شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

للمتحرك حصولات على الاستمرار دون الاستقرار

(قال (والتحقيق)

إن للمتحرك بين طرفي المسافة حصولات على الاستمرار دون الاستقرار ، فإن أريد بالحركة ما هو المحقق منها ، فهي الحصول بعد الحصول في حيز آخر ، وإن أريد الموهوم الممتد من المبدأ إلى المنتهى ، فهو الحصولات المتعاقبة في الأحياز المتتالية ، ثم إن جعل السكون اسما للحصول من غير اشتراط لبث ، فالحركة سكون (١) أو مجموع سكنات ، وإن اشترط فلا. وحينئذ فالسكون هو الحصول الثاني ، أو مجموع الحصولين فيه تردد ، ثم الحق أن حقيقة السكون في الأربعة واحد وإنما التمايز بالحيثيات حتى أن الواحد بالشخص ربما يكون اجتماعا وافتراقا وحركة وسكونا باعتبارات مختلفة ، ومن أطلق القول بتضاد الأكوان ، أراد أن الأكوان المتميزة في الوجود يمتنع اجتماعها لأن الكونين يوجبان تخصيص الجوهر بحيز واحد فيتماثلان ، وبحيزين فيتضادان ضرورة امتناع حصول الجوهر في آن واحد في حيزين ، وأيا ما كان فلا يجتمعان ، ومبنى ذلك على أن المماسة ليست من الأكوان وإلا فلا خفاء في اجتماعها كما في الجوهر المحفوف بستة جواهر ، فإن منعه على ما نقل عن البعض مكابرة).

سيجيء في طريق الفلاسفة أنه قد يراد بالحركة كون المتحرك متوسطا بين المبدأ أو المنتهى بحيث تكون حاله في كل آن على خلاف ما قبله وما بعده ، وقد يراد بها الأمر الموهوم الممتد من المبدأ إلى المنتهى ، والمتكلمون بالنظر إلى الأول قالوا إنها الحصول في الحيز بعد الحصول في حيز آخر ، والناظر إلى الثاني إنها حصولات متعاقبة في أحياز متلاصقة ، ويسمى بالإضافة إلى الحيز السابق خروجا ، وإلى اللاحق دخولا ، ثم منهم من سمى مثل (٢) هذا الحصول سكونا من غير أن يعتبر في مسماه اللبث ، والحصول بعد

__________________

(١) في (أ) فالحكوت وهو تحريف.

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (مثل).

٤٠١

الحصول في حيز واحد ، وكانت الحركة بالمعنى الأول سكونا ، وبالمعنى الثاني مجموع سكنات، وكان الحصول في أول زمان الحدوث سكونا ومنهم من اعتبر ذلك ، وفسر السكون (١) بالحصول في حيز بعد الحصول فيه ، فلم تكن الحركة ولا أجزاؤها ، ولا الحصول في آن الحدوث سكونا ، ثم ظاهر العبارة أن السكون هو الحصول الثاني من الحصولين في حيز واحد ، لكن الأقرب أن المراد أنه مجموع الحصولين كما قد يحمل قولهم الحركة حصول في الحيز بعد الحصول في حيز آخر على أنه مجموع الحصولين. قال ثم الحق يعني أن إطلاق الأنواع على الأكوان الأربعة مجاز لأن حقيقة الكون ، أعني الحصول في الحيز واحدة ، والأمور المميزة حيثيات وعوارض تختلف باختلاف الإضافات والاعتبارات لا فصول منوعة ، بل ربما لا يوجب تعدد الأشخاص ، فإن الكون المشخص (٢) قد يكون اجتماعا بالنسبة إلى جوهر ، وافتراقا بالنسبة إلى آخر ، وحركة أو سكونا من جهة كونه مسبوقا بحصول في حيز آخر أو في ذلك الحيز بل حركة وسكونا إذا لم يشترط في السكون اللبث.

فإن قيل : كيف يصح ذلك والمحققون من المتكلمين كالقاضي وأشياعه قد أطلقوا القول بتضاد الأكوان الأربعة.

قلنا : مرادهم الأكوان المتمايزة في الوجود ، ومعنى التضاد مجرد امتناع الاجتماع (٣) ولو من جهة التماثل لأنهم احتجوا على ذلك بأن الكونين إن أوجبا تخصيص الجوهر بحيز واحد فهما متماثلان ، فلا يجتمعان كالحصول الأول والثاني في حيز واحد لأن كلا منهما يسد مسد الآخر في تخصيص الجوهر بذلك الحيز ، وإن أوجب كل منهما تخصيصه بحيز آخر فمتضادان ضرورة امتناع اجتماع حصول (٤) الجوهرين في آن واحد في حيزين.

فإن قيل : أليس الجوهر الفرد المحفوف بستة جواهر على جهاته الست قد اجتمع فيه أكوان ستة هي مماساته لها ، فإن من منع ذلك ولم يجوز مماسة

__________________

(١) في (ب) الكون.

(٢) في (أ) بزيادة (المشخص).

(٣) سقط من (ب) لفظ (الاجتماع).

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (حصول).

٤٠٢

جوهر لأكثر من جوهر تفاديا عن لزوم التجزي ، فقد كابر مقتضى العقل بل الحس ، فإن تأليف الجسم من الجواهر عند من يقول بها لا يتصور بدون ذلك.

قلنا : القائلون بتضاد الأكوان لا يجعلون المماسة منها أمرا اعتباريا.

٤٠٣

المبحث الثاني

الباطن من أجزاء المتحرك متحرك

(قال : المبحث الثاني :

الحق أن الباطن من أجزاء الجسم المتحرك متحرك ، والمستتر على الأرض ، أو الواقف في الجو عند تبدل الماء والهواء عليه ساكن لإطباق المقر والعرف على ذلك ، والخلاف في الأول عائد إلى الخلاف في حيز الجزء الباطن. وفي الثاني إلى الخلاف في أن الحيز هو البعد المفطور أو الباطن من الحاوي ، وأن الحركة هل تحصل بزوال الحيز عن المتحيز حتى يمكن اختلاف جهتي الحركة الواحدة في حالة واحدة ، أم لا بد أن يكون بزوال المتحيز عن حيزه حتى يمتنع ذلك. وليس مراد المخالف أني أجعل لفظ الحيز أو الحركة اسما لهذا المعنى ، بل إن حقيقة ما وضع الاسم في الأصل بإزائه هو مبدأ (١) هذا فلا يكون نزاعا في التسمية).

يشير إلى أمرين اختلفوا في كل منهما أنها حركة أو سكون (٢).

الأول : حال الأجزاء الباطنة من الجسم المتحرك.

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (مبدأ).

(٢) السكون ضد الحركة ، وهو زوال الحركة عما من شأنه أن يتحرك ، أو هو الحصول في المكان أكثر من زمان واحد ، فإذا قر الشيء في المكان وانقطع عن الحركة وصفته بالسكون ، وإذا كانت القوى المؤثرة فيه متضادة ومتعادلة وصفته بالتوازن لذلك قيل : إن في كل سكون توازنا كما أن في كل توازن سكونا وثبوتا واستقرارا.

٤٠٤

الثاني : حال الجسم المستقر المتبدل محاذياته بواسطة حركة بعض ما يحيط به من الأجسام كالحجر المستقر على الأرض في الماء الجاري ، وكالطير الواقف في الجو عند هبوب الرياح ، والحق أن الأول حركة ، الثاني سكون بشهادة العقل والعرف.

وقد يستدل على الأول بأنه لو كان ساكنا مع حركة باقي الأجزاء لزم الانفكاك أي انفصال بعض الأجزاء عن البعض ، وبأن الأجزاء الباطنة في الأجزاء الظاهرة ، وهي في الحيّز فتكون الباطنة أيضا فيه ، وقد انتقل منه إلى آخر ، وعلى الثاني بأنه لو كان متحركا لزم التحرك في حالة واحدة إلى جهتين مختلفتين عند اختلاف جهات حركات الأجسام المحيطة(١) به عليه ، بأن يتحرك البعض عليه آخذا من يمنته إلى يسرته والبعض بالعكس والكل ضعيف.

احتج المخالف في الأول بأن الجزء الباطن لم يفارق حيزه الذي هو الأجزاء المحيطة به ولا حركة بدون مفارقة الحيز وأجيب بأن حيز الكل حيزه ، وقد فارقته ، وفي الثاني بأنه حصل في حيز هو ما يحيط به من الجواهر بعد الحصول في حيز آخر ، ولا معنى للحركة سوى هذا وبأنه قد تبدلت عليه محاذياته وهو نفس الحركة أو ملزومها.

وأجيب : بأن حيزه البعد المفطور وهو بعد حاصل فيه ، ولو سلم فالحصول في الحيز الثاني إنما يكون حركة إذا كان بزواله عن الأول دون العكس ، وبأن تبدل المحاذيات إنما يستلزم الحركة إذا كان من جهة المتحيز بأن يزول من محاذاة إلى محاذاة ، فظهر أن الخلاف في الأول عائد إلى الخلاف في حيز الجزء الباطن إنه حيز الكل ، أعني البعد المشغول به أو الجواهر المحيطة به أم ماله خاصة من البعد أو الأجزاء المحيطة به (٢).

وفي الثاني إلى الخلاف في أن الحيز هو البعد المفطور الذي لا يفارقه المستقر بتحرك الجواهر المحيطة ، وتبدل المحاذيات بذلك أم الجواهر

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (به).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (به).

٤٠٥

المحيطة به على ما يناسب قول الفلاسفة من أنه السطح الباطن من الحاوي ، وعلى هذا التقدير هل يتوقف حصول الحركة على أن يكون مفارقة الحيز وتبدل المحاذيات من جهة المتحيز البتة ، أم يحصل بأن يزول الحيز عنه ، وعن محاذاته ، وعلى الأول يمتنع حركة الجسم في حالة واحدة إلى جهتين مختلفتين ، وعلى الثاني لا يمتنع كما إذا تحرك بعض الجواهر المحيطة يمنة ، والبعض يسرة على ما يلزمه الأستاذ أبو إسحاق ، وإن شدد غيره النكير عليه حقا فإن العقل جازم بأن ذلك ليس بحركة وأن حركة الجسم في حالة واحدة لا تكون إلى جهتين ، وما ذكر في المواقف من أن هذا نزاع في التسمية ليس على ما ينبغي ، لأن ما ذكره الأستاذ وغيره في بيان الحيز أو الحركة ، أنه هذا أو ذاك ليس اصطلاحا منهم على أنا نجعله اسما لذلك ، وإلا لما كان لجعله من المسائل العلمية ، والاستدلال عليه بالأدلة العقلية معنى بل تحقيقا للماهية التي وضع لفظ الحيز أو الحركة وما يرادفه من جميع اللغات بإزائها ، وإثبات ذاتياتها بعد تصورها بالحقيقة حين يحكم بأن هذا في حيز ، وذاك في حيز (١) آخر وأن هذا متحرك وذاك ساكن.

__________________

(١) في (أ) بزيادة (في حيز).

٤٠٦

الأين عند الفلاسفة

وفيه مباحث :

المبحث الأول : الأين حقيقي.

المبحث الثاني : الحركة الخروج من القوة إلى الفعل.

المبحث الثالث : لا بد للحركة ما منه وهو المبدأ.

المبحث الرابع : تعلق الحركة بما فيه وما منه وما إليه.

المبحث الخامس : من لوازم الحركة الكيفية.

المبحث السادس : السكون بين الحركتين المستقيمتين.

المبحث السابع : الجسم حركتان إلى جهة أو جهتين.

المبحث الثامن : السكون في الأين.

٤٠٧
٤٠٨

أقوال الفلاسفة في الأين

قال : (الطريق الثاني للفلاسفة) وهو مباحث :

المبحث الأول

(الأين حقيقي إن لم يفضل الحيز على الشيء ككون الماء في الكوز ، وإلا فغير حقيقي ككون زيد في الدار او في البلد أو في العالم ، ويكون جنسيا ونوعيا وشخصيا ككون الشيء في المكان أو في الهواء ، أو في هذه الدار ، ويقبل التضاد كفوق وأسفل ، والاشتداد كالأتم فوقية).

المبحث الثاني

(قيل الحركة (١) الخروج من القوة إلى الفعل على التدريج أو يسيرا يسيرا أو لا دفعة ، وبناه على أن تصور هذه المعاني التي حاصلها الاتصال الغير القار بديهي لا يتوقف على تصور الزمان الموقوف على تصور الحركة ليلزم الدور ، وقيل كمال أول لما هو بالقوة ، من حيث هو بالقوة ، وأريد بالكمال حصول ما لم يكن ، واحترز بالأول عن الوصول ، فإنه يحصل ثانيا ، والتوجه أولا ، (٢) ونبه بقيد القوة على أنه لا بد لمتعلق الحركة من مطلوب يتوجه إليه ، وأن يبقى شيء منه بالقوة ، ولقيد الحيثية على أن كون الحركة كمالا

__________________

(١) الحركة : عرفها أرسطو ومن تابعه بأنها كمال أول لما بالقوة أي لمحل يكون بالقوة ، من حيث هو بالقوة.

(راجع المواقف ج ٦ ص ١٨٩).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (أولا).

٤٠٩

للمتحرك ، إنما هو في الوصول الذي له بالقوة فتخرج كمالاته التي ليست كذلك ، كالمربعية مثلا ، والمقصود تلخيص المعنى المسمى بالحركة على الإطلاق ، وتحقيقه لا تمييزه ، (١) وتصويره عند العقل ، فلا يضيره كون المعرف أخفى ، وكون الكمالين. أعني التوجه والوصول في الحركة المستديرة بمجرد الفرض والاعتبار نظرا إلى أن حال الجسم بالنسبة إلى كل نقطة من حيث طلبها توجه ، ومن حيث الحصول عندها وصول).

والمبحث الأول منه غني عن الشرح ، وأما الثاني فبيانه أن بعض الفلاسفة فسر الحركة بالخروج من القوة إلى الفعل على التدريج أو يسيرا يسيرا أو لا دفعة ، وبنى ذلك (٢) على أن معنى هذه الألفاظ واضح عند العقل من غير احتياج إلى تصور الزمان المفتقر إلى تصور الحركة ، ونظر بعضهم إلى أن معنى التدريج أن لا يكون دفعة ، ومعنى الحصول دفعة أن يكون في آن وهو طرف الزمان ، وهو مقدار الحركة فيكون التعريف دوريا. ففسرها بأنها كمال أول لما هو بالقوة من حيث هو بالقوة والمراد بالكمال هاهنا حصول ما لم يكن حاصلا ، ولا خفاء في أن الحركة أمر ممكن الحصول للجسم ، فيكون حصولها كمالا ، واحترز بقيد الأولية عن الوصول فإن الجسم إذا كان في مكان وهو ممكن الحصول في مكان آخر كان له إمكانان ، إمكان الحصول في ذلك المكان ، وإمكان التوجه إليه وهما كمالان فالتوجه مقدم على الأصول فهو كمال أول ، والوصول كمال ثان. ثم إن الحركة تفارق سائر الكمالات من حيث إنها لا حقيقة لها إلا التأدي إلى الغير ، والسلوك إليه ، فلا بد من مطلوب ممكن الحصول ، ليكون التوجه توجها إليه ، ومن أن يبقى من ذلك التوجه ما دام موجودا شيء بالقوة ، إذ لا توجه بعد الوصول ، فحقيقة الحركة متعلقة بأن يبقى منها شيء بالقوة ، وبأن لا يكون المتأدى إليه حاصلا بالفعل ، فتكون الحركة بالفعل كمالا للجسم المتحرك الذي هو بالقوة من جهة التأدى إلى المقصود الذي هو الحصول في المكان المطلوب فيكون كمالا أول لما بالقوة ،

__________________

(١) في (ب) لا غير بدلا من (لا تمييزه).

(٢) سقط من (ب) لفظ (ذلك).

٤١٠

لكن من جهة أنه بالقوة ، لا جهة أنه بالفعل ، ولا من جهة أخرى ، فإن الحركة لا تكون كمالا للجسم في جسميته أو في شكله أو نحو ذلك ، بل من الجهة التي هو باعتبارها كان بالقوة ، أعني الحصول في المكان الآخر ، واحترز بهذا عن كمالاته التي ليست كذلك كالصورة النوعية (١) فإنها كمال أول للمتحرك الذي لم يصل إلى المقصد ، لكن لا من حيث هو بالقوة بل من حيث هو بالفعل.

واعترض أولا بأن ماهية الحركة ، وإن لم تكن بديهية واضحة عند العقل ، لكن لا خفاء في أن ما ذكر في هذا التعريف ليس بأوضح منها بل أخفى.

وثانيا : بأنه لا يصدق على الحركة المستديرة إذ لا منتهى لها بالفعل ، فلا يتحقق كمال أول وثان. وأجيب : بأن هذا ليس تعريفا للحركة يقصد بها تمييزها عما عداها أو تحصيل صورتها عند العقل ، بل هو تلخيص وتبيين للمعنى المسمى بالحركة أينية كانت (٢) أو غير أينية فلا يضره كون تصوره أخفى من تصور ماهية الحركة ، ولا كون الكمال الأول والثاني في بعض أقسام الحركة ، أعني المستديرة بمجرد الفرض والاعتبار دون الفعل والحقيقة وذلك لأن كل نقطة تفرض فحال الجسم المتحرك على الاستدارة بالنسبة إليها من حيث طلبها توجه فيكون كمالا أول ومن حيث الحصول عندها وصول فيكون كمالا ثانيا.

(قال : وحاصل هذا المعنى :

كيفية بها يكون للجسم توسط بين المبدأ والمنتهى مستمر لا يجتمع

__________________

(١) الصورة في اللغة الشكل والصفة والنوع ، ولها في عرف العلماء عدة معان والفلاسفة يفرقون بين الصورة الجسمية ، والصورة النوعية بقولهم : إن الصورة الجسمية جوهر بسيط متصل لا وجود لمحله دونه ، قابل للأبعاد الثلاثة المدركة من الجسم في بادئ النظر ، أو هي الجوهر الممتد في الأبعاد كلها المدرك في بادئ النظر بالحس ، على حين أن الصورة النوعية : جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون ما حل فيه.

(راجع تعريفات الجرجاني).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (كانت).

٤١١

متقدمه مع متأخره وبها يحصل الجسم في حيز بعد ما كان في آخر ، وحقيقته أمر واحد متصل في نفسه منقسم بحسب الغرض (١) على قياس المسافة والزمان ، وقد يقال الحركة لما يتوهم من كليته المتصلة الممتدة بين المبدأ والمنتهى ، ولا وجود لها في الأعيان ، لأنها قبل الوصول لم يتم ، وعنده قد انقضت ، وأما الأول فوجوده ضروري ، وعدم حصول المنقضى ، واللاحق مع انتفاء الحاضر لأنه إن لم ينقسم لزم الجزء ، وإن انقسم عاد الكلام لا يقتضي العدم مطلقا كيف والمنقضى ما فات بعد الكون ، واللاحق ما هو بصدد الكون).

يشير إلى أن ما ذكر بيان للمعنى المحقق الموجود من الحركة ، فإن لفظ الحركة يطلق على معنيين أحدهما كيفية بها يكون للجسم توسط بين المبدأ والمنتهى بحيث لا يكون قبله ولا بعده وهي حالة مستمرة غير مستقرة أي يوجد المتحرك ما دام متحركا ، ولا يجتمع متقدمه مع متأخره ، وبها يحصل الجسم في حيز بعد ما كان في حيز آخر ، وحقيقته كون في الوسط ينقسم إلى أكوان بحسب الفرض والتوهم وهو في نفسه واحد متصل على قياس المسافة والزمان فيما يفرض من حدود المسافة لئلا يلزم تركب الحركة من أجزاء لا تتجزأ ، وثانيهما الأمر المتصل المعقول للمتحرك من المبدأ إلى المنتهى. والحركة بهذا المعنى لا وجود لها في الأعيان لأن المتحرك ما دام لم يصل إلى المنتهي لم توجد الحركة بتمامها فإذا انتهى ، فقد انقطعت الحركة وبطلت ، بل في الأذهان لأن للمتحرك نسبة إلى المكان الذي تركه وإلى المكان الذي أدركه ، فإذا ارتسمت في الخيال صورة كونه في المكان الأول ثم ارتسمت قبل زوالها عن الخيال صورة كونه في المكان الثاني فقد اجتمعت الصورتان في الخيال ، وحينئذ يشعر الذهن بالصورتين معا على أنهما شيء واحد ، وأما بالمعنى الأول فوجودها ضروري يشهد به الحس.

فإن قيل : الحكم بالوجود في الخارج إما أن يكون على الماضي من

__________________

(١) في (أ) الغرض بدلا من (الفرض).

٤١٢

الحركة أو على الآتي أو على الحاضر والكل باطل ، أما الماضي والآتي فظاهر ، وأما الحاضر فلأنه إن لم يكن منقسما لزم الجزء الذي لا يتجزأ لانطباق الحركة على المسافة وإن كان منقسما عاد الكلام.

وأجيب : بأنا لا نسلم أنه لا وجود للماضي والآتي ، غاية الأمر أنه لا وجود لهما في الحال وهو لا يستلزم العدم مطلقا ، وكيف لا يكون لهما وجود ومعنى الماضي ما فات بعد الوجود والآتي ما يحصل له الوجود.

٤١٣

المبحث الثالث

أحوال الحركة ولوازمها

(قال : المبحث الثالث :

لا بد للحركة ما منه وهو المبدأ وما إليه وهو المنتهي وما فيه وهو المقولة وما به وهو المحرك ، وما له وهو المتحرك ، ومن الزمان وهذا التعلق بالزمان غير تعلق الحركة التي منها الزمان ، فإنها هناك بمنزلة المتبوع ، وهاهنا بمنزلة التابع. أما المبدأ أو المنتهي فنسبة كل منهما إلى الحركة تضايف ، وإلى الآخر تضاد ، فيتضاد محلاهما. وإن اتحدا بالذات كما في الحركة المستديرة ، أو تضادا بالذات أيضا ، كما في الحركة من البياض إلى السواد ، أو باعتبار عارض آخر كما في الحركة من المركز إلى المحيط).

الحركة تفتقر إلى ستة أمور (١) : ١ ـ ما منه الحركة وهو المبدأ (٢). ٢ ـ ما إليه الحركة وهي المنتهى (٣). ٣ ـ ما فيه الحركة وهو المقولية أي الجنس العالي الذي ينتقل المتحرك من نوع منه إلى نوع آخر أو من صنف من نوع إلى صنف آخر. ٤ ـ ما به الحركة أي سببها الفاعلي وهو المحرك. ٥ ـ ما له الحركة أي سببها المادي وهو المتحرك. ٦ ـ الزمان الذي يقع فيه الحركة وهذا التعلق بالزمان غير تعلق الحركة التي منها الزمان لأن الحركة هنا بمنزلة المتبوع لكونها معروضا للزمان وهاهنا

__________________

(١) راجع ما كتبه صاحب المواقف في افتقار الحركة إلى أمور ستة المقصد الخامس الجزء السادس ص ٢٢٩.

(٢) أي المبدأ.

(٣) وذلك أن اقتضاء الحركة ثبوت المبدأ والمنتهى بالفعل إنما يكون في الحركة المستقيمة.

٤١٤

بمنزلة التابع لكونها واقعة فيه مقدرة به. أما المبدأ والمنتهى (١) فلكل منهما ذات وعارض. أعني وصف كونه مبدأ ومنتهى ، والعارضان قد يعتبران بالقياس إلى الحركة وهو قياس تضايف، لأن المبدأ مبدأ لذى المبدأ وبالعكس ، وكذا المنتهى ، وقد يعتبر كل منهما بالقياس إلى الآخر فيتضادان إذ لا خفاء في مقابلهما ، وليس من عقل الشيء مبدأ عقل له منتهى ولا بالعكس ، وليس أحدهما عاما للآخر ، فلم يبق إلا التضاد ، والمعروضان يتضادان باعتبار هذا العارض سواء كانا متحدين بالذات كما في الحركة المستديرة ، إذ كل نقطة تفرض من مسافتها فهي مبدأ ومنتهى باعتبارين ، وبحسب آنين أو متغايرين متضادين بالذات كما في الحركة من البياض إلى السواد ، وكما في الحركة من غاية الذبول إلى غاية النمو ، أو باعتبار عارض آخر كما في الحركة من المركز إلى المحيط المتضادين من جهة كون الأول غاية البعد عن الفلك والثاني غاية القرب منه أو غير متضادين بوجه آخر كما في الحركة من نقطة من المسافة إلى نقطة أخرى.

(قال : وأما المقولة (٢) :

__________________

(١) المبدأ : اسم ظرف من البدء ، وجمعه مبادي ، ويطلق على السبب ماديا كان ، أو صوريا أو غائيا ، ومبدأ الشيء أوله ومادته التي يتكون منها ، فالنواة مبدأ النخل والحروف مبادي الكلام ، والمبادي هي الحدود والمقدمات التي منها تؤلف قياساته (ابن سينا الاشارات ٨٢).

وهي التي تتوقف عليها مسائل العلم ولا تحتاج إلى البرهان القاطع (تعريفات الجرجاني).

وللمبدإ عند الفلاسفة عدة معان.

الأول : هو المبدأ الزماني تقول : في البدء كان الكلمة (انجيل يوحنا الاصحاح الأول) (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) سورة ٣٠ آية ٢٧.

والثاني هو المعنى الوجودي ويطلق على العناصر التي تتألف منها الأشياء قال ابن سينا :

والمبدأ يقال لكل ما يكون قد استتم له وجوده في نفسه إما عن ذاته ، وإما عن غيره ثم يحصل عنه وجود شيء آخر ويقوم به.

(راجع النجاة ص ٣٤٣ : ٣٤٤).

(٢) المقولة : هي المحمول ، ووجه اطلاقها على المحمول كون المحمول في القضية مقولا على الموضوع وجمعها مقولات ، وهي الأجناس العالية التي تحيط بجميع الموجودات أو المحمولات الأساسية التي يمكن اسنادها إلى كل موضوع وعددها عند أرسطو عشرة. وهي :

١ ـ الجوهر. ٢ ـ الاضافة. ٣ ـ الكم. ٤ ـ الكيف. ٥ ـ المكان (اين). ٦ ـ الزمان متى. ٧ ـ الوضع. ٨ ـ الملك. ٩ ـ الفعل. ١٠ ـ الانفعال. والمقولات عند كانت هي التصورات الكلية الأساسية التي يتضمنها العقل المحض.

٤١٥

فأربع الأول الأين وهو ظاهر الثانية الوضع كما في الحركة الكرة على نفسها بأن تتبدل أوضاعها من غير أن يخرج عن مكانها.

فإن قيل : لكل جزء حركة أينية ضرورة تبدل أمكنتها ، فكذا للكل.

قلنا : لو سلم أن هناك جزءا بالفعل فقد لا يكون للكل حكم كل جزء.

فإن قيل : فعلى هذا لا نسلم حركة الكل وتبدل وضعه وإنما ذلك للأجزاء.

قلنا : هو ضروري).

أي ما تنسب إليه الحركة من المقولات العشر أعني الجنس العالي الذي يتغير الموضوع بالتدريج من نوع منه إلى نوع آخر أو من صنف من نوع منه إلى صنف آخر ، واقتصر الإمام على المتغير من صنف من المقولة إلى صنف آخر أي سواء كانا من نوعين أو من نوع ، والحركة الوضعية مما صرح به الفارابي (١) ، وإن كان في كلام ابن سينا ما يوهم أنه تفرد بالاطلاع عليها. وبالجملة فالذي يحققها هو أن للفلك حركة لا يخرج بها عن مكانه ، وإنما يتبدل بالتدريج نسبة أجزائه إلى أمور خارجة عنه ، إما محوية فقط كما في الفلك الأعظم وإما حاوية ومحوية كما في غيره ، فتتبدل الهيئة الحاصلة بسبب تلك النسبة وهو الوضع ، ولا نعني بالحركة في الوضع إلا التغيير من وضع إلى وضع على التدريج من غير تبدل المكان. فإن قيل : كل جزء قد خرج عن مكانه فكذا الكل لأنه ليس إلا مجموع الأجزاء.

قلنا : لو سلم أن (٢) هناك أجزاء بالفعل فثبوت الحكم لكل حكم (٣) لا يستلزم ثبوته بمجموع الأجزاء كما مر غيره مرة. على أن ما ذكر لا يتم في الفلك الأعظم عند من لا يثبت له المكان بناء على أن المكان هو السطح الباطن من الحاوي واللاحاوي له.

فإن قيل : الثابت بالدليل من حركات الأفلاك بالمشاهدة من حركة الكرة على

__________________

(١) الفارابي : هو محمد بن محمد بن طرخان أبو نصر الفارابي ، ويعرف بالمعلم الثاني أكبر فلاسفة المسلمين. ت ٣٣٩ ، وسبق الترجمة له.

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (أن).

(٣) في (ب) جزء بدلا من (حكم).

٤١٦

نفسها ليس إلا تبدل نسبة الأجزاء المفروضة ، وإذا لم يكن ثبوت الحكم لكل جزء مستلزما ثبوته للكل فلا نسلم أن للفلك أو الكرة حركة وتبدل (١) من وضع.

قلنا : هو ضروري فإنه لا معنى لوضع الكل إلا هيئة نسبة أجزائه بعضها إلى البعض وإلى الأمور الخارجية ، ولا معنى لحركته في الوضع إلا تبدل ذلك على التدريج هذا. لكن يؤول على أن الحركة الأينية للأجزاء الفرضية حركة وضعية بالإضافة إلى الكل.

(قال : الثالثة الكم (٢) :

والانتقال فيه إما من النقصان إلى الزيادة لورود مادته وهو النمو أو بدونه وهو التخلخل ، وإما بالعكس بانفصال مادته وهو الذبول أو بدونه وهو التكاثف).

الحركة في الكم تقع باعتبارين أحدهما النمو والذبول ، وثانيهما التخلخل والتكاثف ويقال في بيان ذلك أن الانتقال في الكم (٣) إما أن يكون من النقصان إلى الزيادة أو من الزيادة إلى النقصان ، والأول إما أن يكون بورود مادته تزيد في كمية الجسم وهو النمو أو بدونه وهو التخلخل كما في هواء باطن القارورة عند مصها ، والثاني إما أن يكون بنقصان جزء وهو الذبول كما في المدقوق أو بدونه وهو التكاثف كما في هواء باطن القارورة عند النفخ فيها ، ويتمسكون في إمكان التخلخل والتكاثف بأن الجسم مركب من الهيولي والصورة. والهيولي لا مقدار لها في نفسها وإنما هي قابلة للمقادير المختلفة بحسب ما سبق (٤) من الأسباب المعدة فيجوز أن ينتقل من المقدار الصغير إلى الكبير وهو التخلخل وبالعكس وهو التكاثف. وإنما بنوا ذلك على الهيولي لأنها عندهم محض تحايل يتوارد عليه الصور والمقادير المختلفة من غير أن يقتضي معينا من ذلك ، بخلاف ما ذا جعل الجسم بسيطا واحدا متصلا

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (تبدل).

(٢) الكم في الرياضيات هو المقدار ، وهو ما يقبل القياس ، والكم في علم ما بعد الطبيعة مقابل الكيف وهو من مقولات العقل الأساسية.

(٣) في (أ) الحكم بدلا من (الكم).

(٤) في (ب) يتفق بدلا من (ما سبق).

٤١٧

في نفسه كما هو عند الحس (١) ، فإنه ربما يختص كل جسم بمقدار معين لا ينقل عنه ، وبهذا يندفع ما ذكره الإمام من أنه لا حاجة في ذلك إلى إثبات الهيولى بل يأتي على رأي من يجعل المقدار زائدا على الجسم عرضا قائما به سواء كان هو بسيطا أو مركبا من الهيولى والصورة لأن نسبته إلى جميع المقادير على السوية كالهيولى ولأنه إذا كان بسيطا كان الجزء والكل متساويين في الطبيعة ، والحقيقة فجاز اتصاف كل منهما بمقدار الآخر ما لم يمنع مانع ، وانتقال الجزء إلى مقدار الكل تخلخل وعكسه تكاثف. نعم لا بد في ذلك من أن يصير الجزء منفصلا إذ مع كونه جزءا يمتنع أن يكون على مقدار الكل ضرورة (٢). وأما الاعتراض بأنه لو جاز ذلك لجاز أن تصير القطرة (٣) على مقدار البحر وبالعكس.

فجوابه بعد تسليم استحالة ذلك أن انتقال الجسم عن مقداره يكون لا محالة بقاسر فجاز أن يكون للقسر حد معين لا يمكن تجاوزه ، كما جاز على القول بالهيولى أن يكون لكل مادة خط من المقدار لا يتجاوزه.

وبالجملة فالمقصود بيان إمكان التخلخل والتكاثف ، وهو لا ينافي الامتناع في بعض الصور لمانع على أن اشتراط الانفصال في إمكان انتقال الجزء إلى مقدار الكل محل نظر دقيق.

وقد يستدل على الوقوع بأن الماء إذا انجمد يصغر مقداره وهو تكاثف والجمد إذا ذاب يعظم مقداره ، وهو تخلخل ، وبأن القارورة إذا مصت خرج منها هواء كثير ، فلو لم يتخلخل الباقي لزم الخلاء ، وإذا نفخت فيها دخلها هواء كثير ، فلو لم يتكاثف لزم التداخل، أعني اشتغال حيز واحد بجسمين وهو ضروري الاستحالة.

قال : وقد يقال :

__________________

(١) في (أ) الحسن بدلا من (الحس).

(٢) في (ب) صورة بدلا من (ضرورة).

(٣) في (أ) الفطرة بدلا من (القطرة).

٤١٨

التخلخل والتكاثف للانفشاش (١) والاندماج (٢) ، وهما مداخلة الهواء بتباعد الأجزاء وضده ، وقد يكون ازدياد المقدار بورود الماء (٣) المادة على نسبة طبيعية ، وهو الورم (٤) أو عليها ، لكن لا في جميع الأقطار وهو السمن ويقابله الهزال).

يعني قد يراد بالتخلخل الانغشاش أي تباعد أجزاء الجسم بحيث تداخلها جسم غريب كالهواء ، وبالتكاثف الاندماج أي تقارب الأجزاء بحيث يخرج ما بينها من الجسم القريب ، وهما من قبل الوضع لرجوعهما إلى هيئة نسبة الأجزاء بعضها إلى البعض ثم لا يخفى أن هذا الانتقال بالنظر إلى الأجزاء حركة أينية ، وأما بالنسبة إلى الكل فحركة في الكم على طريق النمو وإن لم يكن نموا ، وفي الوضع بحسب الداخل حيث تبدلت نسبة (الأجزاء بعضها مع البعض ، كما للفلك بحسب الخارج حيث) (٥) تبدلت نسبتها إلى الأمور الخارجة.

فإن قيل : فعلى الأول لا تنحصر الحركة في الكم في اعتبارات الأربعة.

قلنا : لا كلام في عدم الانحصار وفي أن قولنا الانتقال من النقصان إلى الزيادة ، لورود المادة نمو ليس على إطلاقه ، وإلى هذا يشير قولنا ، وقد يكون ازدياد المقدار بورود المادة لا على تناسب طبيعي ، وهو الورم أو على تناسب طبيعي لكن لا في جميع الأقطار وهو السمن ، فإنه وإن كان ازدياد طبيعيا بانضياف مادة الغذاء إلى المغتذي كالنمو لكنه لا يكون في الطول على تلك النسبة ، ولا يختص بوقت معين ، ولا يكون له غاية ما يقصدها الطبع بخلاف النمو ، ومقابل السمن هو الهزال (٦) ، فيكون انتقاضا طبيعيا لكن لا في جميع

__________________

(١) فش الزق أخرج ما فيه من الريح وبابه رد ، وانفشت الرياح خرجت عن الزق ونحوه.

(٢) دمج الشيء دخل في غيره واستحكم فيه وباله دخل وكذا اندمج وادمج بتشديد الدال ، وأدمج الشيء لفه في ثوبه.

(٣) سقط من (أ) لفظ (الماء).

(٤) الورم واحد الأورام يقال ورم جلده يرم بالكسر فيهما ، وهو شاذ وتورم مثله ورمه غيره توريما.

(٥) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٦) الهزل : ضد الجد وقد هزل من باب ضرب ، والهزال ضد السمن يقال هزلت الدابة على ما لم يسم فاعله هزالا ، وهزلها صاحبها من بال ضرب فهي مهزولة.

٤١٩

الأقطار. وقد يقال له الذبول أيضا ، وتحقيق الكلام أنه إذا ورد على لجسم ما يزيد في مقداره، فإذا أحدثت الزيادة منافذ في الأصل فدخلت فيها ، واشتبهت بطبيعة الأصل ، واندفعت أجزاء الأصل إلى جميع الأقطار على نسبة واحدة في نوعه ، فذلك هو النمو وزواله بسبب انفصال تلك الأجزاء عن أجزاء الأصل هو الذبول ، وإذا لم يقو الغذاء على تفريق الأجزاء الأصلية والنفوذ فيها ، بل انضم إليها من غير أن يتحرك الأعضاء الأصلية إلى الزيادة، وإن كان الجسم متحركا إلى الزيادة في الجملة ، فذلك هو السمن ، وانتقاصه هو (١) الهزال فالمخصوص باسم النمو (٢) والذبول حركة الأعضاء الأصلية.

(قال : الرابعة :

الكيف كتسود العنب ، وتسخن الماء مع الجزم بعدم الكون فيه أو الورود عليه).

يعني من المقولات التي يقع فيها الحركة الكيف (٣) ويسمى استحالة ، وذلك كانتقال العنب من البياض إلى السواد ، وانتقال الماء من البرودة إلى الحرارة شيئا فشيئا على التدريج وأنكر بعضهم ذلك ، فمنهم من زعم أن في الماء مثلا أجزاء نارية كامنة تبرز بالأسباب الخارجة فيحس بالحرارة ، ومنهم من زعم أنه يرد عليه من الخارج أجزاء نارية ، ومنهم من زعم أن بعض أجزائه يصير نارا بطريق الكون والفساد ، والكل فاسد بدلائل وأمارات ، ربما تلحق الحكم بالضروريات على ما فصل في المطولات أدناها أن جبلا من

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (هو).

(٢) في (ب) الغد وهو تحريف.

(٣) الكيف : اسم لما يجاب به عن السؤال بكم. (راجع كليات أبي البقاء) ومعناها : صفة الشيء وصورته وحاله ، وهي إحدى مقولات أرسطو وقد عرفها القدماء بقولهم : الكيف : هيئة قارة في الشيء لا يقتضي قسمة ولا نسبة لذاته فقوله : هيئة يشمل الأعراض كلها ، وقوله قارة في الشيء احتراز عن الهيئة الغير قارة ، كالحركة والزمان ، والفعل والانفعال : قوله لا يقتضي قسمة ، يخرج الكم ، وقوله : ولا نسبه يخرج الاعراض ، وقوله : لذاته : ليدخل فيه الكيفيات المقتضية للقسم والنسبة بواسطة اقتضاء محلها ذلك.

(راجع تعريفات الجرجاني).

٤٢٠