شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

اجتماع الحركتين بالذات إلى جهتين ، وهو محال.

ورد بأنه ليس من (١) تمام العلة ، كيف وقد اجتمعا في الحبل المتجاذب إلى الجانبين ، وقد يقال لا مدافعة ، وإنما هو كالساكن الذي يمتنع عن التحرك).

قال : ومنع القاضي. اختلف أصحابنا القائلون بالاعتماد. فذهب القاضي إلى أن الاعتماد في كل جسم أمر واحد ربما يتعدد أسماؤه بحسب الاعتبار ، حتى يسمى بالنسبة إلى العلو خفة ، وإلى السفل ثقلا. وليس له بالنسبة إلى الجهات الأخر اسم خاص ، فما نقل عنه من جواز اجتماع الاعتمادات فمعناه جواز أن يفرض لذلك الأمر الاعتبارات المختلفة والإضافة إلى الجهات الست ، وذهب بعضهم إلى أنها متعددة متضادة لا يقوم بجسم اعتمادان بالنسبة إلى جهتين ، وبعضهم إلى أنها متعددة غير متضادة ، لأن من جذب حجرا ثقيلا إلى جهة العلو فإنه يحس منه اعتماد إلى جهة السفل ، ولو جذبه غيره إلى جهة السفل يحس منه اعتماد إلى جهة العلو ، ولأن كلا من المتجاذبين جبلا على التقاوم ، والتساوي في القوة يحس من الحمل ، اعتمادا إلى خلاف جهته ، والحق أن الاعتمادين الطبيعيين أعني الثقل والخفة متضادان ، لا يتصور اجتماعهما في شيء واحد ، باعتبار واحد وأنه لا تضاد بين الاعتماد الطبيعي وغير الطبيعي ، كما في الحجر الذي يرفع إلى فوق ، فإن الرفع يحس مدافعة هابطة ، والرفع مدافعة صاعدة ، وأما غير الطبيعي من الاعتماد فقيل : المختلفان منه متضادان كالاعتماد يمنة ويسره ، لأنه مبدأ قريب للحركة ، فلو جاز الاعتمادان معا لجاز الحركتان بالذات معا ، لاستلزام وجود المؤثر وجود الأثر ويلزم منه جواز كون الجسم في آن واحد في حيزين ، وإنما قيد بالذات لأنه لا يمتنع حركتان إلى جهتين ، إذا كانت إحداهما بالذات والأخرى بالعرض كراكب السفينة يتحرك إلى خلاف الجهة التي تتحرك إليها السفينة ، وهذا معنى ما قال الجبائى : إن الحركتين إلى جهتين متضادتان. وكذا

__________________

(١) في (ج) بزيادة حرف الجر (من).

٢٤١

الاعتمادان الموجبان لهما ، وحينئذ لا يرد ما قال الآمدي : إن هذا تمثيل بلا جامع ، كيف والحركة أثر الاعتماد ، وتضاد الآثار لا يوجب اختلاف المؤثر فضلا عن تضاده ، كالطبيعة توجب الحركة ، وبشرط الخروج عن الحيز الطبيعي ، والسكون بشرط الحصول فيه ، على أن الفرق قائم. فإن اجتماع الحركتين إلى جهتين إنما امتنع لاستلزامه حصول الجسم في حالة واحدة في حيزين ، ولا كذلك الاعتمادان.

الجواب : أنه إن أريد بالمبدإ القريب تمام العلة ، فلا نسلم أن الاعتماد كذلك ، بل لا بد من انتفاء المانع.

وإن أريد الأعم فلا نسلم أنه يوجب وجود الأثر ، على أنه لو تم هذا الدليل تضاد الطبيعي وغير الطبيعي لجريانه فيه ، سلمنا لكنه معارض بأنهما لو كانا متضادين لما جاز اجتماعهما ، واللازم باطل لأن الحبل المتجاذب بقوتين متساويتين إلى جهتين متقابلتين يجد فيه كل من الجاذبين مدافعة إلى خلاف جهته. وقد يقال : لا ، بل هو كالساكن الذي يمتنع عن التحريك لا مدافعة فيه أصلا.

(قال : والمعتزلة يسمون الطبيعي من الاعتماد لازما وغيره مجتلبا (١) ولهم اختلاف في أن الاعتماد الصاعد للهواء لازم أو يجتلب وفي أن اللازم هل هو باق أم لا (٢) ..؟ كالمجتلب وفي أنه هل [يتولد من الاعتماد حركة وسكون فقيل : لا وقيل يتولد] (٣) منه أشياء من الحركات والسكنات وغيرهما بعضها لذاته بشرط أو غير شرط وبعضها لا لذاته).

قال : والمعتزلة يسمون الطبيعي من الاعتماد لازما ، كاعتماد الثقيل إلى السفل ، والخفيف إلى العلو ، وغير الطبيعي مختلفا كاعتماد الثقيل إلى العلو ، والخفيف إلى السفل قس ، أو كالاعتماد إلى باقي الجهات ولهم اختلافات في

__________________

(١) في (ج) مجتلب بدلا من (مجتليا).

(٢) في (أ) و (ب) بزيادة (أم لا).

(٣) ما بين القوسين سقط من (ج).

٢٤٢

باب الاعتماد منها : ما قال الجبائى : إن في الهواء اعتمادا صاعدا لازما لما يشاهد في الزق المفتوح المقسور تحت الماء ، أنه إذا شق خرج الهواء صاعدا ، وشق الماء بل لو زال القاصر الهواء بالزق ، وما تعلق به من الثقل.

لا يقال : يجوز أن لا يكون ذلك لصعوده اللازم ، بل لضغط الماء إياه ، وإخراجه من حيزه بثقل وطأته ، لأنا نقول : لو لم يكن في طبعه الصعود والطفو على الماء لما زاد ثقل وطأة الماء إلا استقرارا وثباتا كسائر الأثقال ، سيما إذا بقي الزق مشدودا.

قال أبو هاشم : ليس للهواء اعتماد لازم ، ولو كان في طبعه صعودا لا نفصل عن أجزاء الخشبة التي في الماء ، وصعد دون الخشبة ، إذ لا سبب عند الجبائى لصعودها وطفوها سوى تخلخل أجزائها ، وتشبث الهواء بها ، لا يقال : يجوز أن يفيده التركيب حالة موجبة للتلازم ، وعدم الانفصال ، سيما وهو هواء لم يبق على كيفيته المقتضية للانفصال ، لانكسار سورتها بالامتزاج ، لأنا نقول : الكلام في الأجزاء الهوائية المجاورة للأجزاء الخشبية لا التي صارت جزء الممتزج كما في سائر المركبات على ما يراه الفلاسفة ، فالأقرب أن يقال : إن احتباسها فيما بين الأجزاء الخشبية منعها الانفصال ، وأوجب الاستتباع ، ومنها ما قال الجبائى : إن الاعتماد غير باق ، لازما كان أو مختلفا ، وقال أبو هاشم : بل اللازم باق بحكم المشاهدة ، كما في الألوان والطعوم ، تمسك الجبائي بأن الإنسان إذا تحامل على حجر هابط فاعتماد المختلف غير باق فكذا اللازم ، لاشتراكهما في أخص أوصاف النفس ، أعني كونه اعتمادا هابطا ، وبأن ما لا يبقى من الأعراض كالأصوات وغيرها ، لا فرق فيها بين المقدور وغير المقدور ، فكذا في الاعتمادات التي مختلفها مقدورا ، ولازمها غير مقدور.

ورد الأول بمنع كون أخص الأوصاف الاعتماد الهابط ، بل الاعتماد اللازم ، والثاني بأنه تمثيل بلا جامع ، ومنها ما قال الجبائى : إن الاعتماد لا يولد حركة ولا سكونا ، وإنما يولد هما الحركة ، فان من فتح بابا ، أو رمى

٢٤٣

حجرا إن لم تتحرك يده لم يتحرك المفتاح ولا الحجر ثم حركة المفتاح أو الحجر تولد سكونه في القصد.

وقال أبو هاشم : بل المولد لهما الاعتماد ، لأنه إذا نصب عمود قائم وادعم بدعام ، واعتمد عليه إنسان إلى جهة الدعامة ثم أزيلت الدعامة فإن العمود يتحرك إلى جهتها ويسقط ، وإن لم يتحرك المعتمد وكلاهما ضعيف ، إذ لا دلالة على الانحصار ، فيجوز أن يكون المولد هو الحركة تارة والاعتماد أخرى ، وكذا ما قيل في أن المتولد هو الاعتماد دون الحركة ، إن حركة الرامي متأخرة عن حركة الحجر ، لأنه ما لم يندفع عن حيزه امتنع انتقال يد الرامي إليه ، لاستحالة تداخل الجسمين ، لأنه إن أريد التأخر بالزمان فاستحالة التداخل لا توجبه لجواز أن يكون اندفاع هذا وانتقال ذاك في زمان واحد ، كما في أجزاء الحلقة التي تدور على نفسها ، بل الأمر كذلك ، وإلا لزم الانفصال ، وإن أريد بالذات فالأمر بالعكس إذ ما لم تتحرك اليد لم يتحرك الحجر ، ولهذا يصح أن يقال : تحركت اليد فتحرك الحجر دون العكس ، فالأقرب أن المولد للحركة والسكون قد يكون هو الحركة ، وقد يكون الاعتماد فإنه يولد.

(قال : والفلاسفة يسمونه الميل ، ويجعلونه طبيعيا وقسريا ونفسانيا ، لأن مبدأه إن كان من خارج فقسري ، وإلا فإن كان مع شعور فنفساني وإلا فطبيعي ، وبعضهم يخص الشعور بالإرادي ، ويجعل النفساني أعم منه لتناوله ميل النبات التبرز والتزيد ، ويدل على أن(١) ترددهم في أن الميل نفس المدافعة ، أو مبدأهما ما قالوا إن الطبيعي لا يوجد عند كون الجسم في حيزه ، وإلا لكان مائلا عنه لا إليه ، وأنه لا يجامع القسري (٢) عند اختلاف الجهة ، لامتناع المدافعة إلى جهة مع (٣) التنحي عنها ، ويجامع عند اتحادها كما في الحجر المدفوع إلى أسفل (٤) ، ولذا كانت حركته أسرع ، وأن الحركة الصاعدة للحجر المرمى إلى فوق ، تشتد ابتداء وتضعف عند القرب

__________________

(١) في (ب) بزيادة حرف (إن).

(٢) في (ب) التسري وهو تحريف.

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (مع).

(٤) في (أ) السفل بدلا من (أسفل).

٢٤٤

من النهاية ، والهابطة بالعكس ، لأن الميل القسري كلما ازداد ضعفا بمصاكات تتصل عليه ازداد الميل الطبيعي قوة ، حتى غلب القسري ، فرجع المرمى ، وإن تفاوت حركة الحجرين المختلفين في الصغر والكبر المرميين بقوة واحدة ليس إلا لكون المقاومة الذي هو الميل الطبيعي في الكبير أكثر).

أي الاعتماد ، ميلا ويقسمونه إلى الطبيعي والقسري والنفساني ، لأن مبدأه وما ينبعث هو عنه ، إن كان أمرا خارجا عن محله فقسري كميل السهم المرمي إلى فوق ، وإلا فإن كان مع قصد وشعور فنفساني كاعتماد الإنساني على غيره ، وإلا فطبيعي سواء اقتضته القوة على وتيرة واحدة أبدا ، كميل الحجر المسكن في الجو ، أو اقتضته على وتائر مختلفة كميل النبات إلى التبرز والتزيد ، (١) ومنهم من سمى المقرون بالقصد والشعور إراديا وجعل النفساني أعم منه ومن وتر أحد (٢) قسمي الطبيعي ، أعني ما لا يكون على وتيرة واحدة لاختصاصه بذوات الأنفس فربما يختلف على حسب اقتضاء النفس ، فبهذا الاعتبار يسمى ميل النبات نفسانيا ، ومنهم من جعله خارجا على الأقسام لكونه مركبا على ما سيأتي في بحث الحركة ، مع زيادة كلام في هذا الباب.

ثم إنهم قد ذكروا أحكاما تدل على ترددهم في أن الميل نفس المدافعة المحسوسة ، أو مبدؤها القريب الذي يوجد عند كون الحجر صاعدا (٣) في الهواء ، أو ساكنا على الأرض ، فبها أن الميل الطبيعي لا يوجد في الجسم عند كونه في حيزه الطبيعي ، وإلا فإما أن يميل إليه فيلزم طلب حصول الحاصل ، أو عنه فيلزم أن يكون المطلوب بالطبع متروكا بالطبع ، ولا يتأتى هذا في مبدأ الميل ، إذ ربما يتخلف الأثر عنه لفقد شرط ، أو وجود مانع ، ومنها أن الميل الطبيعي لا يجامع الميل القسري إلى جهتين ، لأن امتناع المدافعة إلى جهة مع المدافعة عنها ضروري ، فالحجر المرمي إلى فوق لا يكون فيه مدافعة هابطة بالفعل ، بل بالقوة ، بمعنى أن من شأنه أن يوجد فيه ذلك عند زوال غلبة القوة القسرية ، وإما إلى جهة واحدة فقد يجتمعان كما في

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (التزيد).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (وتر).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (صاعدا).

٢٤٥

الحجر المدفوع إلى أسفل ، فإن فيه مدافعة (١) هابطة يقتضيها الحجر إذا خلى وطبعه ، وأخرى أحدثها فيه القاسر على حسب قوته وقصده ، ولهذا يكون حركته حينئذ أسرع مما إذا سقط بنفسه فهبط ، وتتفاوت تلك السرعة بتفاوت قوة القاسر ، ومنها ما ذكروا في بيان سبب أن الحجر الذي يتحرك صاعدا بالقسر ، ثم (٢) يرجع هابطا بالطبع ، أن حركته القسرية تشتد ابتداء وتضعف عند القرب من النهاية ، والطبيعية بالعكس ، لأن ميله القسري يزداد ضعفا بمصاكات تتصل عليه من مقاومة الهواء المخروق ، فيزداد الميل الطبيعي أعني مبدأ المدافعة قوة إلى أن يتعادلا ، ثم يأخذ القسري في الانتقاص ، والطبيعي في الغلبة فيأخذ حركته في الاشتداد ، ومنها استدلالهم على وجود الميل الطبيعي بأن الحجرين المرميين بقوة واحدة إذا اختلفا في الصغر والكبر اختلفت حركتاهما في السرعة والبطء وليس ذاك إلا لكون المقاوم الذي هو الميل الطبيعي أعني مبدأ المدافعة في الكبير أكثر منه في الصغير ، لأن التقدير عدم التفاوت في الفاعل والقابل إلا بذلك.

وأجاب الإمام : بأن الطبيعة قوة سارية في الجسم منقسمة بانقسامه فيكون في الكبير أكثر ، وبزيادة المقاومة أجدر ، والفلاسفة يزعمون أنه أمر ثابت ليس مما يشتد ويضعف ، أو يقل ويكثر في الجسم الواحد حتى إن (٣) طبيعة كل الماء وبعضه واحد ، ولا يتبين الحق من ذلك إلا بمعرفة حقيقة ما هو المراد بالطبيعة هاهنا ، وهم لم يزيدوا على أن الطبيعة قد يقال لما يصدر عنه الحركة والسكون أولا ، وبالذات دون شعور وإرادة ، وقد يقال لما تصدر عنه أمر لا تتخلف عنه ، ولا يفتقر الصدور إلى علة خارجة عنه ، كنزول الحجر إلى السفل ، وقد يخص بما يصدر عنه الحركات على نهج واحد دون شعور ، وقد تسمى كل قوة جسمانية طبيعة ، وشيء من ذلك لا يفيد معرفة حقيقية ، وأما إطلاقها على المزاج ، أو على الكيفية الغالبة (٤) من الكيفيات المتضادة ، أو على الحرارة الغريزية ، أو على النفس النباتية ، أو نحو ذلك (٥) على ما يذكره الأطباء فمختص بالمركبات.

__________________

(١) في (ب) بزيادة (فيه مدافعة).

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (ثم).

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (إن).

(٤) في (أ) العالية بدلا من (الغالبة).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (نحو).

٢٤٦

النوع الثاني

المبصرات

وفيه مباحث

الأول : للون طرفان

الثاني : لا حقيقة للون في زعم بعض الناس

الثالث : الضوء ذاتي

الرابع : حدوث الضوء في المستضيء قد يكون من مضيء

الخامس : الضوء مغاير للون

٢٤٧
٢٤٨

النوع الثاني

المبصرات

(قال : النوع الثاني المبصرات (١) كالألوان والأضواء ، وقد يبصر بتوسطهما غيرهما ، بل غير الكيفيات من الأوضاع والمقادير وما يتصل بها وهاهنا بحث ، ولها (٢) مباحث).

ذهبت الفلاسفة إلى أن المبصر أولا وبالذات هو الضوء واللون ، وإن كان الثاني مشروطا بالأول ، وقد يبصر بتوسطهما ما لا يعد في الكيفيات المحسوسة من الكيفيات المختصة بالكميات ، من المقادير والأوضاع وغير ذلك ، كالاستقامة والانحناء ، والتحدب والتقعر ، وسائر الأشكال وكالطول والقصر ، والصغر والقرب ، والبعد والتفرق ، والاتصال والانفصال والحركة والسكون ، والضحك ، والبكاء ، والحسن والقبح ، وغير ذلك. وأما ما يتوهم من إبصار مثل الرطوبة واليبوسة ، والملاسة والخشونة ، فمبني على أنه يبصر ملزوماتها كالسيلان ، والتماسك الراجعين إلى الحركة والسكون وكاستواء الأجزاء في الوضع واختلافها فيه.

__________________

(١) البصريات : أحد فروع الطبيعة لدراسة خواص الضوء : ينقسم إلى ثلاثة أنواع هي الطبيعة الضوئية ، وتبحث في منشأ وخواص الأشعة الضوئية والبصريات ، وتبحث في تأثير الأشعة الضوئية على الأبصار ، أما هندسة الضوء ، فتبحث في بعض الخواص مثل الانعكاس والانكسار على المرايا والعدسات ، والقوانين المتحكمة فيها».

(راجع الموسوعة العربية الميسرة ص ٣٧٤).

(٢) في (ج) بزيادة : (بحث ولها).

٢٤٩
٢٥٠

المبحث الأول

البياض والسواد طرفان للون

(قال : المبحث الأول : للون طرفان هما (١) البياض والسواد المتضادان وبينهما وسائط (٢) ، وهي أنواع متباينة بل متضادة ، إن لم تشترط غاية الخلاف).

حقائق الألوان ، بل جميع المحسوسات ظاهرة غنية عن البيان ولا خفاء في تضاد السواد والبياض ، لما بينهما من غاية الخلاف لكونهما طرفي الألوان ، وأما ما بينهما من الحمرة والصفرة وغير ذلك فعند المحققين أنواع متباينة ، يختص كل منها بآثار مختلفة وليست بمتضادة ، إن اشترط بين المتضادين غاية الخلاف والمضادة.

النوع ليس البياض

(قال : والتحقيق أن النوع ليس هو ان البياض مثلا ، بل البياضات التي تحته مثل بياض الثلج وبياض العاج (٣) ، ونحو ذلك ، وكذا سائر الألوان ، بل

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (هما).

(٢) في (ب) وسط بدلا من (وسائط).

(٣) العاج : مادة تتكون منها أنياب الفيل ، تعتبر إفريقيا أهم مصادره ، يستخدم تجاريا في صنع أصابع البيانو والمقابض والأدوات المزخرفة ، أما في الفن فيعتبر العاج مادة ممتازة لتنفيذ الصور الصغيرة (المنمنات) والحفر الدقيق ، استخدم منذ عصور ما قبل التاريخ ، وقد خلفت حضارات مصر القديمة وآشور ، وبابل ، واليونان ، والرومان والهند ، والصين واليابان والأندلس الإسلامية كميات كبيرة من الأدوات والتحف العاجية.

٢٥١

جميع المقولات بالتشكيك حتى إن النوع من الملموسات هي الحرارة المخصوصة ، ومن المبصرات الضوء المخصوص لا مطلق الحرارة ، والضوء نعم قد يكون لجملة جملة من الأنواع عارض خاص ، له اسم خاص كما في الألوان ، وقد لا يكون كما في الأضواء ، وأجيب بأنه وإن لم يدخل فيه فقد دخل ماهية المعروض للأشد ، ومبنى ذلك على امتناع التفاوت في الماهية وذاتياتها ، ما به التفاوت إن لم يدخل فيها فذاك ، وإلا فلا اشتراك ، ونوقض (١) بالعارض ، وأجيب بأنه وإن لم يدخل فيه فقد دخل في ماهية المعروض للأشد (٢) ، وفيه نظرا وبالجملة فعدم دخول ما به (٣) التفاوت فيما فيه التفاوت ، إما أن يمنع التفاوت فيتم النقض ، أو لا فلا يتم الدليل ، ومن هاهنا ذهب بعضهم إلى نفي التشكيك والاشتداد ، وبعضهم إلى إثباته في الماهية (٤) وذاتياتها ، حتى جعل الماهية الخطبة في الخط الأطول أطول ، وفي الأقصر أنقص (٥)).

الظاهر من كلام القوم أن أنواع اللون هي السواد والبياض ، والحمرة والصفرة ، وغير ذلك ، وأنواع الكيفيات الملموسة هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، ونحو ذلك ، إلا أن التحقيق هو أن أنواع اللون هي البياضات المخصوصة التي لا تتفاوت أفرادها كبياض الثلج مثلا ، وكذا في السواد وغيره ، بل في كل ما يقال بالتشكيك حتى إن النوع من الملموسات ليس مطلق الحرارة ، بل الحرارة المخصوصة التي تكون في أفرادها على السوبة كحرارة النار الصرفة مثلا ، وأنواع من المبصرات ليس مطلق الضوء ، بل

__________________

(١) في (ب) ونقص.

(٢) في (ب) الأشد.

(٣) في (ب) ما فيه.

(٤) في (أ) (نفي التشكيك والاشتداد) وهو تكرار.

(٥) في (ج) الأنقص بدلا من (أنقص).

٢٥٢

الضوء الخاص الذي لا يتفاوت فيه أفراده كضوء الشمس (١) مثلا ، وإنما يقع الاشتباه من جهة أن الأنواع قد يكون لجملة جملة منها عارض خاص ، واسم خاص كالبياضات المشتركة في تفريق البصر وفي اسم البياض والسوادات المشتركة في قبض البصر ، وفي اسم السواد وكالحرارات والبرودات ، ونحو ذلك فيتوهم أن تلك الجملة نوع واحد بخلاف الأضواء ، فإنه لا ينفرد جملة جملة منها بعارض واسم فلا يتوهم ذلك فيه ، بل ربما يتوهم كون المجموع نوعا واحدا فاللون والضوء قد وقعا في مرتبة واحدة من المبصرات ، إلا أن اللون جنس الألوان بخلاف الضوء لما فيه من التفاوت ، والضوء توهم نوعية لتقارب أنواعه بخلاف اللون ، وإنما توهم ذلك في جملة من أنواعه كالبياض مثلا (٢) لتقارب أنواع البياض ، وكالسواد لتقارب أنواع السواد وعلى هذا القياس فصار الضوء بمنزلة البياض مثلا في أنه ليس نوعا لما تحته ولا جنسا بل عارضا ، ومبنى ذلك على ما تقرر عندهم من أن القول بالتشكيك لا يكون إلا عارضا لامتناع التفاوت في الماهية وذاتياتها ، لأن الأمر الذي به يتحقق التفاوت حيث يوجد في الأشد دون الأضعف ، إن لم يكن داخلا في الماهية لم يتحقق التفاوت فيها ، بل كانت في الكل على السواء ، وإن كان داخلا فيها لم يتحقق اشتراك الأضعف فيها لانتفاء بعض الأجزاء ، مثلا الخصوصية التي توجد في نور الشمس دون القمر ، إن كانت من ذاتيات الضوء لم يكن ما في القمر ضوء ، وإلا لم يكن تفاوت النورين في نفس الماهية.

فإن قيل : لو صح هذا الدليل لزم أن لا يكون العارض أيضا مقولا

__________________

(١) لضوء الشمس آثار شافية ، وكان ذلك معروفا لقدماء المصريين ، ولقد اهملت هذه المزية الشفائية قرونا حتى أواخر القرن ١٩ حينما بدأ بعض العلماء يفطنون إليها ، وتتوقف الآثار المفيدة لضوء الشمس بصفة خاصة على ما يحتويه من الأشعة فوق البنفسجية ، ومن تلك الآثار قتل الجراثيم وتحسين الصحة العامة. ووقاية الأطفال من داء الكساح وشفاؤهم منه والمساعدة على شفاء بعض أنواع السل وبعض أمراض جلدية معينة.

(راجع الموسوعة العربية الميسرة ص ١١٤٤).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (مثلا).

٢٥٣

بالتشكيك قابلا للشدة والضعف لأن القدر الزائد إما داخل في (١) مفهوم العارض فيهما على السواء ، مثلا الخصوصية التي توجد في بياض الثلج دون العاج ، إن كانت مأخوذة في مفهوم البياض لم يكن ما في العج من معروضاته ، وإلا لكان مفهوم البياض فيهما على السواء.

أجيب بأنه داخل في ماهية المعروض الأشد ، وإن لم يدخل في ماهية العارض ، ولا في ماهية المعروض الأضعف ، ولا يلزم من عدم دخوله في مفهوم العارض تساويه في جميع المعروضات ولقائل أن يقول : فيتوجه مثله على الدليل المذكور على امتناع تفاوت الماهية ، وذلك لأنه لما جاز التفاوت في العارض باعتبار أمر خارج عنه داخل في ماهية بعض المعروضات فلم لا يجوز في الماهية باعتبار أمر خارج عنها داخل في هوية بعض الأفراد ، مثلا يكون النور تمام ماهية الأنوار ، أو جنسا لها ، وتكون الخصوصية التي في نور الشمس أمرا خارجا عن حقيقة النور ، داخلا في هوية نور الشمس على هذا القياس.

وتوجيه المنع أنا لا نسلم أن القدر الزائد إن كان خارجا عن الماهية كانت الماهية في الكل على السواء ، وإنما يلزم لو لم يكن ذلك زيادة من جنس الماهية ، وإذا تحققت فلا عبرة بكونه داخلا في ماهية المعروض حتى لو فرضنا الخصوصية التي في نور الشمس من عوارضه كان التفاوت بحاله ، وإنما العبرة بكونه من جنس العارض وزيادة فيه ، فإن الخصوصية التي في نور الشمس ، وبياض الثلج ، وحرارة النار ، ليست إلا زيادة نور وبياض ، وحرارة ، ولا يمتنع مثل ذلك في الماهية وذاتياتها.

والحاصل : أن عدم دخول القدر الزائد الذي به التفاوت في المعنى المشترك الذي فيه التفاوت ، إن كان مانعا من التفاوت لزم عدم تفاوت شيء من المفهومات في أفراده سواء كان عارضا لهما ، أو ذاتيا ، وهو معنى النقض ،

__________________

(١) في (أ) فلا تفاوت لأن ما هو.

٢٥٤

وإن لم يكن مانعا لم يتم الدليل على امتناع تفاوت الماهية وذاتياتها ، ومن هاهنا ذهب بعضهم إلى نفي التشكيك (١) مطلقا ممسكا بالدليل المذكور ، وجوز بعضهم التشكيك والتفاوت في الماهية وذاتياتها ، نظرا إلى عدم دليل الامتناع ، بل ادعوا أن تفاوت الخط الأطول والأقصر تفاوت في الماهية الخطية وأنها في الأطول أكمل وفي الأقصر أنقص ، لأن الزيادة التي في الطول من جنس الخط ، وإن لم يكن داخلا في ماهيته وإن ادعى التفرقة بين ما إذا كان ذلك القدر الخارج عنه المعنى المشترك داخلا في ماهية الأشد ، وبين ما إذا كان داخلا في مجرد هويته لم يكن بد من البيان ، مع أن الدليل المذكور لا يتم حينئذ في أجزاء الماهية لجواز أن يكون ما به يتفاوت الجنس خارجا عنه ، داخلا في ماهية بعض أنواعه.

__________________

(١) الشك : هو التردد بين نقيضين لا يرجح العقل أحدهما على الآخر ، وذلك لوجود أمارات متساوية في الحكمين ، أو لعدم وجود أية أمارة فيهما ، ويرجع تردد العقل بين الحكمين إلى عجزه عن معاناة التحليل أو إلى قناعته بالجهل. لذلك قيل : الشك ضرب من الجهل ، إلا أنه أخص منه ، لأن كل شك جهل ، ولا عكس ، وقيل : الشك ما استوى طرفاه ، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما ، فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن ، فإذا طرحه فهو غالب الظن ، وهو بمنزلة اليقين (تعريفات الجرجاني). والشك عند ديكارت فعل من أفعال الإدارة ، فهو ينصب على الأحكام لا على التصورات والأفكار لأن التصورات من غير حكم لا تسمى صادقة ولا كاذبة.

(راجع ديكارت. عثمان أمين ص ١٠٢).

٢٥٥

المبحث الثاني

لا حقيقة للون عند بعض الناس

(قال : المبحث الثاني : من الناس من زعم أنه لا حقيقة للون وإنما يتخيل إن بياض من مخالطة الضوء للأجسام الشفافة كما في الثلج ، والزبد ومسحوق البللور والزجاج (١) والسواد من عدم غور الضوء في الجسم ولهذا ينسب إلى الماء حيث يخرج الهواء فلا يكمل نفوذ الضوء على ما يشاهد في الثوب المبلول والبواقي من اختلاف في (٢) الأمرين.

والحق أن هذا بعض أسباب الحصول على ما قال ابن سينا شك (٣) في حدوث البياض بما ذكر ، لكنا ندعي حدوثه بغيره كما في البيض المسلوق ، لبن العذراء والجص ، واتقصر بعضهم على نفي البياض لما أنه ينسلخ ويقبل بحثه الألوان ، بخلاف السواد وضعفه (٤) ظاهر).

__________________

(١) البلّور نوع من الزجاج ، والزجاج مادة صلبة شفافة قصفة الكسر تتركب أساسا من بعض بيكات والقلويات مع مادة قلوية كالصودا أو البوتاس ، ويحصل على الزجاج من خلط بعض انواع الرمال الناعمة او الصوديوم مع الكلس وكسر الزجاج وصهرها في درجة حرارة عالية. استقرت صناعته في مصر في أثناء القرن ١٦ ق. م ، وقد عثر في الحفائر على عدة نماذج معتمة وملونة. برع الرومان وسلالتهم إلى اليوم في صناعة الزجاج ، واشتهر صناع البندقية عدة قرون بعد أيام الصليبيين بعمل نماذج طريفة وجميلة ، وورث المسلمون صناعة الزجاج عن أهالي البلاد التي خضعت لهم بايران والعراق وسورية ومصر منذ القرن السابع ووصلت صناعته بمصر في القرن ١٠ ذروة عالية على أيام الفاطميين ثم المماليك.

(راجع الموسوعة العربية الميسرة ص ٩٢٢٠).

(٢) في (ب) بزيادة حرف الجر (في).

(٣) في (أ) و (ب) لا شك.

(٤) في (أ) و (ب) بزيادة لفظ (وضعفه).

٢٥٦

زعم بعضهم أنه لا حقيقة للون أصلا ، والبياض إنما يتخيل من مخالطة الهواء للأجسام الشفافة المتصغرة جدا ، كما في الثلج فإنه لا سبب هناك سوى مخالطة الهواء ونفوذ الضوء في أجزاء صغار (١) جهدية شفافة ، وكذا في زبد الماء ، والمسحوق من البلور والزجاج الصافي ، والسواد يتخيل من عدم غور الضوء (٢) في الجسم لكثافته ، واندماج أجزائه ، وباقي الألوان تتخيل بحسب اختلاف الشفيف ، وتفاوت مخالطة الهواء وقد يسند السواد إلى الماء نظرا إلى أنه يخرج الهواء ، فلا يكمل نفوذ الضوء إلى السطوح ولهذا يميل الثوب المبلول إلى السواد ، والمحققون على أنها كيفيات متحققة لا متخيلة وظهورها في الصور المذكورة بالأسباب المذكورة ، ولا ينافي تحققها ، ولا حدوثها بأسباب أخر على ما قال ابن سينا : إنه لا شك في اختلاط الهواء بالمشف سبب لظهور اللون الأبيض ، ولكنا ندعي أن البياض قد يحدث من غير هذا الوجه كما في البيض المسلوق فإنه يصير أشد بياضا مع أن النار لم تحدث فيه تخلخلا وهوائية ، بل أخرجت الهوائية عنه ، ولهذا صار أثقل ، وكما في الدواء المسمى بلبن العذراء فإنه يكون من خل (٣) طبخ فيه المرداسنج حتى انحل فيه ثم يصفي حتى يبقى الخل في غاية الإشفاف ثم يطبخ المرداسنج في ماء طبخ فيه القلى ، ويبالغ في تصفيته ثم يخلط الماءان فينعقد فيه المنحل الشفاف من المرداسنج ، ويصير في غاية البياض ثم يجف ،

__________________

(١) في (ج) بزيادة لفظ (صغار).

(٢) في (ج) بزيادة (غور).

(٣) الخل : سائل حامض يتكون أساسا من حمض الخليل والماء ، وينتج بفعل البكتريا على المحاليل المخففة من الكحول الأثيلي المستخرج مبدئيا من عملية التخمير ، ويستمد لونه ونكهته من المشروب الكحلي الذي صنع منه «السدر» والجعة والنبيذ ، وعصير الفواكه ومحلول «الملت». ويستعمل الخل (تابلا ومطهرا خفيفا). عرف الخل قديما كناتج طبيعي للنبيذ وبدأ استخراجه كصناعة مستقلة بفرنسا في القرن ١٧ ، وفي أوائل القرن ١٩ استبدلت بالطريقة البطيئة المبنية على التخمير الذاتي في براميل نصف مملوءة بقطع من خشب الزان (بطريقة المولد). وأم الخل : وهي كتله لزجه من البكتريا المخمرة. وثعبان الخل : وهي لمحولمحة تشبه الخيط.

(الموسوعة العربية الميسرة ص ٧٦١).

٢٥٧

وما ذاك بحدوث تفرق في شفاف ونفوذ هواء فيه فإنه كان متفرقا منحلا في الخل ، ولا لتقارب أجزاء متفرقة وانعكاس ضوء البعض إلى البعض لأن حده ماء القلى بالتفريق أولى ، بل ذلك على سبيل الاستحالة ، كما في الجص فإنه يبيض بالطبخ بالنار ولا يبيض بالسحق، والتصوفل (١) مع أن تفريق الأجزاء ومداخلة الهواء فيه أظهر ، فظهر أن ابن سينا لم ينكر حصول البياض في الثلج ، وزبد الماء ، ومسحوق البلور ، والزجاج ، ونحو ذلك مما لا سبب فيه سوى مخالطة الهواء بالمشف ، بل ادعى حصوله بأسباب أخر بعد ما كان لا يعلم حصوله إلا بهذا السبب على ما قال في موضع من الشفاء (٢). (لا أعلم هل يحصل البياض بسبب آخر أم لا؟ وكان صاحب المواقف فهم ـ وحاشاه عن سوء الفهم ـ من بعض عبارات الشفاء حيث يقول) (٣) وفي بيان سبب البياض في الصور المذكورة : أن اختلاط الهواء بالمشف على الوجه المخصوص سبب لظهور لون أبيض ولرؤية لون هو البياض ، إنه ينكر وجود البياض فيها بالحقيقة فنسبة إلى السفسطة (٤) ، ومما استدل به في الشفاء على حصول البياض من غير اختلاط الهواء بالمشف أمران :

أحدهما : اختلاف طرق الاتجاه من البياض إلى السواد حيث يكون من البياض تارة إلى الغيرة (٥) ، ثم العودية ، ثم السواد ، وتارة إلى الحمرة ثم القتمة ، ثم السواد ، وتارة إلى الخضرة ثم النيلية ، ثم السواد فإنه يدل على اختلاف ما تركب عنه الألوان ، إذ لو لم يكن إلا السواد والبياض ، ولم يكن البياض إلا بمخالطة الهواء للأجزاء الشفافة ، لم يكن في تركب السواد والبياض إلا الأخذ في طريق واحد ، وإن وقع فيه اختلاف فبالشدة والضعف.

__________________

(١) في (ب) والتصويل.

(٢) راجع توابع المزاج من المقالة الثانية من الفن الرابع من الطبيعيات ونص عبارته كما أوردها صاحب المواقف : «لا أعلم حدوث البياض بطريق آخر سوى الطريق التخيلي».

(راجع كتاب المواقف ج ٥ ص ٢٣٦).

(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٤) راجع لمحة عن (السفسطة) في الجزء الأول من هذا الكتاب.

(٥) في (أ) الغيرة وهو تحريف.

٢٥٨

وثانيهما : انعكاس الحمرة والخضرة ، ونحو ذلك من الألوان فإنه لو كان اختلاف الألوان لاختلاط الشفاف بغيره لوجب أن لا ينعكس من الأحمر والأخضر إلا البياض ، لأن السواد لا ينعكس بحكم التجربة. ودلالة هذين الوجهين على أن سبب اختلاف الألوان لا يجب أن يكون هو التركب من السواد والبياض ، أظهر من دلالته ، على أن سبب البياض لا يجب أن يكون هو مخالطة الهواء للأجزاء الشفافة مع أن في الملازمتين نظرا ، لجواز أن يقع تركب السواد والبياض على أنحاء مختلفة ، وأن ينعكس السواد عند الاختلاط والامتزاج ، وإن لم ينعكس عند الانفراد ، وقد اقتصر بعضهم على نفي البياض ، وأثبت السواد تمسكا بأن البياض ينسلخ ويقبل محله الألوان بخلاف السواد ، ورد بعد ثبوت الأمرين بأنه : يجوز أن يكون الحقيقي مفارقا والتخيلي لازما ، لزوال سبب الأول ، ولزوم سبب التخيلي ، لا يقال محل (١) البياض يقبل محله جميع الألوان وكل ما يقبل الشيء فهو عار عنه ، ضرورة تنافي القبول والفعل ، لأنا نجيب بمنع الصغرى فإنه إنما يقبل ما سوى البياض الذي فيه ، فلا يلزم إلا عراؤه عنه ، وإن أريد بالقبول معنى الإمكان بحيث يجامع الفعل منعنا الكبرى وهو ظاهر.

وقد يقال : لو كان القابل للشيء واجب العراء عنه لكان الفعل (٢) ممتنع الاتصاف به ، وهو باطل ، وليس بشيء لأن القضية مشروطة ، فلا يلزم إلا امتناع الاتصاف ما دام قابلا وهو حق.

السواد والبياض أصل الألوان

(قال : وقيل : الأصل هو البياض والسواد ، وقيل : والحمرة والصفرة والخضرة أيضا ، والبواقي بالتركيب تعويلا (٣) على مشاهدة ذلك في بعض الصور ، ولا يخفى أنها لا تفيد الحكم الكلي).

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (محل).

(٢) فى (ب) بزيادة لفظ (الفعل)

(٣) في (ج) بقرينة بدلا من (تعويلا).

٢٥٩

القائلون بكون السواد والبياض كيفيتين حقيقيتين منهم من زعم أنهما أصل الألوان والبواقي بالتركيب لما نشاهد من أن البياض والسواد إن اختلطا وحدهما حصلت الغبرة ، وإن خالط السواد ضوءا كما في الغمامة التي تشرق عليها الشمس والدخان الذي يخالطه النار ، فإن كان السواد غالبا حصلت الحمرة ، وإن اشتدت الغلبة حصلت القتمة وإن غلب الضوء حصلت الصفرة ، ثم إن الصفرة إذا خالطها سواد مشرق حصلت الخضرة ثم إن الخضرة إذا انضم إليها سواد آخر حصلت الكراثية (١) ، وإذا انضم إليها بياض حصلت الزنجارية ، ثم الكراثية إن خلطها سواد وقليل حمرة حصلت النيلية ، ثم النيلية إن خالطها حمرة حصلت الأرجوانية وعلى هذا القياس.

ومنهم من زعم أن الأصل هو السواد والبياض والحمرة والصفرة الخضرة والبواقي بالتركيب بحكم المشاهدة ولا يخفى أنهما يفيدان التركيب المخصوص بقيد (٢) اللون المخصوص ، وإما أن ذلك اللون لا يحصل إلا من هذا التركيب ولا يكون حقيقة مفردة فلا(٣).

__________________

(١) في (ب) الكرائية.

(٢) في (ب) يفيد بدلا من (بقيد).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (فلا).

٢٦٠