شرح المقاصد - ج ٣

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٣

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

إنما جعل ذلك من قبيل زعمهم لأن الذاهبين إلى أن الكواكب سابحة في الأفلاك كالحيتان في المياه ، لا يقولون بذلك.

الدوائر الموازية للمنطقة تسمى مدارات تلك الحركة

[قال (يسمى معدل النهار)

وقطبين يسميان قطبي (١) العالم].

لتعادل الليل والنهار في جميع البقاع عند كون الشمس عليها ، والمراد بالمنطقة أعظم الدوائر الحادثة من حركة الكرة على نفسها وبقطبيها النقطتان الثابتتان عند حركة الكرة ، والدوائر الصغار الموازية للمنطقة تسمى مدارات تلك الحركة ، وأحد قطبي العالم وهو الذي يلي شمال المواجه للمشرق ويسمى الشمالي والآخر الجنوبي.

قال (ويتم دورة في قريب من اليوم بليلة)

إنما قال في قريب لأنها تنقص من اليوم بليلته بمقدار الحركة الخاصة للشمس من المغرب إلى المشرق.

القول بأن الفلك التاسع يحرك الأفلاك الثمانية

[قال (ويحرك الكل)

لأنها كالجزء منه].

يعني أن التاسع يحرك جميع الأفلاك الثمانية التي تحته بحكم المشاهدة لكونها

__________________

(١) القطبان : نقطتان تقعان في أقصى ش وأقصى ج الكرة الأرضية وتمثلان نهايتي محورها ، ولهذا تظلان ثابتتين ، في حين تدور كل نقطة على السطح حول هذا المحور ، اما قطبا الارض المغنطيسيان فقد حدد الشمالي منهما ١٩٤٨ عند خط عرض ٥٧٣ ش وخط طول ١٠٠ غ ويحدد الجنوبي الآن قريبا خط عرض ٥٧٠ ج وخط طول ١٤٨ ق.

١٤١

بمنزلة جزء منه حيث أحاط بها ، وقوي عليها (١) حتى صار المجموع بمنزلة واحدة ، وإلا ففي الحركة الوضعية تحرك المحاط بتحرك المحيط ليس بلازم إلا إذا كان المحاط في ثخن (٢) المحيط كالخارج المركز من الممثل على ما سيجيء إن شاء الله تعالى فإنه جزء منه (٣) على الحقيقة.

فلك الثوابت تحت الفلك التاسع

[قال (وتحته فلك الثوابت)

يتحرك من المغرب إلى المشرق على منطقة وقطبين غير منطقة التاسع ، وقطبية ويتم دورة في ستة وثلاثين ألف سنة ، أو في ثلاث وعشرين ألف سنة ، وسبعمائة وستين سنة ، أو في خمسة وعشرين ألف سنة ، ومائتي سنة ، على اختلاف الآراء ، ثم تحته فلك زحل ، ثم المشتري (٤) ، ثم المريخ ، ثم الشمس ، ثم زهرة ، ثم عطارد ، ثم القمر ، استحسانا فيما بين الشمس والسفليين].

سمي بذلك لكونه مكانا للكواكب الثوابت. أعني ما عدا السبعة السيارة ، وتسميتها ثوابت ، إما لبطء حركتها في الغاية بحيث لم تدرك إلا بالنظر الدقيق ، وإما لثبات ما بينها من (٥) من الأبعاد على وتيرة واحدة ، وثبات عروضها عن منطقة حركتها ، وحكموا بكون حركة الثامن على منطقة وقطبين غير منطقة التاسع وقطبيه ، لأن حركة الحاوي والمحوى إذا كانت على مناطق وأقطاب بأعيانها ، لا تحس

__________________

(١) في (ب) وجود بدلا من (وقوى)

(٢) في (ب) بحر بدلا من (ثخن)

(٣) سقط من (ب) لفظ (منه).

(٤) المشتري ، أكبر الكواكب ، قطره (١٣٨٧٦٠ كم) وكتلته قدر كتلة الأرض ح ٣١٦ مرة تستغرق دورته حول الشمس ٨٦ ، ١١ سنة على بعد ٧٧٣٢٩٠٠٠٠ كم من الشمس ويدور حول محوره في ٩ ساعات ٥٥ دقيقة وهو مفلطح عند القطبين ، وفي سطحه مناطق لامعة وسحب متجمعة في أحزمة موازية لخط الاستواء ، واشهر البقع المتغيرة بقعة حمراء ١٨٧٨ ويبلغ عمق غلافه الجوي ح ١٥٩٠٠ كم وله ١٢ قمرا منها ثلاثة لها حركة تراجعية ، والمشتري لا يفوقه في اللمعان سوى الزهرة ، واحيانا المريخ.

(٥) ف (ب) لبيان بدلا من (لثبات)

١٤٢

باختلاف الحركتين ، بل إنما يحس بحركة واحدة ، هي مركبة من مجموعهما إن اتحدت الجهة ، أو حاصلة من فضل السريعة على البطيئة إن اختلفت الجهتان ، وإلا لم يحس بالحركة أصلا ، بل يرى ساكنا. وأيضا يعرف بآلات القياس. أن الثوابت لا تختلف أبعادها عن قطبي العالم ، بل عن نقطة غيرهما ، واختلفوا في مقدار هذه الحركة ، فعلى رأي بطليموس (١) ومن قبله ، تقطع في كل مائة سنة درجة ، فتتم الدورة في ست وثلاثين ألف سنة ، وعلى رأي المتأخرين تقطع في كل ست وستين سنة درجة ، فتتم الدورة في ثلاثة وعشرين (٢) ألف سنة ، وسبعمائة وستين سنة ، وبعضهم وجدوها تقطع الدرجة في كل سبعين سنة ، فتتم الدورة في خمسة وعشرين ألف سنة ، ومائتي سنة ، ويوافقه رصد مراغة (٣) ، فيمكن أن يكون ذلك لاختلال في الآلات ، أو لأسباب لا يطلع عليها إلا خالق السموات.

فلك القمر تحت كل الأفلاك

[قال (واستدلالا من الكسف) (٤)

في البواقي والكواكب السبعة تسمى السيارة ، والشمس والقمر يسمى النيرين والبواقي المتحيرة].

__________________

(١) بطليموس (كلوديوس بطليموس) ت بعد ١٦١ عالم فلك ورياضة وجغرافيا وفيزيقا ومؤرخ يوناني مصري ، نشأ بالاسكندرية اكتشف عدم انتظام حركة القمر ، وله أرصاد هامة عن حركات الكواكب ، اعتبرت أعماله في الفلك والجغرافيا مرجعا أساسيا حتى أيام «كوبرنيكوس» فكتابه «المجسطي» يضم مسائل وتفسيرات للأجرام السماوية وعلاقتها بالأرض. أما نظام بطليموس فهو صورة الكون كما تخيلها القدماء حيث الأرض في المركز وتدور حولها باقي الأجرام السماوية في دوائر وبسرعة منتظمة ، وتفسيره لابتعاد الكواكب واقترابها من الأرض هو بفرض مسارات دائرية صغير. لهذه الكواكب ، وله جداول بها ١٠٢٨ نجما تعتبر أقدم وصف دقيق معروف للسماء ، وأما أعماله الجغرافية فيشتمل معظمها على جداول لخطوط الطول والعرض للبلدان المختلفة.

(٢) في (ب) خمس بدلا من (ثلاثة)

(٣) مرصد المراغة الذي انشأه نصير الدين الطوسي ، وكان به أدق الآلات ، فاعتمد عليه علماء اوربا في القرون الوسطى.

(٤) في (ب) الكشف بدلا من (الكسف)

١٤٣

يعني أنهم وجدوا القمر يكسف (١) سائر السيارات ، ومن الثوابت ما يكون على ممره ، فحكموا بأن فلكه تحت الكل ، وهكذا الحكم في البواقي إلا الشمس ، فإنها لا يكسفها غير القمر ، ولا يدرك كسفها بشيء من الكواكب ، لاحترافها عند مقارنتها ، فالحكم بكونها فوق الزهرة وعطارد استحسانا لما فيه من حسن الترتيب ، وجودة النظام ، حيث يكون النير الأعظم في الوسط من السيارات بمنزلة شمسة القلادة ، وقد تأكد هذا الاستحسان بمناسبات أخر.

وزعم بعضهم أنه رأى الزهرة كشامة على صفحة الشمس ، والحكم بكونها تحت الثلاثة العلوية. أعني زحل والمشتري والمريخ ، مأخوذ من اختلاف المنظر ، وهو بعد ما بين طرفي الخطين المارين بمركز الكوكب الواصلين إلى فلك البروج الخارج أحدهما من مركز العالم ، والآخر موضع الناظر. فإن وجوده يدل على القرب منا ، وعدمه على البعد ، وقد وجد للشمس دون العلوية والثوابت ، فعلم أنها تحتها ، ولم يعرف وجوده للزهرة وعطارد ، لأنه إنما يعرف بإله لهم تسمى ذات الشعبتين تنصب في سطح نصف النهار ، والزهرة وعطارد لكونهما حوالي الشمس دائما ، لا يصلان إلى نصف النهار ظاهرين ، ولما كانوا معترفين بأنه لا قطع في جانب كثرة الأفلاك ، وأنه لا يمتنع كون الثوابت على أفلاك شتى متفقة الحركات ، وأنهم إنما بنوا الكلام على عدم إثبات الفضل المستغنى عنه ، فلا جهة للاعتراض بأنه لم لا يجوز أن يكون كل من الثوابت على فلك ، وأن يكون بعضها تحت السيارات ؛ أو فيما بينها.

[قال (وأفلاكها الكلية ممثلات)

لكون مناطقها على منطقة البروج].

يعني أن الفلك الكلي لكل من السبعة السيارة يسمى ممثل ذلك الكوكب بمعنى كونه ممثلا لفلك البروج ، أي موافقا له بالمركز والمنطقة والقطبين.

__________________

(١) في (ب) يكشف بدلا من (يكسف)

١٤٤

تفصيل الأفلاك الجزئية التي يشتمل عليها الأفلاك الكلية

[قال (وكل جوف ممثل القمر)

فلك آخر مركزه الأرض يسمى المائل ، ثم في ثخن المائل ، وكل من الممثلات الغير القمر فلك شامل للأرض ، خارج مركزه عن مركزها يسمى في عطارد مديرا ، وفي باقي المتحيرة حاملا يماس محدبه محدب المائل ، أو الممثل بنقطة تسمى الأوج ، ومقعره بنقطة تسمى الحضيض ، ويبقى الفضل جسمين مستديرين على مركز العالم يسميان بالمتممين ، يتدرج كل منهما من غلظ بقدر ما بين المركزين ، إلى رقة ينتهي عند نقطتي التماس على التبادل ، بمعنى أن رقة الحاوي منهما عند الأوج ، وغلظه عند الحضيض ، والمحوى بالعكس ، وفي ثخن المدير فلك آخر خارج المركز يسمى الحامل ، ينفصل عن المدير ، كالمدير عن الممثل ، فيكون لعطارد أوجان وحضيضان ، وأربع متممات ، والمائل في المتحيرة اسم للحامل ، ثم في كل ثخن كل حامل كرة تسمى فلك التدوير ، أحد طرفي قطرها يماس محدب الحامل ، والآخر مقعره ، والكوكب مفرق يماس سطحه سطحه ، والشمس في الخارج المركز كالتدوير في الحامل].

يريد الإشارة إلى تفصيل الأفلاك الجزئية التي يشتمل عليها الأفلاك الكلية ، وقد أرشدهم إلى ذلك ما أدركوا بالرصد للسيارات ، من اختلاف الأوضاع والحركات ، فمن الأفلاك الجزئية ممثل القمر ويسمى الجوزهرى لكونه المحرك للجوهريين ومشعر فيها ومنها حائل القمر وهو فلك في جوف ممثل القمر مركزه مركز العالم ، يسمى بذلك لكون منطقته مائلة عن منطقة البروج ميلا ثابتا لا يتغير (فالجوزهري) (١) يماس بمحدبه مقعر ممثل عطارد ، وبمقعره محدب المائل المماس بمقعره محدب كرة النار ومنها الأفلاك الخارجة المراكز ، والخارج المركز فلك محيط بالأرض ، خارج مركزه عن مركزها ، ويكون في ثخن (٢) فلك ،

__________________

(١) لم نعثر على تفسير لهذه الكلمة على كثرة ما بحثنا ونقبنا في بطون المعاجم والمراجع.

(٢) في (ب) بحر بدلا (ثخن)

١٤٥

يوافق المركز يماس بمحدبه محدب الواقف (١) على نقطة واحدة ، هي أبعد نقطة عليه من مركز الأرض ، ويسمى الأوج ، وبمقعره مقعر الموافق على نقطة مقابلة للأولى ، هي أقرب نقطة عليه منه (٢) ، ويسمى الحضيض ، فبالضرورة يبقى الفضل من موافق المركز بعد انفصال الخارج المركز عنه جسمين مستديرين على مركز العالم ، غليظي الوسط بقدر ما بين مركزي الموافق المركز ، والخارج المركز يستدق ذلك الغلظ إلى أن ينعدم عند نقطتي المتماس المقابلتين لغايتي الغلظ. وهذان الجسمان يسميان بالمتممين ، ويكون ذلك التدرج من الغلظ إلى الرقة فيهما على التبادل ، بمعنى أن غاية رقة الحاوي منهما يكون عند الأوج ، وغاية غلظه عند الحضيض ، وغاية رقة المحوى عند الحضيض ، وغلظه عند الأوج ، وقد يكون الخارج المركز في ثخن خارج مركز آخر كما في عطارد ومنها التداوير ، والتدوير كرة في ثخن الخارج المركز ، يماس سطحها محدب الخارج بنقطة يسمى الذروة (٣) ومقعره بنقطة مقابلة لها ، تسمى الحضيض ، والكوكب مركوز فيهما بحيث يتماس سطحاهما على نقطة ، ولم يعتبر لها ، ولا للكوكب تقعير بل اعتبرا مصمتين فقوله ، ثم في ثخن المائل إشارة إلى أن الموافق المركز المشتمل على الخارج المركز هو في القمر المائل ، وفي البواقي ممثلاتها ، وأن الحامل اسم للخارج المركز إذا كان في ثخنه التدوير لحمله مركز التدوير ، وإن خارج المركز لعطارد يسمى مديرا لإدارته مركز الحامل ، وهو الخارج المركز الذي ينفصل عن المدير انفصال المدير عن الممثل ، ويكون فيه التدوير لعطارد خارجا مركز وأوجان ، وحضيضان وأربع متممات ، والمائل في المتحيرة اسم للخارج المركز الحامل للتدوير إذا تقرر هذا فنقول للشمس ممثل في ثخنه خارج مركز في ثخنه الشمس ، وللقمر ممثل في جوفه مائل في ثخنه ، خارج مركز هو الحامل للتدوير فيه القمر ولعطارد وممثل في ثخنه خارج مركز يسمى مديرا في ثخنه خارج مركز هو الحامل للتدوير فيه عطارد ، ولكل من الأربع الباقية ممثل في ثخنه خارج مركز هو الحامل للتدوير فيه الكوكب.

__________________

(١) في (أ) الموافق بدلا مق (الواقف) وهو تحريف

(٢) سقط من (ب) منه

(٣) في (ب) الزروة بدلا من (الذروة)

١٤٦

المبحث الثالث

توهمهم الدوائر المتقاطعة على قطبي البرج

[قال (المبحث الثالث)

توهموا ست دوائر متقاطعة على قطبي البرج قاطعا لمنطقتها (١) على أبعاد سواء مارة إحداها بنقطتي (٢) تقاطع المعدل ، ومنطقة البروج ، ثم فرضوها قاطعة للعالم ، فانقسم الفلك الأعظم وسائر الممثلات أيضا ، اثني عشر قسما ، سموا كل قسم برجا ، وجعلوا كل برج ثلاثين درجة ، وكل درجة ستين دقيقة ، وكل دقيقة ستين ثانية ، وهكذا ، وسموا نقطة التقاطع التي تجاوزها الشمس إلى شمال المعدل ، اعتدالا ربيعيا ، وإلى جنوبه اعتدالا خريفيا ، ومنتصف ما بين نقطتي التقاطع في الشمال انقلابا صيفيا ، وفي الجنوب انقلابا شتويا ، وزمان قطع الشمس من البروج الشمالية الحمل ، والثور ، والجوزاء (٣) ، ربيعا ، والسرطان والميزان والأسد والسنبلة صيفا ، ومن الجنوب العقرب والقوس خريفا ، والجدي والدلو والحوت شتاء].

لما كانت منطقة البروج ومعدل النهار متقاطعين على نقطتين ، توهموا (٤) دائرة تمر بنقطتي التقاطع ، ونقطتي البروج ، وأخرى تمر بالأقطاب الأربعة ، وتقطع معدل النهار ومنطقة البروج على زوايا قوائم ، فتقع على غاية (٥) بعد ما بين

__________________

(١) في (أ) لمنتقبها بدلا من (لمنطقتها)

(٢) سقط من (أ) لفظ (بنقطتي)

(٣) الجوزاء أو التوأمان : الكوكبة البروجية الثالثة تحل الشمس فيها قرب المنقلب الصيفى.

ألمع نجمين فيها رأس التوأم المقدم مزدوج بصري كل فرد فيها مزدوج صيفي ورأس التوأم المؤخر يتكون من ستة أفراد على الأقل ، وبالكوكبة منزلتان قمريتان هما الذراع والهيئة.

(راجع الموسوعة الثقافية ص ٣٧٠)

(٤) في (ب) (تخيلوا) بدلا من (توهموا)

(٥) في (ب) نهاية بدلا من (غاية)

١٤٧

المنطقتين ، ويسمى الميل الكلي ، فبحسب هاتين الدائرتين ينقسم فلك البروج أربعة أقسام متساوية ، فتوهموا على كل واحد من ربعين متلاصقين منها نقطتين ، بعد كل منهما عن الأخرى كبعد الأخرى عن أقرب طرفي الربع إليها. ثم توهموا (١) أربع دوائر تمر بالنقط الأربع ، وبمقابلاتها من الربعين الباقيين ، وفرضوا الدوائر الست (٢) قاطعة للعالم ، فانقسم الفلك الأعظم ، وسائر الأفلاك الممثلة اثني عشر قسما ، سموا كل قسم منها ، برجا ، وجعلوا كل برج ثلاثين قسما ، سموا كل قسم درجة ، وكل درجة ستين قسما ، سموا كل قسم دقيقة ، وهكذا ، جعلوا كل دقيقة ستين ثانية ، وكل ثانية ستين ثالثة ، بالغا (٣) ما بلغ ، وسموا من نقطتي تقاطع المنطقتين النقطة التي تجاوزها الشمس إلى شمال معدل النهار ، أعني مائل القطب الشمالي اعتدالا ربيعيا ، والنقطة التي تجاوزها الشمس إلى جنوب المعدل اعتدالا خريفيا ، وسموا نقطة تقاطع منطقة البروج ، والدائرة المارة بالأقطاب الأربعة في جانب الشمال انقلابا صيفيا ، وفي جانب الجنوب ، انقلابا شتويا ، لأن الربيع اسم لمدة حركة الشمس من الاعتدال الاخذ في الشمال إلى الانقلاب الشمالي ، أعني زمان قطعها للحمل والثور (٤) والجوزاء (٥) ، والصيف لمدة حركتها منه إلى الاعتدال الاخذ في الجنوب ، أعني زمان قطعها للسرطان والأسد والسنبلة ، والخريف لمدة حركتها منه إلى الانقلاب الجنوبي ، أعني زمان قطعها للميزان والعقرب والقوس ، والشتاء لمدة حركتها منه إلى الاعتدال الربيعي ، أعني زمان قطعها للجدي والدلو والحوت ، وهذه الأسامي مأخوذة من صور توهمت من كواكب وقعت عند القسمة بحذاء الأقسام ـ وحين انتقلت عن محاذاتها بحركة الفلك الثامن آثروا بقاء الأسماء تيسيرا للأمر في ضبط الحركات.

__________________

(١) في (ب) تخيلوا بدلا من (توهموا)

(٢) سقط من (أ) لفظ (الست)

(٣) سقط من (ب) جملة (بالغا ما بلغ)

(٤) الثور : كوكبة تقع في البرج الثاني بها عنقودان : الثريا والقلاص ونجوم مزدوجة ، وسديم السرطان ، كما يوجد بها منزلة قمرية تسمى الدبران.

(٥) الجوزاء أو التوأمان : الكوكبة البروجية الثالثة تحل الشمس فيها قرب المنقلب الصيفي المع نجمين فيها رأس التوأم المقدم مزدوج بصري كل فرد فيه مزدوج ، ورأس التوأم المؤخر يتكون من ستة أفراد على الأقل وبالكوكبة منزلتان قمريتان هما الذراع والهيعة.

١٤٨

قطع الكواكب السيارة لمنطقة البروج

[قال (وكل من السيارة يقطع هذه البروج على التوالي)

أعني بحركة من المغرب إلى المشرق. إما إجمالا فالشمس في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم وهي السنة الشمسية ، والقمر في ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما وسدس يوم وخمس. وزحل في ثلاثين سنة. والمشتري في اثنتي عشرة سنة ، والمريخ في سنتين إلا شهرا ونصفا ، والزهرة في حدود سنة ، وكذا عطارد كل ذلك على التقريب].

أعني من الحمل إلى الثور إلى الجوزاء وهكذا ، وهي حركة من المغرب إلى المشرق ، وعكسه بخلاف التوالي أعني من الحمل إلى الحوت (١) إلى الدلو (٢) ، وهكذا ، ونعني بالحركة إجمالا الحركة المركبة التي بها يعتبر انتقال الكوكب من برج إلى برج من غير أن ينظر إلى جزئيات الأفلاك. وتفاصيل الحركات. وبالتفصيل خلاف ذلك. فالشمس تقطع البروج (٣) الاثني عشر في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم ، وهي السنة الشمسية ، والقرم [يقطعها اثنتي عشرة مرة (٤)] في ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما وسدس يوم وخمس يوم وهي السنة القمرية ، وزحل في ثلاثين سنة ، والمشتري في اثنتي عشرة سنة ، والمريخ (٥) في سنتين إلا شهرا ونصفا ، وكل من الزهرة وعطارد في سنة جميع ذلك على سبيل التقريب ، وأما التحقيق فيعرف من الزيجات.

__________________

(١) الحوت : كوكبة في البرج ١٢ ألمع نجومها نجم مزدوج انتقل الاعتدال الربيعي إليها لتقهقر الاعتدالين.

(٢) الدلو أو ساكب الماء : أحد البروج الاثنى عشر ، تنزله الشمس في أواخر بناير وأوائل فبراير ، وفيه ثلاثة منازل للقمر. سعد السعود ، وسعد بلع ، وسعد الأخبية.

(٣) سقط من (أ) لفظ (البروج)

(٤) سقط من (أ) ما بين القوسين

(٥) المريخ : رابع كوكب بعدا عن الشمس ، يقطع مساره في ٨٨ ، ١ سنة ويقترب من الأرض كثيرا كل ١٥ ، ١٧ سنة لونه أحمر أو برتقالي وتغطي ٣ / ٨ مساحته مناطق داكنة قرب خط الاستواء ، ويوجد عند القطبين «طاقيتا» ثلج ، يتغير حجمهما صيفا وشتاء كما توجد خطوط مستقيمة (قنوات) يحتوي جوه على ثاني اكسيد الكربون ، ولا يوجد الاكسجين وبخار الماء ، وتتراوح درجة الحرارة بين ٨٠ ـ ١٢٠ ف تحت الصفر ، وللمريخ تابعان هما ديموس وفويوس.

١٤٩

الحركات البسيطة للأفلاك الجزئية

[قال (وأما تفصيلا)

فحركة اليوم بليلته إلى خلاف التوالي ، أعني من المشرق إلى المغرب كمدير عطارد ، وعلى غير منطقة العالم ، ومنطقة البروج ، وأقطابها تسع وخمسون دقيقة ، وثماني ثوان ، وعشرون ثالثة ، ولممثله على منطقة البروج وقطبيها ثلاث دقائق وكسر ، ولمائله على غير المنطقتين والأقطاب إحدى عشرة درجة ، وتسع دقائق ، وإلى التوالي لممثلات غير القمر على وفق الثامن ، حتى كأنها بحركة ، ولخارج المركز للشمس على منطقة البروج دون قطبيها تسع وخمسون دقيقة ، وثماني ثوان ، وعشرون ثالثة ، ولزحل دقيقتان ، وللمريخ إحدى وثلاثون دقيقة ، وللزهرة كالشمس ، ولعطارد درجة ونصف ، وللقمر أربع وعشرون درجة وثلث ، وعشرون دقيقة ، كل ذلك على غير المنطقتين ، والأقطاب ولتداوير العلوية فضل حركة الشمس على حواملها (١) ، ولتدوير الزهرة سبع وثلاثون دقيقة ، ولعطارد ثلاثة أجزاء وست دقائق ، والقمر ثلاثة عشر جزءا وأربع دقائق ، وهذه في تداوير المتحيرة للنصف الأعلى ، وعلى غير مناطق الحوامل ، وفي تدوير القمر للنصف الأسفل ، وعلى منطقة الحامل والمائل ، فلا محالة يكون النصف الآخر إلى خلاف التوالي].

إشارة إلى بيان الحركات البسيطة للأفلاك الجزئية إلى التوالي ، أو خلافه ، فمن الحركة إلى خلاف التوالي ، حركة مدير عطارد حول مركزه على غير معدل النهار ، ومنطقة البروج ، وغير أقطابهما ، ويظهر في أوج الحامل ، وحضيضه ، ويحدث بسببها لمركز الحامل مدار حول مركز المدير يسمى الفلك الحامل لمركز الحامل ، وهي في اليوم بليلته تسع وخمسون دقيقة ، وثماني ثوان وعشرون ثالثة ، ووجه (٢) معرفة المدير ، وكون حركته على خلاف التوالي ، وعلى هذا المقدار مشهور فيما بينهم. إلا أن في نقل صاحب المواقف (٣) سهو قلم لا بد من التنبه له ، وهو أنه

__________________

(١) سقط من (ب) جملة (على حواملها)

(٢) في (ب) وطريقة بدلا من (ووجه)

(٣) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار أبو الفضل عضد الدين الإيجي عالم بالأصول ـ

١٥٠

جعل حال مركز التدوير ، وأوج الحامل في الميزان ، والحمل المقابلة ، وإنما هي المقارنة ، وجعل المدير اسما لمحرك مركز التدوير ، وإنما هو اسم لمحرك أوج الحامل المحرك لمركز التدوير ، وجعل بعد عطارد عن الشمس في الصباح والمساء في الميزان (١) أعظم منه في الحمل والأمر بالعكس ، ومنها حركة ممثل القمر حول مركز العالم على منطقة البروج وقطبيها كل يوم ثلاث دقائق ، واثنتي عشرة ثانية ، وبها تتحرك جميع أفلاك القمر ، فينتقل الرأس والذنب ، ولذلك ينسب إليهما ويسمى حركة الجوزهر ، ومنها حركة مائل القمر حول مركز العالم على غير معدل النهار ، ومنطقة البروج وغير أقطابهما كل يوم ، إحدى عشرة درجة ، وتسع دقائق ، ويتحرك بها الخارج المركز ومركزه ، وتسمى حركة الأوج لظهورها فيه ، وقد يسمى مجموع حركة الجوزهر والمائل بحركة الأوج ، وأما حركاتها إلى التوالي ، فمنها حركات الأفلاك الممثلة سوى ممثل القمر ، وتظهر في الأوجات والحضيضات ، وهي على وفق حركة الفلك الثامن حتى ذهب بعضهم إلى أنها بحركته ، واختار الآخرون كونها حركات الممثلات بذواتها ، احترازا عن كونها عطلا. والتزموا عدم تحركها بحركة الثامن لأن تحريك الحاوي للمحوي ليس بلازم ، ومنها حركات الأفلاك الخارج المراكز سوى ما يخص باسم المدير لعطارد ، وهي في كل يوم للشمس تسع وخمسون دقيقة ، وثماني ثوان وعشرون ثالثة ، على منطقة البروج دون قطبيها ، ولزحل دقيقتان ، والمشتري خمس دقائق ، وللمريخ إحدى وثلاثون دقيقة ، وللزهرة (٢) كما للشمس ، ولعطارد درجة ونصف ، وللقمر أربع وعشرون

__________________

ـ والمعاني والعربية من اهل إيج ، ولي القضاء ، وانجب تلاميذ عظاما من كتبه «الرسالة العضدية» في علم الوضع ومختصر المواقف وشرح مختصر ابن الحاجب. توفي عام ٧٥٦ ه‍.

راجع بغية الوعاة ٢٩٦ ومفتاح السعادة ١ : ١٦٩ والدرر الكامنة ٢ : ٣٢٢

(١) في (ب) الزمان بدلا من (الميزان) وهو تحريف

(٢) الزهرة : ثاني كوكب في البعد عن الشمس ، ويقع بين عطارد والأرض ألمع جرم سماوي باستثناء الشمس والقمر ، وأكثر الكواكب اقترابا من الارض يقع مساره في ٢٢٥ يوما حجمه وكتلته وكثافته قريبة من مقاييس الأرض لا يبتعد عن الشمس أكثر من ٤٦ ولذا لا يشاهد إلا في حدود ثلاث ساعات بعد الغروب أو قبل الشروق ، وتحيط به سحب كثيفة تخفي تفاصيل سطحه ، ولا تدور حوله أقمار ، ويعبر قرص الشمس في يونيه أو ديسمبر ، وأول عبور مسجل في ٢٤ نوفمبر سنة ١٦٣٩ م.

١٥١

درجة وثلث ، وعشرون دقيقة جميع ذلك على غير معدل النهار ، ومنطقة البروج ، وغير أقطابها ، ويظهر في مراكز تداوير الكواكب الستة ، ولذلك تسمى حركة مركز الكوكب ، ومنها حركة النصف الأعلى من تدوير كل من الخمسة المتحيرة على غير منطقة حاملها ، والنصف الأسفل من تدوير القمر على منطقة الحامل والمائل ، وهي في كل يوم لتداوير العلوية. أعني زحل والمشتري والمريخ فضل حركة الشمس على حركة حواملها ، ولتدوير الزهرة سبعة (١) وثلاثون دقيقة ، ولتدوير عطارد ثلاثة أجزاء وست دقائق ، ولتدوير القمر ثلاثة عشر جزءا وأربع دقائق ، ولا محالة يكون النصف الأسفل من تداوير المتحيرة ، والأعلى من تدوير القمر إلى خلاف التوالي.

ميل القمر عن منطقة البروج بحسب المائل

[قال (ويقع للقمر)

ميل عن منطقة البروج بحسب المائل فقط ، والمتحيرة بحسب المائل ، أعني الحامل عنها وبحسب التدوير عن المائل ، وكل الميلين يسمى بالعرض].

يعني لما كان حركة تدوير القمر على منطقة الحامل والمائل ، لم يقع له ميل عن منطقة البروج إلا بحسب المائل ، ولما كان حركة تدوير المتحيرة على غير مناطق حواملها المائلة عن منطقة البروج ، كان لها ميل بحسب المائل عن منطقة البروج ، وبحسب التدوير عن منطقة المائل ، وكل من الميلين يسمى عرض الكوكب ، وحقيقته قوس من الدائرة المارة بقطبي البروج ، وبرأس الخط المار بمركز (٢) الكوكب الخارج من مركز العالم إلى الفلك الأعلى (٣) ، يقع بين المنطقة وبين رأس ذلك الخط ، وهو في مقابلة الطول ، وهو قوس (٤) من منطقة البروج على التوالي ،

__________________

(١) في (ب) تسعة بدلا من (سبعة)

(٢) سقط من (أ) لفظ (بمركز)

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (الذي) ولا معنى لها

(٤) سقط من (ب) لفظ (قوس)

١٥٢

يقع به نقطة الاعتدال الربيعي ، وبين الكوكب إن كان عديم العرض ، أو بين النقطة التي تقطع دائرة عرضه فلك البروج عليها إن كان ذا عرض.

الحديث عن نقطتي تقاطع المائل

[قال (ونقطتان تقاطع المائل)

والممثل بالجوزهرين والتي تجاوزها الكواكب إلى الشمال بالرأس ، والأخرى بالذنب ، فظهر (١) أن جزئيات الأفلاك أربعة وعشرون ، وكذا بسائط الحركات ، ومبناه على اعتقاد الانتظام في السموات مع مشاهدة الكثير من الاختلافات. مثل السرعة ، والبطء بعد التوسط والرجعة والوقوف بعد الاستقامة ، ولا شك أن من الخارج المركز الذي يحرك الشمس مثلا حركة متشابهة حول مركزة القوس ، الذي تكون في النصف الأوجي من الممثل ، أعظم من التي تكون في النصف الحضيضي وأنها لا تقطع كل نصف إلا بقطع ما فيه من الخارج ، فيكون زمان قطع النصف (٢) الأوجي أكثر ، فترى الحركة أبطأ ، فلهذا كانت مدة الربيع والصيف أكثر مدة من الخريف والشتاء ، وأن الكواكب إذا كان من التدوير في النصف الذي يوافق حركته حركة الحامل ، يرى سريعا ، وإذا كان له في النصف الآخر ، فإن كانت حركته أقل من حركة الحامل يرى بطيئا ، وإن انتهت إلى التساوي. وذلك في المتحيرة لا غير ، يرى واقفا وإن زادت يرى راجعا].

والممثل بالجوزهرين يعني بالمائل. مائل القمر والأفلاك الخارجة المراكز للخمس المتحيرة لما عرفت من أنها ليست في سطح منطقة البروج [بل مائلة عنها ، فلهذا تقاطع الأفلاك الممثلة. وسموا من الجوزهرين النقطة التي يجاوزها الكوكب إلى شمال منطقة البروج] (٣) بالرأس ، والتي يقابلها بالمذنب ، تشبيها للشكل الحادث بين نصفي المنطقتين من الجانب الأقل بالتنين ، وجعل الأخذ في

__________________

(١) في (ب) فعلم بدلا من (فظهر)

(٢) سقط من (أ) جملة (قطع النصف)

(٣) ما بين القوسين سقط من (ب)

١٥٣

الشمال (١) رأسا لأنه أشرف من قبل ظهور القطب الشمالي ، وميل المساكن إليه ، وكثرة الكواكب فيه. قوله فظهر عليه (٢) لما أثبتوا فلكا للحركة اليومية ، وآخر لحركة الثوابت ، وتأملوا في أحوال السبعة السيارة واختلافاتها ، فحكموا بأن للشمس ممثلا ، وخارج مركز وتدويرا ، وللقمر مائلا وممثلا ، وخارج مركز وتدويرا ، ولكل من العلوية والزهرة ممثلا ، وخارج مركز وتدويرا ، ولعطارد ممثلا وتدويرا ومديرا وخارج مركز وتدويرا. ولكل من المذكورات حركة خاصة صارت الأفلاك الجزئية أربعة وعشرين وكذا الحركات البسيطة ، ومبنى ذلك على أنهم اعتقدوا في الفلكيات أنها منتظمة في حركاتها ، لا يعرض لها وقوف ، أو رجوع ، أو سرعة ، أو بطء ، أو انحراف ، عن سننها ، فحين أدركوا شيئا من ذلك ، أثبتوا له سببا لا يخل بهذا الانتظام كإثبات الخارج المركز أو التدوير للاختلاف بالسرعة والبطء وإثبات التدوير للرجعة والاستقامة والوقف مثلا إذا كان الكوكب متحركا حركة متشابهة على محيط فلك خارج مركزه عن مركز العالم الذي نحن بقربه ، تكون حركته بالقياس إلى مركز العالم مختلفة ، ويكون في القطعة التي هي أبعد منه بطيئة ، وفي القطعة التي هي أقرب سريعة ، لأن القسى المتساوية المختلفة بالبعد والقرب ، يرى البعيد منها أصغر من القريب ، وتوضيحه : أنه إذا أخرج خط يمر بالمركزين ، ويصل إلى الأوج والحضيض ، ثم قام عليه عمود يمر بمركز العالم ، ويصل إلى المحيط من الجانبين ، انقسم الممثل بهذا الخط قسمين متساويين ، وخارج المركز قسمين مختلفين ، أعظمهما ما يكون في النصف الأوجي منه (٣) من الممثل ، وأصغرهما ما يكون في النصف الحضيضي منه ، والكوكب لا يقطع كل نصف ، إلا بقطع ما فيه من الخارج ، فيكون زمان قطع النصف الأوجي أكثر ، والحضيضي أقل على تفاوت المسافتين. أعني القسمين من الخارج المركز ، فترى الحركة في النصف الأوجي أبطأ ، وفي النصف (٤) الحضيضي أسرع ، وعند طرفي الخط متوسطة ، كما إذا تحرك

__________________

(١) في (ب) الآخر في الشمال بدلا من (الآخذ في الشمال).

(٢) سقط من (أ) عليه لما

(٣) سقط من (أ) لفظ (منه)

(٤) سقط من (أ) لفظ (النصف)

١٥٤

متحرك (١) في ساعة فرسخين ، وفي أخرى فرسخا ، ولهذا كانت مدة فصلي الربيع والصيف أكثر من مدة فصلي الخريف والشتاء ، مع أن كلا من المدتين زمان لقطع النصف من فلك البروج ، وإذا كان الكوكب من التدوير في النصف الذي يوافق حركته حركة حامله ، أعني النصف الأعلى في المتحيرة والنصف الأسفل في القمر ترى حركته سريعة (٢) لقطعه فلك البروج بالحركتين جميعا ، وإذا كان في النصف الذي يخالف حركته حركة حامله ، أعني أسافل المتحير (٣) ، أعلى القمر ، فإن كانت حركته أقل من حركة حامله يرى بطيئا ، لأنه إنما يقطع فلك البروج بفضل حركة الحامل على حركة التدوير ، وإن انتهت حركته إلى حد التساوي لحركة الحامل ، وذلك إنما يكون في المتحيرة دون القمر لما عرفت من مقدار حركات التداوير ، والحوامل ترى الكوكب واقفا ، لأن الحامل يحركه إلى التوالي جزءا ، ويرده التدوير إلى خلاف التوالي جزءا فيرى من فلك البروج في موضعه كأنه لا يتحرك ، وإن زادت حركة التدوير على حركة الحامل يرى راجعا لأن الحامل يحركه جزءا ، والتدوير يرده جزءين مثلا(٤).

ما ذكره عن طريق الحدس لا الاستدلال

[قال (وأمثال هذه البيانات)

ليست استدلالا بوجود الملازم على الملزوم كما هو الظاهر بل تحدسا].

قد يتوهم أن إثبات الأفلاك الجزئية ، والحركات البسيطة على الوجوه المخصوصة بناء على ما يشاهد ، ويدرك بالرصد من الاختلافات اللازمة على تقدير ثبوتها إثبات للملزوم ، بناء على وجود لازمه ، وليس بمستقيم إلا إذا علم المساواة ، وليست بمعلومة ، إذ لا ضرورة ، ولا برهان على امتناع أن تكون تلك الاختلافات لأسباب أخر.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (متحرك)

(٢) سقط من (أ) لفظ (سريعة)

(٣) سقط من (ب) جملة (أسافل المتحير).

(٤) سقط من (ب) لفظ (مثلا)

١٥٥

والجواب أنها مقدمات حدسية ، حيث يحكم العقل الجازم بانتظام السماويات بثبوتها عند إدراك الاختلافات من غير ملاحظة وسط وترتيب ، وهم معترفون بذلك مصرحون به في أمر الخسوف (١) والكسوف (٢) ونحوهما ، ولهذا اختلفوا وترددوا فيما لم يحكم الحدس (٣) به كالمجرة ومحور القمر (٤). وأن اختلاف الشمس بالسرعة والبطء مبني على التدوير أو الخارج المركز وإن حركات أوجات الممثلات بأنفسها أو بالفلك الثامن.

الحدسيات المشهورة عنده

[قال (كما تحدسوا)

من اختلاف التشكلات نور القمر على حسب اختلاف أوضاعه من الشمس ، أنه في نفسه مظلم ، يستضيء بالشمس ، فعند الاجتماع يكون وجهه المظلم إلينا ، وهو المحاق ، وإذا انحرف إلينا من جهة المضيء قدر ما يرى فهو الهلال ، ثم يتزايد إلى أن يبلغ الاستقبال ، فيصير وجهه المضيء كله إلينا وهو البدر ، ثم ينحرف فيأخذ النور في النقصان إلى المحاق].

أورد هاهنا (٥) من الحدسيات المشهورة فيما بينهم إضاءة القمر بالشمس ،

__________________

(١) سبق الكلام على ظاهرة الخسوف في هذا الجزء

(٢) سبق الحديث على ظاهرة الكسوف في هذا الجزء

(٣) الحدس الذي اصطلح عليه الفلاسفة القدماء مأخوذ من معنى السرعة في السير. قال ابن سينا : الحدس حركة الى إصابة الحد الأوسط إذا وضع المطلوب أو إصابة الحد الاكبر اذا اصيب الأوسط وبالجملة سرعة الانتقال من معلوم الى مجهول. (النجاة ص ١٣٧)

وقال الجرجاني في تعريفاته : الحدس هو سرعة انتقال الذهن من المبادي الى المطالب

وقال التهانوي : الحدس هو تمثل المبادي المرتبة في النفس دفعة من غير قصد واختيار سواء بعد طلب أولا ، فيحصل المطلوب.

والحدس عند بعض الاشراقيين : هو ارتقاء النفس الانسانية الى المبادي العالية حتى تصبح مرآة مجلوة تحاذي شطر الحق ، فتمتلئ من النور الإلهي الذي يغشاها.

(٤) في (ب) نحو بدلا من (محور) وهو تحريف

(٥) في (أ) منها بدلا من (هاهنا)

١٥٦

وما يترتب على ذلك من الخسوف والكسوف ، وذلك أن اختلاف تشكلات القمر بحسب أوضاعه من الشمس ، يدل على أن جرمه مظلم كثيف صقيل ، يقبل من الشمس الضوء لكثافته ، وينعكس عنه لصقالته ، فيكون أبدا المضيء من جرمه الكري أكثر من النصف بقليل لكون جرمه أصغر (١) من جرم الشمس ، فيفصل بين المضيء والمظلم دائرة قريبة من العظيمة تسمى دائرة النور ، ويفصل بين ما يصل إليها نور البصر من جرم القمر ، وبين ما لا يصل دائرة تسمى دائرة الرؤية ، والدائرتان تتطابقان في الاجتماع ، ولكونه تحت الشمس يكون النصف المظلم منه حينئذ مما يلي البصر ، وهذه الحالة هي المحاق ، وكذا في الاستقبال لكن ما يلي البصر حينئذ هي القطعة المضيئة ، والقمر حينئذ يسمى بدرا ، وتتقاطعان في سائر الأوضاع ، أما في التربيعين ، فعلى زوايا قائمة ، فيرى منه الربع ، وأما في غيرهما فعلى حادة ، ومنفرجة فيرى الشكل الهلالي ، إن كان ما يلي الشمس هو القسم الذي يلي الزاوية الحادة (٢) ، والشكل الإهليلجي إن كان هو القسم الذي يلي المنفرجة ، وأول ما يبدو للناظر بعد الاجتماع يسمى الهلال ، وهو من حيث البعد بينه وبين الشمس قريب من اثنتي عشرة درجة ، أو أقل أو أكثر على اختلاف أوضاع المساكن.

أسباب الكسوف ودواعيها

[قال (وإذا كان القمر)

عند الاجتماع على عقدة الرأس والذنب أو بقربها (٣) بحيث يكون عرضه أقل من مجموع نصف قطره النيرين (٤) يرى جرمه المظلم كله أو بعضه على وجه الشمس وهو الكسوف].

إشارة إلى سبب الكسوف ، وهو حالة تعرض للشمس من عدم الاستنارة

__________________

(١) في (ب) اضوء بدلا من (أصغر)

(٢) سقط من (ب) لفظ (الحادة)

(٣) في (أ) او بقي بها بدلا من (بقربها) وهو تحريف

(٤) في (ب) التدوير بدلا من (النيرين)

١٥٧

والإنارة بالنسبة إلى الأبصار ، حين ما يكون من شأنها ذلك بسبب توسط القمر بينها وبين الأبصار ، وذلك إذا وقع القمر على الخط الخارج من البصر إلى الشمس ويسمى (١) ذلك بالاجتماع المرئي ، ويكون لا محالة (٢) على إحدى العقدتين الرأس أو الذنب أو بقربهما ، بحيث لا يكون للقمر عرض مرئي بقدر مجموع نصف قطره وقطر الشمس ، فلا محالة يحول بين الشمس وبين البصر ، ويحجب بنصفه المظلم نورها عن الناظرين بالكل ، وهو الكسوف الكلي ، أو البعض ، فالجزئي لكونه حالة تعرض للشمس لا في ذاتها ، بل بالنسبة إلى الأبصار ، جاز أن يتفق الكسوف بالنسبة إلى قوم دون قوم ، كما إذا سترت السراج بيدك ، بحيث يراه القوم وأنت لا تراه ، وأن يكون كليا لقوم ، جزئيا لآخرين ، أو جزئيا للكل ، لكن على التفاوت ، وأما إذا كان عرض القمر المرئي بقدر نصف مجموع القطرين ، فيما بين جرم القمر مخروط شعاع الشمس فلا يكون كسوف.

أسباب الخسوف

[قال (وإذا كان عند الاستقبال)

عليها أو بقربها بحيث يكون عرضه أقل من مجموع نصف قطره ، وقطر مخروط ظل الأرض ، انحجب بالأرض عن نور الشمس ، فيرى كله أو بعضه على ظلامه (٣) الأصلي وهو الخسوف].

إشارة إلى سبب الخسوف ، وذلك أن القمر عن استقباله الشمس ، إذا كان على إحدى العقدتين ، أو بقربها (٤) بحيث يكون عرضه أقل من مجموع نصف قطره وقطر مخروط ظل الأرض ينحجب بالأرض عن نور (٥) الشمس ، فيرى إن كان

__________________

(١) في (أ) وهو بدلا من (ويسمى ذلك)

(٢) سقط من (ب) جملة (لا محالة)

(٣) سقط من (ب) لفظ (ظلامه)

(٤) سقط من (أ) لفظ (أو بقربها)

(٥) سقط من (ب) لفظ (نور)

١٥٨

فوق الأرض على ظلامه الأصلي كلا أو بعضا ، وذلك هو الخسوف الكلي أو الجزئي وأما إذا كان عرضه عن منطقة البروج أقل (١) من نصفي القطرين فيماس مخروط الظل (٢) فلا ينخسف.

[قال (هذا ولكنهم وجدوا)

اختلافات أخر تقتضي زيادة أفلاك تحيروا في كيفياتها ، وكمياتها ، وأوضاعها وحركاتها وذلك أن كون مركز التدوير متحركا بحركة الحامل ، يقتضي أن يكون تشابه حركته ، وتساوي أبعاده ، ومحاذاة القطر المار بالذروة ، والحضيض كلها بالإضافة الى مركز الحامل ، وقد وجد في القمر تشابه الحركة حول مركز العالم ، ومحاذاة القطر بالنقطة من جانب الحضيض بعدها مركز العالم كبعد ما بين المركزين ، وفي المتحيرة تشابه الحركة حول نقطة على منتصف ما بين مركز العالم ، ومركز المدير في عطارد ، والحامل في البواقي ، وأيضا ميل الماثل عن الممثل شمالي في نصف جنوبي في آخر ، فلزم أن يكون مركز التدوير كذلك ، لكنهم وجدوه أبدا للزهرة شماليا ، ولعطارد جنوبيا].

يعني أنهم ، وإن أثبتوا بحكم الحدس (٣) هذه الأفلاك والحركات ، لكنهم وجدوا في القمر والخمسة المتحيرة اختلافات أخر تورث إشكالات على ما أثبتوا

__________________

(١) في (ب) بقدر مجموع بدلا من (أقل)

(٢) في (ب) الكلي بدلا من (الظل)

(٣) الحدس في اللغة : الظن والتخمين ، والتوهم في معاني الكلام والأمور والنظر الخفي والضرب والذهاب في الأرض على غير هداية ، والرمي والسرعة في السير ، والمضي على غير استقامة.

والحدس الذي اصطلح عليه الفلاسفة القدماء مأخوذ من معنى السرعة في السير. قال ابن سينا : الحدس حركة الى إصابة الحد الأوسط اذا وضع المطلوب ، أو إصابة الحد الأكبر إذا أصيب الأوسط وبالجملة سرعة الانتقال من معلوم الى مجهول. (راجع النجاة ص ١٣٧) والحدس عند ديكارت : هو الاصطلاح العقلي المباشر على الحقائق البديهية. قال ديكارت : وأنا لا أقصد بالحدس شهادة الحواس المتغيرة ولا الحكم الخداع لخيال فاسد المباني ، إنما أقصد به التصور الذي يقوم في ذهن خالص منتبه ، بدرجة من السهولة والتميز لا يبقى معها مجال للريب.

١٥٩

لها من أفلاك والحركات مثل إشكال المحاذاة ، وإشكال تشابه الحركة ، وإشكال عرض السفليين فمنهم من تحير ، ومنهم من تصدى لحل البعض مع الاعتراف بالخلل فيه ، وادعى صاحب التحفة حل الجميع ، وجه إشكال المحاذاة والتشابه ، أنه إذا تحرك مركز كرة كنقطة (أ) التي هي مركز كرة (ب ج) على محيط دائرة كدائرة (ا يء) وكانت تلك الحركة بسيطة حدثت عند مركز ذلك المحيط وهو (ر) في أزمنة متساوية زوايا متساوية كزوايا (ا زءء ز ه) (١) ، ويتبع ذلك تساوي قسي المحيط في تلك الأزمنة كقسي (اءء ه) (٢) ويلزم أيضا أن تكون أبعاد مركز الكرة المفروضة عن نقطة (ر) (٣) أيضا متساوية في جميع الأوضاع كخطوط (ز ا زء ز ه) (٤) إذ كل منها نصف قطر دائرة (اء ه) ويلزم أيضا أن يكون قطر (ب ج) من الكرة المفروضة أبدا محاذيا لنقطة (ز) (٥) حتى إذا صار مركز الكرة من (ا) إلى (ء) كان القطر مثل (ج ط) ، وإذا صار إلى (ه) كان مثل (ك ل) فمركز التدوير إذا كان متحركا على محيط حامله الخارج المركز كما قدروه لزم أن تكون الأمور الثلاثة بالنسبة إلى مركز الخارج لكنها بالأرصاد المعتبرة لم توجد كذلك ، بل وجد في القمر تشابه حركة مركز التدوير. أعني إحداث الزوايا المتساوية في الأزمنة (٦) المتساوية حول مركز العالم ، ومحاذاة القطر المار بالذروة والحضيض لنقطة من جانب الحضيض لا الأوج على ما وقع في المواقف سهوا بعدها عن مركز العالم كبعد ما بين مركز العالم ومركز الخارج المركز. أعني نقطة تتوسط مركز العالم كبعد ما بين مركز الخارج ، فاتجه الإشكالان ، ووجد في عطارد تشابه الحركة حول نقطة على منتصف ما بين مركز العالم ومركز المدير ، وفي الزهرة والعلوية على منتصف ما بين مركز العالم ومركز الحامل ، فاتجه على كل اشكال ، وأما محاذاة القطر في المتحيرة ، وإن لم يكن لمركز الحامل ، لكنها لما كانت للنقطة التي بحسبها تتشابه الحركة لم يتجه

__________________

(١) في (ب) أ ، ب د ، د ب ٥ بدلا من (أزءء ز ه)

(٢) في (ب) ر بدلا من (د)

(٣) في (ب) أد د ه بدلا من (أءء ه)

(٤) في (ب) د أد ود ب بدلا من (ز ا زء ز ه)

(٥) في (ب) د بدلا من (ز)

(٦) سقط من (ب) لفظ (الأزمنة)

١٦٠