شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

فإن قيل (١) : تغاير مثل الأب والابن (٢) ، والعلة والمعلول ضروري (٣).

قلنا : نعم بحسب الذات (٤)).

فإنه لا يتصور إلا بين متعدد ، وإنما الخلاف في عكسه. وهو أن التعدد هل يستلزم التغاير ، فعند المتقدمين من أهل السنة لا. ولذا قالوا الغيران موجودان جاز انفكاكهما ، فخرج المعدومان ، وكذا المعدوم والموجود ، ومبناه على أن التغاير عندهم وجودي ، كالاختلاف والتضاد ، فلا يتصف به المعدوم ، وأما التعليل بأنه لا تمايز بين الإعدام ، فيخص المعدومين ، وخرج الجزء مع الكل ، وكذا الموصوف مع الصفة لامتناعه الانفكاك ، ودخل الجسمان ، وإن فرضنا كونهما قديمين لأنهما ينفكان بأن يوجد هذا في حيز لا يوجد فيه الآخر ، وكذا الصفة المفارقة مع موصوفها سواء كان قديما أو حادثا ، لأنهما ينفكان ، بأن يوجد الموصوف ، وتنعدم الصفة ، فجواز الانفكاك أعم من أن يكون بحسب التحيز أو بحسب الوجود والعدم ، فلا حاجة إلى التقييد بقولنا في حيز أو عدم على ما ذكره الشيخ ، وهذا التقرير مشعر بأنه يكفي في التغاير الانفكاك من جانب ، وأن الصفة التي ليست عين الموصوف ، ولا غيره هي الصفة اللازمة النفسية ، وقيل بل الصفة القديمة. كعلم الصانع وقدرته بخلاف مثل سواد الجسم وبياضه ، إلا أن عمدتهم الوثقى في التمسك وهو أن قولنا : ليس في الدار غير زيد ، وليس في يدي غير عشرة دراهم كلام صحيح لغة وعرفا ، مع أن في الدار أعضاء زيد وصفاته ، وفي اليد آحاد العشرة ، وأوصاف الدراهم ، لا تفرق بين الصفات المفارقة واللازمة ، ويقتضي أن لا يكون ثياب زيد ، بل سائر ما في الدار من الأمتعة غير زيد ، وفساده بين وكيف يخفى على أحد أن المراد

__________________

(١) فإن قيل. كون المضافين ليسا غيرين أي وجه قدرا مما لا يعقل.

(٢) والفاعل والمفعول مما يدرك فيه عدم اجتماعهما لتنافيهما.

(٣) فكيف يدعي خروج نحو ذلك عن حكم التغاير.

(٤) لصحة انفكاك ذات الابن عن ذات الأب في تعقلي الوجود لإحداهما دون الأخرى وكذا ذات العلة والمعلول.

٤١

بهذا الكلام نفي إنسان آخر غير (١) زيد ، وعدد آخر فوق العشرة.

واعترض على تعريف المتغايرين بأنه ليس بجامع لأن العالم والصانع متغايران ، ولا يجوز انفكاكهما لامتناع وجود العالم بدون الصانع.

وأجاب الآمدي بأنه يكفي الانفكاك من جانب واحد (٢) ، وقد أمكن عدم العالم مع وجود الصانع.

ورد بأنه حينئذ لا يكون مانعا ، لأنه حينئذ (٣) يدخل فيه الجزء مع الكل ، والموصوف مع الصفة ، إذ يمكن وجود الجزء والموصوف مع عدم الكل والصفة وإن امتنع عكسه.

وأجاب بعضهم (٤). بأن المراد جواز الانفكاك من الجانبين ، لكن بحسب التعقل دون الخارج ، وكما يمكن أن يعقل وجود الصانع دون العالم ، كذلك يمكن أن يعقل وجود العالم ، ولا يعقل وجود الصانع ، بل يطلب بالبرهان ، وهذه العناية توافق ما نقل عن بعض المعتزلة أن الغيرين هما اللذان يصح أن يعلم أحدهما ويجهل الآخر ، ولفظ أحدهما لإبهامه كثيرا ما يقع موقع كل واحد منهما ، وما قيل إن الشيء قد يعلم من جهة دون جهة ، كالسواد يعلم أنه لون ، ويجهل أنه مستحيل البقاء ، فلو تغايرت الجهتان ، لزم كون العرض الواحد الغير المتجزئ شيئين متغايرين ، ليس بشيء لأن تغاير جهتي الشيء لا يستلزم تغايره في نفسه (٥).

فإن قيل : العالم من حيث إنه معلول ومصنوع للصانع ، لا يمكن أن يعقل بدونه ، فيلزم أن لا يكونا متغايرين.

قلنا : المعتبر في المغاير هو (٦) الانفكاك بحسب الذات والحقيقة ، ولا عبرة

__________________

(١) في (ب) عين بدلا من (غير)

(٢) سقط من (ب) لفظ (واحد).

(٣) سقط من (أ) لفظ (حينئذ).

(٤) في (ب) بعض منهم بدلا من (بعضهم).

(٥) في (ب) بزيادة لفظ (البتة).

(٦) في (ب) بإسقاط الضمير (هو).

٤٢

بالإضافات والاعتبارات ، والعالم باعتبار كونه معلولا للصانع من قبيل المضاف ،

وقد أورد على القائلين بأن الغيرين موجودان بجواز انفكاكهما ، إنه لا انفكاك بين المتضايفين لا بحسب الخارج ، ولا بحسب التعقل ، فيلزم أن لا يكونا متغايرين ، فالتزموا ذلك ، وقالوا إنهما من حيث إنهما متضايفان ، ليسا بموجودين ، والغيران لا بد أن يكونا موجودين فإن قيل : تغاير مثل الأب والابن ، والعلة والمعلول ، وسائر المتضايفات ، كالأخوين ضروري لا يمكن إنكاره (١).

قلنا : الضروري هو التغاير بين الذاتين ، وأما مع وصف الإضافة ، فليسا بموجودين ، والتغاير عندهم من خواص (٢) موجود ، وبمثل هذا يندفع ما يقال أن تعريف الغيرين لا يشمل الجوهر مع العرض (٣) ، ولا الاستطاعة مع الفعل لعدم الانفكاك ، وذلك لأنهما (٤) اعتبار الذات ممكن الانفكاك في التعقل ، بل في الخارج أيضا ، بأن يوجد هذا الجوهر بدون هذا العرض وبالعكس سيما عند من يقول بعدم بقاء الأعراض ، وأن يحصل هذا الفعل بخلق لله تعالى ضرورة من غير استطاعة العبد ، وأن يحصل بهذه الاستطاعة غير هذا الفعل ، سيما عند من يقول ، بأن الاستطاعة تصلح للضدين.

واعلم أن تقرير الاعتراض بالباري تعالى مع العالم.

والجواب : بأن المراد الانفكاك تعقلا.

ورد جواب الآمدي ظاهر على ما ذكرناه (٥) ، وأما على ما نقل في المواقف من تقييد جواز الانفكاك بكونه في حيز أو عدم ، فينبغي أن يكون تقرير الاعتراض هو أنه (٦) يمتنع انفكاك الباري تعالى عن العالم في حيز أو عدم لامتناع تحيزه وعدمه.

__________________

(١) في (ب) بزيادة جملة (عند العقلاء).

(٢) في (ب) من صفات بدلا من (خواص).

(٣) في (أ) والعرض بدلا من (مع العرض).

(٤) سقط من (ب) لفظ (لأنهما).

(٥) في (ب) على (ما نقلنا).

(٦) في (ب) أن.

٤٣

وجواب الآمدي ؛ أنه وإن امتنع ذلك لكن (١) لا يمتنع انفكاك العالم عنه لجواز تحيزه وعدمه دون الباري تعالى.

ورده أنه لا يكفي هذا القدر ، وإلا لزم تغاير الجزء والكل وكذا الموصوف والصفة لجواز أن ينعدم الكل دون الجزء ، والصفة دون الموصوف ، ولا يتأتى الجواب. بأن المراد جواز الانفكاك تعقلا ، ما لم يحذف قيد في حيز أو عدم لأن الباري تعالى ، لا ينفك عن العالم في حيز أو عدم بحسب التعقل أيضا ، لامتناع تحيزه وعدمه. اللهمّ إلا أن يؤخذ التعقل أعم من المطابق وغيره ، وحينئذ يلزم تغاير الذات والصفة لجواز أن يعقل عدم كل بدون الآخر ، فما ذكر في المواقف من أنه يرد الباري مع العالم لامتناع انفكاك العالم عن الباري تعالى :

لا يقال : يجوز انفكاك الباري عن العالم في الوجود ، والعالم عن الباري تعالى في الحيز. لأنا نقول : لو كفى الانفكاك من طرف ، لجاز انفكاك الموصوف عن الصفة ، والجزء عن الكل ، في الوجود ، فقيل المراد جواز الانفكاك تعقلا ومنهم من صرح به (٢) ، ولا يمتنع تعقل العالم بدون الباري تعالى. ليس على ما ينبغي ، ثم هاهنا (٣) : بحث آخر ، وهو أن جواز انفكاك الموصوف عن الصفة في الوجود ، دائما (٤) إنما يصح في الأوصاف المفارقة كالبياض مثلا ، وفي كلامهم ما يشعر بأن النزاع إنما هو في الصفة اللازمة :

الغيرية نقيض الهوية

(قال : الجمهور (٥) على أن الغيرية نقيض الهوية (٦) هو فلا يعقل كون

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (لكن).

(٢) سقط من (ب) قوله (ومنهم من صرح به).

(٣) في (أ) و (ج) بزيادة لفظ (هاهنا).

(٤) سقط من (أ) لفظ (دائما).

(٥) على خلاف ما تقدم.

(٦) بمعنى أنه إذا نظر فيما يتوهم فيه كونه شيئين في بادئ الرأي فإن تحقق في ذينك المنظور فيهما أن أحدهما هو نفس الآخر وهو معنى قولهم هو هو فلا مغايرة ولا تعدد ، وإن تحقق أن أحدهما ليس نفس الآخر فهو هو فلا غيرية بينهما بذات الاعتبار.

٤٤

الشيء مع الشيء لا هو ولا غيره ، بل الغيران هما الاثنان (١) من حيث إن أحدهما ليس هو الآخر (٢) ، واعتذر بأنه اصطلاح. أو المراد لا هو بحسب المفهوم ، ولا غيره بحسب الهوية ، كما في الحمل ، ويبطل الأول استدلالهم الفاسد ، بأن الواحد لو كان غير العشرة لكان غير نفسه لأنه من العشرة ، والثاني أن الكلام في الأجزاء والصفات الغير المحمولة ، كالواحد مع العشرة ، والقدرة والعلم مع الذات).

الهوية هو بمعنى أن الشيء بالنسبة إلى الشيء إن صدق أنه هو هو فعينه ، وإن لم يصدق فغيره ، إن كان بحسب المفهوم كما في نسبة الإنسان إلى البشر ، والناطق فبحسب المفهوم ، وإن كان بحسب الذات والهوية ، كما في نسبة (٣) الإنسان إلى الكاتب والحجر ، فبحسب الذات والهوية ، وما ذهبوا إليه من أن الجزء (٤) بالنسبة إلى الكل ، والصفة بالنسبة إلى الموصوف ليس عينه ولا غيره ، ليس بمعقول لكونه ارتفاعا للنقيضين ، نعم في الغيرية إضافة بها ، يصير أخص من النقيض بحسب المفهوم ، لأن الغيرين هما الاثنان ، من حيث أن أحدهما ليس هو (٥) الآخر ، إلا أنها حيثية لازمة في نفس الأمر ، ربما يشعر بها مفهوم النقيض أيضا ، فلذا أطلقوا القول ، بأن الغيرية نقيض هو هو وبأن الغيرين هما الاثنان والشيئان.

واعتذر الإمام الرازي (٦) عما ذكره المتكلمون من أن الشيء بالنسبة إلى الشيء قد يكون لا عينه ولا غيره ، بأنه اصطلاح على تخصيص لفظ الغيرين بما يجوز انفكاكهما كما خص العرف لفظ الدابة بذوات الأربع.

__________________

(١) خرج عنه الواحد فلا غيرية فيه.

(٢) خرج به الاثنان من حيث إن أحدهما نفس الآخر كما تقدم في الناطقية والإنسانية.

(٣) سقط من (أ) لفظ (نسبة).

(٤) سقط من (أ) الحرف (إن).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (هو).

(٦) راجع كتابه. (المحصل من أفكار المتقدمين والمتأخرين) تحقيق الأستاذ طه عبد الرءوف. نشر الكليات الأزهرية.

٤٥

وصاحب المواقف. بأن معناه أنه لا هو بحسب المفهوم ، ولا غيره بحسب الهوية ، كما هو الواجب في الحمل إذ لو كان المحمول غير الموضوع بحسب الهوية لم يصح الحمل ، ولو كان عينه بحسب المفهوم لم يفد ، بل لم يصح أيضا لامتناع النسبة بدون الاثنينية ، فمن قال. بالوجود الذهني (١) صرح بأنهما متحدان في الخارج متغايران في الذهن ، ومن لم يقل لم يصرح به ، بل قال : لا عين ، ولا غير ، لأن المعلوم قطعا ، هو أنه لا بد بينهما من اتحاد من وجه ، واختلاف من وجه ، وإما أن ذلك في الخارج ، وهذا في الذهن فلا ، وكلا الاعتذارين فاسد.

أما الأول. فلأن منهم من حاول إثبات ذلك بالدليل. فقال ، لو كان الجزء غير الكل لكان غير نفسه لأن العشرة مثلا (٢) اسم لجميع الأفراد متناول كل فرد مع أغياره فلو كان الواحد غير العشرة لصار غير نفسه لأنه من العشرة وأن تكون العشرة بدونه وكذا اليد من زيد ، وبطلان هذا الكلام ظاهر ، لأن مغايرة الشيء للشيء لا يقتضي مغايرته لكل جزء (٣) من أجزائه حتى يلزم مغايرته لنفسه ، وزعم هذا القائل. أن هذا الدليل قطعي وأن القول بكون الواحد غير العشرة فاسد لم يقل به أحد إلا جعفر بن حرث من المعتزلة وعد هذا من جهالاته.

وأما الثاني. فلأن الكلام في الأجزاء والصفات الغير المحمولة ، كالواحد من العشرة ، واليد من زيد ، والعلم مع الذات ، والقدرة مع الذات ، ونحو ذلك مما لا يتصور اتحادهما بحسب الوجود والهوية.

التغاير يكفي فيه الانفكاك

(قال : وبعضهم (٤) على أنه لا بد في عدم مغايرة الشيئين من امتناع كل

__________________

(١) في (ب) بزيادة (فيه).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (مثلا).

(٣) سقط من (أ) لفظ (جزء).

(٤) قال الآمدي : وبعضهم جرى على خلاف ما تقدم فزعم أن التغاير يكفي فيه الانفكاك من طرف واحد.

٤٦

بدون الآخر (١) كما في صفات القديم بخلاف مثل البياض مع الجسم (٢) ، وزعموا أن الواحد من العشرة يمتنع بدونها.

ولا خفاء في ورود سائر الإضافات حينئذ تنبيه غير (٣) التغاير بين الذات والصفة ، إنما يدفع أزلية غير الذات لا تعدد الأزليات).

قد سبق أنه لا يكفي في التغاير الانفكاك من جانب ، وإلا انتقض بالجزء مع الكل والموصوف مع الصفة ، وزعم بعضهم أنه كاف حتى إن عدم تغاير الشيئين إنما يتحقق إذا كان كل منهما بحيث يمتنع بدون الآخر ، والنقض غير وارد. أما الموصوف مع الصفة فلأن عدم التغاير إنما هو في الصفات التي تمتنع الذات بدونها ، كما تمتنع هي بدون الذات ، كصفات القديم ، لامتناع العدم على القديم ، وكذا الصفات بعضها مع البعض ، بخلاف مثل البياض مع الجسم ، فإنهما غيران ، وأما الجزاء مع الكل ، فلأنه كما تمتنع العشرة بدون الواحد ، كذلك الواحد من العشرة يمتنع بدونها ، إذ لو وجد بدونها لم يكن واحدا من العشرة ، وحاصله أن الجزء بوصف الجزئية يمتنع بدون الكل ، وحينئذ ترد (٤) سائر الأمور الإضافية ، كالأب مع الابن ، والأخ مع الأخ ، والصانع مع المصنوع ، ويلزم أن لا يكونا غيرين ويلزم أن لا يكون الغيران ، بل الضدان غيرين ، لأن (٥) التغاير والتضاد من الإضافات ، فإن (٦) التزموا ذلك بناء على أن الإضافة عدمية ، ولا تمايز بين الإعدام.

__________________

(١) إذ لو صح وجود أحد الشيئين بدون الآخر ثبت التغاير فالتغاير عند هؤلاء مرجعه إلى صحة الانفكاك ولو من طرف واحد. وعدمه مرجعه إلى عدم صحة الانفكاك أصلا بحيث لا يصح من هذا الطرف ولا من ذلك.

(٢) فإنه مغاير لذلك الجسم الذي اتصف به لصحة مفارقة الجسم له.

(٣) في (ج) عدم بدلا من (غير).

(٤) سقط من (ب) لفظ (ترد).

(٥) في (أ) بزيادة الحرف (لأن).

(٦) في (ب) فإذا بدلا من (فإن).

٤٧

أجيب بأن الكلام في معروض الإضافة من حيث إنه معروض ، لا في المجموع المركب من المعروض والمعارض.

قال : واعلم يريد أن مشايخنا لما قالوا بوجود الصفات القديمة لزمهم القول بتعدد القدماء وبإثبات قديم غير الله تعالى ، فحاولوا التقصي عن ذلك بنفي المغايرة بين الصفات ، وكذا بين الصفة والذات.

والظاهر أن هذا إنما يدفع قدم غير الله تعالى ، لا تعدد القدماء وتكثرها ، لأن الذات مع الصفة ، وكذا الصفات بعضها مع البعض ، وإن لم تكن متغايرة ، لكنها متعددة متكثرة قطعا ، إذ التعدد إنما يقابل الوحدة ، ولذا صرحوا بأن الصفات سبعة أو ثمانية ، وبأن الجزء مع الكل اثنان (١) وشيئان وموجودان وإن لم يكونا غيرين.

الاشتراك في الصفات النفسية

(قال : ومنها التماثل وهو الاشتراك (٢) في الصفات النفسية (٣) ، ويلزمه الاشتراك فيما يجب (٤) ، ويمكن ويمتنع ، وأن يسد (٥) كل من الآخر (٦) ، ولا بد من جهة اختلاف لتحقيق التمايز (٧) ، ومن اشتراط عدمه (٨) أراد في المعنى الذي به التماثل).

__________________

(١) في (ب) إثبات بدلا من (اثنان).

(٢) بين الشيئين.

(٣) بحيث يكون لكل منهما من الصفات النفسية ما كان للآخر ، والصفة النفسية هنا ما كان الوصف بها دالا على نفس الذات الخارجية دون معنى زائد عليها.

(٤) بمعنى أن كل شيئين اشتركا في كل صفة نفسية فقد اشتركا فيما يجب بالذات.

(٥) في (أ) يد وهو تحريف.

(٦) بحيث تترتب على كل منهما الثمرات التي تترتب على الآخر.

(٧) يتحقق التمايز بينهما إذا لو لم يختلفا في وجه ما لم يكن بينهما تمايز ومتى لم يكن بينهما ارتفع التعدد فلا مثليه.

(٨) أي عدم الاختلاف بينهما في وجه ما لم ير ذلك المشترط.

٤٨

أي ومن خواص الكثرة التماثل ، وهو الاشتراك في الصفات النفسية ، ومرادهم بالصفة النفسية ، صفة ثبوتية ، يدل الوصف بها على نفس الذات دون معنى زائد عليها ، ككون الجوهر جوهرا ، وذاتا وشيئا وموجودا ، وتقابله المعنوية ، وهي صفة ثبوتية دالة على معنى زائد على الذات ، ككون الجوهر حادثا ومتحيزا وقابلا للأعراض. ومن لوازم الاشتراك في الصفات النفسية أمران : [أحدهما : الاشتراك فيما يجب ويمتنع ويجوز.

وثانيهما : أن يسد كل منهما من الآخر ، وينوب منابه ، فمن هاهنا يقال : المثلان موجودان يشتركان فيما يجب ويجوز ويمتنع (١) ، أو موجودان سد كل (٢) منهما مسد الآخر ، والمتماثلان ، وإن اشتركا في الصفات النفسية ، لكن لا بد من اختلافهما بجهة أخرى ، ليتحقق التعدد والتمايز فيصح التماثل ، ونسب إلى الشيخ. أنه يشترط في التماثل التساوي ، من كل وجه.

واعترض بأنه لا تعدد حينئذ فلا تماثل ، وبأن أهل اللغة مطبقون على صحة قولنا. زيد مثل عمرو في الفقه ، إذ كان يساويه فيه ، ويسد مسده (٣) وإن اختلفا في كثير من الأوصاف ، ولذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«الحنطة بالحنطة مثل بمثل» وأراد به الاستواء في الكيل دون الوزن وعدد الحبات وأوصافها.

والجواب : أن المراد التساوي في الجهة التي بها التماثل. حتى إن زيدا وعمرا لو اشتركا في الفقه ، وكان بينهما مساواة في ذلك بحيث ينوب أحدهما مناب الآخر صح القول بأنهما مثلان في الفقه وإلا فلا.

__________________

(١) ما بين القوسين من (أ).

(٢) في (أ) يد بدلا من «سد» وهو تحريف.

(٣) في (أ) ويد مده وهو تحريف والصواب (يسد مسده).

٤٩

اشتراط التغاير مختلف فيه

(قال : أما اشتراط التغاير (١) فمختلف فيه (٢) ، ويمتنع اجتماع المثلين لأنه لا يعقل تمايز أفراد نوع من الأعراض (٣) إلا بالمحل.

ورد بالمنع (٤) ، وليس شدة سواد الجسم (٥) باجتماع سوادين وأكثر (٦) ، بل السوادات المتفاوتة بالشدة والضعف أنواع متخالفة تتعاقب على الجسم).

قال الآمدي : وأما الصفات فقد اختلفت أصحابنا فيها ، فمنهم من قال. ليست متماثلة ولا متخالفة ، لأن التماثل والاختلاف بين الشيئين يستدعي مغايرة بينهما ، وصفات الله تعالى غير متغايرة.

وقال القاضي أبو بكر بالاختلاف نظرا إلى ما اختص به كل صفة من الصفات النفسية من غير التفات إلى وصف الغيرية ، وهذا ظاهر في أن القاضي لا يشترط في التخالف الغيرية ، ففي التماثل أولى ، وقد يتوهم من ظاهر عبارة المواقف. أن التغاير شرط في التماثل ، والاختلاف البتة ، فمن يصف الصفات به يصفها بهما ، ومن لا فلا.

قال : ويمتنع اجتماع المثلين يعني أن المثلين إذا كانا من قبيل الأعراض يمتنع اجتماعهما في محل واحد ، خلافا للمعتزلة. لنا أن العرضين إذا اشتركا في

__________________

(١) بين المثلين.

(٢) فمن الناس من شرط التغاير بينهما فلا توصف الصفات القديمة عنده بأمثلية كما لا توصف بالتغاير والتخالف.

(٣) كافراد البياض.

(٤) أي ورد هذا الاستدلال بأنا نمنع كون الشخص في الفرد ليس إلا بالمحل ويجوز أن يكون له شخص خصصه به مخصص وهو ملازم لذلك الفرد ويكون تحققه تابعا لتحقق المحل. فلا يجب الجزم بأن التشخص ليس إلا بالمحل.

(٥) بسبب صبغة مرة بعد الأخرى.

(٦) حتى يتحقق في ذلك اجتماع مثلين إذ ليس هناك سوادات مجتمعة إلا بحسب ما يتبادر للخيال.

٥٠

الماهية ، والصفات النفسية لم يعقل بينهما تمايز إلا بحسب المحل ، لأن قيامهما به ، ووجودهما تبع لوجوده ، فإذا اتحدت الماهية وما يتبعه الهوية ، ارتفعت الاثنينية ورد بالمنع لجواز أن يختص كل بعوارض مستندة إلى أسباب مفارقة ، وبهذا يمنع ما ذكر في المحصل من أن نسبة العوارض إلى كل منهما على السوية ، فلا تعرض لأحدهما خاصة ، بل لكل منهما ، وحينئذ لا يبقى الامتياز البتة ، ويلزم الاتحاد.

وأما الاعتراض بأن عدم الامتياز لا يدل على الاتحاد بل غايته عدم العلم لاثنينيته ، فليس بشيء (١) ، لأن ما ذكر على تقدير تمامه يفيد عدم الامتياز في نفس الأمر لا عند العقل فقط ، وقد يستدل بأنه لو جاز اجتماع المثلين ، لجاز لمن له علم نظري بشيء أن ينظر لتحصيل العلم به ، إذ لا مانع سوى امتناع (٢) اجتماع المثلين ، وبأنه لو جاز لما حصل القطع باتحاد شيء من الأعراض لجواز أن يكون أمثالا (٣) كثيرة مجتمعة ، واللازم باطل للقطع بذلك في كثير من الأعراض. وبأنه لو جاز اجتماعهما لجاز افتراقهما بزوال أحد المثلين (٤) ضرورة أنه ليس بواجب وزواله ليس إلا بطريان ضده الذي هو ضد للمثل الآخر الباقي ، فيلزم اجتماع الضدين.

ورد الأولان بمنع الملازمة لجواز مانع آخر ، فانتفاء شرط النظر وهو عدم العلم بالمطلوب ، ولجواز القطع بانتفاء الممكن ضرورة أو استدلالا.

والثالث بمنع المقدمات .. تمسكت المعتزلة بالوقوع ، فإن الجسم يعرض له سواد ثم آخر وآخر إلى أن يبلغ غاية السواد.

وأجيب : بأنا لا نسلم ذلك (٥) ، بل السوادات المتفاوتة بالشدة والضعف أنواع من اللون متخالفة بالحقيقة ، متشاركة في عارض مقول عليها التشكك (٦) هو مطلق السواد يعرض للجسم الذي يشتد سواده على التدريج في كل آن نوع آخر.

__________________

(١) في (ب) فليس بقوي بدلا من (بشيء).

(٢) سقط من (ب) لفظ (امتناع).

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (كبيرة).

(٤) في (ب) بزوال المثلين أو أحدهما.

(٥) في (ب) لا نسلم لأن السوادات.

(٦) في (ب) بزيادة لفظ (الذي).

٥١

التضاد من خواص الكثرة

(قال : ومنها (١) التضاد (٢) ، وهو كون المعنيين بحيث يستحيل لذاتيهما ، اجتماعهما في محل من جهة فلا تضاد بين غير العرضين (ولا بين مثل السواد والحلاوة ولا بين) (٣) العلم بالحركة والسكون معا ، ولا بين مثل الصغر والكبر ما لم تعتبر الإضافة إلى معين (٤)).

أي من خواص الكثرة التضاد ، وهو كون المعنيين بحيث يستحيل لذاتيهما اجتماعهما في محل واحد من جهة واحدة.

والمراد بالمعنى ما يقابل العين أي ما لا يكون قيامه بنفسه ، وذكر الاجتماع مغن عن وحدة الزمان ، والتقييد بالمعنيين يخرج العينين ، والعين مع المعنى ، والعدمين والعدم مع الوجود. ولهذا قالوا بعدم التضاد في الأحكام وسائر الإضافات لكونها اعتبارية لا تحقق لها في الأعيان ، ولا يخرج القديم والحادث إذا كانا معنيين كعلم الله تعالى ، وعلم زيد بل ظاهر التعريف متناول له ، إذ لا إشعار فيه باشتراط التوارد على محل واحد. وقد يقال إن معنى امتناع الاجتماع أنهما يتواردان على محل ، ولا يكونان معا ليخرج مثل ذلك ، لأن محل القديم قديم ، فلا يتصف بالحادث وبالعكس ولأن القديم لا يزول عن المحل حتى يرد عليه المقابل ، واحترز بقيد استحالة الاجتماع عن مثل السواد ، والحلاوة مما يمكن اجتماعهما في محل واحد (٥) ، وبقيد لذاتهما عن مثل العلم بحركة الشيء وسكونه

__________________

(١) أي من خواص الكثرة التضاد.

(٢) لأن مقابل الكثرة وهو الوحدة لا يتعقل فيها التضاد ضرورة أن الشيء لا يضاد نفسه فلهذا كان التضاد من خواص الكثرة.

(٣) ما بين القوسين سقط من (أ) و (ب).

(٤) فصغر زيد مثلا وكبره يصح اجتماعهما إن اعتبر صغره بالإضافة إلى الجبل وكبره بالإضافة إلى الذرة مثلا فليسا ضدين وإنما يمتنع اجتماع صغره وكبره إن أضيف إلى شيء معين.

(٥) في (أ) بزيادة (واحد).

٥٢

معا أي العلم بأن هذا الشيء متحرك ، والعلم بأن هذا (١) ساكن في آن واحد ، فانهما لا يجتمعان ، لكن لا لذاتهما ، بل لامتناع الحركة والسكون وأما تصور حركة الشيء وسكونه معا فممكن ، ولذا يصح الحكم باستحالتهما ، وبقيد من جهة واحدة عن مثل الصغر والكبر ، والقرب والبعد على الإطلاق ، فإنهما لا يتضادان وإن امتنع اجتماعهما في الجملة ، وإنما يتضادان إن اعتبر إضافتهما إلى معين ككون الشيء صغيرا وكبيرا بالنسبة إلى زيد ، ولا خفاء في أنه (٢) لا حاجة إلى هذا القيد حينئذ لأن مطلق الصغر والكبر لا يمتنع اجتماعهما ، وعند اتحاد الجهة يمتنع ، فالأقرب أن القيد احتراز عن خروج مثل ذلك. وربما يعترض على تعريف المتضادين بالتماثلين كالسوادين (٣) عند من يقول بامتناع اجتماعهما.

ويجاب بأن اتحاد المحل شرط (٤) في التضاد ، ولا تماثل إلا عند اختلاف المحل.

كل اثنين غيران عند الفلاسفة

(قال : وعند الفلاسفة (٥) كل اثنين فهما غيران ، فإن اشتركا في تمام الماهية (٦) فمثلان (٧) وإلا فمتخالفان وهما متقابلان إن امتنع اجتماعهما في محل واحد من جهة (٨) واحدة).

ما سبق من أقسام الكثرة وأحكامها على (٩) رأي المتكلمين ، وأما على رأي

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (هذه).

(٢) في (ب) ليس بدلا من (لا).

(٣) في (أ) السوادين بإسقاط (الكاف).

(٤) في (ب) سر بدلا من (شرط).

(٥) أي ما تقدم إنما هو عند المتكلمين ، وأما عند الفلاسفة فكل اثنين فهما غير فالكثرة عندهم تستلزم الغيرية إذ لم يشترطوا فيها الوجود الخارجي ولا جواز الانفكاك.

(٦) كزيد وعمرو المشتركين في الحقيقة النوعية التي هي الإنسانية.

(٧) وهذا يطابق ما تقدم في تفسير المثلين.

(٨) وغير متقابلين إن لم يمتنع اجتماعهما كالسواد والحلاوة.

(٩) سقط من (ب) حرف الجر (على).

٥٣

الفلاسفة ، فالكثرة تستلزم التغاير ، بمعنى أن كل اثنين فهما غيران ، فإن كانت الاثنينية بالحقيقة ، فبالحقيقة ، أو بالعارض فبالعارض ، أو بالاعتبار فبالاعتبار ، ثم الغيران ، إما أن يشتركا في تمام الماهية كزيد وعمرو في الإنسانية أو لا. فالأول المثلان ، والثاني المتخالفان سواء اشتركا في ذاتي أو عرضي أو لم يشتركا أصلا ، ثم المتخالفان قد يكونان متقابلين كالسواد والبياض ، وقد لا يتقابلان كالسواد والحلاوة ، والمتقابلان هما المتخالفان اللذان يمتنع اجتماعهما في محل واحد في زمان واحد من جهة واحدة ، فخرج بقيد التخالف ، المثلان ، وإن امتنع اجتماعهما ، وبقيد امتناع الاجتماع في محل مثل السواد والحلاوة ، مما يمكن اجتماعهما ، وربما يفهم من امتناع (١) الاجتماع في محل ، وردهما على المحل فيخرج مثل الإنسان والفرس ، ومثل الإنسان والسواد ، وفيه بحث سيجيء ، وأما قيد وحدة الزمان فمستدرك على ما مر ، وكذا قيد (٢) وحدة الجهة إذا قصد به الاحتراز عن مثل الصغر مع الكبر ، والأبوة مع البنوة على الإطلاق ، والحق أنه احتراز عن خروج مثل ذلك ، فإنهما متقابلان ، ولا يمتنع اجتماعهما إلا عند اعتبار وحدة الجهة ، وأما التقييد بوحدة المحل ، فلأن المتقابلين قد يجتمعان في الوجود وفي الجسم على الإطلاق كبياض الرومي ، وسواد الحبشي.

(قال : فإذا كانا (٣) وجوديين ، فإن كان تعقل كل محل واحد من جهة واحد ، بالقياس إلى الآخر (٤) فمتضايفان ، وإلا فمتضادان وإن (٥) كان أحدهما عدميا ، فإن تقيد بكون الموضوع مستعدا للوجودي بحسب شخصه (٦) أو نوعه ،

__________________

(١) في (أ) اجتماع بدل (امتناع).

(٢) سقط من (ب) لفظ (قيد).

(٣) أي المتقابلين وجوديان.

(٤) أي بالإضافة إلى الآخر بحيث لا يعقل أحدهما إلا مع تعقل الآخر.

(٥) وإن لم يكن المتقابلان وجوديين معا فلا محالة إن كان أحدهما عدميا والآخر وجوديا إذ لا يتقابل العدميان عند صاحب هذا التقسيم.

(٦) بمعنى أن القبول وصف شخص كعدم اللحية عن الأمرد فإن ذلك الأمر المعين قابل لمقابل هذا العدم وهو الالتحاء.

٥٤

أو جنسه القريب أو البعيد فملكة وعدم ، وإلا فإيجاب وسلب (١) ، وإذا لم يمتنع أن يكون نقيض العدمي عدميا كالامتناع واللاامتناع ، والعمى واللاعمى (٢) ، بمعنى رفعه أعم من البصر ، وعدم الاستعداد له ، فالأقرب أن يقال. إن كان أحد المتقابلين رفعا للآخر فملكة وعدم ، أو إيجاب وسلب ، وإلا فتضايف ، أو تضاد على ما ذكر (٣).

وقد يقال : لا تقابل بين العدميين ، أما المطلق والمضاف فظاهر ، وأما المضافان فلاجتماعهما في غير ما أضيفا إليه كاللاسواد واللابياض في الأحمر ، ولكون التقابل مشروطا بوحدة الموضوع ، وبهذا خرج مثل الإنسانية مع الفرسية ، والملزوم مع عدم اللازم. وفيه نظر.

فإن قيل : قد تتقابل القضايا تناقضا وتضادا من غير تصور محل.

قلنا : بحسب الاشتراك كسائر نسب المفردات ، يكون في القضايا باعتبار صدقها في نفسها ، لا صدقها على شيء ، أو بحسب أن موضوع القضية مورد للإيجاب والسلب).

يريد حصر أقسام التقابل في الأربعة ، ومبناه على أن المتقابلين يكونان وجوديين ، أو وجوديا وعدميا ، فإن كانا وجوديين ، فإن كان تعقل كل منهما بالقياس إلى تعقل الآخر ، فمتضايفان كالأبوة والبنوة ، وإلا فمتضادان كالسواد والبياض وإن كان أحدهما عدميا ، والآخر وجوديا ، فإن اعتبر في العدمى ، كون الموضوع قابلا للوجودي بحسب شخصه ، كعدم اللحية عن الشخص (٤) الأمرد ، أو نوعه كعدم اللحية عن المرأة ، أو جنسه القريب كعدم

__________________

(١) كالبياض واللّاأبيض والبصر واللابصر ، والوجود واللاوجود فإن سلب البياض حيث لم يشترط في موضوعه قبول البياضية صادق بالعلم والعلم لا يقبل البياض.

(٢) فإن امتناع سلب الإمكان العام واللاامتناع سلب ذلك السلب وهما عدميان والعمى عدم البصر واللاعمى سلب ذلك العدم فهما عدميان أيضا.

(٣) فيما تقدم من أن الفرق بين المتضايفين والمتضادين موقوف التعقل وعدمه وإلا فكلاهما وجودي وهذا بناء على أن التضايف لا يقتضي العدمية.

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (الشخص).

٥٥

اللحية عن الفرس. أو جنسه البعيد كعدم اللحية عن الشجر ، فهما متقابلان تقابل الملكة والعدم ، وإن لم يعتبر ذلك السواد واللاسواد ، فتقابل الإيجاب والسلب ، إلا أنه لا دليل على امتناع أن يكون المتقابلان عدميين.

كيف : وقد أطبق المتأخرون (١) على أن نقيض العدمي ، قد يكون عدميا ، كالامتناع واللاامتناع ، والعمى واللاعمى ، بمعنى رفع العمى وسلبه أعم من أن يكون (٢) هو باعتبار الاتصاف بالبصر ، أو باعتبار عدم القابلية له ، فما يقال أن اللاعمى. إما عبارة عن البصر فيكون وجوديا ، وإما عن عدم قابلية المحل للبصر ، فيكون سلبا لأمر وجودي ، ليس بشيء ، وإذا جاز أن يكونا عدميين. فالأولى أن يبين الحصر بوجه يشملهما (٣). كما يقال: المتقابلان إن كان أحدهما سلبا للآخر ، فإن اعتبر في السلب استعداد المحل في الجملة لما أضيف إليه السلب ، فتقابلهما تقابل الملكة والعدم ، وإلا فتقابل الإيجاب والسلب ، وإن لم يكن أحدهما سلبا للآخر ، فإن كان تعقل كل منهما بالقياس إلى الآخر (٤) ، فتقابلهما التضايف ، وإلا فالتضاد ، وقد يستدل على لزوم كون (٥) أحد المتقابلين وجوديا ، بأنه لا تقابل بين العدم (٦) والمطلق والمضاف ، ضرورة صدق المطلق على المقيد ، ولا بين العدمين المضافين لوجهين أحدهما : أنهما يجتمعان في غير ما وقع الإضافة إليه ، إما بطريق الصدق ، فلأنه (٧) يصدق على الأحمر ، أنه لا أسود ولا أبيض ، وإما بطريق الوجود ، فلأنه قد (٨) وجد فيه الحمرة التي هي لا سواد ، ولا بياض.

__________________

(١) في (ب) والمتأخرون أطبقوا بحذف لفظ (قد).

(٢) في (أ) بزيادة الضمير (هو).

(٣) في (أ) و (ج) يعمها بدلا من (يشملها).

(٤) في (ب) إلى الثاني بدلا من (الآخر).

(٥) سقط من (ج) لفظ (كون).

(٦) في (ب) العدم المطلق بحذف (الواو).

(٧) في (أ) بزيادة لفظ (قد).

(٨) في (ب) فلان بدلا من (فلانه).

٥٦

وثانيهما : أن من شرط المتقابلين أن يكونا متواردين على موضوع واحد كما أشرنا إليه (١) ، وقد صرح به (٢) بعض المتأخرين ، وموضوع العدمين المضافين كاللاسواد واللابياض ، متعدد ضرورة أنهما لو أضيفا إلى واحد لم يكونا عدمين ، وبهذا يخرج التقصي عن إشكالين:

أحدهما : أن مثل الإنسانية مع الفرسية داخل في حد (٣) المتقابلين ضرورة امتناع اجتماعهما مع أنه ليس أحد الأقسام (٤) الأربعة ، أما غير التضاد فظاهر. وأما التضاد ، فللإطباق على أنه لا تضاد بين الجواهر لامتناع ورودها على الموضوع.

وثانيهما : أن الملزوم وعدم اللازم كالسواد واللالون متقابلان ضرورة امتناع اجتماعهما وليسا أحد الأقسام. أما السلب والإيجاب فلاجتماعهما على الكذب كما في البياض ، وأما غيرهما فظاهر ، ووجه التقصي أن مثل (٥) هذا ليس من التقابل ، لا انتفاء التوارد على موضوع واحد ، وفي هذا الكلام (٦) نظر أما أولا فلأن ما ذكر من اجتماع العدمين ، إنما يكون. إذا لم يعتبر (٧) إضافة أحدهما إلى الآخر ، كما في اللاسواد ، واللابياض بخلاف مثل العمى واللاعمى ، والامتناع واللاامتناع.

وأما ثانيا : فلأن الموضوع في التقابل ليس بمعنى المحل المقوم للحال حتى يلزم أن يكون المتقابلان من قبيل الأعراض البتة للقطع بتقابل الإيجاب والسلب في الجواهر مثل الفرسية ، واللافرسية ، بل صرح ابن سينا بالتضاد بين الصور اعتبارا بالورود على المحل الذي هو الهيولي (٨).

__________________

(١) في (ب) سابقا بدلا من (إليه).

(٢) في (أ) بحذف لفظ (به).

(٣) في (ج) بإسقاط لفظ (حد).

(٤) في (أ) أقسام بدلا من (الأقسام).

(٥) في (ب) و (ج) سقط لفظ (مثل).

(٦) في (أ) و (ب) سقط (الكلام).

(٧) في (ج) لم يقصد بدلا من (يعتبر).

(٨) راجع التعريف بالهيولى في الجزء الأول من هذا الكتاب.

٥٧

وأما ثالثا : فلتصريح ابن سينا وغيره بأن موضوع المتقابلين قد يكون واحدا شخصيا كزيد للعدل والجور أو نوعيا كالإنسان للرجولية والمرئية ، أو جنسيا كالحيوان للذكورة والأنوثة ، أو أعم من ذلك كالشيء للخير والشر.

وأما رابعا : فلأن الكلام في اللاسواد واللابياض لا في العدم (١) المضاف (٢) إلى السواد ، والعدم المضاف إلى البياض ، ألا ترى أنك لا تقول باختلاف الموضوع في البياض واللابياض ، نظرا إلى أن اللابياض عدم مضاف (٣) إلى البياض فيكون موضوعه البياض.

فإن قيل : من التقابل ما يجري في القضايا كالتناقض والتضاد. فإن قولنا : كل حيوان إنسان نقيض لقولنا بعض الحيوان ليس بإنسان ، وضد لقولنا ، لا شيء من الحيوان بإنسان ، مع أنه لا يتصور اعتبار ورود القضايا على محل (٤).

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أن ذلك بحسب اشتراك الاسم كسائر النسب من العموم والخصوص ، والمباينة والمساواة (٥) ، فإنها تكون في المفردات باعتبار الصدق ، أعني صدقها على شيء وفي القضايا باعتبار الوجود ، أعني صدقها في أنفسها ، فالمعتبر في التناقض والتضاد بين المفردين ، امتناع الاجتماع في المحل ، وبين القضيتين امتناع لا اجتماع في الوجود.

وثانيهما : أن يجعل تقابل الإيجاب والسلب أعم مما في المفردات والقضايا ، ويعتبر موضوع القضية موردا ومحلا لثبوت المحمول له ، وعدم الثبوت على ما قال المحققون من الحكماء : أن المتقابلين بالإيجاب والسلب ، إن لم يحتمل الصدق والكذب فبسيط كالفرسية ، واللافرسية ، وإلا فمركب ، كقولنا زيد

__________________

(١) في (أ) و (ب) بزيادة لفظ (العدم).

(٢) في (ج) القائم بدلا من (المضاف).

(٣) في (ب) أضيف إليه بدلا من (مضاف إلى البياض).

(٤) في (ج) عليه بدلا من (على محل).

(٥) سقط من (أ) لفظ (المساواة).

٥٨

فرس ، وزيد ليس بفرس ، فإن إطلاق هذين المعنيين على موضوع واحد في زمان واحد محال.

وقال ابن سينا : إن من التقابل الإيجاب والسلب. ومعنى الإيجاب وجود أي معنى كان ، سواء كان باعتبار وجوده في نفسه ، أو وجوده لغيره ، ومعنى السلب لا وجود بأي معنى كان ، سواء كان لا وجوده في ذاته ، أو لا وجوده في غيره.

التضاد الحقيقي

(وقد يعتبر (١) في التضاد (٢) غاية الخلاف (٣) ويسمى (٤) بالتضاد الحقيقي ، والأول بالمشهوري (٥) وفي الملكة والعدم استعداد المحل للوجود في ذلك الوقت ، ويخص باسم المشهورى والأول بالحقيقي ، وأول كل (٦) أعم (٧) ، وباعتباره يدخل في أقسام التقابل ، تقابل مثل البياض مع الصفرة ، والبصر مع عدمه من الشجر إلا أنهم صرحوا بأن أحد الضدين في المشهورى قد يكون عدما للآخر ، كالسكون للحركة ، والظلمة للنور ، والمرض للصحة ، والعجمة للنطق ، والأنوثة للذكورة ، والفردية للزوجية ، وإن غاية الخلاف شرط في المشهوري أيضا (٨)).

__________________

(١) في (ج) يشترط بدلا من (يعتبر).

(٢) التضاد : الذي هو كون وجوديين لا يجتمعان ولا يتوقف تعقل كل منهما على تعقل الآخر.

(٣) كالبياض والسواد فإذا لم يكن بينهما كالصفرة والبياض والحمرة والسواد فليسا بضدين.

(٤) ويسمى هذا التضاد المشترط فيه غاية الاختلاف بالتضاد الحقيقي.

(٥) والذي لا يشترط فيه غاية الاختلاف يسمى بالتضاد المشهوري لاشتهاره بين الفلاسفة.

(٦) وأول كل من القسمين.

(٧) أعم من الثاني منهما إذ الأول مطلق فيهما ، والثاني مقيد فيهما ومعلوم أن المطلق أعم من المقيد فالأول في التضاد وهو كونهما وجوديين لا يجتمعان من غير توقف أحدهما على الآخر.

(٨) صرحوا بأن المشهوري يشترط فيه غاية الاختلاف أيضا فيخرج نحو الصفرة والبياض عن المشهوري لاتحاده في هذا القيد بالحقيقي حينئذ فبطل حصر المتقابلات فيما ذكر لأن هذا القسم لا يدخل في غير التضاد فيخرج عن التقسيم وهو ظاهر.

٥٩

ما مر من (١) تفسير التضاد ، وتفسير الملكة والعدم هو الذي أورده قدماء الفلاسفة في أوائل المنطق ، وأما في مباحث الفلسفة فقد اعتبروا في كل منهما قيدا آخر وهو في المتضادين ، أن يكون بينهما غاية الخلاف ، كالسواد والبياض ، بخلاف البياض والصفرة وفي الملكة والعدم ، أن يكون العدم سلب الوجود عما (٢) هو من شأنه في ذلك الوقت كعدم اللحية عن الكوسج بخلافه عن الأمرد ، وكل من التضاد والملكة والعدم ، بالمعنى الأول أعم منه بالمعنى الثاني ضرورة أن المطلق أعم من المقيد (٣) إلا أن المطلق من التضاد يسمى بالمشهوري لكونه المشهور فيما بين عوام الفلاسفة والمقيد بالحقيقي لكونه المعتبر في علومهم الحقيقية ، والملكة والعدم بالعكس حيث يسمون المطلق بالحقيقي ، والمقيد بالمشهوري ، ولما كان تقابل مثل البياض مع الصفرة والسواد مع الحمرة ونحو ذلك مما ليس بينهما غاية الخلاف ، وكذا (الالتحاء والمرودة وتقابل البصر وعدمه) (٤) عن العقرب أو الشجر قادحا في حصر التقابل في الأقسام الأربعة لكونه خارجا عن التضاد وعن الملكة والعدم بالمعنى الأخص.

أجاب المتأخرون بأن الحصر (٥) إنما هو باعتبار المعنى الأهم أعني المشهوري من التضاد، والحقيقي من الملكة والعدم ليدخل أمثال ذلك. وفيه نظر ، أما أولا فلأن الضدين في التضاد والمشهوري لا يلزم أن يكونا وجوديين ، بل قد يكون أحدهما عدما للآخر كالسكون للحركة ، والظلمة للنور ، والمرض للصحة ، والعجمة للنطق ، والأنوثة للذكورة ، والفردية للزوجية. صرح بذلك ابن سينا وغيره فهو لا يكون قسيما لتقابل الملكة والعدم ، وتقابل الإيجاب والسلب ، بل وفي كلامهم ، أنه اسم يقع على (٦) التضاد الحقيقي ، وعلى بعض أقسام الملكة والعدم ، أعني ما يمكن فيه انتقال الموضوع من العدم إلى الملكة كالسكون والحركة بخلاف العمى والبصر ، والحق أنه

__________________

(١) في (ب) في بدلا من حرف الجر (من).

(٢) سقط من (ب) لفظ (هو).

(٣) في (ب) القيد بدلا من (المقيد).

(٤) ما بين القوسين سقط من (أ) و (ج).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (إنما).

(٦) في (ب) يقع اسم على التضاد وسقط من (أ) حرف الجر (على).

٦٠