الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

والمعاملاتية كما أشير إلى ذلك في النصوص أنّ الصّدقة وصلة الأرحام وصلاة الليل كلّ ذلك يطيل بالعمر ويدفع البلاء.

٢ ـ التغذية الكاملة : حيث إن لها أثرا في تطويل العمر وإبعاد الشيخوخة قليلا وقد اكتشف من خلال تجارب اليكسس كاريل أن وجود المواد الغذائية اللازمة لأيّ كائن حيّ يجعله لا يتأثر بالزمان ولا يبدو عليه أيّ أثر للضعف.

وأنت ترى بأمّ عينيك وتسمع بأذنيك أن مئات الأشخاص في إفريقيا يموتون كلّ شهر نتيجة الفقر وسوء التغذية ، وترى في المقابل آلاف الأطنان من موادّ الأغذية تلقى في البحار من قبل دول أوروبا المستعمرة وذلك للمخزون الزائد عندها ولتتحكم بأسعار السلع الفائضة لديها.

ومن هنا نعلم مدى أهمية ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان أحبّ إليه الأسودان ـ التمر والماء ـ وفي نص آخر : ـ الحليب والتمر ـ لما فيهما من مواد غذائية هائلة نافعة للجسد.

٣ ـ قلة الطعام : فإنّ التحكّم بحجم الطعام أثر بالغ الأهمية في تطويل العمر.

وكثرة تناول الأطعمة تورث التخمة التي هي سبب نشوء الأمراض المتعددة ، لذا ورد الحثّ على الحمية «المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء» وورد التأكيد أيضا على الجوع ، فعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : من أراد أن لا يضرّه طعام ، لا يأكل طعاما حتى يجوع وتنقّى معدته ، فإذا أكل فليسمّ الله وليجد المضغ وليكفّ عن الطعام وهو يشتهيه ويحتاج إليه (١).

وجعل العرفاء (قدّست أسرارهم) الجوع من شروط السير والسلوك إلى الله تعالى ، لذا قال بعضهم : ما صار الأبدال أبدالا إلّا بأربعة : بالجوع والسهر والصمت والخلوة.

٤ ـ المحيط الهادىء : فالعيش في محيط خال من الضوضاء وبعيد عن السموم البيئية الأرضية والفضائية يعطي المرء عيشا هنيئا وحياة ملؤها النشاط والحيوية.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٦ ص ٥٤٠ ح ٣.

٢٦١

٥ ـ الهواء الطلق : لا سيما عند الفجر وقبل طلوع الشمس ، ولعلّ الحكمة في كراهية النوم بين الطلوعين لما في هذه الساعة من فوائد روحية ونفسية وجسدية جمّة.

٦ ـ البرودة : أظهرت الدراسات أنّ الذين يعيشون في المناطق الباردة أطول أعمارا ممّن يعيش في المناطق الحارّة.

٧ ـ مزاولة الأعمال : لأنّ الخمول مدعاة للكسل ، واسترخاء للبدن ، مما يعني تعطيل أغلب طاقاته التي تعتمد على الحركة والتنقل.

٨ ـ ترك التدخين.

٩ ـ الرياضة المعتدلة كالمشي مثلا.

١٠ ـ تناول الطعام عند الصباح.

١١ ـ تنظيم ساعات النوم.

١٢ ـ الرياضة النفسية : ويراد منها بعض الرياضات التي تعتمد على التأمّل الذهني ، وتنظيم عملية الشهيق والزفير لبضع دقائق يوميا.

 ـ إذن اتّضح لدينا من خلال ما قدّمناه أنه ليس هناك أي مشكلة بنظر العلم الحديث بتطويل عمر الإنسان إذا راعى الضوابط المقرّرة ، وهنا نريد أن نلقي نظرة على الأديان السماوية ورأيها في مسألة إطالة العمر.

ما جاء في التوراة :

إنّ عددا كبيرا من الأنبياء عاشوا طويلا منهم :

١ ـ آدم عليه‌السلام ٩٣٠ سنة.

٢ ـ شيث بن آدم ٩١٢ سنة.

٣ ـ أنوش بن شيث ٩٠٥ سنين.

٤ ـ قينان بن أنوش ٩١٠ سنين.

٥ ـ مهلائيل بن قينان ٨٩٥ سنة.

٦ ـ يارد بن مهلائيل ٩٦٢ سنة.

٧ ـ أخنوخ بن يارد ٣٦٥ سنة.

وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأنّ الله أخذه ، كذا ورد في الإصحاح.

٢٦٢

٨ ـ متوشالح بن أخنوخ ٩٦٩ سنة.

٩ ـ لا مك بن متوشالح ٧٧٧ سنة.

١٠ ـ نوح بن لامك ٩٠٥ سنين (١).

ما جاء في الإنجيل :

إنّ المسيح عليه‌السلام صلب [هكذا يزعمون] ثم قام من قبره بعد ثلاثة أيام وارتفع إلى السماء ، وهو حيّ إلى يوم الظهور ذكر هذا إنجيل متى الإصحاح ٢٠ مقطع ١٩ والإصحاح ٢٧ مقطع ٥٧ / ٦١.

ما جاء في القرآن المجيد :

تحدّث القرآن عن إطالة العمر من خلال ناحيتين :

١ ـ الناحية الثبوتية.

٢ ـ الناحية الإثباتية.

أما الناحية الأولى : ويعبّر عنها أيضا بالناحية النظرية :

كقوله تعالى : (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) (الأنبياء / ٤٥) أي أنّ بعض الأمم السابقة نتيجة طول أعمارهم في الدنيا نسوا لقاء الله تعالى. وقال تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (البقرة / ٩٦). فمن الناحية النظرية يمكن أن يعيش الإنسان طويلا.

وأما الناحية الثانية فيعبّر عنها بالناحية التطبيقية :

١ ـ كقوله تعالى : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٤٠) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤١) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤٢) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٣) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٤) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات / ١٤٠ ـ ١٤٤).

وبقاء يونس في بطن الحوت سواء كان حيّا أمّ ميتا على خلاف بين المفسرين

__________________

(١) لاحظ توراة العهد القديم الإصحاح الخامس من سفر التكوين ، ويقر النصارى بما جاء في التوراة لذا فهم يوافقون اليهود بما يرجع إلى تواريخ الأنبياء.

٢٦٣

على ثلاثة آراء :

أولا : بقاء الاثنين ـ (يونس والحوت) ـ أحياء ، ويونس يبقى إلى يوم القيامة مسجونا في بطن الحوت.

ثانيا : وفاة يونس وبقاء الحوت حيّا باعتباره قبرا متحرّكا لجثة يونس.

ثالثا : وفاة الاثنين ، وبطن الحوت قبرا ليونس والأرض قبرا للحوت.

وعلى أية حال فإنّ الآية صريحة بإمكان طول عمر المخلوق سواء أكان حيوانا كالحوت أمّ إنسانا كيونس عليه‌السلام.

وقد دلّت الكشوفات العلميّة على وجود أسماك تقدّر أعمارها بنحو أربعة ملايين سنة في سواحل (ماداكاسكار) وبهذا يمكن إثبات هكذا عمر للإنسان. فالآية من الناحية النظرية والعلمية تشير إلى مسألة إطالة العمر عند الكائن الحي.

٢ ـ ويتحدث عن نوح عليه‌السلام بقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) (العنكبوت / ١٥).

أي أنه عليه‌السلام بقي يبشّر برسالة السماء ٩٥٠ عاما وهذه مدّة قضاها نوح عليه‌السلام ولم يعترض أحد من المسلمين على ذلك.

وقد وردت نصوص مختلفة في تحديد عمره عليه‌السلام حتى بلغت ٨ أقوال ، وأصحّ الأقوال أنّ عمره عليه‌السلام (٢٥٠٠) سنة).

٣ ـ وتحدّث عن حياة النبي عيسى بن مريم عليه‌السلام إلى الآن بقوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٨) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٩)) (النساء / ١٥٨ ـ ١٥٩).

ويعتقد المسلمون كافة وفق صريح الآية واستنادا إلى نصوص كثيرة أنه عليه‌السلام سينزل إلى الأرض ويؤازر الإمام المهدي (عج) الشريف وهو خلال هذه الفترة في السماء. وعند نزوله يؤمن به أهل الكتاب وأنّه نبي وليس ابن الله كما يزعمون ، بدليل قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (النساء / ١٦٠).

٢٦٤

روى القندوزي الحنفي في الينابيع : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرفوعا : «... يلتفت المهدي (عج) الشريف وقد نزل عيسى عليه‌السلام كأنما يقطر من شعره الماء فيقول الإمام المهدي (عج) تقدّم فصلّ بالناس ، فيقول عيسى عليه‌السلام : إنما أقيمت الصلاة لك ، فيصلّي خلف رجل من ولدي» ورواه أيضا نجم الدين العسكري في كتابه المهدي الموعود عن المصادر المعتبرة في الجزء الثاني ص ٢٢٤.

وأخرج البحراني في غاية المرام عن الثعلبي عند قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)) (الزخرف / ٦٢) قال : ذاك عيسى بن مريم ، ثم قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ينزل عيسى بن مريم عند انفجار الصبح ما بين مهرودين (وهما ثوبان أصفران من الزعفران) أبيض أصهب الرأس (أي يميل شعره إلى الحمرة الممزوجة بصفرة) أفرق الشعر كأنّ رأسه يقطر دهنا ، بيده حربة يكسر الصليب ويقتل الخنزير وهو الوزير الأمين للقائم وحاجبه ونائبه ، يبسط في المغرب والمشرق الأمن كرامة الحجة بن الحسن (عج) (١).

٤ ـ الخضر عليه‌السلام الذي اختفى منذ آلاف السنين ، منذ الإسكندر ذي القرنين حيث كان يبحث عن عين الحياة الموجودة بمكان ظلمة ، فوفّق لها الخضر عليه‌السلام دون الإسكندر ، والخضر عليه‌السلام ذكره القرآن في قصته مع موسى عليه‌السلام في سورة الكهف.

وقيل : إنّ المسيحيين يعتقدون أنّه مار جرجس فهم يقدّسونه ويحترمونه ويتوسلون به. وقد أشار إليه القرآن بإكبار وتعظيم وأمر نبيّا عظيما أن يتّبعه فقال تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف / ٦٦). فوجدا : «أي النبي موسى وغلامه (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٧) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٨)).

وقد اختلف في شخصية الخضر عليه‌السلام هل هو نبيّ أو وليّ؟

والمشهور على أنّه نبيّ ، وقد أوتي العلم اللدني الإفاضيّ.

واتفق المؤرخون شيعة وسنّة على أنه ما زال حيّا إلا ما ذكر عن الجبائي المعتزلي حيث أنكر حياة ونبوّة الخضر بأمرين :

__________________

(١) المهدي الموعود المنتظر : ج ٢ ص ٢٢٠.

٢٦٥

١ ـ لو كان حيّا إلى الآن لعرفه الناس ولم يخف مكانه.

٢ ـ لا نبيّ بعد نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والجواب :

١ ـ إنّ عدم معرفة الناس للخضر عليه‌السلام ليس ملازما لعدم وجوده إلى الآن ، إذ عدم الوجدان ليس دليلا على عدم الوجود.

٢ ـ إن بقاءه إلى الآن حيّا داخلا في مقدور الله تعالى ولا يمتنع أيضا أن يكون بحيث لا يتعرّف إلى أحد وأنّ الناس وإن كانوا يشاهدونه لا يعرفونه.

أما قول الجبائيّ «لا نبي بعدي» فمسلم به ولكن نبوّة الخضر عليه‌السلام كانت ثابتة قبل نبوّة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما شرعه لو كان له شرع خاص فإنّه منسوخ بشريعة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

يبقى سؤال يجول في فكر كلّ باحث : ما الحكمة من بقاء الخضر عليه‌السلام إلى الآن حيا؟

لعلّ السرّ والحكمة «والله أعلم» في بقائه وعيسى بن مريم عليهما أفضل التحية والسلام حيّين إلى الآن هو رفع توهّم استبعاد بقاء مولانا الحجة بن الحسن (عج) الشريف وإلّا فالفصل بينهما وبين الإمام الحجّة (عج) الشريف بمعنى تجويز بقائهما عليهما‌السلام حيّين إلى الآن ، دون الإمام الحجّة (عج) ، فصل من غير دليل قاطع بل هو أثر من آثار العصبيّة البغيضة المنهى عنها عقلا وشرعا ، وقد ورد ما يعلّل بقاءه في حديث عن مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ الله تبارك وتعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليه‌السلام ما يقدّر من عمر الخضر ، وما قدّر في أيام غيبته ما قدّر ، وعلم ما يكون إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول ، طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلّا لعلّة الاستدلال به على عمر القائم وليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلّا يكون للنّاس على الله الحجّة» (١).

٥ ـ النبي الياس عليه‌السلام حيث يعتقد السنّة ووافقهم الشيعة إلّا بعضهم ، وقالوا انّه ما زال حيّا وقد ذكره القرآن في موضعين : كما في قوله تعالى (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (الأنعام / ٨٦) وقوله أيضا : (وَإِنَّ إِلْياسَ

__________________

(١) إكمال الدين : ص ٣٥٧ والبحار : ج ٥١ ص ٢٢٢.

٢٦٦

لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٤) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٥) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٦) اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٧)) (الصافات / ١٢٤ ـ ١٢٧) ولم تشر الآيات إلى بقائه حيّا إلّا أنّ النصوص هي التي ذكرت ذلك وأنّه يحضر موسم الحجّ كلّ عام فيلتقي بالخضر عليه‌السلام.

وقد أرسله الله إلى أهالي بعلبك حيث كانوا يعبدون الأصنام ، فزجروه واضطهدوه فهرب منهم إلى الجبال والبراري فرفعه عزوجل من بين أظهر العباد وألبسه النور (١).

وذهب بعضهم إلى أنّ الخضر والياس شخص واحد ، وأنّ الخضر عليه‌السلام اسمه الياس لقّب بالخضر لأنّه كان من إعجازه (٢).

يلاحظ عليه : أن الخضر عليه‌السلام كان معاصرا لذي القرنين وكان في جيشه عند ما شرب من عين الحياة ، وذو القرنين أدرك النبي إبراهيم عليه‌السلام على ما صرّح بذلك الراوندي في قصصه ويؤيّد ذلك المرويّات التي تصرّح بأنّ خروج الإسكندر كان بعد طوفان نوح مباشرة».

أما الياس عليه‌السلام فيرجع نسبه إلى هارون بن عمران بن عمّ اليسع وهو الياس بن يسع بن فنحاس بن العيزار بن هارون بن عمران وقد بعث بعد حزقيل إلى أهالي بعلبك في شمال لبنان بعد ما بوأ يوشع بن نون بني إسرائيل الشام بعد موسى عليه‌السلام وقسّمها بينهم ، فسار منهم سبط ببعلبك وهو السبط الذي منه كان الياس النبي عليه‌السلام.

٦ ـ النبي إدريس عليه‌السلام ويعتقد أهل السنّة أنّه ما زال حيّا في السماء حيث رفعه الله تعالى إليه كعيسى عليه‌السلام ويستندون إلى قوله تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) ولم يثبت ذلك عند محققي الشيعة.

وزبدة المخض : إنّ الشيعة يعتقدون ببقاء اثنين من الأنبياء أحياءهما : عيسى عليه‌السلام والخضر عليه‌السلام ، أما النبي الياس ، فمختلف فيه عند الشيعة ، والأشهر

__________________

(١) البحار : ج ١٣ ص ٣٩٧.

(٢) والقائل به : نجم الدين العسكري في كتابه : «المهدي الموعود المنتظر» : ج ٢ ص ٣٥٠ ط مؤسسة الإمام المهدي عليه‌السلام.

٢٦٧

أنه ما زال حيّا.

أمّا الأشاعرة فقالوا ببقاء أربعة أحياء :

عيسى والياس وإدريس والخضر عليهم‌السلام.

وعلى هذا لنا أنّ نحتجّ على القوم ببقاء هؤلاء الأربعة عليهم‌السلام أو ببقاء اثنين على أقل تقدير في موضوع بقاء الإمام المهدي (عج) إلى الآن حيّا فنحتجّ قائلين لهم : إن كنتم تعتقدون ببقاء هؤلاء أحياء مع اعتقادكم ببقاء إبليس والدجّال مع تقدّمهم بالحياة على الإمام المهدي (عج) فما بالكم تنكرون طول عمر مولانا الإمام المهدي (عج) الشريف؟!!

إلى هنا نكون قد انتهينا من النقطة الأولى.

النقطة الثانية :

ما هي المصلحة من اختفائه (عج) الشريف؟

وهل أن غيابه الطويل المواكب للحضارات المتعاقبة يزيد في إعداده الفكري ويعمّق له الخبرة القيادية لليوم الموعود كما ادّعى ذلك الشهيد الصدر (قدس‌سره) في بحثه عن الإمام المهدي (عج) حيث قال :

«إن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود ، لأنها تضع الشخص المدّخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة ، ومن ألوان الخطأ والصواب وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقويم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها وكل ملابساتها التاريخية» (١).

أقول : إنّ ما ذكره الشهيد الصدر (قدس‌سره) خطير جدا على المستوى العقيدي لاستلزامه نسف الأسس الفكرية العظمى التي يتحلى بها الإمام الخليفة المسدّد من قبل السماء ، والمحيط بتفاصيل الأمور العلمية والاقتصادية والاجتماعية

__________________

(١) بحث حول الإمام المهدي : ص ٧٢ ط. الغدير بيروت.

وهذا الكلام بنفس معناه أخذت به جمعية التعليم الديني في لبنان في كتابها المعدّ لتدريس طلابها في المرحلة الثانوية الجزء الثاني ص ١٢٦.

٢٦٨

والسياسية ، وإلّا فجهله بها يعدّ بخسا في درجته ومنزلته ، وحطّا في كرامته عليه‌السلام ، هذا مضافا لاستلزامه الجهل والاحتياج إلى غيره وهو قبيح عقلا ونقلا ، لأنه يؤدّي إلى تقديم المفضول على الفاضل وقد عرفت فيما تقدم قبحه ، علاوة عليه أن هذا الكلام مخالف لظواهر الآيات والأخبار الدالّة على عمومية (١) علم الإمام عليه‌السلام وإحاطته بكل الأمور لكونه الحجة على من في الأرض والسماء.

قد يقال :

إن السيد الشهيد عليه الرحمة قد كان بصدد بيان تقريب الفكرة لمن لا يعتقد فما تعتقده الامامية بالمهدي عليه‌السلام ويشهد لهذا ما ذكره الشهيد نفسه في بحثه بالقول : «وعلى هذا الأساس نقطع النظر مؤقتا عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها في هؤلاء الأئمة المعصومينعليهم‌السلام».

يرد عليه :

١ ـ يتم ما ذكره الشهيد فيما لو كان هذا المدّخر شخصا عاديا غير مسدد بالالطاف الإلهية ، وأما على المبنى الإمامي القائل بوجوب التسديد لكونه سفيرا وحجة فلا معنى حينئذ لضرب المثال عليه لتتوضح الفكرة لدى الآخرين الذين لا يؤمنون بالغيب ، لأن من لا يؤمن بالتسديد الإلهي لا يؤمن بطول عمر هذا القائد الفذ ، لا سيما أن طول عمرهعليه‌السلام إنما هو بسبب إعجازي لا مدخلية للأسباب المادية فيه مهما عظمت قيمتها العلمية. هذا مضافا إلى أن كلام الشهيد يستوجب تضعيف علم الإمام الحضوري الذي قامت الأدلة على صحته ، أو على أقل تقدير يؤدي إلى تضعيف علمه الإرادي الدال على أنه لو شاء أن يعلم لأعلمه الله سبحانه دون حاجة إلى استعانة بمخلوق مثله.

٢ ـ يظهر من السيد الشهيد (قدّس سره) عدم اعتقاده بعلم الإمام بالموضوعات الصرفة ، لأن القول بالخصائص المزبورة التي ذكرها الشهيد والتي منها العصمة لا يستلزم الاعتقاد بالعصمة المطلقة الدالة على تنزهه عن الجهل بالموضوعات الصرفة ، لأن مقتضى اعتقاده بالعصمة المطلقة يستلزم عدم تقييده بما ذكره آنفا ، لأن الله القادر على اطلاع الامام بالموضوعات التي يترتب عليها حكم شرعي ، هو قادر أيضا على اطلاعه على الموضوعات الصرفة بدون حاجة

__________________

(١) أصول الكافي : باب الحجة ، ورسالة المعارف السلمانية بتحقيقنا ط. دار الجواد ونشر دار السيرة.

٢٦٩

إلى مواكبة الحضارات لتعميق خبرته القيادية.

٣ ـ إن التمثيل بغياب الإمام عليه‌السلام لاكتساب الخبرة القيادية لا شاهد عليه من عقل أو نقل ، فلا العقل يحكم بأن غيابه كان لأجل اكتساب الخبرة لأن القول به يستلزم الجهل وهو منزه عنه ، هذا مضافا إلى أنه قد يغيب لمصلحة خفيت علينا كما غاب النبي عيسى عن أنظار الخلق حيث يدّخره الله سبحانه لليوم الموعود ولا أحد من المسيحيين والمسلمين يقول أنه غاب ليكتسب الخبرة القيادية ، فما ثبت لعيسى عليه‌السلام فليثبت لمولانا الحجة المنتظرعليه‌السلام. فحيث أن العقل لا يحكم بذلك فكذا الشرع لأن النصوص دلت على عكس المدّعى.

عود على بدء :

نقول في الجواب عن النقطة الثانية :

إنّ الإمام (عج) الشريف لم يختف حبّا بالعزلة ، وفي الحقيقة ليس بمقدوره أن يختفي طوال هذه المدّة من دون تأييد إلهي يمدّه بالعمر الطويل ، فغيابه عليه‌السلام نتيجة أسباب وعوامل اقتضت أن لا يظهر على الناس إلّا على الخلّص من أوليائه.

ويمكن الاستدلال على علّة غيبته (عج) الشريف بأمور :

الأول : أنّ الله تعالى بمقتضى حاكميته وحكمته لا يفعل عبثا ومن دون ترتّب مصلحة على أيّ فعل من أفعاله عزوجل بل لا يفعل إلّا الأحسن والأصلح. وبما أنّ غيبة مولانا المهدي (عج) الشريف من الحوادث التي تكون بتدبير منه تعالى فلا بدّ وأن تكون جارية على وفق المصلحة والحكمة ، أدركنا تلك المصلحة أو لم ندركها ، عرفنا ذلك السّبب أو لا ، ولا يصحّ في حكم العقول إنكار المصلحة في غيبة وليّه وحجّته ، لأنّ مداركنا وعقولنا قاصرة عن إدراك ظواهر كثير من الأشياء وسنن عالم التكوين والتشريع فكيف بمن تعلّقت مشيئته سبحانه بوليّه الأعظم (عج) الشريف الذي ادخره لنفسه لينتقم به من الجبّارين والمارقين. فحقيقة غيبته لا تنكشف كاملا إلّا بعد ظهوره وأنّه من أسرار الله كما في حديث عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كلّ مبطل» ، قال له السائل : لم جعلت فداك؟ قال عليه‌السلام : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ، قال السائل : فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره ، إنّ وجه

٢٧٠

الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لا ينكشف وجه الحكمة لمّا أتاه الخضرعليه‌السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه‌السلام إلّا وقت افتراقهما.

يا ابن الفضل : إنّ هذا الأمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله ومتى علمنا أنه عزوجل حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا (١).

الثاني : التأديب لعموم المكلّفين ، حيث إن الاعتزال عنهم نوع تأديب لهم لعلّهم إليه تعالى يرجعون وعن الغيّ يعرضون لا سيّما من انتسب إليه بالعقيدة ، لذا ورد عن زياد المكفوف قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «كأنّي بكم تجولون جولان الإبل تبتغون المرعى فلا تجدونه يا معشر الشيعة» (٢).

وعن مولانا أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ الله تعالى إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم» (٣).

وعن عباية الأسدي قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى ، يبرأ بعضكم من بعض» (٤).

الثالث : الخوف من القتل :

ورد فوق حدّ الاستفاضة نصوص تفيد أنه (عج) الشريف يخاف القتل لو خرج قبل المبررات الموضوعية منها :

ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا بدّ للغلام من غيبة ، فقيل له : ولم يا رسول الله؟ قال : يخاف القتل.

بالطبع خوفه من القتل على شيعته وإلّا فهو لا يخاف الموت وكيف وهو الصادق الأمين.

نعم ، يمكن حمل خوفه من القتل أنّه إذا خرج قتلوه ، فيسبب مقتله تأخرا في

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ / ٩١.

(٢) البحار : ج ٥١ / ١١٠.

(٣) نفس المصدر : ج ٥٢ ص ٩٠.

(٤) البحار : ج ٥١ ص ١١١.

٢٧١

توطيد العدل بل استحالة توطيده من دونه عليه‌السلام في آخر الزمان.

لذا ورد نصّ يؤكد هذا المعنى ، مفاده : أنه يخاف على نفسه الذبح (١).

الرابع : الاستقلال بالدعوة ولازمها ألّا يكون في عنقه بيعة لظالم (٢).

الخامس : التكميل للنفوس وتهذيبها.

السادس : امتحان الناس واختبارهم :

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ... يبرأ بعضكم من بعض فعند ذلك تميّزون وتمحصون وتغربلون بالغربال ، وعند ذلك اختلاف السنين وإمارة من أوّل النهار وقتل وقطع في آخر النهار (٣).

تساؤل :

قد يقال : إنّ وجود الإمام إنّما يكون لطفا فيما إذا كان ظاهرا زاجرا قاهرا ، أما في حال غيبته فلا لطف في ذلك.

يجاب عنه :

إنّ كون وجوده عليه‌السلام لطف فيما إذا كان زاجرا قاهرا لم يتفوّه به أحد من الملّيين لأنّ غالب الأنبياء كانوا مقهورين مشردين بل مقتولين على أيدي الظلمة وأما بالنسبة إلى مسألتنا فلا يلزم ألّا يكون الظاهر لطفا مقرّبا للعباد إلى الطاعة ومبعّدا عن المعصية ، لأنّ اللطف لا ينحصر في الظاهر فحسب فإنّ من له مدخليّة في طاعة العباد سواء أكان ظاهرا أم غائبا عن الأبصار كجبرائيل وسائر الملائكة كان وجودهم لطفا بمعنى أنهم لو لم يكونوا لم تقع أكثر الطاعات لكونهم حافظين مسدّدين مؤيّدين منزلين للوحي والإلهام ، فاللطف غير منحصر في الظاهر ، بل وجوده في الغائبات أكثر منه في الظواهر.

ومن هنا يتضح الجواب على ما قد يقال بأن وجوده وعدمه سيّان ما دام الناس لا ينتفعون به لكونه غائبا عنهم.

ويضاف إلى ما تقدم : أن الغيبة لا تلازم عدم التصرّف في الأمور ، فهو

__________________

(١) إكمال الدين : باب ٤٤.

(٢) البحار : ج ٥٢ ص ٩٥ ح ١١.

(٣) البحار : ج ٥٢ ص ١١٢.

٢٧٢

يتصرّف بالكائنات على حسب ما تقتضيه المصلحة الربّانية من دون أن تشعر بوجوده تماما كخرق الخضر عليه‌السلام للسفينة دون علم أصحابها ، وإلّا لكانوا منعوه من خرقها ، فخرقه للسفينة لمصلحة كانت خافية على أصحاب السفينة كذلك قتل الغلام وإقامة الجدار كان خافيا على موسى بحسب الظاهر. فأيّ مانع من أن يكون للإمام الغائب (عجّل الله فرجه الشريف) في كل يوم وليلة تصرّف كهذا النمط من التصرفات ويؤيده ما ورد من أنّه عليه‌السلام يحضر الموسم في أشهر الحجّ ويصاحب الناس إلى غير ذلك ومع هذا فالناس لا يعرفونه.

أضف إلى ذلك أيضا : أنّه (عجّل الله فرجه الشريف) الشريف ليس غائبا عن كلّ العباد بل يظهر لبعض خواصّ مواليه الذين لهم الشرف بلقائه والاستفادة من نور وجوده ، وبالتالي تستفيد الأمّة بواسطتهم ، ويؤيّد ذلك ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لجابر الأنصاري حينما سأله عن الإمام المهدي (عج) في آخر الزمان ، قال : «ذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان.

قال جابر : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي والذي بعثني بالنبوة إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب (١).

ومما ورد عن مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام قال : لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله ، قال سليمان : قلت للصادق عليه‌السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السّحاب (٢).

وكذا ورد (٣) في التوقيع الصادر عن الحجّة (عج) الشريف لإسحاق بن يعقوب قال (عج) عليه‌السلام : «وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل

__________________

(١) إلزام الناصب : ج ١ ص ٤٢٩ ط. الأعلمي وبحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٩٣.

(٢) البحار : ج ٥٢ ص ٩٢.

(٣) البحار : ج ٥٢ ص ٩٢.

٢٧٣

السماء ...» (١).

تساؤل آخر :

تقول الشيعة أنّ الإمام المهدي (عج) الشريف استلم الإمامة ابن أربع أو خمس سنوات مع أنّ الإمامة منصب عظيم لا بدّ لمتحمّلها أن يكون رجلا ناضجا قادرا على تلقّي المسئولية عارفا بأمور الدّين ومشاكل الدنيا ، والطفل الصغير لا يستطيع ذلك مهما أوتي من البلوغ.

والجواب :

١ ـ إنّ الإمامة عند الشيعة كالنبوّة لا تحصلان باختيار الناس ، وإنّما هما منصبان إلهيّان أمر تفويضهما إلى الله تعالى واختياره لمن يكون أهلا لهما ، ولهذا لا يستبعد أن يقع اختياره عزوجل على من كان في المهد صبيا كعيسى عليه‌السلام أو أن يكون في سنّ الرابعة أو الخامسة كإمامة المهدي (عج) والإمام محمد الجواد عليه‌السلام ، ومصداق ذلك قوله تعالى في حقّ النبي يحيى عليه‌السلام : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (مريم / ١٣).

٢ ـ قد أوتي النبي المعظّم عيسى بن مريم عليه‌السلام النبوّة وهو في المهد ، قال تعالى : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٣٠) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣١)) (مريم / ٣٠ ـ ٣١).

فقد كان نبيّا مسدّدا وهو في المهد ، وتكلّم مع القوم كل هذا لا دليل على استحالته ، غاية ما في الأمر أنّه خارق للعادة ، وكل المعجزات تصف بهذه الصفة أي أنّها كلّها خارقة للعادة لا أنّها مستحيلة الوقوع.

فإذا كان التكلّم في المهد مع النبوّة ليس مستحيلا فكذلك كون الإمام (عجّل

__________________

(١) جاء في مجلة «المجلة» عدد ١٠٠٧ الصادرة عن الشركة السعودية للأبحاث أن الله سبحانه وهب الطفل الإفريقي «شريفو» معارف القرآن الكريم وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره بعد ، كما أن الكثيرين سمعوا بالطفل الإيراني النابغة السيد محمد حسين الطباطبائي من مواليد قم المقدّسة حيث رزقه الله تعالى حفظ القرآن وفهم معانيه واسراره ولم يتجاوز الرابعة من عمره ، ويجلس تحت منبره العلماء والمفكرون وقد نال درجة الدكتوراه من إحدى جامعات بريطانيا ، وأيضا الكل سمع بالطفل الياباني الذي لم يتجاوز سن السابعة ، عند ما قطع المرحلة الجامعية بتفوق ، أبعد هذا يقال كيف استلم المهدي عليه‌السلام منصب الإمامة ابن أربع سنوات؟!!

٢٧٤

الله فرجه) الشريف إماما ليس بتلك الاستحالة التي لا يمكن أن تتحقق.

٣ ـ إنّ حالة الرشد العقلي ليس لها سن معين فربّ شخص يكون راشدا وهو ابن خمس سنوات نتيجة نمو المخ بالقدر الكافي عنده بقدرة الله تعالى ، كذلك لا يكون الإنسان راشدا نتيجة ضعف في نمو المخ حتى ولو كان ابن خمسين سنة.

فما المانع حينئذ لو أنّه سبحانه جعل سنّ الرشد عند الإمام عليه‌السلام في سنّ الخامسة ، وهل في ذلك استحالة عقلية أو أنه من الممكنات الواقعة تحت قدرته تعالى؟

فإذا كان إتيان النبوة وتعليم الكتاب لصبي في المهد وإعطاء الحكم ليحيى حال صباه ممكنا ، فلا يمتنع ذلك عليه تعالى أن يجعل الإمامة للحجة المنتظر (عج) الشريف وهو صبي إكراما له ولجدّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليكون دليلا على بقاء هذا الدين واستمراره ، ولئلا يخلو الزمان من أهل البيت عليهم‌السلام حجج الله سبحانه على العباد كافة ، كل ذلك مصداقا لحديث الثقلين وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض.

تساؤل آخر :

لما ذا لا يخلق الله سبحانه المهدى (عج) الشريف في آخر الزمان؟

يجاب عليه :

١ ـ إنّ الحكمة من عدم إيجاده في الزمن المناسب ترجع إلى كونه من صلب الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، وهو من صلب الإمام الهادي عليه‌السلام وهكذا إمام من صلب إمام ، فهم أئمة متسلسلون من صلب إلى صلب.

٢ ـ إنّ الإمامة كالنبوّة بل هي أعظم درجة منها ، فلا بدّ لصاحبها أن يكون معصوما ، ولا أحد معصوم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا ابنته الزهراء عليها‌السلام وزوجها والحسن والحسين ومن جاء بعد الإمام الحسين عليه‌السلام واحدا تلو الآخر.

٣ ـ إن فائدة وجود الإمام عليه‌السلام لا تنحصر بزمن دون زمن ، فحين استشهد الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام لا بد أن يخلفه إمام يقوم مقامه ويؤدي المهام التي كانت لأبيه ، لأن الزمان لا يخلو من إمام ، وعدم رؤية الكثيرين له عليه‌السلام لا ينفي أصل وجوده والانتفاع به.

قد يقال :

٢٧٥

لم لم يجعل الله سبحانه عيسى بن مريم إماما آخر الزمان؟

والجواب :

لأنّ شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناسخة للشرائع المتقدمة عليها ، فمجيء عيسى إماما خلف كون الشريعة المحمدية خاتمة لكل الشرائع ، مضافا إلى ذلك أنّ الإمام عليه‌السلام أفضل من النبي عيسى عليه‌السلام وإلّا لو كان أفضل من الإمام عليه‌السلام لما صحّ أن يكون تابعا للمهدي (عج) الشريف حال نزوله إلى الأرض ، لقبح تقديم المفضول على الفاضل ، ولقول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

دلّ الحديث على أنّ العترة الطاهرة إلى يوم القيامة ، لن تفترق عن الكتاب لأنّها مصطفاة من بين الخلق عنده عزوجل ؛ فلو كان عيسى عليه‌السلام أفضل من العترة لكان النبي قرنه بالكتاب لقبح تقديم المفضول حينئذ على الفاضل.

وهناك نقطتان لا بدّ من البحث فيهما :

الأولى : الغيبة الصغرى وما صدر فيها من أحداث وتطورات تاريخية.

الثانية : الغيبة الكبرى وما فيها من مزالق وامتحانات.

أما النقطة الأولى :

ابتدأت الغيبة الصغرى عام ٢٦٠ هجري ؛ وتحديدا عند رحيل مولانا الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام حيث استشهد مسموما على يد المعتمد العبّاسي ، وانتهت عام ٣٢٩ ه‍.

قد يتساءل المرء لما ذا وقعت الغيبة الصغرى؟ وكيف وقعت؟

يجاب عنه :

١ ـ إنّ المقتضي المسبّب لبدء الغيبة هو ملاحقة السّلطات للإمام المهدي (عج) الشريف بعد استشهاد الإمام العسكري عليه‌السلام لعلمهم بما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه المخلّص وأنّه الذي يبيد العتاة والظلمة والمستكبرين ، لذا أرادوا التخلّص منه بأيّ وسيلة كانت دفعا للاعتقاد السائد فيما بينهم من أنّه سوف يقضي على حكمهم القائم على الظلم والجور والعدوان ، لذا حاولوا عدّة مرات اغتيال الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ليقضوا على نسله كما جاء في رسالة وجهها الإمام

٢٧٦

العسكري عليه‌السلام إلى بعض مواليه حيث قال : «زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل ، وقد كذّب الله قولهم والحمد لله» ، حيث تم بعد ذلك ولادة الإمام المهدي (عج) والتي تمّت بإعجاز منه تعالى حيث حملت به أمّه عليهما‌السلام ولم يبن أثر الحمل عليها تماما كمن تقدّمه من الأنبياء كإبراهيم وموسى عليهما‌السلام حيث حملت بهما أمّهما مع عدم ظهور آثار الحمل عليهما لملاحقة الكافرين لهما وهما في بطني أميهما.

٢ ـ انّ السلطات العبّاسية حاولت التخلّص منه عليه‌السلام كما تخلّصت من أبيه الإمام العسكري عليه‌السلام وآبائه حرصا منها على توطيد حكمها واستقرار أمنها ، لأنّ الأئمةعليهم‌السلام بنظر السلطة العباسية كانوا دائما يمثّلون خطّ المعارضة للظالمين ولا سيما دولة بني العباس ، والوقوف في وجه سياستها الظالمة الغاشمة.

٣ ـ إنّ الغيبة الصغرى تعدّ بمثابة تمهيد للغيبة الكبرى ومقدمة لها لأنّ غيابه الطويل من المحتوم لعدم توفّر النخبة الصالحة لتقيه شرّ الظالمين لينشر العدل والسلام ، فكان لا بدّ من تمهيد في الغياب ليعتاد المؤمنون تدريجيا على الغياب الطويل لإمامهم وليتمهد السبيل في الرجوع إلى ثقاة الرواة للأخذ منهم أحكام دينهم ، لأنّ المؤمنين كانوا معتادين على أخذ أحكامهم التشريعية من إمام زمانهم حيث كانوا يقطعون المسافات الطوال ليسألوا عن أحكام دينهم ودنياهم ، فبذلك يكون الإمام عليه‌السلام قد وطّد مسألة الرجوع إلى ثقاة الرواة لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته بعد الغيبة.

أما كيف وقعت الغيبة الصغرى ، فيقال :

إنّ الإمام الحسن العسكريّ عليه‌السلام عند ما أدركته المنيّة أو عز إلى الإمام المهدي (عج) الشريف بأمر منه تعالى إيكال أمر الخلافة والوصاية إليه ، وقد أكّد هذا المعنى الإمام العسكري عليه‌السلام مرارا عديدة قبل رحيله حيث كان يعرض الإمام المهدي (عج) أمام أصحابه وشيعته ومواليه مع إبراز المعجزات الحاصلة على يد مولانا الإمام المهدي (عج) للتدليل على صحة ما يفعله الإمام العسكري عليه‌السلام حتى لا يقال أن الإمام العسكري عليه‌السلام أوصى إلى ابنه حبّا به وإنّما أمر الوصاية بيده تعالى ، وقد أوصى سبحانه إلى نبيّه الأكرم بنصوص واضحة

٢٧٧

وصريحة أنّ الأئمة من بعده اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ومن بني هاشم وعددهم عدد أسباط بني إسرائيل. وأنهم أهل بيته وسفن النجاة وأعلام الأمة وباب حطتها.

ولما استشهد مولانا الإمام العسكري عليه‌السلام قام العلويّون بتجهيزه وحمل للصلاة عليه فأمرت السلطات أبا عيسى بن المتوكل فصلّى عليه بأمر من المعتمد العبّاسيّ ، وفي رواية أنّ جعفر عمّ الإمام المهدي (عج) تقدم للصلاة عليه فجذبه الإمام المهدي (عج) وقال له : أنا أولى بالصلاة على أبي ، ثمّ صلى الإمام (عج) على أبيه فاربدّ وجه جعفر فسأله الحاضرون عنه فأنكر معرفته به.

ثمّ بعد ذلك قامت السلطات بواسطة عيسى بن المتوكل بعرض وجه الإمام على بني هاشم وغيرهم من العباسيين وقادة الجيش ورؤساء الدوائر وخاطبهم بقوله : «هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا قد مات حتف أنفه على فراشه وحضره من خدم أمير المؤمنين المعتمد وثقاته فلان وفلان ...» ثمّ غطّى وجهه الشريف ، وإنما صنع ذلك لرفع التهمة عن بني العباس من أنّهم قد اغتالوا الإمام عليه‌السلام.

ثم إنّ جعفرا لعب دورا عظيما في الضغط على عيال الإمام عليه‌السلام كما في رواية الإرشاد للمفيد حيث سعى في حبس جواري أبي محمد عليه‌السلام واعتقال حلائله وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم ، وجرى على مخلّفي أبي محمد بسبب ذلك كل عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ ولم يظفر السلطان منهم بطائل (١).

وحاز جعفر تركة أبي محمد واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه ، فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقدوه فيه ، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالا جليلا وتقرّب بكل ما ظنّ أنه يتقرّب به فلم ينتفع بشيء من ذلك.

وفي رواية أنّ الإمام المهدي عليه‌السلام بعد انتهائه من الصلاة على أبيه كبست السلطات داره فهرب منهم إلى السرداب ليقتلوه فغيّبه سبحانه عن أبصارهم فخرج

__________________

(١) الإرشاد ص ٣٢٦ ط. دار المفيد.

٢٧٨

منه وهو يتلو قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ...) تماما كما غيّب جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبصار قريش حين اجتمعوا على قتله فخرج من بينهم وهم لا يشعرون.

وهنا شنّ بعض المتحاملين من العامّة والمستشرقين حملات مستعرة على الشيعة مستهترين بهم وبإمامهم المغيّب في السرداب وسوف يظهره الله في اليوم الموعود ومن هؤلاء : ابن خلدون في مقدمته وهو كعادته يطلق كلماته بازدراء وتهكم على الشيعة كما أنه أنكر وجود الإمام المهدي (عج) الذي تواترت بظهوره ووجوده الأخبار المتواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد فنّد مقالته أحد أعلام السنّة المحقق أحمد محمّد شاكر في شرحه على مسند أحمد ج ٥ ص ١٩٧ قال : (وأمّا ابن خلدون فقد فقأ ما ليس به علم واقتحم قحما ...). ولقد رد علماء آخرون على ابن خلدون في مجال رفضه للأحاديث ، لا سيما المتواترة منها والتي رفضها ابن خلدون عصبية منه على أحفاد علي أمير المؤمنين ، فأحاديث المهديعليه‌السلام بلغت حد التواتر بل فوق التواتر بمرات ، وحكم المتواتر وطريقة معالجته ليستا كحكم أحاديث الآحاد ومعالجتها ، إذ إنه في المتواتر لا يبحث عن الجرح والتعديل كما في أخبار الآحاد. وقد ذهب إلى هذا أبو الفيض الغماري في كتابه «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون» حيث قال : «ألا وأنّ في أعلامها الصريحة وأشراطها الثابتة الصحيحة ظهور الخليفة الأكبر والإمام العادل الأشهر ، فقد تواترت بكون ظهوره من اشراط الساعة ومن شروطها ، الأخبار وصحت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك والآثار ، ففي التذكرة للإمام القرطبي وفتح الباري للحافظ العسقلاني نقلا عن الحافظ أبي الحسين الآبري أنه قال ما نصه : ... تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المهدي وأنه من أهل بيته .. وممن نص على تواتر أحاديث المهدي أيضا الحافظ شمس الدين السخاوي في فتح الغيث والحافظ جلال الدين السيوطي في الفوائد المتكاثرة ...». ثم يتابع العلّامة الغماري ذكر من شهدوا بالتواتر إلى أن قال : قد كثر في الناس اليوم من يخفى عليه هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله ويضله من ينكر ظهور المهدي وينفيه ويقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه مع جهله بأسباب التضعيف وعدم إدراكه معنى الحديث الضعيف وتصوره مبادي هذا العلم الشريف وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية بتواترها عن البيان لحالها والتعريف ... مع أن ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان

٢٧٩

ولا ضرب له بنصيب ولا سهم في هذا الشأن ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان» (١).

ومن المتحاملين ابن الأثير في تاريخه حوادث سنة ستين ومائتين قال : وفيها توفي أبو محمد العلوي العسكري وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية ، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامراء».

وزعم ابن جبير أن هذا السرداب كان في الحلة ولم يكن في سامراء كما عليه إجماع الإمامية ، ونظم آخر من ذلك شعرا :

ما آن للسرداب أن يلد الذي

غيبتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفا فإنكم

تلثتم العنقاء والغيلان

حتى أن أمثلهم طريقة وهو الكنجي في البيان حاول الاعتذار عن ذلك وتقريب إمكان بقائه في السرداب هذه المدة الطويلة بدون طعام وشراب بقدرة الله تعالى.

لكنّ الإمامية براء من كل هذه الافتراءات ، فإمامهم ليس محبوسا في السرداب وليس هناك على وجه الأرض من يعتقد ذلك ، بل الإمام عليه‌السلام يحضر الحج ويلتقي به خواص المؤمنين ويقضي حوائج المحتاجين.

ومن المتحاملين على الشيعة أيضا الدكتور داويت رونلدسن في كتابه «عقيدة الشيعة» ص ٢٣١ ط مؤسسة المفيد حيث أوعز فكرة المهدوية إلى فشل الشيعة واضطهاد الأعداء لهم فقال : «من المحتمل جدا أن الفشل الظاهر الذي أصاب المملكة الإسلامية في توطيد أركان العدل والتساوي على زمن دولة الأمويين (٤١ ـ ١٣٢ ه‍) كان من الأسباب لظهور فكرة المهدي آخر الزمان».

نحن لا نستغرب من كلام هذا المستشرق الخبيث الذي أخذه من ابن خلدون ، كما لا نستغرب أن يقلده رجل عربي يدّعي الإسلام كأحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام (ط مكتبة النهضة المصرية ١٩٦١ ج ٢) منكرا قضية المهدي عليه‌السلام ومدعيا أن لها أسبابا سياسية واجتماعية ودينية ، وأنها نبعت من الشيعة بعد خروج الخلافة من أيديهم. فأحمد أمين وأمثاله لا يمثّلون الشيعة والسنة ، بل

__________________

(١) ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ط الترقي دمشق ١٣٤٧ ص ٤٣٣ ـ ٤٤٣ والإمام المهدي عند أهل السنة ص ٢٣٧.

٢٨٠