شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

المحسوسة ، وقد تكون عقلية ، بأن يكون ذلك بحكم العقل لكونه في الأمور المعقولة ، وكل منهما قد يكون بحسب الطبع ، وقد يكون بحسب الوضع ، وذلك كتقدم الرأس على الرقبة، وتقدم الإمام على المأموم ، وتقدم الجنس على النوع ، وتقدم بعض مسائل العدم على البعض ، ومعلوم أن تقدم عدم الحادث على وجوده ليس إلا بالزمان ، والمتكلمون منعوا الحصر ، وتمام الاستقرار. ونقضوه بتقدم بعض أجزاء الزمان على البعض ، كتقدم الأمس على اليوم ، فإنه كما ليس بالعلية والطبع والرتبة والشرف ليس بالزمان ، لأن كلا من الأمس واليوم زمان ، لا أمر يقع في الزمان ، وما يقال في بيان الحصر من أن المتقدم والمتأخر ، إن لم يجتمعا في الوجود فهو بالزمان ، وإن اجتمعا فإن كان بينهما ترتيب بحسب الاعتبار فهو بالرتبة ، وإلا فإن لم يحتج المتأخر إلى المتقدم فبالشرف ، وإن احتاج فإن كان المتقدم أثرا (١) في المتأخر فبالعلية ، وإلا فبالطبع. أو أن المتقدم إن توقف وجود المتأخر عليه ، فبالعلية أو بالطبع كما ذكرنا ، وإن لم يتوقف فالمتقدم إن كان بالنظر إلى كمال للمتقدم فبالشرف ، وإلا فإن كان بالنظر إلى مبدأ محدود فبالرتبة ، وإلا فبالزمان. أو أن التقدم إما حقيقي يكون بحسب الأمر نفسه ، فلا يتبدل باعتبار المعتبر ، وإما اعتباري يقابله ، والأول إن كان بالنظر إلى الذات فبالطبع ، وإن كان بالنظر إلى الوجود ، فإن كان وجود المتأخر مشروطا بانقضاء وجود المتقدم فبالزمان ، وإلا فبالعلية.

والثاني : يفتقر لا محالة إلى مبدأ به الاعتبار ، فإن كان كمالا في المتقدم فبالشرف ، وإلا فبالرتبة ، فلا خفاء في أنه ليس إلا وجه ضبط مع أن التقدم بالطبع قد يكون بالنظر إلى الوجود كما في الشرط ، وأن التقدم بالزمان قد يكون للعدم دون الوجود ، وبعد تمام الوجود ، فالزماني بالمعنى الذي ذكر فيها شامل للتقدم الذي (٢) بين أجزاء الزمان ، والذي بين الأب والابن بواسطة

__________________

(١) في (ب) مؤثرا بدلا من (أثرا).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (الذي).

٢١

الزمان ، فيكون من التقدم بغير العلية ، والطبع والرتبة والشرف تقدم لا يفتقر إلى زمان يقع فيه المتقدم والمتأخر ، فيجوز أن يكون تقدم عدم الحادث على وجوده من هذا القبيل. فلا يثبت كون كل حادث مسبوقا بالزمان ، ولا يضرنا في استغنائه عن الزمان تسمية مثل هذا التقدم زمانيا على ما قال (١) بعضهم : أن التقدم الزماني على وجهين :

أحدهما : أن يكون المتقدم حاصلا في زمان قبل زمان المتأخر كما بين الأب والابن.

وثانيهما : أن يكون تحقق المتقدم قبل تحقق المتأخر من غير أن يكون في زمان كما بين الأمس واليوم.

وقال بعضهم : إن التقدم الزماني بالحقيقة هو الذي بين أجزاء الزمان ، وإنما يعرض الغير بواسطته ، إذ لا معنى لتقدم الأب على الابن ، إلا تقدم زمانه على زمانه (٢) ، حتى لو أريد بالتقدم الحقيقي ، ما يستغني عن الواسطة لم يتناول هذا القسم ، وحصر بعضهم التقدم في الذي بالعلية ، والذي بالطبع ذاهبا إلى أن التقدم بالرتبة ، والتقدم بالشرف ، راجعان إلى الزمان لأن معنى تقدم مكان على آخر (٣) ، أن زمام الوصول (إليه قبل زمان الوصول (٤)) إلى الآخر ، ومعنى تقدم الجنس على النوع أن زمان الأخذ ، والشروع في ملاحظته قبل زمان الأخذ في النوع ، ومعنى تقدم المعلم على المتعلم أن فيه صفة توجب تقدمه في المجلس أو في الشروع في الأمور ، فيعود إلى الزمان بوسط أو بلا وسط ، وأن التقدم الزماني راجع إلى التقدم بالطبع ، لأن السابق من الأجزاء المفروضة (٥) للزمان معد لوجود اللاحق ، وشرط له كالحركة ، فالتقدم

__________________

(١) في (ب) على ما ثبت عندهم بدلا من (ما قال بعضهم).

(٢) في (ب) على هذا الزمان بدلا من (على زمانه).

(٣) في (ب) مكان بدلا من (آخر).

(٤) ما بين القوسين سقط من (أ).

(٥) في (ب) المعروضة بدلا من (المفروضة).

٢٢

الحقيقي هو الذي بالعلية أو بالطبع ، والمعنى المشترك بينهما كون المتأخر محتاجا في تحققه إلى المتقدم من غير احتياج للمتقدم إليه ، إلا أن المتقدم في الذي بالعلية هو المفيد لوجود المتأخر ، ولا كذلك في الذي بالطبع ، والمعتبر هل (١) هو العلة التامة أم الفاعلية؟ فيه تردد ، فعلى الأول : يكون المتقدم والمتأخر بالعلية متلازمين وجودا وعدما.

وعلى الثاني : قد توجد ذات المتقدم بدون ذات المتأخر بأن ينتفي (٢) بعض شروط التأثر ، والمتقدم بالطبع لا يستلزم المتأخر وجودا (٣) بل عدما ، والمتأخر يستلزمه وجودا لا عدما (٤) ، وأما بالنظر إلى وصفي التقدم والتأخر فبين كل متقدم ومتأخر تلازم وجودا وعدما ، لكونهما متضايفين ، لكن إذا اعتبرا من قسم واحد ، فإن تضايف المتقدم بالطبع مثلا ، إنما هو مع المتأخر بالطبع لا بالعلية أو الزمان أو الرتبة أو الشرف ، وعلى هذا قياس سائر الأقسام ، والمعنى المشترك بين التقدم بالعلية ، والتقدم بالطبع ، قد يقال له التقدم بالذات ، وقد يقال له التقدم بالطبع ، ويخص ما بالعلية باسم الذاتي ، وقد يسمى التقدم (٥) بالطبع تقدما بالذات. بمعنى أن المتقدم مقوم محتاج إليه باعتبار الذات. والحقيقة دون مجرد الموجود كما في العلية ، فإن ذات الاثنين لا تتم ولا تعقل بدون الواحد. ولا خفاء في أن هذا إنما هو في الجزء دون الشرط ، فالحكم ليس بكلي على ما يشعر به ظاهر عبارة المواقف.

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (هل).

(٢) في (ب) بين بدلا من (ينتفي).

(٣) في (ب) لا بدلا من (بل).

(٤) سقط من (ب) جملة (والمتأخر يستلزمه وجودا لا عدما).

(٥) في (أ) القدم بدلا من (التقدم).

٢٣

معقولية السبق بالاشتراك أو التشكيك

(قال : ومن هاهنا ترددوا (١) في أن مقولية السبق ، ومقابلته بالاشتراك أو بالتشكيك(٢)).

قد اختلفت العبارات في أن مقولية التقدم والتأخر والمعية على الأقسام الخمسة أو الستة بحسب الاشتراك اللفظي ، بأن يكون موضوعا لكل على حدة ، أو بحسب التشكيك ، بأن يكون موضوعا بمعنى (٣) مشترك بين الكل ، لا (٤) على السواء لكونه في التقدم بالعلية أقدم ، وفي التقدم بالطبع أولى ، حيث يكون بالنظر إلى الذات ، وفي التقدم بالرتبة الحسية أشد منه في العقلية ، وكان هذا مبنى على أن الكل عائد إلى التقدم بالعلة ، وبالطبع ، وبالزمان أو إلى الأولين فقط ، واللفظ موضوع بإزاء معنى مشترك ، هو كون الشيء محتاجا إليه ، وإلا فليس للفظ مفهوم مشترك بين الكل ، لا يقال الكل مشترك في معنى واحد ، وهو أن للمتقدم (٥) أمرا زائدا لا يوجد للمتأخر كالتأثير في الذي بالعلية ، وكونه مقوما أو شرطا في الذي بالطبع ، وكونه مضى له زمان أكثر في الذي بالزمان ، وزيادة الكمال في الذي بالشرف ، وقرب الوصول إليه من مبدأ معين في الذي بالرتبة (٦) ، لأن نقول ليس هذا هو (٧). مفهوم لفظ التقدم ، وإلا لصدق على كل شيء ينسب إلى آخر ، ضرورة أنه يشتمل على أمر لا يوجد في الآخر ، وإن أريد اشتماله على أمر زائد هو أحد الأمور المذكورة ، فمثله يتأتى في كل مشترك لفظي ، بأن يقال لفظ العين مثلا موضوع بإزاء معنى مشترك بين الكل هو مفهوم أحد المعاني.

__________________

(١) أي أهل الفن وهم علماء الكلام.

(٢) فمنهم من رأى إطلاق السبق عليها طريق الاشتراك لكونه وضح لكل على حدة وذلك أن هذه المعاني لا يوجد معنى يكون مشتركا بينها بخصوصها يصلح لوضع اللفظة له بخصوصه وهو غير متساو فيها.

(٣) في (ب) لمعنى.

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (لا).

(٥) في (ب) للتقدم.

(٦) في (ب) بالعلية.

(٧) في (أ) سقط لفظ (هو).

٢٤

المنهج الرابع

في الوحدة والكثرة

وفيه مباحث :

الأول : الوحدة والكثرة من الاعتبارات العقلية

الثاني : معروض الوحدة والكثرة يختلف وما يتعلق به

الثالث : الاثنينية لا تتحد في معروضها

الرابع : التغاير الذي هو من خواص الكثرة

٢٥
٢٦

المبحث الأول

الوحدة والكثرة من الاعتبارات العقلية

(قال : المنهج الرابع في الوحدة والكثرة ، وفيه مباحث (١)) :

(المبحث الأول أنهما من الاعتبارات العقلية (٢) الغنية عن التعريف ، إلا أن الوحدة أعرف عند العقل ، والكثرة عند الخيال ولذا يقع كل في تفسير الآخر).

والحق أنهما من الاعتبارات العقلية ، التي لا وجود لها في الأعيان. بمثل (٣) ما سبق في الوجوب والإمكان ، وإن تصورهما بديهي لحصوله لمن لم يمارس طريق الاكتساب ، فلا يعرفان إلا لفظا كما يقال الوحدة عدم الانقسام ، والكثرة هي (٤) الانقسام ، وقد يقال الوحدة عدم الانقسام إلى أمور متشابهة ، والكثرة (٥) هو الانقسام إليها ، ولا خفاء في انتقاضهما طردا وعكسا بالمجتمع من الأمور المتخالفة ، وأما ما يقال أن الوحدة عدم الكثرة. والكثرة هي المجتمع من الوحدات. فمبناه على أن الوحدة أعرف عند العقل ، والكثرة عند

__________________

(١) أربعة : الأول في كونهما اعتباريتين وما يتعلق به ، والثاني : في أن معروضهما قد يختلف وما يتعلق به. الثالث: في الاثنينية التي هي من تتابع الكثرة لا تتحد في معروضها وما يتعلق به.

الرابع : في التغاير الذي هو من خواص الكثرة وما يتعلق به.

(٢) التي لا ومود لها خارجا لما تقدم في مبحث الوجوب.

(٣) في (ب) لمثل.

(٤) في (ب) هو.

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (هو).

٢٧

الخيال لما أن الوحدة مبدأ الكثرة ، والعقل إنما يعرف المبدأ قبل ذي المبدأ والكثرة ترتسم صورها في الخيال ، فينتزع العقل منها أمرا واحدا ، فيكون تفسير الوحدة بالكثرة عند الخيال، وتفسير الكثرة بالوحدة عند العقل تفسيرا بالأعراف لا بالمارى في المعرفة والجهالة.

الوحدة غير مرادفة للوجود ولا الماهية

(قال : والقطع بجواز الانفكاك في التعقل ، وبأن الجمع والتفريق ليس بإعدام يدل على مغايرتهما للماهية والوجود (١) وإن كانت الوحدة تساوقه (٢)).

لما كانت الوحدة مساوقة للوجود بمعنى أن كل ما له وحدة فله وجود ما (٣) ، وكل ما له وجود فله وحدة بوجه ما ، توهم بعضهم أن الوحدة هي الوجود وهو باطل ، لأن الكثير من حيث هو كثير ، موجود وليس بواحد ، فحاول التنبيه على أن كلا من الوحدة والكثرة مغاير لكل من الوجود والماهية وذلك بوجهين.

أحدهما : لنا (٤) أن نتعقل ماهية الشيء ووجوده من غير أن نتعقل وحدته أو كثرته ، بل مع التردد فيه كما نقطع بوجود الصانع ، ثم نثبت بالبرهان وحدته ، ونقطع بوجود الفلك وماهيته ، ثم نثبت كثرته.

وثانيهما : أنا إذا جمعنا مياه أوان كثيرة في إناء واحد ، حتى صار ماء واحدا ، أو فرقنا ماء إناء واحد في أوان كثيرة ، حتى صارت مياها كثيرة ، فقد زالت الوحدة والكثرة ، مع أن الوجود والماهية بحالهما (٥) من غير زوال وتبدل

__________________

(١) يعني أن الوحدة غير مرادفة للوجود ولا للماهية لأنا نقطع بأن تعقل الموجود والماهية يجوز أن ينفك من تعقل الوحدة ، بل نقطع بوقوع ذلك الانفكاك لأنا نفهم ونتعقل مفهوما وندرك وجود مصدوقه.

(٢) إلى أن الوحدة تلازم الوجود وتساوقه.

(٣) سقط من (ب) لفظ (ما).

(٤) في (ب) أنا بإسقاط (لنا أن).

(٥) في (ب) مجالهما بدلا من (بحالهما).

٢٨

قطعا ، فلو كانت الوحدة أو الكثرة نفس الوجود أو الماهية لما كان كذلك.

الدليل على وجودية الوحدة والكثرة

(قال : وقد يستدل على وجوديتهما (١) ، بأن الوحدة لو كانت عدمية (٢) لكانت عدم الكثرة (٣) ، وهي إما عدمية فتكون الوحدة وجودية لكونها عدم العدم (٤) هذا خلف(٥). إما وجودية فيلزم كون الجميع من العدمات وجودية وهو محال. وكون الوحدة وجودية لكونها جزأها هذا خلف. إذ ليست الكثرة إلا التألف من الوحدات (٦) ، يلزم كونها أيضا وجودية ، وعلى عدميتهما بأنه لا يعقل من الوحدة إلا عدم الانقسام (٧) ، ومن الكثرة إلا التألف من الوحدات وكلاهما ضعيف).

المبحث الثاني :

نقل خلاف بين الفلاسفة والمتكلمين في أن الوحدة والكثرة وجوديتان أو عدميتان ، وتمسكات من الطرفين يشعر بعضها ، بأن المراد بالوجودي الموجود ، وبالعدمي المعدوم ، وبعضها بأن المراد بالعدمي ما يدخل في مفهومه العدم ، وبالوجودي ما لا يدخل فمن تمسكات الفلاسفة ، أن الوحدة جزء هذا الواحد الموجود ، وأنها نقيض اللاوحدة العدمية لصدقها على الممتنع ، وأنها لو لم تكن موجودة لما كان شيء ما واحدا لعدم الفرق بين قولنا وحدته لا وقولنا لا وحدة له ، والكل ظاهر الفساد ، ومنها ما أورده الإمام

__________________

(١) أي على كون الوحدة والكثرة وجوديتين.

(٢) يعني أن يكون مفهومها العدم.

(٣) ضرورة أن ما هو عدم لا يكون إلا عدما.

(٤) إذ لو فرض أن الوحدة عدم الكثرة والكثرة عدم على هذا التقدير فتكون الوحدة عدم العدم ، وعدم العدم وجود.

(٥) أي كون الوحدة وجودية باطل في هذا الفرض.

(٦) التي هي وجودية.

(٧) ومعلوم أن سلب الانقسام عدمي.

٢٩

من أن الوحدة لو كانت عدمية لكانت عدم الكثرة لأنها المقابل لها ، والكثرة إما أن يكون أمرا عدميا ، ويلزم منه كون الوحدة وجودية لكونها عبارة عن عدم العدم ، هذا خلف. وأما أن تكون (١) أمرا وجوديا وهي عبارة عن مجموع الوحدات ، فيلزم كون مجموع العدمات أمرا وجوديا وهو محال أو نقول : والوحدة جزء منه فيكون وجودية هذا خلف.

ولما بطل كون الوحدة عدمية ثبت كونها وجودية ، ولزم منه كون الكثرة وجودية لكونها عبارة عن مجموع الوحدات. ورد بأن سلب العدمي ، قد يكون عدميا كالامتناع ، واللاامتناع ، ومن تمسكات المتكلمين أن الوحدة لو كانت موجودة لكانت (٢) واحدة ، لكون الموجود مساوقا للوحدة ، ولكانت الوحدة مشاركة في الوحدة ، ومتمايزة بالخصوصيات لتكون للوحدة وحدة ويتسلسل.

والجواب : بأنه ينقطع بانقطاع الاعتبار ، أو بأن وحدة الوحدة عينها اعتراف بأنها من الاعتبارات العقلية التي لا تحقق لها في الأعيان لما مر في الوجوب والإمكان (٣). ومنها أنه لا يعقل من الوحدة إلا عدم الانقسام ، ومن الكثرة إلا التألف من الوحدات. ورد بأن هذا عين الدعوى.

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (تكون).

(٢) في (ب) وحدة بدلا من (واحدة).

(٣) في (أ) وإلا لكان وهو تحريف.

٣٠

المبحث الثاني

في معرض الوحدة والكثرة

(قال : معروض (١) الوحدة قد لا يكون معروض الكثرة (٢) ، وحينئذ إن لم يكن له مفهوم سوى عدم الانقسام فوحدة على الإطلاق (٣) ، وإن كان فإن لم يقبل الانقسام ، فإما ذو وضع (٤) فنقطة ، أو لا فمفارق ، وإن قبله فإما بالذات (٥) فكم أو بالعرض (٦) إلى أجزاء متشابهة (٧) ، أو متحالفة [فواحدة باتصال أجزائه] (٨) ، فواحد بالاجتماع طبيعة أو صناعة أو وضعا كالشجر. والبيت ، والدرهم. وقد يكون معروض الكثرة ولا بد من اختلاف الجهة ، فإن قومت جهة الوحدة ، جهة الكثرة فوحدة جنسية ، أو نوعية ، أو فصلية ، وإلا فإن عرضت لها ، فوحدة بالعرض ، وإلا فبالنسبة.

والوحدة في الجنس تسمى مجانسة ، وفي النوع مماثلة ، وفي الكم مساواة ، وفي الكيف مشابهة ، وفي النسبة مناسبة ، وفي الخاصة مشاكلة ، وفي الأطراف مطابقة ، وفي وضع الأجزاء موازاة).

__________________

(١) معروض الوحدة : موصوفها.

(٢) وذلك بأن يكون جزئيا لا كليا يصح صدقه على الكثرة.

(٣) أي وحدة حقيقية لا تتوقف وحدتها على قيد.

(٤) أي مكان يشار إليه.

(٥) كالمقدار من طول وعرض وعمق فإن قبوله هذا الأبعاد للانقسام لذواتها وقبل الأجسام لها بعروضها له عند الفلاسفة.

(٦) كالجسم فإن قبوله للانقسام عند الفلاسفة بعروض المقدار له.

(٧) في الحقيقة والصورة.

(٨) ما بين القوسين سقط من (أ) و (ب).

٣١

قد سبق أن الوحدة قد تعرض لنفس الوحدة كما يقال : وحدة واحدة ، ووحدات كثيرة ، ولغيرها فهذا بيان لأقسامها ، باعتبار المعروض تنبيها على بعض الاصطلاحات وعلى اختلاف معناها بحسب الأفراد فموضوع الوحدة إما أن يكون معروضا للكثرة ، بأن يصدق على كثيرين أو لا فإن لم يكن ، فإما أن يكون له مفهوم سوى عدم (١) الانقسام أو لا فإن لم يمكن له مفهوم سوى عدم الانقسام. كما في قولنا وحدة واحدة ، فهو الوحدة على الإطلاق وإن كان له مفهوم سوى ذلك ، فإما أن يكون ذلك (٢) المفهوم قابلا ، أو لا فإن لم يكن ، فإما أن يكون بحيث يمكن أن يشار إليه إشارة حسية أو لا فالأول النقطة ، والثاني المفارق ، وإن كان قابلا للقسمة ، فقبوله القسمة للانقسام (٣) ، إما بالذات وهو الكم أو بالعرض وهو الجسم ، فإن كان بسيطا متشابه الأقسام فهو الواحد بالاتصال ، وإن كان مركبا مختلف الأقسام ، فهو الواحد بالاجتماع. والكم أيضا من قبيل الواحد بالاتصال، وقد يقال الواحد بالاتصال بمقدارين يلتقيان عند حد مشترك (٤) كضلعي (٥) الزاوية ، ولجسمين يتلازم طرفاهما بحيث يتحرك أحدهما بحركة الاخر ، سواء كان الالتئام (٦) طبيعيا كاللحم مع العظم أو لا كأجزاء السلسلة. قال الإمام : الأجسام المتشابهة إن اعتبر حالها قبل حصول الانقسام فهو الواحد بالاتصال ، لأن صورته وهيولاه واحدة ، وإن (٧) أمكن أن يعرض فيه أجزاء تتلاقى عند حد مشترك ، وإن اعتبر حالها عند حصول القسمة ، فإنه لا بد أن تكون تلك الأجزاء من شأنها أن تتحد موضوعاتها بالفعل ، لا كأشخاص الناس ، فإنه ليس من شأنها الاتحاد فهذا القسم مع أنه واحد بالنوع ، واحد بالموضوع ، يعني أن المياه المتكثرة

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (عدم).

(٢) سقط من (ب) لفظ (ذلك).

(٣) في (أ) بزيادة (للانقسام).

(٤) في (أ) بزيادة (مشترك).

(٥) في (أ) كضاهي وهو تحريف.

(٦) في (ب) الالتحام بدلا من (الالتئام).

(٧) سقط من (ب) حرف (إن).

٣٢

بالشخص واحدة بالنوع ، لكونها متماثلة ، متفقة الحقيقة. وبالموضوع أيضا ، أعني المادة التي هي محل للصور والأعراض لأنها وإن تعددت موادها بالشخص ، لكن تعود عند الاجتماع في إناء واحد (١) مادة واحدة ، وذلك عند من يقول بالمادة وإلا فالجواهر الفردة لا تصير واحدة قط (٢) ثم الواحد بالاجتماع قد تكون وحدته بحسب الطبيعة كالشجر الواحد وقد تكون بحسب الصناعة كالبيت الواحد وقد تكون بحسب الوضع ، والاصطلاح كالدرهم الواحد ، فإنه عبارة عن مقدار مخصوص من الموزونات مجتمع من ستة أسداس يسمونها درهما واحدا ، سواء كانت متصلة أو منفصلة ، والخمسة منها لا تسمى ، بذلك (٣) واحدا ، وإن كانت متصلة ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون من الأجسام المتشابهة الأجزاء أو غيرها ، إلا أن ما ذكرنا من الأقسام الثلاثة إنما يجري في المركبات ، فلذا خص بالواحد بالاجتماع ، وفي عبارة الإمام ، هي أقسام للواحد التام ، وهو الذي يشتمل على جميع ما يمكن له كخط الدائرة بخلاف الخط المستقيم ، فإن الزيادة عليه ممكن أبدا ، والمراد جميع ما يمكن له (٤) من الكثرة والأجزاء لها (٥) من الأوصاف والكمالات على ما قد يتوهم ، وما لا يكون تاما في عبارة بعض المتأخرين من الفلاسفة ، مسمى بالناقص ، وفي الطوالع (٦) بغير التام. وفي كتب الإمام بالكثير هذا إذا لم يكن معروض الوحدة ، معروضا للكثرة ، وإن كان فلا بد فيه من جهة واحدة (٧) وجهة كثرة [إذا الشيء لا يكون لجهة واحدة واحدا وكثيرا] (٨) لامتناع أن يكون الشيء الواحد باعتبار واحد ، واحدا وكثيرا ، فجهة

__________________

(١) في (أ) واحدة بدلا من (واحد).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (قط).

(٣) سقط من (أ) لفظ (بذلك).

(٤) في (أ) بزيادة حرف الجر (من).

(٥) في (أ) لا بدل من (لها).

(٦) هذا الكتاب يسمى (طوالع الأنوار) في مختصر الكلام للقاضي عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى سنة ٦٨٥ ه‍. صنف عليه أبو الثناء شمس الدين محمود الأصفهاني شرحا نافعا. توفي سنة ٧٤٩ ه‍ وهو مشهور متداول بين الطالبين.

(راجع كشف الظنون ج ٢ ص ١١١٦).

(٧) في (أ) وحدة بدلا من واحدة.

(٨) ما بين القوسين سقط من (أ).

٣٣

الوحدة ، إما أن تكون مقوما للكثيرين بمعنى كونه ذاتيا غير عرضي ، وإما أن يكون عارضا ، وإما أن لا يكون هذا ولا ذاك.

[بأن يكون خارجا غير محمول] (١).

فالأول إما أن يكون نفس ماهيتها ، وهو الواحد ، بالنوع ، كوحدة زيد وعمرو في الإنسانية ، أو جزءا مقولا في جواب ما هو على الكثرة المختلفة (٢) الحقيقة ، وهو الواحد بالجنس ، كوحدة الإنسان والفرس في الحيوانية ، أو في جواب أي شيء هو في جوهره (٣) ، وهو الواحد بالفصل ، وإنما تغاير الواحد بالنوع بحسب الاعتبار دون الذات ، والثاني إما أن تكون الكثرة موضوعات لمحمول واحد (٤) ، كالقطن والثلج للبياض ، أو محمولات الموضوع كالكاتب ، والضاحك للإنسان.

والثالث كوحدة نسبة النفس إلى البدن ، ونسبة الملك إلى المدينة في التدبير الذي ليس عارضا للنسبتين ، بل للنفس والملك ، ولا خفاء في أن التدبير محمول على النسبتين.

وإن قلنا : النفس كالملك في التدبير ، فالتدبير محمول عارض لهما (٥) فهو كالبياض للقطن والثلج ، وبالجملة جهة الوحدة هو ما به اشتراك ، وهو لا يكون إلا بحيث يحمل بالمواطأة ، أو الاشتقاق.

(قال : وبعض هذه الأقسام (٦) أولى بالوحدة (٧) ، فمقوليتها بالتشكيك).

يعني أن الواحد مقول بالتشكيك دون الاشتراك ، أو التواطؤ لكونه مفهوما

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٢) سقط من (ب) لفظ (المختلفة).

(٣) في (ب) الجوهر بدلا من (جوهره).

(٤) في (ب) المحمول الواحد.

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (لهما).

(٦) المقررة للوحدة وهي الوحدة الشخصية والنوعية والجنسية والعرضية.

(٧) لكون معناها في ذلك القسم أولى من معناها في قسم آخر.

٣٤

واحدا متفاوتا بالأولوية ، فإن الواحد بالشخص (ما لا ينقسم أصلا) (١) أولى بالوحدة من الواحد بالنوع وهو من الواحد بالجنس وهو من الواحد بالعرض وفي الواحد بالشخص ما لا ينقسم أصلا أولى بالوحدة مما ينقسم إلى أجزاء متشابهة ، وهو مما ينقسم إلى أجزاء متخالفة، ولم يقل أحد بالتفاوت في الأشدية والأقدمية لكونه غير معقول.

(قال : وكذا الكثرة (٢) ، فإن (٣) أولى مراتبها الاثنينية ، ويحصل من انضمام واحد إلى واحد (٤) ، ثم يتزايد بزيادة الآحاد لا إلى نهاية أنواعا مختلفة اللوازم متحصلة في العقل ، من اعتبار انضمام الآحاد ، حتى لو اعتبر واحد في المشرق ، مع واحد في المغرب ، حصلت الاثنينية من غير أن يتحقق قيام أمرهما ، كيف ولو تحققت ، لقامت بالمجموع ، فيلزم في كل واحد شيء منها ، وليس سوى الوحدة الاعتبارية).

يشير إلى أحكام منها. أن الكثرة مقول بالتشكيك ، لكونها في كل عدد أشد منها فيما دونه ، ومنها أن أول مراتب العدد الاثنينية. بمعنى أن (٥) الاثنين عدد ، والواحد ليس بعدد لصدق الحد ، وهو الكم المنفصل عليهما دونه (٦) ، وما قيل : إن الفرد الأول أعني الواحد ليس بعدد فكذا الزوج الأول ليس بشيء ومنها أن الأعداد أنواع مختلفة لاختلاف لوازمها من الزوجية ، والفردية ، والاسمية ، والمنطقية ، ومنها أنها متألفة من الآحاد ، فأجزاء العشرة واحد عشر مرات ، لا خمسة وخمسة ، أو ستة وأربعة ، أو سبعة وثلاثة ، إذ لا رجحان لشيء من ذلك بخلاف الواحد ، فإنه يترجح بأنه (٧) لا أقل منه ، وأن الاثنين إنما يتألف منه ، ولأن مجرد زيادة الواحد يوجب

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٢) إذ هي كالوحدة في أن صدقها على أفرادها بطريق التشكيك لاختلاف أفرادها بالأشدية :

(٣) فإنها في كل عدد أشد منها فيما دونه.

(٤) وما بعدها هو الثلاثية وهي تحصل من انضمام واحد إلى واحد إلى آخر وما يحصل من ثلاث وحدات أشد مما يحصل من وحدتين.

(٥) سقط من (أ) الحرف (أن).

(٦) سقط من (ب) لفظ (دونه).

(٧) في (ب) بكونه بدلا من (بأنه).

٣٥

حصول نوع آخر من العدد ، ومنها أنها غير متناهية ، لأن كل عدد فرض ، فإنه يمكن زيادة الواحد عليه ، ومنها أنها أمور اعتبارية متحصلة في العقل دون الخارج ، لأنا إذا اعتبرنا انضمام واحد في المشرق إلى واحد في المغرب حكم العقل بحصول الاثنينية لهما من غير أن يحصل لهما أمر بحسب الخارج ولأن أجزاءها أمور اعتبارية هي الواحدات ، ولأنها لو تحققت في الخارج. فإذا قلنا لزيد وعمرو مثلا هما اثنان ، فقيام الاثنينية ، إما بأحدهما ، أو بكل منهما ، وهو ظاهر الاستحالة ، أو بمجموعهما ، فيلزم في كل منهما شيء منها ، وليس سوى الوحدة الاعتبارية.

٣٦

المبحث الثالث

الاثنينية لا تتحد في معروضها

(قال : المبحث الثالث يمتنع اتحاد الاثنين (١). لأن اختلاف الماهيتين (٢). أو لمجرد(٣) الهويتين (٤) ذاتي لا يزول (٥) ، ولأنهما إن بقيا (٦) كانا اثنين ، وإلا كان فناء لأحدهما ، وبقاء للآخر ، أو فناء لهما وحدوث ثالث).

ورد الأول بأنه ليس أوضح من الدعوى ـ والثاني بمنع الاثنينية على تقدير البقاء ، وإنما يلزم لو لم يتحدا ، فغير إلى أنهما إن كانا موجودين كانا اثنين ، وإلا فكما مر.

ورد بجواز أن يكونا موجودين بوجود واحد ، فدفع بأنه إما أحد الوجودين ، أو ثالث. فأجيب بأنه نفس الوجودين صارا واحدا. فادعى أن الحكم ضروري والمذكور تنبيه).

بأن يكون هناك شيئان فيصيرا شيئا واحدا لا بطريق الوحدة الاتصالية ، كما إذا جمع الماء ان في إناء واحد. أو الاجتماعية ، كما إذا امتزج الماء والتراب فصار طينا ، أو

__________________

(١) اتحادا يصير به أحدهما نفس الآخر من غير أن ينتفي عن الصائر شيء أو يضاف إليه شيء يمتزج به من غير نوعه أو من نوعه سواء كان الاثنان ماهيتين أو هويتين. أو أحدهما هوية والآخر ماهية.

(٢) حيث يفرض الاتحاد بين ماهيتين.

(٣) سقط من (أ) و (ب) لفظ (أو لمجرد).

(٤) حيث يفرض الاتحاد بين هويتين.

(٥) لا يزول بوجه من الوجوه إذ الأمر الذاتي لا يعقل زواله عن الذات ما دامت.

(٦) بعد اتحادهما على ما هما عليه أولا من الاختلاف بحيث يميز عن ذلك بالإشارة الحسية أو العقلية.

٣٧

الكون والفساد ، كالماء والهواء صارا بالغليان هواء واحدا ، أو الاستحالة كلون (١) الجسم كان سوادا وبياضا ، فصار سوادا بل بأن يصير أحدهما الآخر الصائر بعينه إياه وذلك لوجهين :

الأول : أن الاثنين سواء كانا ماهيتين أو فردين منهما أو من ماهية واحدة ، فالاختلاف بينهما ذاتي ، لا يعقل زواله ، إذ لكل شيء خصوصية ما. هو بها هو ، فمتى زالت الخصوصية لم يبق ذلك الشيء.

واعترض بأنه إن كان استدلالا فنفس المتنازع ، وإن كان تنبيها ، فليس هو (٢) أوضح من الدعوى إذ ربما يقع الاشتباه في كون الاختلاف ذاتيا ممتنع الزوال دون اتحاد الاثنين.

الثاني : أن الاثنين بعد الاتحاد وإن كانا باقيين فهما اثنان لا واحد ، وإلا فإن بقي أحدهما فقط (٣) ، كان هذا فناء لأحدهما وبقاء للآخر ، وإن لم يبق شيء منهما كان هذا فناء لهما ، وحدوث أمر ثالث ، وأياما كان فلا اتحاد.

واعترض : بأنا لا نسلم أنهما لو بقيا كانا اثنين لا واحدا ، وإنما يلزم ذلك. لو لم يتحدا فعدل إلى تقرير آخر ، وهو أنهما (٤) بعد الإيجاد (٥) ، إن كانا موجودين كانا اثنين لا محالة.

وإلا فإما أن يكون أحدهما موجودا فقط ، أو لا يكون شيء منهما موجودا ، فكان هذا فناء لأحدهما ، وبقاء للآخر ، أو فناء لهما ، وحدوث أمر (٦) ثالث.

فاعترض : بأنا لا نسلم أنهما لو كانا موجودين كانا اثنين لا واحدا ، وإنما يلزم

__________________

(١) في (ب) لكون بدلا من (كلون).

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (هو).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (فقط).

(٤) سقط من (ب) لفظ (أنهما).

(٥) في (أ) بعد الاتحاد والصواب (بعد الإيجاد).

(٦) سقط من (أ) لفظ (أمر).

٣٨

ذلك (١) لو لم يكونا موجودين لوجود واحد ، فدفع هذا الاعتراض ، بأنهما لو كانا موجودين. فإما بوجودين ، فيكونان اثنين لا واحدا ، وإما بوجود واحد ، فذلك إما أحد الوجودين الأولين ، فيكون فناء لأحدهما ، وبقاء للآخر ، أو غيرهما فيكون فناء لهما وحدوث ثالث.

فأجيب عن هذا الدفع بأنهما موجودان بوجود واحد هو نفس الوجودين الأولين صارا واحدا ، فلم يمكن التقصي عن هذا المنع إلا بأن الحكم بامتناع اتحاد الاثنين ضروري.

والمذكور في معرض الاستدلال تنبيه بزيادة بيان وتفصيل ، وأنت خبير بحال دعوى الضرورة في محل النزاع ، وبأن امتناع اتحاد الوجودين ليس بأوضح من امتناع اتحاد الاثنين على الإطلاق.

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ ذلك.

٣٩

المبحث الرابع

التغاير من خواص الكثرة

(قال : المبحث الرابع : من خواص الكثرة التغاير (١) والغيران عند مشايخنا موجودان(٢) جاز انفكاكهما ، فالجزء مع الكل (٣) لا هو ولا غيره ، وكذلك الموصوف والصفة (٤) ، ولذا يصح ما في الدار غير زيد ، وليس في يدي غير عشرة ، مع أن فيهما الأجزاء والصفات ...

فإن قلت : أن أريد الانفكاك من جانب فقط ، يوجد الجزء بدون الكل ، والموصوف بدون الصفة أو من الجانبين. ورد الصانع مع العالم.

أجيب : بأن المراد بالانفكاك من الجانبين تعقلا. ولذا قيل ، هما اللذان يصح أن يعلم أحدهما ، ويجهل الآخر ، ولا يمتنع تعقل العالم بدون الصانع ، وأما من حيث إنه معلول من المضاف فقد أورد عليهم المضافان. فأجيب بأنهما غير موجودين.

__________________

(١) التغاير يختص بموصوف الكثرة فيكون التغاير مستلزما للكثرة فكلما تحقق الاتصاف في التغاير فقد تحقق في ذلك المحل الاتصاف بالكثرة إذ المختص بالشيء لا يتحقق في غيره.

(٢) فيخرج من هذا التعريف المعدومان والموجود والمعدوم فلا يوصفان بالغيرية وهذا بناء على أن التغاير من الموجوديات كالاختلاف والتضاد فلا يتصف بها المعدوم.

(٣) سواء كان حسيا كاليد من زيد والسقف من البيت أو عقليا كالحيوانية من الإنسانية.

(٤) فلا يقال في الصفة أنها عين الموصوف ولا أنها غيره إذ لا تنفك الصفة عن الموصوف.

٤٠