شرح المقاصد - ج ١

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ١

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

احتجاج المخالف لمدعي اعتبارية التعين

(قال : احتج (١) المخالف بوجوه (٢) :

الأول : أنه جزء المتعين وهو موجود. قلنا (٣) : الموجود معروض التعين (٤) لا المركب من المعروض والمعارض فإنه اعتباري (٥).

فإن قيل : المتعين هو الشخص (٦) كزيد مثلا ، ولا خفاء في وجوده ، وليس مفهومه مجرد الانسان ، بل مع شيء آخر نسميه التعين ، فيكون جزءا من زيد الموجود فيوجد.

فالجواب : أنه الإنسان المقيد بالعوارض المشخصة لا المجموع (٧) ، ولو سلم فذلك الشيء (٨) هو المشخصات من الكم والكيف ، والأين (٩) المخصوصة ونحو ذلك مما وجوده ضروري ، وإنما الكلام في التشخص.

__________________

(١) احتج في اعتبارية التعيين وادعى وجوده.

(٢) خمسة.

(٣) في دفع هذه الحجة التي قال بها المجادل.

(٤) أي ذات موصوفة بالتعيين فيكون التعين وصفا لتلك الذات الموجودة ولا شك أن الوصف ليس جزءا للموصوف فلا يلزم من وجود الموصوف وجود الوصف الذي هو قيد للموصوف ونعت له.

(٥) اعتباري وإن كان جزءا للمركب فاندفعت هذه الحجة.

(٦) المتعين هو الشخص الخارجي الذي لا يشك أحد في وجوده.

(٧) من الإنسانية والشيء الزائد الذي هو تلك العوارض.

(٨) الزائد على انسانية زيد إما أن يقول الخصم انه شيء لم يتعين كونه موجودا فيبطل مدعاه ، وإما أن يقول إنه شيء معين وجوده حسا كوجود زيد حسا فلا شك أنه هو المشخصات من الكم الراجع إلى أجزائه الحسية أو الكيف الذي هو لونه.

(٩) الأين : احدى مقولات أرسطو أطلقه الفلاسفة على المحل الذي ينسب إليه الجسم فقال ابن سينا : الأين هو كون الجوهر في مكانه الذي يكون فيه ككون زيد في السوق (راجع النجاة ص ١٢٨) ، وقال الغزالي : من الأين ما هو أين بذاته ، ومنه ما هو مضاف فالذي هو أين بذاته كقولنا : زيد في الدار أو في السوق. وما هو أين بالإضافة فهو مثل فوق وأسفل ، ويمنة ويسرة وحول ووسط وما بين (راجع معيار العلم ص ٢٠٧).

وقال ابن رشد : ومثال ذلك أن الأين كما قيل هو نسبة الجسم إلى المكان فالمكان مأخوذ في حده الجسم ضرورة ، وليس من ضرورة حد الجسم ، أن يؤخذ في حده المكان ولا هو من المضاف ..

٤٤١

الثاني : أن طبيعة النوع الواحد لا تتكثر بنفسها ، بل بما ينضاف إليها وهو المراد بالتشخيص.

الثالث : لو كان عدميا لما كان متعينا في نفسه ، فلا تعين غيره.

قلنا : غير المتنازع.

الرابع : لو كان عدميا لكان عدما للاتعين مطلقا ، أو لتعين آخر عدمي أو ثبوتي فيكون ثبوتيا لأن رفع العدمي ثبوتي ، وحكم الأمثال واحد.

قلنا : بعد المساعدة على أن العدمي عدم لشيء ، وأن نقيضه ثبوتي إن أريد باللاتعين والتعين مفهوما هما ، فلا حصرا وما صدقا عليه ، فلا يلزم كون ما صدق عليه اللاتعين عدميا.

الخامس : لو كان عدميا لكان عدما لما ينافيه ، فإن كان عدما للإطلاق ، أو لما يساويه كان مشتركا بين الأفراد كعدم الإطلاق ، فلا يكون متميزا ، إن لم يكن لزم جواز انفكاكه (١) عن عدم الإطلاق ، إما بتحقق عدم الإطلاق بدونه ، فيكون الشيء لا مطلقا ، ولا معينا. وإما بالعكس فيكون مطلقا ومعينا.

قلنا : إن أريد مطلق التعين لم يمتنع اشتراكه بين الأفراد ، وتمايزها بالتعينات الخاصة وإن أريد التعين الخاص لم يمتنع كون الشيء لا مطلقا ولا معينا لجواز أن يكون معينا بتعين آخر).

أي القائل بكون التعين وجوديا بوجوه :

الأول : أنه جزء المتعين لكونه عبارة عن الماهية مع التعين وهو موجود وجزء الموجود موجود بالضرورة.

وأجيبه : بأنه إن (٢) أريد بالمتعين الموصوف بالتعين ، فظاهر أن التعين

__________________

إلخ. (راجع مختصر ما بعد الطبيعة ص ٨).

(١) اي انفكاك التعين عن عدم الاطلاق ضرورة أن غير المتساويين ينفك أحدهما عن الآخر وذلك الانفكاك بين التعين وعدم الاطلاق يحصل بأحد أمرين.

(٢) في (ب) إذا بدلا من (إن).

٤٤٢

عارض له لا جزء منه ، وإن أريد المجموع المركب منهما ، فلا نسلم أنه موجود ، فإن الوصف إذا كان من الأعراض المحسوسة كما في الجسم الأبيض لم يكن المجموع إلا مركبا اعتباريا ، فكيف إذا كان مما وجوده نفس المتنازع ، واعترض صاحب المواقف : بأن المراد بالمتعين هو ذلك الشخص المعلوم وجوده بالضرورة كزيد مثلا ، وليس مفهومه مجرد مفهوم الانسان وإلا لصدق على عمرو ، بل الإنسان مع شيء آخر يسميه التعين فيكون جزءا من زيد الموجود فيكون موجودا. والجواب : أنا سلمنا أن ليس مفهومه مفهوم الإنسان الكلي الصادق على عمرو. ولكن لم لا يجوز أن يكون هو الانسان المقيد بالعوارض المخصوصة المشخصة التي لا تصدق على غيره دون المجموع ولو سلم فجزء المفهوم لا يلزم أن يكون موجودا في الخارج ولو سلم فذلك الشيء هو ما يخصه من الكم والكيف والأين ونحو ذلك ، مما يعلم وجوده بالضرورة من غير نزاع لكون أكثرها من المحسوسات ، وهم لا يسمونها التعين ، بل ما به التعين الثاني ، أن الطبيعة (١) النوعية كالإنسان مثلا لا تتكثر بنفسها ، لما سبق من أن الماهية من حيث هي لا تقتضي الوحدة والكثرة ، وإنما تتكثر بما ينضاف إليهما من العوارض الموجودة المخصوصة التي ربما تكون محسوسة وهو المراد بالتشخص.

الثالث : أن التعين لو كان عدميا لما كان متعينا (٢) في نفسه ، إذ لا هوية للمعدوم ، فلم يكن معينا لغيره ضرورة أن ما لا ثبوت له ، لا يصلح سببا لتميز الشيء عما عداه بحسب الخارج. والجواب : عنهما أن ما ينضاف إلى الطبيعة ،

__________________

(١) الطبيعة : هي القوة السارية في الأجسام التي يصل بها الموجود إلى كماله الطبيعي ، وهذا المعنى هو الأصل الذي ترجع إليه جميع المعاني الفلسفية التي يدل عليها هذا اللفظ.

فمن هذه المعاني : قول ابن سينا : والطبيعة مبدأ أول لكل تغير ذاتي وثبات ذاتي. (راجع رسالة الحدود).

وفلسفة الطبيعة : فلسفة مقصورة على البحث في المادة وأحوالها ، وهي أحد اقسام الفلسفة عند بعض فلاسفة الألمان في القرن التاسع عشر أمثال «شيلنج» و «هيجل».

(٢) في (ب) لكان (منتفيا).

٤٤٣

ويعينها ويكثرها هي العوارض (١) المشخصة ، ولا نزاع في وجودها على ما سبق.

الرابع : أن التعين لو كان عدميا وليس عدما مطلقا لكان عدما للاتعين مطلقا ، أو لتعين إذ لا مخرج عن النقيضين ، وذلك التعين إما عدمي أو ثبوتي ، وعلى التقارير يلزم كونه وجوديا. إما على الأولين ، فلأن نقيض العدمي وجودي ، وإما على الثالث فلأن حكم الأمثال واحد.

والجواب : أنا لا نسلم (٢) أن العدمي يلزم أن يكون عدما لأمر (٣) ما ، بل يكون معدوما في الخارج على ما ادعينا من أنه اعتباري. ولو سلم (٤) ، فلا نسلم أن نقيض العدمي وجودي ، كالعمى واللاعمى ، ولو سلم فإن أريد بالتعين ، واللاتعين مفهومهما ، فلا حصر. لجواز أن يكون التعين عدما لمفهوم آخر. وإن أريد ما صدق عليه. فلا نسلم أن كل (٥) ما يصدق عليه اللاتعين (٦) فهو عدمي ، ليكون نقيضه ثبوتيا. كيف واللاتعين صادق على جميع الحقائق ، ولو سلم فلا نسلم تماثل التعينات ، لم لا يجوز أن تكون متخالفة متشاركة في عارض هو مفهوم التعين.

الخامس : أن التعين لو كان عدميا لكان عدما لما ينافيه ضرورة ، كالإطلاق ، والكلية ، والعموم ، وما يجري مجرى ذلك. فإن كان عدما للإطلاق ، أو لما يساويه كالكلية ، والعموم. وبالجملة ، ما لا ينفك عدمه عن عدم الإطلاق ، كان التعين مشتركا بين الأفراد كعدم الإطلاق ، لأن التقدير أنه عدم لأمر لا ينفك

__________________

(١) في (ب) من بدلا من (هي).

(٢) في (ب) لا ثم وهو تحريف.

(٣) في (ب) لأحدهما بدلا من (لأمر ما).

(٤) في (ب) بزيادة لفظ (المجادل).

(٥) سقط من (أ) لفظ (كل).

(٦) اللاتعين : نقيض التعين ، واللاتعين : صفة عقل يتحير في اتخاذ القرار الموافق لمقتضى الحال. وهو بهذا المعنى مرادف للتردد ومناقض للعزم ، واللامتعين ما له انحاء مختلفة يصعب تحديد واحد منها.

٤٤٤

عدمه عن عدم الإطلاق ، وعدم الإطلاق متحقق في جميع الأفراد ، فكذا التعين فلا يكون متميزا ، فلا يكون تعينا ، وإن لم يكن التعين عدما للإطلاق ، ولا عدما لما لا ينفك عدمه عن عدم الإطلاق ، لزم جواز (١) الانفكاك بين عدم الإطلاق بدون التعين ، فيلزم كون (٢) الشيء لا مطلقا ولا متعينا ، وفيه رفع للنقيضين ، وإما أن يتحقق التعين بدون عدم الإطلاق ، فيلزم كون الشيء مطلقا ومتعينا وفيه جمع للنقيضين.

والجواب : أنه إن أريد بالتعين الذي يجعله (٣) عدم الإطلاق مطلق التعين ، فلا نسلم ثم (٤) امتناع اشتراكه بين الأفراد كعدم الإطلاق ، وإنما يمتنع لو لم يكن تمايز الأفراد بالتعينات الخاصة (٥) المعروضة لمطلق التعين ، وإن أريد بالتعين (٦) التعين الخاص فنختار أنه ليس عدما للاطلاق ، ولا لما لا ينفك عدمه عن عدم الإطلاق ، بل لأمر يوجد عدم الإطلاق بدون عدمه ، الذي هو ذلك التعين ، وهو (٧) لا يستلزم إلا كون الشيء لا مطلقا ولا معينا بذلك العين ، ولا استحالة في ذلك لجواز أن يكون معينا بتعين آخر.

الاختلاف في عدمية التعين ووجوده لفظيا

(قال : خاتمة (٨) : افراد النوع (٩) إنما تتمايز بعوارض مخصوصة (١٠) ، ربما

__________________

(١) في (أ) بزيادة (جوازا).

(٢) سقط من (ب) لفظ (كون).

(٣) في (ب) يحصله بدلا من (يجعله).

(٤) في (ب) لا ثم بدلا من (فلا نسلم).

(٥) في (أ) بزيادة لفظ (الخاصة).

(٦) في (ب) بزيادة (بالتعين).

(٧) سقط من (أ) لفظ (وهو).

(٨) خاتمة : في تحقيق يتبين به أن الاختلاف في عدمية التعين ووجوده يكاد يكون لفظيا باعتبار تفسيره وتفسير العدمي والوجودي.

(٩) كالإنسان الذي هو زيد والإنسان الذي هو عمرو والانسان الذي هو خالد.

(١٠) بها لا بالانسانية المطلقة وتلك العوارض وتسمى المشخصات.

٤٤٥

تنتهي إلى ما يفيد الهذية (١) ، والعدمي قد (٢) يطلق على المعدوم ، وعلى عدم أمر ما ، وعلى ما يدخل في مفهومه العدم ، والوجودي (٣) بخلافه ، والحقيقي على ما هو ثابت في نفس الأمر من غير شائبة الفرض والتقدير ، والاعتباري بخلافه. فبعد تلخيص المراد بالثبوتي والعدمي ، وأن التشخص هو تلك العوارض ، أو ما يحصل عندها من الهذية ، أو كون الفرد بحيث لا يقبل (٤) الشركة ، أو عدم قبوله لذلك كان الحق جليا).

تصور الشيء بوجه ما وإن كان كافيا في الحكم عليه في الجملة. لكن خصوصيات الأحكام (٥) ربما تستدعي تصورات مخصوصة ، لا بد منها في صحة الحكم ، فلا بد في تحقيق أن التعين وجودي أو عدمي ، اعتباري أو غير اعتباري ، من بيان ما هو المراد من هذه الألفاظ.

فنقول : الحقيقة النوعية المتحصلة بنفسها ، أو بما لها من الذاتيات ، قد يلحقها (٦) كثرة بحسب ما يعرض لها من الكميات والكيفيات ، والأوضاع والإضافات ، واختلاف المواد ، وغير ذلك ، وربما تنتهي العوارض إلى ما يفيد الهذية ، وامتناع الشركة كهذا الانسان وذاك ، وتسمى العوارض المشخصة ، فلا بد في تحصيل موضوع القضية المطلوبة من بيان ، أن المراد بالتشخص هو تلك العوارض ، أو ما يحصل عندها من الهذية (٧) ، أو عدم قبول الشركة ، أو كون الحصة من النوع بهذه الحيثية ، أو نحو ذلك ، ثم لا بد لتحصيل معنى المحمول من بيان المراد بالوجودي ، والعدمي ، والاعتباري.

__________________

(١) وهي كون الشيء أشير إليه الاشارة الحسية التي هي أظهر في منع الشركة من جميع المشخصات.

(٢) في (ج) بزيادة فقط (قد).

(٣) الوجودي : هو المقابل للعدمي.

(٤) في (ج) لا يفيد بدلا من (لا يقبل).

(٥) في (ب) الإمكان بدلا من (الأحكام).

(٦) في (ب) يعرض لها بدلا من (يلحقها).

(٧) الهذية : اسم مشتق من هذا على ما به يكون الشيء هذا الشيء لا غيره ، والذي وضع اللفظ اللاتيني يعرفه بقوله : أنه يدل على مبدأ التفرد الذاتي ، أي على ما تتعين به الطبيعة فتصير جزئية.

٤٤٦

فقيل : العدمي المعدوم ، وقيل ما يكون عدما مطلقا (١) ، أو مضافا متركبا ، مع وجودي ، كعدم البصر عما من شأنه ، أو غير متركب كعدم قبول الشركة ، وقيل ، ما يدخل في مفهومه العدم ككون الشيء بحيث (٢) لا يقبل الشركة. والوجودي بخلافه ، فهو الموجود ، أو الوجود مطلقا ، أو مضافا ، أو ما لا يدخل في مفهومه العدم ، والعبرة بالمعنى دون اللفظ ، حتى إن العمى عدمي ، واللاعدم وجودي ، وفي المواقف أن الوجودي ما يكون ثبوته لموصوفه بوجوده له ، أي بحسب الخارج. نحو السواد لا أن يكون ذلك باعتبار وجودهما في العقل ، واتصاف موصوفه به فيه (٣) أي في العقل دون الخارج كالإمكان (٤) ، وهو أعم من الموجود ، لجواز وجودي لا يعرض له الوجود أبدا ، لكنه بحيث إذا ثبت للموصوف ، كان ذلك بوجوده له. وهذا معنى ما قال القاضي الأرموي ، إذا قلنا لشيء إنه وجودي ، لا نعني أنه دائم الوجود ، بل نعني أنه مفهوم يصح أن يعرض له الوجود الخارجي عند قيامه بموجود ، وعند قيامه بمعدوم ، لا يكون له وجود ، وكأنه يريد الأعم من وجه ، وإلا فمن الموجود ما لا يسمى وجوديا كالانسان ، وغيره من المفهومات المستقلة ، وأما الاعتباري فهو ما لا تحقق له إلا بحسب فرض العقل ، وإن كان موصوفه متصفا به في نفس الأمر كالإمكان ، فإن الإنسان متصف به في نفس الأمر ، بمعنى أنه بحيث إذا نسبه العقل إلى الوجود يعقل له وصفا هو الإمكان ، ويقابله الحقيقي إذا تقرر هذا ، فلا خفاء في أن العوارض المشخصة وجودية ، والهذية اعتبارية ، وتميز الفرد عما عداه ، وعدم قبوله الشركة وكونه ليس غيره أو لا يقبل الشركة عدمية.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (مطلقا).

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (بحيث).

(٣) سقط من (ب) لفظ (فيه).

(٤) الإمكان في اللغة : مصدر أمكن إمكانا والامكان في الشيء عند المتقدمين هو اظهار ما في قوله إلى الفعل.

قال ابن سينا : والإمكان إما أن يعني به ما يلازم سلب ضرورة العدم وهو الامتناع واما أن يعني به ما يلازم سلب الضرورة في العدم والوجود جميعا. (راجع الاشارات : ٣٤) ، فاعتبار الذات وحدها لا يخلوا إما أن يكون مقتضيا لوجوب الوجود ، أو مقتضيا لامتناع الوجود. (راجع النجاة ص ٣٦٧). ونحن نسمي امكان الوجود قوة الوجود (راجع الشفاء ٢ : ٤٧٧).

٤٤٧

المبحث الثالث

التعين

(قال : المبحث الثالث : التعين يتوقف (١) على امتناع الشركة (٢) ذهنا ، فلا يحصل بانضمام الكلي إلى الكلي ولو بحيث يمنع الشكرة عينا (٣) ، بل يستند عندنا إلى إرادة القادر المختار ، أو عند البعض إلى الوجود الخارجي ، لتحققه عنده قطعا (٤) ، وتتعدد الأشخاص بتعدد الوجودات.

ورد : بأن الدوران لا يفيد العلية ولو سلم ، فالكلام في خصوص التعينات. وعند الفلاسفة إلى نفس الماهية ، فينحصر في فرد ، أو إلى المادة المشخصة بالأعراض التي تلحقها بحسب الاستعدادات المتعاقبة ، فيتكثر بتكثر المواد (٥) القابلة للتكثر بذواتها ، واعتراض بأن تعين الأعراض ، إنما هو بتعين المادة فتعينها بها دور.

وأجيب بأن تعينها بالأعراض لا بتعيناتها.

قلنا : فليكن تعين الماهية بما يخصها من الصفات ، وتكثر له أفراد بتكثرها).

__________________

(١) يتوقف تحققه للشيء.

(٢) على امتناع الشركة في ذلك الشيء فما يقبل الشركة بصحة صدقه على أفراد كثيرة لا تعين فيه.

(٣) أي في عين مصدوق المضموم والمضموم إليه بأن لا يصلح وجود فردين في الخارج للمنضمين بأن يتعين لهما فرد واحد.

(٤) إذ لا يتصور الوجود الخارجي إلا للفرد والفرد له تعين قطعا.

(٥) في (ج) يتكثر وسقطت من (أ) و (ب).

٤٤٨

لا بد في التعين من كون المفهوم بحيث (١) لا يمكن للعقل فرض صدقه على كثيرين ، وهذا معنى امتناع الشركة ذهنا ، ومعلوم أنه لا يحصل بانضمام الكلي إلى الكلي ، لأن كلا من المنضم ، والمنضم إليه والانضمام لكونه كليا ، يمكن للعقل فرض صدقه على كثيرين (٢) ، بل على ما لا يتناهى من الأفراد ، وإن كان بحسب الخارج ربما لا يوجد منه الأفراد ، بل يمتنع تعدده كمفهوم الواجب.

فإن قيل : حكم الكلي قد تخالف حكم كل واحد ، فيجوز أن يكون كل من المنضم ، والمنضم إليه كليا ، والمجموع جزئيا.

قلنا : لا معنى للانضمام هاهنا سوى (٣) أن العقل يعتبر مفهوما كليا كالإنسان ، ثم يعتبر له وصفا كليا كالفاضل ، ومعلوم بالضرورة أن الكلي الموصوف بالأوصاف الكلية لا ينتهي إلى حد الهذية ، حتى لو كان ذلك الوصف هو مفهوم الجزئية والتشخص ، وامتناع قبول الشركة ، كانت الكلية بحالها.

وقد يجاب : بأن المراد (٤) أنّ انضمام الكلي إلى الكلي ، وتقيده به (٥) لا يستلزم الجزئية والتشخص ، (٦) وإن كان قد يفيدها ، فيكون حاصل الكلام أن المركبات العقلية ، مثل الجوهر المتميز ، والجسم النامي ، والحيوان الناطق ، (٧) والإنسان الفاضل ، لا يلزم أن يكون جزئية ، بل قد يكون كلية ، وهذا من الوضوح بحيث لا ينبغي أن يخير به فضلا عن أن يجعل (٨) من المطالب العلمية.

__________________

(١) في (ب) الذي بدلا من (بحيث).

(٢) في (ب) بزيادة (أشخاص).

(٣) سقط من (ب) لفظ (سوى) وبزيادة ل في (أن).

(٤) في (أ) بزيادة (أن).

(٥) سقط من (ب) لفظ (به).

(٦) سقط من (ب) من أول : (وقد يجاب ... إلى ... والتشخص).

(٧) سقط من (أ) لفظ (الناطق).

(٨) في (ب) جعله بدلا من قوله (أن يجعل).

٤٤٩

فإن قيل : ـ فعلى ما ذكرتم يلزم أن يكون ما ينضم إلى الكلى ، وتقيده الجزئية جزئيا ، وله لا محالة مفهوم كلي ، يفتقر إلى ما ينضم إليه ، ويجعله جزئيا ويتسلسل.

قلنا : ليس هناك موجود هو الكلي ، وآخر ينضم إليه ويجعله جزئيا ، بل الموجود الأشخاص ، والعقل ينتزع منها (١) الصور الكلية بحسب الاستعدادات والاعتبارات المختلفة ، والمقصود أن المعنى الذي يسببه امتنع للعقل فرض صدق المفهوم على الكثيرين ، لا يصلح أن يكون انضمام الكلي إلى الكلي ، بل الشخص يستند عندنا (٢) إلى القادر المختار ، كسائر الممكنات بمعنى أنه الموجد لكل فرد على ما شاء من التشخص ، وعند بعضهم إلى تحقق (٣) الماهية في الخارج ، للقطع بأنها إذا تحققت لم يكن إلا فردا مخصوصا لا تعدد فيه ، ولا اشتراك ، وإنما قبول التعدد والاشتراك في المفهوم الحاصل في العقل (٤).

فإن قيل : فيلزم أن لا يتعدد التعين ، لأن (٥) الوجود أمر واحد.

قلنا : هو وإن كان واحدا بحسب المفهوم ، لكن يتعدد أفراده بحسب الأزمنة ، والأمكنة والمواد وسائر (٦) الأسباب ، فتتعدد التعينات.

واعترض : بأن الدوران لا يفيد العلية ، فيجوز أن يكون الوجود ما معه التعين لا ما به التعين. [فإن قيل : نحن نقطع بالتعين عند (٧) الوجود الخارجي ، مع قطع النظر عن جميع ما عداه.

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (منها).

(٢) يقصد المتكلمين من أهل السنة.

(٣) سقط من (ب) لفظ (إلى).

(٤) سقط من (ب) كلمة (في العقل).

(٥) في (ب) والوجود بدلا من (لأن الوجود).

(٦) في (أ) بزيادة كلمة (وسائر).

(٧) في (ب) بزيادة (وجود) أي عند وجود الوجود.

٤٥٠

قلنا : قطع النظر عن الشيء لا يوجب انتفاؤه ، فعند الوجود لا بد من ماهية ، وأسباب فاعلية أو مادية. وبالجملة أمر يستند إليه الوجود ، فيجوز أن يستند التشخص أيضا إليه ، ولو سلم. فالوجود لا يقتضي (١) إلا تعينا ما ، والكلام في التعينات المخصوصة ، فلا يثبت المطلوب ما لم يتبين أن وجود كل فرد يقتضي تعينه الخاص.

وذهبت الفلاسفة إلى أن التعين قد يستند إلى الماهية بنفسها أو بلوازمها كما في الواجب. فينحصر في شخص (٢) ، وإلا لزم تخلف المعلول عن علته لتحقق الماهية في كل فرد ، مع عدم تشخص الآخر ، وقد يستند إلى غيرها ، ولا يجوز أن يكون أمرا منفصلا عن الشخص ، لأن نسبته إلى كل الأفراد (٣) ، والتعينات على السواء ، ولا حالا فيه ـ لأن الحال في الشخص لافتقاره إليه يكون متأخرا عنه ، ولكونه علة لتشخصه المتقدم عليه ضرورة أنه لا يصير هذا (٤) الشخص إلا بهذا التشخص فيكون متقدما عليه ، وهو محال ، فتعين أن يكون محلا له ، وما ذكرنا من نسبة الحال والمحل إلى الشخص دون الماهية ، أو التشخص أقرب وأوفق (٥) بكلامهم والمراد بمحل الشخص معروضه في الأعراض ، ومادته في الأجسام ، ومتعلقه في النفوس على ما ذكروا من حدوث النفس بعد البدن وتعينها به ، فالعقول المجردة تستند تعيناتها ، إلى ماهياتها ، فينحصر كل في شخص ، لا إلى مجرد الإضافة كعقل الفلك الأول مثلا على ما قيل ، لأن هذه الإضافة متأخرة عن وجود الفلك المتأخر عن وجود العقل وتعينه ، والاستناد إلى المادة أعم من أن يكون بنفسها ، أو بواسطة ما

__________________

(١) في (ب) لا يستلزم بدلا من (لا يقتضي).

(٢) في (ب) الشخص بإسقاط حرف الجر وزيادة (ال).

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (كل).

(٤) سقط من (ب) لفظ (هذا).

(٥) في (أ) إلى بدلا من (أوفق).

٤٥١

فيها (١) من الأعراض. فلا يرد ما قيل : أن غير المنفصل لا ينحصر فيما يكون حالا في التشخص أو محلا له ، لجواز أن يكون حالا في محله. ولما اعترض بأن المادة التي يستند إليها الشخص ، تكون متشخصة لا محالة ، فتشخصها إما لماهيتها فلا تتعدد أفرادها ، أو للتشخص المعلول فيدور ، أو لمادة أخرى فيتسلسل.

أجيب : بأنه لما فيها من الكميات (٢) والكيفيات ، والأوضاع ، وغير ذلك من الأعراض التي تتعاقب عليها بتعاقب الاستعدادات حتى لو ذهبت إلى غير النهاية ، لم يمتنع على ما هو رأيهم فيما لا يجتمع في الوجود ، كالحركات والأوضاع الفلكية. وإذا استند التشخص إلى المادة تكثرت أفراد الماهية (٣) بتكثر المواد ، والمادة قابلة للتكثر بذاتها ، فلا تفتقر إلى قابل آخر ، وإنما تفتقر إلى فاعل يكثرها.

واعترض : على ما ذكروا بعد تسليم مقدماته بأن تعين الأعراض الحالة التي في المادة ، إنما هو بتعين المادة على ما سيجيء ، فلو تعينت المادة بها كان دورا.

وأجيب : بأن تعين المادة إنما هو بنفس الأعراض الحالة في المادة المعينة بتعين ما لا بتعيناتها الحاصلة بتعين المادة ، وحاصله أن تعيناتها بتعينها ، وتعينها مع تعيناتها ، فلا يلزم الدور ، ولا حصول التشخص من انضمام الكلي إلى الكلي. إلا أنه يرد عليه ، أنه إذا جاز ذلك ، فلم لا يجوز تكثر الماهية ، وتعين أفرادها بما لها من الصفات المتكثرة العارضة لها ، من غير لزوم مادة.

__________________

(١) في (أ) بزيادة (ما فيها).

(٢) في (ب) الممكنات وهو بعيد عن الصواب.

(٣) في (أ) بزيادة لفظ (الماهية).

٤٥٢

المنهج الثاني

في الوجوب والامتناع والإمكان

وفيه مباحث.

الأول : المعقولات تحصل من نسبة المفهوم

الثاني : تقسيم الوجوب والامتناع والإمكان

الثالث : الوجود رابطة وتوابعه مواد القضايا

الرابع : في اعتبارية الوجوب وما يجري مجراه

الخامس : احتياج الممكن إلى المؤثر

السادس : في موجب احتياج الممكن إلى المؤثر

السابع : تساوي طرفي الممكن بالنسبة إلى ذاته.

٤٥٣
٤٥٤

المنهج الثاني

في الوجوب والامتناع والإمكان

(قال : المنهج الثاني في الوجوب والامتناع (١) والإمكان (٢)).

وفيه مباحث (٣) جعل الامتناع من لواحق الوجود والماهية. نظرا إلى أن ضرورة سلب الموجود عن الماهية ، حال لهما. أو إلى أنه من أوصاف الماهية المعقولة ، أو لكونه في مقابلة الإمكان ، أو لأن المراد بلواحقهما ما جرت العادة بالبحث عنه بعد البحث عنهما.

__________________

(١) المنع : خلاف الإعطاء يقال : منع يمنع منعا فهو مانع ومناع. قال تعالى : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) سورة القلم آية ١٢. وقال تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) سورة المعارج آية رقم ٢

والمانع من صفات الله تعالى له معنيان أحدهما : ما روي في الدعاء الثابت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد». الثاني : أنه يمنع أهل دينه أي يحوطهم وينصرهم. ومن هذا قولهم فلان في عز ومنعة (٠راجع بصائر ذوي التمييز ج ٤ ص ٥٢٥)

(٢) جعل الامتناع من لواحق الوجود ومعه الإمكان والوجوب ، وكون الثلاثة لواحق الوجود فظاهر لأن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن وممتنع ، وقد يقال إنها من لواحق الماهية أيضا نظرا إلى أن لاحق الوجود لاحق الماهية.

(٣) فيه مباحث سبعة. الأول : في ضروريتها وما يتعلق به. الثاني : في بيان ذاتيتها وعرضيتها. الثالث : في كونها قد تكون مواد القضايا أو جهاتها وما يتعلق به. الرابع : في كونها اعتبارية وما يتعلق به الخامس : في كون الإمكان منها يفتقر معروضه إلى مرجع في وجوده وعدمه السادس : في أن موجب احتياج الممكن إلى المؤثر هو الإمكان أو الحدوث. السابع : في أن طرفي الممكن من وجود وعدم لا أولية لأحدهما به لذاته وما يتعلق به.

٤٥٥
٤٥٦

المبحث الأول

المعقولات تحصل من نسبة المفهوم

(المبحث الأول : هي معقولات تحصل من نسبة المفهوم ، إلى هلية البسيطة أو المركبة. إذ حمل الوجود أو الربط بواسطته قد يجب ، وقد يمتنع ، وقد يمكن ، وتصورها ضروري (١). والتعريف بمثل ضرورة الوجود ، وضرورة العدم ، ولا ضرورتهما لفظي (٢)).

قد تقرر في موضعه ، أن (هل) إما بسيطة يطلب بها وجود الشيء في نفسه أو مركبة ، يطلب بها وجود شيء لشيء ، فإذا نسب المفهوم إلى وجوده في نفسه ، أو وجوده لأمر حصل في العقل معان هي الوجوب ، والامتناع والإمكان ، لأن حمل الوجود على الشيء أو ربط الشيء بالشيء بواسطته. قد يجب كما في قولنا الباري تعالى موجود ، والأربعة توجد لها الزوجية ، وقد يمتنع كما في قولنا : اجتماع النقيضين موجود ، والأربعة توجد لها الفردية وقد يمكن كما في قولنا : الإنسان موجود ، أو يوجد له الكتابة ، ولا خفاء في حصولها عند حمل العدم ، إذ الربط بواسطته ، لكنه مندرج فيما ذكرنا ، من حمل الوجود أو الربط بواسطته ، لكونه أعم من الإيجابي والسلبي ، وتصورات

__________________

(١) لحصوله لمن لا يمارس طرق الاكتساب ، ولهذا يقال من لم يميز في نفسه بين الوجوب ، والاستحالة والجواز خرج عن طور العقلاء.

(٢) لفظي : يفيد أن ذلك المعنى المعروف الذي هو ضرورة الوجود ، هو المسمى بلفظ الوجوب ، والمعنى المعروف الذي هو ضرورة العدم ، هو المسمى بلفظ الاستحالة والمعنى المعروف الذي هو عدم ضرورة أحدهما هو المسمى بلفظ الجائز.

٤٥٧

هذه المعاني ضرورية حاصلة لمن لم يمارس طرق الاكتساب إلا أنها قد تعرف تعريفات لفظية ، كالوجود والعدم. فيقال :

الوجوب ضرورة الوجود أو اقتضاؤه أو استحالته العدم ، والامتناع ضرورة العدم أو اقتضاؤه ، أو استحالة الوجود ، والإمكان جواز الوجود والعدم ، أو عدم ضرورتهما ، أو عدم اقتضاء شيء منهما (١) ، ولهذا لا يتحاشى عن (٢) أن يقال الواجب ما يمتنع عدمه ، أو ما لا يمكن عدمه ، والممتنع ما يجب عدمه ، أو ما لا يمكن وجوده ، والممكن ما لا يجب وجوده ، ولا عدمه ، أو ما لا يمتنع وجوده ولا عدمه ، ولو كان القصد إلى إفادة تصور هذه المعاني ، لكان دورا ظاهرا ، وظهر هذه المفهومات الوجود لكونه تأكد الوجود ، الذي هو أعرف من العدم ، لما أنه يعرف بذاته ، والعدم يعرف بوجه ما بالوجود ، والنزاع في أن مفهوم الوجوب والإمكان وجودي أو عدمي ، مبني على اختلاف مفهومات الخواص ، التي باعتبارها يطلقان على الواجب والممكن. وأما في الواجب فكاقتضاء الوجود بحسب الذات ، والاستغناء عن الغير ، وعدم التوقف عليه ، وما به (٣) يمتاز الواجب عن الممكن والممتنع ، وأما في الممكن ؛ فالاحتياج إلى الغير والتوقف عليه وعدم الاستغناء عنه ، وعدم اقتضاء الوجود أو العدم ، أو ما به يمتاز الممكن عن الواجب والممتنع.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (منهما).

(٢) سقط من (أ) لفظ (عن).

(٣) في (أ) بزيادة (به) وبهذا (اللفظ) يستقيم المعنى.

٤٥٨

المبحث الثاني

في تقسيم الوجوب والامتناع والإمكان

(المبحث الثاني : كل من الواجب والامتناع والإمكان ، (١) إن كان بالنظر إلى ذات الشيء ، فذاتي (٢) وإلا فغيري (٣) ، أو وضعي (٤) ، أو وقتي (٥) أو غيرها).

قد يكون بالذات ، وقد يكون بالغير ، لأن ضرورة وجود الشيء ، أو لا وجوده في نفسه ، أو ضرورة وجود شيء لشيء (٦) آخر ، أو لا وجوده له إن كانت بالنظر إلى ذاته ، كوجود الباري ، وعدم اجتماع النقيضين ، ووجود الزوجية للأربعة ، وعدم الفردية لها فذاتي ، وإلا فغيري ، وهو وإن لم ينفك عن علة ، لكن قد ينظر إلى خصوص العلة كوجوب الحركة للحجر المرمي ، وامتناع السكون له ، وقد ينظر إلى وصف الذات الموضوع ، كوجوب حركة الأصابع للكاتب ، وامتناع سكونها له ، وقد ينظر إلى وقت له كوجوب الانخساف للقمر في وقت المقابلة المخصوصة ، وامتناعه في وقت التربيع ، وقد ينظر إلى ثبوت المحمول له ، كوجود الحركة للجسم المأخوذ ، بشرط كونه متحركا ، وامتناع السكون له حينئذ.

__________________

(١) كل واحد يكون ذاتيا ويكون على الإمكان منها عرضيا.

(٢) ذلك الوجوب ذاتي. ثم الحكم المعروض للوجوب الذاتي والامتناع الذاتي أما وجود الشيء في نفسه كقولنا الباري تعالى موجود ، والجمع بين النقيضين ممتنع.

(٣) غيري لا ذاتي لثبوت كل منهما بغير ذات لمحكوم عليه ويسمى ذلك الغير في اصطلاحهم علة الوجوب

(٤) كوجوب الحركة لأصابع ذات الكاتب عند وصف ذاته بالكتابة وامتناع السكون لتلك الأصابع.

(٥) كوجوب الانخساف للقمر وقت الحيلولة وامتناعه وقت التربيع.

(٦) سقط من (ب) لفظ (الشيء).

٤٥٩

الموصوف بالذاتي إما واجب أو ممتنع

(قال ؛ والموصوف بالذاتي واجب الوجود لذاته ، أو ممتنع الوجود لذاته ، إن أخذ الوجود محمولا ، وواجب الوجود لشيء ، وممتنع الوجود له نظرا إلى ذاته ، إن أخذ رابطة فلازم الماهية ، كزوجية الأربعة واجب الوجود لها (١) لذاتها ، لا واجب الوجود لذاته.

يعني إذا أخذ الوجود محمولا ، فالموصوف بالوجوب (٢) الذاتي يكون واجب الوجود لذاته ، كالباري تعالى ، وبالامتناع الذاتي يكون ممتنع الوجود لذاته ، كاجتماع النقيضين ، وإذا أخذ رابطة بين الموضوع والمحمول فالموصوف (٣) بالوجوب الذاتي ، يكون واجب الوجود لموضوعه نظرا إلى ذات الموضوع ، كالزوجية للأربعة ، وبالامتناع الذاتي يكون ممتنع الوجود له نظرا إليه ، كالفردية للأربعة ، فلازم الماهية كالزوجية مثلا واجب الوجود لذاتها. أي واجب الثبوت للماهية نظرا إلى نفسها ، لا واجب الوجود لذاته ، بمعنى اقتضائه الوجود بالذات ليلزم المحال ، وبهذا يسقط ما ذكر في المواقف من أن الوجوب ، والإمكان ، والامتناع ، المبحوث عنها هنا غير الوجوب ، والإمكان ، والامتناع ، التي هي جهات القضايا وموادها ، وإلا لكانت لوازم الماهيات واجبة لذاتها ، وو ذلك لأنه إن أراد كونها واجبة لذات اللوازم ، فالملازمة ممنوعة ، أو لذات الماهيات فبطلان التالي ممنوع ، فإن معناه أنها واجبة الثبوت للماهية نظرا إلى ذاتها ، من غير احتياج إلى أمر آخر ، وكأنه يجعل بعض القضايا خلوا عن كون الوجود فيه محمولا أو رابطة. كقولنا :

__________________

(١) في (ج) بزيادة لها.

(٢) في (ب) بالوجود بالدال بدلا من (الوجوب).

(٣) في (ب) فالوصف بدلا من (فالموصوف).

٤٦٠