لو كان للرشح لكان الماء الحار أولى بذلك لكونه ألطف ، ولما كان الندى (١) إلا في مواضع الرشح ، على أن الرشح إنما يتوهم في الإناء المملوء بالجمد دون المكبوب عليه.

والثاني. بأنه لا يتصور بقاء هذا القدر من الأجزاء المائية في الهواء الحار الصيفي ، بل لا بد من أن يتبخر ويتصعد.

ولو سلّم فينبغي أن ينفد أو ينقص بالنزول ، فلا تعود قطرات الإناء بعد إزالتها ، ولو ادعى أنها نزلت من مسافة أبعد لزم أن تكون في زمان أطول ، والوجود بخلافه على أن النزول إنما يكون على خط مستقيم فكيف يقع على جوانب الإناء.

__________________

(١) الندى : المطر والبلل وجمعه أنداء ، وقد جمع على أندية وهو شاذ لأنه جمع الممدود كأكسية ، وندى الأرض (نداوتها) وبللها وأرض ندية على فعلة بكسر العين ولا تقل ندية ، وقيل الندى : ندى النهار ، والسدى : ندى الليل ، وندى الشيء ابتل فهو ند وبابه : صدى وندوّة أيضا نقله الأزهري.

١٧٨

١٧٩

المبحث الثالث

في النار وعوامل توهجها

[قال (المبحث الثالث)

النار طبقة واحدة (١) شديدة القوة على الإحالة صحيحة الاستدارة بسطحها إلا عند من يجعلها هواء يتسخن بحركة الفلك متحركة بالتبعية ، لما يشاهد من حركات الشهب ، وذوات الأذناب (٢) على نهج حركة الفلك ، ولا كذلك حال الهواء مع النار لسهولة انفصاله برطوبته ، ولعدم بقاء أجزائه على أوضاعها ، وقد يحتج بأن لكل جزء منها جزءا من الفلك بمنزلة المكان الطبيعي .. ويعترض بأن ذلك مع تشابه أجزائها ، وكذا أجزاء الفلك غير معقول ، والهواء صحيح الاستدارة محدبه ، لا مقعرة له ، أربع طبقات. الدخانية وتحتها الصرفة ثم الزمهريرية الشديدة البرودة بمجاورة الأبخرة ، ثم المتسخنة بانعكاس الأشعة ، والماء طبقة واحدة ، والأرض ثلاث طبقات ، المنكشفة للأشعة ، ثم الطينية ، ثم الصرفة].

لما كانت النار شديدة الإحالة (٣) لما جاورها إلى جوهرها لقوة كيفية الحرارة النارية وشدتها ، كانت لها طبقة واحدة ، وهي صحيحة الاستدارة بمحدبها (٤) ومقعرها ، لبقائها على مقتضى طبعها إلا عند من يجعل النار عبارة عن هواء مسخن بحركة الفلك ، فلا محالة ترقى في الموضع القريب من القطب لبطء الحركة ، وتغلظ فيما يلي المنطقة لسرعتها ، فلا يكون مقعر النار صحيح الاستدارة ، ثم لا

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (واحدة)

(٢) المذنب : في الفلك اجرام سحابية الشكل ، تدور حول الشمس ، لها رأس سديمي المنظر ، به نواة أو أكثر وقد يمتد منه ذيل يربو أحيانا على ١٠٠ مليون ميل ويتكون من صخور أو حبيبات رملية ، يتخللها مواد غازية ، كان المعتقد انها تأتي من خارج المجموعة الشمسية ، ولكن الرأي الحديث يتبعها للمجموعة الشمسية. (راجع الموسوعة الثقافية ص ٩١٤)

(٣) في (ب) الاحاطة بدلا من (الاحالة)

(٤) الحدب : ما ارتفع من الأرض (والحدبة) بفتح الدال أيضا التي في الظهر وقد (حدب) ظهره من باب طرب فهو (حدب) واحدودب مثله وأحدبه الله فهو (أحدب) بين الحدب.

١٨٠