الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

هم أناس انعزاليون بحاجة إلى رعاية فكرية.

ونحن نسأل أحمد أمين وأمثاله : إذا كان الشيعة هم المخترعون لهذه الفكرة ، فما ذا يفعل بمئات الأحاديث التي رواها علماؤه في مصادرهم وبطرقهم وأسانيدهم؟! ولما ذا لم يكلّف أحمد أمين نفسه مناقشة هذه الأحاديث في إسنادها ومتونها ، مكتفيا بشطحة قلم تطيح بعشرات الأحاديث بل مئاتها بل آلافها ، فهل يا ترى كل هذه الأخبار من صنع الشيعة ، وإذا كانت من صنعهم ، فلما ذا أخذ بها كبار علماء العامة ودافعوا عنها بكل قوة؟! فلا يخلو الأمر حينئذ من شيئين :

إما تواطؤ علماء العامة مع الشيعة ، وإما جهلهم بطرق الحديث ومتونه ، وكلاهما لا يقر بهما أحمد أمين وأمثاله فيثبت أن ما ادعاه الشيعة ليس من مبتدعاتهم وإنما هي من وحي السماء نزل على سيد المرسلين محمد الذي أخبر عن حفيده الإمام المهدي عليه‌السلام فنحن نؤمن بما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين رغما عن أنفي ابن خلدون وأحمد أمين.

عود على بدء :

لقد شهدت الغيبة الصغرى عدّة مميزات منها :

الميزة الأولى : الحالة العامة للمجتمع آنذاك وما أعقبها من تطورات.

الميزة الثانية : عدم الاحتجاب الكليّ عن الناس.

الميزة الثالثة : مهام السفراء ونشاطهم خلال تلك الفترة.

أما الميزة الأولى : لقد تميّزت تلك الفترة :

أولا : بالحروب الداخلية والغارات التي كان يشنّها الأكراد والخوارج وبعض الأعراب على أطراف الدولة العباسية ممّا استدعى انشغال السلطات العباسيّة بردّها وإنفاقها الأموال الطائلة من أجل ذلك ، إضافة إلى هدر الدماء من أجل الحفاظ على سدّة الحكم العباسي آنذاك.

ثانيا : الفساد الخلقي والسياسيّ وغير ذلك في أوساط الحكّام وانغمارهم في الملاهي والملذّات ومن الطريف أن ينقل لنا التاريخ كيف أنّ المعتمد العباسيّ مات مبطونا من كثرة الأكل على شطّ الفرات (١) كما أنّ المعتضد مات مسموما من

__________________

(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير : ج ٧ ص ٤٥٥.

٢٨١

قبل إحدى جواريه ، كما أنّ القاهر ثار عليه جماعة مقتحمين قصره فاستيقظ مخمورا فقتلوه. وهذا دأب الملوك.

ثالثا : القضاء على ثورة صاحب الزنج الذي كما يروى أنه عاث في البلاد الفساد وقد خلّف قتله السرور والبهجة في أوساط المجتمع.

رابعا : نهاية الدولة الطولونيّة في مصر ، وقد أسّسها أحمد بن طولون التركي ، الذي سمّاها باسم أبيه طولون ، وأحمد بن طولون هذا ولّاه على مصر بايكبال التركيّ من قبل الخلافة العباسيّة فتمرّد عليها متفردا بمصر وسوريا إلى أن مات مبطونا عام ٢٧٠ ، ثم خلفه ابنه خمارويه إلى أن قتل مخمورا على يد بعض خدمه.

خامسا : ظهور دولة القرامطة وهم فرقة من الاسماعيلية يؤمنون بسبعة أئمة أولهم علي بن أبي طالب إلى جعفر بن محمد ثم محمد بن إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه‌السلام.

ومن معتقداتهم أنّ إمامهم محمد بن إسماعيل حيّ لم يمت وأنّه في بلاد الروم.

والقرامطة هؤلاء هم الذين قلعوا الحجر الأسود من الكعبة عام ٣١٧ ه‍ ثم أرجعوه بعد ثلاثين سنة ، وصدرت منهم أعمال شنيعة على قوافل الحجّاج وإبادتهم لهم وجرّدوا سيوفهم على أهل البصرة كما أنهم كبّدوا العراق وسوريا والبحرين تضحيات عظيمة ، إلى ما هناك من أعمال وأفعال شنيعة ارتكبوها.

سادسا : ظهور الدولة البويهية عام ٣٢١ ه‍.

سابعا : انّ الملاحظ في تلك الفترة قلّة عدد الثوّار العلويين على ما ذكر أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين.

ويرجع السبب في ذلك إلى أحد أمرين :

الأول :

إنّ كل تحرّك قد يقوم به الثوّار العلويون قد ينسب إلى تحركات القرامطة الذين يخالفون الشيعة الإمامية في نهجهم ومعتقداتهم ، وهذا ما لا يريده الثوار لأنفسهم.

٢٨٢

الثاني :

إنّ خمود العلويين مردّه انتهاء زمن ظهور الأئمة عليهم‌السلام وانقطاع اتصالهم بالناس منذ وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام لأنّ لتوجهات الأئمة المباشرة وغير المباشرة أثرا كبيرا في إعطاء الزخم الثوري للنهوض ضد الباطل والانحراف ، أو يكون مردّه تفاعل الناس مع الأئمة حيث يرونهم مهضومي الحقوق لا يلوون على شيء مما يولّد فيهم الحركة والنشاط ضد السلطات التي أغمطتهم حقوقهم وذوتهم عن قواعدهم الشعبية ومواليهم وشيعتهم.

هذه أهم ما ورد من أحداث في الغيبة الصغرى ، والمهم التعرّض له هنا لأنه من الملاحظ عدم ورود أي ردّ أو اعتراض من قبل الحجّة المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) لشيء من هذه الحوادث في الداخل والخارج مع أنّ بعضها قد حرّك ضمائر المسلمين كنقل القرامطة الحجر الأسود من الكعبة إلى هجر أو قتل المؤمنين الموالين فيتساءل المرء لما ذا لم يظهر من الإمام عليه‌السلام أي اعتراض منه على ما حدث في تلك الفترة الزمنية؟

قال يقال :

إنّ السبب في ذلك يرجع إلى عدّة مبررات :

المبرر الأول :

إنّ إعراضه التام بحيث لم يصدر منه أي اعتراض يعدّ بمثابة احتجاج صامت وشجبا سلبيا لمجموع الخط الذي يسير عليه الناس المنحرفون الذين صنعوا تلك الأحداث العظام وكانوا سندا للسلطات الظالمة المنحرفة التي سبّبت غيابه عن قواعده الشعبية فعدم اعتراضه لما صدر منهم ما هو إلّا إهمال وتناسي لتلك العصابة المنحرفة وكأنه لا موجود في الأرض إلّا حقه المطلوب وأهدافه العالية المقدّسة.

المبرر الثاني :

إنّ الإمام عليه‌السلام وأرواحنا لتراب أقدامه الفداء لم يصدر منه أي توقيع ابتدائي إلّا نادرا فيما يخصّ حال سفرائه كتنصيب السفير اللاحق نيابة عن السابق وكالتعزية بسفيره الأول وما شابه ذلك ، فكان من الطبيعي ألّا يصدر منه أي اعتراض عبر أي توقيع ابتدائي تعليقا على أحد الحوادث العامة إلّا إذا سأله بعض

٢٨٣

الموالين من شيعته عن شيء من تلكم الحوادث الفادحة وهذا ممّا لم ينقل حدوثه في مروياتنا المؤرخة عن تلك الفترة ، ويمكن تبرير السبب في إهمال السؤال عن تلك الحوادث مع أهميتها على الصعيد الديني والشرعي : هو أن السائلين عن أمور دينهم ودنياهم من قواعده الشعبية ، ينقسمون إلى قسمين :

الأول : أناس قلّ ضبطهم ووعيهم الاجتماعي والسياسي لحركة الأئمة يوم ذاك ، بحيث كانوا منهمكين في معرفة أمورهم الشخصية من الناحية الدينية ، ونادرا ما كانوا يلتفتون إلى الناحية الاجتماعية العامة السائدة آنذاك ، وهذا مردّه أحد أمرين :

إمّا عدم إدراك الاتجاه السياسي والاجتماعي لأئمتهم يوم ذاك.

وإمّا لعدم اطلاعهم على واقع الأئمة المرير الذي كان يمارسه النظام الفاسد عليهم ، لا سيّما وأنّ السلطات العبّاسية عزلت الأئمة عليهم‌السلام عن قواعدها الشعبية بحيث كانوا تحت رقابتها وسلطتها كما هو معروف في سيرة أئمتنا عليهم‌السلام كيف أن السلطة العبّاسية كانت تقرّبهم إلى بلاطها لصرف أنظار الموالين عنها.

الثاني : أناس مثقفون بمبادئ الإسلام وتعاليم الأئمة الأطهار الذين عاشوا الاضطهاد والضغط على طول الخط ، فهم عارفون لاتجاهاتهم وطرق تفكيرهم ، فعدم سؤالهم يرجع إلى أمرين :

الأول : إمّا أنهم عالمون مسبقا برأي الإمام عليه‌السلام عن اتجاه تلك الأحداث العامة المهمة ، لذا لم يتعرضوا للسؤال عن حكمها.

الثاني : وإمّا أنهم جاهلون برأي الإمام وحكم الإسلام في تلك الأحداث إلّا أنهم لم يسألوا خوفا من انكشاف أمرهم لدى السلطات لعلمهم أنّ السلطات تراقب أعمالهم وترصد حركاتهم.

المبرر الثالث :

خوف الإمام عليه‌السلام على شيعته ومواليه من تعسّف الدولة العباسية فيما لو صدر منهعليه‌السلام أي أمر سلبي تجاه ما يواجهه المرء من أحداث على الصعيد العام.

وقد تميّزت حالة المجتمع يوم ذاك بارتباط أفراده الملتزمين بنهج الإمام (عج) الشريف الذي هو نهج الإسلام المتجذّر بشخصه المبارك ، برجوعهم إلى الإمام

٢٨٤

في حلّ قضاياهم ومشاكلهم بواسطة السفراء الأربعة المنتخبين من قبله عليه‌السلام.

الميزة الثانية :

مما لا ريب فيه بحكم العقل والنقل أنّ العزلة بحدّ ذاتها قبيحة إن لم يترتّب عليها آثار إيجابية على الصعيد الفردي ، فليست كلّ عزلة تعتبر أمرا سلبيّا يجب نبذه ، فهناك عزلة قد تجب وأخرى قد تحرم ، بحسب ما يطرأ عليها من عناوين أولية أو ثانوية ، فربّ فرد قد اعتزل الناس لغاية أهم بنظر العقل من الاختلاط بحيث تكون مقدّمة لتصقيل النفس من أدران الرذيلة أو لكبح جماحها من الانفلات في غمرات الاختلاط ممّا يؤدي بها إلى التهاوي والسقوط في أحضان الشهوة والتسافل. وقد تكون العزلة اعتراضا على القوم الفاسقين لأنهم سدوا آذانهم وأوصدوا قلوبهم عن سماع الموعظة الحسنة.

فالعزلة عند الإمام عليه‌السلام إذن ليست هدفا بذاته أو غاية في نفسها وإنّما هي من أجل مصلحة عليا أهمّ من تواجده الدائم ظاهرا للعيان أو من أجل أمور نقطع بخطرها عليه عليه‌السلام لو لم يستتر ، ومن هذه الأمور : الخوف من القتل فيؤدّي ذلك إلى إفشال المخطط الإلهيّ ليوم بسط العدل وطيّ الظلم ، أو للحذر عن شيعته ومواليه ممّا قد يسبّب لهم مزيد الملاحقة والمطاردة من قبل الحكّام الجبّارين بسبب مطالبتهم لإمامهم الذين يترقّبون خروجه ليزهق باطلهم ويبسط عدله عليهم.

ومع هذا فإنّ إمامنا المهدي (عج) الشريف لم يحتجب كليّا عن شيعته ومواليه وبشكل دائم بل انّ احتجابه واستتاره إنما كان عن الذين لم يصلوا إلى مرحلة تؤهلهم لنيل الفيض الإلهيّ على يد مخلّص البشرية فاحتجابه كان عمّن غرق في بحر الآثام ، لذا ورد في زيارة أبيه الإمام العسكري عليه‌السلام (السلام عليك يا أبا الإمام المنتظر الظاهرة للعاقل حجّته والثابتة في اليقين معرفته ، المحتجب عن أعين الظالمين والمغيّب عن دولة الفاسقين) (١).

فكلّ إنسان لم يصل إلى مرحلة الإخلاص فلن يتوفق لرؤيته ، لأنّ النور لا يجتمع مع الظلمة ، خاصة وهو المدّخر لإقامة النور والحقّ.

__________________

(١) مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي (قدس‌سره) ص ٥٨٥.

٢٨٥

فللإمام عدة مقابلات مع ممحصين من أهل الولاية تشرفوا بلقائه واقتبسوا من نور هديه (عج) الشريف وهي كثيرة أورد بعضها علماؤنا المتقدمون والمتأخرون وأكثرها بقي مكتوما في الصدور ، وما يهمّنا هنا بيان فلسفة الأهداف المتوخاة من مقابلته عليه‌السلام لهؤلاء المؤمنين ، وهي قد تختصر بما يلي :

أولا : إثبات وجوده المقدس بنحو حسّي مباشر لتدعيم وجوده بالحسّ لغلبته على أكثر الناس الخائضين في الشبهات التي كانت ولا زالت تثار من قبل الآخرين على وجوده عليه سلام الله ، ومصدر التشكيك عادة إنما هو من أعدائه الذين لا يؤمنون به كمخلّص للبشرية سواء كانوا من المسلمين أمّ غيرهم فكان الواجب في حكمته عليه‌السلام الظهور على بعض الأفراد الممحصين لكي لا يسري التشكيك إلى قلوب المؤمنين والموالين له وهذا ما أكّده لنا خبر عيسى بن مهدي الجوهري مع الإمام عليه‌السلام وعجل الله فرجه الشريف ، قال عليه‌السلام له : «يا عيسى ما كان لك أن تراني لو لا المكذّبون القائلون أين هو ، ومتى كن ، وأين ولد ومن رآه ، وما الذي خرج إليكم منه ، وبأي شيء نبأكم ... يا عيسى فخبّر أولياءنا ما رأيت ، وإيّاك أن تخبر عدوّنا فتسلبه ، قال : فقلت : يا مولاي ادع لي بالثبات ، فقال (عج) الشريف : لو لم يثبتك الله ما رأيتني».

فيستفاد من النصّ أنّ الثبات في الدّين ومعرفة إمام زمانه سوف يؤهّله للفوز باللقاء الميمون إذ لا بخل في ساحته على من ألقى السمع وهو شهيد.

ثانيا : المراد من المقابلة تثقيف الآخرين ممّن لم يلتق به عليه‌السلام بما سمعه الرائي له عليه‌السلام وبيانه الأهداف لمستقبله لكي يحملها الفرد إلى أبناء عقيدته ويحدّثهم بما رأى وسمع من صاحب الزمان فتتمّ الحجّة ولا يبقى الناس في فترة ، وهذا عين ما أكّده خبر الآودي فلاحظ غيبة الطوسي ص ١٥٢.

ثالثا : إقامة الحجّة على وجوده وأنه إمام الزمان وللتدليل على ذلك كان عليه‌السلام يقيم المعجزة أمام الفرد الذي التقى به ليثبت مدّعاه حتى ينقل هذا الفرد ما رآه منه إلى الآخرين بحيث لا يكون ما رآه قابلا للإنكار ، فإقامة الحجّة بالمعجزة لإثبات وجوده المقدّس على مرّ العصور حتى ظهوره (عج) الشريف.

الميزة الثالثة : مهامّ السفراء :

وقد تميّزت هذه الفترة أيضا بوجود سفراء أربعة معيّنين كانوا حلقة وصل بين الإمامعليه‌السلام وبين الموالين حيث كانت مهمتهم حمل المسائل الشرعيّة من

٢٨٦

الشيعة إليه ليجيب عليها ؛ وهؤلاء الوكلاء أو النوّاب كانوا من خيار العلماء والصالحين. واصطلح عليهم بالسّفراء لأنّ السّفارة بمعنى الوساطة في إيصال الأمر إلى جماعة معيّنين ، ويقرب من هذا المعنى استعمال هذه اللفظة في وقتنا الحاضر على ممثلي دولة ما في البلدان المختلفة.

ويراد من مصطلح «النيابة الخاصّة» عند الإمامية هو من نصبه الإمام عليه‌السلام بنفسه حال حضوره لذا هذا الاصطلاح لا يطلق على الفقهاء في عصر الغيبة لأنّ الإمام غائب عن الأبصار وهو بدوره لم ينصّب أي شخص بعينه حال الغيبة الكبرى ، نعم هناك روايات عامّة تشير إلى مفهوم كلّي ينطبق على موارده كل من اتّصف بذاك المفهوم كقول مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام : «من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما». فالإمام الصادق عليه‌السلام أطلق الرجوع إلى كلّ من اتّصف بكونه عالما بحلال وحرام محمّد والعترة إلّا أنه لم يذكر شرط العدالة لكن والد الحجة الإمام أبي محمد العسكري عليه‌السلام قيّد هذا الإطلاق بالمعرفة بكونه نابعا من أناس عدول أتقياء لم يركبوا مراكب العامة ولم يسلكوا مسالكهم بقوله عليه‌السلام : «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوامّ أن يقلّدوه وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم ، فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة» (١) ، فالمطيع للمولى ، المتقي الورع ، هذا الذي تجب إطاعته ، لا الذي ركب الفواحش وجثا على ركبتيه يلتمس الحطام ، من هنا وضع الإمام الصادق عليه‌السلام ضابطة للفقاهة وهي التمسك بعروتهم فقال عليه‌السلام : والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتّباع غيرنا ، وأنّ من وافقنا خالف عدوّنا ، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منهم (٢). كما يفرض على الفقيه أن لا يرفض أخبارهم ـ كما يفعل بعض المعممين ـ لمجرد أن عقله لم يحتمل حديثهم عليهم‌السلام ، لذا قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٨ / ٩٤ حديث رقم ٣٣٣٨٥.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٨ / ٨٥ حديث رقم ٣٣٣٥٠.

٢٨٧

يكذب» (١).

وما ورد أيضا عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فأعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه» (٢).

وعن مولانا الإمام الرضا عليه‌السلام قال : من ردّ متشابه القرآن إلى حكمه فقد هدى إلى صراط مستقيم ، ثم قال عليه‌السلام : إنّ في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا (٣).

عود على بدء :

إن السفراء الذين نصبّهم الإمام المهدي عليه‌السلام هم أربعة :

١ ـ عثمان بن سعيد العمري : كان وكيلا أيضا للإمامين الهادي والعسكري عليه‌السلام ويروى بسند صحيح أنّه خدم الإمام الهادي عليه‌السلام وله من العمر إحدى عشر سنة ، ممّا يدلّ على رجاحة عقله وسموّ خلقه ، وقد ورد المديح من الإمام العسكري بشأنه كما سوف ترى.

بقي مضطلعا بالسفارة عن الإمام المهدي (عج) الشريف مدّة خمس سنين إلى أن وافاه الأجل فقام ابنه الثقة الجليل أبو جعفر محمد بن عثمان بتغسيله وتجهيزه ودفن في بغداد في الجانب الغربي من شارع الميدان وله مزار يتبرك به.

وقبل وفاته (قدّس الله سرّه) بلّغ بأمر من مولانا المهدي (عج) أنّ السفير من بعده ابنه محمد أبو جعفر (قدس‌سره) وقد أثّر رحيله وفراقه مولانا الحجّة (عج) الشريف وهذا ما أشار إليه التوقيع الصادر عنه (عج) على يد السّفير الثاني ، قال عليه‌السلام :

«إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، تسليما لأمره ، ورضاء بقضائه ، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ، فرحمه‌الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم‌السلام ، فلم يزل مجتهدا في

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٨ / ٨٤ حديث ٢٧.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٨ / ٨٤ حديث ٢٩.

(٣) نفس المصدر ج ١٨ / ٨٢ حديث ٢٢.

٢٨٨

أمرهم ساعيا فيما يقرّبه إلى الله عزوجل وإليهم ، نضّر الله وجهه وأقال عثرته».

وفي فصل آخر كما جاء في الغيبة للطوسي صفحة ٢١٩ : «أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء ، ورزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولدا مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحّم عليه ، وأقول الحمد لله فإنّ النفس طيّبة بمكانك وما جعله الله فيك وعندك ، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفقك وكان لك وليّا وحافظا وراعيا وكافيا».

وفي هذين النصّين دلالة قاطعة على علوّ مقامهما وجلالة قدرهما ، والملفت للانتباه وجود خصلة حميدة أهّلت الثقة العمري لنيل السّفارة والحظوة وهي التقرّب إليه تعالى في إحياء أمرهم عليهم‌السلام الذي هو إحياء أمر الله تعالى فقد كان رضي الله تعالى عنه جادّا بارعا بعمله ، وتروي النصوص كيف أنّه كان يخفى النقود في جراب السمن حفاظا على الإخفاء والتكتم وتغطية على حاله ومسلكه ، والمعروف أنّه كان تاجرا يبيع السمن. فهنيئا للتجّار أمثال عثمان بن سعيد.

٢ ـ محمّد بن عثمان بن سعيد العمري : شيخ جليل القدر تولى السفارة بعد أبيه مدّة أربعين عاما كما أنّه خدم مولانا العسكري عليه‌السلام ووردت بشأنه توثيقات فهو في الإخلاص والأمانة لا نظير له في زمانه ، وقد كان عالما له مصنفات فقهية سمعها من الإمام العسكري عليه‌السلام وتميّز السفير الثاني في كونه أكثر السفراء توفيقا في تلقّي التعاليم من الإمام المهدي (عج) الشريف وأوسعهم تأثيرا في الوسط الذي عاش فيه ويرجع ذلك إلى طول المدّة التي قضاها في خدمة الإمام المهدي (عج) الشريف.

٣ ـ أبو القاسم حسين بن روح ابن أبي نوبخت : خدم السّفارة مدّة ٢١ عاما.

٤ ـ علي بن محمد السّمري : خدم السفارة ثلاث سنوات هذا مجمل الحديث عن هؤلاء المخلصين ، والحديث عنهم وتحليل سيرتهم فيها العظات والدروس نحن بحاجة ماسّة إليها في يومنا المعاصر حيث يجدر بنا التمسّك بما ورد في قصصهم إنّ في ذلك عبرة لأولي الألباب.

والاعتقاد بهؤلاء الأربعة من ضروريات الإماميّة ، وهنا يجدر بنا إقامة الدليل على سفارتهم ونيابتهم عن الإمام الحجة (عج) ، لأنّ المدّعي للسفارة عليه أن

٢٨٩

يقيم شاهدا واضحا يدلّ على صدقه في الدعوى وأمانته في التبليغ.

قد تقول :

إنك قلت أنّ الاعتقاد بهم ضرورة عند الإمامية فكيف تقيم الدليل على سفارتهم ما داموا بحكم الضرورة سفراء معترفا بهم؟

والجواب :

إنّ الضروري لا يستدلّ عليه وإنّما ينبّه على وجوده وتحقّقه ، فما ظاهره استدلال إنّما هو في الواقع تنبيه ، إذ بمجرّد التنبيه يحصل الالتفات إلى ضرورته ، وهكذا ما نحن فيه ، وهنا يمكن الاستدلال على سفارتهم بوجوه :

الأول : تنصيص الإمامين الهادي والعسكري عليهما‌السلام على بعضهم كعثمان بن سعيد العمري وابنه حيث كانا وكيلين لهما عليهما‌السلام وموثقين عندهما ، ومعنى الثقة أي أنّه لا يكذب ويدّعي منصبا ليس له ، قال الإمام العسكري عليه‌السلام لأحمد بن إسحاق عند ما سأل الإمام من أعامل؟ وعمّن آخذ وقول من أقبل؟

فقال له عليه‌السلام : «العمري وابنه ثقتان فما أدّيا فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان» (١).

وفي حديث للإمام العسكري عليه‌السلام أمام وفد اليمنيين قال عليه‌السلام لخادمه بدر : فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري ، فما لبثنا إلّا يسيرا ، حتى دخل عليه عثمان ، فقال له سيّدنا أبو محمد : «امض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة والمأمون على مال الله ...» ثم قال الوفد للإمام عليه‌السلام : يا سيّدنا والله إنّ عثمان لمن خيار شيعتك ، وقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك وأنّه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى ، قال عليه‌السلام : «نعم واشهدوا على أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه محمّدا وكيل ابني مهديكم».

وقال عليه‌السلام : «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدي».

فبعد أن ثبتت وثاقته في الحياة وبعد الممات ثبت أيضا عدم كذبه مطلقا طوال حياته ، فإذا نصّ على السفير الثالث بأمر من الإمام الحجّة (عج) الشريف ،

__________________

(١) الغيبة للطوسي : ص ٢١٩.

٢٩٠

وجب تصديقه لشهادة المعصوم بتطهيره من الكذب وادّعائه السفارة لابنه كذبا ، فإنّ كلّ ذلك منفيّ في حقّه وهكذا يوصي السفير الثالث للرابع بإيحاء من الإمام (عج) الشريف الذي لا ينصّ على إنسان يعلم بما أعطاه الله تعالى من العلوم اللدنيّة الفائضة إليه من علّام الغيوب.

الثاني : عدم وجود إنكار من الشيعة على أحد من السفراء الأربعة أو التشكيك في كونهم وكلاء الإمام عليه‌السلام فعدم الإنكار يستلزم صحّة سفارتهم ، لذا ادّعى السفارة جماعة مستغلّين هذا الارتكاز العقلائيّ المتسالم عليه عند الشيعة آنذاك من عدم إنكارهم لسفارة أولئك الأجلّاء الأربعة وإلّا لو كان هناك أيّ اعتراض أو إنكار على سفارة الأربعة لما ادّعاها المدّعون كذبا وبهتانا ، إضافة إلى أنّ عدم إنكار الشيعة لسفارة الأربعة له مقتضياته وأسبابه منها : الصدق والأمانة عند هؤلاء في أوساط المسلمين المشفوع بتوثيق المعصوم وتبليغ السفير السابق لللاحق بأمر من الإمام (عج) الشريف.

الثالث : وأهمّ الطرق التي توجب اطمئنانا وسكونا لدى النفس لتقبل سفارة السفير هو طريق إقامة المعجزة على يد السفير لإثبات مدّعاه ، حيث إن أغلب الشيعة الذين كانوا يستفتون الإمام عن طريق السفير كانوا يطلبون ما يثبت مدّعاهم أو أنهم ـ أي السفراء ـ كانوا يقيمونها ابتداء (١) ، لسببين :

الأول : كون السفير صادقا في دعواه للسفارة وغير طامع بالزعامة المزيفة في دعوى السّفارة.

الثاني : إفحام المدّعين للسّفارة زورا وإظهار كذبهم وذلك لأنّ الموالى حينما يرى قدرة السفير على إقامة المعجزة بإذن الله تعالى وأمره وعجز الآخرين عن ذلك تعيّن لديه صدق الأوّل وكذب الثاني.

ومن الضروري القول : إنّ السفارة الإلهيّة من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدّعون ويرغب في الحصول عليها الراغبون ونتيجة هذا أن يشتبه الصادق بالكاذب ويختلط المضلّ بالهادي ، فلا بدّ حينئذ لمدّعي السفارة أن يقيم شاهدا واضحا يدلّ على صدقه في الدعوى وأمانته في التبليغ ولا يكون هذا الشاهد من الأفعال العادية التي يمكن لغيره أن يأتي بنظيرها فينحصر الطريق بما يخرق

__________________

(١) إكمال الدين : ص ٥٠٢ ح ٣٠ وح ٣٤.

٢٩١

نواميس الطبيعة ، وهذا لا يكون إلّا بإقدار منه تعالى لصحّة دعوى مدّعيها بحقّ.

والأعمال التي كان يقوم بها السفراء الأربعة تتلخّص بقضاء حوائج المحتاجين وربط المؤمنين بإمامهم فكريا وعاطفيا وثقافيا عن طريق المراسلة وأجوبتها عبر التواقيع الصادرة منه (عج) الشريف بواسطة سفرائه المنصوبين.

قد يقال :

كيف نثبت أنّ التواقيع الصادرة منهم هي بخطّ الإمام عليه‌السلام؟

والجواب :

١ ـ إذا ثبت بما تقدم كونهم سفراء الحجة المنتظر (عج) والأولان موثقان من الإمامين الهادي والعسكري عليه‌السلام ثبت بطريق أولى كل ما يصدر منهم فيما لو كان له تعلّق بحكم شرعي هو صادر من الإمام عليه‌السلام.

٢ ـ معاشرة الناس للسفراء قبل سفارتهم وبعدها حيث عرفوا بالإخلاص والإيمان والصدق ، كل هذا يجعلهم في السنام الأعلى من خاصة الشعب الموالي ، فكانوا لا يشكّون بما ينقله أحد السفراء إليهم شفويا أو كتبيّا عن الإمام المهدي (عج) الشريف.

٣ ـ إنّ مضمون الرسالة وأسلوب تبليغها يشهدان على صحة صدورها منه عليه‌السلام ؛ إضافة إلى أنّ التوقيعات محفوفة بالقرائن والشواهد العادية والإعجازية الدالّة على صحتها ، فكانت تلاقى بالقبول لدى الشيعة وعلمائها يوم ذاك ؛ ويروى أنّ طريقة بعضهم بالكتابة هي أن يكتبوها بالقلم على الورق الأبيض من دون مداد لتكون علامة ومعجزة ، فيصدر الجواب من الناحية المقدّسة على هذه الرسائل (١).

هذه نبذة مختصرة عن بعض مجريات الغيبة الصغرى لا سيما المتعلقة بحياة السفراء أعرضنا عن تفاصيلها خوف الإطالة ، ولكن ينبغي التأكيد على عنصرين بارزين في شخصيات هؤلاء هما :

١ ـ العلم بمبادئ الإسلام المتمثلة بالعترة الطاهرة عليهم‌السلام.

٢ ـ الإخلاص الشديد والارتباط العميق بالإمام المهدي (عج) الشريف.

 ... ومن البديهي أن من دون هذين العنصرين لا يمكن لأي فرد الوغول إلى

__________________

(١) إثبات الهداة : ج ٧. ودلائل الإمامة للطبري ص ٢٨٢.

٢٩٢

الحقيقة المطلقة ، وكل عنصر منهما مكمل للآخر إذ لا إخلاص من دون علم ، ولا علم مقبول عنده تعالى من دون إخلاص «العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلّا ارتحل» ولا يشترط في تحقق العنصر الثاني كمال الأول ، إذ يكفي لأن يكون الفرد مخلصا دينه أن يكون بمستوى قليل من الثقافة الدينية ، ولا يشترط التعمّق التفصيلي «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم» ، فالإخلاص بالقليل يولّد العلم الكثير بإذن الله تعالى.

ويكفينا للتدليل على ذلك بما ورد في انتخاب السفير الثالث مع وجود من هو أعلم منه وهو أبو سهل النوبختي حيث ظنّ المؤمنون أنه السفير الثالث ، لذا لمّا سئل كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم حسين بن روح دونك؟

أجاب : هم أعلم وما اختاروه ، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم ولو علمت بمكانه عليه‌السلام كما علم أبو القاسم وضغطتني الحاجة على مكانه لعلّي كنت أدلّ على مكانه ، وأبو القاسم لو كان الحجّة عليه‌السلام تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه.

ولا يعني هذا أنّ العلم لا يولّد الإخلاص ، بل إنّ القليل منه بإخلاص يولّد الكثير بدرجة واحدة.

وبالسفير الرابع تنتهي مدة الغيبة الصغرى بعد أن أوصاه الإمام عليه‌السلام بالتوقيع المعروف الصادر عام ٣٢٩ هجري هذا نصه :

«بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميّت ما بينك وبين ستة أيام فأجمع أمرك ، ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلّا بإذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي على شيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم».

وبهذا التوقيع انقطع عهد الغيبة الصغرى ، فكان بداية للغيبة الكبرى إلى حين ظهوره (عج) الشريف.

وقد ورد فيها نقاط مهمّة أهمها نقطتان :

الأولى : إغماض ظهوره (عج) حيث لم يحدّد السنة التي سيخرج فيها.

٢٩٣

الثانية : إنّ من ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر.

أما النقطة الأولى :

ففي عدم التوقيت فائدتان :

الفائدة الأولى : إبقاء الموالين في حالة الانتظار له في كلّ حين ، يتوقعون ظهوره ممّا يولّد فيهم الشعور بالمسئولية تجاه أنفسهم وإمامهم ممّا يستدعي السلوك الصّالح وتقويم النفس ودراسة واقعة المعاش ومعرفة تفاصيل دينه قدر المستطاع ، ليحظى في لحظة الظهور بالزلفى لدى إمامه المهديّ (عج) والقرب منه ولا يكون من المغضوب عليهم لديه أو المبعدين عن شرف ساحته.

بل إنّ الانتظار يولّد حالة الشعور بالخوف من أن يؤدّي به إلى الانحراف والفسق في المسلك إلى الهلاك الأبديّ وسوء المصير ، والابتعاد عن العدل المطلق المتمثّل بقيادة الإمام المهدي (عج) الشريف حال ظهوره عليه‌السلام إضافة إلى أنّ المنحرف سيذوق الوبال على يد إمامه إن لم يتب ويتدارك ما فاته من تقصير لأنّه لا مكان للانحراف في المجتمع المهدويّ.

الفائدة الثانية : إنّ عدم التوقيت يحمي الإمام المهدي (عج) الشريف من أعدائه بعد الظهور ، لأنّ الإغماض في التاريخ يوفّر محض المفاجئة والمباغتة للعدوّ وهو من أقوى عناصر النصر قديما وحديثا إن لم يكن أهمها وأقواها على الإطلاق في الحروب التكتيكية السّريعة المعتمدة اليوم.

ولو كان الموعد محددا لكان بإمكان الأعداء أن يجمعوا أمرهم ويهيئوا أسلحتهم قبيل الموعد المحدّد حتى إذا ما آن أوان ظهوره قاتلوه واستأصلوه قبل أن يعرف به الناس من غير الموالين.

وأعداؤه ليسوا من غير المعتقدين به فحسب ، وإنّما يشمل بعض المعتقدين بظهوره الذين انحرفوا بمسلكهم يمينا وشمالا وغرقوا في بحور الشبهات والظنون والمعاصي ، لذا يجب على الموالي تحصين روحه ونفسه بالثقافة الإسلامية المعمّقة ولا يسبقه إلى هذا الدّين غيره ، كما يجب الإخلاص والتفاني في إحياء أمر إمامه والتشوّق إليه إذ «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» «من

٢٩٤

بات ليلة لا يعرف فيها إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» (١).

أما النقطة الثانية :

ورد في التوقيع تكذيب كل من ادّعى المشاهدة في الغيبة الكبرى قبل صيحة جبرائيل في الثالث والعشرين من شهر رمضان في سنة الظهور وخروج السفياني عثمان بن عنبسة ، حيث إن الاحتجاب تامّ قبل تحقّق هاتين الإمارتين فلا يصدر من الإمام عليه‌السلام أيّ لقاء أو توقيع وكلّ من ادّعى استلام تعليمات كالتي كانت تصدر من السفراء الأربعة فإنّ من الواجب تكذيبه ، بمعنى أنّه يحرّم ادّعاء البابيّة أي أن يجعل إنسان ما نفسه وسيطا بين الإمام والشيعة بحيث يستلم منهم رسائل أو أسئلة ليوصلها إلى الإمام ثمّ يخرج منه جواب أو توقيع ؛ نعم لو صدر شيء ما ابتداء من الإمام كتوجيه نداء أو رسالة عبر بعض الرائين فلا يكون مشمولا للّعن ولا التكذيب ، وذلك لأن ناقل النداء أو الرسالة لا يدّعي لنفسه البابية أو السفارة كما كانت وظيفة السفراء الأربعة ، ومن هذا القبيل ما ورد من أن الشيخ المفيد قد تلقّى كتابا من الحجة المهدي عجل الله فرجه الشريف ، فلو صحت النسبة إليه فإن التكذيب منصرف عنه ، إذ كيف يتوهم أحد أن المفيد عليه الرحمة يدّعي السفارة مع أنه نفسه ذكر في كتابه «الرسائل الخمسة في الغيبة» انقطاع السفارة والنيابة بموت النائب الرابع في الغيبة الصغرى ، كما ذكر ذلك في بقية كتبه كالإرشاد وغيره ، هذا مضافا إلى أن الشيخ المفيد نفسه ذكر عن شيخه أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه أنه قال : «إن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري فهو كافر منمس ـ أي ملبّس ـ ضال مضل» ، وأول من ادعى وجود كتاب من الحجة المنتظر عليه‌السلام للشيخ المفيد هو الشيخ الطبرسي في كتابه الاحتجاج ولم يذكر طريقه وسنده إلى الشيخ المفيد ، فالطبرسي متفرد بذكر الرسالة مع أن الشيخ الطوسي وهو تلميذ المفيد ومن خواصه المقربين إليه لم يذكر ذلك في كتابه : «الفهرست والرجال» عند ترجمة شيخه المفيد ، مع أنه أثنى عليه بأبلغ الثناء والمدح ، ولو كان هذا الكتاب صادرا من الناحية المقدّسة لناسب ذكره في الترجمة لأنه أبلغ شيء في التعريف بمكانة شيخه ، وكذلك الشيخ أبو العباس أحمد بن علي النجاشي والسيد الرضي والمرتضى ، كل هؤلاء لم يذكروا تلك الرسالة المنسوبة

__________________

(١) غيبة النعماني وشرح التفتازانى : ج ٢ ص ٢٧٥ ومجمع الزوائد : ج ٥ ص ٢١٨.

٢٩٥

لشيخهم المفيد ، لا سيما عند تعرّضهم لترجمة حياته مع أنهم أطروا عليه بأحسن الثناء ، وكذا غيرهم كابن إدريس الحلي وأبي الفتح الكراجكي وهو تلميذ المفيد أيضا لم يتعرض لفحوى الرسالة ، وعلى أي حال سواء أكانت الرسالة منسوبة أو صادرة من مولانا الحجة المنتظر عليه‌السلام فلا يشملها ما ورد في التوقيع الصادر عن السفير الرابع رضي الله عنه وأرضاه.

هذا مع وجود فرق بين الباب والسفير وبين مثل المكاتبة التي تشرف بها المفيد (قدس‌سره) على فرض صحة ذلك ، حاصل هذا الفرق هو أن السفير كالنواب الأربعة في الغيبة الصغرى منصّب من قبل الحجة عليه‌السلام بنحو دائم كحلقة وصل بين الشيعة والإمام بحيث يكون على اتصال مستمر من وإلى الحجة عليه‌السلام يسلّمه ويستلم منه الرسائل المتضمنة للفتاوى والأحكام ، وتظهر الخوارق على يديه من قبل الإمام عليه‌السلام مع إظهار السفير سفارته لأجلّاء الطائفة الإمامية ، وأين هذا من مثل المكاتبة المذكورة؟! فالمراد من البابية المحرّمة في عصر الغيبة هي أن يكون الوسيط بابا في استلام وإظهار الفتاوى والأحكام على يده.

وقد عرضت شبهة عند بعضهم طبقا لظاهر الخبر ، حيث إن مفاده تكذيب كلّ من ادّعى المشاهدة وهو يصطدم بأخبار قطعيّة تفوق حدّ التواتر في الماضي والحاضر تنصّ على مقابلة الكثير من الصلحاء والعلماء الأتقياء بالإمام المهدي (عج) في غيبته الكبرى ، ومقتضى هذه الأخبار القطعيّة لزوم تصديق المخبرين لها في الجملة لتواترها ومعارضتها مع هذا التوقيع الوارد بخبر واحد. ويمكن ردّ هذا التعارض بحمل التوقيع الشريف على دعوى المشاهدة مع ادّعاء السّفارة والوكالة عنه (عج) الشريف وإيصال الأخبار من جانبه على غرار ما كان يحصل على يد السفراء الأربعة في الغيبة الصغرى ، ولا حاجة بنا لما ذكره بعض من ترجيحه نقولات المشاهدة وإسقاط الخبر أو بالعكس ، أو بالاعتراف بصدق هذه النقولات ومطابقتها للواقع لكن نلتزم بوجوب تكذيبها تعبّدا ، إلى ما هنالك من وجوه سقيمة ولا حاجة لذكرها هنا.

إلى هنا انتهينا من النقطة الأولى في سرد بعض النقاط المتعلقة بالغيبة الصغرى.

٢٩٦

وأمّا النقطة الثانية : المتعلقة بالغيبة الكبرى ففيها أمور :

الثاني : ملاقاة عدّة من الممحصين للإمام عليه‌السلام.

الثالث : ما هي تكاليفنا خلال الغيبة الكبرى.

أما الأمر الأول : الفرق بين الغيبتين :

لقد اكتسبت الغيبة أهميّة كبرى في الأخبار بما لها من دلالات وامتحانات عظيمة يمتحن بها الفرد المؤمن الذي يعتبر خلالها كشاة مسبيّة باحثة عن راعيها فلا تجده فتستغيث إلى بارئها مخلصة في توجهها فيدركها وابل الرحمة. وهذه الأهمية بما لها من مميزات تختلف في جوهرها عن الغيبة الصغرى بوجوه :

الوجه الأول : عدم وجود ارتباط مباشر عبر السفراء في الغيبة الكبرى بخلاف وجودهم في الغيبة الصغرى ممّا يشير إلى قوّة العمق الفكريّ لدى الأفراد الممحصين في الغيبة الكبرى ، وهذا ما أشار إليه الإمام زين العابدين عليه‌السلام حيث قال : «تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده ، يا أبا خالد : إنّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان ، لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف ، أولئك المخلصون حقّا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرّا وجهرا» (١).

الوجه الثاني : إنّ فترة الغيبة الكبرى والمتحيص الذي يلحق أفرادها أكثر من أيّ فترة مرّت بها البشرية منذ تاريخ أبينا آدم عليه‌السلام إلى ظهوره المبارك وذلك لأنّ الأفراد المتقدمين على عصر الغيبة الكبرى سواء ما قبل الشريعة الإسلامية أم بعدها ، لم يمتحنوا أو يختبروا بشيء صعب إلّا وكان بينهم نبيّ أو وصيّ ، وهذا بعكس فترتنا هذه فإنّ وليّ الله الأعظم روحي فداه غائب عنّا ، فالتكليف أشدّ والاختبار أصعب وأعظم.

الوجه الثالث : تقلّص بل انحسار الإسلام بنظامه الكامل والعادل ، عن

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ١٢٢ ، وإكمال الدين ص ٣٢٠.

٢٩٧

المجتمعات التى تصبغ نفسها بالإسلام ، وسيادة الظلم والتعسّف على المجتمعات الإسلامية خصوصا والعالمية عموما ، وبهذا تفترق فترتنا عن المرحلة الزمنيّة المتقدمة خلال وجود النبيّ.

الوجه الرابع : زيادة الامتحان وتأكّده خلال الغيبة الكبرى بحيث بات الفرد المؤمن خلالها يواجه عدة مزالق تكاد تطيح بكيانه ووجوده ، أهمها :

أولا : كثرة النوازع الذاتيّة والشهوات النفسيّة وزيادة الإغراء الجنسيّ بأشكال متعددة وأنماط مختلفة ، عبر وسائل الإعلام والصحف والأفلام بل الشوارع والأزقّة ، فهذا التحلّل الذي بلغ ذروته في زماننا الحاضر يتطلب من المرء الإشباع بإلحاح حتى ولو عن طريق غير مشروع ممّا يؤدّي بصاحبه «إن لم يكن متحصّنا بما يقيه من الوقوع في المهالك إلى إطلاق العنان في تصرفاته الرعناء فلا يبصر ما لديه من قوانين وأديان وتقاليد وأخلاق وقيم ومبادي ، وهذا النازع الشهواني وإن كان موجودا في عصر الغيبة الصغرى إلّا أنّه بلغ ذروته فصار أشدّ تأثيرا لزيادة الإغراء والتفنن في اللذة وتلبيس الانحراف بلباس التمدّن والحريّة المزيّفين.

ثانيا : مواجهة الفرد المؤمن لعناصر الضغط والقهر الفكريّ والسياسيّ والاجتماعي والاقتصاديّ ، وخضمّ من الصعوبات التي تعترض طريقه ممّا يحتاج في مكافحته إلى قوّة الإرادة ورباطة الجأش والعزم على التضحية والفداء.

ثالثا : وقوف المؤمن الممتحن أمام موجات التشكيك الاعتقادية والتاريخية التي لها ربط بتاريخنا المشرق ، إضافة إلى التشكيك في وجود الإمام المهدي (عج) الشريف وفي كل ما يتعلّق بقضيته خاصة وبالأئمة ومعجزاتهم بشكل عامّ ، ومسألة التشكيك هذه قد كثرت منذ بدء النهضة الأوروبية ، تلك النهضة التي لا يؤمن أصحابها بكل ما هو غائب عن الحسّ والتجربة ، فلا قيمة عندهم لغير المادّة وما وراء المادّة ، وهنا على الفرد الذي يحمل همّ القضية المرتبط بها أن يحصّل المناعة ضدّ هذه التيارات والصمود الفكري أمامها بالتركيز على المفاهيم والأسس الاعتقادية ، فبذلك يحقق السعادة في الدّارين ، ويسقط التكليف عن كاهله الدّاعي له أن يلقّح نفسه ضدّ مرض الشبهة ليحارب نافثيها والتركيز على الأسس والمفاهيم يتطلّب مثابرة طويلة وصبرا عظيما لتحقيق المبتغى في حين أنّ تحقيق هذا كان سهلا في الغيبة الصغرى نتيجة الاحتكاك الدائم بوليّ الله الأعظم عبر سفرائه رضي الله عنهم.

٢٩٨

وأما الأمر الثاني : أي ملاقاة عدّة من المحصين للإمام (عج) الشريف :

وأخبار المشاهدة الدالّة على حضوره عليه‌السلام على كثير من المؤمنين في الغيبتين تفوق حدّ التواتر بعشرات المرّات وهذا بدوره مؤشّر على عدم الكذب فيها أو الوهم والخطأ ، وذكر الكثير منها صاحب البحار والنوري في النجم الثاقب والأبطحي في كتابه ملاقاة مع إمام الزمان ، والقطع والوجدان يشهدان بصحّة هذا ، والإنكار مكابرة واضحة.

أمّا بيان الأهداف من مقابلته للأشخاص فهو إضافة لما ذكرناه في بحث الغيبة الصغرى يتلخص بأمرين زائدين على ما تقدّم سابقا ، هما :

١ ـ إغاثته للمضطرّ والملهوف فيما لو وقع هذا الفرد في الضرر أو في أيدي الظالمين.

٢ ـ تثبيت إيمان بعض الأفراد الموالين له لا كلّهم وذلك بحسب ما يرتئيه الإمام من المصلحة بحسب ما يملك المرء المغاث من التوجّه الباطنيّ والشعور العميق مع إمامه ، وإلّا فليس كلّ الموالين يمتلكون تلك الخصوصية والتوجّه لإمام زمانهم ، فمن هنا لا تدركهم فيوضاته ولا ينالون شيئا من بركاته.

وحضوره عليه‌السلام على من ذكرنا يكون خلال فترة زمنيّة بسيطة ثم تزول فجأة لأن المهمّة التي اقتضت حضوره على بعض الأفراد قد أنجزها لهم الإمام عليه‌السلام فلا داعي حينئذ لأن يستمر اللقاء ما دام يدور وجوده بتحقق الهدف الذي من أجله ظهر عليهم. وقد يدوم اللقاء مع الأفراد الممحصين حيث يرونه دائما كلّما تساءلوا وأرادوا ذلك لتوفّر المؤهلات المستتبعة للقاء ، لأنّ أغلب عوائق التشرف بخدمة الإمام عليه‌السلام إنما منشؤها غياب المؤهلات اللازمة للانفتاح على محضره المقدّس عليه‌السلام (١) ومن أراد التشرّف بلقائه «عجل الله تعالى فرجه الشريف» عليه أن يعدّ العدّة اللازمة لذلك وهي تتلخّص بأمرين :

الأول : معرفة الإمام عليه‌السلام وأجداده العظام أعني نبيّنا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الطاهرة(٢).

__________________

(١) النجم الثاقب للعلّامة النوري : ج ٢ ص ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٢) مكيال المكارم للأصفهاني (قدس‌سره) : ج ١ ص ١٠ و ١٥.

٢٩٩

الثاني : الارتباط العاطفي والفكري والروحي بالإمام عليه‌السلام حتّى تتحقق السّنخيّة بين الرائي والمرئي ، وهذا حكم عامّ له موارد ومصاديق في عالم الروحانيات ، فما دامت السنخيّة غير متوفرة فكيف يمكن الوصول والوصال؟!

قد يثار إشكال مفاده :

ما الذي يثبت لنا من هذه المنقولات أنّ أصحابها واقعا رأوا الإمام عليه‌السلام بل لعلّ المرئي شيء آخر غير الإمام عليه‌السلام؟

والجواب :

١ ـ إنّ احتمال طروء اشتباه على الناقلين لتلك المشاهدات ربما يمكن تصوّره عند عدّة قليلين جدّا لكن لا يمكن تصوّر مثل هذا الاشتباه عند المئات ممن وصلنا خبر مشاهدته للإمام خلال الغيبتين لا سيما وأنّ كثيرا منهم من أهل الفضل والضبط والعلم والفهم والتقوى كأمثال السيّد مهدي بحر العلوم وغيره من العلماء الأجلاء ، بل أنّ هناك مقابلات غير مسطورة في الكتب هي أكثر بكثير من المقابلات المروية والمسطّرة في متون الكتب الإخبارية.

٢ ـ إنّ أغلب مقابلاته للأفراد إن لم يكن كلها مشفوعة بإظهار المعجزة لإثبات حقيقته وإبراز المعجزة ضروريّ لإقامة الحجّة وأنّه صاحب الزمان (عج) الشريف بعد العلم أنّ الرائي جاهل تماما بشكل الإمام وسحنته ، وإلّا كيف يطمئنّ الرائي بأنّ من رآه هو صاحب الزمان إن لم يكن مقترنا بما يوجب السكون والاطمئنان والاعتقاد ، ولا تقتصر أخبار المشاهدة وإقامة الحجّة على من رآه في عالم اليقظة بل تشمل أيضا عالم المنام بحيث يراه كلّ من أخلص الدعاء ، وهذا الأمر واضح البيان وذلك لخصوصيّتين :

الأولى : ظهوره في الرؤيا مقترنا بإقامة الحجّة على مستوى المعجزة.

الثانية : أن تبرز آثار ما رآه في النوم إلى عالم اليقظة ، بحيث يرى كل ما رآه في النوم أو أخبر عنه.

وقد يرى في عالم النوم من دون تحقق الخصيصة الأولى وذلك كما لو قال للرائي : «أنا المهدي» فحينئذ يحكم بكون ما رآه إنّما هو الحجّة (عج) ففي النصّ المستفيض عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من رآني فقد رآني فإ نّ الشيطان لا يتمثّل بي ولا بأحد

٣٠٠