الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

أثناء تفاعلهما العلّي مع دخول عنصر جديد عليهما ، لينتج معلولا جديدا.

إنّ هذا الأمر يبيّن لنا عدم ثبات مبدأ العلّية في اتجاهه التراتبي وقابلية اختراقه من جهة ، كما أنه يبيّن لنا من جهة أخرى مصداقية المبدأ الفلسفي المعروف «إن كل شيء هو كل شيء» بمعنى أننا شاهدنا قدرة الإنسان على الانتخاب ما بين مواد العلل ، وهذه القدرة كلما زادت كلما أتاحت للإنسان قدرة أكبر للحصول على معاليل إضافية ، غير أنّ هذه القدرة تحكي في جانب آخر قدرة التحكم في نتاج أي مادة طالما اقتربنا من علّتها الأولى ، الأمر الذي يعني أن الإنسان قادر ـ كلما اقترب من المعدن الأصلي للأشياء ـ أن يبرز أي مادة» (١).

إذن لا مانع علميا من اختراق نظام العلّية في أشياء محدّدة من الظواهر الكونية نتيجة تسليط علّة تجعل النظام ينحاز إلى المعادلة الأقوى ، فلا شك أن الإنسان قادر على أن يتحكم بمعادلات العلّة والمعلول ، «لأنّ حصول شيء ما ، نتيجة أي ظرف كان ، يجعل هذا الشيء في حدود الإمكان ، وطالما أنّ الإمكان الفلسفي مسافته بين الوجود والعدم متساوية ، لذا فإنّ قدرة الإنسان البسيطة على الاختراق ، يمكن أن تخرج من طور البساطة ، إلى طور الاتساع ، لأنه بمجرّد ما كان قادرا على اختراق ما ، فإنه يمكن أن يطوّر عملية الاختراق هذه نوعيا ويحوّلها من الكمّ البسيط إلى النوع المعقد» (٢)

فعملية اختراق قانون العلّة والمعلول هو عملية تطبيقية لقوانين طبيعية لها طبيعة السلطان الأقوى على السلسلة المألوفة لحركة العلّة والمعلول وهذا ما يوضحه قوله تعالى مخاطبا الثقلين بقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (الرحمن / ٣٤).

هنا طرح القرآن عملية الاختراق المفترضة لقانون الجاذبية على شكل إمكان كوني ، وهذه الإمكانية المحتومة للإنس والجن إنما منحت لسبب تكويني مرتبط مرة بكون قابلية الظاهرة الكونية لأن تخترق ، وأخرى مرتبط بكونهما أعطوا سلفا نحوا من الولاية في أفعالهما.

__________________

(١) الولاية التكوينية حق طبيعي للمعصوم : ص ٥٣ لأخي المحقق الشيخ جلال الدين الصغير بتصرّف بسيط.

(٢) نفس المصدر : ص ٥٦.

١٢١

وهذا الخرق لنظام العلة والمعلول لا يعدّ خرقا لنظام العلّية الأفقي ، وإنما هو خرق عمودي لمسارات العلل ، وتغليب علّة على أخرى ، لها طبيعة السلطان الأقوى مما يرينا عدم ممانعة نظام العلّية من حيث المبدأ لخضوعه لعملية الاختراق وهو الأمر المناظر للولاية التكوينية ، إذ ليس هناك من يقول من أنصار الولاية التكوينية أنها تلغي نظام العلّية كما توهمه بعضهم ، إذ إن نظام العلّية من حيث الوجود نظام لا ينفك عن الوجود ما دامت السماوات والأرض وهذا ما يعبّر عنه بعدم الاختراق الأفقي لهذا النظام ، وإنما تتمّ العملية من خلال إعادة تراتبية العلل بشكل عمودي صعودا ونزولا وتقديما وتأخيرا.

وهذا الأمر ينسجم مع المقولة القرآنية التي ترى أن الأشياء مترابطة مع بعضها ، فالاختراق العامودي يبقى لحدث الولاية التكوينية ترابطه مع سائر الأشياء ، بينما لو قلنا بالاختراق الأفقي لأمكن القول بأن الترابط بين الأشياء سينقطع ، لأنه يحتاج إلى علّة أولى من غير سنخ العلة الأولى التي أوجدت التفاعل العلّي العامودي ، وأن الحدث سوف يحتاج إلى عملية تفسير للوجود ، وهو أمر لا يقول بإمكان حدوثه أحد.

فإذا ثبت الاختراق المذكور في الظواهر الكونية بالمنظار العقلي والفلسفي نتيجة تدخّل الإنسان باختياره في تغليب علّة على أخرى ، فيثبت بطريق أولى لتدخّل القدرة الإلهية المباشرة الممنوحة لبعض الأولياء كأن تكون على نحو التقدير والتمييز لهؤلاء ، أو على نحو الائتمان ، خصوصا وأننا نجد أنّ القدرة الإلهية سبق لها وأن أوكلت إلى عناصر متعددة ، كأن تكون طبيعية كما في ولاية العلل على بعضها ، كأن تبخّر النار الماء ، أو يطفئ الماء النار ، أو في تخصيص عمل الملائكة ، فيكون هذا ملكا للموت ، وذاك ملك يتوسط بين الله وأنبيائه وآخر خازن للجنة ، ورابع خازن للنار ، وخامس للنفخ في الصور ، فكل هؤلاء له ولاية خاصة على الأمور أو الأشياء الموكلة إليهم ، فما هو المحذور العقلي إذن في أن يمنح بعض عباده ولاية أعظم من ولايات هؤلاء ما دام هذا الجعل من شئون القدرة الإلهية التي قد يعطيها لمن أحب؟ مضافا إلى أن الولاية التكوينية هي أثر من آثار ولايتهم الشرعية على العباد ، إذ كيف يكونون حججا شرعيين وليس لديهم ما يجعلهم فوق المادة وآثارها ؛ فمن اتّصف كونه نبيّا أو إماما لا بدّ أن يتصف بما هو أدون منهما وهي الولاية التكوينية ، أو بعبارة لا بدّ أن يتصف

١٢٢

بالآثار المترتبة عليهما ، إذ ما فائدة كونه نبيّا أو إماما ولا يكونا متّصفين بالآثار المترتبة على ما اتّصفنا به ، وكأننا بذلك نكون قد فصلنا بين الشيء ولوازمه ، وهل يتصور نبي أو إمام ولا يكون له أية ولاية روحية تخضع لها ذرّات الكون؟! كلا وألف كلا ، وقد قال تعالى :

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (الجن / ١٧).

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (لقمان / ٢١).

(وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية / ١٤).

وهل هناك أفضل من النبي والإمام حتى يسخّر له الكون بأسراره وتخضع له ذرّاته شاهدة على قربه من المبدأ الأول وقد قال عزّ شأنه بالحديث المشهور :

«عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون».

«إنّ العبد ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته» (١).

فمن تقرّب إلى الله تعالى ، تقرّب إليه الله سبحانه ، فتتجلى فيه صفات الربوبية ، فيصير مرآة للانعكاس الربوبي ، فمن وصل إلى هذا المقام كان الكون بأسره معه لأنه بمقام القرب أصبح وعاء للمشية الإلهية «نحن أوعية مشية الله» فلا يشاءون إلّا أن يشاء الله (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال / ١٨).

الدليل القرآني :

ليكن معلوما أنّ الولاية التكوينية ليست حكرا على جماعة من أولياء الله تعالى حباهم بها لعصمتهم ونزاهتهم وما شابه ذلك ، فالولاية ليست شأنا ذاتيا غير قابل للجعل لعباد آخرين ، بل هي شأن اكتسابي لا يتعلق بالأنبياء والأوصياء

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٥٣.

١٢٣

فحسب ، بل بكل إنسان يتمكن من اجتياز الاستحقاق الرباني في ذلك ، والذي تتحدث عنه الآية القرآنية.

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) (فصلت / ٣١).

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (الجن / ١٧).

فقد حدّثنا القرآن العزيز عن كثير من أولياء الله غير المعصومين عليهم‌السلام نالوا حظا وافرا من كرامة الله تعالى من تحديث الملائكة لهم ، وولوجهم في عوالم الملكوت والاطّلاع على الخفايا والأسرار الكونية وما شابه ذلك ، مضافا إلى تسخير الكائنات لهم من طي الأرض وتكليم الحيوانات وغير ذلك مما حصل لهم ، ولم يكن ذلك من أجل التحديات الموجّهة إليهم كما ادّعى ذلك السيد محمد حسين فضل الله بالنسبة للأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، فها هي زوجة إبراهيم عليه‌السلام كلّمت الملائكة مبشرة لها بإسحاق (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧٢) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٣) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (هود / ٧٢ ـ ٧٤).

وها هي أم موسى عليه‌السلام يوحي إليها الله سبحانه مسددا خطاها نتيجة إيمانها وصبرها بقوله تعالى :

(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص / ٨).

وكذا قوله تعالى : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٩) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه / ٣٩ ـ ٤٠).

وكذا ما ورد في شأن الصديقة مريم عليها‌السلام التي أفيض عليها من الكرامات الباهرات حتى تمنّى زكريا أن يهبه ولدا مثلها.

قال تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (آل عمران / ٣٨).

١٢٤

(إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٦) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران / ٤٦ ـ ٤٧).

(فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٨) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٩) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (٢٠) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢١) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) (مريم / ١٨ ـ ٢٢).

وكذا ما حدّثنا عنه القرآن الكريم عن بلعم بن باعورا عالم من بني إسرائيل حباه سبحانه بالاسم الأعظم ثم سلخه عنه :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (الأعراف / ١٧٦).

وكذا ما ورد عن العبد الصالح الخضر عليه‌السلام :

(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف / ٦٦).

وكذا ما قصّه عن ذي القرنين الذي ملك الأرض بقوله تعالى :

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٤) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) (الكهف / ٨٤ ـ ٨٥).

فقد آتاه الله سبحانه من كل شيء سببا وسلطانا.

وكذا ما ورد في أصحاب الكهف بقوله تعالى :

(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً).

لاحظ الآيات من سورة الكهف / ١٠ ـ ١٨.

كل هذه الشواهد لأكبر دليل على أن بمقدور غير الأنبياء والأوصياء أن ينالوا شيئا من الولاية على العوالم التكوينية نتيجة بعض الرياضات الروحيّة الشرعية بل إن بعض المرتاضين من غير المسلمين ينالون قسطا من السيطرة على بعض العوالم المادية بسبب مخالفتهم لأنفسهم ومجاهدتهم لمشتهياتهم ، فإذا جاز لمن

١٢٥

هو دون الأئمة عليهم‌السلام أن يتصرفوا بالكون من خلال معرفة الاسم الأعظم أو شيء من علم الكتاب فكيف بمن هو سر الله الأكبر واسمه الأعظم ومن عندهم علم الكتاب فالولاية الكونية مستمدة من الولي الأكبر وليست مشاركة له كما يدعي من لم يحط بهم وبعلمهم خبرا. «أبعد هذا يتشدّق السيد محمد حسين ويقول باللسان العامي : «الولاية التكوينية ، شنو الولاية التكوينية ، إحنا بنقول ولاية تكوينية يعني بعض الناس بيقول أنه يعني الأنبياء والأئمة مشاركين الله مثل ما الله ولي الكون هني أولياء الكون» (١). وقال في موضع آخر : «أنا من الناس الذين لا يرون الولاية التكوينية ، لأنني أتصور أن كل القرآن دليل على عدم الولاية التكوينية لأن القرآن يؤكد أن النبي لا يملك من أمره شيئا إلا ما ملكه الله بشكل طارئ ...» (٢).

نعم هم أولياء الكون كما أن الله تعالى ولي الكون ، وولايتهم على الكون طولية لا عرضية بمعنى أن ولايتهم مستمدة من ولايته عزوجل ، تماما كولاية السيد المذكور الشرعية على أتباعه ، (هذا على فرض وجود ولاية له من الله ورسوله والأئمة) فحيث إنها في طول ولاية الله ورسوله والأئمة الشرعية ، فما المانع أن تكون ولاية النبي والأئمة على الكون ما دامت بإذن الله تعالى وجعله؟!

عود على بدء :

هذه بعض الشواهد القرآنية على ولاية أناس ليسوا بأنبياء أو أئمة ، فبطريق أولى يجب أن تكون لهؤلاء المذكورين ولاية على الأجسام والأجساد والعناصر والشواهد القرآنية على ذلك كثيرة تنقسم إلى قسمين :

الأول : ما يتناول الحديث عن الجن وقدراتهم الخارقة.

الثاني : ما يتناول الحديث عن بعض الإنس وقدراتهم الخارقة أيضا.

أما الأول :

فالحديث عن العوالم الجنيّة قد يصعب فهمه على كثير ممن تلوّث بقذارات المادة ، فبات لا يؤمن إلّا بالمحسوس ، ولكنّ المؤمن بالغيب يسهل عليه الإيمان بذلك ، لا سيما وأنّ القرآن أكّد وجود عوالم خفية عن أنظارنا ، ونظام خلقتها يختلف تماما عن نظام خلقتنا ، فهم مخلوقات ليست من سنخ الطين ، وإنما هي

__________________

(١) هذه الكلمات من شريط مسجّل بصوت السيد المذكور.

(٢) جواب السيد على فتاوى الشيخ جواد تبريزي.

١٢٦

من الطبائع النارية كما عبّر عنها القرآن العزيز بقوله تعالى :

(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) (الرحمن / ١٦).

فالمخلوق الجني له قدرات خارقة للعادة بطبيعة ما أودع الخالق العظيم فيه من الطاقات العظيمة بحيث يخرق المادة بسهولة من دون أن يصيبها تصدّع أو تخلخل ، كما أنه قادر على قطع المسافات الطويلة بلحظات قليلة جدا التي يعجز عن قطعها الآدمي بساعات أو شهور عبر الطائرات النفاثة وغيرها.

مضافا إلى ذلك فإنّ القرآن يصف لنا أنّ هذه المخلوقات الخفية عن أنظارنا ـ والتي من بينها إبليس اللعين ـ تتمتع بمزايا خارقة جدا تفوق مزايا الإنس في عالمنا المادي ، كأن تكون قادرة على التسلل إلى النفس الإنسانية لها وتمنّيها ، وأن تكون قادرة على التصرّف مع مسائل الزمان والمكان بقدرات أكبر من القدرات الإنسانية كما تشير الآيات عمّا يفعله إبليس بالعباد وما يمتلك من ولاية على القلوب والأجساد.

(قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٣) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص / ٨٣ ـ ٨٤).

ولا يكون الإغواء إلّا عبر التسلل إلى النفس الإنسانية ، ويؤيده ما ورد أنّ إبليس يجري في بني آدم كجريان الدم في العروق وقال تعالى أيضا :

(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) (النمل / ٤٠).

فللعفريت الجني القدرة الفعلية الخارقة ليأتي بعرش بلقيس بلحظة ، وهو مع هذا ليس في مقام تثبيت نبوته أو إمامته لأنّ مقامي النبوة والإمامة من مختصات الإنس دون غيرهم ، فما ادّعاه من ينكر الولاية التكوينية من «أن الله قد أعطى للأنبياء القيام بالمعاجز لحاجة النبوة إلى ذلك أمام التحديات الموجّهة إليهم» غير سديد ويحتاج إلى دليل قاطع.

فما ثبت للجن من قدرتهم على التحكّم والسيطرة على بعض العوالم المادية ، يثبت أيضا بطريق أولى للملائكة الموكلين بحفظ هذا النظام وليس هناك أي مانع عقلي أو شرعي من أن يطّلع الإنسان على ما في عالمي الجن والملائكة ، بل والتصرّف بمقاديرهما وذلك من خلال تخطي عتبة معينة من عتبات المعرفة

١٢٧

الروحية ، مع فرق بين الاثنين ، ففي مسألة عالم الجن فالأمر متاح لكل من طرق باب الولوج إليهم من دون تدخل اللطف الإلهي ، وإليه يشير قوله تعالى :

(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (الجن / ٧).

أما بالنسبة لعالم الملائكة فإنّ ثمة منزلة روحية ينبغي عروج الروح إليها كي يمكن خوض عبابه ، ومن هذا القبيل ما ورد في قصة بلعم بن باعورا حيث سبق له أن ترقّى روحيا إلى منزلة الملائكة ولكنه أخلد إلى الأرض فسقط منها قال تعالى :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (الأعراف / ١٧٦).

فالانسلاخ من الآيات يشير إلى أنه وصل إلى منزلة تمكّن فيها من أن يحصل على معين من لطف الله (آتَيْناهُ آياتِنا) ولكنه خرج من هذه المنزلة فأتاح للشيطان أن يغويه.

من خلال هذا السرد البسيط لما يتحلى به الجن من قدرات خارقة نستنتج وجود ولاية تكوينية لهم بالمقدار الطبيعي المحدّد من قبل الذات الإلهية ، وهم مع ذلك يعتبروا أدون درجة من العوالم الإنسية ، فبطريق أولى يثبت هذا الشيء لبعض الإنس إذا ارتاض بالرياضيات الروحية اللازمة لذلك ، (لأنّ شأن الولاية التكوينية شأن اكتسابي يمكن أن يناله كل إنسان إن عرف طريقه إلى ذلك ، وهي ـ أي الولاية المذكورة ـ لا تختص بنبيّ أو وصي فحسب ، وإنما هي متاحة في حدودها الأولية المرشحة للتنامي لكل إنسان ، وتزداد وتقلّ حسب المنزلة التي يرقى إليها الإنسان أو يتقهقر عنها) (١).

وأما الثاني :

أي قدرات بعض الإنس الخارقة.

وهؤلاء ينقسمون إلى صنفين :

الصنف الأول : ويختص بالأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام.

__________________

(١) الولاية التكوينية : ص ٨٠.

١٢٨

الصنف الثاني : ما يشمل أهل الآخرة المنعّمين في الجنة.

أما الصنف الأول :

فقد تحدثت آيات الكتاب العزيز عن عدّة أنبياء بأنّ لديهم قدرة الولاية التكوينية كإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى وغيرهم.

قال تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة / ٢٦١).

فطلب إبراهيم عليه‌السلام من الله سبحانه أن يريه إحياء الموتى كان لزيادة إيمانه ، ولم يكن طلبا لأجل دفع التحدّيات الموجّهة إليه ـ كما ادّعى السيد فضل الله ذلك على ولاية الأنبياء ـ فلم يرد في أي نصّ أن إبراهيم طلب حقيقة إحياء الموتى من أجل قومه أو من أجل دفع أي تحدّ منهم بذلك إذ لا ربط بين طلبه رؤية حقيقة الإحياء وبين تبليغ قومهم مفاهيم الدين وأسس التوحيد.

وقال تعالى حاكيا عن النبي موسى عليه‌السلام :

(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) (طه / ٧٨).

(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (الدخان / ٢٥).

(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (البقرة / ٦١).

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (الأعراف / ١١٨).

فهذه معاجز عدّة صدرت من موسى عليه‌السلام فلو لم تكن له ولاية على هذه الأشياء لما انقلبت العصا إلى حيّة ، ولما تفجّر الماء من الصخر.

قد يقال :

إنّ هذه المعاجز كانت تسديدا لموسى عليه‌السلام أمام التحدّيات الموجّهة إليه

١٢٩

من قبل السحرة ، فيثبت ما ذكره منكر الولاية التكوينية.

والجواب :

صحيح أن صدور هذه المعاجز منه عليه‌السلام لدفع غطرسة فرعون وقومه والإشكال المذكور مبني على كون الولاية التكوينية إنشائية لا فعلية ، وكونها إنشائية مردود جملة وتفصيلا ، لا سيما وأنّ القرائن العقلية والنقلية تقف إلى الضد من ذلك ، مضافا إلى أنه ما المانع أن تكون فعلية لا سيما وأنّ الرب جلّ وعلا ائتمن الرسل والأوصياء على دينه وخلقه ، فما المبرر لأن يمنحهم شيئا دون ذلك من الأهمية ثم يستردّه منهم؟!

فمن الناحية العقلية يظهر المنح الإنشائي وجود المؤهل الذاتي ، وهذا المؤهل إن أمكن وجوده في مرة أمكن إيجاده في مرّات ، بمعنى أنّ القرآن إذ يظهر لنا أن الولاية منزلة يبلغها من يمكن أن تسلب منه كما رأينا في آية (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها ...) فهي أيضا منزلة يمكن أن تتعاظم كما تظهر آية من عنده علم من الكتاب (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ).

وآية من عنده علم الكتاب (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ).

وهذا التفاضل يظهر أن الولاية شأن يمنح بناء على مواصفات ذاتية ، وما دام الأمر على هذا النحو ، فما المانع إن ظلّ المؤهل الذاتي ـ الذي منح الإنسان على ضوئه الولاية ـ موجودا في أن تظل هذه الولاية ، هذا فضلا عن أن تتعاظم إن زادت قدرات وكفاءات هذا المؤهل؟ خصوصا أن من يمنح هذه الولاية إنما يمنحها وفقا لكفاءاته في التوحيد الإلهي العملي وكلما ازداد يقينا في شئون التوحيد ، ازدادت منزلته في هذا المجال (١).

فمن كان يمتلك بعضا من علم الكتاب كآصف بن برخيا كانت الولاية عنده فعلية لا شأنية للضمير المنفصل «أنا» ولضمير المتكلم «آتيك» الدال على أن هذا الفعل من عمل آصف نفسه.

__________________

(١) المصدر السابق : ص ٤٠.

١٣٠

وكذا من كان عنده علم الكتاب كله وهو الإمام علي بن أبي طالب روحي فداه فإذا كان الذي عنده علم من الكتاب قادرا على جلب عرش بلقيس بأقلّ من طرفة عين ، فما بالك بمن عنده كل علم الكتاب فهو بطريق أولى قادر على التصرف التام في عالم العناصر والأجساد ، فيمكن ببعض الأسماء الإلهية أن تسيّر الجبال وتقطع الأرض ويكلّم به الموتى (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) (الرعد / ٣٤) (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر / ٢٢).

فأي استبعاد بعد من أن يكون للنبي والوصي ولاية تكوينية موهوبة من عند علّام الغيوب؟!

وأما داود عليه‌السلام : فقد سخّر سبحانه له الطير والجبال يسبّحن معه والرياح وليّن له الحديد بدليل الآيات التالية :

(وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (الأنبياء / ٨٠).

(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) (ص / ١٩).

(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) (ص / ٣٧).

(يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سبأ / ١١).

فالله سبحانه أعطى داود تلك الولاية التكوينية بحيث إذا أراد داود عليه‌السلام في أي ساعة تسخير الرياح لجرت بأمره ، ولا يريد إلّا ما أراده الله سبحانه.

وتسخير الكائنات لداود عليه‌السلام لم يكن حالة استثنائية تفرّد بها داود بل هي عامة تشمل الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام تتسع وتضيق بحسب القابليات والظروف المعيّنة ، فإظهارها بوضوح على يد داود لحكمة معيّنة.

وليس داود أفضل من النبي محمد وعترته الطاهرة حتى يسخّر له ما لم يسخّر للنبي وعترته عليهم‌السلام ، فالثابت عند الفريقين أن النبي أفضل الأنبياء والمرسلين على الإطلاق وبلا منازع ، فإذا ثبت تسخير الكائنات إلى من دونه بالفضيلة ثبت بطريق أولى إلى نبينا وعترته الطاهرة ، وقد أعطي النبي وعترته أكثر

١٣١

مما أعطي آل داود من المعاجز والهيمنة المطلقة على الأشياء (١).

ورد بسند صحيح عن هارون بن موفق مولى أبي الحسن قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام في حديث طويل : «... لم يعط داود وآل داود شيء إلّا وقد أعطي محمّد وآل محمّد أكثر» (٢).

وأمّا النبي سليمان عليه‌السلام :

قال تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨٢) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) (الأنبياء / ٨٢ ـ ٨٣).

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٦) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٧) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (النمل / ١٦ ـ ١٨) (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٧) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٨) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٩) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (ص / ٣٧ ـ ٤٠) فالآية الأخيرة واضحة الدلالة ان هذا العطاء الرباني موكول إلى سليمان عليه‌السلام يتصرف به كيفما يشاء ، وحيث ما يمنح له هذا القدر فإنه لا ريب ينجر إلى أنه يستطيع فعله متى شاء.

والميزة التي اختصّ بها سليمان عليه‌السلام هي أنه سخّر له الجن وتكلم مع الطير والنمل ، كما أن أباه داود سخرت له الجبال والطير يسبحن معه ، فلو ضممنا معاجز الأنبياء إلى بعضها البعض نرى بوضوح أن كل نبي كانت له معاجز تميّزه عن غيره من معاجز الأنبياء ، وهذه المعاجز هي نوع من إظهار الولاية التكوينية لكل نبي بحسب المميزات والظروف المحيطة به مما يوحي بالاطمئنان أن مجموع هذه المعاجز هي عبارة عن إظهار سلطة الأنبياء والأولياء على هذا الكون مما يزيد في تثبيت عقائد المؤمنين بهم وزيادة إيمانهم وقوة يقينهم.

فعدم إظهارهم لها في كل حين ليس دليلا على عدم فعليتها فيهم مع الأخذ

__________________

(١) لاحظ تعليقاتنا على المراجعات : ص ١٣٢ ط. الأعلمي ١٩٩٦ م.

(٢) لاحظ الاختصاص : ص ٢٩٩.

١٣٢

بنظر الاعتبار (أن الولاية شأن يمنح من الباري عزوجل بناء على مواصفات ذاتية ، وما دام الأمر على هذا النحو ، فما المانع إن ظلّ المؤهل الذاتي ـ الذي منح الإنسان على ضوئه الولاية ـ موجودا في أن تظل هذه الولاية ، هذا فضلا عن أن تتعاظم إن زادت قدرات وكفاءات هذا المؤهل؟) (١).

وأما النبي عيسى عليه‌السلام :

فقد تحدثت الآيات عنه عليه‌السلام وما تميّز به هذا النبي الكريم من إحياء الموتى وخلق الطير الخ. قال تعالى :

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة / ١١١).

(وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران / ٥٠).

لقد أتى المسيح عليه‌السلام بأربع حالات يعجز عنها البشر مهما أوتوا من قوة العلم هي :

١ ـ خلق الطير من الطين ومن دون تناسل.

٢ ـ نفخ الروح في الطير المصنوع من طين.

٣ ـ إبراء الأكمة والأبرص.

٤ ـ إحياء الموتى.

هذه الأمور من المستحيلات لكنه سبحانه فوّضها إلى بعض عباده تشريفا وتعظيما لهم لطاعتهم له عزوجل فسمح لهم أن يتدخلوا في عالم الخلق والتكوين وأن يحدثوا ما يعتبر خارقا لقوانين الطبيعة ، فاستعمال أفعال مثل «أبرئ ـ أحي» وبضمير المتكلم تدلّ على أنّ هذه الأفعال من عمل الأنبياء أنفسهم ،

__________________

(١) الولاية التكوينية : ص ١٤٠.

١٣٣

والقول بأنّ هذه الأفعال كانت بسبب دعائهم إنما هو قول لا يقوم على إثباته دليل ، بل إنّ ظاهر الآيات تدلّ على أنهم كانوا يتصرفون بعوالم التكوين ويقومون بتلك الأفعال وبمحض إرادتهم التي هي في طول إرادة المولى ، ولكي لا يتصور أحد أنّ الأنبياء مستقلون في العمل وأنهم يخلقون ، تكرر منهم قول «بإذن الله» لأنّ عملية الخلق استقلالا هي من مختصات الباري عزوجل والأنبياء والأولياء يقومون بعملية الخلق والإبداع تبعا وانقيادا لقدرته وإلّا فإنهم عاجزون عن هذا من دون أمره عزوجل (١).

أما الصنف الثاني :

والآيات المتعلقة بالولاية التكوينية المختصة بأهل الجنة حيث يمتلكون القدرات الخارقة بإذنه تعالى على إيجاد كل ما يبتغونه ويحبونه فهي عديدة منها قوله تعالى :

(لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (يس / ٥٨).

أي أن كل ما يتمنّاه المرء في الجنة يجده حاضرا لديه ، فما كان ثابت لأهل الجنّة نتيجة طاعاتهم في الدنيا ، فهو ثابت للأئمة والأنبياء بلا فصل.

وعلى نسق هذه الآية قوله تعالى :

(عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) (الإنسان / ٧).

والمقصود من تفجيرهم لها أنهم يجزونها حيث شاءوا إجراء سهلا بمعنى أن يحمل تفجيرهم العين على إرادتهم جريانها لأن نعم الجنّة لا تحتاج في تحققها والتنعم بها إلى أزيد من مشية أهلها قال تعالى : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها).

فبدلالة (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) فإنّ الله تعالى يخلق لأهل الجنّة كل ما يتصورونه ويريدونه وهذا بعينه نوع ولاية على إيجاد ما يتمنون فهو مسخّر لإرادتهم ، فإذا ثبت هذا لأهل الجنة فكيف لا يثبت لمن خلقت الجنّة لأجلهم أعني النبي محمّد وعترته الطاهرة عليهم سلام الله تعالى.

هذه نبذة من الآيات الدالّة على وجود ولاية تكوينية للأئمة والأنبياء عليهم‌السلام

__________________

(١) تعليقاتنا على المراجعات : ص ١٣٤.

١٣٤

مضافا إلى بعض الآيات الدالّة بالملازمة على حصول الولاية لهم لكون الولاية من لوازم قربهم وطاعتهم للمولى عزوجل كما في قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة / ٤١).

وبما أنّ النبي والأئمة وفوا بعهده عزوجل وجب بحكم العقل أن يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله لأنه لا يخلف الميعاد وليس هذا إلّا الولاية في الدنيا والثواب والقرب في الآخرة وكما في آيات تسخير ما في السماوات والأرض للإنسان ، والتسخير هو الخضوع ، والخضوع هو الطاعة ، والتسخير التام لم يحصل عليه الإنسان العادي وإلّا لتساوى مع الأنبياء والمرسلين والأئمة المهديين ، فالتسخير المطلق لا يكون إلّا لمن ذكرنا لأنّ التسخير على نوعين :

عام : يشمل المطيع والعاصي ، حيث إن الكون بطبيعته مسخّر لمطلق الإنسان.

خاص : يختص بالمطيعين بحيث لو تكامل المرء في مسيرة السلوك إليه تعالى لأطاعه كل شيء ، ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء.

وحقيقة الطاعة مؤلفة من عناصر ثلاثة :

١ ـ أن تكون الطاعة لوجهه تعالى.

٢ ـ أن تكون بداعي القرب الروحي.

٣ ـ أن تكون بداعي المحبة والعشق.

وهذه العناصر الثلاثة مجتمعة بأكملها في الأئمة عليهم‌السلام فكيف لا يطيعهم كل شيء؟!

وأخيرا نقول :

ومما يؤيد القول بأنّ للأئمة عليهم‌السلام الولاية التامة :

إنّ العوالم أربعة : اللاهوت ـ والجبروت ـ والملكوت ـ والملك. والثلاثة الأولى كلها مجرّدة عن المادة والمدة ، أما عالم الملك فمادي ، وهو دون الثلاثة الأولى في القيمة والاعتبار ، فكل عالم له الهيمنة على ما دونه والتصرف فيه ، فعالم الملكوت المجرّد عن المادة والمدة الزمنية له التصرف في عالم الملك للإبداع والإيجاد من دون إعداد واستعداد ولا مادة ولا امتداد ، فمن هنا فإنّ العبد إذا تحقق بحقيقة الحق وتخلق بأخلاق الروحانيين غلبت عليه صفات الأرواح

١٣٥

المجرّدة وصار له سلطنة على العوالم المادية يتصرف فيها كيف شاء بمشيئته تعالى ويؤيده حديث قرب النوافل «ما يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل ...».

«فكما أنّه جلّ شأنه يوجد المادة من غير مدة ولا مواد ولا قوة ولا إعداد واستعداد فكذلك وليّه ، وبالجملة فالوجودات المجرّدة أو العقول الفعّالة والمدبّرات أمرا كما في لسان الشرع المقدس تمر على الزمان ولا يمرّ الزمان عليها وتحكم على المدة ولا تحكم المادة عليها.

والمادة التي تعلقت بها كأجسامها العنصرية الشريفة مقهورة لروحها المجردة ويجري عليها حكم التجرّد فلا يعوقها عن الاتصال بالملإ الأعلى ـ فضلا عن الأدنى ـ عائق».

الدليل الروائي :

المراد من الدليل الروائي هو السنّة المطهّرة المتمثلة بأحاديث النبي وعترته الطاهرة مضافا إلى فعلهم وتقريرهم لأمر من الأمور فإن ذلك يكشف عن حجية هذا الفعل ، لذا فإنّ ثبات صدور حديث أو أكثر عن المعصوم في قضية ما ، يعني أننا ملزمون بقبول هذه القضية ما دامت لم تعارض كتاب الله ، لهذا فإنّ سنة المعصوم إن أبلغتنا بشكل قطعي بوجود الولاية التكوينية قولا أو فعلا أو تقريرا ، فإنّ ذلك يلزمنا بقبول العقيدة بذلك وفقا لقوله تعالى :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ ، أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب / ٣٧).

ومن هنا فقد وردت النصوص الصحيحة والمعتبرة والعالية السند والمتواترة الدالّة على وجود ولاية تكوينية للنبي والأئمة عليهم‌السلام.

نقتبس منها :

١ ـ ما رواه الصفار في باب أن الأئمة عليهم‌السلام أعطوا خزائن الأرض.

عن عمر بن عبد العزيز عن الحميري عن يونس بن ظبيان والمفضّل بن عمر وأبي سلمة السرّاج والحسين بن ثوير بن أبي فاختة قالوا : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : لنا خزائن الأرض ومفاتيحها ، ولو شئت أن أقول بإحدى رجلي اخرجي ما فيك من الذهب لأخرجت قال : فقال بإحدى رجليه فخطّها في الأرض خطا فانفجرت الأرض ثم قال بيده فاخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها وقال :

١٣٦

انظروا فيها حسّا حسنا لا تشكّوا ثم قال : انظروا في الأرض فإذا سبائك في الأرض كثيرة بعضها على بعض يتلألأ فقال بعضنا جعلت فداك أعطيتم كل هذا وشيعتكم محتاجون؟ فقال : إن الله سيجمع لنا ولشيعتنا الدنيا والآخرة يدخلهم جنّات النعيم ويدخل عدوّنا الجحيم (١).

٢ ـ عن عثمان بن زيد عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة ، قال : يا جابر ما عندنا درهم ، فلم ألبث حتى دخل عليه الكميت ، فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي حتى أنشدك قصيدة ، فقال : أنشد ، فأنشده قصيدة ، فقال عليه‌السلام : يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت ، فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك قصيدة أخرى ، قال عليه‌السلام : أنشد ، فأنشده أخرى قالعليه‌السلام : يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرّة فادفعها إلى الكميت فدفع إليه بدرة ، فقال: جعلت فداك والله ما أحبكم لغرض الدنيا ، وما أردت بذلك إلّا صلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أوجب عليّ من الحق ، قال : فدعا له أبو جعفر عليه‌السلام ثم قال : يا غلام ردّها مكانها ، قال جابر : قلت في نفسي ليس عندي درهم ، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم ، فقام الكميت وخرج ، قلت له : جعلت فداك قلت ليس عندي دراهم وأمرت للكميت بثلاثين ألف درهم قال عليه‌السلام يا جابر قم وادخل البيت ، قال جابر :

قمت ودخلت البيت فلم أجد منه شيئا فخرجت إليه ، فقال لي : يا جابر ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم ، فقام فأخذ بيدي وأدخلني البيت ثم قام وضرب برجله الأرض فإذا شبيه بعنق البعير قد خرجت من ذهب ثم قال لي : يا جابر انظر إلى هذا ولا تخبر به أحدا إلّا من تثق به من إخوانك إنّ الله أقدرنا على ما نريد ولو شئنا أن نسوق الأرض بأذمتها لسقناها (٢).

٣ ـ ما ورد عن الاختصاص والبصائر عن ابن عيسى عن ابن أبي نصر عن محمد بن حمران عن الأسود بن سعيد قال :

قال لي أبو جعفر عليه‌السلام :

يا أسود بن سعيد إنّ بيننا وبين كل أرض ترا مثل تر البناء ، فإذا أمرنا في

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ٣٩٤ ح ١ ط. قم.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٣٩٥ ح ٥.

١٣٧

الأرض بأمر جذبنا ذلك التر فأقبلت الأرض بقليبها وأسواقها ودورها حتى تنفذ فيها ما نؤمر به من أمر الله تعالى (١).

٤ ـ وعن الاختصاص والبصائر أيضا عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عبد الملك القمي عن إدريس بن عبد الله عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : إنّ منّا أهل البيت لمن الدنيا عنده بمثل هذه ، وعقد بيده عشرة (٢).

في الحديث دلالة واضحة على أنّ الدنيا عند الإمام عليه‌السلام كحلقة اليدين عند ما يجمعهما المرء مع بعضهما ، فله أنّ يتصرف فيها بإذن الله تعالى كيف شاء ، أو في علمه بما فيها وأحاطته بها.

٥ ـ وفي نفس المصدر عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال :

إنّ الدنيا مثلت لصاحب هذا الأمر في مثل فلقة الجوزة ، فما يعرض لشيء منها ، وإنه ليتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء فلا يعزب عنه منها شيء.

٦ ـ عن الاختصاص والبصائر عن علي بن إسماعيل عن محمد بن عمرو الزيات عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن جابر قال :

كنت يوما عند أبي جعفر عليه‌السلام جالسا فالتفت إليّ ، فقال لي : يا جابر ألك حمار فيقطع ما بين المشرق والمغرب في ليلة؟

فقلت له : جعلت فداك لا ، فقال :

إني لأعرف رجلا بالمدينة له حمار يركبه فيأتي المشرق والمغرب في ليلة (٣).

٧ ـ ورد عن علي بن الحكم عن محمّد بن الفضل قال : أخبرني ضريس الوابشي عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٣٦٦ ح ٨ وفي نسخة الاختصاص : «حتى ننفذ فيها» والتر : الخيط يقدّر به البناء.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٣٦٧ ح ٩.

(٣) نفس المصدر : ص ٣٦٩ ح ١٦.

١٣٨

ما بينه وبين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم (١).

٨ ـ عن محمد بن عبد الجبّار عن أبي عبد الله البرقي عن فضالة بن أيوب عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

كان مع عيسى بن مريم حرفان يعمل بهما وكان مع موسى أربعة أحرف وكان مع إبراهيم ستة أحرف وكان مع آدم خمسة وعشرون حرفا وكان مع نوح ثمانية ، وجمع ذلك كله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن اسم الله ثلاثة وسبعون حرفا وحجب عنه واحدا (٢).

٩ ـ عن أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

كان سليمان عنده اسم الله الأكبر الذي إذا سأله أعطى وإذا دعا به أجاب ، ولو كان اليوم لاحتاج إلينا (٣).

١٠ ـ عن الحسين بن محمد بن عامر عن معلّى بن محمد عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن علي بن محمد النوفلى عن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام قال :

إنّ اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا ، وإنما كان عند آصف منه حرف واحد فتكلم فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيّره إلى سليمان ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين ، وعندنا منه اثنتان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب (٤).

١١ ـ ما أورده صاحب البصائر الحسن الصفار رضوان الله تعالى عليه في باب أن الأئمة عليهم‌السلام يحيون ويبرءون الأكمة والأبرص بإذن الله تعالى.

ما ورد عن علي بن الحكم عن مثنى الحناط عن أبي بصير قال : دخلت على

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ٢٢٨ باب ١٢ ح ١.

(٢) نفس المصدر : ص ٢٢٩ ح ٤.

(٣) نفس المصدر : ص ٢٣١ ح ٢.

(٤) بصائر الدرجات : ص ٢٣١ ح ٣.

١٣٩

أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام وقلت لهما أنتما ورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : نعم ، قلت: فرسول الله وارث الأنبياء علم كل ما علموا؟ فقال لي : نعم ، فقلت : أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرءوا الأكمة والأبرص؟ فقال لي : نعم بإذن الله ، ثم قال : أدن مني يا أبا محمد ، فمسح يده على عيني (وقد كان أبو بصير ضريرا) ووجهي وأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار ، قال : أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا؟

قلت : أعود كما كنت ، قال : فمسح على عينيّ فعدت كما كنت قال علي بن الحكم : فحدثت به ابن أبي عمير فقال : أشهد أنّ هذا حق كما أن النهار حق (١).

١٢ ـ عن إبراهيم بن هاشم عن علي بن معبد عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام ، فأقبلت أقول : كذا وكذا يقولون ، قال : فيقول : قل كذا وكذا ، فقلت : جعلت فداك هذا الحلال والحرام والقرآن ، أعلم أنك صاحبه ، وأعلم الناس به ، وهذا هو الكلام ، فقال لي : وتشك يا هشام ، من شكّ أن الله يحتجّ على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه فقد افترى على الله (٢).

١٣ ـ وعن إبراهيم بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

من زعم أن الله يحتج بعبده في بلاده ثم يستر عنه جميع ما يحتاج إليه فقد افترى على الله (٣).

١٤ ـ عن أحمد بن محمد ، ومحمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب عن ضريس قال :

سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول وأناس من أصحابه حوله : إني أعجب من قوم يتولونا ويجعلوننا أئمة ويصفون بأنّ طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة الله ثم يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم فينقصون حقّنا ، ويعيبون ذلك

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٢٨٩ ح ١.

(٢) بصائر الدرجات : ص ١٤٣ ح ٣.

(٣) نفس المصدر : ح ٤.

١٤٠