شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

وحده (١) ، أو مع الغاية كالبسيط للبسيط (٢) إيجابا أو اختيارا أو مع البواقي (٣) ، كما (٤) في المركبات ، وحينئذ لا يتصور تقدمها ، والاحتياج إليها ، إذ فيها جميع الأجزاء التي هي نفس الشيء.

العلة إما تامة هي جميع ما يحتاج إليه الشيء بمعنى أنه لا يبقى هناك أمر آخر يحتاج إليه ، لا بمعنى أن تكون مركبة من عدة أمور البتة ، وإما ناقصة هي بعض ذلك ، والتامة قد تكون هي الفاعل وحده ، كالبسيط الموجد للبسيط إيجابا وقد تكون هي مع الغاية كالبسيط الموجد للبسيط اختيارا ، فإن فعل المختار قد يكون لغرض يدعو إليه ، وقد يكون هو مع المادة والصورة أيضا كالموجد للمركب عنهما ، إما الغاية أو بدونها ، وإذا كانت العلة التامة مشتملة على المادة والصورة يمتنع تقدمها على المعلول ، واحتياج المعلول إليها ضرورة أن جميع أجزاء الشيء نفسه ، وإنما التقدم لكل جزء منها ، فما يقال من أن العلة يجب تقدمها على المعلول ليس على إطلاقه ، بل العلة الناقصة أو التامة التي هي الفاعل وحده ، أو مع الشرط والغاية.

تقسيم أقسام العلة

(قال : وكل من الأربع ينقسم (٥) إلى بسيطة ومركبة ، وإلى كلية وجزئية ، وإلى ذاتية وعرضية ، وإلى قريبة وبعيدة ، إلى عامة وخاصة ، وإلى مشتركة

__________________

(١) دون سائر العلل أو كان هو الفاعل مع الغاية.

(٢) فإن تأثير البسيط في البسيط كالعقل يؤثر في العقل في زعم الفلاسفة بالإيجاب لا يتوقف فيه الأمر إلا على المؤثر.

(٣) أو كان هو الفاعل مع العلل البواقي مما سوى الفاعل من الغائية والمادية والصورية.

(٤) من المادة والصورة التي هي نفس ذلك الشيء المعلول ، وإذا اشتملت هذه العلة على نفس المعلول فالشيء لا يتقدم ولا يحتاج إلى نفسه في الوجود.

(٥) إلى سبعة أقسام إن عد كل متقابلين قسما وإلا فأربعة عشر. وذلك أن الفاعلية منها تنقسم إلى بسيطة ومركبة وإلى كلية وجزئية وإلى ذاتية وعرضية وإلى قريبة وبعيدة وإلى عامة وخاصة وإلى مشتركة ومختصة وإلى ما بالقوة وما بالفعل.

٨١

ومختصة بالذات وبالعرض ، وإلى ما بالقوة وما بالفعل (١)).

يعني أن كلا من العلل الأربع ينقسم باعتبار إلى بسيطة ومركبة ، وباعتبار إلى كلية وجزئية ، وباعتبار إلى ذاتية وعرضية ، وباعتبار إلى قريبة وبعيدة ، وباعتبار إلى عامة وخاصة ، وباعتبار إلى مشتركة ومختصة ، وباعتبار إلى ما بالقوة ، وإلى ما بالفعل.

__________________

(١) سقط من (ج) وإلى ما بالقوة وما بالفعل.

٨٢

المبحث الثاني

وجود المعلول يجب عند تمام الفاعل

(قال : المبحث الثاني : يجب وجود المعلول عند تمام الفاعل (١) لامتناع الترجيح بلا مرجح ، وبالعكس لكون الاحتياج من لوازم الإمكان (٢) ، فتقدمه لا يكون إلا بالذات ، واستناد الحادث إلى القديم لا يكون إلا بشرط حادث يقارنه لتعلق الإرادة).

يعني إذا وجد الفاعل بجميع جهات التأثير من الشرط والآلات والقابل يجب وجود المعلول ، إذ لو جاز عدمه لكان وجوده بعد ذلك ترجحا (٣) بلا مرجح ، لأن التقدير حصول جميع جهات التأثير من غير أن يبقى معه (٤) شيء يجب الترجح ، وإذا وجد المعلول يجب وجود الفاعل بجميع جهات التأثير ، لأن الاحتياج إلى المؤثر التام من لوازم الإمكان ، والإمكان من لوازم المعلول ، فلو لم يجب وجود المؤثر التام (٥) عند وجود المعلول ، لزم جواز وجود الملزوم بدون اللازم ، هذا خلف ، وإذا كان بين المؤثر التام ومعلوله تلازم في الوجود ، لم يكن للمؤثر تقدم عليه بالزمان ، بل بالذات بمعنى الاحتياج

__________________

(١) أي إذا وجد الفاعل من حيث أنه فاعل بأن وجد معه شرائط التأثير وآلاته حتى لا يبقى وجه مما يوجب ترجيح وجوده معلوله.

(٢) بمعنى أن المعلول لا يكون إلا ممكنا فالامكان من لوازم المعلول والاحتياج إلى الفاعل من لوازم الإمكان فتكون الحاجة من لوازم المعلول لأن لازم اللازم لازم.

(٣) في (ب) ترجيحا بدلا من (ترجيحا).

(٤) سقط من (أ) لفظ (معه).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (التام).

٨٣

إليه ، بحيث يصح أن يقال ، وجد المؤثر فوجد الأثر من غير عكس.

فإن قيل : لو صح هذا لما جاز استناد الحادث إلى التقديم لتأخره عنه بالزمان.

قلنا : من جملة جهات تأثير القديم في الحادث شرط حادث يقارن الأثر الحادث كتعلق الإرادة عندنا ، والحركات والأوضاع عند الفلاسفة ، فيكون التقدم بالزمان لذات الفاعل ، ولا نزاع فيه لا للفاعل مع جميع جهات التأثير.

فإن قيل : الضرورة قاضية بأن إيجاد العلة للمعلول لا (١) يكون إلا بعد وجودها ، ووجود (٢) المعلول ، إما مقارن للإيجاد أو متأخر عنه فيكون متأخرا عن وجود العلة.

غاية الأمر أن يكون عقيبه من غير تخلل زمان لئلا يلزم الترجح بلا مرجح.

قلنا : كون الإيجاد بعد وجود العلل (٣) مع جميع جهات التأثير بعدية زمانية ممنوع.

افتقار عدم المعلول إلى عدم العلة

(قال : فعدم المعلول ولو في غير القار كالحركة يفتقر إلى عدم العلة ولو ببعض الشروط (٤) ، وعدم الثبوت (٥) لا ينافي الشرطية (٦) بهذا المعنى ، فالفاعل في طرفي الممكن واحد يجب بوجوده وجوده ، وبعدمه عدمه ، إن سابقا فسابق ، وإن لاحقا فلاحق ، وبقاء المعلول عند انعدام العلة إنما يتصور في

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (لا).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (لا).

(٣) في (ب) العلة بدلا من (العلل).

(٤) التي تتوقف في وجود معلولها عليها. والحاصل أن تمام العلة موجب لوجود المعلول وإلا لصح تأخيره فيكون وجوده ترجيحا بلا مرجح.

(٥) أي عدم ثبوت العلة الذي جعل شرطا يتوقف عليه عدم المعلول.

(٦) التي قررت له ، يعني أن العدم يصح أن يكون شرطا لعدم آخر ينتفي ذلك العدم بانتفائه.

٨٤

المعدات كالابن بعد الأب ، والبناء بعد البناء ، وسخونة الماء بعد النار لا في المؤثرات).

يعني لما ثبت أنه (١) كلما وجدت العلة بجميع جهات التأثير وجد المعلول لزمه بحكم عكس النقيض أنه كلما انتفى المعلول انتفت العلة التامة (٢) إما بذاتها أو ببعض جهات تأثيرها وأكد الحكم بقوله : ولو في غير القار لأنه قد يتوهم أن الأعراض الغير القارة كالحركة والزمان قد ينعم (٣) أجزاؤها مع بقاء العلة بتمامها لكونها بحسب ذاتها على التجدد والانصرام بمعنى أن ذاتها تقتضي عدم كل جزء بعد الوجود ، وإن بقيت علته ، وستطلع على حقيقة الحال في بحث الحركة ، فإن قيل كل من العدمين نفي محض لا ثبوت له فكيف يكون أثرا (٤) أو مؤثرا. قلنا بل عدم مضاف لا يمتنع كون أحدهما (٥) محتاجا والآخر (٦) محتاجا إليه ، وهذا معنى المعلولية والعلية هاهنا لا التأثر والتأثير ، وإذا ثبت أن وجود الممكن يفتقر إلى وجود علته وعدمه إلى عدم علته ظهر أن الفاعل في طرفي الممكن أعني وجوده وعدمه واحد ، يجب بوجوده وجوده وبعدمه عدمه ، أما عدمه السابق فبعدمه السابق بمعنى أن عدم حدوث الحادث محتاج إلى عدم حدوث فاعله بجميع جهات التأثير وأما عدمه اللاحق فبعدمه اللاحق ، يعني أن زوال وجوده يحتاج إلى زوال وجود الفاعل بجميع جهات التأثير.

فإن قيل : ما ذكرتم من انعدام المعلول عند انعدام العلة باطل لما نشاهد من بقاء الابن (٧) بعد الأب (٨) ، والبناء بعد البناء ، وسخونة الماء بعد النار.

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (إنه).

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (التامة).

(٣) في (ب) قد تتقدم بدلا من (قد ينعدم).

(٤) في (ب) بزيادة الضمير (هو).

(٥) في (ج) الأول بدلا من (أحدهما).

(٦) في (ج) الثاني بدلا من (الآخر).

(٧) في (ج) الولد بدلا من (الابن).

(٨) في (ج) الوالد بدلا من (الأب).

٨٥

قلنا : ذاك في العلل المعدة ، وكلامنا في العلل المؤثرة. فالأب بالنسبة إلى الابن ليس إلا معدا للمادة لقبول الصورة ، وإنما تأثيره في حركات وأفعال تقضي إلى ذلك وتنعدم بانعدام قصده ومباشرته ، وفي هذا قياس سائر الأمثلة. فإن البناء إنما يؤثر في حركات تقضي إلى ضم أجزاء البناء بعضها بالجواز إلى بعض ، ووجوده إنما هو أثر التمسك المعلول ليس العنصر هذا على رأي الفلاسفة ، وأما على رأي القائلين باستناد الكل إلى الواجب بطريق الاختيار وتعلق الإرادة فالأمر بين.

المؤثر في الوجود مؤثر في البقاء

(قال : والمؤثر في الوجود قد يكون هو المؤثر في البقاء (١) كالشمس للضوء (٢) وقد يكون غيره (٣) كمماسة النار للاشتعال (٤) واستمرارها بمعونة الأسباب لبقائه (٥)).

يريد أن ما يفيد وجود الشيء قد يفيد بقاءه من غير افتقار إلى أمر آخر كالشمس تفيد ضوء المقابل وبقاءه ، وقد يفتقر البقاء إلى أمر آخر ، وهذا ما يقال : إن علة الحدوث غير علة البقاء كمماسة النار تفيد الاشتعال ثم يفتقر بقاء الاشتعال إلى استدامة المماسة واستمرارها بتعاقب الأسباب.

__________________

(١) أي في بقاء ذلك الموجود.

(٢) لحاصل في مقابلها فإنها هي المؤثرة في وجود ذلك الضوء ، وهي المؤثرة في بقائه على المقابل لأنها إذا غابت عن المقابل انتفى بقاء ضوئها عليه.

(٣) أي غير المؤثر في الوجود.

(٤) الذي هو أخذ النار المشتعل فيه وشروعها في حروقه فإن تلك المماسة علة الاشتعال أولا.

(٥) أي لبقاء ذلك الاشتعال.

٨٦

المبحث الثالث

وحدة المعلول توجب وحدة الفاعل

(قال : المبحث الثالث وحده المعلول بالشخص توجب وحدة الفاعل (١) خلافا لبعض المعتزلة (٢) ولا عكس (٣) خلافا للفلاسفة ، حيث منعوا صدور الكثير عن الواحد الحقيقي (٤).

أما الأول : فلأن الشخص لو علل بمستقلتين لاحتاج إلى كل لعلتيها واستغنى عنها العلية الأخرى ، ولأنه إما أن يحتاج إلى كل منهما فيكون جزء علة ، أو إلى إحداهما فقط فيكون هو العلة بخلاف النوع ، فإن المحتاج إلى كل منهما فرد مغاير للمحتاج إلى الأخرى كأفراد الحرارة الواقعة في نيران متعددة فالفرد بعينه يحتاج إلى علة بعينها وفرد ما إلى علة ما مع امتناع الاجتماع والنوع إلى علة (ما) مع جواز الاجتماع نظرا إلى تعدد الأفراد ، وهل يستند الفرد بعينه إلى علة ما بأن يقع بهذه كما يقع بتلك على البدل ولا يتبدل التشخص. فيه تردد (٥)

__________________

(١) أي كون وحدة واحد بالشخص يقتضي كون علته واحدة فلا يجوز أن يكون لشخص واحد علتان مستقلتان بحيث يوجد بكل منهما على الانفراد.

(٢) فإنه يقول بالجواز إذ الجوهر الفرد يجوز أن يلتصق بيد زيد ويد عمرو مثلا ، فإذا جذبته يد زيد ودفعته يد عمرو لصوب الجذب في آن واحد فلا محالة تحصل حركته حينئذ منهما.

(٣) أي لا توجب وحدة العلة وحدة المعلول.

(٤) وهو الذي وحدته شخصية مع انتفاء تعدد الشروط والآلات.

(٥) أي نظر واحتمال فيصح أن يقال بالاستناد نظرا إلى أن تشخص الشيء يتحقق بدون فاعله وأن يقال بعدمه نظرا إلى أن التشخص لا يتحقق في الشيء لا باختيار وتعلق تأثير المؤثر الخاص به.

٨٧

يريد أن الواحد الشخص لا يكون معلولا لعلتين تستقل كل منهما بإيجاده خلافا لبعض المعتزلة والواحد من جميع الوجوه لا يلزم أن يكون معلوله واحدا بل قد يكون كثيرا خلافا للفلاسفة حيث ذهبوا إلى أن الواحد المحض (١) من غير تعدد شروط وآلات واختلاف جهات واعتبارات لا يكون علة إلا لمعلول واحد.

أما الأول : وهو امتناع اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد فلوجهين.

١ ـ أنه يلزم احتياجه إلى كل من العلتين المستقلتين (٢) لكونهما علة واستغناؤه عن كل منهما لكون الأخرى مستقلة بالعلية.

٢ ـ أنه إن توقف على كل منهما لم يكن شيء منهما علة مستقلة بل جزء علة ، لأن معنى استقلال العلة أن (٣) لا يفتقر في التأثير إلى شيء آخر ، وإن توقف على إحداهما فقط كانت هي العلة دون الأخرى وإن لم تتوقف على شيء منهما لم يكن شيء منهما علة ، وهذا بخلاف الواحد بالنوع ، فإنه لا يمتنع اجتماع العلتين عليه بمعنى أن يقع بعض أفراده بهذه وبعضها بتلك فيكون المحتاج إلى كل منهما أمرا (٤) مغايرا للمحتاج إلى الأخرى ، وحينئذ لا يلزم احتياج شيء إلى شيء واستغناؤه عنه بعينه ، ولا يلزم من احتياج النوع إلى كل من العلتين عدم استقلالهما بالعلية للفرد ، وذلك كجزئيات الحرارة التي يقع بعضها بهذه النار وبعضها بتلك فنوع الحرارة يكون معلولا لهذه النيران. وقد تمثل بنوع الحرارة الواقع بعض جزئياتها بالنار وبعضها بالشمس وبعضها بالحركة ، والمناقشة في كون هذه الحرارات من نوع واحد تدفع بأن المراد بالنوع ما هو أعم من الحقيقي ، وأورد الإمام أن المعلول النوعي إن

__________________

(١) في (ب) المشخص بدلا من (المحض).

(٢) سقط من (ب) لفظ (المستقلتين).

(٣) في (ب) أنه بدلا من (أن).

(٤) في (ب) أثرا بدلا من (أمرا).

٨٨

احتاج لذاته إلى العلة المعينة امتنع (١) استناده (٢) إلى غيرها ، وهو ظاهر وإن لم يحتج كان غنيا عنها لذاته فلا يعرض له الاحتياج إليها. فأجاب بأنه لا يلزم من عدم الاحتياج لذاته إلى العلة المعينة استغناؤه عن العلة مطلقا بل يجوز أن يحتاج لذاته إلى (٣) علة ما ، ويكون الاستناد إلى العلة المعينة لا من جهة المعلول بل من جهة أن تلك العلة المعينة تقتضي ذلك المعلول. فالحاجة المطلقة من جانب المعلول وتعين العلة من جانب العلة.

والحاطل : أن الماهية النوعية بالنظر إلى ذاتها ليست محتاجة إلى العلة المعينة ولا غنية عنها. بل كل من ذلك بالعارض. واعترض صاحب المواقف بأن فيما ذكر من احتياج المعلول إلى علة ما بحيث يكون التعين من جانب العلة التزام أن يحتاج المعلول المعين إلى علة لا بعينها فيجوز (٤) أن يكون الواحد بالشخص معلولا لعلتين من غير احتياج إلى كل منهما ليلزم المحال بل إلى مفهوم أحدهما لا بعينه الذي لا ينافي (٥) في الاجتماع كما هو شأن المعلول النوعي.

والجواب : أن مفهوم أحدهما ، وإن لم يناف الاجتماع ، لكن لا يستلزمه فيمتنع فيما إذا كان المعلول شخصيا ، لأن وقوعه بهذه الصورة (٦) يستلزم الاستغناء عن تلك ، والمستغنى عنه لا يكون علة. ويجوز فيما (٧) إذا كان نوعا لأن الواقع لكل منهما فرد آخر ، فلا يكون شيء منهما في معرض الاستغناء ، ولهذا قال : فالفرد بعينه يحتاج إلى علة بعينها (٨) ، بمعنى أن الفرد المعين من الحرارة مثلا يحتاج إلى علته المعينة التي أوجبتها ضرورة احتياج المعلول إلى

__________________

(١) في (ب) سقط لفظ (امتنع).

(٢) في (أ) استناده وفي (ب) استعناؤه.

(٣) في (ب) على بدلا من حرف الجر (إلى).

(٤) في (ب) لجواز بدلا من (فيجوز).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (لا).

(٦) سقط من (أ) لفظ (الصورة).

(٧) في (ب) ويجوز إن كان بدلا من (فيما إذا كان).

(٨) في (أ) بزيادة (بعينها).

٨٩

علته. وفرد ما أي الفرد لا بعينه يحتاج إلى علة لا بعينها ، بل بحيث يحتمل أن يكون هذه أو تلك ، لكن يمتنع اجتماعهما عليه لما سبق (١) ، وهذا ما يقال ، أن الواحد بالشخص ، يجوز أن تكون له علتان على سبيل البدل ، دون الاجتماع ، والنوع يحتاج إلى علة لا بعينها ، لكن لا يمتنع الاجتماع بالنظر إلى النوع ، لأن الواقع بكل منهما فرد مغاير للواقع بالأخرى ، وبهذا يندفع ما يقال : إن القول بالاحتياج إلى علة ما ، إما أن يكون قولا بتعدد العلة أو لا وأياما كان فلا فرق بين النوع والفرد بقى هاهنا بحث (٢) ، وهو أن الواحد بعينه ، وإن كان من حيث وقوعه بالعلة المعينة محتجا إليها ، لكن هل يصح استناده إلى علة ، لا بعينها بأن يقع بكل منهما على سبيل البدل بأن يكون الواقع بهذه هو بعينه الواقع بتلك ، مثلا حركة هذا الحجر في مسافة معينة في زمان معين ، إذا وقعت بتحريك زيد ، فلو فرضناها واقعة بتحريك عمرو هل تكون هي (٣) بعينها؟ فيه تردد بناء على أن اتحاد الفاعل ، هل له مدخل في تشخص المعلول ، وهذا غير ما سيجيء من أنه لا مدخل في تشخص الحركة ، لوحدة الفاعل ، حيث تقع الحركة المعينة بعضها بتحريك زيد ، وبعضها بتحريك عمرو ، وإنما الكلام في أنا لو فرضناها في ذلك الزمان في تلك المسافة ، واقعة بتحريك بكر وخالد بدل زيد وعمرو ، هل تكون تلك بالشخص المعين (٤).

دليل المخالف بامتناع تعدد العلة

(قال : تمسك المخالف (٥) بأن حركة جوهر (٦) يدفعه زيد حين يجذبه

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (لما سبق).

(٢) في (ب) أمر بدلا من (بحث).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (هي).

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (المعين).

(٥) تمسك المخالف في الحكم المذكور بأن قال يجوز تعدد العلة لمعلول واحد.

(٦) الجوهر الفرد في رأيه يجوز أن يصدر عن علتين.

٩٠

عمرو مستند إلى كل. قلنا (١) : بل إلى الكل أو إلى الواجب تعالى).

أي تمسك القائل بجواز اجتماع العلتين على معلول واحد بالشخص ، بأنا لو فرضنا جوهرا فردا ملتصقا بين زيد وعمرو يدفعه زيد ، ويجذبه عمرو في زمان واحد ، على حد واحد ، على حد واحد من القوة والسرعة ، فالحركة مستندة إلى (٢) كل منهما بالاستقلال لعدم الرجحان ، مع أنها واحدة بالشخص ضرورة امتناع اجتماع المثلين. ولذا فرضناها في الجوهر الفرد دون الجسم حيث يمكن تعدد الحل.

والجواب : منع استنادها إلى كل واحد بالاستقلال ، بل إليهما جميعا بحيث يكون كل منهما جزء علة ، وليس من (٣) ضرورة تركب العلة تركب المعلول ، وتوزيع أجزائه على أجزائها أو إلى الواجب تعالى كما هو الرأي الحق (٤).

جواز صدور الكثرة عن الواحد الحقيقي

(قال : وأما الثاني فلأن الأصل هو الإمكان (٥) ما لم يمتنع البرهان سنبين ولأن استناد الكل إلى الواجب ابتداء (٦)).

يعني جواز صدور الكثير عن الواحد فلوجهين.

أحدهما : إقناعي وهو أن العقل إذا لاحظ هذا الحكم لم تجد فيه امتناعا لا (٧) لذاته ، ولا لغيره ، فمن ادعى الامتناع فعليه البرهان.

__________________

(١) نحن في دفع ما تمسك به لا تسلم استناد الحركة المذكورة إلى كل من العلتين المذكورتين على حدة من حيث أن كلا منهما استقلت في إيجادها.

(٢) سقط من (أ) حرف الجر (إلى).

(٣) سقط من (ب) حرف الجر (من).

(٤) في (ب) كما هو رأي أهل الحق بزيادة (أهل).

(٥) فلنا أن نتمسك في صحة المدعي الذي هو صدور الواحد عن الكثرة بكون الأصل فيه كغيره هو الإمكان فيتحقق بذلك صحته.

(٦) أي من غير واسطة والواجب تعالى واحد حقيقي إذ لا تركب في ذاته تعالى وذلك قاطع لكل وهم.

(٧) في (ب) بزيادة لفظ (لا).

٩١

وثانيهما : تحقيقي. وهو إقامة البرهان على صدور الممكنات كلها عن واجب تعالى على ما سيأتي :

أدلة الفلاسفة على صدور الكثرة عن الواحد

(قال : احتجت الفلاسفة (١) بوجوه (٢) :

الأول : إن مصدريته (٣) لهذا غير مصدريته لذلك (٤) فإن دخل فيه شيء منهما تركب ، وإلا تسلسل ضرورة أن العارض (٥) معلول وله صدور. ورد بأنها أمر اعتباري ، لو كانت متحققة ، لم تتمحض وحدة الفاعل ، ولزم تكثر المعلولات ـ بل لا تناهيها إذا صدر عن الواجب شيء ، إذ معلولية العارض هناك (٦) مسلمة (٧) ، على أنه لو صح هذا الدليل لزم أن لا يصدر عن الواحد شيء أصلا ، لكون صدوره مغايرا ، وأن لا يسلب عنه إلا واحد ، ولا يتصف لا بواحد ، ولا يقبل إلا واحد.

فإن قيل : السلوب اعتبارات لا تحقق لها ، ولا تمايز في الأعيان ، وكذا الاتصاف والقابلية (٨) ، بخلاف الصدور (٩) ، فإنه كما يطلق على اعتباري بعرض للعلة والمعلول من حيث هما معا ، يطلق على حقيقي (١٠) ، هو كون

__________________

(١) على مدعاهم وهو صدور الكثير عن الواحد.

(٢) بوجوه ثلاثة.

(٣) أي مصدرية الواحد الحقيقي.

(٤) الصادر الآخر بمعنى أن صدور شيئين فأكثر عن الواحد يستلزم كونه محلا لصدورهما وكونه محلا لصدور الغير عنه هو معنى المصدرية.

(٥) أي كون العارض معلولا عن الواجب.

(٦) أي حيث يصدر عنه.

(٧) فيلزم إذا كانت المصدرية موجودة خارجية أن يكون لها صدور وصدورها هو المعنى المقصود من المصدرية.

(٨) القابلية : هي التي كون الشيء لا ينافي وصفا من الأوصاف.

(٩) الصدور : الذي هو مرجع معنى المصدرية المتقدمة.

(١٠) حقيقي : أي متحقق في نفسه لا يتوقف في فهمه وتقرره على شيئين حتى يكون اعتباريا به بل وجودي وهذا المعنى الحقيقي المراد بالصدور هنا.

٩٢

العلة بحيث يصدر عنها المعلول. أعني خصوصية بحسبها يجب المعلول. فإن تعدد المعلول فهو متعدد ، وإلا فواحد ، وحينئذ إن كانت العلة علة لذاتها ، فهو ذات العلة (١) ، وإلا فحالة تعرض لها ، فلزوم تعدد الجهات ، إنما يكون عند صدور الكثير (٢) دون الواحد.

قلنا : تحكمات لا يقتضي بها شبهة.

فإن قيل : مرادهم أنه كلما تكثر المعلول تكثر الفاعل ولو بالحيثية ضرورة أن فاعليته لهذا اعتبار مغاير لفاعليته لذلك ، ويلزم أنه كلما لم يكن تكثر في الفاعل ، ولو بالحيثية اتحد المعلول.

قلنا : كلام خال عن التحصيل هادم أساس قواعدهم المبنية على امتناع تعدد أثر البسيط. فإن تعدد الحيثيات العقلية ، لا يقدح في الوحدة الحقيقية ، وإلا لما أمكن أن يصدر عنه الواحد أيضا لأن مصدريته له اعتبار مغاير له بحسب العقل ضرورة.

الثاني (٣) : أنه (٤) إذا صدر عنه (أ) فلو صدر عنه (ب) وهو ليس (أ) اجتمع النقيضان (٥) بخلاف ما إذا تعددت الجهة (٦) ، فإن كلا يستند إلى جهة.

ورد بأن صدور (أ) لا يناقض صدور ما ليس (أ) بل عدم صدور (أ) وهو وإن صدق على صدور ما ليس (أ) لكن لا امتناع في اجتماع الشيء ، وما يصدق عليه نقيضه ، إذا كان بحسب الوجود دون الصدق ، وإنما الممتنع إن يصدق عليه ، أنه يصدر عنه (أ) ولا يصدر عنه (أ).

الثالث : أن الاستدلال باختلاف الآثار على اختلاف المؤثرات مركوز في

__________________

(١) إذ لا خصوصية توجب المعلول سوى تلك الذات.

(٢) أي وقوع الكثير من المعلولات لأن هذا الصدور الاعتباري يستلزم الصدور الحقيقي المتعدد بتعدد المعلول.

(٣) الثاني : من الأوجه الثلاثة المستدل بها على أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد.

(٤) أي الواحد.

(٥) اجتمع النقيضان في ذات الواحد الذي صدر عنه اثنان بمعنى أن صدور الواحد وصدور ما ليس بواحد وهو الاثنان متناقضان.

(٦) التي وقع منها الصدور بأن كان علة صدور الاثنين خلاف علة صدور الواحد إما باستقلال العلتين وانفصالهما فى الخارج وإما بتعددهما في موصوف واحد.

٩٣

العقول ورد بأنه مبنى على امتناع تخلف المعلول عن علته ، وتحقق الملزوم بدون لازمه).

على امتناع صدور الكثير عن الواحد بوجوه :

الأول : أنه لو صدر عنه شيئان لكان مصدريته لهذا ، أو مصدريته لذاك ، مفهومين متغايرين ، فلا يكونان نفسه ، بل يكون أحدهما أو كلاهما داخلا فيه (١) ، فيلزم تركبه ، هذا (٢) خلف. أو خارجا عنه لازما له ، فيكون له صدور عنه.

وينقل الكلام إلى مصدريته له (٣) ، وتسلسل المصدريات مع كونها محصورة من بين حاصرين ، والاعتراض عليه من وجوه.

١ ـ أن المصدرية أمر اعتباري لا تحقق له في الأعيان ، فلا (٤) يلزم أن يكون جزءا من الفاعل ، أو عارضا له معلولا.

٢ ـ أنه إن أريد بتغاير مصدرية هذه لمصدرية ذاك تغايرهما بحسب الخارج فممنوع ، أو بحسب الذهن فلا ينافي كونهما نفس الفاعل بحسب الخارج.

٣ ـ أن المصدرية لو كانت متحققة في الخارج لم يكن الفاعل واحدا محضا في شيء من الصور لأنه إذا صدر عنه شيء فقد تحققت هناك مصدرية مغايرة له منافية لوحدته الحقيقة.

٤ ـ أن المصدرية على تقدير تحققها ، وعدم دخولها في الفاعل لا يلزم أن تكون معلولا له لجواز أن تكون معلولا لأمر آخر ، اللهم إلا إذا كان الفاعل الواحد هو الواجب تعالى (٥) وحينئذ لا تتم الدعوى كلية.

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (فيه).

(٢) في (ب) وهذا محال بدلا من (هذا خلف).

(٣) سقط من (ب) لفظ (له).

(٤) في (أ) بزيادة (فلا).

(٥) سقط من (ب) لفظ (تعالى).

٩٤

٥ ـ أنه لو تحققت المصدرية لزم تكثر المعلولات ، بل لا تناهيها فيما إذ صدر عن الواجب شيء فإن المصدرية حينئذ بعد (١) ما تكون خارجة ، لا يجوز أن تكون معلولا لأمر آخر ، بل تكون معلولا للواجب ، صادرا عنه (٢) ، فتتحقق مصدرية أخرى بالنسبة إليه ، ويتسلسل.

٦ ـ وأنه لو صح هذا الدليل لزم أن لا يصدر عن الواحد المحض شيء أصلا وإلا لكانت هناك مصدرية داخلة ، فيتركب. أو خارجة فيتسلسل ، وأن لا يسلب عنه أشياء كثيرة ، كسلب الحجر والشجر عن الإنسان ، وأن لا يتصف بأشياء كثيرة ، كاتصاف زيد بالقيام والقعود ، وأن لا يقبل أشياء كثيرة كقبول الجسم للحركة والسواد ، لأن مفهوم (٣) سلب هذا مغاير لمفهوم سلب ذاك ، وكذا الاتصاف والقابلية ، فيلتزم إما التركب أو التسلسل.

وقد يجاب عن هذه الاعتراضات كلها بأن سلب الشيء عن الشيء ، واتصاف الشيء بالشيء وقابلية الشيء للشىء من الاعتبارات العقلية التي لا تحقق لها ، ولا تمايز بينها في الأعيان ، ولو سلم فهي لا تلحق الواحد من حيث هو واحد ، بل تستدعي كثرة تلحقها هي (٤) ، باعتبارات مختلفة ، فإن السلب يفتقر إلى مسلوب ومسلوب عنه يتقدمانه ، ولا يكفي ثبوت المسلوب عنه فقط ، وكذا الاتصاف يفتقر إلى موصوف وصفة (٥) ، والقابلية إلى قابل ومقبول ، أو إلى قابل وشيء يوجد المقبول فيه ، بخلاف الصدور ، فإنه كما يطلق على الأمر الإضافي الذي يعرض للعلة والمعلول من حيث يعتبر العقل نسبة أحدهما إلى الآخر ، وليس كلامنا فيه ، كذلك يطلق على معنى حقيقي هو كون العلة ، بحيث يصدر عنها المعلول ، وكلامنا فيه ، ويكفي في تحققه فرض شيء واحد هو العلة ، وإلا

__________________

(١) في (أ) ما بدلا من (أن).

(٢) سقط من (ب) جملة (صادرا عنه).

(٣) في (أ) مفهوم سلب وفي (ب) سلب مفهوم.

(٤) سقط من (ب) لفظ (هي).

(٥) في (أ) بزيادة (وصفة).

٩٥

امتنع استناد جميع المعلولات إلى مبدأ واحد ، ولما كان الظاهر من كون الشيء بحيث يصدر عنه شيء أيضا أمرا إضافيا (١) اعتباريا ، زعموا أن المراد به خصوصية بالقياس إلى الأثر بحسبها يجب الأثر ، وأنه وجودي بالضرورة ، فإنا (٢) إذا أصدرنا حركات متعددة ، فما لم يحصل لنا خصوصيته بالقياس إلى (٣) كل حركة ، وأقلها إرادتها لم يصدر عنا تلك الحركة ، وهكذا سائر العلل الفاعلية لا يصدر عنها الأشياء الكثيرة ، إلا إذا كان لها مع كل منها خصوصية لا تكون مع الآخر. وإذا صدر الشيء الواحد ، لم يلزم تعدد الخصوصية ، بل لم يجز (٤) ، وحينئذ إن كانت العلة علة لذاتها ، فتلك الخصوصية ذات العلة ، وإن كانت علة لا لذاتها ، بل (٥) بحسب حالة أخرى ، فتلك الخصوصية حالة تعرض لذات العلة.

فلزوم تعدد الجهات ، وتكثر المعلولات إنما يكون عند صدور الكثير ، وأما عند صدور الواحد ، فلا يكون إلا ذات العلة ، أو حالة لها ، وعلى هذا لا يرد عليه (٦) شيء من الاعتراضات ، لكن لا يخفى أن أكثر هذه المقدمات تحكمات لا يعضدها شبهة فضلا عن حجة. وقد بين المطلوب بوجه لا يرد عليه الاعتراضات يدعى أنه زيادة تنبيه وتوضيح ، وإلا فامتناع صدور الكثير عن الواحد الحقيقي واضح ، لأنه لو صدر عنه شيئان فمفهوم عليته لأحدهما مغاير لمفهوم عليته للآخر بالضرورة ، والشيء مع أحد المتغايرين لا يكون هو مع الآخر. فالمفروض لا يكون شيئا واحدا محضا ، بل شيئين ، أو شيئا (٧) موصوفا بصفتين ، هذا خلف.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (إضافيا).

(٢) في (ب) فأما بدلا من (فإنا).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (كل).

(٤) في (ب) لم يخرج وهو تحريف.

(٥) سقط من (ب) لفظ (بل).

(٦) في (أ) بزيادة لفظ (عليه).

(٧) في (ب) اشياء بدلا من (شيئا).

٩٦

وإذا كان تكثر المعلول مستلزما التكثر (١) في الفاعل ، كان وحدة الفاعل مستلزمة لوحدة المعلول بحكم عكس النقيض ، ولا خفاء في أن هذا كلام قليل الجدوى ، بعيد عن أن يجعل (٢) من معارك الآراء ، وتفسيره على هذا الوجه يهدم أساس المسائل المبنية على أنه لا يصدر (٣) من البسيط شيئان. فانه يجوز أن يصدر عنه أشياء ، ويكون عليته لكل منها مفهوما اعتباريا مغايرا لعليته للآخر (٤) ولا يقدح ذلك في وحدته وبساطته الحقيقية ، وإلا لما جاز أن يصدر عنه شيء أصلا لأن علميته لذلك الشيء مفهوم مغاير لذات العلة بحسب التعقل ضرورة كونه نسبة له (٥) إلى المعلول.

الوجه الثاني : أن الواحد الحقيقي إذا صدر عنه (أ) فلو صدر عنه (ب) لزم اجتماع النقيضين لأن (ب) ليس (أ) وليس (أ) نقيض (أ) (٦) بخلاف ما إذا تعددت الجهة ، فإن كلا من صدور (أ) وليس (أ) يستند إلى جهة ، فيكون ما صدر عنه ، غير ما صدر عنه ليس (أ) فلا يكون تناقضا ، ولما كان فساد هذا الوجه في غاية الظهور ، فإن نقيض صدور (أ) عدم صدور (أ) وهو ليس ملازم ، وإنما اللازم صدور ما ليس (أ) وهو ليس بنقيض حتى قال الإمام : العجب ممن يفنى عمره في المنطق ليعصمه عن الغلط ، ثم يهمله في مثل هذا المطلب الأعلى فيقع في الغلط الذي يضحك منه الصبيان ، قرره بعضهم بأن عدم صدور (أ) صادق على صدور ما ليس (أ) فإذا اجتمع في الواحد صدور (أ) وصدور ما ليس (أ) فقد اجتمع صدور (أ) وعدم صدور (أ) وهما نقيضان ، وهذا أيضا فاسد ، لأن الممتنع من اجتماع النقيضين هو صدقهما على شيء واحد (٧) بطريق حمل المواطأة بأن يصدق على الواحد أنه صدر عنه (أ) ولم يصدر عنه (أ) لا بأن تواجدا فيه ، ويحملا عليه بالاشتقاق كالأبيض الحلو الذي يوجد فيه البياض واللابياض الذي هو الحلاوة. وهاهنا كذلك ، لأنه قد وجد في

__________________

(١) في (ب) لتكثير في الفاعل.

(٢) في (ب) يحصل بدلا من (يجعل).

(٣) في (ب) عن بدلا من حرف الجر (من).

(٤) في (ب) للأخرى بدلا من (الآخر).

(٥) سقط من (أ) لفظ (له).

(٦) في (ب) بعض بدلا (نقيض).

(٧) سقط من (ب) لفظ (واحد).

٩٧

الواحد صدور (أ) وعدم صدوره الذي هو صدور ما ليس (أ) ولم يلزم صدق قولنا صدر عنه (أ) ولم يصدر عنه (أ) وكذا تقرير الصحائف ، وهو أنه إذا صدر عنه (أ) لم يصدر عنه ليس (أ) لامتناع اجتماع النقيضين فاسد (١) ، لأن نقيض قولنا صدر عنه (أ) لم يصدر عنه (أ) (٢) لا قولنا صدر عنه ليس (أ).

الوجه الثالث : أنه لو جاز صدور الكثير عن الواحد ، لما كان تعدد الأثر ، واختلافه مستلزما لتعدد المؤثر واختلافه ، فلم يصح الاستدلال منه عليه ، لكن مثل هذا الاستدلال مركوز في العقول مشهور بين العقلاء كما إذا وجدوا النار تسخن المجاور ، والماء يبرده ، حكموا قطعا بأن (٣) اختلافهما في الحقيقة.

ورد بأنا لا نسلم ابتناء ذلك على استلزام تعدد الأثر ، تعدد المؤثر ، بل على استلزام وجود المؤثر التام ، ووجود أثره (٤) ، ووجود الملزوم وجود لازمه ، فحين لم يجدوا من الماء أثر طبيعة النار ، ولازمها الذي هو سخونة المجاور ، حكموا بأن طبيعته غير طبيعة النار.

معارضة القول بأن الواحد

لا يصدر عنه إلا واحد

(قال : ثم عورضت (٥) بوجوه (٦) :

الأول : أن الجسمية تقتضي (٧) التحيز ، وقبول الأعراض (٨) أو قابليته لهما لا أقل(٩).

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (فاسد).

(٢) في (أ) بزيادة (أ).

(٣) سقط من (أ) لفظ (بأن).

(٤) في (ب) وجود أثر بدون (الهاء).

(٥) تلك الشبه الثلاث التي استدل بها على أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد.

(٦) بوجوه أربعة.

(٧) توجب على مذهب الخصوم شيئين.

(٨) المراد بقبول الأعراض هنا الاتصاف بها بدليل ما بعده.

(٩) أي إن لم تقتض نفس الأوصاف ونفس المتحيز فلا أقل من اقتضائها القابلية لهما.

٩٨

ورد بمنع وحدة الجسمية (١) ووجودية الأمرين.

الثاني : أن كل ما يصدر (٢) فله (٣) ماهية ووجود كلاهما معلول (٤).

ورد : بعد تسليم تعددهما في الخارج. بأن المعلول هو الوجود أو الاتصاف به.

الثالث : أن المركز مبدأ محاذياته لنقط المحيط.

ورد : بأنها اعتبارات.

الرابع : أنه لو لم يصدر عن الواحد الا الواحد لاتحدت سلسلة الموجودات ولزم في كل شيئين علية أحدهما للآخر ، ولو بوسط.

ورد : بأن وحدة الذات لا تنافي كثرة الاعتبارات ، فيجوز أن يصدر عن المعلول الأول الواحد كثرة بحسب ما يعقل له من الوجود والماهية والا مكان.

وتعقل مبدئه ، (ذاته وتعقل مبدئه) (٥) ، وأن يصدر عن الواحد الحق مع معلوله الأول معلول ثان ويتوسطه ثالث ، ويتوسطهما رابع ، وهكذا إلى ما لا يتناهى من المعلولات. وحينئذ لا تنحصر السلاسل (٦).

__________________

(١) رد هذا الوجه بشيئين أحدهما إنا نمنع وحدة الجسمية لأن فيها مادة هي الهيولي وبها تقبل الأعراض وصور الأبعاد.

وثانيهما : أنا لا نسلم أن التحيز والاتصاف أو قابليتهما من الأمور الوجودية فتفتقر إلى علة مؤثرة في وجودها ، بل الأمران اعتباريان عدميان لا علة لهما خارجا وإنما عللا ذهنا والكلام في التأثير الخارجي.

(٢) الوجه الثالث من الوجوه المعارض بها أن كل ما يصدر عن المؤثر فهو غير متحد فكيف يستقيم أن أثر الواحد لا يكون إلا واحدا ...؟.

(٣) في (ج) فلها بدلا من (له).

(٤) لتحققه ومخالفته للآخر فإذا كان المؤثر واحدا فهو يؤثر لا محالة في هذين الشيئين فكيف يصح القول بأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ..؟.

(٥) ما بين القوسين سقط من (أ) و (ب).

(٦) أي لا ينحصر جنس سلسلة الموجودات في سلسلة.

٩٩

وقد يقال : لو كفى مثل هذه الاعتبارات ، فللواحد الحق أيضا كثرة سلوب (١) وإضافات (٢) فيصلح مبدأ لكثرة من غير توسط المعلولات (٣).

ويجاب بأنها تتوقف على ثبوت الغير (٤) فتوقفه عليها دور).

أي الشبه المذكورة بوجوه :

الأول : أن الجسمية وهي أمر واحد تقتضي أثرين هما التحيز أي الحصول في حيز ما(٥) وقبول الأعراض أي الاتصاف بها. فإن نوقش في استنادهما إلى مجرد الجسمية ، وجعل للحيز والأعراض مدخل في ذلك ينقل الكلام إلى قابلية الجسم للتحيز ، وقابليته للاتصاف بالأعراض ، فإنهما يستندان إلى الجسمية لا محالة. وإن نوقش في وحدة الجسمية ، بأن لها وجودا أو ماهية وإمكانا وجنسا وفصلا ، وغير ذلك.

قلنا : هي بجميع ما فيها ، ولها شيء واحد يستند إليه كل من الأمرين. ولا معنى لاستناد الكثير إلى (٦) الواحد سوى هذا.

وأجيب : بأنا لا نسلم أن التحيز وقبول الأعراض أو القابلية لهما من الأمور الوجودية التي تقتضى مؤثرا إما تحقيقا فظاهر ، وإما لزاما ، فلأن الفلاسفة وإن قالوا بوجود النسب ، والإضافات لم يعمموا ذلك ، بحيث يتناول قابلية التحيز مثلا. ولو سلم فلا نسلم استناد كل من الأمرين إلى الواحد المحض ، بل أحدهما باعتبار الصورة ، والأبعاد (٧) والآخر باعتبار المادة.

__________________

(١) مثل سلب الإمكان والحدوث والفناء عنه.

(٢) وله إضافات مثل كونه مبدأ الغير وكونه واجبا بالذات وكونه سابقا لكل شيء.

(٣) في تلك الكثرة لكن سلم الخصوم أن تلك الحيثيات لا تصح بها كثرة فلزمهم أن حيثية التوسط لا تصلح لإيجاب الكثرة لاستواء جميع الحيثيات في كونها عدمية.

(٤) أي غير الواحد الحق والفرض أن كل ما هو غير الواحد حاصل عن تلك الاعتبارات فيكون ذلك الغير متوقفا على تلك الاعتبارات توقفه عليها في الثبوت مع توقفها عليه في الثبوت أيضا فيكون دور وهو محال.

(٥) في (ب) في حيزها بدلا من (حيز ما).

(٦) في (أ) بزيادة جملة (إلى الواحد).

(٧) سقط من (ب) لفظ (الأبعاد).

١٠٠