الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

واكتفى بذلك ، وهو كاف في ردعهم وبيان فضل عليّ عليه‌السلام وإنّ ما فعلهعليه‌السلام هو الصواب ، وحديث الغدير كان في الثامن عشر من ذي الحجّة بعد انقضاء الحجّ ورجوعه إلى المدينة ، ولو كان ما وقع يوم الغدير هو لمجرّد ردعهم وبيان خطأهم في شكايتهم من الإمام عليّ لمقاله بمكّة واكتفى به ولم يؤخّره إلى رجوعه.

وزعم صاحب السيرة الحلبيّة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك بمكّة لبريدة وحده ، ثمّ لمّا وصل إلى غدير خمّ أحبّ أن يقوله للصحابة عموما ، وهذا يكذّبه ما سمعته من قول أبي سعيد الخدريّ أحد الصحابة فقام خطيبا ـ أي قام في أصحابه عموما ـ وأعلن ذلك في خطبته على المنبر وعلى رءوس الأشهاد.

وقوله : ذلك بمكّة أعم وأشمل لوجود الحجيج كلّهم ومنهم أهل مكة وما حولها الذين لم يكونوا معه في غدير خم ، فلو كان الغرض تبليغ عموم الصحابة ما وقع في مسألة اليمن لما أخره إلى غدير خم ، لكنّه لمّا نزل عليه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) وهو في الطريق بلّغهم إيّاه في غدير خمّ حين نزلت عليه الآية ، فهما واقعتان لا دخل لإحداهما في الأخرى ، وخلط إحداهما بالأخرى نوع من الخلط والخبط والغمط.

مع أنّ روايات الغدير ـ مع اعتراف ابن كثير وروايته (١) لها ـ تنصّ على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف حتى لحقه من بعده وأمر برد من كان تقدم فخطبهم ، وهذا يدلّ على أنه لأمر حدث في ذلك المكان ، وهو نزول الوحي عليه ، ولو كان لتبليغ عموم الصحابة لم يؤخره إلى غدير خم ، بل كان يقوله في بعض المنازل قبله أو في مكة ، فأمره بالنزول وهو في أثناء السير وانتظار من تخلّف وأمره بردّ من تقدم ، يدلّ على أنه لأمر حدث في ذلك الوقت ، مع أنه قال هذا الكلام عقيب الأمر بالتمسّك بالكتاب والعترة ، وبيان أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض ـ وقد روى ذلك ابن كثير نفسه في كتابه ـ الذي هو تمهيد لما بعده ، فدلّ على أنه لأمر أهم من مسألة اليمن.

على أننا إنما نستدلّ بقوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» عقيب قوله :

__________________

(١) البداية والنهاية : ج ٥ ص ١٦٢.

٢٠١

«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» سواء أقال ذلك بمكة أم في غدير خم ، وسواء أقاله عقيب شكايتهم من الإمام علي عليه‌السلام أم لا ، فإنه دالّ على أنّ عليّا عليه‌السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والإمامة والخلافة لا تزيد على ذلك.

أفبعد كل القرائن الدالة على الولاية الكبرى للإمام علي عليه‌السلام وما اعترف به الخصم ـ ومنهم ابن كثير في تفسيره حيث قال : ثبت في الصحيح أن رسول الله قال في خطبته بغدير خم : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» ـ من دلالة كثير من الأحاديث على فضل العترة الطاهرة ، وهل غير بيان الفضل والمنزلة يعتبر دليلا على الإمامة الكبرى والخلافة العظمى؟! فإذا ما كان الفضل وعظم المنزلة دليلا على ذلك فأي شيء يدلّ عليه ، وإذا ما كان التطهير والعصمة شاهدا ودليلا على قيادة الأمة نحو الكمال فأيّ شيء يا ترى يكون دالّا على ذلك ، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون أم هل تستوي الظلمات والنور ، فما لكم كيف تحكمون!

شبهة وردّ :

تقرير الشبهة ؛ أن السيد محمد حسين فضل الله لم يعجبه سند حديث الغدير «الذي تصافقت الأمة على صحته سندا ودلالة وروي بطرق متعددة من الطرفين» مدعيا أن السند فيه نقاش تأكيدا لمناقشة الدلالة ، فقال : «إن مشكلتنا هي أن حديث الغدير هو من الأحاديث المروية بشكل مكثّف من السنة والشيعة ، ولذلك فإن الكثير من إخواننا المسلمين السنة يناقشون الدلالة ولا يناقشون السند ، في الوقت الذي لا بد أن تدرس القضية من خلال ذلك أيضا ...» (١).

وكأنه بكلامه هذا يتمنى على العامة أن يناقشوا السند لأنّ المتن ـ بنظره ـ غير كاف لتضعيف الحديث الذي طالما احتج به الشيعة الإمامية منذ الصدر الأول للإسلام بدءا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم بأمير المؤمنين عليه‌السلام حينما احتج به على القوم مرارا ، وكذا مولاتنا الزهراء والأئمة الاطهار من أبنائها الميامين عليهم‌السلام.

يرد عليه :

(١) كيف يشكّك السيد المذكور بخبر الغدير المتواتر في حين أنه يأخذ

__________________

(١) الندوة : ج ١ / ٤٢٢.

٢٠٢

بالخبر الضعيف إذا لم يكن هناك أي داع للكذب فيه (١) ، فأي داع للكذب في حديث الغدير؟! وإذا لم يكن حديث الغدير مكذوبا على النبي ـ طبقا لمسلكه في الأخذ بالخبر الضعيف ـ فلم التشكيك بسند الحديث ، من هنا فهو يعمل بروايات العامة (٢) في حال عدم وجود داع للكذب. وهو لا يرى مشكلة في الأخذ بروايات العامة لكونه داعية إلى منهجهم ، ولكنه في نفس الوقت يعتبر أن أحاديث الأئمة مشكلة معقدة لوجود الركام الهائل من الكذب في حديثهم عليهم‌السلام. ويرى أن كثرة الكذب على أهل البيت عليهم‌السلام تجعلنا نواجه مشكلة السّند (٣).

إن السيد عند ما شكّك بالحديث المزبور أراد النيل من خلافة الإمام علي عليه‌السلام ، وهذه الخلافة ـ على ما يبدو له ـ تشكّل حاجزا عظيما في تحقيق ما يصبو إليه من الوحدة الثقافية المتعلقة بتفاصيل العقائد ، فها هو يتنازل عن كثير من التفاصيل بغية تأسيس القاعدة الصلبة التي يلتقي عليها الجميع كما أشار إلى ذلك في إحدى مقالاته (٤).

وإذا لم يكف الخبر المتواتر السيد فضل الله فما ذا يكفيه يا ترى؟! وعلى أي شيء يعتمد في منهجه الاستدلالي ، أعلى المراسيل والمجاهيل أم على الأقيسة والاستحسانات الشخصية؟!! ولعلّ الأقيسة هي التي تروي غليله ، فيكون بذلك رادّا على عترة نبيه صلى الله عليهم أجمعين ، والرادّ عليهم خارج من ولايتهم لما روي «في موثّقة أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : والله إنّ أحب أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وإنّ أسوأهم عندي حالا وأمقتهم للّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنّا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفّر من دان به وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند ، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا» (٥).

(٢) إذا كان الحديث مرويا بشكل مكثف ـ أعني كونه متواترا ـ فلا حاجة حينئذ للدعوة إلى دراسة السند لأنّ الأخبار المتضافرة أو المتواترة يغني تواترها

__________________

(١) كتاب النكاح ج ١ / ٥٨.

(٢) نفس المصدر.

(٣) مجلة المنطلق عدد ١٣ / ٢٤ والندوة ج ١ / ٥٠٣.

(٤) مجلة المنطلق عدد ١١٣ / ١٨.

(٥) أصول الكافي ج ٢ / ٢٢٣.

٢٠٣

عن ملاحظة السّند ، كما هو المعروف والمشهور شهرة عظيمة في مصطلح أصول الحديث ، فالبحث عن السند في الخبر المتواتر يعتبر خطأ فادحا عند الفقهاء وأرباب الحديث ، والتواتر كما في علم الرجال والحديث يخرج بالقضية من دائرة الظنون والتشكيكات ويدخلها في دائرة الضروريات الدينية والتاريخية المسلّمة بحيث لا تدخل المسألة أو القضية المتواترة في بحث الأسانيد ، هذا مضافا إلى أن سند خبر الغدير في أعلى درجات الصحة والتوثيق بشهادة كبار علماء العامّة ، ونحن نحيل السيد محمد حسين إلى إحقاق الحق ج ٢ / ٤٢٦ ط قم والغدير ج ١ / ١٥٢ حيث هناك مصادر حديث الغدير من طرق متعددة ذكر منها :

أ ـ أحمد بن حنبل أربعين طريقا.

ب ـ ابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا.

ج ـ الجزري المقرئ من ثمانين طريقا.

د ـ ابن عقدة من مائة وعشرين طريقا.

ه ـ أبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقا.

و ـ أبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقا.

ز ـ الأمير محمد اليمني (أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر) في تعليق هداية العقول : أن له مائة وخمسين طريقا.

 ـ وفي المناقب لابن شهرآشوب قال : ان العلماء مطبقون على قبول هذا الخبر ، وإنما وقع الخلاف في تأويله.

ومن صرّح بتواتر الحديث كثير من علماء العامة منهم على سبيل المثال لا الحصر :

١ ـ العلّامة السيوطي في (الأزهار المتأثرة في الأحاديث المتواترة).

٢ ـ العلّامة الجزري في (أسنى المطالب) حيث قال : إنه حديث صحيح رواه الجمّ الغفير ، عن الجمّ الغفير.

٣ ـ العلّامة النيشابوري في (الأربعين) فقال : حديث الغدير تواتر عن أمير المؤمنين وهو متواتر عن النبي ، رواه جم كثير وجم غفير من الصحابة.

٤ ـ ما رواه صاحب كتاب (السراج المنير في شرح الجامع الصغير في

٢٠٤

أحاديث البشير النذير). وغيرهم كثير فليلاحظ إحقاق الحق والغدير.

بعد قليل من كثير في ذكر سند الحديث ، وبعده لا يبقى لذي مسكة أدنى شك ولا شبهة بعد مراجعة سند الحديث في كتب الخاصة والعامة التي روته عن الصحابة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد هذا يقال : في السند مجال للنقاش ، ما هكذا تورد يا سعد الابل!!!

وأما الكلام في حديث المنزلة ، فمن المسلّم به عند علماء النحو والأدب أنّ لفظة «إلّا» استثنائية تدلّ على العموم فيها عدا المستثنى ، فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي» يدلّ على عموم المنزلة ، وهارون كان وزيرا لموسى وشريكا له في النبوة ، ولو عاش بعد موسى لكان خليفة له ، لكنّه مات في حياته ، مضافا إلى أن هارون قد استخلف موسى عليه‌السلام في قوله عند ما ذهب إلى الطور لمناجاة ربّه حيث دامت غيبته عن قومه أربعين يوما ، ولا فرق في الاستخلاف بين كون المدة قصيرة أو طويلة ما دامت الحاجة إلى الخليفة قائمة ليسد الفراغات الحاصلة نتيجة الغيبة ، وحيث إن الإمام عليّا عليه أفضل التحية والسلام له منزلة هارون عدا المشاركة في النبوة ، وحيث إنه بقي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد كان الخليفة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنتفي عنه صفة النبوة خاصة ، ونذكر هنا من الموافق والمخالف ما يدلّ على المطلوب.

قال ابن أبي الحديد : والذي يدلّ على أنّ عليّا عليه‌السلام وزير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نصّ الكتاب والسنّة قول الله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٣٠) هارُونَ أَخِي (٣١) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣٢) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طه / ٣٠ ـ ٣٣) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخبر المجمع على روايته من سائر فرق الإسلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» فأثبت له جميع مراتب هارون ومنازله من موسى ، فإذا هو وزير رسول الله ولو لا أنه خاتم النبيين لكان شريكا له في أمره (١).

وقال في موضع آخر : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» وأبان نفسه عنه بالنبوة وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص

__________________

(١) غاية المرام : ص ١٢٦ الباب ٢٠ من المقصد الأول ذيل الحديث ١٠٠ نقلا عن ابن أبي الحديد.

٢٠٥

مشتركا بينهما (١).

وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) :

من الأخبار على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بلا اختلاف بين الأمة «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي» فحكم له بالفضل على الجماعة ، والنصرة والوزارة والخلافة في حياته وبعد وفاته ، والإمامة له بدلالة أنّ هذا المنازل كلها كانت لهارون من موسى في حياته وإيجاب جميعها لأمير المؤمنين عليه‌السلام إلّا ما أخرجه الاستثناء منها ظاهرا وأوجبه بلفظ «بعد» له من بعد وفاته ، وبتقدير ما كان يجب لهارون من موسى لو بقي بعد أخيه ، فلم يستثنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبقي لأمير المؤمنين عموم ما حكم له من المنازل ، وهذا نص على إمامته ، لا خفاء به على من تأمله ، وعرف وجوه القول فيه وتبيّنه (٢).

ثم قال (قدس‌سره) في موضع آخر :

فتضمن هذا القول من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّه عليه بالإمامة ، وإبانته من الكافّة بالخلافة ، ودلّ به على فضل لم يشركه فيه أحد سواه ، وأوجب له به جميع منازل هارون من موسى إلّا ما خصّه العرف من الأخوّة واستثناه هو من النبوّة ، ألا ترى أنه عليه‌السلام جعل له كافّة منازل هارون من موسى إلّا المستثنى منها لفظا وعقلا ، وقد علم كلّ من تأمّل معاني القرآن وتصفّح الروايات والأخبار أنّ هارون كان أخا موسى عليه‌السلام لأبيه وأمّه ، وشريكه في أمره ، ووزيره على نبوّته وتبليغه رسالات ربّه ، وأنّ الله سبحانه شدّ به أزره ، وأنّه كان خليفته على قومه ، وكان له من الإمامة عليهم وفرض الطاعة كإمامته وفرض طاعته ، وأنّه كان أحبّ قومه إليه وأفضلهم لديه.

قال الله عزوجل حاكيا عن موسى عليه‌السلام : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٦) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٧) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٨) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٩) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٣٠) هارُونَ أَخِي (٣١) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣٢) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٣) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٤) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٥) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٦) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (طه / ٢٦ ـ ٣٦) فأجاب الله

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) الإفصاح في الإمامة للمفيد : ص ٣٣ ط. دار المفيد بيروت.

٢٠٦

تعالى مسألته وأعطاه سؤله في ذلك وأمنيته حيث يقول : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) وقال تعالى حاكيا عن موسى عليه‌السلام : (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).

فلمّا جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام منه بمنزلة هارون من موسى ، أوجب له بذلك جميع ما عددناه إلّا ما خصه العرف من الأخوة ، واستثناه من النبوّة لفظا ، وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد من الخلق أمير المؤمنين عليه‌السلام ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال.

ولو علم الله عزوجل أن لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار ، لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عليه‌السلام عنه حسب ما قدّمناه ، بل علم أنّ المصلحة في استخلافه ، وأنّ إقامته في دار هجرته مقامه أفضل الأعمال ، فدبّر الخلق والدّين بما قضاه في ذلك وأمضاه على ما بيّناه وشرحناه (١).

ويستفاد من حديث المنزلة خلافته عليه‌السلام وإمامته من زمان حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال المظفر (قدس‌سره) :

لا ريب أنّ الاستثناء دليل العموم فثبت لعلي عليه‌السلام جميع منازل هارون الثابتة له في الآية : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٦) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٧) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي(٢٨) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٩) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٣٠) هارُونَ أَخِي (٣١) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(٣٢) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٣) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٤) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٥) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٦) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٧)) سوى النبوة ومن منازل هارون الإمامة لأنّ المراد بالأمر في قوله تعالى : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) هو الأعم من النبوة التي هي التبليغ عن الله تعالى ومن الإمامة ، التي هي الرئاسة العامة ، فإنهما أمران مختلفان ـ إلى أن قال ـ ويشهد للحاظ الإمامة وإرادتها من الأمر في الآية الأخبار السابقة المتعلقة بآخر الآيات التي ذكرناها في الخاتمة المصرحة ، تلك الأخبار بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا فقال : «اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري وتيسّر لي أمري وتحلّ عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أخي أشدد به

__________________

(١) الإرشاد للمفيد : ص ١٥٦ ط. دار المفيد.

٢٠٧

أزري وأشركه في أمري» ، فإنّ المراد هنا بالإشراك في أمره ، هو الإشراك بالإمامة لا الإشراك بالنبوة كما هو ظاهر ، ولا المعاونة على تنفيذ ما بعث فيه لأنه قد دعا له أولا بأن يكون وزيرا له.

وبالجملة : معنى الآية ؛ أشركه في أمانتي الشاملة لجهتي النبوة والإمامة ؛ لذا نقول : إن خلافة هارون لموسى لمّا ذهب إلى الطور ليست كخلافة سائر الناس ، ممن لا حكم ولا رئاسة له ذاتا ؛ بل هي خلافة شريك لشريك أقوى ، ولذا لا يتصرف بحضوره فكذا عليّعليه‌السلام بحكم الحديث لدلالته أنّ له جميع منازل هارون ، التي منها شركته لموسى في أمره سوى النبوة ، فيكون عليّ عليه‌السلام إماما مع النبي في حياته ـ إلى أن قال ـ فلا بدّ أن تستمر إمامته إلى ما بعد وفاته ، ولا سيما أنّ النظر في الحديث إلى ما بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولذا قال : «إلّا أنه لا نبي بعدي» ولو تنزّلنا عن ذلك فلا إشكال بأنّ من منازل هارون أن يكون خليفة لموسى لو بقي بعده ؛ لأنّ الشريك أولى الناس بخلافة شريكه فكذا يكون علي عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ وقد علم على جميع الوجوه أنه لا ينافي الاستدلال بالحديث على المدعى موت هارون قبل موسى كما علم بطلان أن يكون المراد مجرّد استخلاف أمير المؤمنين في المدينة خاصة فإن خصوص المورد لا يخصّص العموم الوارد ، ولا سيما أن الاستخلاف بالمدينة ليس مختصا بأمير المؤمنين لاستخلاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيره بها في باقي الغزوات ، ومقتضى الحديث أنّ الاستخلاف منزلة خاصة به كمنزلة هارون من موسى التي لا يستثنى منها إلّا النبوة.

فلا بدّ أن يكون المراد من الحديث إثبات تلك المنزلة العامة له إلى ما بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى أن قال ـ ويدلّ على عدم إرادة ذلك الاستخلاف الخاص (أي في غزوة تبوك) بخصوص ورود الحديث في موارد لا دخل لها به (فمنها) ما سيجيء إن شاء الله تعالى من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّل تحليل المسجد لعلي عليه‌السلام جنبا بأنه بمنزلة هارون من موسى (ومنها) ما رواه في كنز العمّال عن أم سليم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها : يا أم سليم : إنّ عليّا لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو منّي بمنزلة هارون من موسى.

(ومنها) : ما رواه في الكنز أيضا عن ابن عباس أن عمر قال : كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب فإني سمعت رسول الله يقول في علي ثلاث خصال ، لئن يكون لي واحدة منهنّ أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس :

٢٠٨

كنت وأبو بكر وأبو عبيدة ونفر من أصحاب رسول الله والنبي متكئ على علي عليه‌السلام حتى ضرب على منكبه ثم قال : أنت يا علي أول المؤمنين إيمانا ، وأولهم إسلاما ، ثم قال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وكذّب من زعم أنه يحبني ويبغضك (١).

هذه الأحاديث بعض من أحاديث كثيرة دلّت على إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وأولاده المعصومين عليهم‌السلام : من أرادها فليلاحظ المجاميع التاريخية والحديثية والكلامية والتفسيرية.

الأمر الرابع :

أمّا الآيات الدالة على إمامته وهي نص صريح في ذلك وقد أشير إليها في الكتب التفسيرية والكلامية ، والمصنف المظفر (قدس‌سره) قد اكتفى بآية واحدة هي آية الولاية وهي من غرر الآيات في الإمامة قال تعالى :

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٦) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (المائدة / ٥٦ ـ ٥٧).

أجمع المفسرون (٢) على نزولها في حقّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عند ما تصدّق عليه‌السلام بخاتمه على فقير وهو راكع ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك هذا الخاتم؟ (وسؤاله ليس من جهل وإنما من التجاهل لإبراز الفضل).

قال الفقير : ذاك الراكع فأنزل الله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) قال : نزلت في علي بن أبي طالب.

وتقريب الاستدلال بالآية المباركة.

أن لفظة (إِنَّما) للحصر لاتفاق أهل العربية عليه ، والولي وإن ذكر له معان لكن لا يناسب مع الحصر المذكور معنى غير الأولى بالتصرّف كقولهم السلطان ولي من لا ولي له وولي الدم وولي الميت وقوله : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل.

__________________

(١) دلائل الصدق : ج ٢ ص ٢٥٢ ـ ٢٥٤.

(٢) لاحظ المناقب لابن المغازلي : ص ٣١١ رقم ٣٥٤ وتفسير الدر المنثور للسيوطي : ج ٢ ص ٢٩٣ وشواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : ج ١ ص ١٦١.

٢٠٩

وقد ذكر المفسرون أنّ المراد بهذه الآية الشريفة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لأنه لمّا تصدق بخاتمه حال ركوعه نزلت هذه الآية.

وقد أثبت الله تعالى الولاية لذاته وشرك معه الرسول وأمير المؤمنين وولاية الله تعالى عامة فكذا النبي والولي.

وبالجملة فالحصر في المقام يدلّ على أن المراد من الولاية هو الأولى بالتصرف لا غير ، وإلّا فلا يصحّ الحصر إذ المحبة والنصرة لا اختصاص لهما بقوم دون قوم ، هذا مضافا إلى وحدة السياق فإنّ المراد من الولي في الله تعالى ورسوله الأعظم هو الأولى بالتصرف وهكذا في الذين آمنوا ، كما أنّ خارجية القضية تشهد بكون المراد منها هو ما وقعت من الإمام عليعليه‌السلام بمحضر الصحابة وهذا التقريب أسدّ وأخصر مما في دلائل الصدق حيث قال : لا يبعد أن الولي مشترك معنى موضوع للقائم بالأمر أي الذي له سلطان على المولى عليه ولو في الجملة فيكون مشتقا من الولاية بمعنى السلطان ، ومنه ولي المرأة والصبي والرعية أي القائم بأمورهم وله سلطان عليهم في الجملة ، ومنه أيضا الولي بمعنى الصديق والمحبّ فإنّ للصديق ولاية وسلطانا في الجملة على صديقه وقياما بأموره وكذا الناصر بالنسبة إلى المنصور والحليف بالنسبة إلى حليفه والجار بالنسبة إلى جاره إلى غير ذلك ، فحينئذ يكون معنى الآية إنما القائم بأموركم هو الله ورسوله وأمير المؤمنين ، ولا شك أن ولاية الله تعالى عامة في ذاتها مع أنّ الآية مطلقة ، فتفيد العموم بقرينة الحكمة ، فكذا ولاية النبي والوصي فيكون الإمام عليعليه‌السلام هو القائم بأمور المؤمنين والسلطان عليهم والإمام لهم.

ولو سلم تعدد المعاني واشتراك الولي بينها لفظا فلا ريب أن المناسب لإنزال الله الآية في مقام التصدق أن يكون المراد بالولي هو القائم بالأمور لا الناصر ، إذ أي عاقل يتصور أن إسراع الله سبحانه بذكر فضيلة التصديق واهتمامه في بيانها بهذا البيان العجيب لا يفيد إلّا مجرّد بيان أمر ضروري وهو نصرة الإمام علي للمؤمنين.

ولو سلّم أن المراد الناصر ، فحصر الناصر بالله ورسوله وعلي عليهما‌السلام لا يصحّ إلّا بلحاظ إحدى جهتين :

الأولى : إن نصرتهم للمؤمنين مشتملة على القيام والتصرّف بأمورهم وحينئذ يرجع إلى المعنى المطلوب.

٢١٠

الثانية : أن تكون نصرة غيرهم للمؤمنين كلا نصرة بالنسبة إلى نصرتهم وحينئذ يتمّ المطلوب أيضا إذ إن من لوازم الإمامة النصرة الكاملة للمؤمنين ، ولا سيما أنه تعالى قرنها بنصرته ونصرة رسوله.

وبالجملة : قد دلّت الآية الكريمة على انحصار الولاية بأي معنى فسرت بالله ورسوله وأمير المؤمنين ، وأنّ ولايتهم من سنخ واحد ، فلا بدّ أن يكون أمير المؤمنين عليه‌السلام ممتازا على الناس جميعا بما لا يحيط به وصف الواصفين ، فلا يليق إلّا أن يكون إماما لهم ونائبا من الله تعالى عليهم جميعا.

ويشهد لإرادة الإمامة من هذه الآية :

إنّ هذا الخطاب الإلهي يتوجّه إلى الأمة الإسلامية ليحدّد لها أولياءها بالخصوص وإن من الواضح جدا هنا أنّ المولى غير المولى عليه فالذين آمنوا ـ في تعبير الآية ـ هم غير المخاطبين المولى عليهم ، وسياق هذه الآية ليس كسياق الآية الشريفة (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) لأنّ الآية في مقام بيان الأولياء من الله تعالى والرسول والذين آمنوا وهو أمر لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.

وعليه ف (وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) هم أفراد معيّنون ، لهم شأن وامتياز عن الآخرين وذلك إما لأنّ هذه الصفات المذكورة تتجلّى بكل واقعها فيهم أو لأنهم سبقوا غيرهم إليها ، كما أن من الواضح أيضا أن حقيقة هذه العلاقة المعبّر عنها بالولاية بين الله ورسوله وهؤلاء الذين آمنوا ، وبين أفراد الأمة الإسلامية ليست كالرابطة المتقابلة بين فردين أو جماعتين من الأمة أي رابطة الحب والتعاون والتناصر ، وإنما هي علاقة خاصة يكون أحد الطرفين فيها مؤثرا في الآخر دون العكس وليست هي إلّا الأولوية في التصرف ، وإن اختلفت بالنسبة إلى الله تعالى وإلى غيره أصالة وتبعا وشدة وضعفا ، فولاية الله تعالى هي الأصيلة في حين أن ولاية الرسول ومن يتلوه هي مستمدة من ولاية الله تعالى ، فإذا لاحظنا هذا الذي قلناه وأدركنا الربط بين الحكم الوارد في هذه الآية ومدى تناسبه مع موضوعه وركّزنا على جعل ولاية الذين آمنوا ـ هؤلاء ـ في سياق ولاية الله تعالى ورسوله عرفنا بدقة أن المراد منهم أولو الأمر الذين افترض الله طاعتهم على المؤمنين وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقد جاءت الولاية المعطاة لهؤلاء مطلقة في الآية

٢١١

بلا أي تقييد بجانب معين من الجوانب ، ولذا فيلتزم بهذا الإطلاق إلّا ما خرج بالدليل القطعي وهو الاستقلال بالولاية التكوينية والتشريعية ـ مع أنه قد مرّ سابقا أن ولايتهم مترشحة من ولاية الله ـ فولايتهم على أي حال تبعية متفرعة على ولاية الله تعالى الأصيلة المستقلة.

ويؤكد كون الآية من آيات الولاية والإمامة ما ورد في الأخبار الكثيرة ما يدلّ على ذلك فلاحظ المجامع التفسيرية.

وأما مفاد نصّ الدار فهو واضح الدلالة على وصاية وإمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام مذ كان عمره عشرا أو أكثر بقليل ، مما يعني أنّ عليا عليه‌السلام ليس إنسانا عاديا ؛ بل إنّ حديث الدار يدلّ على أنّ الإمامة مقرونة مع دعوى الرسالة المحمدية لذا لا عجب أن يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وعلي أبوا هذه الأمة» (١).

الأمر الخامس : في دفع بعض الإيرادات الواهية على الآية :

الإيراد الأول :

إنّ الواو في قوله : (وَهُمْ راكِعُونَ) للحال ، والركوع بمعنى الخشوع والخضوع أي : يعملون ذلك في حال الخشوع والإخبات والتواضع لله تعالى إذا صلّوا وإذا زكّوا (٢).

فعلى هذا يكون معنى الآية : أنه ليس أولياؤكم اليهود والنصارى والمنافقين بل أولياؤكم الله ورسوله والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم في جميع هذه الأحوال خاضعون لساحة الربوبية بالسمع والطاعة ، وإنهم يؤتون الزكاة وهم فقراء معسرون.

والجواب :

١ ـ إنّ الركوع وإن كان في اللغة بمعنى مطلق الخشوع والخضوع لكنّه صار في الشرع اسما لركوع الصلاة ، كما أنّ الصلاة كان معناها في اللغة مطلق الدعاء ولكنها صارت في عرف المتشرعة والشرع حقيقة لذات الأركان ، فقوله تعالى : (وَهُمْ راكِعُونَ) لا يصح أن يراد به : وهم خاضعون ، لأنّ الحقيقة الشرعية والعرفية

__________________

(١) كمال الدين : ج ١ باب ٢٤ ص ٢٦ رقم ٧.

(٢) تفسير الكشّاف : ج ١ ص ٦٣٥. وتفسير الفخر الرازي : ج ١٢ ص ٢٥.

٢١٢

مقدمة على الحقيقة اللغوية ، ولم يستعمل في القرآن إلّا في ذلك المعنى كقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) (المرسلات / ٤٩) (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (آل عمران / ٤٤) وغيرهما من الآيات الكثيرة في القرآن المشتملة على لفظ الركوع الذي هو ركوع الصلاة لا الخشوع والتواضع.

مضافا إلى دلالة الروايات المتكاثرة من طرق العامة والخاصة على أنّ الآية نزلت في أمير المؤمنين علي عليه‌السلام لمّا تصدق بخاتمه وهو في الصلاة.

قال العلّامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) :

إنّ الآية نازلة في علي عليه‌السلام وعليه إجماع المفسرين ، وقد رواها الزمخشري والبيضاوي والرازي في تفاسيرهم مع شدة تعصّبهم وكثرة اهتمامهم في إخفاء فضائله عليه‌السلام إذ كان هذا في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار ، فإخفاء ذلك مما يكشف الأستار عن الذي انطوت عليه ضمائرهم الخبيثة من بغض حيدر الكرّار (١).

٢ ـ إنّ التدبّر واستيفاء النظر في الآية وما يحفّها من الآيات يعطي خلاف ما ذكروه ـ من أن المراد بالولاية هي النصرة ـ وأول ما يفسد من كلامهم ما ذكروه من أمر وحدة سياق الآيات ، وإنّ غرض الآيات التعرّض لأمر ولاية النصرة ، وتمييز الحق منها من غير الحق ، فإنّ السورة وإن كان المسلّم نزولها في آخر عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع لكن من المسلّم أيضا أنّ جميع آياتها لم تنزل دفعة واحدة ، ففي خلالها آيات لا شبهة في نزولها قبل ذلك ومضامينها تشهد بذلك ، وما ورد فيها من أسباب النزول يؤيده فليس مجرّد وقوع الآية بعد الآية أو قبل الآية يدلّ على وحدة السياق ، ولا أنّ بعض المناسبة بين آية وآية يدلّ على نزولهما معا دفعة واحدة أو اتحادهما في السياق.

فالآيات الواردة في سورة واحدة أو الآيات المتعاقبة ، ليست دائما ذات مفهوم مترابط ، كما لا تشير دائما إلى معنى واحد ، ولذلك يحصل كثيرا أن تروى لآيتين متعاقبتين حادثتان مختلفتان أو سببان للنزول ، وتكون النتيجة أن ينفصل مسير واتجاه كل آية ـ لصلتها بحادثة خاصة ـ عن مسير الآية التالية لها لاختلاف

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٢٠٥.

٢١٣

الحادثة التي نزلت بشأنها ، وبما أنّ آية الولاية بدلالة سبب نزولها جاءت في شأن تصدّق الإمام علي عليه‌السلام أثناء الركوع ، أما الآيات السابقة واللاحقة لها قد نزلت في أحداث أخرى ، لذلك لا يمكن الاعتماد على مسألة ترابط المفاهيم في الآيات ، ولكن هناك نوع من التناسب بين الآية ـ موضوع البحث ـ والآيات السابقة واللاحقة لها ، لأنّ الآيات الأخرى تضمنت الحديث عن الولاية بمعنى النصرة والإعانة ، بينما الآية المذكورة تحدثت عن الولاية بمعنى الزعامة والإشراف والتصرف ، وبديهي أنّ الولي والزعيم والمشرف والمتصرف في أمور جماعة معينة ، يكون في نفس الوقت حاميا وناصرا وصديقا ومحبا لجماعته ، أي أن مسألة النصرة والحماية تعتبر من مستلزمات وشئون الولاية المطلقة.

فظهر بما تقدم «أنّ آية الولاية والآية التي بعدها مباشرة لا تشاركان السياق السابق عليهما لو فرض أنّه متعرّض لحال ولاية النصرة ، ولا يغرّنك قوله تعالى في آخر الآية الثانية (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) فإنّ الغلبة كما تناسب الولاية بمعنى النصرة ، كذلك تناسب ولاية التصرف وكذا ولاية المحبة والمودة ، والغلبة الدينية التي هي آخر بغية أهل الدين تتحصل باتصال المؤمنين بالله ورسوله بأي وسيلة تمّت وحصلت» (١).

الإيراد الثاني :

إن المراد من (وَالَّذِينَ آمَنُوا) في الآية عامة المؤمنين ، وذلك لأنّ عبادة بن الصامت لمّا تبرأ من اليهود وقال : أنا بريء إلى الله من حلف قريظة والنضير ، وأتولّى الله ورسوله ، نزلت هذه الآية على وفق قوله ، وروي أيضا أن عبد الله بن سلام قال يا رسول الله إنّ قومنا قد هجرونا ، وأقسموا أن لا يجالسونا ، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل ، فنزلت هذه الآية ، فقال : رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء فعلى هذه الآية عامة في حق كل المؤمنين فكل من كان مؤمنا فهو ولي كل المؤمنين (٢).

والجواب :

١ ـ لقد دلّت النصوص من الفريقين أنّ الآية نزلت في حق أمير المؤمنين

__________________

(١) تفسير الميزان : ج ٦ ص ٨.

(٢) تفسير الرازي : ج ١٢ ص ٣٥ وتفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٦٤.

٢١٤

عليه‌السلام على الصفة المذكورة ، فبطل ما يروى في خلاف ذلك ، فما ذكر من احتمال إرادة عموم المؤمنين ضعيف لا يعوّل عليه ولا يرجع إلى مستند ولا يعارض الأخبار الكثيرة الدالّة على نزولها في حق الإمام علي عليه‌السلام ، وأن وجود القائل به غير متحقق.

٢ ـ إنّ الاستشهاد بخبر عبادة بن الصامت وعبد الله بن سلام على كون المراد عامة المؤمنين لا وجه له ، لأنه يدلّ على أنّ الله تعالى جعل لهم بدل هجر قومهم إيّاهم ولاية الله ورسوله والذين آمنوا ، سواء أريد بالذين آمنوا العموم أو الخصوص ، فإذا كان هناك ما يدلّ على الخصوص لم يكن فيه منافاة لهذا الخبر.

والذي يكشف عمّا قلناه «أنّه قد روي أنها لمّا نزلت خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من البيت ، فقال لبعض أصحابه هل أعطى أحد سائلا شيئا ، فقالوا : نعم يا رسول الله قد أعطى علي بن أبي طالب السائل خاتمه وهو راكع ، فقال النبي : الله أكبر قد أنزل الله فيه قرآنا ، ثم تلا الآية إلى آخرها ، وفي ذلك بطلان ما قالوه» (١).

الإيراد الثالث :

ما ذكره الرازي أيضا : من أنّ اللائق بعلي عليه‌السلام أن يكون مستغرق القلب بذكر الله حال ما يكون في الصلاة ، والظاهر أنّ من كان كذلك فإنه لا يتفرّغ لاستماع كلام الغير وفهمه (٢) ، وأكّد هذا الإيراد أيضا شمس الدين الهروي الحنفي حيث قال : إنكم (والخطاب للشيعة) تقولون إنّ عليّا عليه‌السلام في حال صلاته في غاية ما يكون من الخشوع والخضوع واستغراق جميع حواسه وقواه وتوجهها شطر الحق حتى أنكم تبالغون وتقولون كان إذا أريد إخراج السهام والنصول من جسمه الواقعة فيه وقت الحرب تركوه إلى وقت صلاته فيخرجونها منه وهو لا يحسّ بذلك لاستغراق نفسه وتوجهها نحو الحق ، فكيف مع ذلك أحسّ بالسائل حتى أعطاه خاتمه في حال صلاته (٣).

والجواب :

١ ـ قال الشاعر :

__________________

(١) التبيان في تفسير القرآن للطوسي : ج ٣ ص ٥٦٤.

(٢) تفسير الرازي : ج ١٢ ص ٣٠.

(٣) الإحقاق : ج ٢ ص ٤٤١.

٢١٥

يعطي ويمنع لا تلهيه سكرته

عند النديم ولا يلهو من الكأس

أطاعه سكره حتى تمكّن من

فعل الصحاة وهذا أفضل الناس

وحاصل الجواب : أنه عليه‌السلام في تلك الحال وإن كان كما ذكر لكنه حصل منه التفات أدرك به السائل ، وسؤاله لا يلزم منه التفاته إلى غير الحق ، لأنه فعل فعلا تعود نهايته إلى الحق فكان كالشارب الذي فعل حال سكرته فعلا موافقا لفعل الصحاة ، ولم يلهه ذلك عن نديمه ولا عن كأسه ، ولا خرج بذلك عن سكرته.

٢ ـ أنه عليه‌السلام لمّا كان بكلّيته متوجها إلى الله تعالى ، مقبلا إليه معرضا عمّا سواه متمحضا في العبادة ، نبّهه سبحانه بالإلهام والإلقاء في الروع في هذه العطية الكريمة ، وذلك لعموم تفضله جلّ شأنه على عباده فكيف بالمؤمن السائل في بيته أعني المسجد النبوي.

فلا غرو أن يلقي في قلب وليّه إعانة المسكين المفتاق ، فالتصدّق طاعة في طاعة ، ومن الضروري التأكيد على أن الذوبان في التوجّه إلى الله تعالى ، ليس معناه أن يفقد الإنسان الإحساس بنفسه ، ولا أن يكون بدون إرادة ، بل الإنسان بإرادته يصرف عن نفسه التفكير في أي شيء لا صلة له بالله تعالى.

الإيراد الرابع :

إنّ دفع الخاتم في الصلاة للفقير عمل كثير واللائق بحال علي عليه‌السلام أن لا يفعل ذلك(١).

وجوابه :

١ ـ إننا لا نسلّم كون خلع الخاتم عملا كثيرا لأنّ الخاتم كان مرجا في خنصره عليه‌السلام فلم يتكلّف خلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته (٢).

٢ ـ لا يفسد ـ عند فقهاء الإمامية ـ الصلاة إلّا العمل الكثير الماحي لصورة الصلاة ، وخلع الخاتم غير ماح لصورتها بل هو أهون من قتل الحية والعقرب حال الصلاة وهو المتفق عليه بين فرق الإسلام.

__________________

(١) تفسير الرازي : ج ١٢ ص ٣١.

(٢) تفسير الكشاف للزمخشري : ج ١ ص ٦٢٤.

٢١٦

الإيراد الخامس :

أيضا أورد الرازي : «أن المشهور أنه عليه‌السلام كان فقيرا ولم يكن له مال تجب الزكاة فيه ...» (١) فكأن الرازي حمل الزكاة على الصدقة الواجبة المعروفة عند المتشرعة ، وإطلاقها بنظره ـ على الصدقة المندوبة خلاف الظاهر.

والجواب :

إنّ الزكاة المصطلحة في عرف المتشرعة إنما هي اصطلاح مستحدث ، والقرآن الكريم قد استعملها بمعناها اللغوي العام جريا على ما يقتضيه عرف المحاورة عند أهل اللغة وغيرهم.

فالزكاة كما صرّح اللغويون بمعنى الصدقة لأنّ الزكاة وإن اشتهرت في الشرع بأنها الصدقة الواجبة لكنها تطلق على المستحبة أيضا بكثرة ، وقد ورد في القرآن ما يوضّح هذا المعنى قبل أن تشرّع الزكاة المصطلحة عندنا ، فقال تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) (مريم / ٣٢).

(وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) (الأنبياء / ٧٣) وغير ذلك ، ولا شكّ في أنّ المراد بها هو مطلق الإنفاق لوجه الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الرازي : ج ١٢ ص ٣١.

٢١٧

الباب السّادس والعشرون

عقيدتنا في عدد الأئمة عليهم‌السلام

قال المصنّف (قدس‌سره) :

ونعتقد أن الأئمة الذين لهم صفة الإمامة الحقّة هم مرجعنا في الأحكام الشرعية المنصوص عليهم بالإمامة اثنا عشر إماما ، نصّ عليهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعا بأسمائهم ، ثمّ نصّ المتقدّم منهم على من بعده ، على النحو الآتي :

١ ـ أبو الحسن علي بن أبي طالب (المرتضى) المتولّد سنة ٢٣ قبل الهجرة والمقتول سنة ٤٠ بعدها.

٢ ـ أبو محمد الحسن بن علي

(الزكي)

(٢ ـ ٥٠)

٣ ـ أبو عبد الله الحسين بن علي

(سيد الشهداء)

(٣ ـ ٦١)

٤ ـ أبو محمد علي بن الحسين

(زين العابدين)

(٣٨ ـ ٩٥)

٥ ـ أبو جعفر محمد بن علي

(الباقر)

(٥٧ ـ ١١٤)

٦ ـ أبو عبد الله جعفر بن محمد

(الصادق)

(٨٣ ـ ١٤٨)

٧ ـ أبو إبراهيم موسى بن جعفر

(الكاظم)

(١٢٨ ـ ١٨٢)

٨ ـ أبو الحسن علي بن موسى

(الرضا)

(١٤٨ ـ ٢٠٣)

٩ ـ أبو جعفر محمد بن علي

(الجواد)

(١٩٥ ـ ٢٢٠)

١٠ ـ أبو الحسن علي بن محمد

(الهادي)

(٢١٢ ـ ٢٥٤)

١١ ـ أبو محمد الحسن بن علي

(العسكري)

(٢٣٢ ـ ٢٦٠)

١٢ ـ أبو القاسم محمد بن الحسين

(المهدي)

(٢٥٦ ـ ...)

٢١٨

وهو الحجة في عصرنا الغائب المنتظر عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه ليملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت ظلما وجورا.

* * *

قد ثبت بالروايات التي فاقت حدّ التواتر بكثير أن الأئمة عليهم‌السلام اثنا عشر إماما بعد النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد روى ذلك المحدثون في جوامع الحديث كالكليني في الكافي والمجلسي في بحار الأنوار والحرّ العاملي في إثبات الهداة والبحراني في غاية المرام.

وطرق هذه الأحاديث من العامة والخاصة ؛ قال الشيخ الحر العاملي (قدس‌سره) :

«إذا عرفت هذا ظهر لك تواتر النصوص والمعجزات الآتية إن شاء الله تعالى بل تجاوزها حدّ التواتر بمراتب ، فإنها أكثر بكثير من كل ما اتفقوا على تواتره لفظا أو معنى ، مثل وجوب الصلاة والزكاة وتحريم الخمر وأخبار المعاد وكرم حاتم وغزاة بدر وأحد وحنين ، وخبر الخضر وموسى وذي القرنين ، وأمثال ذلك ، وكثرة النقلة ـ من الشيعة وغيرهم بحيث لا يحصى لهم عدد ـ ظاهر واجتماع الشرائط المذكورة واضح لا ريب فيه ، ومن خلا ذهنه من شبهة أو تقليد حصل له العلم من هذه الأخبار بحيث لا يحتمل النقيض عنده أصلا ، ولو أنصف العامة لعلموا أن نصوص أئمتنا عليهم‌السلام ومعجزاتهم أوضح تواترا من نصوص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعجزاته ، ولو أنصف اليهود والنصارى وأمثالهم لعلموا أن تواتر نصوص نبينا وأئمتنا عليهم‌السلام ومعجزاتهم أوضح وأقوى من تواتر نصوص أنبيائهم ومعجزاتهم كما أشرنا إليه سابقا (١).

وقال في موضع آخر بعد ذكره وعرضه لمعجزات الأئمة عليهم‌السلام : «وقد تركت أحاديث كثيرة من الكتب التي رأيتها وطالعتها لضعف دلالتها واحتياجها إلى بعض التوجيهات ، وضم بعض المقدمات لعدم الاحتياج إلى ذلك القسم ، ومن جملتها أحاديث تفضيل أمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم‌السلام فإنها أكثر من أن تحصى ، وما لم أنقله منه ربما كان أكثر مما نقلته ، ولكن لكثرة النصوص والمعجزات اكتفيت بما ذكرته ، ومن شكّك أو تعصّب بعد الاطلاع على

__________________

(١) إثبات الهداة : ج ١ ص ٣٥ ـ ٣٦.

٢١٩

ما جمعته فالله تعالى حاكم بيننا وبينه ، فإنه قد تجاوز حدّ التواتر اللفظي والمعنوي ولا يوجد في شيء من المتواترات اللفظية والمعنوية ما يماثله ولا يقاربه ، وناهيك بنقل جميع الخصوم له وعدم خلوّ شيء من مؤلفات الفريقين منه إلّا النادر والله ولي التوفيق (١).

وقال الخواجة نصير الدين الطوسي (٢) (قدس‌سره) بعد إثبات إمامة علي عليه‌السلام : «والنقل المتواتر دلّ على الأحد عشر ، ولوجوب العصمة ، وانتفائها عن غيرهم ووجود الكمالات فيهم» ، وكيف كان فالرويات على أصناف وطوائف :

منها : ما يدلّ على أن الأئمة اثنا عشر من قريش.

ومنها : ما يدل على أنهم كانوا معينين عند الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخبرني جبرائيل بأسمائهم وأسماء آبائهم (٣).

ومنها : ما يدلّ على ذكر بعض خصوصياتهم كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سرّه أن يحيى حياتى ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدنيها ربّي ويتمسّك بقضيب غرسه ربّي بيده (٤) ، فليتولّ علي بن أبي طالب وأوصيائه من بعده ، فإنهم لا يدخلونكم في باب ضلال ، ولا يخرجونكم من باب هدى ، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم (٥).

وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذّبون ، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم (٦).

وكقول الإمام علي عليه‌السلام : إن ليلة القدر في كل سنة وأنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وأن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله ، فقيل من هم؟ فقال : أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدّثون (٧).

__________________

(١) إثبات الهداة : ج ١ ص ٧٥ ـ ٧٦.

(٢) كشف المراد / ٤٢٢.

(٣) نفس المصدر : ج ١ ص ٢٤٩.

(٤) «قوله غرس بيده» معنى مجازي أي بقدرته إذ ليس الله يدان لأنّ ذلك من صفات الممكنات والمحدثات.

(٥) إثبات الهداة : ج ٢ ص ٢٥٤.

(٦) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢٥٦.

(٧) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢٩٨ وأصول الكافي.

٢٢٠