الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

وكالأخبار الدالّة على إمامتهم عليهم‌السلام المروية عن النبي الأعظم ، منها ما روي أن الأئمة اثنا عشر خليفة إلى يوم القيامة كما ورد من طرق الطرفين عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

وفي بعضها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

لا يزال أمر الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش.

وفي صحيح مسلم قال : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش.

وفي الجمع بين الصحاح الستة قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (١).

وروى القندوزي الحنفي في ينابيع المودة : ص ٣٠٨ ط. قم :

عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال : كنت مع أبي عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول : بعدي اثنا عشر خليفة ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي : ما الذي أخفى صوته؟ قال أبي : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلهم من بني هاشم.

وعن الشعبي عن مسروق وكلاهما من العامة : قال : كنّا عند ابن مسعود فقال له رجل : هل حدّثكم نبيكم كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال : نعم ، وما سألني عنها أحد قبلك ، وإنك لأحدث القوم سنّا ، سمعته يقول : يكون بعدي عدّة نقباء موسى عليه‌السلام قال الله عزوجل : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (٢).

فحديث نقباء بني إسرائيل دالّ على انحصار الخلافة في اثنى عشر وأنهم خلفاء بالنص من الله تعالى كعدّة نقباء بني إسرائيل لقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (المائدة / ١٣).

__________________

(١) مؤتمر علماء بغداد بتحقيقنا ص ٣٣ وقد ذكرنا هناك الأدلة العقلية والنقلية على إمامة الأئمة عليهم‌السلام فلاحظ.

كما يلاحظ : مسند أحمد : ج ٥ ص ٨٩ ـ ٩٠ ـ ٩٢ ومستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٠١ ومجمع الزوائد : ج ٥ ص ١٩٠ وكنز العمال : ج ٦ ص ٢٠١ وصحيح البخاري : ج ٩ ص ١٠١.

(٢) غيبة الطوسي : ص ٨٩.

٢٢١

وقد روى أحمد بن حنبل عن مسروق قال :

كنّا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرؤنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ قال عبد الله : نعم ولقد سألنا رسول الله فقال : اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل (١).

فالحديث دالّ على انحصار الخلافة في اثني عشر وأنهم خلفاء بالنص لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كعدّة نقباء بني إسرائيل» فإن نقباءهم خلفاء بالنص لقوله تعالى : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) وسؤال الصحابة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما كان عن خلفائه بالنص وليس سؤالا عن تأمير الناس ولا تغلب السلاطين على الأمة الإسلامية لأنّ تأمير الناس وتغلّب السلاطين لا يبتني عادة على الدين حتى يهمّ الصحابة السؤال عنه ، ولأنّ السلاطين يتربعون على السلطة بدون نصّ فلا يحتاج إلى السؤال عنهم وعن عددهم لأنّ العادة جرت على وجود مثلهم وأنهم لا ينحصرون بعدد ، فظهر أن السؤال إنما هو عن الخلفاء بالنص وعنهم أجاب النبي ، ولا قائل بأنّ الخلفاء اثنا عشر بالنص غير أئمتنا عليهم‌السلام فيكونون هم المراد بالاثنى عشر في هذا الحديث.

وكالروايات التي هي فوق التواتر الدالّة على وجود الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف والتي دلّت على أنه ابن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام وأنه عجّل الله تعالى فرجه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ؛ وهكذا زادت الروايات بيانا من جهة الأسماء والصفات وسائر الخصوصيات حتى لا يبقى مجال للترديد والتشكيك فكل واحد من الأئمة الاثنا عشر ، منصوص من قبل الإمام السابق ، حتى ينتهي إلى تنصيص الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنصيصه ينتهي إلى تنصيص الله سبحانه وتعالى.

قال العلّامة الحلّي (قدس‌سره) عند تبيين إمامة الأئمة الاثني عشر مستدلا على ذلك بوجوه ثلاثة :

الوجه الأول :

النقل المتواتر من الشيعة خلفا عن سلف ، يدلّ على إمامة كل واحد من هؤلاء بالتنصيص ، وقد نقل المخالفون ذلك من طرق متعددة تارة على الإجمال ،

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٣٩٨.

٢٢٢

وأخرى على التفصيل كما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترا أنه قال للإمام الحسين عليه‌السلام : هذا ابني إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم ـ إلى أن ساق الخبر المروي عن مسروق المتقدم.

الوجه الثاني :

قد بيّنا أن الإمام يجب أن يكون معصوما ، وغير هؤلاء ليسوا معصومين إجماعا ، فتعيّنت العصمة لهم ، وإلّا لزم خلوّ الزمان من المعصوم وقد بيّنا استحالته.

الوجه الثالث :

إن الكمالات النفسية والبدنية بأجمعها موجودة في كل واحد منهم ، وكل واحد منهم كما هو كامل في نفسه ، كذا هو مكمّل لغيره وذلك يدلّ على استحقاقه الرئاسة العامة لأنه أفضل من كل أحد في زمانه ، ويقبح عقلا تقديم المفضول على الفاضل ، فيجب أن يكون كل واحد منهم إماما وهذا برهان لمي (١).

هذا مضافا إلى دعوى الإمامة عن كل واحد من الأئمة الاثني عشر ، وظهور المعجزة على أيديهم ، وقد تواترت معجزاتهم عند الخاصة والعامة وهي شاهد صدق على دعواهم ، لذا تسلّم الإمامية لإمامتهم مجمعين عليها جيلا بعد جيل ونسلا بعد نسل.

ثم إنك بعد ما عرفت من قطعية أن الأئمة هم الاثنا عشر لا أقلّ ولا أكثر تعلم بطلان دعوى الإمامة عن غيرهم ، كما نعلم بعد قطعية الخاتمية ، بطلان دعوى النبوة بعد نبوة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا حاجة بعد بطلانها إلى الفحص والتحري حول مدعى من ادّعى الإمامة ، كما لا حاجة إلى الفحص والتحري حول مدعى النبوة بعد العلم ببطلان دعواها كما لا يخفى (٢).

__________________

(١) شرح التجريد : ص ٣٩٨.

(٢) بداية المعارف : ج ٢ ص ١٤٣.

٢٢٣

الباب السّابع والعشرون

عقيدتنا في الإمام المهدي عليه‌السلام

وعجّل الله تعالى فرجه الشريف

قال المصنّف (قدّس الله سرّه الشريف) :

إن البشارة بظهور (المهدي) من ولد فاطمة في آخر الزمان ـ ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ـ ثابتة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتواتر ، وسجّلها المسلمون جميعا فيما رووه من الحديث عنه على اختلاف مشاربهم.

وليست هي الفكرة المستحدثة عند (الشيعة) دفع إليها انتشار الظلم والجور ، فحلموا بظهور من يطهّر الأرض من رجس الظلم ، كما يريد أن يصورها بعض المغالطين غير المنصفين. ولو لا ثبوت فكرة (المهدي) عن النبي على وجه عرفها جميع المسلمين وتشعبت في نفوسهم واعتقدوها لما كان يتمكن مدعو المهديّة في القرون الأولى كالكيسانية والعباسيين وجملة من العلويين وغيرهم ، من خدعة الناس واستغلال هذه العقيدة فيهم طلبا للملك والسلطان فجعلوا ادعاءهم المهدية الكاذبة طريقا للتأثير على العامة وبسط نفوذهم عليهم.

ونحن مع إيماننا بصحّة الدين الإسلامي وأنه خاتمة الأديان الإلهية ولا نترقّب دينا آخر لإصلاح البشر ومع ما نشاهد من انتشار الظلم واستشراء الفساد في العالم على وجه لا تجد للعدل والصلاح موضع قدم في الممالك المعمورة ... ومع ما نرى من انكفاء المسلمين أنفسهم عن دينهم وتعطيل أحكامه وقوانينه في جميع الممالك الإسلامية ، وعدم التزامهم بواحد من الألف من أحكام الإسلام ـ نحن مع كل ذلك لا بدّ أن ننتظر الفرج بعودة

٢٢٤

الدين الإسلامي إلى قوّته وتمكينه من إصلاح هذا العالم المنغمس بغطرسة الظلم والفساد.

ثم لا يمكن أن يعود الدين الإسلامي إلى قوته وسيطرته على البشر عامّة ، وهو على ما عليه اليوم وقبل اليوم من اختلاف معتنقيه في قوانينه وأحكامه في أفكارهم عنه ، وهم على ما هم عليه اليوم وقبل اليوم من البدع والتحريفات في قوانينه والضلالات في ادعاءاتهم. نعم لا يمكن أن يعود الدين إلى قوته إلّا إذا ظهر على رأسه مصلح عظيم يجمع الكلمة ويردّ عن الدين تحريف المبطلين ويبطل ما ألصق به من البدع والضلالات بعناية ربانية وبلطف إلهي : ليجعل منه شخصا هاديا مهديّا له هذه المنزلة العظمى والرئاسة العامة والقدرة الخارقة ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.

والخلاصة أنّ طبيعة الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم ـ مع الإيمان بصحة هذا الدين وأنّه الخاتمة للأديان ـ يقتضي انتظار هذا المصلح (المهدي) ، لإنقاذ العالم ممّا هو فيه. ولأجل ذلك آمنت بهذا الانتظار جميع الفرق المسلمة بل الأمم من غير المسلمين ، غير أن الفرق بين الإمامية وغيرها هو أنّ الإمامية تعتقد أنّ هذا المصلح (المهدي) هو شخص معيّن معروف ولد سنة ٢٥٦ هجرية ولا يزال حيّا هو ابن الحسن العسكري واسمه (محمد). وذلك بما ثبت عن النبي وآل البيت من الوعد به وما تواتر عندنا من ولادته واحتجابه. ولا يجوز أن تنقطع الإمامة وتحول في عصر من العصور ، وإن كان الإمام مخفيّا ، ليظهر في اليوم الموعود به من الله تعالى الذي هو من الأسرار الإلهية التي لا يعلم بها إلا هو تعالى.

ولا يخلو من أن تكون حياته وبقاؤه هذه المدة الطويلة معجزة جعلها الله تعالى له ، وليست هي بأعظم من معجزة أن يكون إماما للخلق وهو ابن خمس سنين يوم رحل والده إلى الرفيق الأعلى ، ولا هي بأعظم من معجزة عيسى إذ كلّم الناس في المهد صبيّا وبعث في الناس نبيّا.

وطول الحياة أكثر من العمر الطبيعي أو الذي يتخيل أنّه العمر الطبيعي لا يمنع منها فنّ الطب ولا يحيلها ، غير أنّ الطبّ بعد لم يتوصل إلى ما يمكنه

٢٢٥

من تعمير حياة الإنسان. وإذا عجز عنه الطبّ فإن الله تعالى قادر على كل شيء ، وقد وقع فعلا تعمير نوح وبقاء عيسى كما أخبر عنهما القرآن الكريم ... ولو شكّ الشاكّ فيما أخبر به القرآن فعلى الإسلام السّلام.

ومن العجب أن يتساءل المسلم عن إمكان ذلك وهو يدّعي الإيمان بالكتاب العزيز.

ومما يجدر أن نذكره في هذا الصّدد ونذكّر أنفسنا به أنّه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي) ، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم ، وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله والأخذ بأحكامه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل المسلم أبدا مكلّف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية ، واجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة ، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ...» فلا يجوز له التأخر عن واجباته مجرّد الانتظار للمصلح المهدي والمبشر الهادي ، فإن هذا لا يسقط تكليفا ، ولا يؤجل عملا ، ولا يجعل الناس هملا كالسوائم.

* * *

اتفق المسلمون جميعا على خروج مخلّص ينقذ البشرية جمعاء من براثن الظلم والجور ، والأخذ بيدها إلى العدل والقسط والطمأنينة والسعادة ، بل وافقهم على ذلك بقية الملل والأديان بمختلف مشاربها ، فالمخلّص عنوان لطموحات البشرية كلّها ، وصياغة فريدة للإلهام الفطري أدرك الناس من خلاله أنّ للإنسانية يوما موعودا على الأرض يتحقق فيه بسط العدل وإماتة الجور ، وتفرض فيه رسالات السماء أهدافها ، وتجد فيه المسيرة الإنسانية المكدودة على مرّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل ؛ وهذا الشعور ـ كما قلنا ـ عام يشمل غير المسلمين ، كالنصارى واليهود بل انعكس حتى على أشدّ الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضا للغيب والغيبيات كالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود تصفّى فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام ، إذن لدى الشعوب المستضعفة والمسحوقة ميل نفسي نحو الانعتاق من أسر الظلم وعبودية المادة ، ومن الطبيعي أن يدعم الدين هذا الشعور

٢٢٦

النفسي العام ، بحيث يعطيه قيمته الموضوعية ويحوّله إلى إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية ، وهذا الإيمان ليس مجرّد مصدر للسلوة والعزاء فحسب ، بل مصدر عطاء وقوة ، لأن الإيمان بالإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يعدّ إيمانا برفض الظلم والجور ، ولأنه (عج) وصلّى الله عليه «مصدر قوة ودفع لا تنضب لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان ، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمت الخطوب وتعملق الظلم ، لأنّ اليوم الموعود يثبت أن بإمكان العدل أن يواجه عالما مليئا بالظلم والجور فيزعزع ماضيه من أركان الظلم ، ويقيم بناءه من جديد ، وأنّ الظلم مهما تجبّر وامتد في أرجاء العالم وسيطر على مقدّراته ، فهو حالة غير طبيعية ولا بدّ أن ينهزم ، وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمة مجده ، تضع الأمل كبيرا أمام كل فرد مظلوم ، وكل أمة مظلومة في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء» (١)

وفكرة المهدي الملخّص ليست بدعا من الفكر عند الشيعة الإمامية كما حاول داويت رونلدسن في كتابه عقيدة الشيعة ص ٢٣١ حيث ادّعى أنّ الشيعة ابتدعوا فكرة المهدي نتيجة الفشل الذريع الذي منيت به المملكة الإسلامية في توطيد أركان العدل أيام الدولة الأموية.

* * *

لقد آمن بخروج المخلّص كل الذين ينشدون التطلّع إلى عدل السماء وخلاصها ، فها هم النصارى قد ملئت طواميرهم بذكر خروج عيسى عليه‌السلام في آخر الزمان لينقذ البشرية من آلامها وشقائها ، وكذا اليهود يقولون بأنه فنحاص بن عازار ؛ حيث يعتقدون بأنه ما زال حيّا وسيعود لإنقاذ بني إسرائيل (٢).

والزردشتيون يعتقدون بخروج شوسياني (منقذ العالم) بعد أن يتصارع يزدان (إله الخير) وأهريمان (إله الشر) فينكسر أهريمان وينعزل ويفوّض الأمور كلها إلى

__________________

(١) بحث حول المهدي (عج) الشريف للشهيد الصدر (قدس‌سره).

(٢) نشرت الجرائد والصحف عام ١٩٩٤ م أنّ علماء الفلك حذّروا من اصطدام شظايا من المذنّب شوميكر ليفي ٩ بكوكب المشتري العملاق ويؤكد هؤلاء العلماء أنّ كوكبنا لن يلحق به أيّ أذى كما أنه لن يراه الناس ، وهذا الحادث كما يعتقد اليهود الارثوذكس من طائفة لوبافيتش مؤشّر على خروج المسيح المنتظر ويقولون أن كتاب التعاليم اليهودية تصرّح بأنّ مجيء المسيح المنتظر سيسبقه انفجار او تصادم قوي مع كوكب المشتري.

٢٢٧

يزدان الذي بدوره يضبط أمر العالم وتستقر الأمور.

والفارق بيننا وبين غيرنا من الأديان في قضية الإمام المهدي (عج) أننا نقر برجعة النبي عيسى وغيره إلى الدنيا ولكنهم يرفضون بشدّة رجعة الإمام المهدي (عج) الشريف وذلك لرفضهم الاعتراف بدين ناسخ للشريعة الموسوية والعيسوية فلذا ينسفون الأسس الفكرية والعقائدية والتشريعية التي جاء بها الإسلام وحمل لواءها النبي الأعظم ، فبطبيعة الحال يستلزم هذا إنكار خروج رجل مصلح من أولاد محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالأخص من صلب الحسن العسكري عليه‌السلام.

وأما الفارق بيننا وبين بقيّة الفرق الإسلامية في قضية الإمام المهدي (عج) الشريف فيما يخصّ طول حياته إلى وقتنا الحاضر حيث ينكرون بقاءه ويقولون بأنّه سوف يولد في آخر الزمان حينما تتوفر الظروف الموضوعية لساعة الخروج. وسوف يأتيك الأدلة على صحة بقائه إلى الآن حيّا.

وبيننا وبين السنّة موارد اتّفاق وافتراق في الإمام المهدي (عج) الشريف.

موارد الاتفاق هي :

المورد الأول :

الاتفاق بين الشيعة والسنة على أصل قضية المهدي (عج) الشريف وأنّه هو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا. وقد ورد في شأنه عليه‌السلام مئات الروايات بل ناهزت الستّة آلاف رواية أو حديث عن النبي والعترة الطاهرة بطرق متعددة من الفريقين وهذا عدد هائل يتجاوز حدّ التواتر عشرات المرّات والتواتر كما في علم الحديث والرجال يخرج بالقضية من دائرة الظنون والتشكيكات ويدخلها في دائرة الضروريات الدينية والتاريخيّة المسلّمة بحيث لا تدخل المسألة أو القضية المتواترة في بحث الأسانيد فكيف بقضية الإمام المهدي عليه‌السلام حيث وردت فيها مئات الأحاديث الصحيحة والعالية السند وغير ذلك ، ووجود روايات بهذه الكثرة يعدّ رقما إحصائيا ضخما لا يتوفّر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهيّة. قال القاضي الشوكاني في إبراز الوهم المكنون صفحة ٤.

«إن أحاديث المهدي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول».

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج ٥ ص ٣٦٢ : «تواترت

٢٢٨

الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأمة وأنّ عيسى بن مريم سينزل ويصلّي خلفه».

وغيرهما من مؤرخي العامّة كابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ج ٢ ص ٢١١ ومناقب الشافعي وابن الصبّاغ المالكي في إسعاف الراغبين وابن خلدون في مقدمته.

المورد الثاني : وجوب الاعتقاد به (ع) وحرمة نكرانه :

لأنّ الاعتقاد بخروجه ممّا أخبر عنه الوحي والنصوص الدينيّة المعتبرة الدالّة على وجوب الإيمان به وبقضايا الغيب والآيات واضحة الدلالة ، منها قوله تعالى : (الم (٢) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٣)) وقضيته عليه‌السلام من جملة قضايا الغيب التي يحرّم نكرانها وليس معنى ذلك أنّه محتجب عن كل الناس غائب لا يراه كل الناس ، بل يراه بعض الخواصّ ، وقد رآه عدّه في حياة أبيه العسكري عليه‌السلام ، وفي الغيبة الكبرى التي نعيش خلالها ، فالمقصود من الغيب في قضيّته هو وقت ظهوره.

قال الشيخ ناصر الدين الألباني أحد كبار علماء السنّة في مجلّة التمدّن الإسلامي عدد ٢٢ :

«إنّ عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب ، والإيمان من صفات المتقين كما قال تعالى : (الم (٢) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٣)) وإنّ إنكارها لا يصدر إلّا من جاهل مكابر أسأل الله تعالى أن يتوفانا على الإيمان بها وبكل ما صحّ في الكتاب والسنّة».

وبهذا صحّ ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر ...» فرائد السمطين ج ٢ ص ٢٣٤.

وقال مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (الم (٢) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٣)) قال : المتقون شيعة عليّ عليه‌السلام والغيب هو الحجّة الغائب. يعني المهدي. إكمال الدين ج ٢ ص ٣٤.

المورد الثالث :

اتفق السنة والشيعة كما في مصادر الفريقين أنّ الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من ولد فاطمة إلا أن الشيعة يعتقدون أنه من صلب الإمام

٢٢٩

العسكري المتسلسل بالنسب إلى جدّته الصدّيقة الزهراء عليها‌السلام. فالمقطوع به عند السنّة أنه عليه‌السلام من آل البيت نسبا.

المورد الرابع : حتميّة خروجه :

تصافقت الروايات المتواترة عند الفريقين أنّ خروجه من المحتوم الذي لا بدّ منه وأنه لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد فإنّه سبحانه يطوّل هذا اليوم ليظهر وليّه لكي ينشر العدل ويميت الظلم.

فعن ابن مسعود قال : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي» (١). وعن الطفيل عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» (٢).

المورد الخامس : عمومية ملكه :

حيث يعمّ عدله وقسطه أجزاء الكرة الأرضية وذلك للخبر المتواتر بين الفريقين «يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا».

وكما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (النور / ٥٦).

وكذا قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف / ١٠) فبمقتضى التعليل بقوله (لِيُظْهِرَهُ) يتوضّح هدف رسالته وهي الأمن والعدل والحياة الرغيدة وقد أكّد هذا المعنى نصوص عديدة تبيّن ذلك منها :

__________________

(١) الغيبة للطوسي / ١١٢.

(٢) صحيح أبي داود ج ٢ / ٢٠٧ ط مصر المطبعة التازية ونقله الشيخ الصافي في المنتخب ص ١٤٧ بطرق متعددة من مصادر العامة.

٢٣٠

ما روى عن الإمام علي (١) عليه‌السلام قال : لتعطفنّ علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس (٢) على ولدها ، ثم قرأ : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص / ٦) وروي عن مولانا الباقر عليه‌السلام قال : إنّ هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان ويبيد الجبابرة والفراعنة ويملك الأرض شرقا وغربا ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (٣).

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ملك الأرض أربعة : مؤمنان وكافران ... فالمؤمنان : ذو القرنين وسليمان ، والكافران : نمرود وبخت نصر وسيملكها خامس من أهل بيتي». الحاوي للفتاوى ج ٢ ص ٨١ والفتاوى الحديثية ص ٣٩ وعقد الدرر ص ١٩ ـ ٢٠.

المورد السادس : صلاة عيسى خلفه :

فعن جابر الأنصاري قال : سمعت النبي يقول : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى بن مريم ، فيقول أميرهم : تعال صلّ بنا ، فيقول : لا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة. صحيح مسلم ج ٢ ص ١٦٦ ط دار الكتب «وفي بعض النصوص : «صلّ بنا». لاحظ المهدي الموعود عند علماء أهل السنّة والإمامية ج ٢ / ٢١٦ ط قم. هذه أهم موارد الاتفاق بين الفريقين فيما يخصّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف).

أمّا موارد الافتراق فهي :

المورد الأول :

قال الأشاعرة : إنّ الإمام المهدي (عج) الذي تحدّثت عنه النصوص الكثيرة سيولد في الظرف المناسب حينما يحين الوقت المناسب للظهور ، أما الشيعة الإمامية فهم معتقدون أنه عليه‌السلام ولد عام ٢٥٥ هجري وهو ابن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.

إلّا أن هناك جماعة من علماء العامة وافقوا الإمامية في معتقدها بحياة الإمام

__________________

(١) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام) ج ٥ / ٣٢١ ح ١٧٥٧ نقلا عن المصادر الموثوقة.

(٢) «الضروس» : الناقة يموت ولدها ، أو يذبح فيحشى جلده فتدنو منه وتعطف عليه. وقيل : إن «الضروس» ، الناقة السيئة الخلق تعضّ حالبها.

(٣) تفسير البرهان ج ٣ / ٢٣٠ ح ١٢.

٢٣١

المهدي (عج) الشريف إلى الآن (١).

المورد الثاني : العصمة :

فالشيعة يعتقدون بعصمته صلوات الله تعالى عليه تماما كعصمة جدّه النبي وعترته الطاهرة ، لأنّ مقام الإمامة يستدعي كونه معصوما مسدّدا وإلّا لاستلزم احتياجه إلى غيره فيقوّمه. وأما السنّة فعلى العكس كعادتهم في نفي العصمة عن الأنبياء على تفصيل في مراحل حياتهم عليهم‌السلام قبل البعثة وبعدها ... الخ.

ويستدلون عليه بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال :

«المهدي من أهل البيت يصلحه الله في ليلة واحدة» (٢).

يرد على هذا الدليل ما يلي :

(١) إنّ الاحتجاج بهذا الحديث على نفي عصمة الإمام المهدي (عج) الشريف باطل لثبوتها لأهل البيت عموما وله خصوصا كما أشارت بذلك أدلة العقل والنّقل.

أما العقل :

أولا : فلأنه لو جاز صدور الذنب منه عليه‌السلام أو الخطأ أو النسيان فلا يخلو الأمر من أمرين :

الأول : إمّا أن نقول بجواز ارتكاب المعاصي بل بوجوبها بما أوجب الله علينا الاقتداء به وهذا باطل قطعا.

الثاني : أنّ نقول بعدم وجوب اتباعه ، فذلك ينافي الخلافة التي يجب أن تطاع ليطبق حكم الله في الأرض.

ثانيا : لأن الإمام عليه‌السلام كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفترقان بالصفات ، فله ما للنبي إلا النبوة التشريعية ، فكما أن النبوة واجبة على الله تعالى بحكمة العقل ، كذا الإمامة واجبة مثلها ، وكل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة ، وبما

__________________

(١) لاحظ المهدي الموعود المنتظر عند علماء السنة والإمامية لنجم الدين العسكري ومنتخب الأثر للصافي.

(٢) سنن ابن ماجة : ج ٢ ص ٤٠٨٥ والحاوي للفتاوي : ج ٢ ص ٧٨ ومنتخب الأثر ص ١٤٩ نقلا عن المصادر السنيّة.

٢٣٢

أن العصمة شرط في صحّة النبوة ، فكذا هي شرط في صحة الإمامة ، لأن الإمامة خلافة عن النبوة وقائمة مقامها ، بل هي أرفع من مقام النبوة ، فإذا ثبتت ـ أي العصمة ـ للأدون ثبتت بطريق أولى للأرفع ، ولو لم يكن الإمام معصوما لأدى ذلك إلى التسلسل ، لأن الحاجة الداعية إلى الإمام هي ردع الظالم عن ظلمه ، والانتصاف للمظلوم منه ، فلو جاز أن يكون غير معصوم ـ لأن غير المعصوم معرّض للخطأ ـ لافتقر إلى إمام آخر ليكون لطفا بالنسبة إليه ، وذلك الإمام الآخر على تقدير عدم عصمته يفتقر إلى ثالث ، وهو إلى رابع ، وهكذا إلى ما لا نهاية بحيث يؤدي إلى التسلسل المستحيل. هذا مضافا إلى أنه لو فعل المعصية وجب الإنكار عليه ، وهذا يستلزم سقوط محله من القلوب ، وانتفت فائدة نصبه ـ وهي حصول القرب والبعد عن المعصية ـ وإن لم يجب الإنكار عليه ، سقط حينئذ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو محال أيضا.

فإذا ثبت استحالة اللازمين (أي وجوب الإنكار عليه ، وعدم وجوب الإنكار كما تقدم) ثبت استحالة الملزوم قطعا ـ أي عدم كونه معصوما ـ للمحذورين المتقدمين.

وأما النقل :

فبتقرير مقدمة هي :

بما أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، والعصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلّا الله تعالى ، فلا بدّ من نص من يعلم عصمته عليه ، أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه ، وقد نص الله تعالى على الإمام بقوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (المائدة / ٥٦) وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء / ٦٠) وقد ذكرنا الأدلة النقلية في الباب الخامس والعشرين وما بعده فلا نعيد.

(٢) لو سلّمنا بصحة صدور الخبر فلا بدّ من صرفه عن ظاهره والقول بأنّ المراد من «يصلحه» تمكينه من قبضة الحكم والسيطرة على أجهزة الدولة التي سوف يظهر فيها وينطلق منها بثورته ، أو يكون المراد من «يصلحه» مجيء الأمر بالخروج والانطلاق في ليلة واحدة وفي ساعة واحدة ، حيث يجتمع فيها أعوانه

٢٣٣

وأنصاره في مكة المكرمة عند الإعلان عن بدء حركته وثورته المباركة.

المورد الثالث : الاختلاف في غيبته :

ذهب أكثر علماء أهل السنّة أنّ القول بغيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعدّ ضربا من الوهم والجنون مستدلّين على ذلك باستبعاد إمكانية بقائه حيّا خلال هذه القرون الطويلة منذ سنة ٢٦٠ للهجرة إلى ما شاء الله تعالى.

قد يقال : لما ذا يصرّ الشيعة الإمامية على إثبات وجود إمام ما دام الأنبياء والمرسلون قد شرّعوا ما يحتاجه الشرع؟!

يجاب عليه :

إنّ البرهان الذي قام على إثبات النبوّة العامة بحيث يستلزم صدور الأحكام من الله تعالى يقتضي بنفسه وجود الإمام الحافظ للأحكام ، وخلاصة البرهان : إنّ الإنسان مدنيّ بالطبع فهو بهذا ينزع إلى الحياة الاجتماعية ، ممّا يستدعي التزاحم على المنافع وحصول الاختلافات التي هي نتائج التفاوت في القابليات والعقول ولأنّ كل فرد من أفراد المجتمع يريد تحصيل ما يمكنه من تأمين منافعه الماديّة المحدودة وأن يزيل العقبات التي تعترض طريقه ، في حين أنّ الآخرين أيضا يحاولون الوصول إلى نفس هذا الهدف ولهذا يحصل التنافس على المنافع والاعتداء على حقوق الآخرين ، لذا الحاجة إلى قانون من أجل ضبط العلائق الاجتماعية وحصرها ضمن طوق العدل ليرتفع الاختلاف والفوضى ، وهذا أمر فطريّ سعى إليه البشر قديما وحديثا ضمن ضوابط قانونية كلّ بحسب تفكيره وقدراته ، إضافة إلى أنّ تركيبة البشر من العقل والشهوة والتنازع بينهما وغلبة الشهوات والميول النفسية غالبا ما تكون عائقا عن تشخيص الحقيقة ممّا يؤدي إلى أن يسير نحو الشقاء والانحراف فاستدعى ذلك مجيء رسل وحجج ليسوقوا البشر نحو السعادة بتنظيمهم للعلاقات الاجتماعية والنوازع النفسية والشهوانية.

فوجود الأئمة عليهم‌السلام مكمل لوجود الأنبياء ، فحيث إن وجود الأنبياء لطف ، كذا وجود الأئمة لطف مثله ، بل إنّ مهمة الأئمة عليهم‌السلام أعظم من مهمة الأنبياء ، لأنّ مهمّة الأوائل تستدعي القيام بالمهمة التشريعية ، أمّا الأئمة والأوصياء فملقى على عاتقهم المهامّ التنفيذية ، ولا ينفع تشريع دون تنفيذ ، بل الأوّل متوقف على الثاني والثاني باعث لحياة الأول.

٢٣٤

قد يقال : إنّ بإمكان القوانين الوضعيّة من قبل البشر التكفّل بمسئولية حفظ النظام من الوقوع في غياهب الظلم والجهل ، بحيث يكون لها صلاحية لإدارة المجتمع.

والجواب :

إنّ القوانين الوضعيّة قاصرة عن ذلك لقصور عند واضعيها ، سواء أكان قصورا عقليا أم روحيا والدليل على ذلك :

أولا : إنّ علوم ومعارف البشر ناقصة ومحدودة تماما كنقصان ومحدودية عقولهم ، وهذا طبيعي عند البشر الذين لا يملكون الاطلاع الكامل على الحاجات المختلفة للإنسان أو القدرة على تمييز الخير عن الشرّ وتشخيص موارد التزاحم ولا الإحاطة بمقتضيات الأزمنة والأمكنة المختلفة.

ثانيا : إنّ هناك ارتباطا وثيقا بين الروح والمادة من خلال تعلّق الروح بها ، وتأثير المادّة على النفس مما يستدعي إيجاد قانون ينظر إلى الناحيتين نظرة تجرّد وتكامل ، وهذا غير متوفر في النظم الوضعيّة التي جلّ اهتمامها بالجانب المادّي دون اهتمام بالجانب الروحيّ ، والشاهد عليه ما نراه اليوم من فصلهم للدين عن الدولة ورفضهم للتشريعات السماوية.

ثالثا : إنّ الميول والأهواء النفسيّة عند واضعي ومقنني النظم الوضعيّة تستدعي صبّ تلك القوانين في قوالب العصبيّات والأهواء بحيث يدوّنوها لفئة قليلة دون النظر إلى الجماعات والمصالح العامّة للمجتمع بأسره. وهذا بعكس قوانين السماء الموافقة لنواميس الخلقة ومدوّنة على وفق حاجات البشر الواقعيّة ، ومنزّهة من كل أنواع الانحراف والأغراض الشخصية. ومن هنا يتضح أنّ البشر محتاجون إلى القوانين الإلهية بشكل كامل وأنّه لا غنى لهم عن الألطاف الربّانية والفيوضات الإلهية التي تقتضي وضع شرائع متكاملة يراعى فيها نواميس الفطرة والعاطفة والعقل وحفظ حقوق الأفراد والجماعات.

والآن عود على بدء ..

لما ذا المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف؟

إنّ المتصفّح لتاريخ البشرية منذ آدم إلى وقتنا الحاضر يرى أنّ في كلّ زمان حجّة على الناس ، بها يحتجّ المولى عزوجل عليهم لئلّا يقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ

٢٣٥

إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) والسرّ الذي من أجله أرسلت الحجج هو أن يرعوي الضالّ عن ضلاله والظالم عن ظلمه وليسير المرء في دروب الكمال والفضيلة ، وهذه سنّة الله القدير في خلقه ولا تتبدّل وحيث إن الظلم في وقتنا الحاضر ترك لجامه فوصل إلى أقصى حالاته يزداد انتشارا ويؤدّي إلى هلاك الحرث والنسل ، فهل يعقل في حكمة الحكيم أن يترك كلّ هذا بحيث يؤدي ذلك إلى ابتلاع إنسانية الإنسان؟ أو أنّ هناك فسحة أمل في النجاة والإصلاح؟

يختلف الجواب باختلاف المذاهب والمشارب ، فيميل المادّيون إلى فكرة الحكومة العالميّة التي ستتحقق يوما ما فيعمّ الأمن والسلام على وجه البسيطة ، وهؤلاء ينكرون خروج المصلح الغيبيّ المتمثّل بالإمام القائم روحي فداه وعجّل الله تعالى فرجه الشريف. أما الإلهيون المسلمون فيذهبون إلى الرأي المعاكس للماديين أي أنهم يتوقعون خروج المهدي (عج) ليملأ الأرض قسطا وعدلا وطمأنينة وينال المرء تحت ظلّ حكومته عليه‌السلام العصمة العرضيّة التي يمكن أن يتحلّى بها المؤمن إذا سار على خطى المنهج القويم.

أمّا الإلهيون من غير المسلمين فيعتقدون أيضا بخروج المخلّص الذي تحدّثت عنه أخبار السماء كل حسب شريعته ، كما فصّلنا في أول البحث ، والكلّ تقريبا مصيبون لأنّ المسيح عليه‌السلام وغيره من الأنبياء العظام سيرجعون إلى الدنيا ليؤازروا القائم المهدي (عج) الشريف وليكونوا سندا له عليه‌السلام يمتثلون أوامره ويطبّقون منهج السماء المتمثل بشريعة جدّه نبيّ الرحمة محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

إنّ عالمنا اليوم ينظر بفارغ الصبر سيّد العالم الحجّة المنتظر عليه‌السلام ليغيّر وجه البسيطة بعدله ونوره.

إنّه الآية الكبرى لله تعالى فمن نازعها يعدّ كافرا بالله العظيم.

قد يقال :

ما الدليل على خروج هذه الشخصية الفذّة ألّا يكفينا كتاب الله وسنّة نبيه الأكرم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

٢٣٦

والجواب :

إنّ خروجه مما تقتضيه الأدلة الثلاثة :

١ ـ الفطرة.

٢ ـ العقل.

٣ ـ النقل.

أما الفطرة :

ونعني بها ما فطر عليه الناس ، وركز فيهم من حب العدل والمساواة ، وبغض الظلم والجور والطغيان ؛ فطبيعة الإنسان تميل إلى الخير والعدالة وتبحث عن ذلك ، وهذا الأمر الفطري تطلبه البشرية كافة [اللهم إلّا من لوّث فطرته فخرج عن رسم الإنسانية ودخل في حدود الجمادية] وتصبو إليه ، ولا يعقل في حكمة العقل أن يخلق سبحانه هذا الشعور الفطري نحو العدالة ، ولا يخلق في خارجه الينبوع الذي ترتوي منه تلك النفوس المتشوقة إليه.

لذا نقول : إنّ فطرة الإنسان أنّى كان وطبيعته التي تبحث عن العدالة ، تصرخ مستغيثة بمن يمدّ لها يد الخلاص من براثن الظلم والطغيان على يد منقذها وهو الإنسان الكامل المسدّد من قبل السماء يزيل مظاهر الظلم والجور ويعمّ العدل والوئام.

وأمّا العقل :

وطبقا لقاعدة اللطف القائلة أنه سبحانه فاعل كل ما يقرّب العبد إلى الطاعة وما يبعّده عن المعصية بحيث لا يترك عباده بلا مرشد يدلّهم إلى الخير والطاعة ويبعّدهم عن الشرّ والمعصية ، وحيث إن الله تعالى ختم بالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبوّة وشريعته خاتمة الشرائع والأديان وناسخة لما تقدم عليها ، فهي أتمّ الشرائع فلا بدّ أن تكون شريعته شاملة تعطي لكل حادثة متجددة حلّا لها ، وهذا لا يمكن حصره في فترة زمنيّة قصيرة ، فيتعيّن ومن باب اللطف إيجاد أشخاص وأفراد كاملين بمنزلة النبي يبيّنون ما خفي على الناس من معرفة دينهم ويشرحون لهم ما عجزوا عن حلّه ، لا سيما في عصر يكون التقدّم العلمي في أعلى ذروته فمجيء شخص ليس عنده العلم الإحاطي قبيح عقلا لذا يتعيّن بحكمة العقل ومن باب اللطف أن يوجد الله سبحانه فردا بعد النبي وفي كلّ عصر يبيّن للناس أحكام دينهم ويدفع

٢٣٧

الظلم عنهم ويبسط العدل فيما بينهم خاصّة في آخر الزمان حيث لا نبوّة ولا تشريع ، ولا يحلّ في مقام النبيّ إلّا إمام معصوم مسدّد ، له ما للنبيّ لا فرق بينهما سوى النبوّة. هذا مضافا إلى أن الدين إذا ترك للناس أمره ، فإنّهم لا محالة يشوّهونه ويصبغونه بصبغتهم الثقافية الخاصة ، أما إذا ائتمن عليه رجال اصطفاهم الله تعالى من الرجس والدنس الظاهري والنفسي فعندها فقط يمكن أن يحفظ ، من هنا كانت ضرورة الإمامة لتصون الدين من التحريف ، ولا يمكن لغير الإمام أن يصونه حتى لو كان فقيها عادلا لأن المراد من الصيانة هو حفظ الواقع والظاهر ، والفقيه يحفظ الظاهر دون الواقع لأنه مخفي عنه في أكثر الموارد المستنبطة ، لذا يتهافت الظاهر بتهافت الآراء عند الفقهاء مما يسبّب التشتت والحيرة في أغلب الأحيان عند المكلفين ، وهذا خلاف الحكمة من انتظام الأفراد تحت قانون موحّد يسلك بهم نحو التكامل الواقعي بكل أشكاله.

أو بعبارة أخرى : إنّ نفس العلّة الغائيّة لوجوب اتّباع الرسل لحصول الهداية في المعاش هي بنفسها موجودة في الإمام عليه‌السلام ، واتّباع غير المعصوم يؤدّي إلى الغوية ولا يحسن منه تعالى عقلا ومن باب اللطف أن ينصّب على الناس غير معصوم لتساويه مع غيره ، فلا بدّ من نصب معصوم في كلّ وقت يهدي الناس إلى الحقّ والعدل ، وهو المطلوب حيث يجب وجود إمام يحقق الغاية التي من أجلها خلق الكون ، وهي المعرفة ، ولا تتحقق إلّا بوجود الإنسان الكامل في كلّ عصر ، وحيث إن ذلك متعذّر على كلّ البشر فلا بدّ من تحققه في فرد من آحاد الإنسان وهو الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ، بعد النبي والأئمة المتقدمين عليه.

* قال العلّامة المجلسي (قدس‌سره) :

«ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائيّة لإيجاد الخلق ، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسّل إليهم تظهر العلوم والمعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ولقد جرّبنا مرارا لا نحصيها أنّ عند انغلاق الأمور وإعضال المسائل ، والبعد عن جناب الحق تعالى ، وانسداد أبواب الفيض لمّا استشفعنا بهم ، وتوسلنا بأنوارهم ، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنويّ بهم في ذلك الوقت ، تنكشف تلك

٢٣٨

الأمور الصعبة وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان» (١).

هذا هو اللطف الإلهي حيث جعل حججا بهم يدفع البلاء وترتفع المحن ولا يتمّ هذا إلّا عبر الإمامة التي هي واجبة في كل عصر بحكم قاعدة اللطف ، وحيث إنه انتفاء وجود الإمام في بعض العصور محال بالضرورة لأنّه خلاف اللطف ، فانتفاؤه في كل العصور محال بطريق أولى ، فإذا استحال انتفاء وجوده في بعض العصور وجب وجوده في كل عصر فثبت المطلوب.

أمّا النقل :

فيراد منه ما جاء على لسان الأديان السماويّة المبشّرة بظهور المخلّص في آخر الزمان ، والمسلمون كافّة يعتقدون أن المهدي (عج) الشريف هو المخلّص والمسيح عليه‌السلام وزيره.

ففي توراة العهد القديم : ورد في سفر التكوين الإصحاح ١٧ :

«وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثّره جدّا اثنى عشر رئيسا يلد واجعله أمة كبيرة».

ولا يخفى أنّ الأئمة الاثنا عشر عليهم‌السلام هم من صلب النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو ابن النبي إسماعيل العربي.

وأيضا فإنّ كثرة ذرية إسماعيل عليه‌السلام منحصرة في الصدّيقة الزهراء صلوات الله عليها حيث لا يخلو صقع من الأصقاع من ذرّيتها المباركة. لكنّ البعض فسّر عبارة : «اثنى عشر رئيسا» بأنهم أولاد إسماعيل الاثنا عشر الذين ولدوا في حياته ، واستندوا في ذلك إلى ما ورد في سفر التكوين (٢٥ : ١٣ ـ ١٦). لكن يجاب عن هذا : أنه لم يكن لأبناء إسماعيل هؤلاء الذين ولدوا له في حياته دور هام في قيادة الحياة العامة للناس وتوجيهها إلى صراط الله المستقيم وأكثر ما يمكن القول عنهم أنهم كانوا رؤساء لعوائلهم أو لعشائرهم ، ولم يكونوا بمستوى يؤهلهم من دعوة الناس عامة إلى نبذ عبادة الأوثان والتوجه لعبادة الله الواحد الأحد ، بينما كانت مهمة الدعوة إلى الله موكولة إلى بني إسرائيل من نسل إسحاق حيث جعل فيهم سلسلة النبوة من أيام موسى وحتى عيسى ، ومن ثم نزعت منهم بركة النبوة

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٩٣.

٢٣٩

والرسالة لتنتقل وتستقر في نسل إسماعيل عليه‌السلام ليخرج منه اثنا عشر إماما يحملون الهداية للبشرية جمعاء.

هذا مضافا إلى أن الرئاسة هنا بمعنى الزعامة الدينية المطلقة أي الإمامة ، وهؤلاء لم ينالوا مرتبة الإمامة أو النبوة أو الإلهام إلا قيدار حسبما ورد في بعض المرويات جلالة قدره وعلو منزلته وعصمته وهو المستلم من أبيه مواريث الأنبياء والمنتقل إليه نور خاتم المرسلين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعنى «قيدار» الملك وهو أول من ملك من ولد إسماعيل ثم من بعده الهميسع ثم إد ثم عدنان ، فهؤلاء الاثنا عشر إماما من صلب قيدار.

وفي مزمار داود ٣٧ ورد :

«... عاملي الشر يقطعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض ... أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة».

وفي المزمور الثاني والسبعين : «اللهمّ أعط أحكامك للملك وبرّك لابن الملك. يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق ، تحمل الجبال سلاما للشعب والآكام بالبرّ. يقضي لمساكين الشعب. يخلّص بني البائسين ويسحق الظالم. يخشونك ما دامت الشمس وقدّام القمر إلى دور فدور. ينزل مثل المطر على الجزاز ومثل الغيوث الذّارفة على الأرض. يشرق في أيامه الصّدّيق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر. ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. أمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب. ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة. ملوك شبا وسبإ يقدّمون هدية. ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تتعبّد له. لأنه ينجّي الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له. يشفق على المسكين والبائس ويخلّص أنفس الفقراء ، من الظلم والخطف يفدي أنفسهم ويكرم دمهم في عينيه. ويعيش ويعطيه من ذهب شبا. ويصلّي لأجله دائما. اليوم كلّه يباركه. تكون حفنة برّ في الأرض في رءوس الجبال. تتمايل مثل لبنان ثمرتها ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض. يكون اسمه إلى الدّهر. قدّام الشمس يمتدّ اسمه ، ويتباركون به. كلّ أمم الأرض يطوّبونه ، مبارك الربّ الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده. ومبارك اسم مجده إلى الدهر ولتمتلئ الأرض كلّها من مجده ، آمين ثم آمين».

وفي نسخة أخرى صادرة عن دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط ، جاء :

٢٤٠