شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

الثالث : أن البعد إما أن يفتقر إلى المحل. فلا يتجرد ، أو يستغني فلا يحل.

والجواب : أن مبنى الكل على تماثل البعدين (١) وهو حجة (٢)).

قال : احتج القائلون بكون المكان هو السطح ، بأنه لا يعقل منه إلا البعد أو السطح ، والأول باطل لوجوه :

الأول : أنه لو كان هو البعد ، فإما أن يكون متوهما مفروضا ، على ما هو رأي المتكلمين ، وهو باطل. لأن المكان جود ضرورة واستدلالا بأنه يقبل التساوي والتفاوت ، وحيث يقال : مكان هذا مساو لمكان ذاك ، أو زائد عليه ، أو ناقص عنه ، نصف له ، أو ثلث أو ربع ، أو غير ذلك ، وبأنه يقبل الإشارة الحسية ، وانتقال الجسم منه وإليه ، حيث يقال : انتقل الجسم من هذا المكان إلى ذلك ، والاتصاف بالصغر والكبر ، والطول والقصر ، والقرب والبعد ، والاتصال والانفصال ، إلى غير ذلك ، ولا شيء من العدم المحض والنفي(٣) الصرف كذلك.

وإما أن يكون متحققا موجودا ، على ما هو رأي أفلاطون ومن تبعه ، وهو أيضا باطل ، لأنه إن كان قابلا للحركة الآنية ، التي هي الانتقال من مكان إلى مكان ، كان له مكان.

وينقل الكلام إليه ليلزم ترتب الأمكنة لا إلى نهاية ، وهو محال لما مر في إبطال التسلسل ، ولأن جميع الأمكنة الغير المتناهية ، لكونه من جنس البعد ، على ما هو المفروض يكون قابلا للحركة ، مفتقرا إلى المكان فيلزم أن يكون ذلك المكان داخلا في جملة الأمكنة ، لكونه واحدا منها ، وأن يكون خارجا عنها لكونه ظرفا (٤) لها ، وذلك محال ، وإن لم يكن ذلك البعد الذي هو

__________________

(١) في (ج) البعد بدلا من (البعدين).

(٢) في (ج) بزيادة لفظ (وهو حجة).

(٣) نفى الشيء نفيا نحاه وأبعده ، يقال : نفى الحاكم فلانا أخرجه من بلده وطرده. ونفيت الحصى عن الطريق ، ونفى السيل الغثاء ، ويقال نفت السحابة ماءها أسالته وصبته ، ونفت الريح التراب نفيا ونفيانا أطارته. (المعجم الوسيط ج ٢).

(٤) في (ب) طرفا بدلا من (ظرفا).

٢٠١

المكان قابلا للحركة. لزم أن يكون الجسم قابلا للحركة ، لأنه ملزوم للبعد المنافي لقبول الحركة، وملزوم منافي الشيء مناف لذلك الشيء ، الثاني : أن المكان لو كان هو البعد ، وهو موجود ضرورة واستدلالا لزم من تمكن الجسم في المكان تداخل البعدين ، أي نفوذ البعد القائم به ، في البعد الذي هو مكانه ، لأن (١) هذا معنى التمكن عندهم ، واللازم باطل. للقطع بأنه ليس في الإناء المملوء من الماء إلا بعد واحد ، ولأنه يستلزم اجتماع المثلين ، أعني البعدين في محل واحد هو المتمكن (٢) ، ولأنه يستلزم ارتفاع الآنات عن البديهيات ، لكون هذا البعد ذراعا واحدا مثلا لجواز أن يكون ذراعين أو أكثر تداخلا ، وككون المتمكن بمكانه في المقدار لجواز أن يكون (٣) بعد أحدهما أزيد من الآخر ، حصل من تداخلهما هذا المقدار المشاهد ، وكل ذلك منتف بالاتفاق.

الثالث : أن البعد في نفسه إما أن يفتقر إلى المحل ، فيمتنع تجرده عن المادة ، على ما يدعونه في البعد الذي هو المكان ، وإما أن يستغنى عنه فلا يحل في المادة ، على ما هو شأن البعد القائم بالجسم ، لأن معنى حلول العرض في المحل اختصاصه ، بحيث يفتقر إليه في التقوم ، فلا يرد ما قيل : إنه يجوز أن لا يفتقر في نفسه إلى المحل ، ويعرض له الحلول فيه.

وأجيب عن الكل بأنه .. يجوز أن يكون البعد القائم بالجسم ، مخالفا بالماهية البعد المفارق ، وإن اشتركا في ذاتي أو عرضى هو مطلق البعد ، فلا يمتنع اختصاصه بقبول الحركة ، واقتضاء المحل ، واختصاص البعد المفارق بإمكان النفوذ فيه ، ولا يكون اجتماعهما من اجتماع المثلين ، على أن ما ذكر من تعدد البعدين في التمكن ، واجتماع المثلين ليس بمستقيم لأن أحدها في التمكن والآخر فيه المتمكن.

(قال : حجة (٤) البعد.

__________________

(١) في (أ) بزيادة (لأن).

(٢) في (ب) التمكن بدلا من (المتمكن).

(٣) سقط من (ب) من قوله : ذراعين إلى لفظ (يكون).

(٤) الحجة : اسم مضعف على زنة فعله لبرهان أهل الحق والدلالة البينة للحجة ، أي المقصد : ـ

٢٠٢

أنه لو كان السطح لم يساو التمكن ، كما إذا جعلنا المدور صفحة دقيقة وبالعكس ، ولم تقم الأجسام ، إذ لا حاوي للمحيط وتبدلت الأحكام.

إذ الطير الساكن في الهواء الهارب يستبدل السطوح ، فيلزم تحركه ، والقمر المتحرك لا يستبدلها فيلزم سكونه ، ومكان زيد حين ملأه الهواء موجود ، ويلزم عدمه ، إلى غير ذلك من الأمارات ، التي ربما تفيد قوة الظن ، وإن لم يتم برهانا).

قال : حجة البعد ، احتج القائلون بكون المكان هو البعد ، بأنه لو كان هو السطح ، لزم انتفاء أمور يحكم بديهة العقل بثبوتها منها مساواة المكان للمتمكن ، فإن الشمعة المدورة إذا جعلناها صفحة رقيقة ، كان السطح المحيط بها أضعاف المحيط بالمدورة ، وإذا جعلنا الصفحة المدورة ، كان السطح المحيط بها اقل من المحيط بالصفحة ، مع أن (١) الجسم في الحالين واحد. وكما إذا (٢) جعلنا في المكعب نقرة عميقة ، يزيد السطح المحيط به مع انتقاص (٣) الجسم ، ومنها كون كل جسم في مكان ، مع أن الجسم المحيط بالكل لا يحويه جسم ، ليكون سطحه الباطن مكانا (٤) له ، ومنها سكون الطير الواقف في الهواء عند هبوب الرياح ، فإنه يتبدل عليه السطوح المحيطة به ، مع أن تبدل الأمكنة إما (٥) نفس الحركة الأينية (٦) ، أو ملزوم لها ، ومنها حركة القمر الدائر (٧) ، لأن السطح المحيط به من فلكه واحد لا يتبدل ، وعدم تبدل المكان ملزوم السكون ، لأن تبدله لازم الحركة ، أو نفسها ، ومنها

__________________

ـ المستقيم الذي يقتضي صحة أحد النقيضين. وقد وردت الحجة في القرآن بمعنى المنافرة والمخاصمة قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ). وورد بمعنى البرهان تارة من المؤمنين مع الكفار قال تعالى : (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ). وتارة من الكفار بحسب اعتقادهم الباطل قال تعالى : (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا). وتارة مع ابراهيم عليه‌السلام في تمهيد قواعد الإيمان (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ).

(بصائر ذوي التمييز ج ٢ ص ٤٣١).

(١) سقط من (أ) حرف (أن).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (كما)

(٣) في (أ) انتقاض بدلا من (إسقاط).

(٤) في (ب) الناظر بدلا من (الباطن).

(٥) سقط من (ب) لفظ (إما).

(٦) في (ب) الأنية وهو تحريف.

(٧) في (ب) الدابر بدلا من (الدائر).

٢٠٣

بقاء المكان الذي خرج منه زيد ، مع أنه قد ملأه الهواء ، فلم يبق ما كان فيه من السطح المحيط بزيد ، ومنها كون كل جزء من أجزاء الجسم في حيز ، مع أن الأجزاء الباطنة من الماء مثلا ، لا تكون في سطح من الهواء إلا بطريق التبعية والتجوز.

كما يقال : الماء في الفلك. ومنها عدم توقف الحكم بكون الجسم هاهنا ، أو هناك. على أنه هل يحيط به جسم أم لا.؟

ومنها : أنا نتصور جسما لا يماسه شيء ، بل يوجد وحده مع امتناع أن يتصور جسما لا يكون في حيز ، ومنها أنا نقطع بأن كلا من القطب (١) الجنوبي ، والشمالي في حيز آخر ، وأن كل نقطة على سطح الفلك المحيط يتحرك بحركة من موضع إلى موضع.

وبالجملة فهذه وأمثالها ، أمارات تفيد قوة الظن ، بأن المكان هو البعد لا السطح ، وإن كان للمناقشة مجال (٢) في استحالة بعض اللوازم ، أو في لزومها على ما لا يخفى.

المقام الثاني

(قال : المقام الثاني :

إن الخلاء ممكن أو ممتنع .. حجة الإمكان وجوه.

الأول : إذا رفعنا (٣) صفحة ملساء عن مثلها دفعة ، لزم في أول زمان الارتفاع ، خلو الوسط ضرورة. أنه إنما يمتلئ عندكم بانتقال الهواء إليه وذلك بعد المرور بالأطراف.

ورد : بعد تسليم إمكان الارتفاع بمنع إمكانه دفعة ، أو في آن فإنه حركة

__________________

(١) القطب : المحور القائم المثبت في الطبق الأسفل من الرحى يدور عليه الطبق الأعلى ، ومنه قطب الدائرة ، وللأرض قطبان شمالي وجنوبي ، والنجم القطبي الشمالي هو النجم المنير في طرف ذنب بنات نعش الصغرى (الدب الأصغر) وهو الذي يتوخى به جهة الشمال لوقوعه في سمك القطب الشمالي للكرة الأرضية ، والقطب من القوم : سيدهم ، والقطب من الشيء قوامه ومداره.

(٢) في (ب) يحال بدلا من (مجال).

(٣) في (ب) فرضنا بدلا من (رفعنا).

٢٠٤

تقتضي زمانا ، وإن أريد بكونه دفعة كون ارتفاع الأجزاء معا ، لئلا يلزم التفكك. فغير مفيد لجواز أن يمر الهواء إلى الوسط في زمان الارتفاع. ففي الجملة الخصم بين منع اللزوم وإمكان اللزوم.

الثاني : لو لا الخلاء لامتنع انتقال الجسم من مكان إلى مكان ، لأن ما في المكان الثاني إن انعدم وحدث في المكان الأول جسم آخر ، فخلاف مذهبكم ، وان استقر مكانه لزم التداخل ، أو تكاثفه ، وتخلخل ما حول المكان الأول ، وذلك بثبوت الهيولي وسنبطله ، أو تحقق الخلاء (١) ، وقد فرض عدمه ، وإن انتقل عنه ، فإما إلى المكان الأول فيلزم الدور لتوقف كل من الانتقالين على الآخر ، وإما إلى آخر فيتلاحق المتصادمات لا إلى نهاية.

ورد : بعد تمام بطلان الهيولي ، بأنه إن أريد بالتوقف امتناع كل منهما بدون الآخر ، فلا ثم استحالة لجواز أن يقعا معا كما في عصامير الدولاب ، أو بصفة التقدم فلا ثم لزومه.

الثالث : لو لا الخلاء لكان كل سطح ملاقيا لسطح آخر ، لا إلى نهاية.

ورد : بأنه ينتهي إلى عدم صرف لا بعد ، وفراغ يمكن أن يشغله شاغل ، وهو المعنى بالخلاء المتنازع فيه.

الرابع : أن المشاهدة (٢) كما في القارورة (٣) الممصوصة جدا بحيث يصعد إليها الماء والزق المسدود الرأس والمسام بحيث لا يدخل الهواء إذا رفع أحد جانبيه عن الآخر.

__________________

(١) الخلاء : الفضاء الواسع الخالي من الأرض ، والخلاء : المتوصلة لخلوه. والخلاء : من الأمكنة الذي لا أحد به ، ولا شيء فيه. ويقال : أنا منه خلاء وبراء ، ونحن منه خلاء أيضا.

(٢) في (أ) بزيادة حرف (أن).

(٣) القارورة واحدة القوارير من الزجاج.

٢٠٥

ورد : بجواز تخلخل ما يبقى من قليل الهواء).

قال : المقام الثاني : المتنازع هو الخلاء بمعنى فراغ لا يشغله شاغل ، سواء سمى بعدا أو لم يسم ، وسواء جعل متحققا موجودا ، أو موهوما.

فإن قيل : فما معنى (١) القول بإمكانه عند من جعله نفيا محضا وعدما صرفا ، لا يتحقق أصلا؟.

قلنا : معناه أنه يمكن الجسمان ، بحيث لا يتماسان ولا يكون بينهما ما يماسهما.

احتج القائلون بإمكان الخلاء بوجوه :

لأول : لو فرضنا صفحة ملساء فوق أخرى مثلها بحيث يتماس سطحاهما المستويان ، ولا يكون بينهما جسم (٢) أصلا. ورفعنا إحداهما عن الأخرى دفعة ، ففي أول زمان الارتفاع يلزم خلو الوسط ، ضرورة أنه إنما يمتلئ بالهواء ، الواصل إليه من الخارج بعد المرور بالأطراف والمقدمات ، أعني إمكان الصفحة الملساء ، أي الجسم الذي له سطح (٣) مستو ، ليس فيه ارتفاع وانخفاض ، ولا انضمام أجزاء من غير اتصال واتحاد ، وكون التماس بين السطحين لا بين أجزاء لا تتجزأ من الجانبين ، وإمكان رفع العليا من السفلى دفعة ، بحيث لا يكون ارتفاع أحد الجانبين قبل ارتفاع الآخر ، ليلزم التفكك ، وعدم حصول الهواء في الوسط (٤) عند الارتفاع بخلق الله تعالى ، أو بالوصول إليه من المنافذ ، أو المسام بين أجزاء لا تتجزأ مسلمة عندهم ، مبنية على أصولهم.

أجيب : بمنع إمكان ارتفاع العليا من السفلى حينئذ (٥) بل هو عندنا محال ،

__________________

(١) في (ب) فيما مضى وهو تحريف.

(٢) في (ب) جنس بدلا من (جسم).

(٣) في (ب) لم يسطح وهو تحريف.

(٤) في (ب) الأوسط.

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (حينئذ).

٢٠٦

جاز أن يستلزم محالا ، ولو سلم إمكان الارتفاع في الجملة.

فإن أريد بكونه دفعة ، كونه في آن لا ينقسم أصلا ، فلا نسلم (١) إمكانه ، كيف والارتفاع حركة تقتضي زمانا ، وإن أريد كون حركة جميع الأجزاء معا ، لئلا يلزم التفكك ، فلا نسلم (٢) استلزامه للخلاء ، فإنه حركة لها زمان ، يجوز أن يمر الهواء من الأطراف إلى الوسط ، في ذلك الزمان ، ففي الجملة الخصم بين منع اللزوم ، ومنع إمكان اللزوم ، ولا يتم المطلوب إلا بثبوتها.

نعم : لو جعل اللزوم هو اللاوصول ، أعني لا مماسة السطحين الحاصلة عند الارتفاع، إلزاما لمن يقول بكون اللاوصول آنيا يتعين منع إمكان الملزوم (٣).

الثاني : لو لم يمكن الخلاء ، بل لو لم يوجد ، لامتنع حركة الجسم من مكان إلى مكان، لأنه إذا انتقل إلى مكان الجسم (٤) ، فالجسم الشاغل لذلك المكان ، إما أن ينعدم ويحدث جسم آخر يشغل المكان المنتقل عنه ، وهذا باطل باعترافكم ، بل (٥) بشهادة العقل في كثير من المواضع ، كحركة عصامير الدولاب كل إلى حيز آخر ، وإما أن لا ينعدم ، وحينئذ : فإما أن يستقر في مكانه ، أو ينتقل عنه ، وإن استقر ، فإما أن يبقى على مقداره ، فيلزم تداخل البعدين مادتين ، واجتماع الجسمين في حيز واحد وهذا باطل (٦) اتفاقا وضرورة.

وإما أن لا يبقى ، بل يتكاثف ، أي يصغر مقداره : بحيث يحصل للجسم المتحرك حيز يسعه ، وذلك إما أن يكون الجسم ذا مادة تقبل المقادير المتفاوتة في الصغر والكبر ، وذلك قول بالهيولى ، وسنقيم الدلالة على بطلانها ، أو لكونه

__________________

(١) في (ب) فلا ثم.

(٢) في (ب) فلا ثم.

(٣) في (أ) بزيادة (إمكان).

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (الجسم).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (بل).

(٦) سقط من (ب) جملة (وهذا باطل).

٢٠٧

ذات أجزاء بينهما فرج (١) خلاء قد تقاربت تلك الأجزاء بحيث حصل خلاء ، يسع الجسم المتحرك ، فيلزم الخلف ، لتحقق الخلاء على تقدير عدمه. هذا إن استقر الجسم الشاغل للمكان الثاني في مكانه ، وإن انتقل عنه فإما إلى المكان الأول فيلزم الدور لتوقف انتقال كل إلى مكان الآخر ، على انتقال الآخر عن مكانه لامتناع الاجتماع ، وتوقف انتقاله عنه على انتقال الأول إليه ، لئلا يلزم خلوه ، وإما إلى مكان آخر فيلزم تصادم الأجسام بأسرها ، وتعاقب الحركات (٢) لا إلى نهاية ، ويؤول إلى الدور ضرورة تناهي الأجسام ، وبعض هذه الترديدات تجري في المكان الذي ينتقل عنه الجسم ، فإنه إما أن يبقى خاليا ، أو يصير مملوءا ، بانتقال جسم آخر إليه ، أو يتخلخل ما حوله من الأجسام بطريق ثبوت الهيولي أو فرج الخلاء ، فتعين أن يكون المكان الذي ينتقل إليه الجسم ، إما خلاء محضا وإما مملوءا بجسم فيه فرج خلاء يقل وتتقارب الأجزاء فيحصل للجسم المنتقل إليه (٣) مكان ، وتكون حركة السمكة في البحر من هذا القبيل. فلا ترد نقضا على ما ذكرنا من الدليل ، وأجيب بأن دليل إبطال الهيولي لا يتم لما سيأتي ، بل غاية الأمر القدح في مقدمات إثباتها ، وهو لا يفيد في معرض الاستدلال ، ولو سلم فإن أريد بتوقف انتقال كل من الجسمين إلى مكان الآخر على انتقال الآخر إلى مكانه امتناع كل منهما بدون الآخر كما في المتضايفين ، فلا نسلم استحالته ، لجواز أن لا يكون بصفة التقدم ، بل المعية كما في عصامير الدولاب ، فإن انتقال كل منها إلى حيز السابق يتوقف على انتقال اللاحق إلى حيز (لئلا يلزم الخلاء بل التفلك يتوقف على انتقاله إلى حيز وانتقال اللاحق إلى حيز السابق) (٤)

__________________

(١) الفرجة بالضم : فرجة الحائط وما أشبه ، يقال بينهما فرجة أي انفراج ، وفي الحديث : لا يترك في الإسلام (فرج). قال الأصمعي : هو بالحاء وأنكر الجيم. وقال أبو عبيد : قال محمد بن الحسن : يروى بالجيم والحاء ومعناه بالجيم القتيل يوجد بأرض فلاة لا عند قرية ، يقول : يؤدي من بيت المال. وقال أبو عبيدة : هو الذي لا يوالي أحدا فإذا جنى جناية كانت في بيت المال لأنه لا عاقلة له.

(٢) في (ب) وتفاوت.

(٣) سقط من (أ) لفظ (إليه).

(٤) ما بين القوسين سقط من (أ).

٢٠٨

لئلا يلزم اجتماع جسمين (١) في حيز واحد (٢) ، وهذا هو المعنى بدور المعية ، وإن أريد التوقف بمعنى احتياج كل إلى الآخر احتياج المسبوق إلى السابق ، حتى يكون دور تقدم (٣) فلا نسلم لزومه ، وما ذكرتم لا يفيد ذلك وربما يمنع ابتناء التخلخل والتكاثف ، على تحقق الهيولي أو فرج الخلاء.

الثالث : أنه لو لم يوجد الخلاء لكان كل سطح ملاقيا لسطح آخر لا إلى نهاية ، لأن معنى تحقق الخلاء ، كون الجسم بحيث لا يماسه جسم آخر ، واللازم باطل. لما سيجيء من تناهي الأجسام ، وأجيب بمنع اللزوم ، بل تنتهي الأجسام إلى سطح ، لا يكون فوقه شيء ، والعدم الصرف ليس فراغا يمكن أن يشغله شاغل ، على ما هو المراد بالخلاء المتنازع فيه :

الرابع : إنا نشاهد أمورا تدل على تحقق الخلاء قطعا.

منها : أن القارورة إذا مصت جدا ، بحيث خرج ما فيها من الهواء ، ثم كبت (٤) علىالماء تصاعد إليها الماء ، ولو لم تصر خالية ، بل كان فيها ملء لما دخلها الماء كما قبل المص ، ومنها أن الزق إذا ألصق أحد جانبيه عن الآخر بالآخر. (بحيث لا يبقى بينهما هواء ، وسد رأسه وجميع مسامه بالقار ، بحيث لا يدخل الهواء من خارج ، فإذا رفعنا أحد جانبيه عن الآخر) (٥). حصل فيه الخلاء ، ومنها أن الزق إذا بولغ في تمديده وتسديد مسامه ، ثم نفخ فيه بقدر الإمكان فإذا غرز فيه مسلة ، بل مسلات فإنها تدخله بسهولة ، فلو لم يكن فيه خلاء (٦) لما دخلت ، لامتناع التداخل ، ومنها أن ملء الدن من الشراب إذا جعل في زق ، ثم جعلا في ذلك الدن فإنه يسعهما ، ولو لم يكن في الشراب فرج خلاء بقدر الزق لما أمكن ذلك.

__________________

(١) في (آ) الجسمين.

(٢) سقط من (ب) لفظ (واحد).

(٣) في (أ) مقدم بدلا من (تقدم).

(٤) في (ب) كب بدلا من (كبت).

(٥) ما بين القوسين سقط من (أ).

(٦) سقط من (أ) كلمة (خلاء).

٢٠٩

وأجيب : بأن شيئا مما ذكر لا يستلزم الخلاء ، لجواز لجواز أن يتخلخل قليل هواء يبقى في القارورة ، ثم يعود إلى مقداره الطبيعي عند ترك المص (١) فيتصاعد الماء ضرورة امتناع الخلاء وكذا يجوز أن يبقى بين جانبي الزق قليل هواء فيتخلخل عند الارتفاع ، وأن ينفذ الهواء في المسام وإن بولغ في تسديدها ، وكذا الزق المفتوح تدخله المسلة ، لتكاثف ما فيه من الهواء ، أو لخروج بعضه من المسام ، وأما شراب الدن فلجواز أن يتكاثف ، أو يتبخر ، ويتخلخل منه بالأعصار شيء يسير على مقدار الزق.

(قال : حجة الامتناع.

أنه لو وجد لزمتها محالات.

الأول : تساوي وجود المعاوق (٢) وعدمه ، فيما اذا فرضنا من جسم حركة ، في فرسخ خلاء وليكن ساعة ، وأخرى مثلها في فرسخ ملاء وليكن ساعتين ، وأخرى مثلها في فرسخ ملاء قوامه نصف قوام الأول ، فيكون أيضا ساعة ضرورة أن تفاوت الزمان بحسب تفاوت المعاوق. واعترض بأن الحركة تستدعي بنفسها زمانا ، ففي الملاء الأرق يكون ساعة بإزاء نفس الحركة كما في الخلاء ، ونصف ساعة بإزاء القوام الذي هو نصف القوام الأول.

فإن قيل : (٣) الحركة لا تخلو عن سرعة وبطء ، لكونها في زمان ، ينقسم لا إلى نهاية ، فإن أريد بنفس الحركة المجردة عنهما فلا يوجد ، فلا يستدعي شيئا ، أو التي في (٤) ضمن الجزئيات فلا تقتضي زمانا ، وأن اقتضى كل حركة تعني (٥) في جزء منه ، وهو محال.

قلنا : قد لا ينقسم (٦) الزمان إلا وهما ، فتستحيل الحركة في جزء منه ، ولو سلم.

__________________

(١) في (أ) المصة بزيادة (تاء).

(٢) في (ب) المعلوق وهو تحريف.

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (قيل).

(٤) في (ج) بزيادة حرف (في).

(٥) في (ج) تعني بدلا من (حتى).

(٦) في (ج) بزيادة حرف (لا).

٢١٠

فالمقصود أن نفس الحركة المخصوصة تستدعي قدرا من الزمان ، بحسب حال المحرك أو المتحرك ، ثم قد يزاد بحسب حال المعاوق وقد لا يزاد كما في الخلاء).

قال : احتج القائلون بامتناع الخلاء ، أي كون الجسمين بحيث لا يتماسان ، ولا يكون بينهما جسم يماسهما ، بل فراغ يمكن أن يشغله شاغل موجودا كان أو معدوما بوجوه.

الأول : أنه لو تحقق الخلاء لزم أن يكون زمان الحركة مع المعاوق ، مساويا لزمان تلك الحركة بدون المعاوق ، واللازم ظاهر البطلان.

بيان اللزوم : أنا نفرض حركة (١) جسم في فرسخ من الخلاء ، ولا محالة تكون في زمان. (ولنفرضه ساعة ، ثم نفرض حركة ذلك الجسم بتلك القوة بعينها في فرسخ من الملاء ، ولا محالة تكون في زمان) (٢). أكثر لوجود المعاوق ، ولنفرضه ساعتين ، ثم نفرض حركته بتلك القوة في ملاء أرق قواما من الملاء الأول على نسبة زمان حركة الخلاء إلى زمان حركة الملاء الأول ، أي يكون قوامه نصف قوام الأول ، فيلزم أن يكون زمان الحركة في الملاء الأرق ساعة ضرورة أنه إذا اتحدت المسافة والمتحرك ، والقوى المحركة لم تكن السرعة والبطء. أعني قلة الزمان وكثرته ، إلا بحسب قلة المعاوق وكثرته ، فيلزم تساوي زمان حركة ذي المعاوق. أعني في الملاء الأرق ، وزمان حركة عديم المعاوق أعني التي في الخلاء.

واعترض أولا : بمنع إمكان قوام ، تكون على نسبة زمان الخلاء إلى زمان الملاء ، وإنما يتم لو لم يكن ينتهي (٣) القوام إلى ما لاقوام أرق منه ، وهو ممنوع.

__________________

(١) في (أ) و (ب) إما نعرض بدلا من (أنا نفرض).

(٢) ما بين القوسين سقط من (أ).

(٣) في (ب) يكن بدلا من (ينتهي).

٢١١

وثانيا : يمنع انقسام المعاوق ، بانقسام القوام ، بحيث يكون جزء المعاوق معاوقا ، وإنما يتم لو ثبت أن المعاوقة قوة سارية في الجسم ، منقسمة بانقسامه ، غير متوقفة على قدر من القوام بحيث لا يوجد بدونه.

وثالثا : بمنع امتناع أن تنتهى المعاوق. من الضعف ، إلى حيث يساوي وجوده عدمه.

ورابعا : وهو المنع المعول عليه ، إذ ربما يمكن إثبات المقدمات (١) ، سيما على أصول الفلاسفة ، أنه لا يلزم من كون المعاوقتين على نسبة الزمانين أن يكون (٢) زمان قليل المعاوق مساويا لزمان عدميه ، وإنما يلزم لو لم يكن الزمان إلا بإزاء المعاوقة ، وأما إذا كانت الحركة بنفسها ، تستدعي شيئا من الزمان ، كالساعة المفروضة في الخلاء فلا ، إذ في المعاوق القليل تكون ساعة بإزاء نفس الحركة ، كما في الخلاء ، ونصف ساعة بإزاء المعاوقة التي هي نصف المعاوقة الكثيرة ، التي تقع ساعة بإزائها ، وهذا الاعتراض لأبي البركات ، ومعناه على ما يشعر به كلامه ، في المعتبر أن كل ما يقع من الحركة ، وهي من جهة القوة المحركة ، والجسم المتحرك يستدعي زمانا محدودا يجزم العقل بذلك ، وإن لم يتصور معاوقة المخروق ثم يزداد الزمان إن تحققت المعاوقة ، فيكون البعض منه بإزاء المعاوقة والبعض بإزاء الحركة ، وهو زمان الخلاء ، ويتفاوت بحسب قوة المحرك وخاصية المتحرك ، والمراد بنفس الحركة حركة (٣) ذلك الجسم بتلك القوة من غير اعتبار معاوقة المخروق لا ماهية الحركة ، من حيث هي هي ، ليدفع الاعتراض بأنها لو اقتضت قدرا من الزمان لزم ثبوت ذلك القدر لكل من جزئيات الحركة ، لامتناع تخلف مقتضى الماهية ، واللازم باطل كما في الحركة المفروضة في جزء (٤) من ذلك (٥) القدر من الزمان ، ولا الحركة المجردة من السرعة والبطء ليدفع بما ذكره بعض المحققين : من أن الحركة

__________________

(١) في (ب) القدمات وهو تحريف.

(٢) في (أ) بزيادة (يكون).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (حركة).

(٤) في (ب) جرية وهو تحريف.

(٥) في (ب) في بدلا من حرف الجر (من).

٢١٢

تمتنع أن توجد إلا على (١) حد السرعة والبطء ، لأنها لا محالة تكون في مسافة وزمان ينقسم مل منها لا إلى نهاية.

وإذا فرضنا وقوع أخرى تقطع تلك المسافة في نصف ذلك الزمان فالأولى أبطأ منها ، أو في ضعفه فأسرع ، فالحركة المجردة لا (٢) توجد وما لا يوجد لا يستدعي شيئا ، ويرد على الوجهين أن زمان الحركة قد يكون بحيث لا ينقسم إلا وهما ، فيكون (٣) الحركة في جزء منه محال ، والمحال جاز أن يستلزم المحال ، فلا يكفي في إثبات بطء الأولى ونفي كونها أسرع الحركات فرض وقوع الأخرى ، ما لم يتبين إمكانها.

فإن قيل : سلمنا انتفاء البطء لكن لا خفاء في ثبوت السرعة ، لإمكان وقوع الأخرى في زمان أكثر ، فلا تثبت المجردة من السرعة والبطء :

قلنا : دفع الاعتراض إنما يبتنى على ثبوت البطء ليتفرع عليه كون الزمان بحسب المعاوقة ، وذكر الساعة إنما هو بحكم المقابلة ، ولهذا عبر في المواقف عن هذا الدفع بأن الحركة لو اقتضت زمانا لذاتها لكانت الحركة الواقعة فيه أسرع الحركات على ما مر.

وقد يقال في تقرير كلام المحقق : إن الحركة لا توجد إلا مع وصف السرعة والبطء (٤) وهما بحسب المعاوقة فلا حركة إلا مع المعاوقة (٥) ، فإذا كان الزمان بإزاء الحركة كان بإزاء المعاوقة ، وإن لم يكن لها دخل في اقتضائه ، وحينئذ لا يرد الاعتراض بأن امتناع وجود الحركة بدون السرعة والبطء لا ينافي استدعاءها بنفسها شيئا من الزمان ، ولا النقض باللوازم التي تقتضيها الماهية ، مع امتناع أن توجد إلا مع شيء من العوارض ، لكنه لا يدفع اعتراض أبي

__________________

(١) في (أ) بزيادة (على).

(٢) في (أ) بزيادة الحرف (لا).

(٣) في (ب) فتكون.

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (البطء).

(٥) في (ب) سقط (فلا حركة إلا مع المعاوقة).

٢١٣

البركات ، ولا تثبت دعوى المحقق أن الحركة نفسها لا تستدعي شيئا من الزمان.

(قال : الثاني : امتناع حصول الأجسام ، اذ لا أولوية لبعض الجوانب.

ورد : بجواز استناد الاختصاص إلى أسباب خارجة.

الثالث : وصول الحجر المرمي إلى السماء لعدم المعاوق.

ورد : بأنه لا يقتضي عدمه مطلقا.

الرابع : انتفاء ما يشاهد من ارتفاع اللحم في المحجمة (١) ، والماء في الأنبوبة ، وعدم نزول الماء من ثقبة الكوز المسدود (٢) الرأس ، وانكسار القارورة التي في رأسها خشبة إلى خارج إن أدخلت وإلى داخل إن أخرجت.

ورد : بجواز أن يكون لأسباب أخر (٣)).

قال الثاني : الوجه الثاني أنه لو وجد الخلاء لامتنع حصول الجسم فيه ، لأن اختصاصه بحيز من دون حيز ترجح بلا مرجح ، لكونه نفيا صرفا ، أو بعدا متشابها ، ليس فيه اختلاف أصلا ، لكون اختلاف الأمثال بالمواد ، وأجيب بعد تسليم المتشابه : بأنه لا رجحان بالنسبة إلى جميع العالم على تقدير تناهي الخلاء ، لأنه في جميع الأجزاء ، وأما على تقدير لا تناهيه أو بالنسبة إلى جسم فيجوز أن يكون الرجحان بأسباب خارجة كإرادة المختار ، وكون طبيعة بعض الأجسام مقتضية للإحاطة بالكل ، وبعضها للقرب من المحيط أو البعد عنه.

الوجه الثالث : أنه لو وجد الخلاء بين الارض والسماء لزم في الحجر المرمي إلى فوق أن يصل إلى السماء لأن الرامي قد أحدث فيه قوة صاعدة ، لا تقاومها الطبيعة إلا بمعونة مصادمات من الملاء.

__________________

(١) في (أ) و (ب) المجسمة.

(٢) في (ج) المشدود.

(٣) في (ج) لأشياء بدلا من (لأسباب).

٢١٤

وأجيب بأنه مع ابتنائه على تقدير نفي (١) الفاعل المختار ، إنما ينفي كون (٢) ما بين الأرض والسماء خلاء صرفا ، ولا ينفي وجود خلاء خارج عما بينهما أو مختلط بالأجزاء الهوائية.

الوجه الرابع : أن لو وجد الخلاء لزم انتفاء أمور نشاهدها ، ونحكم بوجودها قطعا كارتفاع اللحم في المحجمة عند المص ، فإنه لما انجذب الهواء بالمص تبعه اللحم لئلا يلزم الخلاء ، وكارتفاع الماء في الأنبوبة ، إذا غمس أحد طرفيها في الماء ، ومص الطرف الآخر ، وكبقاء الماء في الكوز ، الذي في أسفله ثقبة ضيقة ، من غير أن ينزل من الثقبة عند سد رأس (٣) الكوز ، لئلا يبقى حيز الماء خاليا ، ونزوله على ما هو مقتضى طبعه عند فتح الرأس لدخول الهواء ، وكانكسار القارورة التي جعلت في رأسها خشبة ، وشدت بحيث لا يدخل فيها ولا يخرج عنها هواء ، ثم أخرجت الخشبة ، فإن القارورة تنكسر إلى الداخل لئلا يبقى حيز الخشبة خاليا ، وإذا دخلت (٤) تنكسر القارورة إلى الخارج ، لما أن فيها ملاء لا يجامع الخشبة ، وأجيب بأنه يجوز أن يكون ذلك لأسباب أخر ، فإن غاية هذه الأمور لزومها لانتفاء الخلاء ، واللازم قد يكون أعم فلا يصح الاستدلال بوجوده على وجود الملزوم.

نعم : ربما يفيد يقينا (٥) حدسيا للناظر لكن لا يقوم به حجة على المناظر.

__________________

(١) في (ب) تقدير بسقوط (نفي).

(٢) في (ب) يبقي بدلا من (ينفي).

(٣) في (ب) راتين وهو (تحريف).

(٤) في (أ) وإن بدلا من (إذا).

(٥) في (ب) تعينا بدلا من (يقينا).

٢١٥
٢١٦

الفصل الثالث

في الكيف

وهو أقسام :

القسم الأول : الكيفيات المحسوسة

القسم الثاني : الكيفيات النفسانية

القسم الثالث : الكيفيات المختصة

القسم الرابع : الكيفيات الاستعدادية

٢١٧
٢١٨

الفصل الثالث

في الكيف

(قال : الفصل الثالث : في الكيف (١).

هو عرض لا يقتضي لذاته (٢) قسمة أو نسبة ، وقد يزاد.

أولا : قسمة احترازا عن الوحدة والنقطة).

قال : لا طريق إلى تعريف الأجناس العالية سوى الرسوم الناقصة ، إذ لا يتصور لها جنس وهو ظاهر ، ولأن التركب من الأمرين المتساويين ليكون كلا منهما فصلا مجرد احتمال عقلي لا يعرف تحققه ، بل ربما تقام الدلالة على انتفائه. (أي انتفاء التركيب من الأمرين المتساويين) (٣). ولم يظفر للكيف

__________________

(١) الكيفية اسم لما يجاب به عن السؤال بكيف ، كما أن الكمية اسم لما يجاب به عن السؤال بكم (راجع كليات أبي البقاء). والكيفية : إحدى مقولات أرسطو وقد عرفها القدماء بقولهم : الكيف : هيئة قارة في الشيء لا يقتضي قسمة ، ولا نسبة لذاته فقوله : هيئة يشمل الأعراض كلها ، وقوله : قارة في الشيء احتراز عن الهيئة الغير قارة كالحركة والزمان والفعل والانفعال ، وقوله : لا يقتضي قسمة : يخرج الكم ، وقوله ولا نسبة : يخرج الأعراض ، وقوله : لذاته : ليدخل فيه الكيفيات المقتضية للقسمة ، والنسبة بواسطة اقتضاء محلها ذلك.

(راجع تعريفات الجرجاني).

أما المحدثون : فإنهم يعرفون الكيفية بقولهم : إنها هيئة أو صفة يمكن إثباتها في أو نفيها عنه ، ولذلك قسم (كانت) مقولة الكيف ثلاثة أقسام وهي : الإيجاب ، والسلب والتحديد.

(٢) في (ب) بزيادة لفظ (لذاته).

(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).

٢١٩

بخاصة لازمه شاملة سوى المركب من العرضية والمغايرة للكم وللأعراض النسبية إلا أن التعريف بها كان تعريفا للشيء بما يساويه في المعرفة والجهالة لأن الأجناس العالية ليس بعضها أجلى من البعض فعدلوا عن ذكر كل من الكم والأعراض النسبية إلى ذكر خاصته التي هي أجلى ، وقالوا : هو (١) عرض لا يقتضي لذاته قسمة (٢) ، ولا يتوقف تصوره على تصور غيره ، فخرج الجوهر والكم والأعراض النسبية ، ومن جعل النقطة والوحدة من الأعراض زاد قيد (٣) عدم اقتضاء اللاقسمة ، احترازا عنهما ، وقيدوا عدم اقتضاء القسمة واللاقسمة بالذات والأولية لئلا يخرج عن التعريف العلم بالمركب وبالبسيط ، حيث يقتضي القسمة واللاقسمة نظرا إلى المتعلق.

فإن قيل : من الكيفيات ما يتوقف تعقله على تعقل شيء آخر كالعلم (٤) والقدرة (٥) ، والاستقامة ، والانحناء ، ونحو ذلك.

قلنا : ليس هذا يتوقف ، وإنما هو استلزام واستعقاب بمعنى أن تصوره

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (هو).

(٢) القسمة عند المنطقيين مرادفة للتقسيم وهو إرجاع التصور إلى أقسامه ولها عندهم وجهان.

الأول : إرجاع المركب إلى أجزائه أو عناصره ، ويسمى هذا الارجاع تجزئة أو تحليلا.

والثاني إرجاع الكلي إلى جزئياته أو انقسام الكلي بحسب الما صدق إلى أصناف أو أفراد تندرج تحته.

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (قيد).

(٤) العلم هو الإدراك مطلقا تصورا كان أو تصديقا يقينيا كان أو غير يقينى ، وقد يطلق على التعقل أو على حصول صورة الشيء في الذهن ، أو على إدراك الكلي مفهوما كان أو حكما ، أو على الاعتقاد الجازم المطابق للواقع. والعلم مرادف للمعرفة إلا أنه يتميز عنها بكونه مجموعة معارف متصفة بالوحدة والتعميم.

(٥) القدرة : هي القوة على الشيء وهي مرادفة للاستطاعة ، والفرق بينها وبين القوة ، أن القوة تضاف إلى العاقل وغير العاقل ، فتكون طبيعية وعقلية والقدرة في الاصطلاح صفة الإرادة ، وقد نفى جهم بن صفوان كل قدرة عن الإنسان وقال : لا قدرة له أصلا وهذا غلو في الجبر. أما المعتزلة فيقررون وجود القدرة ويقولون إنها صفة يتأتى معها الفعل بدلا من الترك ، والترك بدلا من الفعل. وأما الرازي فإنه يطلق القدرة على مجرد القوة التي هي مبدأ الأفعال الحيوانية المختلفة ، أو على القوة الجامعة لشرائط التأثير.

(راجع الأصول الخمسة ، وأصول الدين للرازي مبحث الصفات).

٢٢٠