شرح المقاصد - ج ١

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ١

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

تغاير المعروض والعارض ، ولهذا يصدق على المتنافيين كالإنسان الضاحك وغير الضاحك ، فهي في نفسها ليست شيئا من العوارض ، ولو على طرفي النقيض ، كالوجود والعدم ، والحدوث والقدم ، والوحدة والكثرة ، وإنما ينضم إليه هذه العوارض فيحصل بها (١) موجودا ومعدوما ، حادثا وقديما ، واحدا وكثيرا إلى غير ذلك ، وتتقابل تلك الماهية ، أي يعرض لها تقابل الأفراد بتقابل الأوصاف ، فلا يصدق الإنسان الواحد. على الإنسان الكثير وبالعكس ، ولا الجسم المتحرك على الجسم الساكن ، وعلى هذا القياس فحيث يحمل بعض العوارض على الماهية من حيث هي هي ، كما يقال الأربعة من حيث هي هي زوج أو ليست بفرد ، يراد أن ذلك من عوارض الماهية ، ولوازمها ، ومقتضياتها من غير نظر إلى الوجود ، ولو لم يرد ذلك لم يصح إلا حمل الذاتيات ، فالأربعة من حيث هي هي (٢) ليست إلا الأربعة ، ولهذا قالوا لو سئل بطرفي النقيض. فقيل الأربعة من حيث هي ، هي زوج ، أو ليست بزوج.

كان الجواب الصحيح : سلب كل شيء بتقديم حرف (٣) السلب على الحيثية مثل أن يقال : ليست من حيث هي بزوج ولا فرد ولا غير ذلك من العوارض. بمعنى أن شيئا منها ليس نفسها ولا داخلا فيها ، ولا يصح أن يقال هي من حيث هي زوج أو ليست بفرد، أو ليست هذا ولا ذاك بتقديم الحيثية ، لدلالته على أن ذلك الثبوت (٤) أو السلب من ذاتياتها.

والتقدير أنها من العوارض ، وأما إذا أريد بتقديم الحيثية أن ذلك العارض من مقتضيات الماهية صح في مثل قولنا : الأربعة من حيث هي هي (٥) زوج ، أو ليست بفرد دون قولنا : الإنسان من حيث هو ضاحك أو ليس بضاحك. فما ذكر في المواقف من أن تقديم الحيثية على السلب معناه اقتضاء السلب ، وهو باطل ليس على إطلاقه.

__________________

(١) سقط من (أ) فيحصل بها.

(٢) سقط من (ب) لفظ (هي) الثانية.

(٣) في (أ) بزيادة (حرف).

(٤) في (ب) الإيجاب بدلا من (الثبوت).

(٥) سقط من (أ) لفظ (هي) الثانية.

٤٠١

وقال الإمام : ولو سئلنا بموجبتين هما في قوه النقيضين. كقولنا الإنسان إما واحدا أو كثيرا ، لم يلزمنا أن نجيب عنه (١) البتة ، بخلاف ما إذا سئل بطرفي النقيض ، لأن معنى السؤال بالموجبتين. أنه إذا لم يتصف بهذا الموجب ، اتصف بذاك ، والاتصاف لا يستلزم الاتحاد (٢) ، بل يستلزم التغاير ، وهذا ما قال في المواقف (٣) : لو سئلنا عن المعدولتين فقيل الإنسانية من حيث هي هي (٤) أو لا لم يلزمنا الجواب. ولو قلنا لا هذا ولا ذاك. أي ليست من حيث هي ولا بتقديم الحديثية (٥) صح لما مر ، ولا يخفى ما في لفظ المعدولتين (٦) من العدول (٧) عن الطريق. فإن قولنا هذا ليست من المعدولة في شيء.

كذا قولنا : هذا واحد أي لا كثير ، وكثير أي لا واحد وبصير أي لا أعمى ، وأعمى أي لا بصير ، لم يقل أحد بكونها معدولة ، وفي قوله : تتقابل بتقابلها إشارة إلى جواب سؤال تقديره : إن الإنسانية التي في زيد إن كانت هي التي في عمرو لزم أن يكون للشخص الواحد في آن واحد في مكانين ، وموصوفا بوصفين متضادين ، وإن كانت غيرها لم تكن الماهية أمرا واحدا مشتركا بين الأفراد ، وتقرير الجواب : أنها عينها بحسب الحقيقة غيرها بحسب الهوية ، ولا يمتنع كون الواحد لا بالشخص في أمكنة متعددة ، ومتصفة بصفات متقابلة ، بل يجب في طبيعة الأعم أن يكون كذلك.

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (البتة).

(٢) في (ب) الإيجاب بدلا من (الاتحاد).

(٣) راجع كتاب المواقف ج ٣ ص ٢٢ وما بعدها.

(٤) سقط من (أ) لفظ (هي) الثانية.

(٥) في (ب) بتقديم السلب صح.

(٦) القضية المعدولة : هي التي موضوعها أو محمولها اسم غير محصل كقولك اللاإنسان أبيض أو الإنسان لا أبيض. والقضية المعدولة المطلقة في وصفها بالعدول هي التي محمولها كذلك ، كقولك زيد هو غير بصير فقولنا زيد هو غير بصير قضية موجبة معدولة.

(٧) في (ب) المعدول.

٤٠٢

المبحث الثاني

تقسيم الماهية باعتبار ثبوت العوارض أو نفيها (١)

(قال : المبحث الثاني : الماهية قد تؤخذ (٢) بشرط شيء وتسمى المخلوطة ، ولا خفاء في وجودها وقد تؤخذ بشرط لا شيء وتسمى المجردة ، ولا توجد في الأذهان فضلا عن الأعيان ، وإن قيدت اللواحق بالخارجية ، لأن الكون في الذهن مما يلحقها في نفسها ، وإن لم يتصوره العقل ، ولم يجعله وصفا لها ، وما يقال من أن للعقل أن يلاحظها وحدها ، أو يعتبرها مجردة عن جميع ما عداها ، حتى عن الكون في الذهن لا يقتضي تجردها ، وإن اكتفى بمجرد اعتبار العقل جاز وجودها في الخارج (٣) أيضا بأن يعتبر المقرونة بالمشخصات كذلك).

مقارنة العوارض وتسمى المخلوطة (٤) ، والماهية بشرط شيء ، ولا خفاء في وجودها كزيد وعمرو من أفراد ماهية الإنسان ، وقد تؤخذ بشرط ألا يقارنها

__________________

(١) الماهية : تارة تؤخذ مقيدة بالعوارض وتسمى مخلوطة ، وتارة تؤخذ مقيدة بنفي جميع العوارض وتسمى مجردة. وتارة تؤخذ غير مقيدة بثبوتها ولا نفيها وتسمى مطلقة ، فالقسمان الأولان كل منهما أخص من الثالث لاختصاصه بالقيد ، والقسم الثالث : أعم من كل منهما لإطلاقه من التقييد وكل من المقيدين مباين لصاحبه فهي أقسام ثلاثة.

(٢) في (ب) توجد بدلا من (تؤخذ).

(٣) أي لزم صحة وجودها خارجا بذلك التقدير.

(٤) مخلوطة : لأنها أخذت مع خلط شيء زائد عليها. مثالها : ماهية الإنسان تؤخذ مخلوطة بالمشخصات في زيد وعمرو ، والمراد من أخذها مع المشخصات اعتباراتها كذلك في نفس الأمر لا تقدير الخلط ولو لم يحصل فإنه يصح في المعدومة.

٤٠٣

شيء من العوارض وتسمى المجردة والماهية بشرط لا ولا خفاء في امتناع وجودها في الأعيان ، لأن الوجود من العوارض ، وكذا التشخص ، وفي الأذهان أيضا سواء أطلقت العوارض ، أو قيدت بالخارجية ، لأن الكون في الذهن أيضا من العوارض التي لحقت (١) الصورة الذهنية ، بحسب الخارج لا بمجرد اعتبار العقل ، وجعله إياه وصفا لها ، وقيدا فيها. وزعم بعضهم أنه يجوز وجودها في الذهن ، إذا قيدت العوارض الخارجية زعما منه أن الكون في الذهن من العوارض الذهنية ، وكأنه أراد بالعوارض الخارجية ما يلحق الأمور الحاصلة في الأعيان ، وبالذهنية ما يلحق الأمور القائمة بالأذهان ، وعلى هذا فكون الوجود في الخارج من العوارض الخارجية ، محل نظر على سبقها في بحث الوجود ، فلا يتحقق امتناع وجود (٢) المجردة في الخارج أيضا ، وذكر بعضهم أنها موجودة في الأذهان من غير تقييد للعوارض بالخارج (٣) وبينوه بوجهين :

أحدهما ، أن للعقل أن يلاحظ الماهية وحدها من غير ملاحظة شيء معها. ورد : بأن مثل هذا لا يكون مأخوذا (٤) بشرط لا. وهو ظاهر ، وثانيهما : أن للعقل أن يعتبر عدم كل شيء حتى عدم نفسه ، فجاز أن يعتبر الماهية مجردة عن جميع العوارض حتى عن الكون في الذهن ، وإن كانت هي في (٥) نفسها مقرونة بها. ورد بأن هذا لا يقتضي كونها مجردة. بل غاية الأمر ، أن العقل قد تصورها كذلك تصورا غير مطابق (٦).

__________________

(١) في (ب) تحققت بدلا من (لحقت).

(٢) سقط من (أ) لفظ (وجود).

(٣) في (ب) الخارجية بدلا من (الخارج).

(٤) في (ب) موجودا.

(٥) سقط من (أ) حرف الجر (في).

(٦) المطابقة بين الشيئين هي الجمع بينهما على حذو واحد ، أو هي الجمع بين الضدين في كلام واحد كالليل والنهار ، والبياض والسواد.

والمطابقة في الاصلاح علاقة منطقية أساسية ، وهي أن يكون تعيين أحد الحدود مقابلا لتعيين حد أو جملة من الحدود الأخرى ، ذلك بمقتضى جدول سابق أو معادلة عامة تتضمن قانون المطابقة بين تلك الحدود.

٤٠٤

فإن قيل : لا معنى للمأخوذ بشرط (لا) سوى ما يعتبره العقل كذلك.

قلنا : فحينئذ لا يمتنع وجوده في الخارج بأن يكون مقرونا بالعوارض والمشخصات ، ويعتبره العقل مجردا عن ذلك ، فصار الحاصل : أنه إن أريد بالمجرد ما لا يكون في نفسه مقرونا بشيء من العوارض مطلقا ، أو العوارض الخارجية امتنع وجوده في الخارج ، وفي الذهن جميعا ، وإن أريد ما يعتبره العقل كذلك ، جاز وجوده فيهما.

فإن قيل : فكيف يصح على الأول الحكم بامتناع الوجود في الذهن؟

قلنا : هي شبهة المجهول المطلق وقد سبقت.

ما نقل عن أفلاطون يفيد ظاهره وجود الماهية

(قال : وما نسب إلى أفلاطون (١) من المثل (٢) ، ليس قولا بوجود المجردة (٣) ، بل بوجود الأنواع في علم الله تعالى (٤). أو بأن لكل نوع جوهرا (٥) مجردا يدبر أمره بمنزلة النفس للبدن).

قد نقل عن أفلاطون. ما يشعر بوجود الماهية المجردة عن اللواحق. وهو أنه يوجد في الخارج لكل نوع ، فرد مجرد أزلي أبدي ، قابل للمتقابلات. أما التجرد وقبول المتقابلات ، فليصح كونه جزءا من الأشخاص المتصفة بالأوصاف المتقابلة.

وأما الأزلية والأبدية فلما سيأتي من أن كل مجرد أزلي ، وكل أزلي أبدي ،

__________________

(١) سبق أن ترجم له.

(٢) المثل المجردة حيث نقل عنه أنه قال : إن لكل نوع مثالا مجردا تشترك فيه الأفراد لا يعتريه الكون والفساد الذي يعتري الأشخاص التي تشترك فيه وتعتريه المتقابلات بواسطة الأشخاص المشتركة فيه.

(٣) المجردة في الخارج وهي التي أخذت بشرط لا شيء.

(٤) في علم الله تعالى أزلا وابدا بحيث لا يتبدل في علمه جل وعز.

(٥) في (أ) الكل وهو تحريف.

٤٠٥

ولما كان هذا ظاهر البطلان. بناء على أن القابل للمتقابلات ، والجزء من الأشخاص يتصف بالعوارض لا محالة ، وأنه هو الماهية لا بشرط شيء لا الماهية بشرط لا شيء ، وأن الوجود من العوارض.

فالقول بوجود المجردة تناقض. اللهم إلا أن تقيد العوارض بغير الوجود ، أو يجعل الوجود نفس الماهية.

قال الفارابي (١) في كتاب الجمع بين رأي أفلاطون وأرسطو أنه إشارة إلى أن للموجودات صورا في علم الله تعالى باقية لا تتبدل ولا تتغير. وقال صاحب الإشراق (٢) وغيره ، أنه إشارة إلى ما عليه الحكماء المتألهون ، عن أن لكل نوع من الأفلاك والكواكب والبسائط العنصرية (٣) ومركباتها جوهرا مجردا من عالم العقول يدبر أمره (٤) ، حتى إن الذي لنوع النار هو الذي يحفظها وينورها ، ويجذب الدهن والشمع إليها ، ويسمونه رب النوع ، ويعبر عنه في لسان الشرع ، بملك الجبال ، وملك البحار ونحو ذلك. ومع الاعتراف بكونه جزئيا يقولون. إنه كلي ذلك النوع ، بمعنى أن نسبة فيضه إلى جميع أشخاصه على السواء ، لا بمعنى أنه مشترك بينها ، حتى يلزم أن تكون إنسانية مجردة ، موجودة في الأعيان مشتركة بين جميع الأفراد محققة في المواد ، فيكون هناك إنسان محسوس فاسد ، آخر معقول مجرد دائم ، لا يتغير أبدا. ثم هذا غير المثل المعلقة التي يسمونها عالم الأشباح المجردة ، فإنها لا تكون من الجواهر المجردة ، بل كالواسطة بين المحسوس والمعقول ، ولا تختص بأنواع

__________________

(١) الفارابي : سبقت الترجمة له في هذا الجزء.

(٢) هذا الكتاب : يسمى إشراق المآخذ للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة خمس وخمسمائة ، ذكره صاحب كشف الظنون ج ١ ص ١٠٤.

(٣) القضية البسيطة في المنطق خلاف المعدولة ، فالبسيطة هي التي موضوعها اسم محصل ، ومحمولها اسم محصل. أما. القضية المعدولة : فهي التي موضوعها أو محمولها اسم غير محصل :

(٤) كل هذا فاسد. وهو مما لم يقم عليه دليل ولا يصح عقلا ولا نقلا بل الكل لله الواحد القهار وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

٤٠٦

الأجسام. بل يكون لكل شخص من الجواهر والأعراض على ما سيجيء. صرح بذلك صاحب الاشراق.

فقال : والصور المعلقة ليست مثل أفلاطون. لأن مثل أفلاطون نورية. أي من عالم العقل ، وهذه مثل مغلقة من عالم الأشباح المجردة منها ظلمانية ، ومنها مستنيرة ، وذكر أن لكل نوع من الفلكيات ، والعنصريات التي في عالم المثل أيضا ، رب نوع من عالم العقول ، وأن رب النوع إنما يكون للأنواع الجسمانية المستقلة ، وتدبير الأعراض والأجزاء مفوض إلى رب النوع ، الذي هو محلها من الأجسام. مثلا في عالم العقل. جوهر مجرد له هيئات نورية ، إذا وقع ظله في هذا العالم يكون منه المسك مع رائحته ، أو السكر مع طعمه ، أو الإنسان مع اختلاف أعضائه.

القسم الثالث (١) لا يعتبر فيه خلط ولا تجريد

(قال : وقد تؤخذ لا بشرط شيء (٢) وهي أعم من المخلوط ، فتوجد لكونها نفسها في الخارج لا جزءا منها ، إذ لا تمايز في الخارج (٣) ، فضلا عن الجزئية ، وإنما ذلك في الذهن.

فإن قيل : المأخوذ لا بشرط شيء كلي طبيعي ، فيمتنع وجوده العيني ، ضرورة استلزامه التشخص المنافي للكلية.

قلنا : لا ، بل الكلي الطبيعي هو المأخوذ ، بشرط كونه معروضا للكلية ، وما يقال من أنه موجود. فمعناه أن معروضه الذي هو المأخوذ لا بشرط شيء

__________________

(١) من أقسام الماهية.

(٢) من تجريد أو خلط بمعنى أنا نلاحظها في نفسها من غير أن نشرط لها كونها مع شيء مما يخالطها.

(٣) بين المطلقة والمخلوطة إذ الموجود في الخارج زيد وعمرو مثلا وكل منهما إنسان موصوف بالعوارض والمشخصات وليس في الخارج شيء هو الإنسانية المطلقة واخر هو إنسانية مخلوطة. وإنما هناك إنسانية واحدة في كل فرد.

٤٠٧

موجود ، وذلك عند عروض التشخص ، وحاصلها أن (١) ما صدق هو عليه موجود).

لا خفاء في تباين المخلوطة (٢) والمجردة ، وأما المطلقة أعني المأخوذة لا بشرط شيء فأعم منهما لصدقه عليهما ضرورة صدق المطلق على المقيد.

فإن قيل : المشروط بالشيء واللامشروط (٣) به متنافيان ، فكيف يتصادقان؟.

قلنا : التنافي إنما هو بحسب المفهوم ، بمعنى أن هذا المفهوم لا يكون ذاك ، وهو لا ينافي الاجتماع في الصدق ، كالإنسان المشروط بالنطق ، والحيوان اللامشروط به ، وإنما التنافي في الصدق بين المشروط بالشيء ، والمشروط بعدمه ، كالمخلوطة والمجردة ، ثم لا نزاع في أن الماهية لا بشرط شيء موجودة في الخارج ، إلا أن المشهور أن ذلك مبني على كونها جزءا من المخلوطة الموجودة في الخارج ، وليس بمستقيم لأن الموجود من الإنسان مثلا إنما هو زيد وعمرو وغيرهما من الأفراد ، وليس في الخارج إنسان مطلق ، وآخر مركب منه ، ومن الخصوصية هو الشخص ، وإلا لما صدق المطلق (٤) عليه ضرورة امتناع صدق الجزء الخارجي المغاير ، بحسب الوجود للكل ، وإنما التغاير والتمايز بين المطلق والمقيد في الذهن دون الخارج.

فلذا قلنا : إن (٥) المطلق موجود في الخارج لكونه نفس المقيد ومحمولا عليه.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (أن).

(٢) في (ب) المخلوط بدلا من (المخلوطة).

(٣) اللامشروط : ما لا يتوقف وجوده ولا معرفته على شيء آخر. وهو مرادف للمطلق واللامتناهي.

واللامشروط عند (كانت) هو المبدأ العقلي الذي يوجب أن يكون للمعرفة المشروطة حد لا مشروط يعمل على توحيدها.

(راجع المعجم الفلسفي ج ٢ ص ٢٧٥).

(٤) سقط من (ب) لفظ (المطلق).

(٥) في (أ) بزيادة (إن).

٤٠٨

فإن قيل : المأخوذ لا بشرط شيء (١) يمتنع أن يوجد في الخارج لأنه كلي طبيعي ، ولا شيء من الكلي بموجود في الخارج ، لأن الموجود في الخارج يستلزم التشخص المنافي للكلية ، وتنافي اللوازم دليل على (٢) تنافي الملزومات.

قلنا : لا نسلم أن مجرد المأخوذ لا بشرط شيء كلي طبيعي ، بل مع اعتبار كونه معروضا للكلية ، والمأخوذ لا بشرط شيء أعم من أن يعتبر مع (٣) هذا العارض أو لا يعتبر ، فلا يمتنع وجوده.

فإن قيل : فينبغي أن لا يكون الكلي الطبيعي موجودا في الخارج ، لأن كلية العارضية تنافي الوجود الخارجي المستلزم للتشخص ، وقد اشتهر فيما بينهم. أن الكلي الطبيعي موجود في الخارج.

قلنا : معناه أن معروض الكلي الطبيعي وهو المأخوذ لا بشرط شيء موجود في الخارج ، ووجوده الخارجي إنما يتحقق عند عروض التشخص ، فيصير الحاصل أن ما صدق عليه الكلي الطبيعي ، وهو المخلوط موجود في الخارج ، وأما المأخوذ مع عارض الكلية ، فلا يوجد في الخارج ، كالمجموع المركب من المعروض والعارض والمسمى بالكلي العقلي.

تقسيم الماهية باعتبار وجود الشرطية أو عدمها

(قال : وذكر ابن سينا (٤) : أن الماهية قد تؤخذ بشرط لا شيء بمعنى أن

__________________

(١) في (أ) بزيادة (شيء).

(٢) سقط من (ب) حرف الجر (على).

(٣) في (ب) معه بدلا من (مع).

(٤) ذكر ابن سينا تقسيما آخر للماهية برعاية الشرطية وعدمها كما ذكرت الشرطية وعدمها فيما تقدم إلا أن المآل بين هذا وذاك مختلف كما يظهر من قياس حاصل هذا الكلام لحاصل ما تقدم وذلك التقسيم هو أن الماهية تؤخذ عند العقل بشرط لا شيء.

وليس معنى شرط لا شيء اشتراط أن لا يضم إليها عارض أصلا فإن هذا المعنى يصيرها مجردة ولا وجود لها أصلا كما تقدم.

٤٠٩

يزيد عليها كل ما يقارنها فتكون مادة للمجموع متقدمة عليه في الوجودين ، ممتنعة الحمل عليه ضرورة لزوم اتحاد الموضوع ، والمحمول في الوجود ، وقد تؤخذ لا بهذا الشرط بل (١) مع تجويز أن يقارنها غيرها ، وأن لا يقارنها ، وحينئذ إن كانت مبهمة محتملة للقولية (٢) على مختلفات الحقائق غير متحصلة بنفسها ، بل بما ينضاف إليها ، فتجعلها أحد تلك المختلفات فجنس ، والمنضاف فصل ، وإن كانت متحصلة بنفسها ، أو بما انضاف إليها فنوع ، فالحيوان بشرط أن لا يدخل فيه الناطق ، مادة للإنسان جزء له غير محمول عليه ، وبشرط أن يدخل نوع وهو الإنسان نفسه ، ولا بشرط أحدهما (٣) جنس له (٤) محمول عليه ـ فلا يكون جزءا له ، وإنما يقال له الجزء لما يقع جزءا من حده ، ضرورة أنه لا بد للعقل من ملاحظته في تحصيل صورة الإنسان ، وأما في الخارج فمتأخر ، ضرورة أنه ما لم يوجد الإنسان لم يعقل له شيء يعمه وغيره).

ما ذكرنا من معنى الماهية بشرط شيء وبشرط لا شيء ، ولا بالشرط هو المشهور فيما بين المتأخرين ، وذكر (٥) ابن سينا أن الماهية (٦) قد تؤخذ (٧) لا شيء بأن يتصور معناه. بشرط أن يكون ذلك المعنى وحده ، ويكون كل بشرط ما يقارنه زائدا عليه ، ولا يكون المعنى الأول مقولا على ذلك المجموع (٨) حال المقارنة جزءا منه مادة له ، متقدما عليه في الوجود الذهني ، والخارجي ضرورة امتناع تحقق الكل بدون الجزء ويمتنع حمله على المحمول (٩) لانتفاء شرط

__________________

(١) سقط من (أ) و (ب) لفظ (بل).

(٢) في (أ) للمقابلة (وهو تحريف).

(٣) أي من غير اشتراط أحد الأمرين فلم يشترط فيه نفي غيره عنه كالناطقية حتى يكون جزء ماديا فلا يحمل على الماهية ، ولا اشترط فيه تقييده بالفعل كالناطقية حتى يكون نوعا بل أخذ مطبقا عن أحد الشرطين فبقي محتملا للتقييد.

(٤) في (ج) بزيادة لفظ (له).

(٥) في (أ) المأخرين (وهو تحريف).

(٦) سقط من (ب) لفظ (قد).

(٧) في (ب) يوجد بدلا من (تؤخذ).

(٨) في (ب) المحمول بدلا من (المجموع).

(٩) في (أ) المجموع بدلا من (المحمول).

٤١٠

الحمل ، وهو الاتحاد في الوجود ، وقد يوجد لا بشرط أن يكون ذلك المعنى وحده ، بل مع تجويز أن يقارنه غيره ، وأن لا يقارنه. ويكون المعنى الأول مقولا على المجموع حال المقارنة ، والمأخوذ على هذا الوجه ، قد يكون غير متحصل بنفسه ، بل يكون مبهما محتملا للمقولية على أشياء مختلفة الحقائق وإنما يتحصل بما ينضاف إليه ، فيتخصص به ويصير هو بعينه أحد تلك الأشياء فيكون جنسا ، والمنضاف الذي قومه (١) ، وجعله أحد الأشياء المختلفة الحقائق فصلا ، وقد يكون متحصلا بنفسه كما في الأنواع البسيطة ، أو بما انضاف إليه فجعله أحد الأشياء ، كما في الأنواع (٢) الداخلة تحت الجنس وهو نوع. مثلا الحيوان إذا (٣) أخذ بشرط أن لا يكون معه شيء وإن اقترن به ناطق صار المجموع مركبا من الحيوان والناطق ، ولا يقال إنه حيوان كان مادة ، وإذا أخذ بشرط أن يكون معه (٤) الناطق متخصصا أو متحصلا به كان نوعا ، وإذا أخذ بشرط أن يكون معه شيء (٥) بل من حيث يحتمل أن يكون إنسانا أو فرسا ، وإن تخصص بالناطق (٦) يحصل إنسانا ، ويقال إنه حيوان كان جنسا. فالحيوان الأول جزء الإنسان متقدم عليه في الوجوديين. والثاني نفس الانسان. والثالث جنس له محمول عليه فلا يكون جزءا له لأن الجزء لا يحمل على الكل بالمواطأة لما مر وإنما يقال للجنس والفصل إنه جزء من النوع ، لأن كلا منهما يقع جزءا من حده ، ضرورة أنه لا بد للعقل من ملاحظتهما في تحصيل صورة

__________________

(١) في (ب) فسر به بدلا من (قومه).

(٢) النوع في اللغة : الصف من كل شيء.

والنوع عند المناطقة : هو الكلي المقول على كثيرين مختلفين بالعدد في جواب ما هو. كالإنسان لزيد وعمرو وبكر. وقيل : إنه المعنى المشترك بين كثيرين متفقين بالحقيقة ويندرج تحت كلي أعم منه وهو الجنس. قال ابن سينا : وقد يكون الشيء جنسيا لأنواع ونوعا لجنس. مثل الحيوان للجسم ذي النفس فإنه وللإنسان والفرس ، فإنه جنسهما.

(راجع النجاة ص ٢٣ ـ ١٤).

(٣) سقط من (أ) لفظ (إذا).

(٤) في (ب) مع بدلا من (معه).

(٥) سقط من (أ) لفظ (بل).

(٦) في (ب) بالباطل وهو تحريف.

٤١١

مطابقة للنوع الداخل تحت الجنس ، فبهذا الاعتبار يكون متقدما على النوع في العقل بالطبع ، وأما بحسب الخارج فيكون متأخرا ، لأنه ما لم يوجد الإنسان مثلا في الخارج ، لم يعقل له شيء يعمه وغيره ، وشيء يخصه ويحصله ويصيره هو هو بعينه (١) ، هذا ما ذكره أبو علي (٢) في الشفاء (٣) ولخصه المحقق في شرح الإشارات (٤) وفيه مواضع بحث :

١ ـ أن المفهوم من المأخوذ بشرط أن يكون وحده ، هو أن لا يقارنه شيء أصلا زائدا كان أو غير زائد ، وحينئذ يكون القول بكونه جزءا أو منضما إلى ما هو زائد عليه تناقضا. إلا أن المراد هو أن لا يدخل فيه غيره على ما صرح به أبو علي في بيانه حيث قال: أخذنا الجسم جوهرا ذا طول وعرض وعمق من جهة ما له هذا ، بشرط أنه ليس داخلا فيه معنى غير هذا ، بل بحيث لو انضم إليه معنى آخر من حس أو اغتداء كان خارجا عنه.

٢ ـ أنه جعل غير المبهم من أقسام المأخوذ بلا شرط شيء وصرح آخرا بأنه مأخوذ بشرط شيء ، ومبناه على ما مر من كون الأول أعم من الثاني.

٣ ـ أن النوع هو مجموع الجنس والفصل ، فجعل عبارة عن المتحصل بما انضاف إليه والمأخوذ بشرط شيء تسامح ، مبني على أن الجنس والفصل والنوع واحد بالذات. وحقيقة الكلام : أن المأخوذ لا بشرط شيء إذا اعتبر بحسب التغاير بينه وبين ما يقارنه من جهة ، والاتحاد من جهة كان ذاتيا

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (بعينه).

(٢) هو الشيخ الرئيس ابن سينا.

(٣) كتاب الشفاء في المنطق : لأبي علي حسين بن عبد الله المعروف بابن سينا المتوفى سنة ٤٢٨ ، قيل هو في ثمانية عشر مجلدا وشرحه أبو عبد الله محمد بن أحمد الأديب التيجاني صاحب تحفة العروس ، واختصره شمس الدين عبد الحميد بن عيسى (الخسروشاهي التبريزي) المتوفى سنة ٦٤٢ ه‍.

(٤) المحقق هو : نصير الدين محمد بن حسن الطوسي وله شرح الإشارات سماه (بحل مشكلات الإشارات) وفرغ من تأليفه في صفر سنة أربع وأربعين وستمائة. وذكر فيه أن الرئيس كان مؤيدا بالنظر الثاقب.

٤١٢

محمولا ، وإذا اعتبر بحسب محض الاتحاد كان نوعا ، وهو المراد بالمأخوذ بشرط شيء.

٤ ـ أنه كما أن الجنس يحتمل أن يكون أحد الأنواع ، فكذلك النوع يحتمل أن يكون أحد الأصناف أو الأشخاص ، فكيف جعل الأول مبهما غير متحصل ، والثاني متحصلا غير مبهم؟.

والجواب : أن العبرة عندهم بالماهيات والحقائق ، فالمراد الإبهام ، وعدمه بالقياس إليها.

٥ ـ أن المادة إذا كانت من الأجزاء الخارجية ، فمن أين يلزم تقدمها في الوجود العقلي؟ والجواب : أن ذلك من جهة أن تصور النوع يتوقف على تصور الجنس والفصل ، ومعروض الجنسية والجزئية واحد ، هو الماهية الحيوانية ، وإنما التغاير بحسب الاعتبار ، حيث أخذت في الأول بشرط لا. وفي الثاني لا بشرط.

وقد يقال : إن هذه المعاني إنما اعتبرت في الصور العقلية ، من المفهومات الكلية ، فتكون المادة من المواد العقلية ، وتقدمها بالوجود العقلي ضروري كتقدم المادة الخارجية بالوجود الخارجي ، وأما التقدم بالوجود الخارجي فإنما هو بحسب المبدأ ، فإن المواد العقلية مأخوذة من المبادي الخارجية ، كالحيوان من البدن ، والناطق من النفس ، فكما أن الحيوان المأخوذ مادة عقلية. يتقدم الإنسان في الوجود العقلي كذلك ، مبدؤه الذي هو البدن يتقدمه في الوجود الخارجي ، حتى لو لم تكن المادة مأخوذة من مبدأ خارجي كاللون للسواد لم يكن له تقدم إلا في العقل ، واعلم أن الحكيم المحقق (١) مع مبالغته : في أن المأخوذ بشرط أن يكون وحده هو الجزء (٢) الموجود في الخارج ، وأن المأخوذ لا بشرط شيء هو المحمول ،

__________________

(١) هو نصير الدين أبو جعفر محمد بن محمد الطوسي.

(٢) في (ب) الجوهر بدلا من (الجزء).

٤١٣

وليس بجزء أصلا ، وإنما يقال له جزء الماهية بالمجاز ، لما أنه يشبه الجزء من جهة أن اللفظ الدال عليه يقع جزءا من حدها ، أورد هذا الكلام في كتاب التجريد (١) على وجه يشهد بأنه ليس من تصانيفه ، وذلك أنه قال (٢) : قد تؤخذ الماهية محذوفا عنها ما عداها ، بحيث لو انضم إليها شيء لكان زائدا عليها ، ولا يكون هو (٣) مقولا على ذلك المجموع الحاصل منها ، ومن الشيء المنضم إليها ، والمأخوذ على هذا الوجه هو الماهية بشرط لا شيء ، ولا توجد إلا في الأذهان وقد توجد الماهية لا بشرط شيء وهو كلي طبيعي موجود في الخارج ، هو جزء من الأشخاص ، وصادق على المجموع الحاصل منه ، ومما انضاف إليه ، وهذا خبط ظاهر وخلط لما ذكره في شرح الإشارات بما (٤) اشتهر بين المتأخرين ، وفيه شهادة صادقة بما رمى به التجريد ، من أنه ليس من تصانيفه مع جلالة قدره ، عن أن ينسب إلى غيره.

__________________

(١) سبق التعريف بهذا الكتاب.

(٢) سقط من (ب) لفظ (قال).

(٣) في (ب) هي بدلا من (هو).

(٤) في (ب) إنما بدلا من (بما).

٤١٤

المبحث الثالث

الماهية بسيطة ومركبة

(قال : المبحث الثالث : الضرورة قاضية (١) بوجود الماهية المركبة (٢) فلا بد من انتهائها إلى البسيطة) (٣).

الماهية : إما بسيطة لا جزء لها أصلا كالواجب والنقطة والوحدة والوجود وإما مركبة لها أجزاء كالجسم والإنسان والسواد ، ووجود المركبة معلوم بالضرورة ، ويلزم منه وجود البسيطة ، إما مطلقا فلأن كل عدد ولو غير متناه ، فالواحد موجود فيه بالضرورة ، وإما في المركب العقلي ، فلأنه لو لم ينته إلى البسيط امتنع تعقل الماهية لامتناع إحاطة العقل بما لا يتناهى ، وكلاهما ضعيف.

أما الأول : فلأنه مغالطة (٤) من باب اشتباه المعروض بالعارض ، فإن وجود الواحد بمعنى ما لا جزء له أصلا ، إنما يلزم في العدد الذي هو العارض وإما في معروض العدد فلا يلزم إلا معروض الواحد ، الذي هو أحد أجزائه ، فعلى

__________________

(١) الضرورة العقلية ، قاضية أي حاكمة.

(٢) الماهية المركبة هي التي تلتئم من عدة أمور أو من أمرين.

(٣) البسيطة : التي تكون جزء لتلك المركبة وذلك أن كل مركب من أجزاء عقليا كان التركيب أو خارجيا ففيه عدد والعدد لا بد أن ينتهي في قسمته إلى واحد وهو لا يقبل القسمة ، وما لا يقبل القسمة بسيط.

(٤) في (أ) مغلطة وهو تحريف. والمغالطة : أي السفسطة والفرق بين الغلط والمغالطة في الاستدلال أن المغالطة تتضمن معنى التمويه على الخصم على حين أن الغلط لا يتضمن ذلك.

وإذا وقع الغلط في الاستدلال : سمي ذلك استدلالا زائفا أو كاذبا.

٤١٥

تقدير عدم الانتهاء إلى البسيط تكون الماهية مركبة من مركبات غير متناهية. مرارا غير متناهية ، ويلزمه وجود المركب الواحد بالضرورة وهو لا يثبت المدعي.

أما الثاني : فلأن معنى المركب العقلي أن لا يكون تمايز أجزائه إلا بحسب العقل ، وهذا لا يستلزم كونه معقولا بأجزائه ، فالأولى التمسك في إثبات البسيط أيضا بالضرورة كالوجود.

المشاركة دليل تركيب الماهية

(قال : ويدل على التركيب (١) الاشتراك في ذاتي مع الاختلاف في ذاتي أو شيء من لوازم الماهية (٢) لا مجرد الاشتراك أو الاختلاف في ذاتي (٣))

يعني إذا اشتركت الماهيات في ذاتي مع الاختلاف في ذاتي ، دل ذلك على تركيب كل من الماهيتين مما به الاشتراك وما به الاختلاف ، وكذا إذا اشتركا في ذاتي مع الاختلاف في عارض هو من لوازم الماهية لأن ذلك الذاتي المشترك لا يكون تمام ماهيتهما ، وإلا امتنع الاختلاف في لوازمها ، فيكون جزءا وفيه المطلوب.

فإن قيل : إن أريد بالذاتي جزء الماهية كان هذا لغوا من الكلام (٤) ،

__________________

(١) الاشتراك : يدل على تركيب الماهية حيث أن الماهية مشاركة الأخرى في معنى ذاتي لهما والمراد بالذات هنا ما ليس عرضيا لا الجزء الداخل في الذات أي الماهية.

(٢) لا بد بعد الاشتراك فيما ليس بعرض من الاختلاف بين الماهيتين في جزء ذاتي آخر فتتركب الماهيتان إذ لكل منهما جزءان جزء مشترك وجزء وقع به الاختلاف.

(٣) ما بين القوسين سقط من (ج).

(٤) اللغو واللغوي : السقط وما لا يعتد به من الكلام وغيره. وقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ) أي ما لا عقد عليه ، مثل ما يجري في المخاطبات لا والله ، وبلى والله ، وأي والله من غير قصد قال الشاعر :

وليس بمأخوذ بلغو تقوله

إذا لم تعمد عاقدات العزائم

وقيل (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ) أي بالإثم في الحلف إذا كفرتم وقال تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) أي قبيحا من الكلام.

(راجع بصائر ذوي التمييز ج ٤ ص ٤٣٤).

٤١٦

بمنزلة أن يقال : كل ما له جزء فهو مركب ، مع الاستغناء عن باقي المقدمات ، وإن أريد ما ليس بعرضي جاز أن يكون الذاتي المشترك ، تمام إحدى الماهيتين ، وجزء الأخرى الممتازة عنها بالذاتي الآخر ، أو بلوازم الماهية ، فلا يلزم تركب الماهيتين جميعا ، كالجوهر مع الجسم المتميز عنه بالذاتي ، ولوازم الماهية الجسمية.

قلنا : المراد لزوم تركب الماهية الممتازة بالذاتي أو بلوازم الماهية ، فإن كانت كلتاهما كذلك كما في الإنسان والفرس فكلتاهما ، وإن كانت إحداهما كما ذكرتم فإحداهما ، وأما مجرد الاشتراك في ذاتي مع الاختلاف في العوارض الثبوتية أو السلبية ، أو مجرد الاختلاف بالذاتي مع الاشتراك في العوارض ، فلا يستلزم التركيب لجواز أن يكون الذاتي المشترك تمام ماهيتهما ، ويستند اختلاف العوارض إلى أسباب غير الماهية ، كما في أصناف الإنسان وأفراده ، وأن يكون الذاتيات المختلفات تمام الماهيتين البسيطتين المشتركتين في العوارض كالوحدة ، والنقطة في العرضية والإمكان ونحو ذلك.

(قال : وقد تعتبر التركب (١) والبساطة (٢) متضايفين فيكون بين البسيطين عموم من وجه ، وبين المركبين مساواة إن لم يشترط في الإضافة (٣) في اعتبار الإضافة (٤) وعموم مطلقا إن اشترط.

وما قيل : إن البسيط الحقيقي أخص مطلقا من الإضافي والمركب بالعكس فاسد).

البساطة والتركيب بالتفسير السابق وصفان (٥) متنافيان لا يصدقان على شيء أصلا ، ولا يرتفعان لكونهما في قوة النقيضين (٦) ، وقد يؤخذان متضايفين ، بأن يؤخذ البسيط بسيطا ، بالقياس إلى ما تركب منه ، بمعنى كونه

__________________

(١) في (ج) التركيب بدلا من التركب.

(٢) راجع المواقف ج ٣ ص ٥٥.

(٣) في (ج) الإضافي بدلا من (الإضافة)

(٤) في (أ) الاضاعة وهو تحريف.

(٥) سقط من (ب) لفظ (وصفان).

(٦) في (أ) في قوة (النقيض).

٤١٧

جزءا منه ، والمركب مركبا بالقياس إلى جزئه ، بمعنى كونه كلا له ، وهذا المعنى غير معنى كونه ذا جزء في الجملة ، وهو معنى المركب الحقيقي ، وإن كان في نفسه من قبيل الإضافة ، وبين البسيط الحقيقي والبسيط الإضافي عموم من وجه ، لتصادقهما في بسيط حقيقي ، هو جزء من مركب (١). كالوحدة للعدد (٢) ، وصدق الحقيقي بدون الإضافي في بسيط حقيقي لا يتركب منه شيء ، كالواجب وبالعكس في مركب وقع جزءا المركب كالجسم للحيوان وبين المركب الحقيقي والإضافي مساواة إن (٣) لم يشترط في الإضافي اعتبار الإضافة لأن كل مركب حقيقي ، فهو مركب بالقياس إلى جزئه ، وبالعكس وعموم مطلقا إن اشترط ذلك (٤) ، لأن مركب بالقياس إلى جزئه فهو مركب حقيقي ، ولا نعكس لجواز أن لا تعتبر في الحقيقة الاضافة إلى جزئه فيكون أعم مطلقا من الإضافي ، وذكر في التجريد ، أن البسيط الحقيقي أخص مطلقا من الإضافي (٥).

أما الأول : فلأن كل بسيط حقيقي فهو بسيط بالقياس إلى المركب منه ، ولا ينعكس لجواز أن يكون البسيط الإضافي مركبا حقيقا ، كالجسم للحيوان والجدار للبيت.

وأما الثاني : فلأن كل مركب إضافي مركب حقيقي ، وليس كل مركب حقيقي مركبا إضافيا لجواز أن لا يعتبر فيه الإضافة ، وفيه نظر ، لأن البسيط الحقيقي ، قد لا يكون بسيطا إضافيا ، بأن لا يعتبر جزءا من شيء أصلا (٦).

فالقول بأن المركب الحقيقي قد لا يكون إضافيا مع أن له جزءا البتة ،

__________________

(١) في (ب) جزء من (مركبات).

(٢) سقط من (ب) لفظ (العدد).

(٣) سقط من (أ) لفظ (ان).

(٤) في (ب) (وكل مركب) باسقاط (لأن).

(٥) في (أ) الحقيقي بدلا من (الإضافي).

(٦) سقط من (أ) كلمة (أصلا).

٤١٨

والبسيط الحقيقي يكون إضافيا البتة ، مع أنه لا يلزم أن يكون جزءا من شيء أصلا (١) فضلا عن اعتبار ذلك باطل قطعا.

يشترط في المركبة تقدم أجزائها ذهنا وخارجا

(قال : ولا بد من تقدم الجزء ذهنا ، وخارجا (٢) ، فيلزمه الاستغناء عن الوسط في التصديق (٣) ، والواسطة في الثبوت ، إلا أن الخاصة الأولى حقيقية ، والأخريان إضافيتان)(٤).

يعني بأن جزء الشيء يتقدمه وجودا وعدما في الذهن الخارج ، أما الوجود. فبالنسبة إلى كل جزء ، وأما العدم فبالنسبة إلى شيء ما من الأجزاء بمعنى أن وجود الإنسان مثلا في العقل ، يفتقر إلى وجود الحيوان والناطق ، وعدمه إلى عدم أحدهما ، ووجود البيت في الخارج ، يفتقر إلى وجود الجدار والسقف ، وعدمه إلى عدم شيء منهما ويتفرع على الأول الاستغناء عن الواسطة في التصديق ، بمعنى أن جزم العقل بثبوت الذاتي للماهية لا يتوقف على ملاحظة وسط واكتساب بالبرهان ، بل يجب إثباته لها. ويمتنع سلبه عنها بمجرد تصورها. وعلى الثاني : الاستغناء عن الوسط في الثبوت ، بمعنى أن حصول الجزء للمركب ، كالجدار للبيت ، واللون للسواد لا يفتقر إلى سبب جديد ، فإن جاعل الجدار هو جاعل البيت ، وجاعل اللون هو جاعل السواد ،

__________________

(١) سقط من (أ) كلمة (أصلا).

(٢) بمعنى أن الماهية يفتقر وجودها الذهني والخارجي إلى وجود كل جزء من أجزائها حتى لو انتفى واحد من أجزائها انتفت ، إذ لا وجود لكل بدون الجزء فعدمها يكفي فيه عدم واحد من أجزائها ووجودها لا بد له من كل جزء.

(٣) أي لا يحتاج إلى وسط وبرهان يتوصل به إلى التصديق بثبوت ذلك الجزء للماهية في الذهن.

(٤) أي إنما ثبتنا للجزء بالإضافة إلى بعض ما هو خارج عن الماهية كطول بناء ؛ أي طويلا يلاقي نفسه في السماء مقدار ألف ذراع مثلا. فإن إدراك كون طوله هذا القدر يفتقر إلى وسط هندسي ومساحي يدرك به كقدره. كبياض الجسم في الجملة فقد يفتقر إلى وساطة هو للقصار مثلا على ما تقدم وإلا فبعض ما هو خارج عن الماهية ثبتت له هاتان الخاصيتان.

٤١٩

فظهر أن للجزء (١) خواصا ثلاثا : ـ

الأولى : ـ التقدم في الذهن ، والخارج ، وهي خاصة حقيقية لا تصدق على شيء من العوارض.

الثانية : الاستغناء عن الواسطة في التصديق ، بمعنى وجوب الثبوت ، وامتناع السلب بمجرد إخطار الجزء والماهية بالبال ، بل بمجرد تصور الماهية وهذه خاصة إضافية لا حقيقية ، لصدقها على اللوازم البينة بالمعنى الأعم ، إن اشترط اخطارهما ، والأخص إن اكتفى بتصور الماهية.

الثالثة : الاستغناء عن الوسط في الثبوت ، وهي أيضا إضافية ، لصدقها على الأعراض الأولوية ، أعني اللاحقة للشيء لذاته من غير واسطة ، سواء كان الجزم بثبوتها للموضوع ، محتاجا إلى وسط كتساوي الزوايا الثلاث للقائمتين بالنسبة إلى المثلث ، فإنه لازم له لذاته ، ويفتقر بيانه إلى وسائط أو غير محتاج ، كالانقسام بالمتساويين للأربعة ، والبيض بسطح الجسم الأبيض فالاستغناء عن الوسط يجعل القضية أولية (٢) ، والاستغناء عن الواسطة يجعل محمولها أوليا ، وبينهما عموم من وجه ، لتصادقهما في انقسام الأربعة ، وبياض السطح ، وصدق الأولى بدون الثانية في بياض الجسم ، وبالعكس في تساوي زوايا المثلث (٣) للقائمتين.

فإن قيل : إن أريد بالخاصة الأولى التقدم في الوجودين جميعا (٤) على ما

__________________

(١) الجزء : هو ما يتركب الشيء منه ومن غيره. سواء كان موجودا في الخارج أو في العقل. وهو أصغر من الكل. إلا أنه قد يكون أبسط منه فيسمى عنصرا أو ركنا أو أصلا ، وقد يكون مساويا له في التركيب فيسمى قطعة أو قسما والجزء الذي لا يتجزأ جوهر ذو وضع لا يقبل القسمة أصلا لا قطعا ولا كسرا ولا وهما ولا فرضا ، تتألف الأجسام من آحاده بانضمام بعضها إلى بعض. أثبته المتكلمون ونفاه الفلاسفة.

(راجع الجوهر الفرد).

(٢) القضايا التي لا نستطيع استنتاجها من قضايا أخرى فهي أولية من الناحية المنطقية لاستغنائها عن غيرها.

(٣) في (ب) في القائمتين بدلا من (للقائمتين).

(٤) في (ب) معا بدلا من (جميعا).

٤٢٠