شرح المقاصد - ج ٢

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ٢

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٤

المبحث الأول

في الموجود

(الموجود عند مشايخنا إن لم يكن مسبوقا بالعدم فقديم ، وهو الواجب تعالي وصفاته ، وإلا فحادث ، وهو إما متحيز بالذات وهو الجوهر ، أو حال فيه وهو العرض ، إذ لم يثبت وجود الجواهر (١) المجردة ، وإن لم يتم دليل امتناعها ، والعرض إما مختص بالحي وهي الحياة ، وما يتبعها (٢) من الإدراكات وغيرها ، أو غير مختص وهي الأكوان والمحسوسات.

وعند الفلاسفة الموجود في الخارج إن كان وجوده لذاته فهو الواجب تعالي وصفاته وإلا فالممكن ، وهو إن استغنى عن الموضوع (٣) أي محل يقومه فجوهر وإلا فعرض والصورة الجوهري (٤) إنما تفتقر الى المحل دون الموضوع ، ومعنى وجود العرض في المحل أن وجوده في نفسه ، هو وجوده في محله ، لا كالجسم في المكان).

__________________

(١) جوهر كل شيء ما خلقت عليه جبلته ، والجوهر النفيس هو الذي تتخذ منه الفصوص ونحوها. وجوهر السيف فرنده ، وقيل الجوهر هو الأصل ، أي أصل المركبات ويطلق الجوهر عند الفلاسفة على معان. قال ابن سينا : الجوهر هو كل ما وجود ذاته ليس في موضوع أي في محل قريب قد قام بنفسه دونه بتقويمه (راجع النجاة ص ١٢٦). وقال أيضا ويقال جوهر : لكل ذات جودة ليس في موضوع ، وعليه اصطلاح الفلاسفة القدماء منذ مجد أرسطو (راجع رسالة الحدود). والخلاصة أن الجوهر هو الموجود لا في موضوع ويقابله العرض بمعنى الموجود في موضوع أي في محل مقوم لما حل فيه.

(٢) في (ب) وأما.

(٣) في (ب) الموضع.

(٤) في (ج) والصورة والجوهرية وهو تحريف.

١٤١

قال : المقصد الثالث في الاعراض ، وفيه فصول خمسة ، في المباحث الكلية ، وفي الكم وفي الكيف ، وفي الأين ، وفي باقي الأعراض النسبية ، وجعل الأين فصلا على حدة لكثرة مباحثة ، وجعل المبحث الأول من الكليات لتقسيم الموجود لينساق إلى بيان أقسام الأعراض.

أما عند المتكلمين فالموجود إن لم يكن مسبوقا (١) بالعدم فقديم ، وإن كان مسبوقا به فحادث.

والقديم هو الواجب تعالي ، وصفاته الحقيقية لما سيجيء من حدوث العالم ، والحادث إما متحيز بالذات (٢) وهو الجوهر بأقسامه التي ستأتي.

وإما حال ف التحيز بالذات (٣) وهو العرض ، وإما ما لا يكون متحيزا ولا حالا في المتحيز فلم يعدوه من أقسام الموجود ، لأنه لم يثبت وجوده لما سيأتي من ضعف أدلته ، وربما يستدل على امتناعه بأنه لو وجد لشاركه (٤) الباري تعالى في التجرد ، ويحتاج في الامتياز الي فصل فيتركب ، وضعفه ظاهر ، لأن الاشتراك في العوارض سيما السلبية لا توجب التركب.

والعرض إما أن يكون مختصا بالحي كالحياة ، وما يتبعها من العلم والقدرة ، والإرادة ، والكلام ، والإدراكات ، أعني الإحساس بالحواس الظاهرة والباطنة ، وإما ألا يكون مختصا وهي الأكوان والمحسوسات. فالأكوان أربعة :

الاجتماع ، والافتراق ، والحركة (٥) والسكون ، وزاد بعضهم الكون الأول ، وهو الحصول في الحيز عقيب العدم ، والمحسوسات المدركات بالصبر ، أو

__________________

(١) في (ب) يسبق بدلا من (مسبوقا).

(٢) في (ب) متميز بدلا من (متحيز).

(٣) في (ب) التحيز بدلا من (المتحيز).

(٤) في (أ) لشاركة بدلا من (شارك) وهو تحريف.

(٥) الحركة ضد السكون ولها عند القدماء تعريفات وهي : ١ ـ الحركة هي الخروج من القوة إلى الفعل على سبيل التدرج ، ومعنى التدرج هو وقوع الشيء في زمان بعد زمان.

٢ ـ الحركة هي شغل الشيء حيزا بعد أن كان في حيز آخر ، أو هي كونان في آنين ومكانين بخلاف السكون الذي هو كونان في آنين وزمان واحد.

٣ ـ الحركة كمال أول لما بالقوة من جهة ما هو بالقوة. (ابن سينا رسالة الحدود). وتقال الحركة على تبدل حالة قارة في الجسم يسيرا على سبيل اتجاه نحو شيء والوصول بها إليه هو بالقوة ، لا بالفعل (راجع ابن سينا كتاب النجاة ص ١٦٩).

١٤٢

السمع ، أو الشم ، أو الذوق ، أو اللمس ، على ما سيجيء تفصيلها ، وجعل بعضهم الأكوان من المبصرات.

وأما عند الفلاسفة فالموجود في الخارج إن كان وجوده لذاته بمعنى أنه لا يفتقر في وجوده الى شيء أصلا ، فهو الواجب ، وإلا فالممكن ، والممكن إذا استغنى في الوجود عن الموضوع فجوهر ، وإلا فعرض. والمراد بالموضوع محل يقوم الحال ، فالصورة الجوهرية إنما تدخل في تعريف الجوهر دون العرض ، لأنها وإن افتقرت الى المحل لكنها مستغنية عن الموضوع ، فإن المحل أعم من الموضوع ، كما أن الحال أعم من العرض ثم خروج الواجب عن تعريف الجوهر. حيث قيد الوجود بالإمكان (١) ظاهر.

قالوا : وكذلك إذا لم يقيد مثل موجود لا في موضوع ، فإن معناه ماهية إذا وجدت كانت لا في موضوع ، وليس للواجب ماهية ، ووجود زائد عليها. ومعنى وجود العرض في المحل : أن وجوده في نفسه ، هو وجوده في محله بحيث تكون الإشارة الى أحدهما إشارة الى الآخر ، بخلاف وجود الجسم في المكان فإنه أمر مغاير لوجوده في نفسه ، مرتب عليه زائل عنه ، عند الانتقال الى مكان آخر ، فتحقيق ذلك أن ملاقاة موجود لموجود بالتمام لا على سبيل المماسة والمجاورة ، بل بحيث لا يكون بينهما تباين في الوضع ، ويحصل للثاني صفة من الأول ، كملاقاة السواد للجسم يسمى حلولا ، والموجود الأول حالا ، والثاني محلا. والحال (٢) قد يكون بحيث لا يقوم ولا يتحصل المحل بدونه فيسمى صورة

__________________

(١) في (ب) الوجوب بدلا من (الوجود).

(٢) حال الشيء ضمنه وهيئته ، وحال الدهر صروفه ، وحال الإنسان ما كان عليه من خير أو شر ، ولفظ الحال يذكر ويؤنث. ويطلق الحال على معان متقاربة كالكيفية والمقام والهيئة والصفة والصورة. ويقول المناطقة : الحال كيفية سريعة الزوال مثل الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة العارضة. قال ابن سينا : بالفصول ينقسم الشيء إلى أنواعه ، وبالأعراض ينقسم إلى اختلاف حالاته (النجاة ص ٣٢٣).

والحال في اصطلاح المتكلمين يطلق على ما هو وسط بين الموجود والمعدوم ، وهو صفة لا موجودة بذاتها ولا معدومة لكنها قائمة بذاتها ولا معدومة لكنها قائمة بموجود كالعالمية وهي النسبة بين العالم والمعلوم ، والحال في اصطلاح السالكين هو ما يرد على القلب من طرب أو حزن أو بسط أو قبض فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب. الأولى تأتي من عين الجود والثانية تحصل ببذل المجهود. (راجع النجاة ص ١٢٨ والرسالة القشيرية ج ١ ص ٢٣٦).

١٤٣

ومحلها مادة ، وقد يكون بخلافة فتسمى الحال عرضا والمحل موضوعا.

(قال : وقد اعترف ابن سينا بأنه لا يمكن إثبات أنها ليست أقل أو أكثر وأن كل ما ذكر في بيان ذلك تكلف.

وأجناس الأعراض بحكم الاستقراء تسعة ، الكم ، والكيف ، والأين ، والمتى ، والوضع ، والملك ، والإضافة ، وأن يفعل ، وأن ينفعل.

وعولوا في ذلك على الاستقراء ، واعترفوا بأنه لا يمكن إثبات كونها ليست أقل ولا أكثر.

وأن كل ما ذكر في بيان ذلك تكلف لا يخلو عن ضعف ورداءة (١) وإذا كان هذا كلام ابن سينا فلا وجه لما ذكر في المواقف من أنه أحتج علي هذا (٢) الحصر بأن العرض إن قبل القسمة لذاته فالكم ، وإلا فإن لم يقتض النسبة لذاته فالكيف وإن اقتضاها فالنسبة ، إما للأجزاء بعضها إلى بعض وهو الوضع ، أو للمجموع إلى أمر خارج ، وهو إن كان عرضا فإما كم غير قار فمتى ، أو قار ينتقل بانتقاله فالملك ، أولا فالأين ، وإما نسبة فالمضاف ، وإما كيف فالنسبة إليه إما بأن يحصل منه غيره فأن يفعل ، أو يحصل هو من غيره فأن ينفعل ، وإن كان جوهرا فهو لا يستحق النسبة إليه ، أو ألية إلا لعارض (٣) فيؤول الى النسبة الى العرض ، ويندرج فيما ذكرنا ، ثم اعتراضه بما في التقسيم من الترديدات الناقصة ، والتعينات الغير اللازمة ، وبأنه إن عول على الاستقراء كان هذا التقسيم ضائعا ، ولزمه الرجوع الى الاستقراء من أول الأمر طرحا لمئونة هذه المقدمات ، ثم اعتذاره بأنه ، إن أراد الإرشاد الى وجه ضبط تسهل الاستقراء وتقلل الانتشار فلا بأس.

__________________

(١) في (ج) بزيادة لفظ (ورداءة).

(٢) في (أ) و (ب) بزيادة لفظ (هذا).

(٣) في (ب) تعارض بدلا من (لعارض).

١٤٤

الأجناس العالية أو المقولات العشر

(قال : وزعموا أنها أجناس (١) عالية عاشرها الجوهر ، ويبتني على أن كلا منها جنس ، وما تحته أجناس ، وليس الموجود جنسا للجوهر والعرض ، ولا العرض للأعراض ، ولا النسبة للنسبيات ، وقيل أجناس الأعراض ثلاثة :

الكم ، والكيف والنسبة ، وزاد بعضهم الحركة.

والجمهور على أن الأينية من الأين ، وقيل من أن ينفعل (٢) كغير (٣) الأينية).

قال : وزعموا ذهب الجمهور من الحكماء الى أن الأجناس العالية للممكنات (٤) عشرة وهي : الأعراض التسعة ، والجوهر ، ويسمونها المقولات العشر. ومبنى ذلك على أن كلا منها جنس لما تحته لا عرض عام وما تحته من الاقسام الأولية أجناس لا أنواع ، وليس الموجود جنسا للجوهر والعرض ولا العرض جنسا (٥) للأعراض التسعة ، ولا النسبة لأقسامها السبعة ، وبينوا ما يحتاج إليه (٦) من ذلك الي البيان ، بأن المعنى من الجوهر ذات الشيء وحقيقته ، فيكون ذاتيا بخلاف العرض فإن معناه ما يعرض للموضوع ، وعروض الشيء للشيء إنما يكون بعد تحقق حقيقته ، فلا يكون ذاتيا لما تحته من الأفراد وإن جاز أن يكون ذاتيا لما فيها من الحصص ، كالماشي لحصصه العارضة للحيوانات ، وكذا النسبة

__________________

(١) الجنس : في اللغة الضرب من كل شيء ، وهو أعم من النوع يقال الحيوان جنس والإنسان نوع.

قال ابن سينا : الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالأنواع أي بالصورة والحقائق الذاتية وهذا يخرج النوع والخاصة والفصل القريب. وللجنس عند القدماء ثلاثة مراتب وهي : ١ ـ الجنس العالي : هو الجنس الذي لا يوجد فوقه جنس آخر ويسمى جنس الأجناس كالموجود. ٢ ـ الجنس المتوسط : وهو الجنس الذي يكون فوقه وتحته جنس كالجسم أو الجسم النامي. ٣ ـ والجنس السافل : وهو الجنس الذي لا يكون تحته جنس كالحيوان.

(٢) في (ب) (ينقل بدلا من ينفعل).

(٣) في (ج) كون بدلا من (كغير).

(٤) في (ب) للممكنات وهو تحريف.

(٥) في (أ) بزيادة (جنسا).

(٦) سقط من (ب) لفظ (إليه).

١٤٥

للنسبيات السبع (١) فانهم لا يعنون بها ما يدخل النسبة في ذواتها سوى الإضافة ، فإنها نسبة مكررة على ما سيأتي الكلام في النسبة ، وبأن الموجود لو كان ذاتيا لهما لما كان مقولا بالتشكيك ، ولما أمكن تعقل شيء من الجواهر والأعراض ، مع الشك في وجوده ، ولما احتاج اتصافه بالوجود إلى سبب كحيوانية الإنسان ، ولونية السواد ، وتعريفهما بالموجود في موضوع والموجود لا في موضوع رسم باللازم لا حدّ ، ومع ذلك فليس اللازم هو الوجود حتى يكون كل جوهر مثلا موجودا البتة ، لأن معناه أنه ماهية إذا وجدت لم يكن في موضوع ، وهذا المعنى هو اللازم له ، وهذا مع ما فيه من ضعف مقدمات إثبات جنسية الجوهر ونفي جنسية العرض لا يفيد تمام المطلوب ، لجواز أن يكون للكل أو للبعض منها ذاتي مشترك هو الجنس ، ولا معول سوى الاستقراء (٢).

وذهب بعضهم إلى أن أجناس (٣) الأعراض ثلاثة ، الكم ، والكيف ، والنسبة لأنه إن قبل القسمة لذاته فكم ، وإلا فإن اقتضي النسبة لذاته فنسبة ، وإلا فكيف ، وزاد بعضهم قسما رابعا هو الحركة وقال : العرض إن لم يتصور ثباته لذاته فحركة واحترز بقيد (٤) لذاته عن الزمان فأنه لا يتصور ثباته بسبب أنه مقدار الحركة ، وإن تصور ثباته فنسبة ، أو كم ، أو كيف على ما مر ، ثم الجمهور على أن الحركة في الأين من مقولة الأين ، وقيل من مقولة أن ينفعل ، لكونها عبارة عن التغير المندرج ، وإليه مال الإمام الرازي ، وأما الحركة في الكم والكيف والوضع (٥) فظاهر أنها ليست

__________________

(١) في (أ) بزيادة (السبع).

(٢) الاستقراء في اللغة : التتبع من استقر الأمر ، إذا تتبعه لمعرفة أحواله ، وعند المنطقيين هو الحكم على الكلي لثبوت ذلك الحكم في الجزئي. قال الخوارزمي : الاستقراء هو تعرف الشيء الكلي بجميع أشخاصه. (راجع مفاتيح العلوم ص ٩١).

وقال ابن سينا : الاستقراء هو الحكم على كلي موجود ذلك الحكم في جزئيات ذلك الكلي ، إما كلها وهو الاستقراء التام ، وأما أكثرها وهو الاستقراء المشهور. (راجع النجاة ص ٩٠).

(٣) في (ب) الأجناس بزيادة ألف ولام.

(٤) في (ب) بقوله بدلا من (بقيد).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (الوضع).

١٤٦

من الكم ، أو الكيف ، أو الوضع ، فيتعين كونها من (١) أن ينفعل ، إلا أنه يشكل بأن الحركة موجودة ربما يدعي كونها محسوسة ، وأن ينفعل اعتبارية ، ومن هاهنا ذهب البعض إلى أن الحركة خارجة عن المقولات.

الوحدة والنقطة ليستا من الأجناس العالية (٢).

قال : وأما مثل الوحدة والنقطة.

فقيل : عدميتان كالجهل والعمي ، وقيل : من الكيف ، وقيل : خارجتان لكن لم يثبت جنسيتهما ، والحصر إنما هو للأجناس العالية.

وكذا الوجود والوجوب والإمكان ونحوها (٣).

قال : وإما مثل الوحدة والنقطة ، لما حصروا المقولات في العشر المذكورة بمعنى أن شيئا من الماهيات الممكنة التي تحيط بها العقول لا يخرج عنها بل تكون نفس إحداهما أو مندرجا تحتها ، ورد الأشكال بالوحدة والنقطة (٤). فأجيب بوجوه :

الأول : أنهما من الأمور العدمية كالعمى والجهل ، والحصر إنما هو للأمور الوجودية واعترض بأنه لو سلم ذلك في الوحدة فالنقطة وجودية لكونها ذات وضع على ما مر.

الثاني : أنهما من معقولة الكيف لأنهما عرض لا يقتضي قسمة ولا نسبة وهذا صادق عليهما.

__________________

(١) سقط من (ب) حرف الجر (من).

(٢) النقطة : ثلاثة أقسام : مادية ورياضية وميتافيزيقية ، أما النقطة المادية فهي أصغر شيء ذي وضع يمكن أن يشار إليه الإشارة الحسية. وأما النقطة الرياضية : فهي معنى هندسي أولى لا يمكن تعريفه إلا بنسبته إلى غيره كقولنا : إن النقطة ذات غير منقسمة ولها وضع ، وهي نهاية الخط (راجع ابن سينا رسالة الحدود ٩٢). أو قولنا : إنها شيء بسيط لا جزء له ولا طول ، ولا عرض له ولا عمق ، لا بالفعل ولا بالتوهم ، أو قولنا : إنها المحل الذي يتقاطع فيه الخطان ، أو قولنا : إنها الحد النهائي لتناقض حجم الشيء في جميع جهاته.

(٣) في (ج) بزيادة (وكذا الوجود) إلى (ونحوها).

(٤) (أ) و (ب) النطفة بدلا من (النقطة) وهو تحريف.

١٤٧

واعترضوا بأنهم حصروا الكيف في أقسام أربعة هما خارجتان عنها.

الثالث : إلزام أنهما خارجتان عن المقولات العشر ، ولا يقدح ذلك في الحصر لأن معناه أن الأجناس العالية لما تحيط به عقولنا من الماهيات المندرجة تحت الجنس هي (١) هذه العشرة ، وهذا لا ينافي وجود شيء لا يكون جنسا عاليا ، ولا مندرجا تحت جنس عال ، والإشكال إنما يرد لو ثبت كون كل من الوحدة والنقطة جنسا عاليا أو تحت جنس آخر (٢) ، وبهذا يندفع ما قال الإمام الرازي لا بد في تمام الجواب من إقامة البرهان على أنهما من الطبائع النوعية دون الجنسية قال : وكذا الوجود والوجوب والإمكان ، ونحوها (٣) ، يعني أنها خارجة من المقولات العشر ، أما الوجود فلأنه ليس بجوهر وهو ظاهر ، ولا عرض لأن من شأن العرض تقومه بالموضوع دون العكس ، ومن المحال تقوم الشيء بدون الوجود ، وأما مثل الوجوب والإمكان فلأنه ليس من الكيف لما فيه من معنى النسبة ، ولا من غيره وهو ظاهر ، ومع ذلك فلا يقدح في الحصر لأنها ليست أجناسا عالية ، وهذا ما قاله ابن سينا (٤) وأشياعه ، أن المعاني المقولة التي هي (٥) أعم من هذه المعقولات ولازمة لأكثر الماهيات (كالوجود والوجوب والإمكان والمعاني التي هي مبادي وحدود. لبعض الماهيات) (٦) كالوحدة والنقطة والآن ، فإنما هي أنواع حقيقية غير مندرجة تحت جنس ، فلا يقدح فيما ذكرنا من الحصر.

فإن قيل : الحصر إنما هو للحقائق الخارجية ، وهذه اعتبارات عقلية فلا حاجة الى ما ذكرتم :

قلنا : كثير من المقولات ليست أعيانا خارجية كالإضافة ، وأن يفعل وأن ينفعل.

__________________

(١) في (ب) من بدلا من (هي).

(٢) (أ) بزيادة (أو تحت جنس آخر).

(٣) سقط من (ب) لفظ (ونحوهما).

(٤) راجع ترجمة وافية له في الجزء الأول.

(٥) سقط من (ب) جملة (المعقولة التي هي).

(٦) ما بين القوسين زيادة في (ب).

١٤٨

صفات الباري ليست من المقولات

(قال : وأما صفات الباري فالفلاسفة لا يثبتونها ، ونحن لا نجعل المنحصر (١) في الجوهر والعرض هو الممكن بل الحادث).

قال : وأما صفات الباري (٢) تعالى يعني أنها لا تقدح في الحصر وإن كانت ممكنة غير داخلة تحت شيء من المقولات العشر إجماعا أما عند الفلاسفة فلأنهم لا يثبتونها ، وأما عندنا فلأن المنقسم الى الجوهر والعرض هو الحادث ، والصفات (٣) قديمة ، غاية الأمر أنه يلزمنا قديم ليس بواجب لذاته ، ولا جوهر ولا عرض ولا إشكال فيه.

__________________

(١) في (أ) و (ج) المنحصر بدلا من (المختص).

(٢) راجع في هذا الموضوع كتاب الصغدية للإمام ابن تيمية ، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ج طبعة مطابع حنفية ، الرياض المملكة العربية السعودية.

(٣) إن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته الله من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ، ومن غير تحريف ولا تعطيل ، وكذلك ينفون ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد ، لا في أسمائه ولا في آياته. (راجع الرسالة التدمرية لابن تيمية ص ٥٠).

ويقول أيضا ابن تيمية : القول في الصفات كالقول في ذاته ، والله تعالى ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في أفعاله ، لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفات إلى موصوفها كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها. فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه هو كما يناسب ذاته ويليق به تعالى ، كما أن صفة العبد هي كما يناسب ذاته ويليق به ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة اليد إلى ذاته. (راجع شرح حديث النزول ص ١٠).

١٤٩

المبحث الثاني

العرض لا يقوم بنفسه

(قال : الضرورة قاضية بأن العرض لا يقوم بنفسه ، وتجويز أبي الهذيل (١) بإرادة عرضية لا فى محل مكابرة ، وبأنه لا يقوم بأكثر من محل ، وما ذكر من أنه لو جاز قيامه بمحلين لجاز اجتماع العلتين ووجود الجسم فى مكانين ، ولم يحصل الجزم بتغاير السوادين بيان الكمية (٢) ، وتنبيه على مكان الضرورة وجوزه بعض القدماء زعما منهم أن مثل القرب والجوار من الإضافات المماثلة قائم بالطرفين ، ورد بأن هناك عرضين يقوم كل منهما بطرف ، كما فى الأبوة والبنوة من الإضافات المتخالفة.

وأبو هاشم (٣) زعما منه أن تأليف أجزاء الجسم سبب لعسر انفكاكها ، فهو صفة ثبوتية تقوم بجز أين لا بواحد ضرورة ، ولا بأكثر وإلا لما بقى عند انعدام جزء وبقاء جزءين ، ورد بمنع السببية ومنع بقاء التأليف الّذي بين الثلاثة.

وأما مثل وحدة العشرة وتثليث المثلث وجوه (٤) البنية وقيام زيد ، فليس

__________________

(١) هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي مولى عبد القيس أبو الهذيل العلاف من أئمة المعتزلة ، ولد في البصرة واشتهر بعلم الكلام ، له مقالات في الاعتزال ومجالس ومناظرات ، كف بصره في آخر عمره ، وتوفي بسامراء عام ٢٣٤ ه‍. له كتب كثيرة منها (ميلاس) على اسم مجوسي أسلم على يديه.

(راجع وفيات الأعيان ١ : ٤٨٠).

(٢) في (ب) للهيئة هو بدلا من (الكمية وتنبيه).

(٣) هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي. توفي عام ٣٠٣ ه‍.

(٤) في (ج) وحياة بدلا من (وجوه).

١٥٠

محل النزاع ، وكأنه مراد أبي هاشم).

قال : المبحث الثانى : قد يكون من الضروريات ما يشتبه على بعض الأذهان فيورد(١) في المطالب العالية ، ونذكر في معرض الاستدلال ما ينبه على مكان الضرورة ، أو يفيد بيان(٢) الكمية كامتناع قيام العرض بأكثر من محل واحد ، فإن الضرورة قاضية بأن العرض القائم بهذا المحل يمتنع أن يكون هو بعينه القائم بمحل آخر ، إلا أنه بين كميته بأن تشخص ذلك (٣) العرض إنما هو بالمحل يعنى أن محله مستقل بتشخصه ، فلو قام بمحلين لزم اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد وهو تشخص ذلك العرض ونبه عليه بأن حصول العرض الواحد فى محلين كحصول الجسم الواحد فى مكانين فلو جاز ذلك لزم جواز هذا وهو ضرورى البطلان ، وبأنه لو جاز قيام العرض الواحد بمحلين لما حصل الجزم بأن السواد القائم بهذا المحل غير السواد القائم بذلك ، لجواز أن يكون سوادا واحدا قائما بهما ، واللازم باطل بالضرورة ، وقد يكون منها ما لا يحتاج إلى التنبيه أيضا ، كامتناع قيام العرض بنفسه ، فالقول به كما نقل عن أبي الهذيل أن الله تعالى مريد بإرادة عرضية حادثة ، لا في محل يكون مكابرة محضة ، بخلاف قيام العرض الواحد بمحلين ، ولهذا جوزه بعض القدماء من المتكلمين الفلاسفة (٤) زعما منهم أن القرب قائم بالمتقاربين والجوار بالمتجاورين ، والإخوة بالأخوين ، إلى غير ذلك من الإضافات (٥) المتحدة فى الجانبين ، بخلاف مثل الأبوة ، والبنوة ، فإن قيام الأبوة بالأب ، والبنوة بالابن. ورد بأنا لا نسلم أن الواحد بالشخص قائم بالطرفين بل القائم بكل منهما فرد مغاير للقائم بالآخر ، غاية الأمر تماثلهما واتحادهما بالنوع ، ولا يلزم من اشتراك النوع اشتراك الشخص ، وهذا كالإضافات المتخالفة مثل الأبوة والبنوة ، فإن مغايرة القائم بهذا القائم بذاك فى غاية الظهور ، وجوزه ابو هاشم من المعتزلة زعما منه أن التأليف عرضي قائم بجوهرين ، ويمتنع قيامه (٦) بأكثر من جوهرين حتى إنه إذا ألف بين

__________________

(١) في (ب) فهو رد وهو تحريف.

(٢) في (ب) بعيد بدلا من (يفيد).

(٣) في (ب) شخص بدلا من (تشخص).

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (الفلاسفة).

(٥) في (ب) الأوصاف بدلا من (الإضافات).

(٦) في (أ) بزيادة لفظ (قيامه).

١٥١

أجزاء كثيرة كان بين كل جزءين تأليف مغاير للتأليف القائم بجزءين آخرين ، أما الأول (١) فلأن عسر انفكاك أجزاء الجسم لا بد أن يكون لرابطة ، وليس إلا (٢) التأليف لأنه لم يحصل عند اجتماعها ، وصيرورتها جسما آخر غيره فلا يكون عدميا (٣) ، بل ثبوتيا قائما بشيئين ضرورة ، ورد بالمنع لجواز أن يكون بسبب آخر كإرادة الفاعل المختار ، وأما الثانى فلأنه لو قام بأكثر من جزءين كالثلاثة مثلا لانعدم بانعدام أحد الأجزاء ، ضرورة انعدام الحال بانعدام المحل ، الّذي هو جميع الأجزاء ، واللازم باطل ضرورة بقاء التأليف فيما بين الجزءين الباقيين ، ورد بأنا لا نسلم أن التأليف الباقي بين الجزءين هو بعينه التأليف القائم بالثلاثة ، لم لا يجوز أن ينعدم ذلك ، ويحدث هذا؟ فإن قيل قيام العرض الواحد بالكثير مما قال به الفلاسفة كالوحدة بالعشرة الواحدة ، والتثليث لمجموع الأضلاع الثلاثة المحيطة بسطح ، والحياة ببنية متجزئة إلى أعضاء ، والقيام بمجموع أجزاء زيد.

قلنا : المتنازع فيه (٤) هو أن يكون العرض القائم بمحل (٥) هو بعينه القائم بالمحل الآخر إلا أن يكون العرض الواحد قائما بمجموع شيئين صارا بالاجتماع محلا واحدا له ، كما فى هذه الصورة ، والظاهر أن مراد أبي هاشم أيضا هذا المعنى ، إلا أنه لم يجوز القيام بما فوق الاثنين لما ذكر من لزوم انعدام التأليف عند إزالة أحد الأجزاء من الاجتماع ، وكأنه يدعى القطع ببقاء التأليف دون زوال تأليف ، وزوال (٦) حدوث آخر.

__________________

(١) في (ب) أو بدلا من (أما).

(٢) سقط من (ب) لفظ (إلا).

(٣) العدم ضد الوجود ، وهو مطلق ، أو إضافي ، فالعدم المطلق هو الذي لا يضاف إلى شيء والعدم الإضافي ، أو المقيد هو المضاف إلى شيء ، كقولنا عدم الأمن وعدم الاستقرار وعدم التأثير.

قال ابن سينا : البالغ في النقض غايته فهو المنتهي إلى مطلق العدم ، فبالحري أن يطلق عليه معنى العدم المطلق (الإشارات ٦٩ ـ ٧٠).

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (فيه).

(٥) سقط من (ب) لفظ (بمحل).

(٦) في (ب) بزيادة لفظ (زوال).

١٥٢

المبحث الثالث

العرض لا ينتقل من محل إلى آخر

(قال : اتفقوا على امتناع انتقال العرض ، لأن وجوده في نفسه هو وجوده في محله ، فما يتوهم من انتقال الكيفيات بالروايح وغيرها حدوث للمثل في المجاور. واحتجوا بوجوه.

الأول : أن (١) الانتقال هو الحصول في الحيز بعد الحصول في آخر فلا يتصور في غير المتحيز ، ورد (٢) بأن ذلك في الجوهر ، وأما في العرض فالحصول في محل بعد الحصول في آخر.

الثاني : أن تشخصه ليس لماهيته ، وإلا انحصر في شخص ، ولا لما يحل فيه ، وإلا لدار ولا المنفصل عنه (٣) ، لأن نسبته إلى الكل على السواء ، ولا لهويته ، لأنها لا تتقدم الشخص بل لمحله ، فلا تبقى بدونه. ورد بمنع استواء النسبة سيما في المختار.

الثالث : أن محله المحتاج إليه أما المعين فلا يفارقه ، أو المبهم فلا يوجد ، ورد بأنه المعين بتعين ما (٤) كحيز الجسم.

__________________

(١) في (ب) بزيادة لفظ (أن).

(٢) في (ب) الحيز بدلا من المتحيز.

(٣) سقط من (أ) لفظ (عنه).

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (ما).

١٥٣

الرابع : أنه حال الانتقال إما لا في محل فحال ، أو في المنتقل عنه أو إليه فاستقرار ، أو في ثالث فيعود الكلام.

ورد بالنقض بانتقال الجسم ، والحل بأنه في بعض من الأول وبعض من الثاني).

قال : المبحث الثالث ، اتفق المتكلمون والحكماء على امتناع انتقال العرض من محل إلى آخر لما سبق من أن معنى قيام العرض (١) بالمحل هو أن وجوده في نفسه هو وجوده في محله ، فيكون زواله عن ذلك المحل زوالا لوجوده في نفسه فما يوجد فيما يجاور النار من الحرارة أو المسك من الرائحة ، أو نحو ذلك ليس بطريق الانتقال إليه ، بل الحدوث فيه بإحداث الفاعل المختار عندنا ، وبحصول الاستعداد للمحل ، ثم الإفاضة عليه من (٢) المبدأ عندهم ، وأقوى ما ذكر في كلام القوم من الاحتجاج على هذا المطلوب وجوه :

الأول : وهو للمتكلمين. إن كل عرض غير متحيز بالذات ضرورة أنه من خواص الجوهر ، ولا شيء من غير المتحيز بالذات بمنتقل ضرورة أن الانتقال عبارة عن الحركة الأينية ، أي الحصول في حيز بعد الحصول في آخر بمعنى الحدوث ، لا بمعنى الثبات فيه ، لأنه لا سيكون (٣) ، ورد بأن كون الانتقال عبارة عن الحصول في الحيز بعد الحصول في آخر إنما هو انتقال الجوهر ، وأما انتقال العرض فعبارة عن الحصول في موضوع بعد (٤) الحصول في موضوع

__________________

(١) عرض الشيء ظهر وبدا ولم يدم. قال ابن سينا : يقال عرض لكل موجود في موضوع ، وقال أيضا : كل ذات لم يكن في موضوع فهو جوهر ، وكل ذات قوامها في موضوع فهي عرض (النجاة ٣٢٥). وقال الغزالي : العرض اسم مشترك ، فيقال عرض لكل موجود في موضوع ، ويقال عرض لكل موجود في محل ، ويقال عرض للمعنى الكلي المفرد المحمول على كثيرين حملا غير مقوم.

(راجع معيار العلم طبعة مصر ص ١٩٤).

وقال الخوارزمي : العرض هو ما يتميز به الشيء عن الشيء لا في ذاته كالبياض والسواد والحرارة والبرودة وغير ذلك (مفاتيح العلوم ص ٨٦).

(٢) في (ب) الإضافة إليه.

(٣) في (ب) بزيادة (لا).

(٤) في (ب) موضع بدلا من (موضوع).

١٥٤

آخر ، ولا نسلم أنه من خواص المتحيز.

الثاني : وهو للحكماء. إن تشخص العرض لا يجوز أن يكون لماهيته وإلا لزم انحصار الماهية في شخص ضرورة امتناع تخلف المعلول عن علته الموجبة ، ولا لما (١) هو حال في العرض ، وإلا لزم الدور لأن الحال في الشيء محتاج إليه متأخر عنه في الوجود ، فلو كان علة لتشخصه لكان (٢) متقدما عليه ، ولا لأمر منفصل عنه لأن نسبته إلى الكل على السواء فإفادته هذا التشخص دون (٣) ذلك ترجح بلا مرجح ، ولا لهويته على ما أورده صاحب المواقف سندا لمنع (٤) الحصر ، لأن الهوية تطلق على التشخص ، وعلى الوجود الخارجي ، وعلى الماهية من حيث كونها مشخصة ، وشيء من هذه المعاني ليس بمتقدم على التشخص ليكون علة له فيتعين أن يكون تشخص العرض لكحله.

فإن قيل : يجوز أن يكون لأمر حال في محله ، قلنا ينقل الكلام إلى علة تشخص ذلك الأمر ، ويرجع آخر الأمر إلى المحل دفعا للدور والتسلسل وإذا كان تشخصه لمحله امتنع بقاؤه بالشخص عند انتقاله عن ذلك المحل ورد بأنا لا نسلم أن نسبة المنفصل إلى الكل على السواء لجواز أن يكون له (٥) نسبة خاصة إلى هذا التعين ، سيما إذا كان مختارا وهو ظاهر.

الثالث : أن العرض يحتاج إلى ضرورة ، فمحله المحتاج إليه إما أن يكون غير معين ، وهو ليس بموجود ، ضرورة أن كل موجود معين فيلزم أن يكون غير الموجود محلا للموجود ، وهو محال ، وإما أن يكون معينا فيمتنع مفارقته عنه ، وهو المطلوب ، ورد بأنه المعين بتعين ما ، سواء كان هذا أو ذاك ، كالجسم يحتاج إلى حيز ما ، (٦) كذلك ولا يمتنع انتقاله عنه ، وهذا هو المعنى بقولهم إن

__________________

(١) في (ب) وإلا.

(٢) في (ب) لشخصه.

(٣) في (ب) الشخص.

(٤) في (ب) مسندا.

(٥) سقط من (ب) لفظ (له).

(٦) في (أ) بزيادة لفظ (ما).

١٥٥

المحتاج إليه محل معين لا بعينه ، ولا يرد عليه ، أن ما يكون لا بعينه كان مبهما غير (١) موجود والمرجح لقولهم أنه محل لغير معين بمعنى أنه (٢) لا يشترط التعين ، وهو أعم من الذي يشترط اللاتعين (٣) فلا يلزم عدمه.

الرابع : أنه لو جاز انتقال العرض فهو حالة الانتقال ، إما أن يكون في المحل المنتقل عنه ، أو المنتقل إليه ، وهو باطل لأن هذا استقرار وثبات قبل الانتقال أو بعده لا انتقال ، أو في محل آخر ضرورة امتناع كون العرض لا في محل ، فينقل الكلام إلى انتقاله إلى هذا المحل ، ويعود المحذور ، ورد أولا بالنقض (٤) بانتقال الجسم من حيز إلى حيز ، (٥) فإنه حالة الانتقال إما أن يكون في الحيز المنتقل عنه ، أو في المنتقل (٦) إليه ، أو غيرهما ، والكل باطل لما ذكرتم. فما هو جوابكم؟ فهو جوابنا.

وثانيا : بأنا نختار أنه في حيز ثالث هو بعض من (٧) المنتقل عنه وبعض من المنتقل إليه ، وهكذا حالة الانتقال إلى هذا المحل ، وإلى ما بينهما إلى ما لا يتناهى ، أو ينتهي إلى جزء لا يتجزأ. غاية الأمر أنه يمتنع انتقال العرض الذي يكون في الجوهر الفرد (٨).

__________________

(١) في (ب) بهما وهو تحريف.

(٢) في (أ) بزيادة (أنه).

(٣) اللاتعين نقيض التعين ، فإذا دل التعين على تحديد الشيء أو تعريفه كان اللاتعين نقيض التحديد ، وإذا دل على معرفة أسباب الشيء كان اللاتعين مرادفا للجهل بها ، وكل مسألة تتضمن عدة حلول ، أو لا تكفي معطياتها حل دقيق لها فهي مسألة لا متعينة.

واللاتعين : أيضا صفة عقل يتحير في اتخاذ القرار الموافق لمقتضى الحال وهو بهذا المعنى مرادف للتردد ومناقض للعزم.

(٤) في (ب) بالنقض بدلا من (النقض).

(٥) في (أ) بزيادة (إلى حيز).

(٦) في (ب) بزيادة حرف (في).

(٧) سقط من (ب) حرف الجر (من).

(٨) الجوهر الفرد عند المتكلمين هو المتحيز الذي لا ينقسم ، أو هو الجزء الذي لا يتجزأ ، أما المنقسم فيسمونه جسما لا جوهرا ولهذا السبب يمتنعون عن إطلاق اسم الجوهر على المبدأ الأول (راجع كشاف اصطلاحات الفنون ج ١ ص ٢٩٣).

١٥٦

المبحث الرابع

لا يجوز قيام العرض بالعرض

(قال : لا يجوز قيام العرض بالعرض لأن معناه التبعية في التحيز. فلا يعقل فيما لا يتحيز بالذات ، ولأنه لا بد بالآخرة من جوهر فليس قيام البعض بالبعض أولى من قيام الكل به. واعترض بأن معنى (١) القيام الاختصاص الناعت ، فقد يكون في غير المتحيز ، وقد يكون العرض نعتا لغرض (٢) آخر ، لا لجوهره كسرعة الحركة ، وملاسة السطح ، واستقامة الخط ، فلذا جوزه الفلاسفة ، وجعلوا النقطة قائمة بالخط والخط بالسطح.

ومنهم من تمادى حتى جعلوا وحدة الأعراض ووجودها من ذلك.

والمتكلمون على أن بعض هذه اعتبارات وبعضها قائمة بالجواهر ، وبعضها جواهر ، وأما عرضية الوجود فخطأ فاحش).

قال : المبحث الرابع.

جمهور المتكلمين على أنه يمتنع قيام العرض بالعرض تمسكا بوجهين :

الأول : أن معنى قيام العرض بالمحل أنه تابع له في التحيز فما يقوم به العرض يجب أن يكون متحيزا بالذات ليصح كون الشيء تبعا له في التحيز ،

__________________

(١) في (ج) بزيادة لفظ (معنى).

(٢) في (أ) و (ب) لفرض وهو تحريف.

١٥٧

والمتحيز (١) بالذات ليس أولى من قيام الكل بذلك الجوهر.

الثاني : أنه (٢) لو قام عرض بعرض فلا بد في الآخرة من جوهر ينتهي إليه سلسلة الأعراض ضرورة امتناع قيام العرض بنفسه ، وحينئذ فقيام بعض الأعراض بالبعض ليس أولى من قيام الكل بذلك الجوهر ، بل هذا أولى ، لأن القائم بنفسه أحق بأن يكون محلا مقوما للحال ، ولأن الكل في حيز ذلك الجوهر تبعا له ، وهو معنى القيام واعترض على الوجهين بأنا لا نسلم أن معنى قيام الشيء بالشيء التبعية في التحيز (٣) ، بل معناه اختصاص الشيء بالشيء بحيث يصير نعتا له وهو منعوتا به ، كاختصاص البياض بالجسم لا الجسم بالمكان ، والقيام بهذا المعنى لا يختص بالمتحيز كما في صفات الله تعالى عند المتكلمين وصفات الجواهر المجردة عند الفلاسفة فضلا عن أن يختص بالمتحيز لا بالتبعية ثم انتهاء قيام العرض إلى الجوهر مما لا نزاع فيه ، إلا أنه لا يوجب قيام الكل به لجواز أن يكون الاختصاص الناعت فيما بين بعض (٤) الأعراض بأن يكون عرضا نعتا لعرض ، لا للجوهر الذي إليه الانتهاء كالسرعة للحركة ، والملاسة للسطح والاستقامة للخط ، فإن المنعوت حقيقة بهذه الأعراض هي تلك لا الجسم ، فلهذا جوزت الفلاسفة قيام العرض

__________________

(١) المتحيز : هو الحاصل في الحيز ، وبعبارة أخرى القابل بالذات أو بالتبعية للإشارة الحسية فعند المتكلمين لا جوهر إلا المتحيز بالذات ، أي القابل للإشارة بالذات ، وأما العرض فيتحيز بالتبع ، وعند الحكماء قد يكون الجوهر متحيزا بالذات وقد لا يكون متحيزا أصلا كالجواهر المجردة.

وقال صاحب المحاكمات (قطب الدين محمد بن محمد الرازي المعروف بالتحتاني ت ٧٦٦ ه‍) المتحيز ثلاثة أقسام : إما أن يكون متحيزا بالاستقلال كالصورة والجسم ، وإما أن يكون متحيزا بالتبعية إما على سبيل حلوله في الغير كالأعراض ، أو على سبيل حلول الغير فيه كالهيولى ، فإنه متحيز بشرط حلول الصورة فيه.

(راجع كشاف اصطلاحات الفنون ج ٢ ص ٤٢ وشرح المواقف ١% ٤٣٩ ـ ٤٤٠).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (إنه).

(٣) في (ب) الحيز بدلا من (التحيز).

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (بعض).

١٥٨

بالعرض وزعموا أن النقطة عرض (١) قائم بالخط ، والخط بالسطح ، بمعنى أن ذا النقطة هو الخط ، وذا الخط هو السطح ، لا الجسم ، ومن القائلين بجواز قيام العرض بالعرض من بالغ في ذلك وتمادى في الباطل (٢) ، حتى زعم أن كلا من الوحدة والوجود عرض قائم بمحله.

فوحده العرض ووجوده يكون من قيام العرض بالعرض.

وأجاب المتكلمون بأن مثل (٣) النقطة والخط عدمي ، ولو سلم فمن الجواهر لا الأعراض على ما سيجيء ، ومثل الملاسة والاستقامة على تقدير كونه وجوديا إنما يقوم بالجسم ، وبأن السرعة والبطء ليس عرضا زائدا على الحركة قائما بها ، بل الحركة أمر ممتد يتخلله سكنات أقل ، أو أكثر باعتبارها تسمى (٤) سريعة أو بطيئة ، ولو سلم أن البطء ليس لتخلل السكنات فطبقات الحركات أنواع مختلفة ، والسرعة ، والبطء عائد إلى الذاتيات دون العرضيات أو هما من الاعتبارات اللاحقة للحركة بحسب الإضافة إلى حركة أخرى (٥) بقطع المسافة المعينة في زمان أقل ، أو أكثر ، ولهذا يختلف باختلاف الإضافة فتكون السريعة بطيئة بالنسبة إلى الأسرع ، وبالجملة فليس هناك عرضي هو الحركة ، وآخر هو السرعة أو البطء ، وأما الوحدة والوجود فقد سبق أن الوحدة اعتبار عقلي بل عدمي ، وأن الوجود في الخارج نفس الماهية ، أو هو من الاعتبارات العقلية ، أو واسطة بين الموجود والمعدوم ، وفي الجملة فجعله من قبيل الأعراض خطأ فاحش ، لا ينبغي أن يقول به المحصل فإن من شأن العرض أن يفتقر في التقوم إلى المحل ويستغني عنه المحل.

__________________

(١) في (ب) النقط.

(٢) في (ب) على بدلا من (في).

(٣) في (ب) مبدأ.

(٤) في (ب) باعتبار ما سمى.

(٥) سقط من (ب) من الاعتبارات إلى (أخرى).

١٥٩

المبحث الخامس

الأعراض لا تبقى زمانين

(قال : ذهب كثير من المتكلمين إلى امتناع بقاء العرض ، فالظاهريون لأن استحالة البقاء معتبرة في مفهوم هذا الاسم كالعارض ونحوه ولأنه لو بقي فإما ببقاء محله فيدوم بدوامه ويتصف بسائر صفاته وإما ببقاء آخر فيمكن بقاؤه مع فناء المحل وضعفهما ظاهر ، والمحققون لوجهين :

الأول : أنه لو كان باقيا يلزم قيام العرض بالعرض ، وهو محال ورد بمنع المقدمتين.

الثاني : لو بقي لامتنع زواله إذ لو أمكن فإما بنفسه فيمتنع وجوده ، أو بزوال شرط فيتسلسل أو بطريان ضد (١) فيدور لأن اتصاف المحل بأحد الضدين مشروط بانتفاء الآخر على أن زوال (٢) الباقي بالطارئ ليس أولى ، بل بالعكس لأن الدفع أهون من الرفع أو بفاعل فيقتضي أثرا والنفي المحض لا يصلح ، ورد أولا بالنقض بالجسم ، وقد يدفع بأنه يزول بأن يخلق الله تعالى

__________________

(١) الضد : هو المخالف والمنافي ويطلق على كل موجود في الخارج مساو في قوته لموجود آخر ممانع له ، أو على موجود من مشارك لموجود آخر في الموضوع معاقب له ، بحيث إذا قام أحدهما بالموضوع لم يقم الآخر به ، لذلك قيل إن الضدين صفتان مختلفتان تتعاقبان على موضوع واحد ، ولا يجتمعان كالسواد والبياض والتهور والجبن. والفرق بين الضدين والنقيضين أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان كالوجود والعدم ، والحق والباطل على حين أن الضدين لا يجتمعان ولكن يرتفعان.

(٢) في (ب) إزالة بدلا من (زوال).

١٦٠