شرح المقاصد - ج ١

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ١

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

ظاهر عبارة القوم فباطل ، لأن الجزء الذهني كالجنس والفصل لا يتقدم في الوجود العيني ، وإلا امتنع الحمل ، وإن أريد أن الجزء الذهني متقدم بالوجود الذهني والعيني على ما ذكر. فالعلة الفاعلية للشيء متقدمة عليه في الخارج ، إن كانت علة له في الخارج. وفي الذهن إن كانت في الذهن فهذه الخاصة أيضا ، تكون إضافية لا حقيقية.

قلنا : الظاهر أن مرادهم الأول على ما صرح به الإمام ، ومبناه على ما تقرر عندهم من وجود الكلي الطبيعي ، لكونه جزءا من الأشخاص ، وإذ قد بينا بطلان ذلك.

فالأولى : ابتناؤها على ما ذكرنا من أن الجزء أي ما يعرض له الجزئية متقدم بالوجودين ، إما بالوجود العيني ، فباعتبار كونه مادة (١) لكونه مأخوذا بشرط لا.

وإما بالوجود الذهني ، فباعتبار كونه جنسا أو فصلا لكونه (٢) مأخوذا لا بشرط ، فتكون الخاصة حقيقية غير صادقة على العلة الفاعلية. غاية الأمر أنها لا تكون شاملة بناء على أن من الأجزاء ما لا تقدم له في الخارج ، كلونية السواد ، أو في الذهن كالهيولى ، والصورة ، أو الأجزاء التي لا تتجزأ إذا جوزنا تعقل حقيقة الجسم دون ذلك.

(قال : والتركيب قد يكون حقيقيا (٣) فيلزم احتياج بعض الأجزاء إلى البعض (٤) ، كصورة المركب المتقومة (٥) بأجزائه المادية (٦) ، وكالجنس الذي هو أمر

__________________

(١) في (ب) ما ذكره بدلا من (مادة).

(٢) في (ب) لا. بالشرط بدلا من (لا شرط) وما بين القوسين ساقط.

(٣) بمعنى أنه قد يكون هو الذي ينبغي أن لا يسمى بالتركيب سواه لكونه أثر تأثيرا بالغا كما يقال : هذا هو الإنسان الحقيقي هو الذي تصير به الماهية المركبة شيئا واحدا.

(٤) في التحصيل والوجود على وجه الاتحاد والتغيير.

(٥) في (أ) (وب) والمتقدمة.

(٦) أي أجزاء ذلك المركب الذي هو الصورة ، وبه يعلم أن إضافة الصورة بيانية من العناصر الأربعة التي هي الماء والنار والهواء والثرى.

٤٢١

مبهم لا يتحصل نوعا حقيقيا ، إلا بمقارنة الفصل. وهذا معنى عليته ، وإلا فلا تمايز في الخارج بين الجنس والفصل ، بل النوع والشخص أيضا ، فزيد هو الإنسان والحيوان الناطق ، وإنما التمايز في العقل من جهة أنه يحصل من الشيء صور متعددة باعتبارات مختلفة).

بأن يحصل من اجتماع عدة أشياء حقيقة واحدة بالذات ، مختصة باللوازم والإشارات(١) واحتياج بعض أجزائه إلى البعض ضروري للقطع بأنه لا يحصل من الحجر الموضوع بجنب الإنسان حقيقة واحدة ، والاحتياج فيما بين الجزءين ، قد يكون من جانب واحد كالمركب من البسائط العنصرية ، ومما يقوم بها عن الصورة المعدنية ، أو النباتية ، أو الحيوانية. فإن الصورة تحتاج إلى تلك المواد من غير عكس ، وكالمركب من الجنس والفصل ، فإن الجنس محتاج إلى الفصل من جهة أنه أمر مبهم ، لا يتحصل معقولا مطابقا لما في الأعيان من الأنواع الحقيقية ، إلا إذا اقترن به فصل ، لأنه الذي يحصل طبيعة الجنس ويقررها ، ويعينها ويقومها (٢) نوعا. وهذا معنى علية الفصل للجنس ، وحاصله. أنه الذي به يتحصص الجنس ، أي يصير حصة حصة (٣) ولذا نقل الإمام عن أبي علي ، أن الفصل علة لحصة النوع من الجنس ، وإن كان صريح عبارته ، أنه علة لطبيعة الجنس (٤) ، بمعنى أن الصورة الجنسية ليست متحصلة بنفسها ، بل مبهمة محتملة لأن تقال على أشياء مختلفة الحقائق ، وإذا انضافت إليها الصورة الفعلية (٥) تحصلت ، وصارت بعينها أحد (٦) تلك الأشياء.

فالفصل بالحقيقة علة لتحصلها بهذا المعنى ، وارتفاع إبهامها لحصولها (٧) في العقل ، لظهور أن المعنى الجنسي يعقل من غير فصل ، ولا

__________________

(١) في (ب) والآثار.

(٢) في (ب) تقررها وتعينها وتقويها.

(٣) في (أ) سقط لفظ (حصة) الثانية.

(٤) في (ب) يعني بدلا من (بمعنى).

(٥) في (ب) الفصلية بدلا من (الفعلية).

(٦) في راجع كتاب المواقف المقصد التاسع ج ٣ ص ٥٧ وما بعدها.

(٧) في (أ) لا بحصولها.

٤٢٢

لحصولها في الخارج ، لأنه لا تمايز بينهما في الخارج ، وإلا امتنع حمل أحدهما على الآخر بالمواطأة ، ومن البين أن ليس في السواد أمر محقق هو اللون ، وآخر هو قابضية البصر يجتمعان ، فتحصل منهما السواد. بل التحقيق أن ليس في الخارج إلا الأشخاص ، وإنما الجنس والفصل والنوع صور متمايزة عند العقل ، يحصلها من الشخص بحسب استعدادات تعرض للعقل ، واعتبارات يتعقلها من جزئيات أقل أو أكثر مختلفة في التباين والاشتراك ، فيدرك من زيد تارة صورة شخصية بحيث (١) لا يشاركه فيها غيره ، وأخرى صورة يشاركه فيها عمرو وبكر ، وأخرى صورة يشاركه فيها الفرس وغيره ، وعلى هذا القياس.

فإن قيل : هذا إنما هو في النوع البسيط كالسواد ، لظهور أن ليس في الخارج لونية ، وشيء آخر به امتاز السواد عن سائر الألوان ، ولهذا لا يصح أن يقال : جعل لونا فجعل سوادا. بل جعلاهما واحدا ، وأما في غيره ، فالذاتيات المتمايزة في العقل ، متمايزة في الخارج ، وليس جعلاهما واحدا كالحيوان. فإنه يشارك النبات في كونه جسما ، ويمتاز عنه بالنفس الحيوانية ، وجعل الجسم غير جعل النفس ، حتى إذا زالت عنه النفس بقي ذلك الجسم بعينه موجودا ، كالفرس الذي يموت ، وجسميته باقية ، ولهذا يصح أن يقال : جعل جسما فجعل حيوانا.

قلنا : الجسم المأخوذ على وجه كونه مادة ، غير المأخوذ على وجه كونه جنسا بالذاتي(٢).

[ولا كلام في تميز الأول عن الكل بالوجود الخارجي ، وإنما الكلام في الثاني ، لأنه الجزء المحمول المسمى بالذاتي] (٣). وقد سبق تحقيق ذلك.

والحاصل أن الذاتيات المتمايزة بحسب العقل فقط ، قد يكون لها مبادي

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (بحيث).

(٢) سقط من (أ) لفظ (بالذاتي).

(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).

٤٢٣

متمايزة بحسب الخارج كالحيوان من الجسم ، والنفس الحيوانية والإنسان من البدن ، والنفس الناطقة ، وقد لا يكون كالسواد من (١) اللون ، وقابضية البصر ؛ وكالسطح من الكم ، وقابليته القسمة في الطول والعرض جميعا ، وهو المسمى بالنوع البسيط ، ومن هاهنا جوز بعض المحققين ، كون الفصل عدميا فإن المعنى الجنسي من الكم المتصل ، يتحصل بما له من طول وعرض فقط ، فيكون سطحا (٢) ، وبما له طول فقط فيكون خطا.

(قال : وكالهيولى (٣) والصورة المفتقر كل منهما إلى الآخر باعتبار) (٤).

يعني أن الاحتياج فيما بين الجزءين ، قد يكون من الجانبين ، لكن لا باعتبار واحد ، وإلا يلزم الدور ، وذلك كالهيولى والصورة للجسم ، فإن تشخص الصورة يكون بالمادة المعينة ، ومن حيث هي قابلة لتشخصها [وتشخص المادة بالصورة المطلقة ، ومن حيث هي فاعلة لتشخصها] (٥) وسيجيء بيان ذلك.

(قال : وقد يكون اعتباريا كالعسكر فلا يلزم).

بأن يكون هناك عدة أمور يعتبرها العقل أمرا (٦) واحدا ، وإن لم يكن أمرا واحدا في الحقيقة. وربما يضع بإزائه اسما ، كالعشرة من الآحاد ، والعسكر من الأفراد ، ولا يلزم فيه احتياج بعض الأجزاء إلى البعض.

__________________

(١) سقط من (أ) لفظ (من).

(٢) (ب) مسطحا بدلا من (سطحا).

(٣) الهيولي : لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة. وفي الاصطلاح هي جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال.

(راجع تعريفات الجرجاني). وقال ابن سينا : الهيولي المطلقة. فهي جوهر ، ووجوده بالفعل إنما يحصل لقبول الصورة الجسمية لقوة فيه قابلة للصور. وليس له في ذاته صورة تخصه إلا معنى القوة.

والهيولي عند القدماء على أربعة أقسام.

(راجع كشاف اصطلاحات الفنون).

(٤) يخالف به افتقار الأخرى إذ لو افتقرت كل منها إلى صاحبتها من وجه واحد كأن تفتقر هذه إلى تلك في نفس وجودها. وتفتقر الأخرى إلى هذه في نفس وجودها أيضا لزم الدور وافتقار كل من الهيولي والصورة إلى صاحبتها متقرر أن الهيولي لا يصح وجودها في أصلها بدون الصورة.

(٥) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٦) في (أ) بزيادة لفظ (أمرا).

٤٢٤

فإن قيل : إن أريد عدم الاحتياج أصلا فباطل ، لأن احتياج الهيئة (١) الاجتماعية إلى الأجزاء المادية لازم قطعا ، وإن أريد الاحتياج فيما بين الأجزاء المادية ، فذلك ليس بلازم في المركب الحقيقي أيضا ، كالبسائط العنصرية للمركبات المعدنية مثلا.

قلنا : المراد الأول ، والصورة الاجتماعية في المركبات الاعتبارية محض اعتبار العقل ، لا تحقق لها (٢) في الخارج ، إذ ليس من العسكر في الخارج إلا تلك الأفراد ، بخلاف المركبات الحقيقية ، فإن هناك صورا تفيض على المواد في نفس الأمر ، وستعرفها. وأما في مثل الترياق والسكنجبين فهل يحدث صورة جوهرية هي مبدأ الآثار ، أو هو مجرد المزاج المخصوص الذي هو من قبيل الأعراض ، وأن يكون (٣) التركيب الحقيقي ، هل يكون من الجوهر والعرض ففيه تردد.

تقسيم أجزاء المركب إلى متداخلة ومتباينة

(قال : والأجزاء (٤) قد تتداخل (٥) بأن يكون بينها تصادق بالمساواة (٦) ، أو العموم مطلقا ، أو من وجه ، وقد تتباين متماثلة أو متخالفة ، وجودية (٧) أو عدمية (٨) ، أو مختلطة (٩) أو حقيقية (١٠) ، أو إضافية أو ممتزجة).

أجزاء المركب تنقسم إل متداخلة ومتباينة أما المتداخلة ، فهي التي يكون

__________________

(١) الهيئة أحد أقسام الحكمة الرياضية ، ويعرف فيه حال أجزاء العالم في أشكالها وأوضاع بعضها عند بعض ومقاديرها وأبعاد ما بينها ويشتمل عليه كتاب المجسطي.

(راجع رسالة ابن سينا في أقسام العلوم العقلية ص ١١١. ١١٢).

(٢) في (ب) له بدلا من (لها).

(٣) سقط من (أ) كلمة (يكون).

(٤) الأجزاء المعتبرة للماهية حقيقة بأن كانت طبيعية واحدة جنسية أو نوعية.

(٥) تداخلها بتصادقها في الجملة وتصادقها على ثلاثة أوجه إما أن يكون بالتلازم عن الطرفين بمعنى أن كل ما صدق عليه بعضها صدق عليه البعض الآخر.

(٦) بحيث متى صدق أحدهما مثلا صدق الآخر ، ومتى انتفى الآخر.

(٧) وجودية : كالنفس والبدن للإنسان المركب منهما.

(٨) كسلب ضرورة الوجود وسلب ضرورة العدم.

(٩) أي بعضها وجودي وبعضها عدمي.

(١٠) في (ج) وحقيقية بدلا من (أو).

٤٢٥

بينها تصادق في الجملة ، إما على الوجه الكلي من الجانبين ، بأن يصدق كل من الجزءين على كل ما يصدق عليه الآخر ، فيكونان متساويين كالمركب من المغتذي والنامي ، أو من جانب واحد بأن يصدق أحدهما على كل ما يصدق عليه الآخر ، من غير عكس ، فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق ، كالمركب من الحيوان والناطق. وإما لا على الوجه الكلي بأن يصدق كل منهما على بعض ما يصدق عليه الآخر ، فيكون بينهما عموم وخصوص من وجه كالمركب من الحيوان والأبيض ، وأما المتباينة ، فإما متماثلة كما في العشرة من الآحاد ، وإما متخالفة محسوسة ، كما في البلقية من السواد والبياض ، أو معقولة كما في الجسم من الهيولي والصورة ، أو مختلفة كما في الإنسان من البدن المحسوس ، والنفس المعقولة. وقد تقسم المتخالفة إلى ما تكون للشيء مع ما عرض له من الإضافة إلى الفاعل ، كالعطاء لفائدة من المعطي ، أو إلى القابل كالفطوسة (١) لتقعير في الأنف ، أو إلى الصورة كالأفطس الأنف فيه تقعير ، أو إلى الغاية كالخاتم لحلقة يتزين بها الأصبع ، وإلى ما يكون للشيء مع إضافة إلى المعلول ، كالخالق والرازق (٢) ، وإلى ما لا يكون فيما بين العلة والمعلول وهو ظاهر ، وباعتبار آخر : الأجزاء إما وجودية كالنفس والبدن للإنسان أو عدمية كسلب ضرورة الوجود والعدم للإمكان ، أو مختلطة من الوجودي والعدمي كالسابقية ، وعدم المسبوقية للأولية ، وأيضا إما حقيقة كما في الإنسان من النفس والبدن ، أو إضافية كما في الأقرب من القرب. وزيادته ، أو ممتزجة بعضها حقيقي ، وبعضها إضافي كما في السرير من الأجزاء الخشبية ، والترتيب النسبي (٣).

__________________

(١) الفطس : بفتحتين تطامن قصبة الأنف وانتشارها وبابه طرب فهو (أفطس) والاسم (الفطسة) بفتحتين لأنه كالعاهة. وفطس مات وبابه جلس.

(٢) المتصفح لكتاب المواقف يجد الكثير من العبارات والألفاظ بنصها وفصها وكأنها منقولة نقلا كاملا.

(راجع في ذلك المواقف ج ٣ ص ٢٧ بعدها).

(٣) النسبي مقابل للمطلق ، والنسبي هو المتعلق بغيره من حيث هو غيره أو هو المنسوب إلى المدرك من حيث هو مدرك أو هو ما تتألف منه العلاقات أو يتألف منها.

٤٢٦

المبحث الرابع

الماهيات مجعولة أم لا ..؟

(قال : المبحث الرابع : الماهيات مجعولة (١) خلافا لجمهور الفلاسفة والمعتزلة (٢) مطلقا (٣) ، وللبعض في البسائط لنا وجوه.

الأول : أن علة الاحتياج هي الإمكان وهو صفة للماهية ، مركبة كانت أو بسيطة بالنسبة إلى وجودها ، (والفرق بين مجموع الموجودات ووجود المجموع بحسب الخارج غير معقول) (٤).

الثاني : لا يعقل التأثير إلا في تقرر الماهية. بمعنى صيرورتها تلك الماهية في الخارج ، ويلزم منه تقرر الكون (٥) ، وذلك لأن المعلول لو تقرر بكماله عند اقتناء الوجود لم يكن للفاعل تأثير.

الثالث (٦) : تقرر الماهية ليس بذاتها (٧) ، فيكون بالفاعل ، ورد الكل بأن مآلها الى مجهولية الوجود.

__________________

(١) الماهية مجعولة عند المتكلمين من أهل السنة سواء كانت بسيطة أو مركبة لأنها غنية بذاتها عن جاعل.

(٢) حيث يقولون بأنها غير مجعولة.

(٣) سواء كانت مركبة كماهية الإنسان أو بسيطة كالعقل.

(٤) ما بين القوسين سقط من (ب) ومن (ج).

(٥) في (أ) نفي الكون بدلا من (تقرر).

(٦) الثالث : من الأوجه التي لنا في إثبات مجعولية الماهية مطلقا.

(٧) وإلا كانت واجبة لما تقدم أن المعدوم لو كان شيئا في نفسه ثابتا لكان ثبوته لازما ذاتيا فيصير واجبا.

٤٢٧

الرابع : المجهول إما الماهية أو الوجود أو اتصافها به أو انضمام الأجزاء (١) ، والكل ماهية (٢) ، ورد بأنه الوجود الخاص لا ماهية الوجود).

بعد الاتفاق على أن وجود الممكن بالفاعل ، اختلفوا في ماهيته ، فذهب المتكلمون إلى أنها بجعل الجاعل مطلقا أي بسيطة كانت أو مركبة ، وذهب جمهور الفلاسفة والمعتزلة إلى أنها ليست بجعل الجاعل مطلقا. بمعنى أن شيئا ليس بمجعول ، وذهب بعضهم إلى أن المركبات المجعولة دون البسائط. استدل المتكلمون بوجوه :

الأول : أن كلا من المركبة والبسيطة ممكن. لأن الكلام فيه. وكل ممكن محتاج إلى الفاعل لما سيأتي : من أن علة الاحتياج هي الإمكان. ولما اعترض بأن الإمكان نسبة تقتضي الاثنينية (٣) ، فتنافى البساطة (٤). أشار إلى الجواب. بأنه ليس نسبة بين أجزاء الماهية حتى تختص بالمركبة ، بل بين الماهية ووجودها ، لكونه عبارة عن عدم ضرورة الوجود والعدم.

فمع قطع النظر عن الوجود ، لا يعقل تعقل (٥) عروض الإمكان للماهية بسيطة كانت أو مركبة ، ومعنى كونه ذاتيا لها ، إنها في نفسها بحيث إذا نسبها العقل

__________________

(١) أي انضمام أجزاء الماهية بعضها إلى بعض والانضمام ماهية.

(٢) فيلزم من جعل شيء منها جعل ماهية فيثبت المطلوب.

(٣) الاثنينية : هو كون الطبيعة ذات وحدتين أو هي كون الشيء الواحد مشتملا على حدين متقابلين ومتطابقين كتقابل العسكر والعمل في الحالات الثلاث التي يتألف منها قانون التطور الانساني. وهي الحالة الإلهية المطابقة للمجتمع الحربي ، والحالة الفلسفية المطابقة للمجتمع الاقطاعي ، والحالة الوضيعة المطابقة للمجتمع الصناعي.

ومن معاني الاثنينية أيضا كون الشيء مشتملا على مبدأين مستقلين لا ينحل أحدهما إلى الآخر ، كاثنينية الخلقية والخلقية في فلسفة «توما الاكويني» أو الهوى والحرية أو الإرادة والعقل ، أو الجسم والروح في فلسفة «ديكارت» أو الخير والشر ، أو النور والظلمة في المانوية (راجع الجمع المنطقي).

(٤) في (ب) البسائط.

(٥) سقط من (أ) لفظ (تعقل).

٤٢٨

إلى الوجود يعقل بينهما نسبة هي الإمكان ، وهذا المعنى كاف في الاحتياج إلى الفاعل.

وقد يجاب : بأنه لو لم تكن البسيطة مجعولة لم تكن المركبة مجعولة ، لأنه إذا تقرر في الخارج جميع بسائط المركب حتى الجزء الصوري من غير جاعل ، تقرر المركب ضرورة (١). لا يقال : يجوز أن يكون لكل جزء تقرر ، ويتوقف تقرر المركب على تقرر المجموع ، كما سبق في مجموع التصورات ، وتصور المجموع. لأنا نقول الفرق بين مجموع التقررات ، وتقرر المجموع بحسب الخارج غير معقول ، وإنما ذلك بحسب العقل ، بأن يتعلق بالأمور المتعددة تارة تصورات متعددة ، وتارة تصور واحد من غير ملاحظة التفاصيل.

الثاني : أن الفاعل لا بد أن يؤثر في الماهية ، ويجعلها تلك الماهية الخارج حتى يتحقق الوجود. لأن ذات المعلول عند افنائها (٢) الوجود من الفاعل ، لا يجوز أن تكون حاصلة في الخارج بكمالها. بل لا بد أن يبقى (٣) شيء منها يحصله الفاعل ، ولو هيئة اجتماعية ، وإلا لكان المعلول متحققا. سواء تحقق الفاعل أو لا ، فلا يكون للفاعل تأثير فيه ، ولا له احتياج إلى الفاعل.

الثالث : أنه لا تقرر للماهية في الخارج بذاتها ، لما سبق في بحث العدم ، فيكون بالفاعل ضرورة ، ولا معنى لمجعولية الماهية سوى هذا.

والجواب عن الأول : أن معنى احتياج الممكن. أن وجوده ليس من ذاته ، بل من الفاعل.

وعن الثاني : أنه لا يدل إلا على أن ماهية المعلول لا تكون حاصلة متحققة بدون الفاعل ، والحصول والتحقق هو الوجود ، وهذا لا ينافي كونها متقررة في نفعها من غير احتياج لها وإلى (٤) الفاعل ولا تأثير له فيها.

__________________

(١) في (ب) ضروري بدلا من (ضرورة).

(٢) في (ب) (ذات الوجود عند اكتسابها).

(٣) في (ب) يكون بدلا من (يبقى).

(٤) سقط من (أ) حرف الجر (إلى).

٤٢٩

وعن الثالث : إن أريد بالتقرر التحقق والثبوت (١) فهو الوجود ، وإن أريد كون الماهية في نفسها تلك الماهية في الخارج ، فلم يسبق ما يدل على أن ذلك بالفاعل ، فالوجوه الثلاثة على تقدير تمامها. لا تفيد إلا كون الوجود بالفاعل.

الرابع : انه لا نزاع في أن للعلة جعلا وتأثيرا في الممكن ، فالمجعول. إما الماهية أو الوجود ، أو اتصاف الماهية بالوجود ، أو انضمام لأجزاء بعضها إلى بعض في المركب خاصة ، وكل من الأمور الأربعة ماهية من الماهيات ، فيكون المجعول هو الماهية.

والجواب : أن النزاع في الماهيات التي هي حقائق الأشياء ، لا فيما صدقت هي عليه من الأفراد ، فيجوز أن يكون المجعول ذلك الشخص الذي هو من أفراد ماهية الانسان مثلا ، أو الوجود الخاص الذي هو من أفراد ماهية الوجود كذا الاتصاف والانضمام.

دليل المخالفين في مجعولية الماهية

(قال : قالوا (٢) لو كانت انسانية الإنسان (٣) بالفاعل لما كان انسانا عند عدمه ، لنا اللازم (٤) السلب والمحال العدول (٥).

فإن قيل : معلوم أن ليس هنا (٦) تأثير في ماهية الممكن ، وآخر في وجوده ،

__________________

(١) الثبوت : عند علماء النفس هو البقاء في أحد المواقف المادية أو المعنوية مدة تجاوز الحد السوي ، أو هو بقاء التأثير في النفس بعد ارتفاع التنبيه.

والثبوتي : مرادف للوجودي ويطلق على الموجود الخارجي.

والثبوتية : هي القول أن أشكال الانواع الحيوانية ثابتة على الدهر ، وهي مضادة لمذهب التحول أو التبدل ، أو التطور.

(٢) أي الذاهبين إلى أن الماهية غير مجعولة.

(٣) مجعولة بأن تحققت بالفاعل لذاتها لما كان أي لو كانت الإنسانية بالفاعل لزم أن لا يكون الإنسان إنسانا عند عدمه أي عدم ذلك الفاعل.

(٤) قلنا : أهل السنة من المتكلمين في دفع هذه الشبهة.

(٥) يعني أن اللازم عن نفي جعل الانسانية سلب الإنسانية حتى عن نفسها في الخارج.

(٦) أي في فرض كون الماهية مجعولة.

٤٣٠

وأن ليس لها تقرر في الخارج بدون الفاعل لها (١) ، فما وجه هذا الاختلاف (٢).

أجيب : بأنه قد يراد بالمجعولية (٣) الاحتياج إلى الفاعل وهي من لوازم الوجود كتناهي الجسم (٤) دون الماهية ، كزوجية الأربعة ، وقد يراد الاحتياج إلى الغير ، فيكون من لوازم الماهية في المركب خاصة ، فمن قال : بالمجعولية مطلقا (٥) أراد عروضها للماهية في الجملة ، ومن نفاها أراد أن الاحتياج إلى الفاعل ليس من عوارض الماهية ، ومن فصل أراد أن الاحتياج إلى الغير من لوازم الماهية ، المركب دون البسيط ، وان اشتركا في احتياج الوجود إلى الفاعل).

احتج القائلون بعدم مجعولية الماهية ، بأن كون الانسان إنسانا لو كان بالفاعل لارتفع بارتفاعه ، فيلزم أن لا يكون الإنسان إنسانا على تقدير عدم الفاعل وهو محال.

والجواب : أنه إن أريد أنه يلزم أن يكون الإنسان ليس بإنسان بطريق السلب ، ولا نسلم استحالته ، فإن عند ارتفاع الفاعل يرتفع الوجود ، وتبقى الماهية معدومة ، فيكذب الايجاب ، فيصدق السلب ، وإن أريد بطريق العدول ، بأن يتقرر الإنسان في نفسه بحسب الخارج ، ويكون لا إنسانا فلا نسلم لزومه ، فإن عند ارتفاع الفاعل لا يبقى الإنسان حتى يصلح موضوعا للإيجاب.

قال : فإن قيل : يريد التنبيه على ما يصلح محلا (٦) للخلاف في هذه المسألة ، فإنه معلوم أن ليس للفاعل تأثير ، وجعل بالنسبة إلى ماهية الممكن ، وآخر بالنسبة إلى وجوده ، حتى تكون الماهية مجعولة ، كالوجود ، وأن ليس للماهية تقرر في الخارج ، بدون الفاعل ، حتى يكون المجعول : هو الوجود فقط (٧) ، بل أثر

__________________

(١) سقط من (ج) لفظ (لها).

(٢) الاختلاف بين العقلاء ..؟ في كونها مجعولة أو لا ..؟ وحاصله أن التأثير الذي هو الجعل لا يمكن لعاقل ادعاء كونه في الخارج للوجود بدون الماهية ولا للماهية بدون لزوم الوجود.

(٣) كون الماهية أوجدها الفاعل في الخارج.

(٤) فإنه من لوازم الوجود إذ يستحيل وجود جسم في الخارج بلا تناه.

(٥) أي من غير تقييد ببسيطة أو مركبة.

(٦) سقط من (ب) لفظ (محلا).

(٧) في (أ) بزيادة لفظ (فقط).

٤٣١

الفاعل مجعولية الماهية ، بمعنى صيرورتها موجودة ، وما ذكره الإمام من أن المراد ، أن الماهية من حيث هي هي ليست بمجعولة ، كما أنها ليست بموجودة ، ولا معدومة ولا واحدة ، ولا كثيرة إلى غير ذلك من العوارض ، بمعنى أن شيئا منها ليس نفسها. ولا داخلا فيها ، ليس مما يتصور فيه نزاع ، أو يتعلق بتخصيصه بالذكر فائدة ، والأقرب ما ذكره صاحب المواقف ، وهو أن المجعولية قد يراد (١) بها الاحتياج إلى الغير (٢) على ما يعم الجزء ، وكلاهما بالنسبة إلى الممكن من العوارض ، والعوارض منها ما يكون من لوازم الماهية ، كزوجية الأربعة. حتى لو تصورنا أربعة ليست بزوج ، لم تكن (٣) أربعة ، ومنها ما يكون من (٤) لوازم الهوية ، كتناهي الجسم وحدوثه ، حتى (٥) لو تصورنا جسما ليس بمتناه أو حادث كان جسما ولا خفاء في أن احتياج الممكن إلى الفاعل في المركب والبسيط جميعا من لوازم الهوية دون الماهية ، وأن الاحتياج إلى الغير من لوازم الماهية المركب دون البسيط ، إذ لا يعقل مركب لا يحتاج إلى الجزء ، فمن قال بمجعولية الماهية مطلقا ، أي بسيطة كانت أو مركبة ، أراد أن المجعولية تعرض للماهية في الجملة. أعني الماهية بشرط شيء ، وهي الماهية المخلوطة ، ومرجعها (٦) إلى الهوية ، وإن لم تعرض للماهية من حيث هي ، ويحتمل أن يراد أنه يعرض للماهية من حيث هي المجعولية في الجملة ، أي بمعنى الاحتياج إلى الغير ، وإن لم تكن بمعنى الاحتياج إلى الفاعل ومن قال بعدم مجعولية الماهية أصلا (٧) ، أراد أن الاحتياج إلى الفاعل ليس من عوارض الماهية ، بل من عوارض الهوية ، ومن فرق بين المركبة والبسيطة أراد (٨) أن الاحتياج إلى الغير من لوازم ماهية المركب دون البسيط ، وإن اشتركا في الاحتياج إلى الفاعل بالنظر إلى الهوية ، هذا ولكن لم يتحقق نزاع في المعنى.

__________________

(١) سقط من (أ) (أن المجعولية قد يراد).

(٢) في (ب) إلى الفاعل بدلا من (الغير).

(٣) في (ب) بزيادة لفظ (هي).

(٤) سقط من (أ) حرف الجر (من).

(٥) سقط من (أ) لفظ (حتى) والكلام (ولو).

(٦) في (ب) ومرجعها الهوية بإسقاط حرف الجر (إلى).

(٧) سقط من (ب) كلمة (أصلا).

(٨) في (أ) (قصد) بدلا من كلمة (أراد).

٤٣٢

الفصل الثالث

في لواحق الوجود والماهية وهو مناهج

الأول : في التعين.

الثاني : في الوجوب والامتناع والإمكان.

الثالث : في القدم والحدوث.

الرابع : في الوحدة والكثرة.

الخامس : في العلية والمعلولية.

٤٣٣
٤٣٤

الفصل الثالث

لواحق الوجود والماهية

(قال : الفصل الثالث (١) في لواحق الوجود والماهية ، ولنجعله مناهج (٢) ، المنهج الأول في التعين (٣) وفيه مباحث).

جعل صاحب التجريد الوجوب ، والإمكان ، والامتناع ، وكذا القدم والحدوث في فصل الوجود ، وجعل التعين ، وكذا الوحدة والكثرة في فصل الماهية ، وجعل العلة والمعلول ، فصلا على حدة ، وصاحب المواقف (٤) جعل التعين في فصل الماهية والوجوب ، ومقابليه فصلا على حدة ، وكذا الوحدة والكثرة ، وكذا العلة والمعلول ، وذكر القدم والحدوث في فصل الوجوب ومقابليه ، وصاحب الصحائف (٥) جعل الوجوب ومقابليه ، والعلة والمعلول من لواحق الموجود ، (والبواقي من لواحق الوجود ، فأطلقنا القول بكون الكل من لواحق الوجود) (٦) ، والماهية ليصح على جميع التقارير.

__________________

(١) من فصول الأمور العامة.

(٢) جعله مناهج خمسة الأول : في التعين. والثاني : في الوجوب والإمكان والامتناع. والثالث : في القدم والحدوث. الرابع : في الوحدة والكثرة. الخامس : في العلية والمعلولية.

(٣) التعين : هو التشخص ، والتشخص في الأصل صيرورة الشخص شيئا معينا.

(٤) راجع كتاب المواقف ج ٣ ص ٥٠ وما بعدها.

(٥) كتاب الصحائف في علم الكلام كتب على مقدمة وست صحائف وخاتمة ومن شروحه المعارف في شرح الصحائف للسمرقندي شمس الدين محمد.

(٦) ما بين القوسين سقط من (ب).

٤٣٥
٤٣٦

المبحث الأول

التعين

(المبحث الأول : التعين يغاير الماهية ، والوجود (١) والوحدة لصدقها على الكلي دونه (٢) ولا يلزم فيه اعتبار المشاركة (٣) بخلاف التمايز ، فيتصادقان إذا اعتبر مشاركة الشخصين ، ويتفارقان إذا لم تعتبر المشاركة أو كان التميز كليا فبينهما عموم من وجه).

تعين الشيء وتشخصه الذي به يمتاز عن جميع ما عداه غير ماهيته ووجوده وحدوثه ، لكون كل من هذه الأمور مشتركا بينه وبين غيره ، بخلاف التعين ، ولذا يصدق قولنا :

الكلي ماهية وموجود وواحد. ولا يصدق قولنا. إنه متعين ، وإن كان التعين أو المتعين مفهوما كليا صادقا على الكثرة ، وبين التعين والتمييز عموم من وجه لتصادقهما على تشخصات الأفراد إذا اعتبر مشاركتها في الماهية مثلا ، فإن كلا منها متشخص في نفسه ، ومتميز عن غيره ، ويصدق التعين دون التميز حيث لا تعتبر المشاركة ، وبالعكس حيث تتميز الكليات كالأنواع المعتبرة اشتراكها في الجنس.

__________________

(١) لأنه ليس نفس الماهية ، وليس نفس الوجود.

(٢) أي دون التعيين فإنه لا يصدق إلا على المعنى الجزئي والشخص المعين.

(٣) المشاركة في الماهية بمعنى أن المتعين يعرض له التعيين ويوصف به من غير أن يشترط في عروضه كونه مشاركا لمتعين.

٤٣٧

المبحث الثاني

التعين اعتباري

(قال : المبحث الثاني : التعين (١) اعتباري لوجهين :

الأول : أنه لو وجد لكان له تعين وتسلسل.

فإن قيل : المحوج إلى التمايز بالتعين هو الاشتراك في الماهية ، واشتراك التعين لفظي (٢) أو عرضي.

قلنا : كل تعين فله عند العقل ماهية ، سواء تعددت أفرادها (٣) أو لا. فإذا وجدت في الخارج لزم التعين بالضرورة.

فإن قيل : تعينه عينه.

قلنا : فيكون اعتباريا إذ تغاير المعروض والعارض في الأمور العينية ضروري.

الثاني : أنه لو وجد (٤) لتوقف انضمامه إلى حصة الشخص (٥) من النوع على تميزه فيدور أو يتسلسل.

__________________

(١) التعين : الذي به يكون الشيء غير قابل للشركة عند المتكلمين.

(٢) فصدقه عليها كصدق العين على الباصرة ، والذهب فكما تمايز مصدوق الذهب والفضة بالماهية فكذا مصدوق التعين فلا يحتاج إلى التمييز بتعيين آخر لحصوله بالذات.

(٣) بأن وجدت في الخارج بالفعل.

(٤) في الخارج.

(٥) أي إلى الحصة التي هي الشخص الكائن.

٤٣٨

فإن قيل : الماهية إذا وجدت ، وجدت متخصصة معروضة للتعين ، لا انهما يتحققان ، فيتقارنان ليلزم تميز سابق.

قلنا : تقدم المعروض بالوجود المقارن للتميز ضروري وفيه نظر) (١).

أمر اعتباري لا تحقق له في الأعيان لوجهين : ـ

الأول : أنه لو كان موجودا في الخارج لكان له تعين ضرورة (٢) ، وينقل الكلام إليه ويتسلسل.

فإن قيل : لا نسلم أنه لو كان موجودا لكان له تعين ، وإنما يلزم ذلك (٣) لو كانت التعينات متشاركة في الماهية ، ليحتاج في التمايز إلى تعين ، وهو ممنوع بل هي متخالفة بالماهية متمايزة بالذات ، وإنما يتشارك في لفظ التعين أو في عرض لها هو مفهوم التعين.

قلنا : ضروري. إن لكل موجود ماهية كلية في العقل ، وإن امتنع تعدد أفرادها بحسب الخارج ، وهذا في حق الواجب محل نظر ، فلذا خص الدعوى بالتعين ، وإن كانت المناقشة باقية.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون تعين التعين نفسه لا زائدا عليه ليتسلسل :

قلنا : لأن ماهية التعين كلية ، وإنما التمايز بالخصوصيات العارضة التي لا تقبل الاشتراك ، وتغاير المعروض والعارض في الأمور الموجودة في الخارج ضروري ، وإنما يصح الاتحاد وبحسب الواقع في الأمور الاعتبارية كقدم القدم ، وحدوث الحدوث (٤). قال : ـ

__________________

(١) لأن تقدم المعروض على العارض لا نسلم أنه بالزمان حتى يلزم ما ذكر بل بالذات بمعنى أن المعروض من حيث احتياج العارض إليه لكونه وصفا والمعروض موصوف يلاحظه الذهن بالتقدم الذاتي ليسند إلى العارض ، وإما ان يتقدم عليه بالزمان فلا يجب بل يجوز أن يفارقه.

(٢) في (أ) بزيادة (ضرورة).

(٣) سقط من (ب) لفظ (ذلك).

(٤) في (ب) كقدم القديم ، وحدوث الحادث.

٤٣٩

الثاني : وقد يستدل أي على كون (١) التعين اعتباريا بأنه لو وجد في الخارج لتوقف عروضه لحصة هذا الشخص من النوع دون الحصة الأخرى منه على وجودها وتميزها ، فإن كان تميزها بهذا التعين فدور أو بتعين آخر فيتسلسل ، وهذا هو المراد بقولهم : لو وجد لتوقف انضمامه إلى الماهية على تميزها ، فلا يرد ما قيل أن تميز الماهية بذاتها ، وبما لها من الفصول ، لا بهذا التعين.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون هذا (٢) المعروض هو الحصة المتميزة بهذا التعين لا بتعين سابق؟ ليلزم المحال ، كما أن معروض البياض ، هو الجسم الأبيض به (٣) لا بياض آخر. وحاصله أن ذلك دور معية ، فإن الماهية إذا وجدت ، وجدت متخصصة متميزة بما عرضت له من التعينات كحصص الأنواع من الجنس تتمايز بالفصول ، ولا يتوقف اختصاص كل (٤) فصل بحصة على تميز لها سابق.

قلنا : وجود المعروض متقدم على العارض بالضرورة ، فكذا تميزه لكونه مقارنا للوجود السابق ، وهذا بخلاف الفصول ، وحصص الأنواع من الجنس ، فإن التمايز هناك عقلي لا غير وفيه نظر ، لأن تقدم معروض التعين عليه ، إنما هو بالذات دون الزمان. وهو ما يستلزم تقدم ما معه بالزمان ، لجواز أن يكون الشيء محتاجا إليه ، ولا يكون مقارنه كذلك.

فإن قيل : المعروض المتقدم هو هذه الحصة ، فيلزم تقدم الهذية (٥) ، وهو التعين والتميز.

قلنا : نعم بمعنى أنه معروض الهذية فلا يمتنع أن يكون هذيتها بهذا التعين.

__________________

(١) في (أ) بزيادة (على كون).

(٢) سقط من (أ) لفظ (هذا).

(٣) سقط من (ب) لفظ (به).

(٤) في (ب) بها بدلا من (كل).

(٥) في (ب) الهوية بدلا من (الهذية).

٤٤٠