الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

النقطة الثانية : الأدلة العقلية والنقليّة على وقوع الرجعة :

الدليل العقلي :

أولا : إنّ رجعة الأموات إلى الحياة الدنيا هي تماما كرجعتهم يوم البعث والنشور بفارق بينهما : أنّ الرجعة محدودة كمّا وكيفا تحدث قبل يوم القيامة بينما يبعث جميع الناس يوم القيامة للثواب والعقاب الدائمين.

وكلا البعثين واقعان تحت قدرة الله تعالى وليس مستحيلا في نفسه ، فالاعتراف برجوع الناس يوم القيامة وإنكار ذلك للرجعة يعتبر فصلا بلا دليل وبرهان ؛ فبعد تسليم أنّ الله سبحانه قادر على إيجاد الجواهر والأعراض بعد إعدامها ، جاز أن يوجدها متى شاء.

ثانيا : وقوع الرجعة في الأمم السّالفة دليل على إمكانها وإخراجها من دائرة الاستحالة إلى الإمكان والوقوع ، فلذا نستغرب من العامة كيف شنّعوا على الشيعة القائلين بها.

الأدلة النقلية على إمكان وقوعها :

فمن الكتاب : ما جاء في عدّة مواطن في تحققها في الأمم السّالفة :

أ ـ إحياء جماعة من بني إسرائيل بعد موتهم عند ما طلبوا من موسى عليه‌السلام أن يريهم الله جل وعلا توهما منهم أنّ عيونهم الظاهرة تطيق رؤية الخالق المتنزّه عن المادة فنزلت الصاعقة عليهم وأفنتهم عن آخرهم فاغتمّ النبي موسى عليه‌السلام لما حدث بشدة لأنّ هلاك سبعين نفرا من كبار بني إسرائيل قد يوفّر الفرصة للمغامرين من أبناء القوم أن يثيروا ضجّة بوجه نبيّهم لذا تضرّع موسى عليه‌السلام إلى الله ليعيدهم إلى الحياة فاستجاب سبحانه تضرّعه فعادوا بإذنه تعالى كما قال تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٦) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة / ٥٦ ـ ٥٧).

ب ـ إحياء قتيل من بنى إسرائيل كما في قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٣) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة / ٧٣ ـ ٧٤).

ومفاد القصة : أن شخصا من بني إسرائيل قتل ووضع على طريق فاتّهمت كلّ قبيلة الأخرى بالقتل ، فتوجهوا إلى موسى عليه‌السلام ليقضي بينهم ، فما كانت

٣٢١

الأساليب العادية ممكنة في هذا القضاء ، فلجأ موسى عليه‌السلام إلى طريق إعجازي لحلّ هذه المسألة ، فقال موسى عليه‌السلام لهم : ايتوني ببقرة ، قالوا : أتتخذنا هزوا؟ قال : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. قالوا له : ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي؟

قال عليه‌السلام : إنه يقول إنها بقرة لا فرض ولا بكر ـ يعني لا صغيرة ولا كبيرة ـ عوان بين ذلك.

ثم قال لهم : اضربوا الميّت بذنب البقرة فلمّا فعلوا ذلك حيي المقتول وقال : يا رسول الله إنّ ابن عمّي قتلني.

فالغاية من إحياء قتيل بني إسرائيل هي أن تقام الحجّة على من قتله ، كذلك الغاية من رجوع بعض الأموات لإقامة الحجة وإثبات النصرة لولي الله الأعظم أرواحنا فداه.

ج ـ رجوع النبي عزير إلى الحياة بعد مائة عام من موته كما قصّ ذلك القرآن بقوله تعالى :

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة / ٢٦٠).

مفاد الآية : أن النبي عزير كان راكبا على حمار ومعه طعامه وشرابه فمرّ بقرية قد مات أهلها أكلت الديدان أجسادهم فصاروا عظاما نخرة ، فتساءل متعجبا واستعظاما للأمر ولقدرة الله تعالى من غير استبعاد يؤدي إلى الشكّ أو الإنكار حاشا مقام النبوّة.

عندها أماته الله تعالى مائة سنة ثم أحياه مرة أخرى وأراد كيفيّة إعادة الخلق فشاهد عمليّة تركيب عظام الحمار بعد تفككها ثم كيف أن الله سبحانه كساها باللحم إلى آخر عملية الإحياء.

وقصته عليه‌السلام مشابهة لقصة النبي إبراهيم عليه‌السلام الذي طلب من الله تعالى معرفة الإحياء بقوله : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (البقرة / ٢٦١).

٣٢٢

وللشبه بين القصتين ربطت الآيتان ببعضهما في نفس السورة حيث التشابه في بعض مداليلهما.

د ـ إحياء عيسى عليه‌السلام لبعض الأموات.

كما ورد في آيات منها قوله تعالى :

(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران / ٥٠).

(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (المائدة / ١١١).

فالتعبير ب «أحيي» و «تخرج» إشارة إلى أنه عليه‌السلام أحيا الموتى فعلا وأنّ هذا الفعل حصل مرارا ، وهذا الأمر بنفسه يعدّ نوعا من الرجعة لبعضهم.

ه ـ رجوع جماعة ممن كتب عليهم الموت في بني إسرائيل كما في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (البقرة / ٢٤٤).

بالإضافة إلى هذه المواطن هناك مواطن أخر ذكرها القرآن كقصة أصحاب الكهف وقصة الطيور الأربعة التي أمر إبراهيم عليه‌السلام بتقطيعها وتوزيعها على الجبال ثم إحيائها من جديد.

إذن قام الدليل القرآني على تحقق وقوع الرجعة عند بعض الأقوام السالفة ، وهناك آيات تثبت الرجعة ، هذا مضافا إلى الإجماع بل ضرورة المذهب والدين.

فمن الآيات المباركات قوله تعالى :

(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (النمل / ٨٤).

فالحشر معناه : إخراج جماعة ما من مقرها.

٣٢٣

والفوج معناه : الجماعة التي تتحرّك بسرعة.

ومعنى يوزعون : حبس الجماعة وإيقافها حتى يلحق الآخر منها بالأول.

ومعنى الآية : أنه سوف يأتي يوم يحشر الله تعالى فيه من كل أمة جماعة ، ويهيؤهم للحساب والجزاء على أعمالهم ، فالحشر يختص بجماعة معينين ، فيتعيّن أن يكون غير الحشر الأكبر يوم القيامة لأنه عام للجميع كما جاء في سورة الكهف قوله تعالى : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً).

وقد أكدت ذلك النصوص الكثيرة منها ما جاء عن مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام وقد سئل :

إنّ العامة تزعم أن قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ ...) عنى يوم القيامة.

قال عليه‌السلام : «أفيحشر الله من كل أمة فوجا ويدع الباقين؟

لا ، ولكنه في الرجعة ، أما آية القيامة فهي (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(١).

وآية (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ...) تحدثت عن حشر المكذبين بآياته سبحانه ، أما رجعة بعض الصالحين فهو على عاتق الآيات الأخر كقوله تعالى :

(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (البقرة / ١٥٩).

فعن أبي جعفر عليه‌السلام قال لجابر :

يا جابر أتدري ما سبيل الله؟

قال جابر : لا والله إلّا إذا سمعت منك ، قال عليه‌السلام : القتل في سبيل علي وذريته ، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله وليس أحد يؤمن بهذه الآية إلّا وله قتلة وميتة ، إنه من قتل ينشر حتى يموت ، ومن مات ينشر حتى يقتل (٢).

ومن الآيات قوله تعالى :

__________________

(١) لاحظ تفسير القمي : ج ١ ص ١٣١ ط. الأعلمي.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٤٠ ح ٨.

٣٢٤

(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (غافر / ٥٢).

ففي الاختصاص للشيخ المفيد (قدّس سره) عن مولانا أبي عبد الله عليه‌السلام قال له جميل بن درّاج ما معنى قوله تعالى وذكر الآية : ...

فقال عليه‌السلام : ذلك والله في الرجعة أما علمت أنّ في أنبياء الله كثيرا لم ينصروا في الدنيا وقتلوا وأئمة قد قتلوا ولم ينصروا ، ذلك في الرجعة (١).

ومن الآيات قوله تعالى :

(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (النمل / ٨٣).

ولدابة الأرض مفهوم واسع يشمل الحيوان والإنسان أيضا كما دلّت عليه الآية المباركة من سورة النحل : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) وقوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (الأنفال / ٢٣).

وقد وضّحت النصوص الشريفة مفهوم الدابة وعيّنت مصداقها ، فهي الدابة المعجزة لها يدان ورجلان وتأكل وتشرب وتعبد الله تعالى ، هي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، يخرج عند اقتراب الساعة ، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان فيضرب بالعصا ما بين عيني المؤمن أنه مؤمن ، وبين عيني الكافر أنه كافر ويغلق باب التوبة قبل قيام الساعة بأربعين يوما.

ورد عن الأصبغ بن نباتة قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يأكل خبزا وخلا وزيتا ، فقلت يا أمير المؤمنين قال الله عزوجل : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ...) الآية.

فما هذه الدابة؟ قال عليه‌السلام :

هي دابة تأكل خبزا وخلًّا وزيتا (٢).

وسأل أبو الطفيل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الدابة في قوله تعالى : (وَإِذا وَقَعَ

__________________

(١) لاحظ تفسير القمي ، سورة غافر.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ١١٢ ح ١١.

٣٢٥

الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ...).

قال عليه‌السلام : إله عن هذا.

فقال أبو الطفيل : يا أمير المؤمنين أخبرني به جعلت فداك.

قال عليه‌السلام : هي دابة تأكل الطعام ، وتمشي في الأسواق ، وتنكح النساء.

فقال : يا أمير المؤمنين من هو؟

قال عليه‌السلام : هو زرّ (١) الأرض الذي تسكن الأرض به.

قال : يا أمير المؤمنين من هو؟

قال عليه‌السلام : صدّيق هذه الأمة وفاروقها وربيّها وذو قرنيها.

قال : يا أمير المؤمنين من هو؟

قال عليه‌السلام : الذي قال الله تعالى : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) و (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) و (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) أنا ؛ والناس كلهم كافرون غيري وغيره.

قال : فسمه لي : قال عليه‌السلام : قد سمّيته لك يا أبا الطفيل والله لو أدخلت على عامّة شيعتي الذين بهم أقاتل ، الذين أقرّوا بطاعتي ، وسمّوني أمير المؤمنين ، واستحلّوا جهاد من خالفني ، فحدّثتهم ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الذي نزل به جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتفرّقوا عني حتى أبقى في عصابة حقّ قليلة ، أنت وأشباهك من شيعتي ، ففزعت ، وقلت : يا أمير المؤمنين ، أنا وأشباهي نتفرّق عنك أو نثبت معك؟

قال : لا ، بل تثبتون.

ثم أقبل عليّ فقال : إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقرّ به إلّا ثلاثة : ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان (٢).

__________________

(١) الزّر : القلب ، أو القوام ، ويقال للحديدة التي تجعل فيها الحلقة التي تضرب على وجه الباب لإصفاقه ، والزر واحد الأزرار التي تشدّ بها الكلل والستور ، أو العروة التي تجعل الحبّة فيها ـ لسان العرب : ج ٤ ص ٣٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٦٨ ح ٦٦ نقلا عن الاختصاص ولاحظ كتاب الرجعة للميرزا الأسترآبادي : ص ٧٣ ، وروى ابن منظور في لسان العرب : ج ٤ ص ٣٢٢ حديثا عن أبي ـ

٣٢٦

والروايات كثيرة جدا بشأن دابة الأرض معجزة الله تعالى قبل انقراض الدنيا فلاحظ المصادر الحديثية والتفسيرية.

ومن الأخبار الدالّة على ثبوت الرجعة التي بلغت حدّا فاقت التواتر بكثير ، حتى عدّ القول بالرجعة عند المخالفين من مختصات الشيعة وأئمتهم من لدن الصدر الأول ، والتواتر لا يبطل بقبول آحاد الروايات للخدشة والمناقشة ، حيث هناك العديد من الروايات الصحيحة والموثّقة المثبتة للرجعة تامة الدلالة قابلة للاعتماد.

منها :

١ ـ ما ورد في الفقه عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : ليس منّا من لم يؤمن بكرتنا ولم يستحلّ متعتنا (١).

وأيّد الحديث الشيخ المفيد في المسائل السروية (٢). فقال : إن المتعة التي ذكرها الصادق عليه‌السلام هي النكاح المؤجّل الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباحها لأمته في حياته ، ونزل القرآن بإباحتها أيضا ، فتأكد ذلك بإجماع الكتاب والسنة من حيث يقول الله عزوجل (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء / ٢٥) فلم تزل على الإباحة بين المسلمين ، لا يتنازعون فيها ، حتى رأى عمر ابن الخطاب النهى عنها ، فحظرها وشدّد في حظرها وتوعد على فعلها ، فأتّبعه الجمهور على ذلك ، وخالفهم جماعة من الصحابة والتابعين فأقاموا على تحليلها إلى أن مضوا لسبيلهم.

واختصّ بإباحتها جماعة أئمة الهدى من آل محمد عليهم‌السلام ، فلذلك اضافها

__________________

ذر قال عنه : إنه لزرّ الأرض الذي تسكن إليه ، ويسكن إليها ولو فقد لأنكرتم الأرض وأنكرتم الناس ، وفسره ثعلب فقال : تثبت به الأرض كما يثبت القميص بزره إذا شدّ به وأرى عليّ أبا ذر فقال أبو ذر له : هذا زرّ الدين قال أبو العباس : معناه أنه قوام الدين كالزّر وهو العظيم الذي تحت القلب وهو قوامه. انتهى كلام ابن منظور فلاحظ.

(١) بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٩٢.

(٢) المسائل السرويّة ص ٣٠ ط المفيد المطبوع ضمن مسار الشيعة.

٣٢٧

الصادق عليه‌السلام إلى نفسه بقوله «متعتنا».

وأما قوله عليه‌السلام : «من لم يقل برجعتنا فليس منا» فإنما أراد بذلك ما يختصّه من القول به في أن الله تعالى يحيى قوما من أمة محمد عليه‌السلام بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختصّ به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...».

٢ ـ عن الاختصاص عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) قال عليه‌السلام : ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا سيرجع حتى يموت ولا أحد من المؤمنين مات إلّا سيرجع حتى يقتل (١).

٣ ـ عن الاختصاص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة (٢).

وقد ذكر صاحب البحار قدس‌سره عن المصادر الصحيحة والموثوقة ما يقرب من ١٦١ رواية عن الرجعة وبلغ مجموع أخبارها المائتي حديث رواها ثقاة عظام وعلماء أعلام ، فهل هناك تواتر أعظم من هذا التواتر في الرجعة؟! وهل يعقل لمؤمن بالقرآن أن ينكر تلكم النصوص القرآنية والنبويّة المتمثلة بالعترة أو يحملها على ظهور أمرهم لمجرّد أنّ عقله الضعيف لم يحتمل أو يتصور رجعة أناس إلى الدنيا؟!

النقطة الثالثة : أقوال علماء الإمامية في الرجعة :

١ ـ ما قاله الشيخ المفيد (قدس‌سره) :

«إنّ الله تعالى يردّ قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعزّ فريقا ويذلّ فريقا ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين وذلك عند قيام مهديّ آل محمّد عليه‌السلام ، وأن الراجعين إلى الدنيا فريقان أحدهما من علت درجته في الإيمان وكثرت أعماله الصالحات وخرج من الدنيا على اجتناب الكبائر الموبقات ، فيريه الله عزوجل دولة الحقّ ويعزّه بها ويعطيه في

__________________

(١) نفس المصدر : ج ٥٣ ص ٤٠.

(٢) نفس المصدر : صفحة ٤٠ أيضا.

٣٢٨

الدنيا ما كان يتمنّاه ، والآخر من بلغ الغاية في الفساد وانتهى في خلاف المحقّين إلى أقصى الغايات وكثر ظلمه لأولياء الله واقترافه السيّئات ، ينتصر الله تعالى لمن تعدّى عليه قبل الممات ويشفي غيظهم منه بما يحلّه من النقمات ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقّونه من دوام الثواب والعقاب ، وقد جاء القرآن بصحّة ذلك وتظاهرت به الأخبار والإماميّة بأجمعها عليه إلّا شذّاذ منهم تأوّلوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه» (١).

٢ ـ ما قاله الشيخ الصّدوق (قدس‌سره) :

«اعتقادنا في الرجعة أنّها حقّ وقد قال الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (البقرة / ٢٤٤) ـ إلى أن قال : ـ إن الرجعة كانت في الأمم السالفة ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون في هذه الأمة مثل ما يكون في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة فيجب على هذا الأصل أن يكون في هذه الأمة رجعة ...» والحديث طويل (٢).

٣ ـ ما قاله الشيخ الطبرسي (قدس‌سره) :

«وقد تظافرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد عليهم‌السلام في أنّ الله سيعيد عند قيام المهديّ قوما ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته ، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم ، وينالوا بعض ما يستحقّونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته والذلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته ، ولا يشكّ عاقل أنّ هذا مقدور لله غير مستحيل في نفسه وقد فعل الله ذلك في الأمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدّة مواضع مثل قصة عزير وغيره على ما فسّرناه في موضعه وصحّ عن النبي قوله : سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ... الخ» (٣).

٤ ـ ما قاله العلّامة محمد باقر المجلسي في بحاره : «أجمعت الشيعة عليها ـ

__________________

(١) أوائل المقالات : ص ٧٧ والمسائل السرويّة.

(٢) البحار : ج ٥٣ ص ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ص ٣٣٤ (سورة النمل / ٨٣).

٣٢٩

أي على الرجعة ـ في جميع الأعصار واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار حتى نظموها في أشعارهم واحتجّوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم وشنّع المخالفون عليهم في ذلك ، وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم منهم : الرازي والنيسابوري ...

وكيف يشكّ مؤمن بحقيّة الأئمة الأطهار فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ...».

ثم قال : «وظني أن من يشكّ في أمثالها فهو شاكّ في أئمة الدّين ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملّة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين وتشكيكات الملحدين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (١) (سورة الصف / ٩).

وقال في موضع آخر :

«اعلم أيها الطالب للحق واليقين أني لا أظنك ترتاب في أصل الرجعة بعد ما رويت لك من الأخبار المعتبرة المأخوذة من تأليفات ثقات علمائنا الأخيار ، المنتهية إلى الأئمة الأطهار عليهم صلوات الملك الغفّار ، مع إجماع الشيعة عليها في جميع الأعصار ، واشتهارها بينهم كالشمس في رابعة النهار حتى نظموها في أسفارهم واحتجّوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم وأشنع (وشنّع) المخالفون عليهم بذلك في زبرهم وأسفارهم ، وكيف يشك مؤمن بعصمة أئمته عليهم‌السلام في أمر روي عنهم في أكثر من مائتي حديث صريح أوردتها في الكتاب الكبير ـ يقصد بحار الأنوار ـ ورويتها من نيف وأربعين رجلا من العلماء الأعلام ، رووها في أزيد من خمسين كتابا من مؤلفاتهم المشهورة». (٢)

٥ ـ وقد ادّعى الإجماع أيضا على صحة الرجعة المحدّث الخبير والعلّامة النحرير محمّد بن الحسن الحر العاملي حيث استدلّ على صحة الرجعة باثني عشر دليلا فقال :

«الدليل الرابع : إجماع جميع الشيعة الإمامية وإطباق الطائفة الاثني عشرية

__________________

(١) البحار : ج ٥٣ ص ١٢٢.

(٢) الأربعين للمجلسي (قدس‌سره) : ص ٤٣٢.

٣٣٠

على اعتقاد صحة الرجعة فلا يظهر منهم مخالف يعتدّ به من العلماء السابقين ولا اللاحقين» (١).

ثم ذكر بعض من صرّحوا بثبوت الإجماع من علماء الإمامية فقال :

«وقد نقله ـ أي الإجماع ـ الشيخ الجليل أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب (مجمع البيان لعلوم القرآن) وممن نقل الإجماع الشيخ الحسن بن سليمان بن خالد القمي في رسالة له في الرجعة قال فيها ما هذا لفظه : الرجعة مما أجمع عليه علماؤنا بل جميع الإمامية ، وقد نقل الإجماع منهم على هذه المسألة الشيخ المفيد والسيد المرتضى وغيرهما ، وقال صاحب الصراط المستقيم كلاما طويلا في الرجعة ظاهره نقل الإجماع أيضا»(٢).

٦ ـ ما قاله العلّامة محمد حسين الطباطبائي (قدس‌سره) :

«... والروايات المثبتة للرجعة وإن كانت مختلفة الآحاد إلّا أنها على كثرتها متحدة في معنى واحد وهو أنّ سير النظام الدنيويّ متوجه إلى يوم تظهر فيه آيات الله كل الظهور ، فلا يعصى فيه سبحانه بل يعبد عبادة خالصة لا يشوبها هوى نفس ولا يعتريه إغواء الشيطان ويعود فيه بعض الأموات من أولياء الله وأعدائه إلى الدنيا ويفصل الحقّ من الباطل ، وهذا يفيد أنّ يوم الرجعة من مراتب يوم القيامة وإن كان دونه في الظهور لإمكان الشرّ والفساد فيه في الجملة دون يوم القيامة ...» (٣).

هذه كلمات بعض أعلام الإمامية وإلّا فمن تتبع وجد الكثير من تعبيراتهم الدالّة على جواز الرجعة. وحيث إن الرجعة ممّا قام الدليل العقلي على جوازها كما تقدم فيما يتعلّق بغير المعصومين عليهم‌السلام ، أمّا رجعة الأئمة عليهم‌السلام فيمكن إقامة الدليل العقلي على وجوب رجعتهمعليهم‌السلام وذلك فيما إذا خلت الأرض من الحجّة ابن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشريف بعد فرض عدم تجاوز عدد الأئمة عن اثني عشر إماما ، وبدليل اللطف يظهر وجوب الاعتقاد عقلا برجعتهم عليهم‌السلام لئلّا تخلو الأرض من حجة بقطع النظر عن أخبار الرجعة.

__________________

(١) الإيقاظ من الهجعة : ص ٤٢.

(٢) المصدر السابق.

(٣) لاحظ تفسير الميزان : ج ٢ ص ١٠٩ طبع دار الأعلمي.

٣٣١

تساؤلات :

التساؤل الأول :

البعض يتصوّر أنّ الرجعة من قبيل التناسخ المحال عقلا كما ادّعى صاحب كتاب «الشيعة والتصحيح» حيث قال : «إنّ فكرة الرجعة مقتبسة من فكرة التناسخ التي جاء بها فيثاغورس ولها أنصار اليوم وإن الذين كانوا وراء فكرة الرجعة لعلّهم كانوا من المتأثرين بالفلسفة الفيثاغورية وأدخلوا الفكرة في المذهب ...».

ينقض عليه :

١ ـ إنّ هذا التصوّر باطل لأنّ التناسخ عبارة عن رجوع الفعليّة إلى القوّة ، أي أنّ الروح تنتقل إلى بدن آخر فتمرّ بمراحل عدّة من النطفة إلى المضغة إلى أن يصير طفلا ، وأين هذا من الرجعة التي هي عود الروح إلى البدن المتكامل من جميع الجهات من دون رجوع إلى القوة بعد الفعليّة.

وبعبارة أخرى : إنّ التناسخ انتقال النفس من بدن إلى آخر منفصل عن الأول أي أنّ الموضوع في التناسخ متعدّد ، أما الرجعة فهي عبارة عن معاد جسمانيّ معناه رجوع نفس البدن الأول بمشخصاته النفسيّة ، والفرق بين المعاد والرجعة ، انّ الرجعة عود ورجوع مؤقت إلى الدنيا والمعاد عود ورجوع في الآخرة.

٢ ـ إنّ الرجعة ليست فكرة مقتبسة من فيثاغورس وإنما ذكرها القرآن الكريم بعدّة آيات وصدرت بشأنها نصوص متكثرة فيها الصحيح والموثق والعالي ، أبعد كلّ هذا هل يحقّ لأحد أن يدّعي أنها فكرة مستوحاة من فلاسفة اليونان أو الإغريق؟ ولكن ما أنكرها من أنكر إلّا مشاكسة لعقائد الشيعة التي هي عقائد الإسلام (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء / ٢٢٨) (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص / ٨٤).

 ـ التساؤل الثاني :

على القول بالرجعة يحتمل بمن يرجع عند رجوعه التّوبة والإنابة فحينئذ ينقلب العقاب الذي كان متوجّها إلى ثواب فتجب حينئذ ولايتهم.

والجواب :

أولا : إنّ العقل لا يمنع من وقوع إيمان زيد وعمرو وتوبتهم ورجوعهم إليه تعالى لأنه يكون عندئذ قادرا عليه ومتمكنا منه ، ولكن السّمع الوارد عن أئمة

٣٣٢

الهدى عليهم‌السلام بالقطع عليهم بالخلود في النار ، والتدين بلعنهم والبراءة منهم إلى آخر الزمان ، كل هذا منع من الشك في حالهم ، وأوجب القطع على سوء اختيارهم ، وهم في ذلك كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الأنعام / ١١٢).

أي ما كانوا ليؤمنوا إلّا أن يلجئهم الله تعالى إلى ذلك. وقوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (الأنعام / ٢٩).

ثانيا : إنّ رجوع الكافرين إلى الدنيا للانتقام منهم ليس من أجل أن يكلفهم بتكليف جديد بل هو استمرار لعملية التعذيب نتيجة ما ارتكبوه سابقا من موبقات وجرائم ، فلا يقبل لهم توبة وجروا في ذلك مجرى فرعون لمّا أدركه الغرق قال تعالى حكاية عنه : (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس / ٩١) فرد عليه الله سبحانه بقوله : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس / ٩٢).

إذن ردّ عليه سبحانه إيمانه ولم ينفعه في تلك الحال ندم ، تماما كأهل الآخرة حيث لا يقبل سبحانه منهم توبة وندم لأنهم كالملجئين ، ولأنّ الحكمة تمنع من قبول التوبة أبدا. وهذا تماما كقوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ...) (الأنعام / ١٥٩).

التساؤل الثالث :

إنّ الذين يرجعون للدنيا ربّما يهمّون مجددا إلى المعاصي أو ليس هذا إغراء بالقبيح؟

الجواب :

إنّ الدواعي لهم إلى المعاصي مرتفعة ولا يحصل لهم داع إلى قبيح على وجه من الوجوه ، ويعلمون في الحال أنّهم معذّبون على ما سبق لهم من العصيان وأنهم إن راموا فعل القبيح تزايد عليهم العقاب.

أضف إلى ذلك أنّ رجوعهم للاقتصاص منهم ، فهم ملجئون لا مكلّفون وهم تماما كغيرهم في البرزخ يصرخون قائلين : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٧) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما

٣٣٣

يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر / ٣٧ ـ ٣٨).

وقال تعالى : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون / ١٠٠ ـ ١٠١).

قد يقال :

إن الرجعة لا تنسجم مع قوله تعالى : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) لأنه طبقا لهذه الآية فإن المشركين يطلبون الرجوع للدنيا ليعملوا صالحا ، فكيف يقول الشيعة أن الله سيعيد جماعة إلى الدنيا في دولة القائم المهدي (عج) الشريف؟!

والجواب :

إن هذه الآية (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) عامة ، والرجعة خاصة ، بمعنى : أن كل العصاة والجبابرة والكفار المعاندون يتمنون وهم في عالم البرزخ الرجوع إلى الدنيا لكي يعملوا الصالحات ، لكنّ الله تعالى لا يستجيب طلبهم لأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنما يرجع جماعة منهم ـ لا استجابة لهم دون غيرهم من أهل النار ـ ليكونوا عبرة لغيرهم لشدة ما كانوا عليه من الفساد والظلم والطغيان ، من هنا جاء في النصوص أنه لا يرجع إلا من محض الكفر أي من كان خالصا في الكفر والزندقة.

التساؤل الرابع :

هل صحيح أن الرجعة تنافي التكليف كما ادّعى قوم من شذّاذ الشيعة ، لذا فرارا من طرح الروايات المتكثرة في الرجعة قالوا إنّها محمولة على رجوع دولة الأئمة عليهم‌السلام يوم خروج القائم (عج) الشريف؟

والجواب :

أولا : إنّ الرجعة غير ملجئة إلى فعل القبيح أو فعل الواجب فليس كلّ أهل الرجعة مكلفين بل المؤمنون هم المكلّفون بنصرة الإمام (عج) للفوز به ومعه عليه‌السلام ، أما من أعيد من الأعداء للنكال والعقاب فلا تكليف عليه.

أضف إلى ذلك أنّ تكليف المؤمنين كما يصحّ مع ظهور المعجزات والآيات الباهرات كذلك يصحّ مع الرجعة فإنّه ليس في ذلك إلجاء إلى فعل الواجب.

٣٣٤

ثانيا : إنّ من الجائز أنّ يستعدّ الإنسان لكمال موجود في زمان بعد زمان حياته الدنيوية الأولى فيموت ثم يحيا لحيازة الكمال المعدّ له في الزمان الثاني ، أو يستعدّ لكمال مشروط بتخلل حياة ما في البرزخ فيعود إلى الدنيا بعد استيفاء الشرط ، فهذا الاستعداد للتكامل متصل بمرحلة ما قبل الموت الأول ، فهو نوع تتمّة للحياة الأولى.

ثالثا : على القول بعدم تكليف أهل الرجعة ، يكون رجوعهم من باب إدخال السرور على قلوبهم ممّا يرون من ظهور الحق أو من باب إعطاء الثواب لهم عن طريق التنعّم مع مولاهم المنتظر (عج) الشريف في دولة الحق ، لما اعتقدوه سابقا بأحقيّة الأئمة عليهم‌السلام من غيرهم أو لما انتظروه بفارغ الصبر من إعلاء كلمة الله تعالى وإزهاق كلمة الشيطان.

استبعاد وحل :

استبعد السيد فضل الله رجوع بعض المؤمنين للدنيا في عهد القائم المهدي عليه‌السلام ، ووجه استبعاده ليست الاستحالة العقلية بمقدار ما هي أمور مرتبطة بالمبررات العملية الواقعية لا سيما التحديات الفكرية في هذه المسألة التي ليست من أصول العقيدة وقد جاء هذا الحديث في محور كلامه عن الرجعة في مجلة الفكر الجديد ص ١٣ ومجلة المعارج المجلد ٦ السنة الثامنة ص ٣٢٨ قال : «يحدثنا الشيخ المفيد عن اختلاف علماء الإمامية في تفسير معنى الرجعة التي اتفقوا عليها من حيث المبدأ ، فقد كان جماعة من الشيعة يؤولون الاخبار الواردة في الرجعة على طريق الاستفاضة إلى رجوع الدولة ورجوع الأمر والنهي إلى الأئمة عليهم‌السلام وإلى شيعتهم وأخذهم بمجاري الأمور دون رجوع أعيان الأشخاص ... وإذا كان محققو الشيعة قد رفضوا هذا التأويل لعدم لزوم محال عقلي في هذا الموضوع ، فإننا نتصور أن هؤلاء القوم لم ينطلقوا في تأويلهم من الاستحالة العقلية ، لأن الرجعة ليست أشد صعوبة من البعث ، ولكنهم انطلقوا من الفكرة التي تثير التساؤل حول ضرورة ذلك ، فإذا كان المقصود الانتصاف للمظلومين من الظالمين وغلبة المحقين على المبطلين ، فإن ذلك حاصل يوم القيامة ، وإذا كانت القضية هي إظهار الحق على الباطل ، وبسط العدل في الكون فإن وجود الدولة المهديّة الشاملة كفيل بذلك ، وإذا كانت المسألة تحقيق الامنيات في دولة الحق للمؤمنين وشفاء غيظهم من معاصريهم من المبطلين فيما يمكن أن

٣٣٥

تحققه الرجعة من حصول الأماني وشفاء الغيظ ، فإن يوم القيامة يحقق ذلك بأعظم ما يحدث من خلال الرجعة لأنه يتصل بالمصير الأبدي في النعيم والشقاء ، إن المسألة ليست مرتبطة بالإمكان والاستحالة ، بل هي مرتبطة بالمبررات العملية الواقعية في ضرورة ذلك ، مما يجعل التأويل أكثر قربا للالتزام بالأحاديث من إبقائها على ظاهرها ، لا سيما عند مواجهة التحديات الفكرية في هذه المسألة ...».

والجواب :

أولا : إن عدم تمكن السيد فضل الله من فهم مبررات الرجعة ، وعدم قدرته على مواجهة التحديات المعاصرة لا يخوّله تأويل أحاديث الرجعة التي هي فوق المائتي حديث رواها الثقات والأجلاء.

ثانيا : إن حصره للرجعة بالأمور الثلاثة المتقدمة ليس جامعا ، إذ الحكمة فيها ليست تلك التي استبعدها فحسب وإنما لأجل شيئين آخرين غفل عنهما السيد هما :

الأول : إكمال المؤمنين لحركتهم التكاملية نحو السعادة الأبدية بالسير والسلوك ، وأما غيرهم من الكفار الذين يرجعون فإنهم سيكونون عبرة للآخرين وليس لشفاء غيظ المؤمنين فحسب.

الثاني : إظهار عظمة الله تعالى وقدرته المطلقة قبل يوم القيامة ، حيث إن الرجعة قيامة مصغّرة ، فهي آية من آيات عظمة الله تعالى وإقداره على الخلق ؛ فرجعة هاتين الطائفتين «من محض الإيمان ومن محض الكفر» هي بمثابة درسين كبيرين ، وآيتين مهمتين من آيات الله الكبرى ليبلغ الناس أسمى درجات الكمال المعنوي بمشاهدتهما ويزداد إيمانهم بالله العلي القدير.

ولو تدبّرنا بالآيات المتعلقة برجعة بعض الحيوانات والأموات كالتي صدرت على أيدي أنبياء عظام أمثال : إبراهيم وعيسى وعزير عليهم‌السلام لظهر لنا بوضوح وجه الحكمة من تقطيع النبي إبراهيم عليه‌السلام للطير هي أنه أراد أن يعرف كيف يحيي الله الموتى ، وكذا ما فعله النبي عيسى عليه‌السلام عند ما أحيى الموتى إنما كان لإظهار قدرته على الإحياء بإذن الله لأن إرادته هي إرادة الله ، وخلقه هو خلق الله ، وكذا عند ما أحيى الله تعالى عزيرا وأراه كيف ينشز العظام ثم يكسوها لحما ، لم يفعل ذلك إلا للتدليل على إقداره عزوجل على كل شيء ، فهو المطلق الذي لا

٣٣٦

يحده شيء وليس فوقه شيء.

إذن : إن تحديد الرجعة بالأمور الثلاثة وبما ذكرنا آنفا كافية بإظهار الحكمة منها ، وقد توجد كلمة أخرى لم نحط بها خبرا ، فلا يحق لنا طرح النصوص التي بيّنت وجه الحكمة من الرجعة لمجرد الاستحسان لا سيما وأن المسألة ترتبط بالغيب وما لا طريق لنا إلى الاطلاع عليه. (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (الإسراء / ٣٧).

هذه أهم التساؤلات في الرجعة التي استنكرها علينا العامة وعابوا بها على الشيعة وألصقونا باليهود المعتقدين أيضا بالرجعة ، ويؤسفنا أنّ هذه التهم قد صدرت وتصدر من علماء العامة القدامى والجدد ، منهم :

الطبري ، قال : إنّ من العقائد التي روّجها ابن سبأ عقيدة الرجعة عند ما قال لأهل مصر «العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذّب بأنّ محمدا يرجع ، وقد قال الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) فمحمد أحقّ بالرجعة من عيسى قال : فقبل ذلك عنه ، ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها» (١).

وقال أبو الحسن الأشعري :

السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، يزعمون أن عليّا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل القيامة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ... ثم قال : والسبئية يقولون بالرجعة وأنّ الأموات يرجعون إلى الدنيا» (٢).

وكذا الشهرستاني في الملل والنحل ذكر أن ابن سبأ أول من قال بالرجعة (٣).

وقال السكسكي :

كان ابن سبأ وفرقته يقولون بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت وهو أول من قال بذلك(٤).

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٣ ص ٣٧٨ ط. الأعلمي حوادث سنة ٣٥ ه‍.

(٢) مقالات الإسلاميين : ص ٨٦.

(٣) الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ١٧٤.

(٤) البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان : ص ٨٥.

٣٣٧

وكذا ذكر مثله المقريزي (١).

ولم نسلم أيضا من المستشرقين قال جولد تسيهر :

«وفكرة الرجعة ذاتها ليست من وضع الشيعة أو من عقائدهم التي اختصوا بها ، ويحتمل أن تكون قد تسربت إلى الإسلام عن طريق المؤثرات اليهودية والمسيحية (٢).

وقال الناصبي الجميلي لعنه الله تعالى :

«وإنّ عبد الله بن سبأ أول من نادى بعقيدة الرجعة في الإسلام فأخذتها الرافضة عنه ...».

ثم قال : قد اتضح الحق لمن طلبه من أن أصل هذه العقيدة يهودي وأنّ الإسلام بريء من هذه العقيدة وإن ادّعى الرافضة نسبة هذه العقيدة إلى الإسلام ...» (٣).

ولكننا نقول لهؤلاء :

١ ـ إنّ الرجعة ليست من مبتدعات الشيعة أو اليهود والنصارى بل هي من عقائد القرآن الكريم حيث ذكر في عدة آيات رجعة بعض الأموات على أيدي بعض الأنبياء كما تقدم سابقا.

٢ ـ إنّ عبد الله بن سبأ ليس بأول من قال بها ، بل على رواية الطبري : ج ٢ ص ٤٤٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢٣ أن عمر بن الخطاب أول من قال بالرجعة من الصحابة فلاحظ. فما ذكره هؤلاء من أن عبد الله بن سبأ هو أول من قال بالرجعة كذب صريح.

٣ ـ إنّ الاعتقاد بالرجعة ليس بأعظم من الاعتقاد بجواز السهو على النبي أو عصيانه أو الاعتقاد بقدم القرآن وغير ذلك من المعتقدات السخيفة التي يعتقد بها العامة ولا سيما الوهابية منهم ، أليس الاعتقاد بكون الله تعالى له يد أو رجل أو

__________________

(١) خطط المقريزي : ج ٢ ص ٣٥٦.

(٢) جولد تسيهر : العقيدة والشريعة في الإسلام : ص ١٩٢.

(٣) بذل المجهود في مشابهة الرافضة لليهود : ج ١ ص ٢٩٨ ـ ٣٠١.

٣٣٨

ينزل على حمار أو أنه يرى بالبصر أسخف وأعظم من الاعتقاد بالرجعة؟!!

وصدق المثل القائل : أترى الذبابة في عين غيرك ولا ترى الخشبة في عينك.

إنّ العامة لا ينظرون إلى معتقداتهم السخيفة الباطلة التي ملئت بها كتبهم وطواميرهم فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ).

* * *

٣٣٩

الباب التّاسع والعشرون

عقيدتنا في التقية

قال المصنّف (قدس‌سره) :

روي عن صادق آل البيت عليه‌السلام في الأثر الصحيح :

«التقيّة ديني ودين آبائي» و «من لا تقيّة له لا دين له».

وكذلك هي ، لقد كانت شعارا لآل البيت عليهم‌السلام ، دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم وحقنا لدمائهم ، واستصلاحا لحال المسلمين وجمعا لكلمتهم ، ولمّا لشعثهم.

وما زالت سمة تعرف بها الإمامية دون غيرها من الطوائف والأمم ، وكلّ إنسان إذا أحسّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به لا بدّ أن يتكتّم ويتّقي في مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول ، ومن المعلوم أنّ الإمامية وأئمتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوف الضيق على حريّاتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أيّة طائفة أو أمّة أخرى ، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيّة بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم ، لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدّين والدنيا. ولهذا السبب امتازوا بالتقية وعرفوا بها دون سواهم.

وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية وليست هي بواجبة على كلّ حال بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحقّ والتظاهر به ، نصرة للدّين وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعزّ النفوس وقد تحرم التقيّة في

٣٤٠