شرح المقاصد - ج ١

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

شرح المقاصد - ج ١

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

أقول ؛ ذكر صاحب المواقف على ما نطق به أصل النسخ : أنه يظن ظنا قريبا من اليقين ، أن مبنى إثبات الواسطة على أنهم وجدوا من المفهومات ما يتصور عروض الوجود لها ، فسموا تحققها وجودا ، وارتفاعها عدما ، ومنها ما لا يتصور عروض الوجود لها أصلا ، كالاعتبارات العقلية التي تسميها الحكماء معقولات ثانية ، فجعلوها ، لا موجودة ، ولا معدومة ، بمعنى أنها ليست متحققة ، ولا من شأنها التحقق ، فعندنا تقابل الوجود والعدم تقابل إيجاب وسلب. وعندهم تقابل ملكة وعدم.

والحق أن هذا الظن لا يغني من الحق شيئا.

أما أولا : فلأنه إنما يصح لو كان المعدوم عندهم مباينا للممتنع لا يطلق عليه أصلا ، كما ذكره صاحب التلخيص (١) : لا أعم على ما قرره صاحب المواقف وغيره ، لظهور أنه لا يعرض له الوجود أصلا.

وأما ثانيا : فلأن الحال حينئذ تكون أبعد عن الوجود من المعدوم ، لما أنه ليس له التحقق ولا إمكان التحقق وليس كذلك ، لما أنهم يجعلونه (٢) قد تجاوز في التقرر والتحقق والثبوت حد العدم ، ولم يبلغ حد الوجود ، ولهذا جوزوا كونه جزءا لموجود كلونية السواد.

وأما ثالثا : فلأنه ينافي ما ذكره في تفسير الواسطة ، في أنه المعلوم الذي له تحقق لا باعتبار ذاته ، بل تبعا لغيره ، أو الكائن في الأعيان ، لا بالاستقلال بل تبعا لغيره ، ويمكن دفع الأخيرين : بأن المراد بالتحقق الذي يتصور عروضه للمعدوم دون الواسطة ، هو التحقق بالاستقلال ، وأن الواسطة تكون أقرب إلى الوجود من حيث (٣) أن التحقق بالتبعة حاصل له بالفعل.

__________________

(١) في (أ) بزيادة لفظ (التلخيص).

(٢) في (ب) يصيرونه بدلا من (يجعلونه).

(٣) في (ب) من أن جهة التحقق بدلا من (حيث).

٣٨١

المبحث الخامس

تمايز الإعدام في العقل وما يتعلق بذلك

(قال : المبحث الخامس (١) : للاعدام تمايز في العقل (٢) كاختصاص عدم المعلول بالاستناد (٣) إلى عدم العلة (٤) ، وعدم الشرط بمنافاة وجود المشروط ، وعدم الضد بتصحيح وجود الآخر).

قد اشتهر خلاف في تمايز الإعدام ، فإن أريد أن ليس التمايز أمرا محققا في الخارج أو ليست للمعدومات (٥) أو المعدومات عينية متمايزة فضروري لا يتصور فيه نزاع ، وإن أريد أن ليس لمفهوم العدم أفراد متمايزة عند العقل يختص كل منها بأحكام مخصوصة ، صادقة في نفس الأمر فباطل ، لأن عدم العلة موجب لعدم المعلول ، من غير عكس ، وعدم الشرط مناف ، لوجود المشروط ، وعدم المشروط لا ينافي وجود الشرط وعدم الضد عن المحل يصحح طريان الضد الآخر ، بخلاف عدم غير الضد ولما لم يكن التمايز (٦) إلا بحسب التعقل ، الذي وقع الخلاف في أنه هل هو وجود ذهني أو لا ..؟.

__________________

(١) من مباحث فصل الوجود والعدم في تمايز الأعدام وما يتعلق بذلك.

(٢) بخصوصيات تلزمها زائدة على ما تضاف إليه.

(٣) بمعنى أن عدم المعلول اختص بأنه لا يتصف به ذلك المعلول إلا بانتفاء علته فهو مستند بالاتصاف به.

(٤) الموجبة للمعلول.

(٥) في (ب) للعدمات بدلا من (المعدمات).

(٦) في (أ) التفريق بدلا من (التمايز).

٣٨٢

ذهب صاحب المواقف إلى أن الخلاف في تمايز الإعدام فرع الخلاف في الوجود الذهني ، فمن أثبته نفاه ، لأن التمايز لا يكون إلا في العقل ، أي بحسب التعقل والتصور ، فإن كان ذلك بوجود في الذهن ، على ما هو رأي المثبتين لم يتصور معدوم مطلقا. أي معدوم ليس له شائبة الوجود ، لأن كل متصور فله وجود ذهني ، فلا يكون التمايز إلا للموجودات ، ومن نفاه أثبته. لأن الإعدام ليست لها شائبة الوجود متمايزة في التصور ، وأنت خبير بأن الأمر بالعكس. لأن الفلاسفة المثبتين للوجود الذهني يقولون : بتمايز الإعدام ، وجمهور المتكلمين النافين له هم القائلون بعدم تمايزها ، فالأولى أن يقال في بيان التفرع. أنه لما كان التميز عندهم وصفا ثبوتيا ، يستدعي ثبوت الموصوف به فمن أثبت الوجود الذهني حكم بتمايز الإعدام عند تصورها لما لها من الثبوت الذهني ، وإن كانت هي إعداما في أنفسها ، ومن نفاه حكم بعدم التمايز (١) لعدم الثبوت أصلا.

(قال : والعدم قد يعرض لنفسه ، بأن يعقل فيغفل عنه فيكون نوعا من العدم باعتبار ومقابلا له باعتبار ، كما أن المعدوم المطلق ثابت باعتبار ، فيصح الحكم عليه وقسيم له (٢) باعتبار فيمتنع.

فإن قيل : فمن حيث إنه ليس بثابت يمتنع الحكم عليه وهذا حكم.

قلنا : نعم. لكن من حيث أنه ثابت ، ولا يناقض لاختلاف الاعتبارين ، وكذا الحكم بامتناع الحكم (٣) على المجهول المطلق (٤) واللاممكن التصور.

__________________

(١) في (ب) بعلم بدلا من (عدم).

(٢) في (أ) وقيم بدلا من (وقسيم).

(٣) إذا الحكم على الشيء فرع تصوره وهذا لم يتصور فلا ثبوت له فلا حكم عليه.

(٤) المجهول المطلق : وهو الذي لم يتصور بوجه ما ، والذي قلنا في الأول هو ما به بيان جهتين مختلفين يثبت الحكم بإحداهما وامتنع باعتبار الأخرى ، فنقول هنا أيضا المجهول المطلق من حيث مفهومه أي شيء لم يتصور أصلا درك متصور فصح الحكم عليه بامتناع الحكم ، ومن حيث مصدوقه ذاته لم يتصور فلا يحكم عليه بشيء.

٣٨٣

لما كان الحكم بتمايز الإعدام في التصور مظنة الاعتراض ، بأن التمايز حينئذ يكون للموجودات الذهنية على ما هو رأي المحققين من الحكماء والمتكلمين. حاول التنبيه على الجواب ، بذكر مسائل تدل على أن العدم بالذات لا ينافي الوجود باعتبار منها : أن العدم يعرض لنفسه بأن يتصور العدم المطلق ، الذي هو نفي الكون في الأعيان ، ثم يزول ذلك عن الذهن فيكون ذلك عروضا للعدم ، على ما هو عدم في نفسه ، وإن كان موجودا من حيث حصوله في الذهن. ومنها أن زوال العدم عن الذهن نوع من العدم المطلق من حيث كونه مضافا إلى العدم ، ومقابل له من حيث كونه نفيا له وسلبا. وفيها أن المعدوم المطلق ، أعني ما ليس له ثبوت (١) في الخارج ولا صورة في العقل ثابت من حيث إنه متصور الحكم عليه بامتناع الحكم عليه ، وقسيم للثابت من حيث ذاته ، فيمتنع الحكم عليه ، لاستدعائه ثبوت المحكوم عليه في الجملة.

فإن قيل : فما لا يكون ثابتا بوجه من الوجوه ، من حيث إنه لا ثابت يمتنع الحكم عليه ، والحكم بامتناع الحكم حكم فيتناقض.

قلنا : صحة الحكم عليه (٢) ، بامتناع الحكم ليست من جهة أنه لا ثابت ، بل من جهة أنه متصور ، ثابت في العقل ، وامتناع الحكم من جهة أنه لا ثابت في نفسه ، وبحسب مفهومه ، ولا تناقض لاختلاف الجهتين وهذا هو الجواب عن الشبهة المشهورة على قولهم : الحكم على الشيء مشروط بتصوره بوجه ما ، وهي أنه لو صح ذلك لصدق قولنا : لا شيء مما انتفى فيه هذا الشرط كالمجهول مطلقا ، يصح الحكم عليه ضرورة انتفاء المشروط (٣) بانتفاء الشرط ؛ واللازم باطل. لأن موضوع هذه السالبة ، إن كان ثابتا ، معلوما بوجه ما ، صح الحكم عليه في الجملة فيكذب (٤) الحكم بعدم صحة الحكم

__________________

(١) في (ب) هوية بدلا من (ثبوت).

(٢) سقط من (ب) لفظ (عليه).

(٣) في (ب) (المشروط).

(٤) في (ب) فيكون بدلا من فيكذب.

٣٨٤

أصلا ، وإن كان مجهولا مطلقا ، والحكم بعدم صحة الحكم حكم فتناقض ، لأن بعض المجهول المطلق صح الحكم عليه ، وقد يجاب بأن القضية مشروطة ، أي لا يصح الحكم عليه (١) ما دام مجهولا مطلقا ، وهي لا تناقض المطلقة ، وهو مدفوع بأدنى تغير ، وهو أن يقيد انتفاء الشرط بالدوام ، أي ما يكون مجهولا مطلقا دائما لا يصح الحكم عليه دائما ، أو يعتبر إمكان التصور.

فيقال : لو كان الحكم على الشيء مشروطا بتصوره ، لكان مشروطا بإمكان تصوره ضرورة ، فيلزم أن لا يمكن الحكم على ما لا يمكن تصوره أصلا ، والحكم بعدم الإمكان حكم ، وبالجملة فالشبهة مما يورد في (٢) موارد كثيرة مثل قولنا : ضرب فعل ماض ، ومن حرف جر ، وليس باسم ، وما لا يتصور أصلا ، ليس بكلي إلى غير ذلك ، فينبغي أن يكون الجواب حاسما للمادة ، وحاصله أن الموضوع في أمثال هذه القضايا متعدد. فالمجهول المطلق من حيث ذاته ممتنع (٣) الحكم عليه ، ومن حيث كونه متصورا محكوم عليه ، وضرب من حيث ذاته فعل ، ومن حيث كونه هذا اللفظ اسم وهكذا. وقد يقال في بيان بطلان قولنا : لا شيء من المجهول مطلقا ، يصح الحكم عليه. أن كل مجهول مطلقا فهو شيء أو لا شيء وممكن أو لا ممكن ، وبالجملة فإما (ب) أو ليس (ب). ضرورة امتناع ارتفاع النقيضين ، وفيه منع ظاهر ، وهو أنا لا نسلم (٤) صدق شيء من هذه القضايا ، إنما يلزم ارتفاع النقيضين لو سلبا عن شيء واحد ، وهاهنا كما لا سلب لا إيجاب ، لأن كلا منهما(٥) حكم مشروط بتصور الموضوع فلذا بينه القوم بطريق الترديد على ما ذكرنا.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (عليه).

(٢) في (ب) مواد بدلا من (موارد).

(٣) في (ب) يمتنع.

(٤) في (ب) لاثم وهو تحريف.

(٥) سقط من (ب) لفظ (منهما).

٣٨٥

لا حجر على تصورات العقل

فقد يجمع بين متنافيين

(قال : وبالجملة : لا حجر في تصورات العقل (١) ، فله أن يعتبر النقيضين (٢) ، ويحكم بينهما بالتناقض (٣) ، ويعتبر عدم كل شيء حتى نفسه ، ويقسم الموجود إلى ثابت في الذهن ، وغير ثابت فيه ، وإلى ممكن التصور ، واللاممكن عدم التصور (٤) ويحكم بالتمايز بينها ، فيكون كل من اللاثابت ، واللاممكن التصور ، لا هوية له من حيث الذات ، مع أن له هوية من حيث الثبوت في العقل كالهوية واللاهوية (٥)).

فلا حجر زيادة تعميم لتصرفات العقل ، واعتباراته يعني أن له أن يعتبر النقيضين من المفردات كالموجود ، واللاموجود ، أو من القضايا ، مثل موجود ، وهذا ليس بموجود ، ويحكم بينهما بالتناقض بمعنى امتناع صدق المفردين على شيء واحد ، وامتناع صدق النقيضين في نفس الأمر ، فيكون النقيضان موجودين في العقل ، وإن كان أحدهما عبارة عما لا وجود له أصلا ، وله أن يعتبر عدم كل شيء حتى عدم نفسه ، مع أن تصور العقل عدمه يستدعي ثبوته ، فيكون هذا جمعا بين وجوده وعدمه ، لكن أحدهما بحسب الذات ، والآخر بحسب التصور ، وله أن يعتبر تقسيم الموجود إلى ثابت في الذهن ، وغير ثابت فيه ، فيكون اللاثابت في الذهن ، قسما (٦) للثابت فيه بحسب

__________________

(١) فيثبت غير الثابت باعتبار وينفي غير المنفي باعتبار آخر قال الشاعر :

عالم يزخر بالخلف ويغلي كالمراجل

يقلب الباطل حقا ويرد الحق باطل.

(٢) في المفردات : كالإنسان واللاانسان والموجود واللاموجود.

(٣) فيحكم على النقيضين المفردين بعدم اجتماعهما في محل واحد فلا يوجد شيء يتحقق فيه معنى الوجود وغير الوجود.

(٤) في (ج) بزيادة (عدم).

(٥) فيه فإنهما متنافيان فربما يغالط في تصور غير الثابت ذهنا وتصور غير ممكن التصور بادعاء وجود هذا التنافى مع أنه لا تنافي فيه لاختلاف الاعتبار.

(٦) في (ب) قسيما من (قسما).

٣٨٦

الذات ، وقسما منه باعتبار كونه متصورا ، وكذا في (١) تقسيمه إلى ممكن التصور ، واللاممكن التصور ، فيكون الثاني قسما من (٢) ممكن التصور ، بل من المتصور ، له أن يحكم بالتمايز بين الثابت في الذهن ، واللاثابت فيه ، وكذا بين ممكن التصور ، واللاممكن التصور ، مع أنه يستدعي أن يكون للممتازين هويتان عند العقل ، ولا هوية للاثابت في العقل ، واللاممكن التصور ، فيكون كل منهما لا هوية له عند العقل ، من حيث الذات ، وله هوية (٣) عنده من حيث التصور ، وهذا كما أنه يعتبر الهوية واللاهوية ، ويحكم بينهما بالتمايز ، فتكون اللاهوية قسيما للهوية بحسب الذات ، وقسما منها باعتبار ثبوتها في العقل ، ولا تناقض في شيء من ذلك ، وهذه أصول يستعان بها على حال كثير من المغالطة.

__________________

(١) في (أ) بزيادة حرف الجر (في).

(٢) في (ب) لممكن التصور بدلا من (من ممكن).

(٣) في (أ) ولا هوة وهذا تحريف.

٣٨٧

المبحث السادس

الوجود والعدم كل منهما يكون محمولا ورابطة

(قال : المبحث السادس (١) : كل من الوجود والعدم قد يقع محمولا ، وقد يقع رابطة ، ولا بد في حمل (٢) الايجاب من اتحاد الطرفين (٣) هوية (٤) ليصح ، وتغيرهما مفهوما ليفيد (٥)).

كما في قولنا : الإنسان موجود ، والعنقاء معدوم ، وقد يقع رابطة بين الموضوع والمحمول ، كما في قولنا : الإنسان يوجد كاتبا أو بعدم ، أو بين غيرهما كما في وجود زيد في الزمان أو المكان ، وفي الأعيان أو الأذهان ، والحمل قد يكون إيجابا وهو الحكم بثبوت المحمول للموضوع ، وقد يكون سلبا وهو الحكم بانتفائه عنه ، وحقيقتهما إدراك أن النسبة واقعة أو ليست (٦) بواقعة ، وهو حقيقة عرفية (٧) فيهما. فلذا قلنا : ولا بد في حمل الإيجاب من اتحاد الموضوع ، والمحمول بحسب الذات والهوية ، ليصح الحكم بأن هذا ذاك للقطع. بأن هذا لا يصح فيما بين الموجودين المتمايزين بالهوية ، ومن تغايرهما

__________________

(١) من مباحث فصل الوجود والعدم ، وبه تمت مباحثه في أن كلا منهما يكون محمولا ورابطة وما يتعلق بذلك.

(٢) سقط من (أ) لفظ (حمل).

(٣) أي يشترط في صحة الحمل في الإيجاب اتحاد الطرفين اللذين هما الموضوع والمحمول.

(٤) أي لا بدّ أن يكون مصدوق الطرفين هوية واحدة.

(٥) ذلك الحمل حينئذ إذ لو اتحد هوية ومفهوما معا لم يفد الحمل كقولك الماء ماء والجماد جماد.

(٦) في (أ) غير بدلا من (ليست).

(٧) في (أ) بدهية من (عرفية).

٣٨٨

بحسب المفهوم ، ليفيد فائدة يعتد بها ، وهي أن هذين المتغايرين بحسب المفهوم متحدان بحسب الذات ، والوجود للقطع بعدم الفائدة في مثل الأرض أرض ، والسماء سماء.

فإن قيل : إن أريد الاتحاد في الوجود الخارجي ، فرب موجبة لا وجود لطرفيها في الخارج.

كقولنا : العنقاء معدوم ، وشريك الباري ممتنع (١) ، والوجوب ثبوتي ، والإمكان اعتباري ، والجنس مقوم للنوع ، والنوع كلي ، والفصل علة للجنس ، إلى ذلك. فإنها وإن منع إيجاب بعضها فلا كلام في البعض ، وإن أريد الأعم ليتناول أمثال هذه القضايا لم يستقم ، لأنه لا يتصور التغاير في المفهوم مع الاتحاد في الوجود الذهني ، إذ لا معنى للموجود في الذهن إلا الحاصل فيه ، وهو معنى المفهوم.

قلنا : معنى الاتحاد بالذات والهوية والوجود ، هو أن يكون ما صدق عليه عنوان الموضوع هو بعينه ما يصدق عليه مفهوم المحمول ، من غير أن ينفرد كل بوجود ، بل يكون موجودا واحدا عينيا ، كما في القضايا المعتبرة في العلوم ، سيما اذا أخذت بحسب (٢) الحقيقة أو الخارج ، أو ذهنيا ، كما في القضايا الذهنية ، على ما قالوا : إن معنى قولنا : المثلث شكل. هو أن الذي يقال له المثلث هو بعينه الذي يقال له الشكل ، وهذا هو المراد بقولهم: المراد بالموضوع الذات ، وبالمحمول المفهوم. للقطع بأنه لو أريد أن ذات الموضوع نفس مفهوم المحمول ، لم يستقم ولم يتكرر الوسط في الشكل الأول ، فلم ينتج ، كما إذا أخذت القضية طبيعية المحمول أو الموضوع. كقولنا : جزء مفهوم الإنسان ناطق ، وكل ناطق ضاحك ، وقولنا : بعض النوع إنسان ، ولا شيء من الإنسان بنوع ، مع كذب النتيجة ، لأن المعتبر عندهم في الأحكام من الموجبة المعنى الذي ذكرنا ، وهذه ليست كذلك.

__________________

(١) في (ب) منتفى بدلا من (ممتنع).

(٢) في (ب) بحيث بدلا من (بحسب).

٣٨٩

وبالجملة ، فمعنى الإيجاب في الذهنيات ، أن المعقول الأول الذي يصدق عليه (في الذهن عنوان الموضوع ، هو بعينه الذي يصدق عليه) (١) مفهوم المحمول من غير تعدد في ذاته ، ووجوده العقلي ، وإنما التعدد مفهوميهما اللذين كلاهما أو أحدهما من ثواني المعقولات ، فمعنى قولنا (٢) شريك الباري ممتنع أن ما يصدق عليه في الذهن ، أنه شريك الباري ، يصدق عليه في الذهن ، أنه ممتنع الوجود في الخارج ، وعلى وهذا فقس.

دفع توهم في حمل الوجود والعدم على الماهية

(قال : ولا يلزم في حملهما (٣) على الماهية (٤) ، اعتبار الوجود أو العدم فيها ليلغيا أو يتناقض (٥). كما أن في حمل الأسود على الجسم ، لا يعتبر فيه السواد وعدمه ، وانما يجيء ذلك من قبل المحمول ، وكذا الثبوت الذهني (٦) وإن كان لازما (٧)).

قد يتوهم أنه كما لا واسطة بين الوجود والعدم ، لا واسطة بين اعتبارهما ، فالماهية المحمول عليها الوجود. إما مع اعتبار الوجود ، فيكون الحمل لغوا بمنزلة أن يقال : الماهية الموجودة موجودة ، وإما مع اعتبار العدم

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من (ب).

(٢) في (أ) بزيادة (قولنا).

(٣) أي الوجود والعدم.

(٤) حملهما عليها إنما يكون بواسطة الاشتقاق كأن يقال هذه الماهية موجودة أو معدومة. أو الإضافة كأن يقال هي ذات وجود أو عدم.

(٥) تحقيق ذلك أن التقابل الحقيقي إنما هو بين نفس الوجود والعدم لا بين اعتباريهما لأنه يجوز أن يعتبر هذا أو ذلك أو لا يعتبر أحدهما وعدم الاعتبار لواحد بخصوصه هو المتعين عند حمل أحدهما ليفيد.

(٦) فإنه كالوجود الخارجي في أنه لا يعتبر في المحكوم عليه عند الحكم بذلك الثبوت عليه فيلغى اعتباره فيه بخصوصه.

(٧) للمحكوم عليه ، إذ لا يحكم على الشيء إلا بعد تصوره ، وتصوره ثبوت ذهني ، وكما لا يعتبر في المحكوم عليه الثبوت الذهني عند الحكم بذلك الثبوت عليه ، فلا يعتبر فيه عدم الثبوت ذهنا لأنه يلزم في الأول اللغو ، وفي الثاني التناقض.

٣٩٠

فيكون تناقضا بمنزلة أن يقال : الماهية المعدومة موجودة ، وكذا في حمل العدم ، بل كل وصف كقولنا : الجسم أسود. فإن الموضوع إما مع اعتبار المحمول فلغو. ومع اعتبار عدمه فتناقض. فأزال ذلك الوهم ، بأن الموضوع وإن كان لا يخرج عن المحمول ، أو نقيضه وجودا كان أو عدما أو غيرهما ، لكن لا يلزم أن يعتبر فيه أحدهما ، وإنما يجيء تقيده من قبل (١) الحمل. فإن حمل عليه الوجود كان موجودا ، أو العدم فمعدوما ، أو السواد فأسود ، أو البياض فأبيض ، من غير أن يعتبر معه شيء من ذلك ، وكذا الثبوت الذهني ، وإن كان لازما ، من جهة أن الحكم على الشيء يستدعي تصوره ، وهو ثبوت ذهني لكن لا يلزم اعتباره في الموضوع ، لأن الحكم إنما هو على الذات من غير اعتبار الأوصاف لازمة كانت أو مفارقة ، فليس معنى قولنا : الماهية موجودة. أن الماهية الثابتة في الذهن موجودة حتى لو كان المحمول هو الثبوت الذهني أو نفيه ، لم يكن لغوا أو تناقضا ، إلا بالنسبة إلى من يعلم أن المحكوم عليه متصور البتة ، وأن التصور ثبوت ذهني.

إثبات صحة الحكم

(قال : ولا يشترط في صحة (٢) المطابقة (٣) لما في الأعيان ، إذ قد لا يوجد فيها الطرفان ، ولا يكفي المطابقة لما في الأذهان ، اذ قد يرتسم فيها الكواذب (٤) ، بل المعتبر (٥) المطابقة (٦) لما في نفس الأمر ، ومعناه ما يفهم من قولنا : هذا الأمر كذا في نفسه ، أي في حد ذاته ، مع قطع النظر عن حكم

__________________

(١) في (ب) من جهة بدلا من (قبل).

(٢) إثباتا أو سلبا.

(٣) أي لا تشترط المطابقة.

(٤) كما ارتسم بثبوت القدم للعالم في أذهان الفلاسفة فلو كفت في صحة الحكم مطابقته لما في الأذهان لكان قول القائل العالم قديم صحيحا لمطابقته لما في أذهان الفلاسفة فليست مطابقة الأذهان معتبرة في صحة الحكم.

(٥) في صحة الحكم وصدقة.

(٦) مطابقة النسبة الحكمية.

٣٩١

الحاكم وتفسيره بما في العقل الفعال (١) بعيدا جدا ، اذا قصد بيان المفهوم ، لأنه قد يقع التصديق ممن لا يعرفه ، بل ينكره. وأما الاعتراض بأنه لا يشمل علمه ، ولا العلم السابق عليه ، ولا العلم بالجزئيات فيمكن دفعه :.

يعني. أن الحكم قد يكون صحيحا أي حقا وصدقا (٢) وقد يكون فاسدا أي باطلا وكذبا (٣) وإن كان غالب استعمال الصدق والكذب في الأقوال خاصة ، وليست صحة الحكم بمطابقته لما في الأعيان ، إذ قد لا يتحقق طرفا الحكم في الخارج ، كما في الحكم بالأمور الذهنية ، على الأمور الذهنية أو الخارجية.

كقولنا : الإمكان اعتباري ومقابل للامتناع ، واجتماع النقيضين ممتنع.

كقولنا : الإنسان ممكن ، أو أعمى ، ولا يكفي المطابقة لما في الأذهان لأنه قد يرتسم فيها الأحكام الغير المطابقة للواقع ، فلزم أن يكون قولنا : العالم قديم حقا وصدقا ، لمطابقته لما في أذهان (٤) الفلاسفة ، وهو باطل قطعا ، بل المعتبر في صحة الحكم مطابقته لما في نفس الأمر ، وهو المراد بالواقع والخارج ، أي خارج ذات المدرك والمخبر. ومعناه ما يفهم من قولنا ، هذا الأمر كذا في نفسه ، أو ليس كذا أي في حد ذاته ، وبالنظر إليه مع قطع النظر عن إدراك المدرك ، وإخبار المخبر. على أن المراد بالأمر الشأن والشيء ، وبالنفس الذات.

فإن قيل : كيف يتصور هذا فيما لا ذات له ، ولا شيئية في الأعيان كالمعدومات سيما الممتنعات.

فالجواب إجمالا : أنا نعلم قطعا أن قولنا : اجتماع الضدين مستحيل مطابق لما في نفس الأمر. وقولنا : إنه ممكن غير مطابق ، وإن لم يعلم كيفية

__________________

(١) العقل الفعال : في رأي الفلاسفة هو الواهب الصور جميعا في عالم الكون والفساد.

(٢) سقط من (ب) لفظ (وصدقا).

(٣) في (أ) مينا بدلا من (كذبا).

(٤) في (ب) عند بدلا من (أذهان).

٣٩٢

تلك المطابقة بكنهها (١) ، ولم يتمكن من تلخيص العبارة فيها. وتفصيلا : أن المطابقة إضافة يكفيها تحقق المضافين بحسب العقل ، ولا خفاء في أن العقل عند ملاحظة المعنيين ، والمقايسة بينهما سواء كانا من الموجودات أو المعدومات ، نجد بينهما بحسب كل زمان نسبة إيجابية أو سلبية تقتضيها الضرورة أو البرهان ، فتلك النسبة من حيث إنها نتيجة الضرورة أو البرهان بالنظر إلى نفس ذلك المعقول من غير خصوصية المدرك والمخبر (٢) ، هي المراد بالواقع وما في نفس الأمر ، وبالخارج أيضا عند (٣) من يجعله أعم مما في الأعيان على ما بينا ، فصحة هذه النسبة تكون بمعنى أنها الواقع وما في نفس الأمر ، وصحة النسبة المعقولة ، أو الملفوظة من زيد أو عمرو أو غيرهما بين ذينك المعنيين ، يكون بمعنى أنها مطابقة لتلك النسبة الواقعة ، أي على وفقها في الإيجاب والسلب ، ولما لم تتصور للنسبة المسماة بالواقع ، ومما في نفس الأمر ، سيما فيما بين المعدومات حصول إلا بحسب التعقل ، وكان عندهم أن جميع صور الكائنات وأحكام الموجودات والمعدومات مرتسمة في جوهر مجرد أزلي (٤) يسمى بالعقل الفعال ، فسر بعضهم ما في نفس الأمر بما في العقل الفعال (٥) ، ويستدل على وجوده بأن : الأحكام مع اشتراكها في الثبوت الذهني ، منها ما هو مطابق لما في نفس الأمر كالحكم بأن الواحد نصف الاثنين ، ومنها ما هو غير مطابق كالحكم بنقيض ذلك. فللأول متعلق خارج عن الذهن يطابقه ما في الذهن ، ولأن من الأحكام ما هو أزلي (٦) ، لا يلحقه تغير أصلا ولا خروج من قوة إلى فعل ، ولا يتعلق بوضع أو زمان أو مكان ، مع أن المطابقة لما في نفس الأمر في الكل معنى واحد ، لزم أن يكون ذلك المتعلق الخارجي مرتسما في مجرد أزلي مشتمل على الكل بالفعل ،

__________________

(١) في (ب) بينهما.

(٢) في (أ) بزيادة لفظ (هي).

(٣) في (ب) على بدلا من (عند).

(٤) في (أ) بزيادة لفظ (أزلي).

(٥) سقط من (ب) : فسر بعضهم ما في نفس الأمر بما في العقل الفعال.

(٦) في (ب) أولي بدلا من (أزلي).

٣٩٣

وليس هو الواجب لامتناع اشتماله على الكثرة ، ولا النفس لامتناع اشتمالها على الكل بالفعل ، فتعين العقل الفعال (١). ثم قال : وهو الذي عبر عنه (٢) في القرآن المجيد باللوح المحفوظ (٣) والكتاب المبين ، المشتمل على كل رطب ويابس ، وأنت خبير بأن ما ذكره مع ضعف بعض مقدماته مخالف لصريح قوله تعالى :

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) (٤) الآية.

فليته سكت عن التطبيق ، ثم القول بأن المراد بما في نفس الأمر ، ما في العقل الفعال باطل قطعا ، لأن كل أحد من العقلاء يعرف أن قولنا : الواحد نصف الاثنين مطابق لما نفس الأمر ، مع أنه لم يتصور العقل الفعال أصلا ، فضلا عن اعتقاد ثبوته ، وارتسامه بصور الكائنات ، بل مع أنه ينكر ثبوته ، ويعتقد انتفاءه ، على ما هو رأي المتكلمين ، وكان المراد أن ما في نفس الأمر على وجه يعم الكل ، ولا يحتمل النقيض أصلا ، هو ما في العقل الفعال وإن تغايرا بحسب المفهوم ، وقد يقال : لو أريد بما في نفس الأمر في علم العقل الفعال ، امتنع اعتبار المطابقة لما في نفس الأمر في علم العقل الفعال لعدم الاثنينية ، وفي العلم السابق عليه ، ولو بالذات ، كعلم الواجب لامتناع مطابقة الشيء لما لا تحقق له معه ، وفي العلم بالجزئيات ، مثل هذا الحرف ، وقيام زيد في هذا الوقت لامتناع ارتسامها في العقل ويمكن الجواب عن الأول : بأن صحة الحكم الذي في نفس الأمر لا يكون لكونه مطابقا لما في نفس الأمر بل عينه.

__________________

(١) سقط من (ب) لفظ (الفعال).

(٢) سقط من (أ) لفظ (عنه).

(٣) اللوح : ما يكتب فيه من الخشب ، ولوح السفينة وقوله تعالى : (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) استأثر الله بالعلم.

بكيفيته ، وليس لأحد بحقيقته علم إلا بقدر ما روي لنا من الآثار الصحيحة ، وهو المعبر عنه بالكتاب في قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) والجمع ألواح قال تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) ونظرت إلى ألواحه ولوائحه : أي إلى ظواهره.

راجع بصائر ذوي التمييز ج ٤ ص ٤٦٨).

(٤) سورة الأنعام وهذه جزء من آية رقم ٥٩.

٣٩٤

وعن الثاني : بعد تسليم امتناع مطابقة الشيء مع ما هو متأخر عنه بالذات ، بأن (١) اعتبار المطابقة ، إنما يكون في العلم الذي هو بارتسام الصورة ، ولا كذلك علم الواجب. على أنهم لا يثبتون له أولا إلا تعقل ذاته ، وهو عين (٢) ذاته.

وعن الثالث بأن ارتسام الجزئي (٣) في العقل على الوجه الكلي كاف في المطابقة.

__________________

(١) في (ب) إذ بدلا من (بإن).

(٢) في (ب) وهو غير ذاته بدلا من قوله : (عين ذاته).

(٣) في (ب) الحر في بدلا من (الجزئي).

٣٩٥
٣٩٦

الفصل الثاني

الماهية وفيه أربعة مباحث

١ ـ في التعريف وما يتعلق به.

٢ ـ تقسيم الماهية باعتبار ثبوت العوارض أو نفيها.

٣ ـ الماهية بسيطة ومركبة.

٤ ـ الماهيات مجعولة خلافا لجمهور الفلاسفة.

٣٩٧
٣٩٨

(قال : الفصل الثاني : في الماهية وفيه مباحث) (١) :

المبحث الأول

تعريف الماهية وما يتعلق به

(المبحث الأول : ماهية الشيء ما به يجاب عن السؤال بما هو (٢) ويفسره بما به الشيء هو هو ، ولا ينتقض بالفاعل إذ به وجود الشيء لا هو ، وهي باعتبار التحقق تسمى ذاتا وحقيقة ، وباعتبار التشخص هوية).

وهي لفظة مشتقة عما هو (٣) ولذا قالوا : ماهية الشيء ما به يجاب عن السؤال بما هو كما أن الكمية ما به يجاب عن السؤال بكم هو ، ولا خفاء في أن المراد بما هو الذي تطلب الحقيقة دون الوصف ، أو شرح الاسم وتركوا التقييد اعتمادا على أنه (٤) المتعارف ، واحترازا عن ذكر الحقيقة في تفسير الماهية (٥) ، ومنهم من صرح بالقيد فقال ، الذي يطلب به جميع ما به الشيء هو هو ، وأنت خبير بأن ذلك بعينه معنى الماهية. وأن هذا التفسير لفظي فلا دور وقد يفسر بما به الشيء هو هو (٦) ، ويشبه أن يكون هذا تحديدا ، إذ لا يتصور لها مفهوم سوى هذا ، وزعم بعضهم أنه صادق على العلة الفاعلية ،

__________________

(١) مباحث أربعة : الأول في تفسيرها وما يتعلق بها ، والثاني في أقسامها باعتبار أخذها مع شيء أو بدون شيء ، الثالث : في تركبها وبساطتها : الرابع في كونها مجعولة أولا وما يتعلق بها.

(٢) سقط من (ج) الضمير (هو).

(٣) في (أ) من ما هو.

(٤) في (ب) على ما هو.

(٥) راجع المرصد الثاني في كتاب المواقف ج ٣ ص ١١٧ وما بعدها.

(٦) بمعنى أن الأمور أو الأمر الذي اعتبر للشيء وجود ذلك الشيء بها تحقق وثبت بحيث يقال فيه هو هو ، أي محقق وثابت لا منفي كما يقال : الجبل هو هو أي محقق وثابت.

٣٩٩

وليس كذلك ، لأن الفاعل ما به يكون الشيء موجودا ، لا ما به يكون الشيء ذلك الشيء، فإنا نتصور حقيقة المثلث ، وإن لم نعلم له وجودا ولا فاعلا.

وبالجملة فمعنى هذا التفسير (١) على أن نفس الماهية ليست بجعل الجاعل على ما سيجيء بيانه ، ثم الماهية إذا اعتبرت مع التحقيق سميت ذاتا وحقيقة ، فلا يقال ذات العنقاء. وحقيقته بل ماهيته أي ما يتعقل منه ، وإذا اعتبرت مع التشخص سميت هوية ، وقد يراد بالهوية التشخص ، وقد يراد الوجود الخارجي ، وقد يراد ما صدقت عليه الماهية من الأفراد.

تحقيق الماهية باعتبار تميزها عن العوارض

(قال : وتغاير عوارضها (٢) اللازمة والمفارقة (٣) ، وتتقابل بتقابلها فحيث يقال : الأربعة من حيث هي زوج ، أو ليست بفرد يراد أن ذلك من مقتضيات الماهية ، وإلا فهي من حيث هي ، ليست إلا هي ، حتى لو قيل : الأربعة من حيث (٤) هي (٥) زوج ، أو ليست بزوج ، أو هي زوج أو فرد (٦).

قلنا : ليست من حيث هي هي بزوج ولا فرد. بمعنى أن شيئا منهما (٧) ليس نفسها ، ولا داخلا فيها ، ولا يصح هي من حيث هي زوج أو ليست بفرد ، أو لا هذا ولا ذاك).

أي ماهية الشيء وحقيقته مغاير جميع عوارضها اللازمة والمفارقة كالفردية للثلاثة ، والزوجية للأربعة ، وكالمشي (٨) للحيوان ، والضحك للإنسان ، ضرورة

__________________

(١) حاصل هذا التعريف أن ما تحقق به الشيء وصار به متقررا هو ماهيته.

(٢) أي الماهية.

(٣) لها أو وجودها جميعا وهو ظاهر.

(٤) أي من حيث اعتبار حقيقتها فقط لا من حيث ما تقتضيه تلك الحقيقة.

(٥) سقطت من (ج) لفظ (هي).

(٦) على طريق السؤال عن أحد المتساويين للنقيضين هل هي نفس أحدهما أيضا أولا ..؟

(٧) أي من الزوج ونفي الفردية.

(٨) في (ب) وكالشيء للحيوان ، وهو تحريف.

٤٠٠