شرح المقاصد - ج ١

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ١

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

إلى سمرقند ، وأكرم تيمور وفادته. وفي سمرقند ألف كتابه العظيم (المقاصد) عام ٧٨٤ ه‍ الموافق ١٣٨٣ م. ثم غادر سمرقند إلى سرخس وتولى التدريس فيها عام ٧٨٥ ه‍ وشرع في تأليف كتابه (تلخيص الجامع) ولم تطل إقامته في سرخس ، ولم يستقر مقامه فيها ، بل عاد سريعا إلى سمرقند حيث ماء النهر العذب ، وحيث القنوات التي تجري بالماء ، وحيث البساتين التي تغطي أبنية المدينة ، ولا يخلو دار من دورها ، إلا وبه بستان وعيون.

عاد لبلد العلم والعلماء حيث حلقات الدرس ومدارس العلم ، وأندية الثقافة والمعرفة ، عاد ليشارك في جدل العلماء ، وعلم الحكماء ليصلوا في النهاية إلى الرأي الأمثل ، والحكمة البالغة ، التي تنير لهم ، ولمن يأتي بعدهم من أجيال وأجيال دروب المعرفة ، وساحات العقول.

وفي سمرقند أكمل كتابه (تهذيب المنطق) وشرح القسم الثالث من المفتاح. وفي عام ٧٨٩ شرع في كتابة حاشيته على الكشاف فأتمها في العام نفسه.

ثم ما ذا؟

لقد كانت سمرقند هي نهاية المطاف التي أطبقت بليل دامس على حياة هذا العملاق حيث بلغ الكتاب أجله. ولكن كيف كانت وفاته ..؟ وما ذا يقرر العلماء في نهاية هذا العملاق ..؟ إن لذلك قصة.

٨١

إعداده الفكري وتكوينه العلمي

المدرسة الأولى التي تلقى فيها علمه

هل نستطيع أن نحدد وسائل التعليم التي تلقى فيها التفتازاني دروسه الأولى ، وهل نستطيع أن نتعرف على المدارس التي قضى فيها حقبة من حياته ..؟ إذا أردنا ذلك فعلينا أن نتعرف على وسائل التعليم التي كانت منتشرة في ذلك العصر ، وبالجملة ، فلا بد أن نلقي ضوءا على هذه الوسائل التي كانت قائمة ومنتشرة في العالم العربي والإسلامي.

إن أوثق المصادر التي بين أيدينا تعتبر أن الكتاب كان ولا يزال هو الوسيلة الغالبة لتعليم أطفال المسلمين ، ويقرر (جولد زهير) في دائرة معارف الأديان والأخلاق : أن كتاب تعليم القرآن ومبادي الدين الإسلامي قد أنشئ في عهد مبكر ، وأنه يرجع إلى صدر الإسلام ، ويدعم رأيه بالأسانيد الآتية :

أولا : أرسلت أم سلمة (١) زوجة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة إلى معلم كتاب تطلب منه أن يرسل لها بعض تلاميذ كتابه ليساعدوها في ندف الصوف وغزله.

ثانيا : مر ابن عمر وأبو أسيد في مناسبة ما بكتاب ، فلفت إليهما أنظار التلاميذ.

وهناك منهج لتعليم أطفال المسلمين بعامة قرره عمر بن الخطاب ، وبعث به إلى ساكني الأمصار وهو :

__________________

(١) هي هند بنت أمية المعروف براد الراكب ، ابن المغيرة.

(راجع الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٤ : ١٩٣٩).

٨٢

«أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية ورووهم ما سار من المثل ، وحسن من الشعر».

وكان ابن التوأم يقول : «من تمام ما يجب على الآباء من حفظ الأبناء أن يعلموهم الكتابة والحساب والسباحة».

ولما أنشئت الكتاتيب أصبح القرآن الكريم نقطة الارتكاز في هذه الدراسة ، فيوصي الغزالي بأن «يتعلم الطفل في المكتب القرآن الكريم ، وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم ، ثم بعض الأحكام الدينية والشعر».

ويضيف ابن مسكويه «مبادي الحساب. وقليلا من قواعد اللغة العربية». أما الجاحظ فيضع منهجا مفصلا هاك بعضه :

«ولا تشغل قلب الصبي بالنحو إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحن ، ومن مقدار جهل العوام في كتاب إن كتبه ، أو شعر إن أنشده ، وشيء إن وصفه ، وما زاد على ذلك فهو مشغل عما هو أولى به. كرواية الخبر الصادق ، والمثل الشاهد ، والمعنى البارع ويعرف بعض الحساب دون الهندسة والمساحة ، ويعلم كتابة الإنشاء بلفظ سهل وعبارة حلوة».

ويعقد ابن خلدون في مقدمته فصلا عنوانه : تعليم الولدان واختلاف مذاهب الأمصار الإسلامية في طرقه ، قال فيه :

«تعليم الولدان القرآن شعار من شعائر الدين أخذ به أهل الملة ، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده بسبب آيات القرآن ومتون الأحاديث ، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات واختلفت طرقهم في تعليم القرآن للولدان ، فأما أهل الغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط مع العناية برسمه واختلاف جملة القرآن فيه ولا يخلطون ذلك بسواه في مجالس تعليمهم لا من حديث ، ولا من فقه ، ولا من شعر ، ولا من كلام العرب».

وأما أهل الأندلس فمذهبهم تعليم القرآن والكتاب من حيث هو ، وهذا

٨٣

الذي يراعونه في التعليم ، فلا يقتصرون على القرآن بل يخلطون في تعليمهم الولدان رواية الشعر ، والترسل ، وأخذهم بقوانين العربية ، وتجويد الخط.

وأما أهل إفريقيا فيخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب ومدارسة قوانين العلوم الدينية ، وتلقين بعض مسائلها ، إلا أن عنايتهم بالقرآن واستظهار الولدان إياه أكثر. وعنايتهم بالخط تبع لذلك.

وإذا كان للكتاب هذه الصفة من التعليم والتوجيه ، وكان لها دورها الإيجابي في إشاعة المعرفة وإقامة دعائم الثقافة ، فإن حوانيت الوراقين كان لها دور أيضا لا يقل عن دور الكتاب ، لأن بائعي الكتب لم يكونوا مجرد تجار ينشدون الربح ، وإنما كانوا ، في أغلب الأحايين أدباء ذوي ثقافة ، يسعون للذة العقلية من وراء هذه الحرفة ، وقد حفلت قائمة أسماء الوراقين بشخصيات لامعة ، كابن النديم (١) صاحب الفهرست ، وعلي بن عيسى المعروف بابن كوجك ، وكياقوت (٢) مؤلف معجم الأدباء ، ومعجم البلدان.

ويروي أبو الحاج عن بعض شيوخه أن رجلا رحل في طلب العلم إلى بغداد ، فقرأ ما شاء الله ، ثم أراد الانصراف إلى وطنه فاكترى دابة يركبها ليخرج من البلدة. ولكنه وقف ليشتري صاحب الدابة بعض حاجاته فسمع الطالب نقاشا علميا يدور بين اثنين من أصحاب الحوانيت للتجارة فطلب الطالب من صاحب الدابة إعادته إلى بغداد قائلا : إن بلدا باعته في هذه المنزلة من العلم لا ينبغي أن يرحل عنه (٣).

وما حدث في بغداد كان يحدث مثيله في القاهرة ، ودمشق ، والقيروان ومكة

__________________

(١) هو محمد بن إسحاق أبو الفرج بن أبي يعقوب النديم توفي عام ٤٣٨ ه‍.

(راجع لسان الميزان ٥ : ٧٢).

(٢) هو ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي أبو عبد الله شهاب الدين مؤرخ ثقة توفي عام ٦٢٦ ه‍.

(راجع وفيات الأعيان ٢ : ٢٢٠).

(٣) راجع تاريخ التربية الإسلامية ص ٦٦.

٨٤

والمدينة كما يصور ذلك المقريزي (١).

ويصور الجاحظ مهمة الكتاب وأثره في دنيا الناس ماضيهم وحاضرهم ومدح فيقول :

«ولو لا الكتاب لا ختلت أخبار الماضين وانقطعت آثار الغائبين ، وإنما اللسان للشاهد لك والقلم للغائب عنك ، والماضي قبلك ، والغابر بعدك فصار نفعه أعم ، والدواوين إليه أفقر ، والملك المقيم بالواسطة لا يدرك مصالح أطرافه ، وسد ثغوره ، وتقويم سكان مملكته إلا بالكتاب ، ولو لا الكتاب لما تم تدبير ، ولا استقامت الأمور ، وقد رأينا عمود صلاح الدين والدنيا إنما يعتدل في نصابه ، ويقوم على أساسه بالكتاب والحساب»(٢).

وإذا كان للكتاب دوره أيضا في التعليم والثقافة وتبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم. فلقد كان للمسجد أيضا دور الريادة والقيادة في كل جوانب التعليم المختلفة بل وشئون الحياة.

وكان أول مسجد في الإسلام هو مسجد قباء الذي نزل فيه قول الله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (٣).

والحديث عن المسجد في الحقيقة هو حديث عن الجامعة الرئيسية لنشر أنواع المعرفة والثقافة الإسلامية بشتى طرقها وتباين شعبها.

والراصد للمساجد في الأمصار الإسلامية يرى أن حلقات الدرس نشأت في المسجد واستمرت كذلك على مر السنين والقرون ، وفي مختلف البقاع دون

__________________

(١) مجالسة السوق مذمومة

ومنها مجالس قد تحتسب

فلا تقربن غير سوق الجياد

وسوق السلاح وسوق الكتب

فهاتيك آلة أهل الوغى

وهاتيك آلة أهل الأدب

(٢) راجع الكامل للمبرد ورسالة المعلمين للجاحظ.

(٣) سورة التوبة آية رقم ١٠٨.

٨٥

انقطاع ، وقد توسع المسلمون في عصورهم الأولى في فهم مهمة المسجد ، فاتخذوه مكانا للعبادة ومكانا للتعليم ، ودارا للقضاء ، وساحة تتجمع فيها الجيوش ، ومنزلا لاستقبال السفراء.

ومن أجل ذلك توسع المسلمون في بناء المساجد ، فبنى عمرو بن العاص مسجده في القاهرة سنة ٢١ ه‍ ، وفي عهد مبكر جدا جلس فيه سليمان بن عز التجيبي ليعظ الناس ويبصرهم بأمور دينهم ودنياهم.

وفي عام ١٤٥ ه‍ بنى المنصور الخليفة العباسي مسجده فأصبح قبلة أنظار الأساتذة والطلاب في ذلك العهد .. ومما يدل على ذلك ، أن الخطيب البغدادي لما حج شرب من ماء زمزم وسأل الله أن يحقق له ثلاث حاجات ، كان من بينها أن يتاح له أن يملي الحديث بجامع المنصور.

وقريب من هذا التاريخ أنشئ مسجد دمشق ، والذي كان يعد واحدا من عجائب الدنيا الأربع في ذلك العهد ، وكان مركزا هاما من مراكز الثقافة في العالم الإسلامي.

يحدثنا ابن جبير عنه فيقول : وفيه حلقات للتدريس للطلبة ، وللمدرسين فيها إجراء واسع ، وللمالكية زاوية للتدريس في الجانب الغربي يجتمع فيها الطلبة المغاربة ولهم إجراء معلوم .. إلخ.

وفي سنة ٣٦٠ ه‍ بنى جوهر الصقلي الجامع الأزهر ، وقد خصص منذ سنة ٣٧٨ ه‍ للدراسات والأبحاث العلمية ، وظل من ذلك التاريخ حتى العهد الحاضر جامعة من الجامعات الأولى في العالم الإسلامي.

ولقد فضل المسلمون المسجد على غيره ليكون مكانا للعبادة وتلقي العلم. يقول العبدري في كتابه (المدخل) : «أفضل مواضع التدريس هو المسجد ، لأن الجلوس للتدريس إنما فائدته أن تظهر به سنة ، أو تخمد به بدعة ، أو يتعلم به حكم من أحكام الله تعالى. والمسجد يحصل فيه هذا الغرض متوفرا ، لأنه موضع الناس رفيعهم ووضيعهم ، عالمهم وجاهلهم».

٨٦

ثم كانت المدارس وكان إنشاؤها على يد الوزير نظام الملك وزر لألب أرسلان والملك شاه ، ونسبت هذه المدارس إلى منشئها نظام الملك فعرفه باسم «المدارس النظامية» وكانت غاية في الجلال والعظمة. ثم كانت كثيرة العدد شملت الأمصار والبلدان.

هذه صورة تكاد تكون موجزة عن وسائل التعليم والمعرفة في المجتمع الإسلامي ، من بداية القرن الأول الهجري ، إلى نهاية القرن السادس منه ، ولقد عاش سعد الدين التفتازاني في القرن الثامن الهجري ، فهل ترى أن هناك اختلافا جوهريا قد حدث في وسائل التربية والتعليم في ذلك العصر؟

الحقيقة : أننا نشك أن يكون هناك اختلاف جوهري في وسائل التربية والتعليم ، وبناء على هذا فالإمام التفتازاني فتح عينيه على الوسيلة التي يتبعها أبناء المسلمين في تعليمهم وتثقيفهم في ذلك العصر ، ألا وهي الكتاب .. ولكن متى وطأت أقدامه عتبة أول كتاب يدخله ..؟ وما هي المدة التي قضاها فيه ..؟ وفي أي من السنوات استظهر كتاب ربه ..؟ كل هذه الأشياء لا نستطيع الإجابة عليها ، لأن كتب التاريخ لم تتعرض لطفولته في هذا السن المبكر ، ولكننا نتصور ، أنه لم يبق وقتا طويلا في الكتاب ، بل كان يتردد كثيرا على حوانيت الكتب ، وأماكن الوارقين. وهنا يلتفت التاريخ إلى السعد عند ما يدلف إلى أحد المساجد في سمرقند ، ليتابع في شوق ولهفة مع العديد من الطلاب ، الكلمات القوية الجياشة من فم العالم الجليل عضد الدين الإيجي.

لقد انضم التفتازاني إلى حلقة الإيجي العملاقة التي يتصاول فيها ، علم الكلام مع المنطق ، والبيان مع البديع ، وعلم الأصول مع حقائق التنزيل ، ولكن كانت بضاعته من هذه العلوم قليلة محدودة ، بل كان يوصف بين زملائه ببلادة الذهن. وبلاهة العقل ، وتحجر الفؤاد.

يقول صاحب شذرات الذهب : كان سعد الدين في ابتداء طلبه بعيد الفهم جدا ولم يكن في جماعة العضد أبلد منه ، ومع ذلك فكان كثير الاجتهاد ، ولم يؤيسه جمود فهمه من الطلب ، وكان العضد يضرب به المثل بين جماعته في

٨٧

البلادة. فاتفق أن أتاه إلى خلوته رجل لا يعرفه ، فقال له : قم يا سعد الدين لنذهب إلى السير.

فقال : ما للسير خلقت. أنا لا أفهم شيئا مع المطالعة ، فكيف إذا ذهبت إلى السير ولم أطالع ..؟

فذهب وعاد وقال له : قم بنا إلى السير ، فأجابه بالجواب الأول ، ولم يذهب معه فذهب الرجل وعاد وقال له مثل ما قال أولا.

فقال : ما رأيت أبلد منك ، ألم أقل لك : ما للسير خلقت؟

فقال له : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعوك ، فقام منزعجا ولم ينتعل ، بل خرج حافيا ، حتى وصل إلى مكان خارج البلد به شجيرات ، فرأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نفر من أصحابه تحت تلك الشجيرات ، فتبسم له وقال : نرسل إليك المرة بعد المرة ، ولم تأت ، فقال : يا رسول الله ما علمت أنك المرسل ، وأنت أعلم بما اعتذرت به من سوء فهمي ، وقلة حفظي ، وأشكو إليك ذلك.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : افتح فمك ، وتفل له فيه ، ودعا له ثم أمره بالعودة إلى منزله ، وبشره بالفتح ، فعاد وقد تضلع علما ونورا ، فلما كان من الغد أتى إلى مجلس العضد ، وجلس مكانه ، فأورد في أثناء جلوسه أشياء ظن رفقته من الطلبة أنها لا معنى لها ، لما يعهدون منه ، فلما سمعها العضد بكى وقال : أمرك يا سعد الدين إليّ فإنك اليوم غيرك فيما مضى. ثم قام من مجلسه وأجلسه فيه ، وفخم أمره من يومئذ (١).

كم كان عمره عند ما حدث له ذلك ..؟ لا شك أنه لم يبلغ الخامسة عشر.

__________________

(١) راجع شذرات الذهب ج ٦ ص ٣٢٠ ، ٣٢١. ونحن نشك في هذه الحادثة التي ذكرها الإمام ابن العماد الحنبلي أن تكون حدثت يقظة ، فإن هذا بعيد الاحتمال ، وإن كان رجال التصوف يقررون بأنهم يشاهدون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقظة ، وكما قال العباس المرسي رضي الله عنه «لو غاب عني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحظة ما عددت نفسي من الأبدال». ومع ذلك فالرأي الذي نرتضيه أن ما حدث للسعد ـ على فرض وقوعه ـ كان رؤيا منامية.

٨٨

لأنه ألف أول كتاب له ، ووافقه عليه العلماء واستقبلوه بالإحسان ، وهو في سن السادسة عشر.

هذه نبذة مختصرة عن المدرسة الأولى التي تلقى فيها العلم سعد الدين التفتازاني ، وتقتضينا طبيعة البحث أن نتكلم عن شيوخه وأساتذته الذين كان لهم دور فعال في تنظيم عقله ، وإنضاج فكره. وبالله التوفيق.

٨٩

شيوخه وأساتذته

اهتم المسلمون اهتماما كبيرا بتلقي العلم عن الأساتذة والمدرسين ، وكرهوا كراهة شديدة ، أن يتلقى الطالب العلم عن الكتب والقراطيس وحدها ، وكان الشيخ الجليل ابن جماعة (١) يقول : من أعظم البلية تشيخ الصحيفة. أي أن يتعلم الناس من الصحف والكتب وحدها.

وورد في كتاب الشكوى (٢). من لا شيخ له فلا دين له. ومن لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان ، وروي عن مصعب بن الزبير رضي الله عنه أنه كان يقول : إن الناس يتحدثون بأحسن ما يحفظون ، ويحفظون أحسن ما يكتبون ، ويكتبون أحسن ما يسمعون ، فإذا أخذت الأدب فخذه من أفواه الرجال ، فإنك لا تسمع إلا مختارا ، ولؤلؤا منثورا (٣).

وروي عن الإمام الشافعي قوله : من تفقه من بطون الكتب ، ضيع الأحكام (٤).

من أجل ذلك اختار سعد الدين التفتازاني مجموعة من الأساتذة. ومن مشايخ عصره ممن كان يوثق بهم ، ولهم بحث وطول اجتماع ، وتقتضينا طبيعة البحث أن نلقي ضوءا على بعض هؤلاء الرجال الأفذاذ.

__________________

(١) راجع ابن جماعة ص ٨٧.

(٢) راجع كتاب الشكوى ص ٢٨٤.

(٣) راجع محاضرات الأبرار لمحيي الدين بن عربي ص ٣.

(٤) راجع تذكرة السامع ص ٨٧.

٩٠

١ ـ عضد الدين الإيجي :

هو عضد الدين عبد الرحمن بن ركن الدين عبد الغفار البكري الشبانكاري فقيه شافعي ، ومتكلم أشعري.

اختلف في تاريخ ولادته فصاحب الدرر الكامنة (١) يرى أنه ولد في (إيج) من نواحي شيراز بعد السبعمائة. في حين ترى دائرة المعارف الإسلامية (٢) بأنه ولد على الأرجح بعد عام ٦٨٠ ه‍ ـ ١٢٨١ م ، وبدأ تعلمه الديني بين تلاميذ البيضاوي خاصة. وأخذ عن مشايخ عصره ، ولازم الشيخ زين الدين الهنكي تلميذ البيضاوي وغيره ، وكانت أكثر إقامته بالسلطانية. يقول بروكلمان : (٣).

«دعاه آخر الإيلخانه أبو سعيد ٧١٦ ـ ٧٣٦ ه‍ ـ ١٣١٦ ـ ١٣٣٦ م إلى بلاطه في سلطانه وأقامه قاضي المماليك». والراجح أن ذلك تم بناء على مشورة أبداها وزيره غياث الدين محمد بن رشيد الدين ٧٢٨ ـ ٧٣٦ ه‍ ـ ١٣٢٨ ـ ١٣٣٦ م وكان الإيجي قد تعرف به.

وكان إماما في المعقول قائما بالأصول والمعاني والعربية مشاركا في الفنون ، وبعد أن قتل غياث الدين ووفاة أبي سعيد. ظهر الإيجي بوصفه قاضيا لشيراز في بلاط أبي إسحاق اينجو.

ولما كان مبارز الدين المظفري يدبر أمر غزو مملكة أبي إسحاق ليخص بها نفسه. حاول الإيجي بوصفه نائب أبي إسحاق أن يوفق بين الطرفين فلم يظفر بطائل.

وكان مبارز الدين المظفري قد نزل عليه ضيفا أيام في (شاتكاره) ثم عاد الإيجي مرة أخرى إلى شيراز سنة ٧٥٤ ه‍ ـ ١٣٥٣ م.

__________________

(١) راجع الدرر الكامنة ج ٢ ص ٤٣٠.

(٢) راجع دائرة المعارف الإسلامية ج ٥ ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٣) راجع بروكلمان ج ٢ ص ٢٦٧.

٩١

وكان الإيجي صاحب مدرسة أنجب فيها تلامذة عظاما اشتهروا في الآفاق مثل شمس الدين الكرماني.

وضياء الدين العفيفي.

وسعد الدين التفتازاني. وغيرهم كثير.

ووقع بينه وبين الأبهري منازعات وخصومات. اتهمه فيها الأبهري بأشياء كثيرة.

وفي عام ١٣٥٣ م رحل الإيجي إلى شبانكاره وفيها زاره شاه شجاع ابن مبارز الدين بعد ذلك بسنة. وسجن الإيجي سنة ٧٥٦ ـ ١٣٥٥ م في قلعة دربميان في (إيج) ، وكان سجنه فيما هو واضح متصلا بالتمرد على مظفرية ملك أردشير آخر أتابكة شبانكاره ، وتوفي الإيجي بالسجن في السنة نفسها.

وقد قامت شهرة الإيجي حتى في حياته على كتاب (المواقف) في علم الكلام وهو لا يزال يستعمل إلى اليوم أساسا لتدريس الكلام في الأزهر الشريف. وقد أهدي هذا الكتاب إلى أبي إسحاق ، ومع ذلك فإن من الراجح أن يكون قد صنف قبل عام ٧٣٠ ه‍ ـ ١٣٣٠ م.

ويبسط كتاب المواقف بالأسلوب الكلامي الجامع في لغة محكمة الآراء السلفية للقرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي في علم الكلام.

وهو يعتمد في جوهره على كتاب (المحصل) لفخر الدين الرازي المتوفى ـ ٦٠٦ ه‍ ـ ١٢٠٩ م.

وعلى كتاب آخر يسمى (أبكار الأفكار) لسيف الدين الآمدي المتوفى سنة ٦٣١ ه‍ ـ ١٢٢٣ م.

كما يعتمد في مواضع من كتابه أيضا على كتاب الرازي (نهاية العقول في دراية الأصول).

٩٢

مؤلفاته : ١ ـ أخلاق عضد الدين : وهو مختصر في جزء ، لخص فيه زبدة ما في المطولات ورتب على أربع مقالات. شرحه تلميذه شمس الدين محمد ابن يوسف الكرماني المتوفى سنة ٧٨٦ ه‍.

٢ ـ آداب العلامة : شرحها محمد الحنفي التبريزي ببخارى في حدود سنة ٩٠٠ ه‍ وعليه حاشية المحقق مير أبي الفتح ، وشرح الشريف علي بن محمد الجرجاني المتوفي سنة ٨١٦ ه‍.

٣ ـ أشرف التواريخ : وهو مختصر من بدء الخلق وترجمه إلى التركية مصطفى بن أحمد المعروف بعالي الشاعر المتوفى سنة ١٠٠٨ ه‍.

٤ ـ جواهر الكلام : وهو متن كالمواقف لكنه أقل حجما منه أوله : الحمد لله الذي علم بالقلم إلخ. ذكر أنه ألفه لغياث الدين الوزير ، وفرغ منه في رجب سنة ٧٧٠ ه‍ بأصبهان.

٥ ـ رسالة في الوضع.

٦ ـ العقائد العضدية : أوله الحمد لله على نواله ، وهي مختصرة مفيدة وهي آخر تآليفه.

٧ ـ الفوائد الغياثية : في المعاني والبيان أولها : الحمد لله الذي خلق الإنسان وألهمه المعاني وعلمه البيان إلخ. لخصها من القسم الثالث من مفتاح العلوم كالتلخيص ، لكنها أخصر منه كما قال : هذا مختصر يتضمن مقاصد المفتاح.

٨ ـ شرحه لكتاب : (منتهى السئول والأمل في علمي الأصول والجدل) للشيخ الإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب المالكي المتوفى سنة ٦٤٦ ه‍.

٩ ـ المواقف : وهو كتاب جليل القدر رفيع الشأن ، ألفه لغياث الدين وزير

٩٣

خدا بنده. واعتنى به الفضلاء فشرحه الشريف الجرجاني المتوفى سنة ٨١٦ ه‍ ، وشرحه شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني المتوفى سنة ٧٨٧ ه‍.

١٠ ـ جواهر الكلام : مختصر المواقف ، شرحه شمس الدين محمد الفناري شرحا مفيدا.

٢ ـ ضياء الدين عبد الله بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني :

يسمى ضياء الدين ، ويعرف بقاضي القرم العفيفي ، الشافعي ، أحد العلماء الأجلاء.

تفقه في بلاده وأخذ عن القاضي عضد الدين الإيجي وغيره ، واشتغل على أبيه والشيخ الخلخالي وتقدم في العلم وكانت له حلقة للعلم يجتمع حوله فيها الطلاب ، حتى إن السعد التفتازاني قرأ عليه وسمع منه.

لا يعرف تاريخ مولده ، ولا تذكر كتب التاريخ شيئا عن طفولته ، إلا أنه رحل إلى المدينة وسمع من العفيف المطري.

ويذكر صاحب شذرات الذهب عنه أنه كان اسمه عبيد الله فغيره لموافقته اسم عبيد الله بن زياد بن أبيه قاتل الحسين. (١)

وكان لا يمل من الاشتغال في طلب للعلم ، حتى في حال مشيه وركوبه وقرأ الكشاف والحاوي وحلهما حلا إليه المنتهى ، حتى قيل إنه حفظهما. وكان يقول : أنا حنفي الأصول ، شافعي الفروع.

وكان يستحضر المذهبين ويفتي فيهما ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله مع الدين المتين والتواضع الزائد ، وكثرة الخير ، وعدم الشر. تصفه كتب التاريخ فتقول :

«كانت لحيته طويلة جدا بحيث تصل إلى قدميه ، وكان لا ينام إلا وهي في

__________________

(١) راجع شذرات الذهب ج ٦ ص ٢٢٦ ـ ٢٦٧.

٩٤

كيس ، وكان إذا ركب يفرقها فرقتين. وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا : سبحان الخالق».

فكان يقول : عوام مصر مؤمنون حقا ، لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع. يقول عنه صاحب الدرر الكامنة (١) :

«وقدم القاهرة وحظي عند الأشرف شعبان ، وولي مشيخة البيبرسية بعد الرضي ، وتدريس الشافعية بالشيخونية ، وغير ذلك. ولاه الأشرف مشيخة مدرسته ودرس فيها قبل أن تكتمل وسماه شيخ الشيوخ ، وكان ماهرا في الفقه والأصول والمعاني والبيان ملازما للاشتغال لا يمل».

كتب إليه زين الدين طاهر بن الحسن بن حبيب :

قل لرب الندى ومن طلب الع

لم مجدا إلى سبيل السواء

إن أردت الخلاص من ظلمة الج

هل فما تهتدي بغير ضياء

فأجاب : ـ

قل لمن يطلب الهداية مني

خلت لمع السراب بركة ماء

ليس عندي من الضياء شعاع

كيف تبغي الهدى من اسم ضياء

توفي في ثالث ذي الحجة من عام ٧٨٠ ه‍ بالقاهرة (٢).

٣ ـ قطب الدين محمد بن محمد الرازي :

اختلف في اسمه فصاحب الدرر الكامنة يقول عنه : هو محمود بن محمد الرازي المعروف بالقطب التحتاني (٣) ويوافقه على ذلك الأسنوي.

__________________

(١) راجع الدرر الكامنة ج ٢ ص ٣٠٩ ـ ٣١٦.

(٢) راجع شذرات الذهب ج ٦ ص ٢٦٦ والنجوم الزاهرة ج ١١ ص ١٩٣ ، والدرر الكامنة ج ٢ ص ٣٠٩ ـ ٣١٠.

(٣) يقول صاحب الدرر الكامنة : إنما قيل له التحتاني تمييزا له عن قطب آخر كان ساكنا معه بأعلى المدرسة.

٩٥

وابن كثير ، وابن رافع ، وابن حبيب ، يقولون : هو محمد بن محمد الرازي كان أحد أئمة المعقول ، أخذ عن العضد وغيره. وقدم إلى دمشق ، فشرح الحاوي ، وكتب على الكشاف حاشية ، وشرح المطالع والإشارات ، قال الأسنوي : كان ذا علوم متعددة.

وقال ابن كثير : كان أوحد المتكلمين بالمنطق وعلوم الأوائل ، وكان لطيف العبارة ، ضعيف العينين ، وله مال وثروة.

وقال ابن حجر : كان بحرا في جميع العلوم ، وله تصانيف مفيدة منها :

١ ـ شرح الشمسية.

٢ ـ شرح المطالع (١).

٣ ـ شرح الحواشي على كشاف الزمخشري.

وغير ذلك كثير. وكانت تصانيفه أحسن من تصانيف شيخه العلامة شمس الدين الأصفهاني (٢).

يقول صاحب الدرر الكامنة : رأيت له سؤالا سأل فيه تقي الدين السبكي عن قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«كل مولود على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو يمجسانه ، أو ينصرانه». وجواب السبكي له عما استشكل.

فنقض هو ذلك الجواب ، وبالغ في التحقيق والتدقيق ، فأجابه السبكي وأطلق لسانه فيه ، ونسبه إلى عدم فهم مقاصد الشرع ، والوقوف مع ظواهر قواعد المنطق ، وبالغ في ذمه بسبب ذلك.

__________________

(١) يسمى مطالع الأنوار في الحكمة والمنطق للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي المتوفى سنة ٦٨٩ ه‍.

(٢) هو محمود بن أبي القاسم بن محمود الأصبهاني ؛ الإمام شهاب الدين ؛ ولد بأصبهان سنة ٦٧٤ ه‍ وبرع في العقليات. توفي عام ٧٤٩ ه‍.

٩٦

وقد سكن القاهرة إلى أن مات بها في ذي القعدة عام ٧٦٦ ه‍ وقد جاوز السبعين من عمره رحمه‌الله (١).

٤ ـ نسيم الدين أبو عبد الله :

هو محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن علي النيسابوري ، ثم الكازروني الفقيه الشافعي.

نشأ بكازرون وكان يذكر أنه من ذرية أبي علي الدقاق ، وأنه ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، وأن المري أجاز له واشتغل بكازرون على أبيه ، وبرع في العربية ، وشارك في الفقه وغيره مشاركة حسنة مع عبادة ونسك ، وخلق رضي.

فكر في أداء فريضة الحج فسافر إلى الأراضي الحجازية ، وأقام بمكة مدة طويلة ثم أدى الفريضة سنة اثنتين وثمانين ، وجاور بمكة نحو ست عشرة سنة.

يقال عنه : كان حسن التعليم ، غاية في الورع والتقى ، وانتفع به أهل مكة وغيرهم من جماعة المسلمين.

قال السيوطي رحمه‌الله روى لنا عنه جماعة من شيوخنا المكيين ، وتوفي في بلده عام ٨٠١ ه‍ رحمه‌الله تعالى (٢).

مؤلفاته :

١ ـ شرح التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي.

٢ ـ شرح الجامع الصحيح للبخاري.

٣ ـ شرح مختصر التنبيه لعيسى البجلي.

٤ ـ شرح الأسانيد في رواية الكتب والمسانيد (٣).

__________________

(١) راجع الدرر الكامنة ج ٥ ص ١٠٧ ، ١٠٨.

(٢) راجع شذرات الذهب ج ١ ص ١١ ـ ١٢.

(٣) هدية العارفين ج ٢ ص ١٧٦.

٩٧

٥ ـ أحمد بن عبد الوهاب القوصي :

يسمى سعد الدين أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي المحمدي القوصي. ولد ببلدة قوص في جنوب الصعيد ، ولما استقام عوده ودرس علوم الشريعة ، رحل إلى القاهرة وعاش فيها فترة ، واشتغل بالعلوم والمعرفة ثم رحل إلى الشام ، فأقام بها فترة ، ثم ذهب إلى العراق ، وأخذ ينتقل بين أقاليمها (تبريز وأصبهان وشيراز) وفي كل ذلك لا تذكر المراجع التي تعرضت لحياته متى دخل هذه البلاد ، ولا متى رحل عنها ..؟ ولا أنواع الوظائف التي كان يتقلدها ..؟ ولقد استطاع سعد الدين التفتازاني أن يتتلمذ عليه ، وأن يستفيد من علمه. ففي كتاب شرح الأربعين للنووي ص ٤ يقول السعد عن نفسه : «أخبرني أحمد ابن السيد عبد الوهاب المصري المحمدي سماعا عليه». وهذا هو الدليل الوحيد لتلمذة السعد على العلامة أحمد بن عبد الوهاب القوصي (١) يقول صاحب شذرات الذهب : «ثم استمر مقيما بشيراز بالمدرسة البهائية إلى أن مات في ربيع الآخر سنة ٨٠٣ ه‍ رحمه‌الله تعالى (٢).

__________________

(١) راجع شرح الأربعين للنووي ص ٤.

(٢) راجع شذرات الذهب ج ٧ ص ٢٥.

٩٨

آثاره

تمهيد

تكلمنا في المبحث السابق عن المدرسة التي تلقى فيها سعد الدين التفتازاني معارفه الأولية ، حتى صلب عوده ، واستقام فكره ، وأصبح في عداد المفكرين الذين تفخر بهم المكتبة العربية والإسلامية.

وقلنا بأنه مر بمراحل متعددة ، حتى وصل إلى هذه النتيجة الباهرة ، وقسمنا وسائل المعرفة إلى قسمين :

الأول : المكتبة العربية بكل معارفها من تفسير وحديث وبلاغة وتاريخ وفلك وطب وفلسفة ، وبقية العلوم الإنسانية.

الثاني : مجموعة من الأساتذة قلما يجود بهم الزمان. ولا نستطيع في هذه العجالة أن نستعرض جميع أساتذته ، لأن هذا أمر تكاد لا تسعفنا به المراجع التي بين أيدينا ، ونحن نعلم بأن الكثير من كنوز الأمة العربية ومؤلفاتها ، قد تعرض لهجمتين شرستين :

الأولى : عند ما سقطت الخلافة الإسلامية على يد التتار في عام ٦٥٦ ه‍ فاجتاحوا البلاد وعاثوا فيها فسادا ، وألقوا بهذه الكنوز في نهر دجلة ليقام منها جسر ليكون معبرا لهم إلى داخل البلاد.

والثانية : عند ما تعرضت رقعة البلاد الإسلامية للاستعمار الغربي ، واستطاع هؤلاء أن يضعوا أيديهم على تراث الأمة الإسلامية من كتب ومؤلفات ونقلوها إلى بلادهم.

٩٩

من هنا تأتي الصعوبات أمام الباحث عند ما يطلب أحد المراجع ، ويفاجأ بأن يد الضياع قد طوته فيما طوت من مؤلفاته وكنوز.

وهذا البحث الذي بين أيدينا يحتوي على آثار سعد الدين التفتازاني وقد قسم إلى قسمين :

الأول : كتبه ومؤلفاته.

الثاني : تلامذته وطلاب المعرفة في مدرسته.

١٠٠