شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

الحركتين لأنهما أعني الصاعدة والهابطة أمران وجوديان يمتنع اجتماعهما في زمان واحد من جهة واحدة مع كونهما نوعين من جنس بينهما غاية الخلاف ، وهذا بخلاف الحركة المستقيمة من نقطة من المسافة إلى نقطة مع الرجوع عنها إلى الأول لا بطريق الصعود والهبوط فإنهما نوع واحد ، وبخلاف المستقيمة والمنحنية أو المنحنيتين ، وإن كانت إحداهما فوق ، والأخرى تحت ، فإنهما ليستا على غاية الخلاف لأن بين كل نقطتين قسيا غير متناهية والعظمى أشد انحناء فأشد مخالفة. ولا يجوز أن يعتبر مطلق الانحناء لأنه لا يوجد في الخارج إلا في ضمن معين ، وكل معين يوجد فما فوقه أشد مخالفة منه وهاهنا مواضع بحث.

الأول : إن القوس (١) التي تماس محدب الفلك المحيط في غاية الخلاف فالحركة عليها ينبغي أن تكون ضدا للحركة المستقيمة لصدق الحد بجميع شرائطه.

الثاني : إن الصاعدة والهابطة المستقيمتين أيضا قد لا تكونان على غاية الخلاف كالصعود من وجه الأرض إلى النار ، والهبوط منها إليه لظهور أن الصعود إلى الفلك أشد مخالفة لذلك الهبوط ، والهبوط إلى مركز الأرض أشد مخالفة لذلك الصعود.

الثالث : إن ظاهر كلامهم هو أن المعتبر في تضاد الحركتين تضاد مبدأيهما ، وتضاد منتهيهما جميعا ، فالصعود والهبوط من المركز والمحيط إلى حيز من الهواء مثلا لا يكونان متضادين لاتحاد المنتهى ، وكذا الصعود والهبوط منه إلى المحيط والمركز لاتحاد المبدأ ، وقد صرح ابن سينا بأنه لا تضاد بين حركتي الماء بالطبع من فوق الهواء ومن تحت الأرض لأنهما ينتهيان إلى نهاية واحدة ، ولا يظهر لهذا سبب سوى ما ذكره الإمام : وهو أنهما ليستا على غاية التباعد ، لأن البعد بين حركة النار وحركة الأرض أكثر من البعد بين صعود الماء من المركز وهبوطه عن المحيط (وعلى هذا لا يتحقق التضاد في

__________________

(١) القوس : يذكر ويؤنث والجمع قسي ، وأقواس.

٤٤١

الحركات الأينية إلا بين الصعود من المركز إلى المحيط ، والهبوط من المحيط) (١) إلى المركز إذ فيما سوى ذلك لا يتحقق ما اعبروه هاهنا في التضاد من غاية التباعد ، وكون ضد الواحد واحدا ، وهم مصرحون بأن حركتي الحجر علوا وسفلا بالقسر والطبع متضادتان.

والجواب : أن تضاد الحركة لتضاد ما منه وما إليه ليس من حيث الحصول فيهما ، إذ لا حركة حينئذ ، بل من حيث التوجه فيعتبر حال الجهة وجها العلو والسفل متميزان بالطبع مختلفان بالنوع ، متضادتان بعارض لازم وهو غاية القرب من المحيط والبعد عنه بخلاف سائر الجهات.

الرابع : أن الإمام قد اعتبر في تضاد الحركة تضاد المبدأ والمنتهى من حيث وصف المبدئية والمنتهية ، وذكر أن التعلق الذاتي للحركة لما كان بنفس الوصفين دون الذاتين ، إذ لو لم يعرض للنقطتين كونها مبدأ وغاية للحركة لم يكن للحركة تعلق بهما ، أوجب تضاد الإطلاق (٢) تضاد الحركات.

فإن قيل : موجب تضاد الحركتين تضاد مبدأيهما ، وتضاد منتهيهما لا تضاد المبدأ والمنتهى قلنا : معنى الكلام لأن المبدأ والمنتهى لما كانا متضادين كانت الصاعدة والهابطة مبدأهما متضادين لكونهما مبدأ ومنتهى للصاعدة ، وكذلك منتهاهما لكونهما مبدأ ومنهى للهابطة. فإن قيل : فيلزم التضاد بين كل حركة مستقيمة من نقطة إلى أخرى مع الرجوع عنها إلى الأولى بل المستديرة أيضا كما إذا تحرك جسم من أول الحمل إلى أول الميزان ، ثم رجع عنه إلى أول الحمل بحيث يكون ممر الحركتين على الحمل ، والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة ، ويتحقق البداية والنهاية بالفعل ، فلا يندفع بما قيل إن الحركة على التوالي لا تضاد الحركة على خلاف التوالي لأن كلا منهما تفعل مثل ما تفعل الأخرى لكن في النصفين على التبادل مثلا المنحدر من السرطان إلى الجدي على التوالي يكون مسافته (٣) الأسد والسنبلة

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٢) في (ب) الأطراف

(٣) في (ب) ما فيه بدلا من (مسافته).

٤٤٢

والميزان والعقرب والقوس ، والمنحدر من السرطان إلى الجدي على خلاف التوالي يكون مسافته (١) الجوزاء والثور والحمل والحوت والدلو ، والصعود بالعكس ، فقد فعل كل منهما ما فعله الآخر لكن في النصف الآخر. قلنا : لو ثبت الخلاف بالماهية وغاية الخلاف التزام التضاد وهم إنما نفوا التضاد عن الحركات المستديرة الوضعية كحركة الرحا ، وما ذكرت من الحركتين بين الحمل والميزان حركة أينية على الاستدارة كحركة النمل على الرحى.

(قال : وأما انقسامها أربعة :

فانقسام الزمان وهو ظاهر وما فيه فإن الحركة إلى نصف المسافة أو نصف الكمية الحاصلة بالنمو أو إحدى (٢) الكيفيتين المتوسطتين في تسود الأبيض نصف الحركة إلى الكل ، وما له لأن ما يقوم من الحركة لكل جزء من المتحرك غير ما يقوم بالآخر ، وهذا في الأينية إنما يصير بالفعل إذا عرض للجزء انفصال لأن الأجزاء (٣) لا سيما الباطنة لا تفارق أيونها).

لا خفاء في تطابق الحركة والزمان وما يقع فيه التغير من المقادير والكيفيات والأيون والأوضاع فعند انقسام أحد الأمور الثلاثة ، ينقسم الآخران ضرورة وأمر المبدأ والمنتهى ظاهر ، وفي المحرك تفصيل ، وهو أنه قد لا ينقسم ، وقد لا ينقسم وبتقدير الانقسام قد يقوى البعض منه على التحريك وقد لا يقوى وبتقدير القوة هل يكون بعض الأثر أثر البعض. وبالجملة فالكلام فيه طويل ، وأما المتحرك فمن حيث أنه محل للحركة ، وانقسام المحل موجب لانقسام الحال كما (٤) ينبغي أن يكون انقسامها بانقسامه ظاهر لكنه خفي من جهة الخفاء في أن القابل للانقسام من الحركة هل هو حال في المتحرك حلول السريان كالبياض في الجسم ، وقد اختص ذلك في الحركة بمزيد

__________________

(١) في (ب) مسافة بدلا من (مسافته).

(٢) في (ج) أقوى بدلا من (إحدى).

(٣) في (أ) بزيادة (لا سيما).

(٤) في (أ) كان بدلا (كما).

٤٤٣

خفاء ، فإن أجزاء المتحرك لا تفارق أمكنتها بالكلية ، بل تشبه أن تكون الأجزاء الباطنة لا تفارق أمكنتها أصلا نعم لو عرض (١) للأجزاء انفصال كان للحركة انقسام شبيه (٢) بالانقسام في العرض لكن التغير التدريجي المسمى بالحركة على حاله وعلى امتداده ، فإن سمى مثل هذا انقساما للحركة بانقسام المتحرك فلا مشاحة ، وأما الانقسام الكمي الذي هو تكثير امتدادها الوهمي إلى ماله من الأجزاء الفرضية (٣) بحيث يحصل اسم النصف والثلث والربع ونحو ذلك فلا يتصور إلا بانقسام المسافة أو الزمان.

__________________

(١) في (أ) أو بدلا من (لو).

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (انقسام).

(٣) الفرضية. فكرة أو قضية يأخذ بها الباحث في بداية برهانة على إحدى المسائل. وتطلق في العلم الرياضي على الأوليات والمسلمات والأوضاع والتعاريف التي يستند إليها العالم في البرهان على إحدى القضايا.

أما في العلوم التجريبية فالفرضية تفسير مؤقت لحوادث الطبيعة ينقلب بعد الاختبار التجريبي إلى تفسير نهائي ، وهي خطوة تمهيدية للقانون العلمي توضع في البداية على سبيل الظن والتخمين فإن أيدتها الملاحظة أو التجربة انقلبت إلى قانون ، فإن كذبتها حاول العالم استبدال غيرها بها وهكذا دواليك حتى يصل إلى فرضية تفسر الواقع تفسيرا صحيحا.

(راجع كتاب المنطق ص ٣٥١ جميل صليبا).

٤٤٤

المبحث الخامس

لوازم الحركة الكيفية

(قال : المبحث الخامس :

من لوازم الحركة كيفية قابلة للشدة والضعف مختلفة بحسب الإضافة يسمى باعتبار الشدة سرعة ، وباعتبار الضعف بطءا).

لا بد للحركة من زمان ومن امتداد في الأيون أو المقادير أو الكيفيات أو الأوضاع ولا بأس بتسميته مسافة وإن كان الاسم بإطلاقه لما في الأيون وهما أعني الزمان والمسافة يقبلان القسمة فإذا فرضنا قطع مسافة في زمان ، فقد يقطع تلك المسافة في زمان أقل ، أو بقطع في ذلك الزمان مسافة أقل مع أن حقيقة الحركة بحالها فلا محالة يكون ذلك بصفة (١) في الحركة يشتد فيقطع المسافة الأطول وتسمى سرعة ، وتضعف فتقطع المسافة الأقصر وتسمى بطءا ، ولا تقدر على التعبير عنهما إلا بما يلزمهما من قطع المسافة الأطول في زمان مساو أو المسافة المساوية في زمان (أقل ، وقطع المسافة الأقصر في زمان مساو أو المسافة المساوية في زمان) (٢) أكثر ، ويختلفان بحسب الاعتبار فتكون الحركة الواحدة سريعة بالنسبة إلى ما يقطع مسافتها في زمان أكثر أو يقطع في زمانها مسافة أقل (٣) وبطيئة بالنسبة إلى عكس ذلك.

__________________

(١) في (أ) نصفه بدلا من (بصفة).

(٢) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٣) في (أ) أطول بدلا من (أقل).

٤٤٥

(قال : وسبب البطء

المعاوقة الداخلية في غير الحركة الطبيعية والخارجية في الكل ، ولا تحلل السكنات لوجوه :

الأول : أنه يستلزم امتناع تلازم الحركتين مع تفاوت المسافتين لاستلزامه تفاوت السكنات المنافي لتلازم الحركات ، واللازم منتف كما في حركة الشمس ، وما يتخيل من حركة الظل ، وفي حركة طرفي الرحى ونحو ذلك.

الثاني : إن انتفاء الحركة مع تحقق المقتضى وعدم المانع ضروري البطلان.

الثالث : إن فضل سكنات الفرس (١) الشديد العدو حينئذ على حركاته ، كفضل حركات الفلك الأعظم عليها ، فيلزم أن يرى ساكنا على الدوام ، لكون الحركات مغمورة أو في زمان هو أضعاف آلاف زمان الحركة لا أقل للقطع بأن الجسم حال السكون يرى ساكنا ، وإن كان السكون عدميا.

ورد الأول : بأن تلازم الحركتين عادي لا عقلي ، فلا يمتنع الافتراق.

والثاني : بأن الحركات بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير للقوى الثالث (٢) بأن امتزجت الحركات والسكنات (٣) بحيث لا يتميز عند (٤) بأزمنتهما ، والحركات لكونها وجودية متحدة بين (٥) السكنات ، وإن كانت متكثرة).

يعني أن المعاوقة التي تكون من نفس المتحرك كثقل الجسم (٦) يصلح سببا لبطء الحركة القسرية كما في الحجر المرمى إلى فوق ، والإرادية كما في صعود الإنسان الجبل ، لا الطبيعية لامتناع أن يكون الشيء مقتضيا لأمر ، ومانعا عنه ، والمعاوقة التي تكون من الخارج كغلظ قوام ما يتحرك فيه يصلح سببا لبطء الحركة الطبيعية كنزول الحجر في الماء والقسرية والإرادية كحوكة السهم والإنسان فيه ،

__________________

(١) في (ب) الوحش بدلا من الفرس).

(٢) في (ج) بزيادة لفظ (الثالث).

(٣) في (أ) و (ب) بزيادة (حنث).

(٤) في (ج) بزيادة لفظ عند).

(٥) في (أ) ز (ب) متحددة بين.

(٦) في (ب) نقل بدلا من (كثقل).

٤٤٦

وقد يكون السبب في بطئها نفس الإرادة كما في رمي الحجر وتحريك اليد برفق ، ولا خفاء في سببية هذه الأمور في الجملة. لكن عند الفلاسفة من جهة أنها تصير سببا لضعف الميل الذي هو العلة القريبة للحركة ، فيضعف المعلول. وعند المتكلمين من جهة أنه يكثر حينئذ تخلل السكنات التي لا تخلو الحركة عن ثبوتها (١) ، وتختلف بالسرعة والبطء بحسب قلتها وكثرتها ، والفلاسفة نفوا ذلك بوجوه :

الأول : أنه لو كان البطء لتخلل السكنات لامتنع تلازم حركتين مع اتحاد الزمان واختلاف المسافة بالطول والقصر ، لأن الحركة التي في المسافة الأقصر تكون أبطأ ضرورة اتحاد الزمان ، واختلاف المسافة (٢) فيكون تخلل السكنات فيها أكثر ، فيصدق أنه قد لا يتحرك.

الثاني : عند تحرك الأول فلا يصدق أنه كلما تحرك الثاني تحرك الأول وبالعكس على ما هو معنى التلازم هذا خلف (٣) لكن اللازم باطل لتحقق التلازم مع تفاوت المسافة في صور كثيرة كحركة الشمس مع ما يتخيل من حركة ظلال الأشخاص (٤)

وإنما قلنا يتخيل لأن الظل عرض لا حركة له بل إنما يطرأ عليه الضوء الأول ، أعني الضوء الحاصل من مقابلة جرم الشمس ، فيرى كأنه يتحرك إلى الانتقاص ، أو يزول الضوء الأول فيحدث الظل شيئا فشيئا فيرى كأنه متحرك إلى الازدياد ، وكحركة طرفي الرحى ، أعني الدائرة العظيمة والصغيرة ، وكحركتي الشعبتين الخارجة والمتوسطة من الفرجار ذي الشعب الثلاث عند رسمها الدائرة العظيمة والصغيرة.

وأجيب بأنا لا نسلم (٥) تلازم الحركتين بمعنى امتناع الانفكاك عقلا ، وإنما

__________________

(١) في (أ) شوبها وهو تحريف.

(٢) في بزيادة (واختلاف المسافة).

(٣) سقط من (أ) لفظ (خلف).

(٤) في (ب) الأشجار بدلا من (الأشخاص).

(٥) في (أ) ثم بدلا من (نسلم).

٤٤٧

هو عادي يجوز ارتفاعه بأن تتحرك الشمس مع سكون الظل ، وكذا في جميع الصور غايته أنه يلزم انفكاك الرحى والفرجار وهو ملتزم.

الثاني : أن في الحركة البطيئة علة الحركة موجودة بشرائطها ، والموانع مرتفعة ، وإلا امتنعت الحركة ، فلو وقع في أثناء ذلك سكون لزم تخلف المعلول (١) عن تمام العلة وهو محال.

وأجيب بأن المؤثر في الحركات ، بل في جميع الممكنات قدرة الفاعل المختار ، فله أن يوجد الحركة في زمان ، والسكون في آخر مع كون المتحرك بحالة ، غاية الأمر أن جميع الحركات تكون قسرية بمعنى كونها بإيجاد الغير.

الثالث : أنه لو كان البطء لتخلل السكنات لزم أن لا يقع الإحساس بشيء من الحركات التي تشاهد في عالم العناصر كعدو الفرس ، وطيران الطائر ومرور السهم وغير ذلك إلا مشوبة بسكنات هي أضعاف الأفهام واللازم ظاهر الانتفاء ، وجه اللزوم أن تلك الحركات لا تقطع في اليوم بليلته إلا بعض وجه الأرض ، وجميع الأرض بالنسبة إلى الفلك الأعظم الذي يتم في اليوم بليلته دورة مما ليس له قدر محسوس.

وبالجملة : ففي غاية الصغر فتلك الحركات في غاية البطء ، فيلزم أن تتخلل حركة الفرس مثلا سكنات بقدر زيادة حركة الفلك الاعظم على حركاته ، ويكون الحركات مغمورة لا يحس بها أصلا ، فيرى الفرس ساكنا على الدوام ، أو يحس بها في زمان أقل من زمان السكنات بتلك النسبة ، فيرى ساكنا أضعاف آلاف ما يرى متحركا ، لأن السكون وإن كان عدميا عندهم ، لكن لا خفاء في أن الجسم قد يرى ساكنا ، قد يرى متحركا ، ويفرق(٢) الحس بين الحالين.

وأجيب : بأن تخلل السكنات بين الحركات ، وامتزاجها بها ليس بحيث يفرق الحس بين أزمنتها ، بل صارتا بمنزلة شيء واحد إلا أن الحركات لكونها وجودية تظهر على الحس شيئا فشيئا فتقهر (٣) السكنات وتغلبها ، وإن كانت السكنات في

__________________

(١) في (ب) المعلوم بدلا من (المعلول).

(٢) في (أ) ويعرف بدلا من (يفرق).

(٣) في (ب) تبهر بدلا من (فتقهر).

٤٤٨

غاية الكثرة ، فيرى الفرس متحركا على الدوام ، ولا يخفى على المنصف قوة الأدلة ، وضعف الأجوبة.

(قال : ثم كل من السرعة والبطء قابل للشدة والضعف :

وهل ينتهي ذلك إلى حد أم لا؟ فيه تردد ، وميل الإمام إلى الأول ، وإن كان الثاني أشبه بأصولهم).

لا خفاء في ذلك لكن هل ينتهيان إلى حد حتى تتحقق حركة سريعة لاحظ لها من البطء وبطيئة لا حظ لها من السرعة أم لا بد لكل (١) حركة خط من السرعة بالنسبة إلى ما هو أبطأ ، ومن البطء بالنسبة إلى ما هو أسرع فيه تردد ، وإلا شبه بأصولهم هو.

الثاني : لأن الحركة لا تكون بدون زمان ومسافة أي امتداد. إحدى المقولات الأربع وكل منهما ينقسم لا إلى نهاية ، وكل حركة تعرض فهي بالنسبة إلى ما يقطع تلك المسافة في نصف ذلك الزمان بطيئة وبالنسبة إلى ما يقطع في ذلك الزمان نصف تلك المسافة سريعة ، لكن ميل الإمام إلى الأول تمسكا بأنهما لو لم ينتهيا إلى حد لما كان بينهما غاية الخلاف ، فلم يتحقق التضاد ، فلم تتصور الشدة والضعف لكونه انتقالا من ضد إلى ضد ، وضعفه ظاهر ، وقد يتمسك بأن انقسام الزمان والمسافة قد ينتهي إلى ما لا تمكن الحركة في أقل منه ، وإن كان قابلا للقسمة بحسب الفرض. وحينئذ تتحقق بحسب ذلك الزمان سرعة بلا بطء ، وبحسب تلك المسافة بطء (٢) بلا سرعة وهو أيضا ضعيف ، لأن تلك السريعة بطيئة بالنسبة (إلى ما يقطع في ذلك الزمان ضعف تلك المسافة ، وتلك البطيئة سريعة بالنسبة (٣) إلى ما يقطع تلك المسافة في ضعف ذلك الزمان نعم ، لما كانت الأبعاد متناهية ، فقطع أطول مسافة في أقصر زمان ، ربما تخلو عن البطء ، وأما كون حركة الفلك الأعظم أسرع الحركات ، فإنما هو النسبة إلى ما هو فى الوجود دون ما في الإمكان. إذ لا يمتنع أن يقع في أقل من ذلك القدر من الزمان.

__________________

(١) في (أ) بل بدلا من (لا بد).

(٢) سقط من (ب) لفظ (بطء).

(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).

٤٤٩

المبحث السادس

السكون بين الحركتين المستقيمتين

عند بعض الفلاسفة والمتكلمين

(قال : المبحث السادس : [زعم بعضهم أن بين كل حركتين مستقيمتين سكونا لأن آن الوصول غير آن الرجوع ضرورة فلو لم يتخللهما زمان لزم تتالي الآنين المستلزم لوجود الجزء ، وحيث لا حركة بين الوصول والرجوع تعين السكون.

والجواب : بعد تسليم امتناع الجزء أنه (١) بالفعل ما لم ينقطع الزمان. اللهم إلا أن يراد به زمان لا ينقسم إلا بالوهم وحينئذ لا نسلم تغاير آني الوصول والرجوع ولا استحالة تتالي الآنين ، وأما النقض بكل حركة مستقيمة سيما إذا أدرنا كرة على سطح ، فإن آن الوصول إلى كل نقطة يغاير آن الانفصال عنها ، ويلزم تتالي الآنين أو تخلل زمان السكون. فقد يرد بأن انقسام المسافة هنا محض توهم).

ذهب بعض الفلاسفة والمتكلمين إلى أن بين كل حركتين مستقيمتين زمانا يسكن فيه المتحرك سواء كانت الثانية رجوعا إلى الصوب الأول أو انعطافا إلى صوب آخر ، ولا خفاء في أن حصول الزاوية إنما يكون على تقدير الانعطاف دون الرجوع ، لأن الخط واحد فعبارة التجريد ، وهي أنه لا اتصال لذوات الزوايا ولا انعطاف ليست على ما ينبغي ، وقد فسرت بأنه لا اتصال للحركات الأينية التي

__________________

(١) في (ج) بزيادة لفظ (إنه).

٤٥٠

تفعل نقطا هي نقط (١) زوايا ، الرجوع ولا للتى تفعل نقطا هي نقط زوايا الانعطاف ، والعمدة (٢) في احتجاج الفلاسفة أن الوصول إلى النهاية آني إذ لو كان زمانيا ففي نصف ذلك الزمان إما أن يحصل الوصول فلا يكون في ذلك الزمان بل في نصفه ، أو لا يحصل فلا يكون المفروض زمان وكذا الرجوع. أعني ابتداءه الذي قد يعبر عنه باللاوصول واللامماسة ، والمباينة والمفارقة فلا يرد ما قيل إن كلا من ذلك حركة وهي زمانية لا آنية ، ثم الآنات متغاير إن ضرورة فإن لم يكن بينهما زمان لزم تتالي الآنات ، فيكون الامتداد الزماني الذي هو مقدار الحركة متألفا من الآنات وهو منطبق على الحركة المنطبقة على المسافة فيلزم وجود الجزء الذي لا يتجزأ ، وإن كان بينهما زمان ، ولا حركة فيه نعين السكون ، ولما كان منع ضرورة تغاير الآنين ظاهر بناء على جواز أن يقع الوصول واللاوصول. أعني نهاية حركة الذهاب وبداية حركة الرجوع في آن واحد هو حد مشترك بين زمانيهما ، كالنقطة (الواحدة التي تكون بداية خط ونهاية خط آخر ، وليس هذا من اجتماع النقيضين (٣)). أعني الوصول واللاوصول في شيء لأن معناه أن يصدق على الشيء أنه واصل ، وليس بواصل ، لا أن يحصل له الوصول ، وابتداء الرجوع الذي هو لا وصول كما يحصل للجسم الحركة والسواد الذي هو لا حركة. قرر بعضهم هذه الحجة بوجه آخر ، وهو أن الحركة إنما تصدر عن علة موجودة تسمى باعتبار كونها مزيلة للمتحرك (٤) من حد ما مقربه له إلى حد آخر ميلا وهي العلة للوصول إلى الحد ، وإن لم يسم باعتبار الاتصال ميلا فتكون موجودة في آن الوصول ، إذ ليس الميل من الأمور التي لا توجد إلا في الزمان كالحركة ثم اللاوصول. أعني المباينة (٥) عن ذلك الحد لا تحدث إلا بعد حدوث ميل ثان في آن ثان ضرورة امتناع اجتماع الميل إلى الشيء مع الميل عنه في آن واحد ولاستحالة تتالي الآنين يكون بينهما زمان يكون الجسم فيه عديم الميل فيكون عديم الحركة ، وهو معنى السكون.

__________________

(١) في (ب) يعني بدلا من (نقط).

(٢) في (ب) والعدة بدلا من (العمدة).

(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (المتحرك).

(٥) في (ب) الآنية بدلا من (المبانية).

٤٥١

يرد عليه بعد تسليم نفي الجزء وثبوت كون الميل علة موجبة للوصول لا معدة ليلزم بقاؤه معه أن الآن عندكم طرف (١) للزمان بمنزلة النقطة للخط فلا تحقق له في الخارج ما لم ينقطع الزمان ، وإنما هو موهوم محض بما يفرض للزمان من الانقسام ، فكيف يقع فيه الوصول أو الرجوع ، وإن أردتم به زمانا لا ينقسم إلا بمجرد الوهم ، فلا ثم تغاير (٢) آني الميلين لجواز أن يقعا في آن واحد بحسب ماله من الانقسام الوهمي.

ولو سلم فلا تم استحالة تتالي الآنين بهذا المعنى ، وإنما يستحيل لو لزم منه وجود الجزء. أعني ما لا ينقسم بالوهم أيضا ، ولا خفاء في ضعف المنع الأول ، وفي أنهم يعنون بالآن ما لا ينقسم أصلا حيث يعللون استحالة تتالي الآنات باستلزامه وجود الجزء ، وكأنهم يجعلون انقسام الزمان إلى الماضي والمستقبل كافيا في تحقق الآن. أعني الطرف الذي يكون نهاية الماضي وبداية المستقبل ، ويحكمون على كثير من الأشياء بأنها آنية لا زمانية.

فإن قيل : ما بال تحقق الآن لم يستلزم وجود الجزء وتتالي الآنين استلزمه (٣) قلنا : لأنه على تقدير التتالي يكون الامتداد الذي هو مقدار الحركة المنطبقة على المسافة متألفا من الآنات بزيادة واحد واحد (٤) ، ولا كذلك تحقق طرف للزمان هو عرض قائم به غير حال فيه حلول السرايان ، وهذا كما أن ثبوت النقطة لا يستلزم الجزء ، وكون الخط متألفا من نقطة تستلزمه. وقد يقال لو صحت الحجة المذكورة لزم تتالي الآنات أو تخلل السكنات في كل حركة مستقيمة سيما إذا كانت على أجسام منضودة ، أو كان المتحرك لا يماس المسافة إلا بنقطة نقطة على التوالي كما إذا أدرنا (٥) كرة على سطح مستو أو ركبناها على دولاب دائر فوقه سطح مستو فإن آن الوصول إلى كل نقطة يغاير آن اللاوصول عنه.

__________________

(١) في (ب) طرف بدلا من (ظرف).

(٢) في (ب) نسلم بدلا من (ثم).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (استلزمه).

(٤) في (ب) واحدة بدلا من (واحد).

(٥) في (ب) أدركنا بدلا من (أدرنا).

٤٥٢

فيجاب بأن انقسام المسافة هاهنا سواء كانت على جسم واحد أو أجسام مختلفة محض توهم فلا تحقق للنقطة والآن بخلاف ما إذا انقطعت الحركة فتحققت لها نهاية ، فإنه لا بد من ذلك في المسافة أيضا لانطباقها عليه وفيه نظر لا يخفى.

(قال : (وزعم الجبائي (١))

إن صعود الحجر بغلبة اعتماده المجتلب على اللازم وهبوطه (٢) بالعكس وبينهما لا محالة تعادل يقتضي السكون لامتناع الترجح بلا مرجح.

والجواب : أنه لو سلم التعادل ففي آن الوصول ولزوم السكون بمعنى عدم الحركة لو في آن مما لا نزاع فيه).

يعني أنه ثبت السكون بين الحركة الصاعدة والهابطة تمسكا بأن الحجر مثلا إنما يصعد بسبب أن اعتماده المجتلب ، أعني الميل القسرى (٣) يغلب اعتماده اللازم أعني الميل الطبيعي (٤) ثم لا يزول يضعف بمصادمات الهواء المخروق إلى أن يغلب اللازم فيرجع الحجر هابطا ، والانتقال من الغالبية إلى المغلوبية لا يتصور إلا بعد التعادل ، وعنده يجب السكون ، إذ لو تحرك فإما قسرا أو طبعا ، وكل منهما ترجح بلا مرجح.

والجواب : أنه لو سلم لزوم التعادل فليكن في آن الوصول لا في زمان يبين آني الوصول والرجوع يكون الجسم فيه ساكنا على ما هو المدعي وأن سمى عدم الحركة في الآن سكونا (٥) كان معنى الكلام أن الحركة الأولى تنقطع وتنعدم فتحدث بعدها حركة أخرى ، وهذا مما لا يتصور فيه نزاع.

__________________

(١) هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي ت ٣٠٣ ه‍. وقد سبق أن ترجم له ترجمة وافية.

(٢) في (ب) وشرطه بدلا من (بهبوطه).

(٣) الميل القسري : هو الذي يكون بسبب خارجي كميل الحجر المرمى إلى فوق.

(٤) الميل الطبيعي : هو الذي يكون بالطبع كميل الحجر الساقط إلى أسفل.

(٥) في (ب) الحال بدلا من (الآن).

٤٥٣

(قال : (احتج المانع)

بأنه لو لزم هذا السكون لزم منه محالات.

الأول : بقاؤه لبقاء التعادل على أن القاسرة إنما كانت بضعف ممانعة الهواء المخروق.

الثاني : وقوعه لا عن سبب لأنه ليس طبيعيا والتقدير عدم القسر والإرادة.

الثالث : وقوعه لا في زمان معين لأن كل زمان يفرض فأقل منه كاف.

الرابع : وقوف الجبل الهابط لملاقاة الخردلة (١) الصاعدة.

ورد الأول بأن الطبيعية تتدرج إلى القوة والقاسرة إلى الضعف بحسب الذات. ولهذا يكون هبوط الحجر عند القرب من الأرض أقوى. والثاني بأن تعادل القوتين قاسر. والثالث بأنه يقع في زمان لا يقبل الانقسام العقلي ، الرابع بأن الخردلة ترجع بمصادمة هواء الجبل قبل أن يلاقيها مع أن وقوفه مستبعد لا مستحيل).

أي القائل بعدم لزم سكون بين الحركتين بوجوه :

الأول : أنه لو لزم انتهاء الصاعدة القسرية إلى سكون ، لزم بقاؤه من غير تعقب هبوط ، لأنه لا سبب لضعف القاسرة إلا مصادمة المخروق ، وهي منتفية عند السكون. وأجيب بالمنع ، بل الطبيعة تتدرج إلى القوة ، والقاسرة إلى الضعف بحسب الذات ، ولهذا تكون حركة الحجر الهابط عند القرب من الأرض أشد ، وما ذكر ابن سينا من أنه لو لا مصادمات الهواء المخروق للقوة القسرية لوصل الحجر المرمي إلى سطح الفلك في حيز المنع.

__________________

(١) الخردلة : القطعة من الشيء ، والخردل نبات يتكاثر في فصل الصيف.

والخردل في الطب : مسحوقة يستعمل منبها من الظاهر ، ويوجد منه أوراق مجهزة تسمى ورق الخردل تغمر الورقة منه في الماء البارد قبل استعماله ثم تلصق فوق الجلد في الجهة المصابة.

٤٥٤

الثاني : أنه لو لزم لكان إما سكونا طبيعيا وهو ظاهر البطلان ، وإما قسريا ، والتقدير عدم القاسر إلى السكون.

وأجيب بأن تعادل القوتين قاسر إلى السكون إلى أن تغلب الطبيعة ، وفي كلام ابن سينا أن القوة القاسرة مسكنة للجسم في بعض الأحيان (١) ، وإلى أحد هذين المعنيين ينظر ما قال الإمام : أن هذا السكون لما كان ضروري الحصول لم يستدع علة كسائر اللوازم.

الثالث : أنه لو لزم لضرورة تعادل القوتين ، أو استحالة تتالي الآنين ، امتنع كونه في زمان ، ما لأن كل زمان نفرض ، فأقل منه كاف في دفع تلك الضرورة.

وأجيب بأنه يقع في زمان لا يقبل الانقسام إلا بمجرد الوهم ، لأنه الذي يمتنع أن يكون بعضه مقدارا للسكون وبعضه لا

الرابع : إنه يستلزم وقوف الجبل الهابط بملاقاته الخردلة الصاعدة.

أجيب بأن الخردلة ترجع بمصادمة ريح الجبل ، فسكونه يكون قبل ملاقاة الجبل.

إن قيل : قد نشاهد أن الملاقاة كانت حال الصعود دون الرجوع ، كما في السهم الصاعد بل كما في حركة اليد إلى فوق ، فإنه يعلم قطعا أن الرجوع لم يكن إلا بعد الملاقاة.

قلنا : لو سلم فوقوف الجبل مستبعد لا مستحيل.

__________________

(١) في (أ) الأحياز بدلا من (الأحيان).

٤٥٥

المبحث السابع

للجسم حركتان إلى جهة أو جهتين

(قال : المبحث السابع : [قد يكون للجسم حركتان إلى جهة

فيبعد عن المبدأ بقدرهما أو إلى جهتين متقابلتين فيبعد بقدر يفضل إحداهما على الأخرى إن كان ، وإلا فيسكن ، أو غير متقابلتين فيبعد فيهما بقدر الحركتين ، وقد يكون له حركات إلى جهات فيتوسطها على نسبة الحركات).

واحدة كالمتحرك في السفينة (إلى الصوب الذي تتحرك إليه السفينة ، فيبعد عن المبدإ بقدر الحركتين وإلى جهتين متقابلتين ، كالمتحرك في السفينة (١). إلى خلاف جهتها. فإن لم يكن لإحدى الحركتين فضل على الأخرى ترى الشخص ساكنا في المبدأ ، وإن كان فإما لحركة السفينة فيرى بطيئا ، أو لحركة الشخص فيرى راجعا ، وعلى هذا تبين (٢) مبنى سرعة الكوكب وبطؤه ووقوفه ورجوعه إلى جهتين غير متقابلتين ، كالمتحرك شمالا في سفينة تجري شرقا ، فيبعد إلى الجهتين بقدر الحركتين ، وقد يتحرك الجسم إلى جهات مختلفة كحركة الشخصي شرقا في سفينة تدفع شمالا في ماء يجري غربا ، وبحركة الريح جنوب ، فيكون متوسط ما بين تلك الجهات على حسب ما تقتضيه تلك (٣) الحركات.

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٢) في (ب) مبني بدلا من (نبين).

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (تلك).

٤٥٦

المبحث الثامن

السكون في الأين

(قال : (المبحث الثامن السكون) في الأين حفظ النسب ، وفي غيره حفظ النوع فيضاد الحركة ، وقيل عدم الحركة عما من شأنه فعدم ملكه).

يقابل الحركة فيقع في المقولات الأربع. أما في الأين فيعني به حفظ النسب الحاصلة بالفعل للجسم إلى الأشياء ذوات الأوضاع بأن يكون مستقرا في المكان الواحد ، وأما في الثلاثة الباقية فنعني به حفظ النوع الحاصل بالفعل من غير تغير ، وذلك بأن يقف في الكم من غير نمو وذبول وتخلخل وتكاثف وفي الكيف من غير اشتداد أو ضعف وفي الوضع من غير تبدل إلى وضع آخر ، فهو بهذا المعنى أمر وجودي مضاد للحركة. وقد يراد به عدم الحركة عما من شأنه فيكون بينهما تقابل العدم والملكة ، ويقيد عما من شأنه يخرج عدم حركة الأعراض والمفارقات والأجسام في آن ابتداء الحركة ، أو انتهائها ، بل في كل آن وكذا الأجسام التي يمتنع خروجها عن أحيازها ككليات الأفلاك والعناصر. قال الإمام ومن الأجسام الخالية عن الحركة والسكون والأجسام التي لا نماسها ما يحيط (١) بها أكثر من آن واحد كالجسم الواقف في الماء السيال ، فإنه ليس بمتحرك لعدم تبدل أوضاعه بالنسبة إلى الأمور الخارجة عنه ، ولا ساكن لعدم استقراره في مكان واحد زمانا وفيه نظر.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (بها).

٤٥٧

(قال : (ثم إنه يقابل الحركة)

منه إليه جميعا ، إلا إذا خص القابل (١) بما يطرأ على السكون أو يطرأ عليه السكون).

لا خلاف في تقابل الحركة والسكون ، وإنما الخلاف في أنه إذا اعتبرت الحركة في المسافة فالمقابل له السكون في المبدأ أو المنتهى أو كلاهما ، وإذا ـ اعتبر السكون في المكان فالمقابل له الحركة منه أو إليه أو كلاهما ، والحق هو الأخير لصدق حد التقابل (٢) عليه ، نعم لو أريد بالسكون المقابل للحركة ، ما يطرأ على الحركة فهو السكون في المنتهي أو ما يطرأ عليه الحركة فهو السكون في المبدأ ، وكذا في جانب الحركة ، فإن ما يطرأ على السكون هو الحركة منه ، وما يطرأ عليه السكون هو الحركة إليه ، وما يقال إن السكون في المنتهى كمال للحركة ، وكمال الشيء لا يقابله ، وأن الحركة تتأدى إلى السكون في المنتهى ، والشيء لا يتأدى إلى مقابله فمردود بمنع صغرى الأول وكبرى الثاني. فإن السكون كمال للمتحرك ، لا للحركة ، والحركة تنتهي إلى عدمها ، وهو مقابل قطعا ، وأما احتجاج ابن سينا بأن السكون ليس عدم أية حركة اتفقت ، وإلا لكان المتحرك في مكان ساكنا من حيث عدم حركته في مكان آخر ، بل هو عدم الحركة في المكان الذي يتأتى فيه الحركة ، والحركة في المكان نفسه(٣) مفارقة المكان بعينه وذلك بالحركة عنه ، لا بالحركة إليه. فجوابه أن السكون عدم الحركة في مكان ما بمعنى عموم السلب ، أي لا يتحرك في شيء من الأمكنة فيقابل الحركة في مكان ما

(قال : (وتضاد السكون)

يكون لتضاد ما فيه كالسكون في المكان الأعلى والأسفل ، أو في الحرارة أو البرودة ، ويكون طبيعيا وقسريا وإراديا ومستندا لطبيعي ، هو الطبيعة على

__________________

(١) في (ب) المقابل بدلا من (بالقل).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (عليه).

(٣) في (ب) بعينه بدلا من (نفسه).

٤٥٨

الإطلاق ، ولا يتصور في السكون المركب ، وسكون الإنسان (١) الإقسام في المكان الطبيعي، وأثر الإرادة ترك إزالته).

لتضاد ما فيه إذ لا عبرة فيه بتضاد الساكن والمسكن والزمان على ما مر ، ولا تعلق للسكون بما منه وما إليه قوله ، ويكون أي السكون طبيعيا كسكون الحجر على الأرض ، وقسريا كسكونه معلقا في الهواء ، أو إراديا كوقوف الطير في الهواء ، والطبيعي لا يفتقر إلى مقارنة أمر غير طبيعي كما في الحركة بل يستند إلى الطبيعة مطلقا ، لأن الجسم إذا خلى وطبعه لم يكن له بد من موضع معين لا تطلب مفارقته ، ولا يتصور في السكون تركب ، وإنما تعرض البساطة والتركب للحركة كما مر في البحث السابق.

فإن قيل : سكون الإنسان على الأرض مركب من الطبيعي والإرادي

قلنا : لا بل هو واحد ، وإنما يتوهم التعدد في علته ، والتحقيق أنها الطبيعية فقط ، وأثر الإرادة ترك إزالته إلى الحركة. فإن كلا من الطبيعة والإرادة والقاسر ، إنما يصير تمام علة السكون عند عدم رجحان علة الحركة ، وهذا بخلاف الحركة ، فإنها لما كانت تقبل الشدة والضعف جاز اجتماع علتين على حركة واحدة كما في الحجر المرمى إلى تحت ، فظاهر أنها ليست من التركيب شيء وإنما هو اشتداد.

__________________

(١) في (ج) الأقسام بدلا من (الإنسان).

٤٥٩
٤٦٠