شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

المبحث الثاني

إرادة الشيء كراهة ضده

(قال : المبحث الثاني :

إرادة الشيء عند الشيخ نفس كراهة ضده ، وإلا لكان مضادا لها ، أو مماثلا فلم يجامعها ، أو مخالفا فيجامع ضدها الذي هو إرادة الضد ، ورد (١) بعدم تسليم لزوم أحد الأمور لأن المتخالفين قد يكونان متلازمين ، أو ضدين لواحد ، فلو لزم جواز اجتماع كل مع ضد الآخر لزم جواز اجتماع المتنافيين.

وعورض بأنه قد يراد الشيء ، ولا يشعر بضده ، ثم على تقدير الشعور لا دليل على الاستلزام ، وإن حكم به القاضي فضلا عن الاتحاد).

ذهب الشيخ الأشعري وأتباعه إلى أن إرادة الشيء نفس كراهة ضده ، إذ لو كانت غيرها لكان إما مماثلا لها ، أو مضادا أو مخالفا ، والكل باطل.

أما الملازمة فلأن المتغايرين إن استويا في صفات النفس أعني ما لا يحتاج الوصف به إلى تعقل أمر زائد كالإنسانية للإنسان ، والحقيقة والوجود والشيئية له بخلاف الحدوث والتحيز ونحوه فمثلان كالبياضين وإلا فإن تنافيا بأنفسهما فضدان كالسواد والبياض ، وإلا فمتخالفان كالسواد والحلاوة وأما بطلان اللازم فلأنهما لو كانتا ضدين أو مثلين لامتنع (٢) اجتماعهما ، وهذا ظاهر لزوما وفسادا ، ولو كانتا خلافين لجاز اجتماع كل منهما مع ضد الآخر ومع خلافه لأن

__________________

(١) سقط من (ج) لفظ (رد).

(٢) في (ب) لا ينفع بدلا من (لامتنع).

٣٤١

هذا شأن المتخالفين كالسواد المخالف للحلاوة ، وتجتمع مع ضدها الذي هو الحموضة ومع خلافها الذي هو الرائحة فيلزم جواز اجتماع إرادة الشيء مع إرادة ضده لأن كراهة الضد إرادة الضد.

وأجيب بأن عدم الاتحاد لا يستلزم أحد الأمور الثلاثة.

سلمناه ، لكن لا نسلم جواز اجتماع كل من المتخالفين مع ضد الآخر لجواز أن يكونا متلازمين ، وامتناع اجتماع الملزوم مع ضد اللازم (١) ظاهر أو ضدين لأمر واحد كالشك للعلم والظن ، فاجتماع كل مع ضد الآخر يستلزم اجتماع الضدين. وعورض بأن شرط إرادة الشيء وكراهته الشعور به ضرو عقلي وعملي يراد الشيء أو يكره من غير شعور بضده فإرادة الشيء لا تستلزم كراهة ضده فضلا أن تكون نفسها إلا أن يقال المراد أنها نفسها على تقدير الشعور بالضد ، بمعنى أنها نفس كراهة الضد المشعور به ، وإلا فلا معنى لاشتراط كون الشيء نفس الشيء بشرط.

واختلف القائلون بالتغاير في الاستلزام ، فذهب القاضي والغزالي (٢) إلى أن إرادة الشيء تستلزم كراهة ضده المشعور به ، إذ لو لم يكن مشعورا (٣) مكروها بل مرادا لزم إرادة الضدين وهو محال ، لأن الإرادتين المتعلقتين بالضدين متضادتان.

وأجيب بمنع المقدمتين لجواز أن لا يتعلق بالضد كراهة ولا إرادة ككثير من الأمور المشعور بها ، ولجواز أن يكون كل من الضدين مرادا من جهة إرادة على

__________________

(١) في (ب) الآخر بدلا من (اللازم).

(٢) هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي أبو حامد ، حجة الإسلام فيلسوف متصوف ، له نحو مائتي مصنف ، مولده في الطابران (قرية طوس بخراسان) عام ٤٥٧ ه‍. رحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد والحجاز فبلاد الشام ومصر وعاد إلى بلدته ، نسبته إلى صناعة الغزل عند من يقول بتشديد الزاي ، أو إلى غزالة من قرى طوس لمن يقول بالتخفيف. توفي عام ٤٠٥ ه‍.

(راجع وفيات الأعيان ١ : ٤٦٣ ، وطبقات الشافعية ٤ : ١٠١ ، وشذرات الذهب ٤ : ١٠).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (مشعورا).

٣٤٢

السوية ، أو مع ترجح أحدهما بحسب ما فيه من نفع راجح.

وأيضا لو صح ما ذكر لكان كراهة الشيء مستلزمة لإرادة ضده المشعور به فيلزم من إرادة الشيء الذي له ضدان أن يكون كل منهما مكروها لكونه ضد المراد ، ومرادا لكونه ضد المكروه ، ولا محيص إلا بتغاير الجهتين أو تخصيص الدعوى (١) بماله ضد واحد ، وإذا جاز ذلك فتجويز إرادة كل من الضدين بجهة لا يصلح في معرض إبطالي حكم القاضي بالاستلزام المذكور لجواز أن يكون كل منهما مكروها أيضا بجهة ، وإنما يصلح في معرض الجواب كما ذكرنا ، حتى لو دفع بأنكم تجعلون متعلق الإرادة مقارنا لها ، فيلزم من إرادة الضدين اجتماعهما كان كلاما على السند مع أنه ضعيف لأن القول بأن متعلق الإرادة الحادثة لا يكون إلا مقدورا للمريد مقارنا لإرادته حتى لا يتعلق بفعل الغير ، وبالمستقبل ، ويكون كل ذلك من قبيل التمني دون الإرادة مخالف للغة والعرف (٢) والتحقيق.

__________________

(١) الدعوى في اللغة : هي القول ، تقول دعوى فلان كذا ، وهي أن يقصد الإنسان إثبات حق له على غيره ، والإقرار عكسه ، وهو إثبات حق الغير على نفسه.

والدعوى عند أهل المناظرة تشتمل على الحكم المقصود إثباته بالدليل وإظهاره بالبينة ، والقاصد أو المتصدي لإثبات الحكم أو لإظهاره هو المدعي ، وخصمه هو المدعى عليه.

قال الغزالي : نسمي العلم التصديقي الذي هو نسبة بين مفردين دعوى إذا تحدى به المتحدي ولم يكن عليه برهان ، وكان في مقابلة القائل خصم ، فإذا لم يكن في مقابلته خصم سميناه قضية.

(راجع محك النظر ص ١٤ ، ١٥).

(٢) العرف : ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول ، وتلقته الطبائع بالقبول.

(راجع تعريفات الجرجاني).

وهو قسمان : عرف عام ، وعرف خاص ، أما العرف العام فهو مجموع العوائد والتقاليد العامة المنتشرة في المجتمع ، وأما العرف الخاص فهو مجموع ما يتعوده الفرد من أنماط السلوك.

والعرف : مرادف للعادة إلا أن القدماء يفرقون بينهما بقولهم : إن استعمال العادة في الأفعال ، والعرف في الأقوال. أما المحدثون من الفلاسفة الغربيين فيفرقون بينهما بقولهم : إن العرف خارجي ، والعادة داخلية وخارجية معا ، ولذلك قال بعضهم : العرف لا يثبت إلا بالتكرار على حين أن العادة قد تثبت بمرة.

٣٤٣
٣٤٤

القدرة

وفيها مباحث

المبحث الأول : تعريف القدرة

المبحث الثاني : القدرة الحادثة لا توجد قبل الفعل

المبحث الثالث : العجز ضد القدرة

٣٤٥
٣٤٦

المبحث الأول

تعريف القدرة

(قال : ومنها القدرة (١).

وبيانها في مباحث :

المبحث الأول القوة وهي صفة تكون مبدأ التغير في آخر من حيث هو (٢) آخر ، إما مقارنة للقصد أولا. وكل مهما إما مختلفة الآثار أو لا ، فالأولى القوة الحيوانية والثانية الفلكية ، والثالثة النباتية ، والرابعة العنصرية ، وليس الكلام في الصور النوعية والنفوس لأنها من قبيل الجواهر ، والمعتبر في كون القوة قدرة إما مقارنة القصد أو اختلاف الآثار ، ولهذا قيل : صفة تؤثر وفق الإرادة ، أو يكون مبدأ لأفعال مختلفة ، فالمشتملة عليهما قدرة اتفاقا كالقوة الحيوانية ، والخالية عنهما ليست بقدرة اتفاقا كالقوى العنصرية ، والمشتملة على إحداهما

__________________

(١) القدرة : هي القوة على الشيء ، وهي مرادفة للاستطاعة ، والفرق بينها وبين القوة أن القوة تضاف إلى العاقل وغير العاقل فتكون طبيعية وعقلية كما في قولنا : قوة التيار. وو قوة الجسم وقوة الخيال ، على حين أن القدرة لا تضاف إلا إلى الكائنات العاقلة كما في قولنا ، قدرة المربي ، وقدرة الحاكم ، وقدرة الإرادة ، والقدرة في الاصطلاح : صفة الإرادة. وقد نفى جهم ابن صفوان كل قدرة عن الانسان. وقال : لا قدرة له أصلا وهذا غلو في الجبر. أما المعتزلة فيقررون وجود القدرة ويقولون : إنها صفة يتأتى منها الفعل بدلا من الترك ، والترك بدلا من الفعل. وأما الرازي فإنه يطلق القدرة على مجرد القوة التي هي مبدأ الأفعال الحيوانية المختلفة ، أو على القوة الجامعة لشرائط التأثير.

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (هو).

٣٤٧

فقط مختلف فيها كالقوى الفلكية والنباتية ، والمراد استعداد التأثير ليشمل القدرة الحادثة على رأينا.

ولهذا قيل صفة بها يتمكن من الفعل والترك).

لفظ القدرة يقال للصفة التي بها يتمكن الحيوان من مزاولة أفعال شاقة ، ويقابلها الضعف وقد يقال لصفة المؤثرية ، فيفسر بصفة هي مبدأ التغير من شيء في خر من حيث هو آخر فقوله في آخر إشعار بوجوب التغاير بين المؤثر والمتأثر ، وقيد الحيثية إشعار بأنه يكفي التغاير بحسب الاعتبار كالطبيب يعالج نفسه فيؤثر من حيث إنه عالم بالصناعة ، ويتأثر من حيث إنه جسم ينفعل عما يلاقيه من الدواء ، وهذا بالنظر إلى ظاهر الإطلاق ، وإلا فعند التحقيق التأثير للنفس والتأثر للبدن ، ولو مثل بالمعالج نفسه في تهذيب الأخلاق وتبديل الملكات لكان أقرب ، ثم القوة التي هي وصف المؤثرية إما أن تكون مع قصد وشعور بأثرها أو لا وعلى التقديرين فإما أن تكون آثارها مختلفة أو لا ، فالأولى وهي الصفة المؤثرة مع القصد والشعور واختلاف الآثار والأفعال هي القوة الحيوانية المسماة بالقدرة ، والثانية وهي القوة المؤثرية على سبيل القصد والشعور. (لكن على نهج واحد من غير اختلاف في آثارها وهي القوة الفلكية ، والثالثة وهي المبدأ لآثار وأفعال مختلفة لا على سبيل القصد والشعور) (١). هي القوة النباتية ، والرابعة وهي مبدأ الأثر على نهج واحد بدون القصد والشعور هي القوة العنصرية ، وهذه كلها من أقسام العرض على ما يشعر به لفظ الصفة وهي المبادي القريبة للأفعال ، وإما أن لكل منها أو لبعضها مبادي من قبيل الجواهر تسمى بالصور النوعية والنفوس فذلك بحث آخر ، وقد ينازع في إثبات القوى الفلكية والنباتية إذا أريد بها غير النفوس والصور إذا تقرر هذا فنقول :

اعتبر بعضهم في كون القوة قدرة مقارنتها للقصد (٢) والشعور ففسر القدرة

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٢) القصد : توجه النفس إلى الشيء أو انبعاثها نحو ما تراه موافقا وهو مرادف للنية ، وأكثر استعماله في التعبير عن التوجه الإرادي أو العملي ، وإن كان بعض الفلاسفة يطلقونه على التوجه ـ

٣٤٨

بصفة تؤثر وفق الإرادة فخرج من الصفات ما لا يؤثر كالعلم وما يؤثر لا على وفق الإرادة كالقوى النباتية والعنصرية ، وأما النفوس والصور النوعية التي هي من قبيل الجواهر فلا تشملها الصفة.

واعتبر بعضهم اختلاف الآثار. ففسر القدرة بصفة تكون مبدأ لأفعال مختلفة فالقوة الحيوانية تكون قدرة بالتفسيرين (لمقارنتها القصد والاختلاف ، والقوة العنصرية لا تكون قدرة بشيء من التفسيرين لخلوها عن الأمرين ، والقوة الفلكية قدرة بالتفسير) (١) الأول دون الثاني والنباتية بالعكس وهذا ظاهر فبين التفسيرين عموم من وجه ، فإن قيل القدرة الحادثة غير مؤثرة عند الشيخ فلا تدخل في شيء من التعريفين.

قلنا : ليس المراد التأثير بالفعل بل بالقوة بمعنى أنه صفة شأنها التفسير (٢) والإيجاد على ما صرح به الآمدي حيث قال :

القدرة صفة وجودية من شأنها تأتي الإيجاد والإحداث بها على وجه يتصور ممن قامت به الفعل بدلا عن الترك ، والترك بدلا عن الفعل ، والقدرة الحادثة كذلك لكن لم تؤثر لوقوع متعلقها بقدرة الله تعالى على ما سيجيء إن شاء الله تعالى وبهذا يندفع ما يقال : لا بد من القول بكون فعل العبد بقدرته على ما هو مذهب المعتزلة (٣) ، أو بنفي قدرة العبد أصلا على ما ذهب إليه جهم

__________________

ـ الذهني. فالفلاسفة المدرسيون يطلقون لفظ القصد على اتجاه الذهن نحو موضوع معين ، ويسمون إدراكه المباشر لهذا الموضوع بالقصد الأول وتفكيره في هذا الإدراك بالقصد الثاني.

والفلاسفة الظواهريون والوجوديون يطلقون لفظ القصد على تركيز الشعور في بعض الظواهر النفسية كالادراك الحسي والتخيل والذاكرة لتفسيرها وتوضيح أسبابها فمعنى القصد عندهم قريب من معناه عند المدرسيين.

(١) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٢) في (ب) التأثير بدلا من (التفسير).

(٣) راجع ما كتبه القاضي عبد الجبار في خلق أفعال العباد في كتابه (شرح الأصول الخمسة) تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان ص ٣٢٣ وما بعدها.

٣٤٩

ابن صفوان (١) مع الفرق الضروري بين حركتي الرعشة والبطش (٢) ، وحركتي الصعود والنزول والحاصل أنا قاطعون بوجود صفة شأنها الترجيح والتخصيص والتأثير ، ولا امتناع في أن لا يؤثر بالفعل لمانع والنزاع في أنها بدون التأثير بالفعل هل تسمى قدرة لفظي ، والقول بقدم قدرة الله تعالى مع حدوث المقدورات على ما هو رأينا ، وبثبوت القدرة الحادثة قبل الفعل على ما هو رأي المعتزلة يؤيد ما ذكرنا.

(قال : والوجدان يشهد بها ، وبكونها صفة غير المزاج وسلامة البنية توجد في بعض الذوات دون البعض أو على بعض الأفعال دون البعض).

تنبيه على أن طريق معرفة القدرة هو الوجدان على ما هو رأي الأشاعرة فإن العاقل يجد من نفسه أن له صفة بها يتمكن من حركة البطش وتركها دون الرعشة لا العلم بتأتي الفعل من بعض الموجودين ، وتعذره على الغير على ما ذهب إليه بعض المعتزلة لأن الممنوع قادر عندهم مع تعذر الفعل ، إلا أن يقال : الفعل يتأتى منه على تقدير ارتفاع المنع ، فإن قيل : ويتأتى من العاجز بتقدير ارتفاع العجز قلنا : يتأتى من الممنوع وهو بحالة في ذاته وصفاته ، وإنما التغير في أمر من خارج بخلاف العاجز فإنه يتغير من صفة إلى صفة ولا العلم بصحة الشخص وانتفاء الآفات منه على ما ذهب إليه الجبائي لأن النائم كذلك وليس بقادر ، إلا أن يقال : النوم آفة ، ثم الوجدان كما يدل عليها يدل على أنها صفة زائدة على المزاج الذي هو وآثارها من الكيفيات المحسوسة ، وليست بطريق القصد والاختيار ، وعلى سلامة البنية ، وليست من قبيل الأجرام على ما نسب إلى ضرار وهشام (٣) من أن القدرة على البطش هي اليد السليمة ، وعلى المشي هي الرجل

__________________

(١) هو جهم بن صفوان السمرقندي أبو محرز. ت عام ١٢٨ ه‍.

(راجع ترجمة وافية عنه في الجزء الأول).

(٢) الرعشة : الرعدة ، والرعشة : العجلة والسرعة يقال به رعشة إلى لقاء العدو. أما البطش ، فهو الأخذ بالعنف قال تعالى : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) ويقال بطشت بهم أهوال الدنيا وبطش بالشيء أمسكه بقوة.

(٣) هو هشام بن الحكم الشيباني بالولاء الكوفي ، أبو محمد ، متكلم مناظر كان شيخ الإمامية في ـ

٣٥٠

السليمة ، وهذا ما قالا القدرة بعض القادر ، وإن فسر بأنها صفة في القادر فهو مذهب الجمهور.

وما قيل : إنها بعض المقدور فإنما يصح في القدرة بمعنى المقدورية ، أي كون الفعل بحيث يتمكن الفاعل منه ومن تركه ، وذهب بشر ابن المعتمر (١) إلى أنها عبارة عن سلامة البنية من الآفات ، وإليه مال الإمام الرازي واعترض على ما ذكره القوم من أنا نميز بالضرورة بين حركتي البطش والرعشة ، وما ذاك إلا بوجود صفة غير سلامة البنية توجد لبعض الأفراد دون البعض كالقدرة على لكتابة لزيد دون عمرو ، وعلى بعض الأفعال دون البعض كقدرة زيد على القراءة دون الكتابة بأن الاختيار قبل الفعل باطل عندكم ومعه ممنوع لامتناع العدم حال الوجود وأيضا حصول الحركة حال ما خلقها الله تعالى ضرورى وقبله محال فأين الاختيار؟

وأيضا حصول الفعل (٢) عند استواء الدواعي محال وعند عدم الاستواء يجب الراجح ويمتنع المرجوح فلا تثبت الممكنة (٣).

والجواب أن الضرورى هو التفرقة بمعنى التمكن من الفعل والترك بالنظر إلى نفس حركة البطش مع قطع النظر عن الأمور الخارجية بخلاف حركة المرتعش.

__________________

ـ وقته ، ولد بالكوفة ، ونشأ بواسط ، وسكن بغداد وانقطع إلى يحيى بن خالد البرمكي. صنف كتبا منها : الإمامة والقدر والشيخ والغلام والرد على المعتزلة والرد على الزنادقة. توفي عام ١٩٠ ه‍.

(راجع لسان الميزان ٦ : ١٩٤ وفهرست النديم ١ : ٢٤٧).

(١) هو بشر بن المعتمر البغدادي ، أبو سهل فقيه معتزلي مناظر من أهل الكوفة قال الشريف يقال : إن جميع معتزلة بغداد من مستجيبيه تنسب إليه الطائفة «البشرية» عاش في خلافة الرشيد ، وقد عدد الشهرستاني ست مسائل انفرد بها بشر عن أصحابه من علماء المعتزلة. له مصنفات في الاعتزال. مات ببغداد عام ٢١٠ ه‍.

(راجع دائرة المعارف الإسلامية ٣ : ٦٦٠ والملل والنحل للشهرستاني وأمالى. المرتضى ١ : ١٣٦).

(٢) في (ب) العقل بدلا من (الفعل).

(٣) في (أ) المكنة وهو تحريف.

٣٥١

وحاصله : أن الوجوب أو الامتناع بحسب أخذ الفعل مع وصف الوجود أو العدم ، أو بحسب أن الله تعالى خلقه ، أو لم يخلقه.

أو بحسب ترجح دواعي الفعل (١) أو الترك لا ينافي تساوي الطرفين بالنظر إلى نفس القدرة.

__________________

(١) الفعل : هو العمل ، والهيئة العارضة للمؤثر في غيره بسبب التأثير أولا كالهيئة الحاصلة للقاطع بسبب كونه قاطعا ، وفي اصطلاح النحاة ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة.

(راجع تعريفات الجرجاني).

وللفعل في اصطلاح الفلاسفة عدة معان. فالفعل بالمعنى العام يطلق على كونه الشيء مؤثرا في غيره ومثاله : أفعال الطبيعة كتأثير النار في التسخين فهي فاعلة والمتسخن منفعل. وأفعال الصناعة كالقاطع ما دام قاطعا.

ويطلق الفعل أيضا على ما يقوم به الانسان من أفعال إرادية أو غير إرادية.

٣٥٢

المبحث الثاني

القدرة الحادثة لا توجد قبل الفعل

(قال : المبحث الثاني :

القدرة الحادثة (١) على الفعل لا توجد قبله خلافا للمعتزلة.

لنا : أنها عرض فلا يبقى إلى زمان الفعل بخلاف القديمة ، ولأن الفعل قبل وجوده ليس بممكن لامتناع الوجود مع العدم ، واستلزام فرض وقوعه الخلف.

ورد الأول بعدم تسليم امتناع بقاء العرض بأن المراد القدرة السابقة المستمرة بتجدد الأمثال كالعلم ، والميل ، والتمني ، ونحو ذلك مما هو قبل الفعل (٢) وفاقا.

والثاني بالنقض بالقدرة القديمة ، والحل بأن الممتنع والمستلزم للخلف هو وجود الفعل بشرط عدمه لا حال عدمه بأن يفرض بدل العدم الوجود.

واحتجت المعتزلة بأنها لو لم تتعلق إلا حال الفعل لزم إيجاد الموجود وامتناع التكليف وقدم آثار القدرة القديمة.

__________________

(١) القدرة الحادثة : عرض من الأعراض تقبل الأشد والأضعف فنقول قدرة أشد من قدرة ، وقدرة أضعف من قدرة. والقدرة لها ضد العجز والأضداد لا تكون إلا أعراضا تقتسم طرفي البعد كالخضرة والبياض ، والعلم والجهل ، والذكر والنسيان وهذا أمر يعرف بالمشاهدة.

(راجع ما كتبه ابن حزم في القدرة الحادثة أو الاستطاعة في كتابه القيم الفصل في الملل والأهواء والنحل بتحقيقنا ج ٣ ص ٢٦ وما بعدها).

(٢) في (أ) زيادة لفظ (الفعل).

٣٥٣

وأجيب عن الأول بما سبق.

وعن الثاني : بأنا لا نشترط في المكلف به أن يكون متعلق القدرة بالفعل ، بل بالإمكان كإيمان الكافر دون خلق الأجسام.

وعن الثالث بمنع تماثل القدرتين).

اختلفوا في أن الاستطاعة أي القدرة الحادثة على الفعل تكون قبله ، أو معه.

فذهبت الأشاعرة وغيرهم من أهل السنة إلى أنها مع الفعل لا قبله ، وأكثر المعتزلة إلى أنها قبل الفعل ثم اختلفوا في أنه هل يجب بقاؤها إلى حالة وجود المقدور ، لنا وجوه (١) :

الأول : أن القدرة عرض ، والعرض لا يبقى زمانين ، فلو كانت قبل الفعل لانعدمت حال الفعل ، فيلزم وجود المقدور بدون المقدرة ، والمعلول بدون العلة ، وهو محال ، ولا يرد النقض بالقدرة القديمة لأنها ليست من قبيل الأعراض ، وأجيب بعد تسليم امتناع بقاء العرض بأن المحال هو وجود المعلول بدون أن يكون له علة أصلا ، واللازم هو وجوده بدون مقارنة العلة بل مع سبقها ، واستحالة ذلك نفس المتنازع ، ولو سلم فيجوز أن تنعدم القدرة ، ويحدث مثلها فيكون لها بقاء بتجدد الأمثال على الاستمرار في حال الفعل كما هو شأن العلم ، والميل والتمني ، ونحو ذلك مما لا نزاع في جواز سبقها على

__________________

(١) يقول ابن حزم مناقشا فرق المعتزلة في قولهم : إن الاستطاعة كلها ليست إلا قبل الفعل. أخبرونا عن الكافر هل يقدر قبل أن يؤمن في حال كفره على الإيمان قدرة تامة أم لا؟ وعن تارك الصلاة هل يقدر قدرة تامة على الصلاة في حال تركه .. الخ فإن قالوا نعم هو قادر على ذلك كابروا العيان وخالفوا المعقول والحس وأجازوا كل طاقة من كون المرء قاعدا قائما معا ، مؤمنا بالله كافرا به معا ، وهذا أعظم ما يكون من المحال الممتنع. وإن قالوا : لا يقدر قدرة تامة يكون بها الفاعل للشيء هو فاعل لخلافة قالوا الحق ورجعوا إلى أنه لا يستطيع أحد استطاعة تامة يقع بها الفعل حتى يفعله.

(راجع الفصل في الملل والأهواء والنحل ج ٣ ص ٣٥).

٣٥٤

متعلقاتها. وفيه نظر لأن وجود المقدور حينئذ إما بالقدرة الزائلة فيعود المحذور ، أو الحاصلة وهو المطلوب.

ثم لا يخفى أن الكلام إلزامي على من يقول بتأثير القدرة الحادثة.

الثاني : أن الفعل حال عدمه ممتنع لاستحالة اجتماع الوجود والعدم ولا شيء من الممتنع (١) بمقدور وفاقا.

الثالث : لو كانت القدرة قبل الفعل لكان الفعل قبل وقوعه ممكنا لكنه محال لأنه يلزم من فرض وقوعه كون القدرة معه لا قبله هذا خلف (٢). والوجهان متقاربان ، وجوابهما بعد النقض بالقدرة القديمة إنه إن أريد بامتناع الفعل حال (٣) العدم وقيل الحدوث امتناعه مع وصف كونه معدومة وغير واقع فممنوع (٤) لكنه لا ينافي المقدورية فإمكان الحصول من القادر وإن أريد امتناعه في زمان عدمه وكونه غير واقع فممنوع بل هو ممكن بأن يحصل بدل عدمه الوجود كما هو شأن سائر الممكنات وهذا كقيام زيد فإنه ممتنع مع القعود وبشرطه لكنه ممكن حال القعود ، وفي زمانه بأن يزول القعود (٥) ويحصل القيام.

واحتجت المعتزلة بوجوه :

الأول : أن القدرة لو لم تتعلق بالفعل إلا حال وجوده وحدوثه لزم محالات :

الأول : إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل لأن هذا معنى تعلق القدرة.

الثاني : بطلان التكليف لأن التكليف بالفعل إنما يكون قبل حصوله ضرورة أنه لا معنى لطلب حصول الحاصل فإذا كان الفعل قبل الوقوع غير مقدور كان جميع التكاليف الواقع تكليف ما لا يطاق ، وهو باطل بالاتفاق لأن القائل بجوازه لم يقل بوقوعه فضلا عن عمومه.

__________________

(١) سقط من (أ) جملة (ولا شيء من الممتنع).

(٢) سقط من (أ) جملة (هذا خلف).

(٣) في (ب) على بدلا من (حال).

(٤) في (ب) فمسلم بدلا من (فممنوع).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (القعود).

٣٥٥

الثالث : كون جميع الممكنات الواقعة بقدرة الله تعالى قديمة لأن المقارن (١) للأزلي أزلي بالضرورة.

فإن قيل : المعتزلة لا يقولون بالقدرة القديمة.

قلنا : لا ، بل إنما ينازعون في كونها صفة زائدة على الذات ، ولو سلم فيكون إلزاميا.

والجواب عن الأول بعد تسليم أن معنى (٢) تعلق القدرة الحادثة بالفعل إيجاده هو أن المستحيل إيجاد الموجود بوجود حاصل بغير هذا الإيجاد ، وأما بهذا الإيجاد فلا. وعن الثاني أن من يقول بكون القدرة مع الفعل لا يشترط في المكلف به أن يكون مقدورا بالفعل حال التكليف ، بل أن يكون جائز الصدور عن المكلف مقدورا له في الجملة كإيمان الكافر ، بخلاف خلق الأجسام ونحوه مما لا يصح تعلق قدرة العبد به أصلا ، وقريب من هذا ما يقال إن معنى كون المكلف به (٣) مشروطا بالقدرة أن يكون هو أو ضده متعلق القدرة ، وهاهنا قد (٤) تعلقت القدرة بترك الإيمان.

وعن الثالث بمنع الملازمة ، وإنما يتم لو كانت القدرة القديمة والحادثة متماثلتين ليلزم من كون الثانية مع الفعل لا قبله ، كون الأولى كذلك.

وقد يجاب بأن الكلام إنما هو في تعلق القدرة ، والأزلي إنما هو نفس

__________________

(١) المقارنة : عملية ذهنية تقوم على ربط موضوع بآخر برابط واحد لاستخلاص أوجه الشبه والاختلاف بينهما ، وقد يشمل هذا الربط موضوعين أو أكثر.

والقضية المقارنة في المنطق : هي القضية التي تدل على أن موضوعا من الموضوعات يتميز بحمل إحدى الصفات عليه بدرجة أكبر أو أصغر من درجة حملها على غيره.

والقضية المقارنة : قضية مركبة من قضيتين مثال ذلك قولنا : إن الألم شر ، وثانيتهما قولنا : إن هذا الشر أعظم الشرور ، والبرهان على القضية المقارنة يحتاج إلى البرهان على جزأيها.

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (معنى).

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (به).

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (قد).

٣٥٦

القدرة ، وكونها قديمة سابقة لا ينافي كون تعلقها مقارنا حادثا ، فلا يلزم من كون تعلق القدرة القديمة مع الفعل قدم الحادث ، أو حدوث القديم ، ولو حمل ما قال الآمدي : إن القدرة القديمة وإن كانت متقدمة على جميع المقدورات فهي إنما تتعلق بالأفعال الممكنة ، والفعل في الأزل غير ممكن ، فلا تتعلق به في الأزل ، بل فيما لا يزال ، على هذا المعنى لم يرد عليه (١) اعتراض المواقف بأن فيه التزام ما التزمه المعلل مع بيان سبب له في القدرة القديمة ، فليجز في الحادثة أيضا سبب آخر وبأن الفعل في الأزل وإن امتنع لكنه أمكن فيما لا يزال في زمان سابق على الزمان الذي وجد فيه فيجوز تعلق القدرة به ، فلو لزمت المقارنة لزم كون الفعل في الزمان السابق دون اللاحق ، نعم : يرد أن الكلام في تعلق القدرة بالمعنى الذي يصح قولنا : فلان قادر على كذا متمكن من فعله وتركه ، وهو لا يتأخر عن نفس القدرة لا بالمعنى الذي إذا نسب إلى المقدور كان صدوره عن القادر ، وإذا نسب إلى القدرة كان إيجابها للمقدور ، وإذا نسب إلى القادر كان خلقه وإيجاده له ، فإن هذا مقارن بلا نزاع حادث في حق القديم أيضا.

(قال : ويتفرع على كون القدرة مع الفعل أن الممنوع عن الفعل لا يكون قادرا عليه كالزمن ، وإن القدرة الواحدة لا تتعلق بمقدورين وإن لم يكونا ضدين.

وقالت المعتزلة : الفرق بين المقيد والزمن ضروري كيف ، وليس فيه تبدل ذات أو صفة ولا طريان ضد للقدرة.

واتفقوا على أنها تتعلق بالمتماثلات لكن على تعدد الأوقات.

وجوز بعضهم تعلقها بالضدين على البدل ، وتردد أبو هاشم فجوز تارة أن تعلق (٢) كل من القلبية (٣) والعضوية بمتعلقاتها دون متعلقات الأخرى ، وتارة

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (عليه).

(٢) في (أ) بزيادة حرف (أن).

(٣) في (ب) العينية بدلا من (القلبية).

٣٥٧

لمتعلقاتها من غير تأثير في متعلقات الأخرى ، وتارة خص الحكمين بالقلبية والحق أنه إن أريد بالقدرة القوة (١) التي هي (٢) مبدأ الأفعال بطريق الإيجاد ، وتسمى القدرة المؤثرة ، أو بطريق جري العلة (٣) ، وتسمى الكاسبية فهي قبل الفعل ومعه ، وبعده وتتعلق بالمقدورين ، ونسبتها إلى الضدين على السواء ، وإن أريد القوة المستجمعة لجميع شرائط التأثير على أحد الوجهين فهي مع الفعل ، ولا تتعلق بمقدورين لاختلاف الشرائط بالنسبة إلى المقدورات).

أي الذي منع من فعل من (٤) يصح صدوره عنه في الجملة لا يكون قادرا عليه حال المنع كالزمن الذي هو عاجز عن الفعل وأن القدرة الواحدة لا تتعلق بمقدورين سواء كانا ضدين أو مثلين ، أو مختلفين ، فإن ما نجده في نفوسنا عند صدور أحد المقدورين غير ما نجده عند صدور الآخر.

واعترض بأنه إن أريد المغايرة والاختلاف بحسب التعلق على ما قال الإمام : إن مفهوم التمكن من هذا غير مفهوم التمكن من ذاك فغير قادح ، وإن أريد تغاير الحالتين بالذات ، والمفهوم ، أو كون القدرة اسما بمجموع التمكن المشترك مع ما به الاختلاف كان لفظ القدرة مقولا بالاشتراك ، ولم يقل به أحد.

ذهبت المعتزلة إلى أن الممنوع قادر ، والمنع لا ينافي القدرة ، وإنما ينافي المقدور سواء كان المنع بل ما به المنع عدميا كانتفاء شرط وقوع المقدور ، أو وجوديا ضدا له كالسكون للحركة ، أو مولدا للضد كالثقل (٥) المولد للحركة السفلية المضادة للحركة العلوية.

واستدلوا بأنا نفرق بالضرورة بين المقيد الممنوع من المشي (٦) والزمن (٧)

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (القدرة).

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (هي).

(٣) في (ب) العادة بدلا من (العلة).

(٤) في (ب) بزيادة حرف (من).

(٥) في (ب) كالنقل وهو تحريف.

(٦) في (ب) الشيء بدلا من (المشي).

(٧) زمن : الرجل يزمن من أصابته الزمانة فهو زمن ، وأزمن الشيء مضى عليه زمان ، والزمانة : العاهة. ويقال : هو زمن الرغبة ضعيفها فاترها.

٣٥٨

العاجز عنه ، وما ذاك إلا بوجود القدرة في المقيد دون العاجز ، وبأن المقيد لم يلحقه تغير في ذاته ولا صفاته ، ولم يطرأ عليه ضد من أضداد القدرة وقد كان قادرا حال المشي ، فكذا مع القيد لأن القدرة من صفات النفس.

وأجيب عن الأول بأن الفرق عندنا عائد إلى جري العادة بخلق القدرة في المقيد بارتفاع القيد بخلاف الزمن العاجز فإنه وإن كان ارتفاع العجز ممكنا ممكنا لكن لم تجر العادة بذلك.

وعن الثاني : يمنع عدم التغير في الصفة.

واتفقت المعتزلة على أن القدرة الواحدة تتعلق بالمتماثلات لكن على مرور الأوقات إذ يمتنع وقوع مثلين في محل واحد بقدرة واحدة في وقت واحد.

واختلفوا في تعلقها بالضدين ، فجوز أكثرهم تعليقهما بهما على سبيل البدل (١) ، إذ لو لم يمكن القادر على الشيء قادرا على ضده لكان مضطرا إلى ذلك المقدور حيث لم يتمكن من تركه هذا خلف.

وتردد أبو هاشم فزعم تارة أن كلا من القدرة القائمة بالقلب ، والقدرة القائمة بالجوارح تتعلق بجميع أفعال محلها دون محل الأخرى ، بمعنى أن القائمة بالقلب تتعلق بالإرادات والاعتقادات مثلا دون الحركات والاعتمادات والقائمة بالجوارح على العكس.

وتارة أن كلا منهما يتعلق بالجميع إلا أنها لا تؤثر إلا في أفعال محله مثلا

__________________

(١) البدل : لغة العوض ، وبدل الشيء غيره ، والخلف منه ، قال سيبويه : إن بدلك زيد أي بديلك زيد ، والأصل في التبديل تغيير الشيء عن حاله. والأصل في الإبدال جعل الشيء مكان شيء آخر.

والبدل في اصطلاح الفلاسفة : الشيء الذي تجعله مكان غيره ، أو تأخذه عوضا عنه ، وقد استعمل الفيلسوف (تين) لفظ الإبدال في كتاب العقل. باعتبار أن البدل : إشارة أو علامة تساعدك على إجراء أعمال ذهنية مختلفة من دون أن تحتاج إلى التفكير في الشيء المدلول عليه والحروف التي نستعملها في علم الجبر أبدال تقوم مقام الكميات ، والألفاظ أبدال تنوب عن الصور الذهنية.

٣٥٩

القائمة بالقلب تتعلق بأفعال القلوب والجوارح لكن يمتنع اتحاد (١) أفعال الجوارح بها لفقد الشرائط ، والقائمة بالجوارح بالعكس.

وتارة أن القائمة بالقلب (٢) تتعلق بجميع أفعال القلب ، والقائمة بالجوارح لا تتعلق بجميع أفعال الجوارح.

وتارة أن القائمة بالقلب تتعلق بأفعال القلوب والجوارح جميعا وإن لم تؤثر في أفعال الجوارح ، والقائمة بالجوارح لا تتعلق بأفعال القلب ، وإلى القولين الأخيرين أشار في المتن بقوله وتارة خص الحكمين بالقلبية ، وأراد بالحكمين التعلق بجميع أفعال محله ، خاصة والتعلق بجميع أفعال محله ، ومحل الأخرى وأورد الإمام الرازي كلاما حاصله : إنه (٣) إن أريد بالقدرة القوة التي هي مبدأ الأفعال المختلفة سواء كملت جهات تأثيرها أو لم تكمل ، فلا شك في كونها (٤) قبل الفعل ومعه وبعده. وفي جواز تعلقها بالضدين. (وإن أريد القوة التي كملت جهات تأثيرها فلا خفاء في كونها مع الفعل بالزمان لا قبله وفي امتناع تعلقها بالضدين (٥)). بال بالمقدورين مطلقا ضرورة أن الشرائط المخصصة لهذا غير الشرائط المخصصة لذاك إلا أن الشيخ لما لم يقل بتأثير القدرة الحادثة. (بمعنى الإيجاد فسرنا التأثير والمبدئية بما يعم الكسب الذي هو شأن القوة الحادثة (٦)). وذلك بحصول جميع الشرائط التي جرت العادة بحصول الفعل عندها فصار الحاصل أن القوة مع جميع جهات حصول الفعل بها لزوما أو معها عادة مقارنة وبدون ذلك سابقة.

__________________

(١) في (ب) إيجاد بدلا من (اتحاد).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (القلب).

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (إنه).

(٤) سقط من (أ) لفظ (في).

(٥) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٦) ما بين القوسين سقط من (ب).

٣٦٠